الحُزنُ يملأُ كلَّ شيء، ويُلوِّنُ كلَّ شيء، ويُصادرُ كلَّ شيء، ويتركُ النَّفسَ وكأنَّها لا شيء في لا شيء!

﴿وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا﴾

‏﴿فإن الجنّة هي المأوى﴾
اختصار أن الحياة فترة وما الدُنيا إلا فناء ، وما نحنُ إلا عابرين ، وما الآخرةُ إلا بقاء ، فاجعلنا يارب بجنتك مُخلدين..

اللهُمَّ آنِس وَحشةَ أنس، وأعلِ قدرَه، وآوِهِ وقرِّبه وأحسِن نُزلَه؛ فقد آذته قباحاتُ الحرب، وأعيت كاهِلَه، وبحَّت صوتَه، وأرهقت قلبَه.
اللهُمَّ تقبَّلهُ في عبادكَ الصَّالحين، وارفع منزلَتَهُ بقدرِ ما كانَ مهمومًا على هذهِ الأمَّةِ وهذهِ البلاد وهؤلاءِ النَّاس.

إلى رَوْحٍ ورَيْحان، وربٍّ غيرِ غضبان.

فَتًى سَلَبَتهُ الخَيلُ وهوَ حِمًى لها
وبَزَّتهُ نارُ الحَربِ وهوَ لها جَمرُ!

أُوصِيكم بقُرَّةِ عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تُسعفني الأيَّامُ لأراها تكبُرُ كما كنتُ أحلم..

﴿عَطاءً غَيرَ مَجذوذٍ﴾

أي: غير مقطوع؛ لئلَّا يتوهَّمَ مُتَوهِّمٌ بعد ذكرهِ المَشيئةَ أنَّ ثَمَّ انقطاعًا، أو لبسًا، أو شيئًا، بل ختَمَ له بالدَّوامِ وعدمِ الانقطاع.

[تفسير ابن كثير]

﴿إِن یَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحࣱ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحࣱ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَیَّامُ نُدَاوِلُهَا بَیۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَیَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَاۤءَۗ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [آل عمران ١٤٠]

إن أصابتكم -أيُّها المؤمنون- جِراحٌ أو قتلٌ في غزوةِ أُحد فحزنتم لذلك، فقد أصابَ المُشركينَ جِراحٌ وقتلٌ مثل ذلك في غزوةِ بدر.

وتلكَ الأيَّامُ يُصَرِّفُها اللهُ بينَ النَّاس، نصرٌ مرَّة وهزيمةٌ أخرى؛ لما في ذلكَ من الحِكمة، حتِّى يَظهرَ ما علمَهُ اللهُ في الأزل؛ ليميزَ اللهُ المؤمنَ الصَّادقَ مِن غيره، ويُكْرِمَ أقوامًا منكم بالشَّهادة. واللهُ لا يحبُّ الذين ظلموا أنفُسَهم، وقَعدوا عن القِتالِ في سبيلِه.

[تفسير الميسَّر]

وكانت في حياتِكَ لي عِظاتٌ
‏وأنتَ اليومَ أوعظُ منكَ حيّا!

وليتَ عينَ التي آبَ النَّهارُ بها
فِداءُ عينِ التي زالت ولم تَؤبِ

"غاراتٌ عنيفةٌ على غَزَّة"

خبرٌ يتكرَّرُ مثلَ جُرحٍ مفتوحٍ لا يلتئم، ألمٌ يعتصرُ القلوبَ ويتسلَّلُ إلى أعماقِ الرُّوح، حتَّى صارَ وكأنَّهُ جزءٌ من مشهدٍ يوميٍّ عابر.

هل صارَ الألمُ عاديًّا أمامَ أعيُننا؟ هل تحوَّلَ هذا المشهدُ المُرعبُ إلى لوحةٍ نمرُّ عليها مرورَ الكِرام، كما نمرُّ على أخبارِ الطَّقسِ أو حركةِ المرور؟

في كلِّ مرَّةٍ نسمعُ "غاراتٌ عنيفةٌ على غَزَّة"، كأنَّ العالمَ ينفصِلُ عن إحساسِهِ بالوجع، ويغرقُ في صمتٍ مُخزٍ، يجعلُنا نعدُّ الشُّهداءَ مثلَ أرقامٍ باردة، ونحصي أسماءهم بكلِّ خِزي، كما لو أنَّ أرواحَهم أصبحت مُجرَّدَ إحصائيَّةٍ بلا روح!

كم من طفلٍ، كم من أمٍّ، كم من أبٍ سقطوا تحتَ نيرانِ هذا الألم؟ كم من قصصٍ انطفأت قبلَ أن تُروى، وأحلامٍ تبخَّرتْ في رمادِ الحرب؟

والأسوأ من ذلك أنَّ الخبرَ لا يُزلزلُ وجدانَنا كما كانَ يفعلُ في السَّابق، بل صارَ يمرُّ مثل وميضٍ سريعٍ ثمَّ يُنسى، وكأنَّ الألمَ تبلَّد، والقلوبَ اعتادت على هذا الخِذلانِ المُستمرّ.
كيفَ لنا أن نُخفي خزيِ هذا التبلُّد؟ كيف نبرِّرُ صمتَنا أمامَ هذا الانكسارِ المُتكرِّر؟

في كلِّ مرَّة نعدُّ الشُّهداء، نحن لا نُحصي أرقامًا، بل نحصي دفعاتٍ من الألمِ والخذلان، نعدُّ سقوطَ الإنسانيَّة على مرأى من الجميع!

﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَ﴾

وهو تعبيرٌ عجيبٌ عن معنًى عميق، إنَّ الشُّهداءَ لمُختارون.
يختارُهم اللهُ من بينِ المُجاهدين، ويتَّخذُهم لنفسِهِ سُبحانه، فما هي رَزِيَّةٌ إذن ولا خسارةٌ أن يَستشهدَ في سبيلِ اللهِ مَن يستشهد. إنَّما هو اختيارٌ وانتقاء، وتكريمٌ واختصاص.
ثمَّ هم شُهداءُ يتَّخذُهم الله، ويَستشهدُهم على هذا الحقِّ الذي بَعثَ بهِ للنَّاس. يَستشهدُهم فيُؤدُّونَ الشَّهادة. يُؤدُّونَها أداءً لا شُبهةَ فيه، ولا مطعنَ عليه، ولا جدالَ حولَه. يُؤدُّونَها بجهادِهم حتَّى الموت في سبيلِ إحقاقِ هذا الحقّ.

[في ظِلال القُرآن، سيِّد قُطب]

اللهُمَّ يا مَن أطعمتَ مِن جوعٍ وٱمَنتَ من خوف، أطعِم أهلَ غزَّةَ وٱمِنهُم وتولَّ أمرَهم وانصُرهم.

‏لا زمان يَحُدُّها، وفي جميعِ الأَوقاتِ يصحُّ فعلُها، ولا يتركُها إِلاَّ بخيلٌ عجزَ عن الوفاءِ لإِمامِهِ ﷺ، وعن رحمتِهِ بنفسِه.
أُجورها عِظامٌ، ومنافِعُها جِزالٌ، وفي ليلتِنا هذهِ وغدِها تتأَكَّدُ بنصِّ كلامِ سيِّدِ الأَنام ﷺ.
‏
صَلُّوا عليهِ وسَلِّمُوا تسْلِيمًا كثيرًا مزيدًا ﷺ.

‏يقول ابن القيم
من أراد إنشراح الصدر ، وغُفران الذنب ، وتفريج الكرب ، وذهاب الهَم فليُكثر من الصلاة على النبي ﷺ

﴿فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِیِّۦ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ تَوَفَّنِی مُسۡلِمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ﴾

[يوسف : ١٠١]

ما مِتَّ حقًّا إنَّما ماتَ الَّذي
باعَ الكرامةَ كي يعيشَ مُهانا

أنتَ الشَّريفُ إذا العُروبةُ بايعتْ
أحبارَ قومٍ دَنَّسُوا مَسرانا

اللهُ أكبرُ يا شريفُ وقَلَّما
نلقى الشَّريفَ بثوبِنا وَرِدانا!

أبكيكَ لستُ أخصُّ خلقًا واحدًا
لكنَّما أبكي على المجموعِ..

وتناثرُوا في الأرضِ لا قبرٌ لَهُم
أهلُ الحواصِلِ ثُلَّةٌ لا تُقبَرُ

فَنَتِ الجُسُوم ولم تَزَل أروَاحُهم
يَسعى بها في الخُلدِ طَيرٌ أخضَرُ

شهداء لواء رَفَح.

سلامٌ على الغُرباءِ الذين أُوذُوا في سبيلِ اللهِ فَصَبروا، سلامٌ على مَن اقتحموا الموتَ بالموت، سلامٌ على صفوةِ الصَّفوة، بائعو الرُّوحِ الطَّاهرةِ لله، مُشترو الجَنَّة.

﴿ذَ ٰ⁠لِكَۖ وَلَوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَا۟ بَعۡضَكُم بِبَعۡضࣲۗ وَٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَلَن یُضِلَّ أَعۡمَـٰلَهُمۡ * سَیَهۡدِیهِمۡ وَیُصۡلِحُ بَالَهُمۡ * وَیُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ﴾

[مُحمَّد : ٤-٦]