صفحات من التاريخ المنسي
526 subscribers
9 photos
1 video
51 files
37 links
باحث عن الحقيقة
Download Telegram
تلى ذلك قيام بعض الانتفاضات القبلية والعسكرية في عددٍ من المناطق، ففي أواخر ذات العام (ديسمبر 1957م) شهدت مناطق عمران، وخولان، وصرواح، وقبلها المفاليس، انتفاضات ضد السلطات الإمامية الغاشمة؛ بفعل الجبايات التعسفية التي أرهقت كاهل المُواطنين، فأرسل الإمام أحمد بِحملات عَسكرية لإخمادها، وقد تم لتلك الحملات ذلك بعد مُواجهات شرسة لم يتوسع المُؤرخون في نقل تفاصيلها.

فإلى المفاليس أرسل بقوات تحت قيادة ابن أخيه الأمير يحيى بن الحسين، وإلى عمران أرسل الإمام أحمد بقواتٍ كثيرة تحت قِيادة ولده الأمير محمد البدر، وإلى خَولان وصرواح أرسل بحملات أخرى تحت قيادة قادة آخرين، ولم يصلنا من نتائج تلك الحملات سوى أنَّ قائد حملة عمران خسر أثناء المُواجهات حوالي 50 فردًا من مُقاتليه، وجَرَّد أبناء تلك المنطقة من سلاحهم، واقتاد معه عدد منهم أسرى ورهائن.

وفي مُنتصف عام 1959م شَهدت مُدن البيضاء، ثم صنعاء، ثم تعز، ثم الحديدة، تمردات عسكرية قام بها عدد من أفراد الجيش النظامي، حيث قاموا بإحراق ومُحاصرة مَنازل بعض المسؤولين الإماميين، وقد كان للأمير الحسن الغاضب من حرمانه من ولاية العهد، والمُستغل لذهاب أخيه الإمام أحمد للعلاج في روما يد فيها، وبتوصيف أدق في بعضها.

وفي مدينة البيضاء خرج الجنود عن طاعة حاكم اللواء مايو 1959م؛ بسبب عجز الأخير عن دفع مُرتباتهم، وقاموا بإطلاق النار على مَباني الحكومة، وأشاعوا الفوضى في المدينة الصغيرة؛ الأمر الذي جعل الأمير محمد البدر يتدخل، ويُسارع باعتقال ذلك النائب، ويرسل للجنود المُتمردين مَبلغًا من المال، كحل مُؤقت.

وفي بداية الشهر التالي التهمت الحرائق مَخازن الحبوب في عُرضي صنعاء، فسارع ضباط الجيش بتوجيه الاتهام للقاضي يحيى أحمد حسين العمري، الغاضب لحظة ذاك من قرار عَزله من عَمالة تلك المدينة، والذي أراد - حسب اعتقادهم - إثبات فشلهم وفشل خَلفه؛ فقاموا من فَورهم بإحراق مَنزله ومنزلين لـمَسؤولين آخرين، وبالتجائه إلى الحدا، قام أفراد من تلك القبيلة - بتحشيد منه - باحتلال مَرافق حكومية في مدينة زراجة، الأمر الذي زاد الطين بلة.

سارع الأمير محمد البدر بِحظر التجوال في مدينة صنعاء، واعتقال عددًا من الضباط والجنود، وإعلان بعض الإصلاحات، وتعيين القاضي محمد حسين العمري عُضوًا في المجلس النيابي الذي استحدثه حينها، إرضاءً للأسرة الغاضبة، وحين شَعر أنَّ الموقف سيخرج عن سيطرته، راسل عددًا من مشايخ حاشد وبكيل طالبًا حضورهم لنصرته، ومعهم مجاميع من قبائلهم، وبالفعل تَوافد الأخيرون، وبفترات مُتفاوتة، وقد قدرتهم إحدى الإحصائيات إجمالًا بـ 20,000 مُقاتل؛ الأمر الذي صَعَّبَ الموقف، وولَّد أحداثًا ثورية سبق أنْ تحدثنا عنها تفصيلًا في مَوضوعنا السابق.

وبعد أيام مَعدودة من حَادثة حرق منازل المسؤولين في مدينة صنعاء، أراد جنود غاضبين في مدينة تعز اقتحام منزل القاضي أحمد محسن الجبري بالقوة 12 يونيو 1959م، والقبض على أخيه القاضي علي الذي تشاجر صبيحة ذلك اليوم مع أحد الجنود، وذلك بعد أنْ اتهمه الأخير بإجازة زواج زوجته من شخص آخر، قبل أنْ يُطلقها! وقد أسفرت تلك المُواجهات عن قتل ستة جنود، وقتل القاضي أحمد بعد أنْ أعلن استسلامه، وقتل أخيه علي المُتسبب بتلك المشكلة.

وبما أنَّ الأخوين القتيلين ينتميان لخولان البكيلية، فقد تَداعى أبناء تلك القبيلة للثأر، وطالبوا الأمير محمد البدر بتسريح الجيش، ووعدوه بدعمه بـ 10,000 مُقاتل إنْ هو فعل، وقد عمل الأخير على إرضائهم، وإعطائهم بعد أنْ توافدوا إلى مقر إقامته في مدينة صنعاء المزيد من الأموال، وأجبروه وأقرانهم من القبائل الأخرى على الاستدانة من التجار، بعد أنْ استنفدوا خزينته.

ورغم السِلبيات الكثيرة التي رَافقت تلك الأحداث، إلا أنَّ هناك جزئية إيجابية ما كانت لتحدث لو لم يَتوافد مُعظم مَشايخ حَاشد وبكيل ورعاياهم إلى صنعاء، فقد شهدت تلك المدينة لقاءات سرية وغير سرية جمعت عدد منهم بثوار آخرين، مدنيين وعسكريين، وبدأ بعضهم يُفكر بصوتٍ عالٍ، ويعلنها صراحة بأنَّ لا حل إلا بإقامة النظام الجمهوري، إلا أنَّ جواسيس الإمامة تابعوا تحركاتهم، ورفعوا تقاريرهم الكيدية إلى الإمام أحمد، وبصورة مبالغ فيها، وبعودة الأخير من رحلته العلاجية في روما انتهى - كما سبق أنْ ذكرنا - كل شيء.

آثار|| حكمة يمانية

*المخاض العسير*

بـلال الطيـب

تفاصيل أكثر عبر هذا الرابط:

https://hekmahyemanya.com/?p=13142
نحن اليمانين جُبلنا على أنَّ كرامتنا فوق كل شيء، وإنْ كانت هذه الكرامة قد رضخت، وبعثر بهيبتها فوق التراب؛ بفعل جبروت الطغاة من بيت حميد الدين، وأسلافهم، الذين استغلوا جهل الشعب المُشبع بالثقافة الدينية البسيطة، وأوهموهم أنَّهم يحكمون بأمر الله، وأنَّ طاعتهم والرضوخ لاستبدادهم من طاعة الله، وفق تبريرات خادعة، كانت أساس سلطتهم، ومصدر قوتهم، وقوة من أتوا بعدهم، وما يزال - للأسف الشديد - لتلك المأساة الخادعة والمُتجددة مُتسع وبقية.

كانت تصرفات عساكر الإمام (العُكفة) تُثير الرعب والخوف والغضب عند كثيرين، وكان الصبر على أذاهم سمة دائمة تدور في بوتقة طاعة الله، وطاعة ولي الأمر، وفي حال تجاوزت تلك التصرفات الرعناء ما لا يستسيغه العُرف، ولا التدين العفوي البسيط، كان التَمرد والثورة.

ما حَدث في صَنِمَات، وهي إحدى عُزل ناحية المِسراخ التابعة لجبل صبر الأشم، في مُنتصف مايو من العام 1920م، من انتفاضة أو تَمرد، تدور في ذات المسار الذي أشرنا إليه آنفًا، ومبعثها تصرفات رعناء قام بها حوالي 50 فردًا من عساكر الإمام يحيى، أرسلهم عامل صبر حسين بن محمد جبالة لجمع واجبات الجبل، إلا أنَّ أولئك العسكر خرجوا عن السياق المعهود للمأموريات، إلى سلوكيات أكثر شذوذًا، نفد عندها الصبر، وتوقفت الطاعة، وثارت الكرامة.

الشاعر الشعبي مُكرد البدوي، نسبة لخدير البدو، والذي حل حينها ضيفًا في عُزلة النجادة المُجاورة، ولمدة شهرين، تسنت له مُعايشة معظم تلك الأحداث عن قُرب، ونقل تفاصيلها بقصيدة طويلة، ولأنَّ تناقل تلك القصيدة تم شفاهة، ولم تحظ بالتدوين الجيد، فقد فقدت بعض أبياتها، وحُرفت بعض كلماتها، واختل وزنها، وهي على ركتها لا تخلوا من معلومات مهمة، سننثر أبرزها في السطور التالية.

اختزل الشاعر مُكرد لحظات الهجوم الإمامي الأول، الذي تولى قيادته القائد ابن سويدان بقوله:

مـــن بعـــد هــذا جــانـا هــاجس دفر
من بر سيحون ويغــــرف من الجوهر
وقـم يا فتـى وخـذ القـــلـم واشـــعر
واذكر صُنــامة حيــث الــذخـائر تندي

جُـــمـــلـة فـــي صُــنــــامــــة تُــكــسر
مــــــن بعــد مــا بدي هـــذا الأعـــــــور
طَلَّـــــــــع مــدافـع ونـــظام وعســـكر
قــائدهم بن سويدان يحيى علي مهدي

اعتنى الشاعر مُكرد بتخليد بطولات ثوار صَنِمَات، ووصف تنكيلهم لعساكر الإمامة بصورة مُبالغ فيها، وشنع على الأخيرين وأميرهم علي الوزير الذي نعته بـ (الأعور)، وتحدث عن مصرع قائد هجومهم الأول (ابن سويدان)، الذي أغفل مؤرخو الإمامة ذكره، وعدد ضحاياهم بـ 90 قتيلًا، غير الجرحى، في حين تجاوز عدد ضحايا الطرف المُقاوم الخمسة شهداء، ومن قصيدته الطويلة اقتطفنا أيضًا:
وعنــد الــوصـــول يـــا صاح تـــــفـــــــكر
كم يــا مَقـــاتــــيـــل راحــــت من العسكر
ومــــن الــرعيـــة خـــــمســة نفــــر وأكثر
واختلــط الجيــش في المـــــواقع الفردي

هــــــــذي اللـــحــود وجملـــوهم جُمـــلة
عنـــد الفرش ورصفــوهـم جـَــــمـــعـــــة
الله أكــبــــر مـــا هـذه الـــوقــــــــعــــــة
تسعيــــن نـــقيـب قـــد صاروا في اللحد

#العكفة_والغداء_الأخير
#بلال_الطيب
#حكمة_يمانية

* فقرات من دراسة مطولة عن انتفاضة صنمات مايو 1920م، تجدون تفاصيلها عبر هاذين الرابطين:

https://hekmahyemanya.com/?p=13568

https://hekmahyemanya.com/?p=13758
مُنذ اللحظة الأولى لقيام الثورة السبتمبرية، وقَعَ الجُمهوريون في شِراك التقديرات الخاطئة لحجم وقوة الثورة المُضادة، ولم يَستعدوا لـمُواجهة الإماميين وداعميهم الاستعداد الأمثل، والأشمل، وكانوا - رغم ذلك - مُؤمنين بقدراتهم، واثقين بأنفسهم، حَازمين في ردودهم، وكما كان انتصارهم خلال الليلة الأولى للثورة أشبه بالمعجزة، كان صُمودهم في وجه تلك الهجمة الشرسة أشبه بالمعجزة أيضًا، وهو الصُمود الذي أصاب أعداء الثورة، والجمهورية، والحياة في مَقْتل.

سبق أنْ تَحدثنا عن الانتصارات التي حَققها الإماميون خِلال الشهر الأول للثورة، وهي الانتصارات التي حَفزتهم أكثر للقضاء على الجمهورية الوليدة، من خلال حرب عصابات مُتعددة المسارات، سَاعدهم في ذلك التماهي الدعم الكبير الذي تَوارد عليهم من الخارج، وقد بدأوا تبعًا لذلك يُخططون لحسم المعركة نهائيًا، ويبحثون عن أقصر الطرق التي تُوصلهم إلى العاصمة، مُتبعين سِياسة شِراء ولاءات قبائل الطوق المُحيطة، وبعد نهم، وبني حشيش، وأرحب، امتدت سيطرتهم إلى بني الحارث، وبدأت تظهر لهم جيوب مُقاومة في عيال سريح، وهمدان، وسنحان، وبلاد الروس، وقام أنصارهم في الأخيرة بقطع طريق صنعاء - تعز لبعض الوقت نوفمبر 1962م.

وفي الوقت الذي قاد فيه الأمير الحسن بن الإمام يحيى المحور الشمالي الشرقي، وجعل من أحد الكهوف القريبة من مَنطقة أملح مَقرًا له، قاد ابن أخيه الإمام محمد البدر المحور الشمالي الغربي، ونقل مع حلول العام 1963م مقر قيادته من غارب هيثم إلى جبل قارة، وإليه بدأ عددٌ من أمراء بيت حميد الدين بالتوافد، وتولوا بتكليف منه قيادة غالبية القطاعات المُشتعلة.

وغير بعيد عن جبل القارة، تولى الأمير الحسن بن الحسن قِطاع الأهنوم، وكان مَقره في قلعة الحزم القريبة من القفلة، وتولى الأمير الحسن بن إسماعيل قطاع حجة، وكان مقره في جبل مسور، وتولى الأمير محمد بن إسماعيل قطاع حرض، وتولى الأمير عبدالله بن الحسين قطاع عمران، وكان مقره في حصن مُدَع، وتولى الأمير محمد بن المحسن بمعاونة العقيد قاسم منصر قطاع نِهم، وبني حشيش، وكان مَقره في جربة الطلح، وتولى الأمير شرف الدين بن مطهر قطاع أرحب، وتولى الأمير يحيى بن الحسين قطاع الجوف، وتولى الأمير عبدالله بن الحسن بمعاونة الشيخ علي بن ناجي الغادر قطاع خَولان، في حين عاد الأمير محمد بن الحسين إلى نجران، وأشرف على تشكيل عددٍ من المعسكرات، بمعاونة ضباط سعوديون، وأردنيون، ومُرتزقة أجانب.

كما تَوافد إلى جبل قارة عددٌ من مَشايخ القبائل الشمالية؛ طَمعًا بالأموال والأسلحة التي عَاد بها الإمام المخلوع من السعودية، عقد الأخير مَعهم عِدة اجتماعات، وكَلفهم بالعودة إلى قَبائلهم، وتَوسيع خَارطة المُواجهات؛ لتظهر بعد عَودتهم جُيوب مُقاومة في بني مطر، والحيمة، وآنس، والحدا، وقامت تلك الجيوب والجيوب السابق ذكرها بنصب الكمائن، وقطع الطرقات، ومُحاصرة الحاميات الجمهورية في أكثر من مَنطقة.

والأكثر خُطورة أنَّ الإماميين بدأوا يُشددون الخناق على مدينة صنعاء، ورغم فَشلهم في قطع الطريق المؤدي إليها من الحديدة، إلا أنَّهم نجحوا في قطع باقي الطُرق المؤدية إليها من باقي المحافظات، وجعلوها شبه مُحاصرة، وأتبعوا ذلك بقصفها - من أرحب، وبني حشيش - بمدافع المورتر، صحيح أنَّ الطيران الحربي أسكت تلك المدافع، وفَرَّقَ المجاميع القبلية التي كانت تستعد للانقضاض عليها من تلك الجهة، إلا أنَّه لم يتمكن من مُلاحقة باقي الجيوب، وتأمين الطرقات من الكمائن المُترصدة.

#بلال_الطيب
#حكمة_يمانية
#ثورة_الإماميين_المضادة

تفاصيل أكثر عبر هذا الرابط:

https://hekmahyemanya.com/?p=14403
إذا ما استعصت منطقة ما على القوات الإمامية؛ فإنَّ الإمام - أي إمام - يُسارع بتوجيه أوامره لتلك القوات بالتوقف عن الهُجوم، حتى تتهيأ له الظروف، ويُتم استعداداته؛ بل ويتعذر بعضهم بأنَّه تلقى عبر المنام أوامر صريحة بذلك، من أحد من يَدعي أنَّهم أجداده!

استعصت ناحية المقاطرة في الجولة الأولى على الإمام يحيى، وأمر قواته - كما سبق أنْ ذكرنا - بالتوقف عن الهجوم أبريل 1920م، ولم يكد يحول الحول، حتى تهيأت له الظروف، واكتملت الاستعدادات، وتوفرت الذرائع، فما كان منه إلا أنْ كَلَّف ذئبه الأسود علي الوزير بالهجوم الكبير.

تفرَّد المُؤرخ حمود الدولة بذكر إحدى تلك الذرائع، وقال أنَّ عددًا من أبناء المقاطرة قاموا بالاعتداء على مواطنين آخرين في إطار ذات الناحية يونيو 1921م، ومن حديثه المُشبع بالخيال، والقائم على الاستبطان، نقتطف: «كان التعدي من بعض أهل المقاطرة، والعدوان بأفعال مُنكرة، وقتل النفس المُحرمة، والجرأة بهتك كل حُرمة.. فالتجأ من ناله الضرر منهم، والأذية في بلدهم ووديانهم، بحاكم الحجرية، وعاملها، واستغاثوا مُستنصرين مما جرى بهم من جور أهل الجهة المذكورة وباطلها».

قرر أمير تعز علي الوزير حينها إرسال حملة عسكرية كُبرى إلى تلك الجهة، وجاء بذرائع أخرى غير التي ذكرها كاتب سيرته؛ فأبناء المقاطرة - كما أرسل للإمام يحيى - مُتهاونين في أمور الدين، ولم يبق لديهم منه ومن تعاليمه ما يعدون به من أهل الإسلام، وأهملوا - حد توصيفه - الصلاة وعقود الأنكحة، وخربوا المساجد، وأصبحوا إخوان نصارى، نتيجة قربهم من عدن، وذهابهم إليها، ومُعاشرتهم للأجانب! وقد طلب في رسالته الإذن بإصلاح تلك الجهة، وإدخالها إلى حظيرة الطاعة، وتجديد ما اندرس من رسوم الدين وتعاليمه.

لجوء السلطات الإمامية إلى الاستشهاد بالشريعة الإسلامية، وإقامة الحدود، ألغت - كما أفاد الباحث عبدالعزيز المسعودي - عمليًا الدور السياسي والأيدلوجي للتراث الشعبي المُقاوم، وهدفها من ذلك سحق أي مُعارضة فلاحية قائمة، والأسوأ من ذلك اتهام تلك الثورات بأنَّها مُستوردة من الإنجليز، وهو ما حصل مع ثورة المقاطرة وغيرها. وتبعًا لذلك لا يُعتبر هؤلاء الثوار مسلمون؛ بل إخوان نصارى، ودماؤهم وأموالهم مباحة للمجاهدين، أنصار الإمامة والإمام.

وصل الإذن الإمامي لعلي الوزير باجتياح المقاطرة، فما كان من الأخير إلا أنْ حَشد لذات الغرض آلاف العساكر، غَالبيتهم من أرحب، ووادعة، ومجاميع من رعايا مشايخ لواء تعز، بشقيهم المُتجمل والمخدوع، واستدعى عامل قضاء الحجرية الشيخ عبدالوهاب نعمان للمُشاورة، وكلفه بقيادة تلك القوات، وكلف أخوه عامل المقاطرة الشيخ عبدالواسع نُعمان، وابن أخيه عامل المقاطرة السابق الشيخ محمد أحمد نعمان بمعاضته؛ واستعانته بهذه الأسماء النعمانية ليس حبًا فيهم، وإنما استغلالًا لخلافهم مع مُنافسيهم التقليديين (آل علي سعد) الذي سبق أنْ تحدثنا عنه.

لم يكن وصول الإذن الإمامي اعتباطيًا، وكما وجدت ذرائع ذلك الغزو كما سبق أنْ ذكرنا، توفرت الاستعدادات أيضًا، وقد أرجع المُؤرخ حمود الدولة تكاثف القوات الإمامية التي تكفلت بالهجوم على المقاطرة، إلى الجدب الذي أصاب المناطق الشمالية عامذاك، وقال عن ذلك: «وكان من الألطاف الربانية، ترادف قُبل المشرق إلى الأبواب الإمامية، لما أصابهم في ذلك التاريخ الجدب، وفاتهم ريف الخصب، فأرسل الإمام إلى الأمير كثيرًا منهم، فاجتمع لدن الأمير ما يضيق الفضاء عنهم».

#بلال_الطيب
#حكمة_يمانية
#انتفاضة_المقاطرة

القصة كاملة لانتفاضة المقاطرة تجدونها عبر هاذين الرابطين:

https://hekmahyemanya.com/?p=14681

https://hekmahyemanya.com/?p=14954
جعل العلامة ابن الأمير الصنعاني من مدينة صنعاء مَحطة دائمة للاستقرار، نَهل من معين علمائها، ولشدة عطشه وشغفه لتلقي المزيد؛ توجه إلى مكة المكرمة مرة أولى 1122هـ، وثانية 1132هـ، وثالثة 1134هـ، ورابعة 1139هـ، ودرس على يد عددٍ من علمائها، وقد كانت رحلته الثانية إلى تلك المدينة العامرة نقطة تَحول فَارقة في مَسار حَياته، فهو لم يكن خِلالها مُتلقيًا للعلم فقط؛ بل بدأ يناظر، ويناقش، وينتقل بسلاسة من رحلة الشك إلى اليقين.

بعد عودته من رحلته الثانية، بَدأ العلامة ابن الأمير الصنعاني في نشر فكره المُعتدل، المُستمد أصلًا من روح الإسلام الحنيف، والقائم على الإصلاح المُتدرج للمجتمع، ونبذ التعصب، ونقد العنصرية، وذلك من خلال طريقة آسرة، جمعت بين وضوح الحقيقة الشرعية، وحُسن إنزال الحكم الشرعي على الواقع المعاش، فكان بحق رائد مدرسة الإنصاف، وفارس ميدان الاعتدال والوسطية.

ورغم أنَّه علوي النسب (جده يحيى بن حمزة بن سليمان)، إلا أنَّه - أي العلامة ابن الأمير - حارب التفسير العنصري للإسلام وبقوة، وهاجم قدسية الأئمة الزائفة، وحكمهم الإقطاعي، وقال عنهم:
إني ومن بيــت الإمامة عصابة
في العـــد قد زادوا على الآلاف
مستـرزقون من الرعـايا ليتــهم
قنعوا بأكل فــرائض الأصناف
بل يأخذون من الرعايا كل ما
يـحــوونه كــرهًا بلا استنكاف

وقال عن المتفاخرين بأنسابهم بشكل عام:
قـــــوم عـــن العلياء قعـــــــود جُثَّم
ليسوا بـــــأهل صفـــــائح وصحافِ
لا يغضبون على الشريعة إنْ غدت
منهــــــدَّة الأرجــــاء والأكــنــــافِ
أعني بهـــــم من يــــزعمون بأنَّهم
رأس الورى والنـاس كـــــالأخفافِ

ولأنَّه - أي العلامة ابن الأمير - عاش تلك الحقبة بكل سلبياتها، فقد كان من أوائل المفكرين في العالم العربي الذين هاجموا الإقطاع، ونبهوا إلى المفاسد التي تنتج عنه من تفريق البلاد، وتمزيقها، وبث العداوة بين المناطق المختلفة، والقبائل المتعددة، وقد خاطب الأئمة الإقطاعيين من آل القاسم ذات قصيدة قائلًا:
مزقتم شـمـل هـــذا القطر بينكم
كل لـه قــطـعة قفــر وعمــران
وكلكم قـد رقى في ظلم قطعته
مراقي مـا رقــاها قبـــل خوان

توفي العلامة ابن الأمير الصنعاني في 3 شعبان 1182هـ / 12 ديسمبر 1768م، عن 83 عَامًا، وهو كما أرعب الأئمة السلاليين حيًا، أرعبهم ميتًا، وهذا المنصور محمد حميد الدين (والد الإمام يحيى) قال فيه: «محمد بن إسماعيل الأمير ليس منا أهل البيت»! وظل في المقابل نجمًا مُشعًا في سماء النضال، مُلهمًا لأحرار اليمن التواقين للتحرر من العنصرية السُلالية والكهنوت، وعنه قال المناضل عبدالسلام صبرة: «كان النجم الذي أشرق بنوره على سماء اليمن المظلم، والذي أضاء بنوره الطريق لكثير ممن كتب الله لهم الانعتاق من قيود التقليد الأعمى، والتعصب المقيت».

#بلال_الطيب
#حكمة_يمانية

الصنعاني والشوكاني.. مُقوضا أركان دولة الكهنوت (1-2)

المقال كاملًا عبر هذا الرابط:

https://hekmahyemanya.com/?p=15597

وهذا الرابط:

الصنعاني والشوكاني.. مُقوضا أركان دولة الكهنوت (2-2)

https://hekmahyemanya.com/?p=15873
بعد حادثة محاولة اغتياله، كان الأمير علي الوزير شديد الحذر والقلق، ويترجم كل حركة وسكنة بحضوره على أنَّها تستهدفه، وبمُبالغة لا تطاق، وعاشت مدينة تعز - تبعاً لذلك - أسوأ أيامها، ودفعت - كما أفاد المُؤرخ المجاهد - ثمنًا باهضًا من استقرارها، أمام عنت العساكر، واستضافتهم الإجبارية في المنازل، بغرض إرهاق الأهالي وإرهابهم.

والأكثر خطورة أنَّه - أي الذئب الأسود - صار بعد تخلصه من أولئك المشايخ حاكمًا أوحدًا للواء تعز، بدت طموحاته الاستقلالية تتبدى، وكان فقط ينتظر وفاة الإمام يحيى ليعلن عن ذلك، وقد فضحت وثائق بريطانية استعداداته تلك، وكشفت أنَّه صارحهم أواخر عام 1934م برغبته بتدريب وتسليح 1,000 رجل صومالي ليكونوا تحت إمرته، وذلك عند حلول اللحظة المُنتظرة، إلا أنَّ الإنجليز الباحثين حينها عن رضا الإمام، والموقعين مع الأخير - في ذات العام - اتفاقية صداقة، رفضوا مُقترحه وبشدة.

وحين توجه الطامح حسين الدباغ إلى اليمن، قام قبل أن يقوم بانتفاضته - من البيضاء - بزيارة مدينة تعز 1935م (سبق أن تحدثنا عن انتفاضته تلك)، والتقى الأمير علي الوزير في مقر إقامته في دار النصر، وقد قدم المُؤرخ أحمد الوزير خلاصة ذلك اللقاء بقوله: «ولا أدري هل عرض الدباغ على الأمير أنَّه سيقوم بثورة على الإمام أم لا؟ إلا أنني أؤكد أنَّ الأمير كان راضيًا عن كل تحركاته».

وقد اعترف عبدالله بن علي الوزير (زوج تقية بنت الإمام يحيى) - فيما بعد - بطموحات والده وأسرته بشكل عام (بيت الوزير) في الانقلاب على بيت حميد الدين، حيث قال: «كنا دبرنا بعض أمر وحركات ونحن في تعز عام 1352هـ (1933م)، إلى سنة 1357هـ، حيث كان نزول أحمد إلى تعز - يقصد ولي العهد - ولكنها فشلت؛ وأعظم أسباب فشلها هو الجهل بالوسائل المجدية، والطرق الناجحة».

الجدير ذكره أنَّ أول تمرد لبيت الوزير يعود إلى سنة 1922م، حيث قام محمد بن علي الوزير - الذي كان حينها نائبًا عن أبيه في قبض واجبات جبل اللوز في خولان - بتشجيع بعض عقال جبل اللوز على التمرد، وحين تم القبض عليهم، تخلى عنهم، ليعاود الظهور من ذات الجبل، بعد أنْ تجمع معه جماعة من بني جبر، وخولان، وبني بهلول، وأعلن نفسه مُحتسبًا، وأصدر منشورًا حدد فيه مطالبه، وشرع في بث رسائله إلى الجهات، مُعترضًا على أسلوب الإمام يحيى في الحكم، إلا أنَّ الأخير قبض عليه، وزج به بالسجن، ليتدخل ابن عمه عبدالله بن أحمد الوزير في الإفراج عنه.

وبالعودة إلى موضوعنا، فقد قال المُؤرخ إسماعيل الأكوع عن الذئب الأسود مُوضحًا: «وبقي علي الوزير واليًا على لواء تعز عشرين عامًا، جمع خلال حكمه ثروة طائلة من مصادر شتى، ووجوه مُختلفة، وعاش عيشة الملوك، حتى حسده الإمام يحيى نفسه»، ليقلب له الأخير بعد ذلك ظهر المجن، عزله من منصبه - أواخر سنة 1938م، وشوه سمعته، ولم يسع ابن الوزير بعد ذلك سوى الرحيل - بداية العام التالي - صوب السعودية، ثم ما لبث أنْ عاد من الأخيرة، مقر رحلته المؤقت، ولكنها كانت عودة خافتة، بعيدة عن متعة الحكم، ولِذة الإمارة.

شَنَّع خلال تلك الفترة أتباع أمير تعز الجديد أحمد بن يحيى حميد الدين على الأمير المعزول أعظم تشنيع، وحملوه مسؤولية التنكيل بمشايخ تعز وإب دون سواه، واتهموه بمحاولة قتل خلفه بالسم، والعمالة للأجانب، وتحت عنوان (كشف الضمير على أسرار علي الوزير) كتب حسين الويسي منشورًا مطولًا، حال الأستاذ أحمد محمد نعمان دون طباعته ضمن فصول كتاب (الرحلة الميمونة) لذات الكاتب، وأعاد المُؤرخ علي محمد عبده - فيما بعد - نشره في كتابه الموسوم (لمحات من تاريخ حركة الأحرار).

ومما جاء في ذلك المنشور المبتور نقتطف: «كان - أي الأمير علي الوزير - في ابتداء أمره يخدم الدين والوطن، ويقول الحق، ثم مال إلى حب الدنيا، فغير خطته، وعدل إلى الطمع، وجمع المال من غير حله، وما زال هذا الداء يسري في قلبه حتى سوده.. وبعد أنْ عميت بصيرته، وركب على ظهر ما سولت له نفسه أنَّ الحالة لا تدوم له إلا بعد الانتقام من ذوي الرئاسة، فرفع إلى جلالة مولانا أمير المؤمنين أيده الله أنَّ فلانًا وفلانًا و.. و.. و.. قد نكثوا بيعتك، وتمالوا على القيام ضد الحكومة، وبهذه الوسيلة تمكن من القضاء عليهم بالسجن والتشريد، ومزقهم كل ممزق»!

وعن الأمير المعزول كتب الشاعر محمد نعمان القدسي قصيدة هجائية طويلة، قال في مطلعها:
ســـــر لا بـــــرحت مـدى الزمان طريدا
أنَّى سلـــكـــت ولا لـــــقيــــــت ســعودا
كم مــن يـــــد أخليـــــتـــــها ومــدامــع
أجــــــريـــــتها فــــوق الخـدود خدودا
ولكم هتكت محارمًا وفضــــحت أعــــ
ـــــــــراضًا تُصان وكم نكثت عهــــودا
سر غيـــر مــأسوف عليك وهـل تركـــ
ت مـــــــن الـــبرية صـاحبـــــًا وودودا
دونكم صفحة الكاتب علىٰ موقع حكمة يمانية:

https://hekmahyemanya.com/author/43/



#حكمة_يمانية
بَعيدًا عن اختلاف المُؤرخين - قديمهم ومعاصرهم - حول نَسب الطاهريين، وهل هم حميريون أم أمويون، ثمة صَفحات مُضيئة في تاريخ حُكام هذه الأسرة الاستثنائيين، الذين كانوا في الأصل امتدادًا لحقبة الدولة الرسولية، وانتموا - وهو الأهم - لهذه الأرض، ودَافعوا عنها، وتَصدوا لتوسعات أعدائها الإماميين، وصَاروا يمنيين، نشأةً وانتماءً، وتَوجهًا ومصيرًا.

كان الشيخ معوضة بن تاج الدين بن معوضة بن محمد بن سعيد بن عامر، أحد رجالات دولة بني رسول البارزين، ذاع صيته في عهد آخر سلاطين تلك الدولة الأقوياء، الأشرف الثاني إسماعيل بن الأفضل عباس، وإلى ولده طاهر يُنسب حُكام الدولة الطاهرية، الآتي نقل جانب من تاريخهم، وبالأخص صِراعاتهم مع دولة الإمامة الزيدية، وكيف تَصدوا - وعلى مدى عقود لتوسعات تلك الدولة الكهنوتية؟

كما سنجيب - ومن خلال هذه التناولة - على عدة تساؤلات حائرة، ومُتجددة، تدور أبرزها حول: كيف استفاد الإماميون من تنافس القوى الكبرى - في ذلك الوقت - على البحر الأحمر، وكيف استجلبوا الغُزاة، وعملوا بكل خسة وانتهازية على زوال حُكم الدولة الطاهرية، وكيف جعلوا اليمن - كل اليمن - ساحة لصراعات تتكرر اليوم - وعبر أحفادهم - بصورة أكثر سوداوية.

تفاصيل أكثر تجدونها عبر هذا الرابط:

https://hekmahyemanya.com/?p=24705
(الإنجيل - المجد - الذهب)، ثلاثة بواعث مُحفزة قادت الرحالة البرتغالي فاسكو دي جاما لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح 904هـ / 1498م؛ وذلك بعد مرور ست سنوات على سقوط مملكة غرناطة العربية في الأندلس، لتتحول مملكة البرتغال بفعل ذلك إلى إمبراطورية عظمي، وبالأخص بعد أنْ أنشأت مراكز تجارية مُسلحة بدءًا من عاصمتها لشبونة، مُرورًا بسواحل أفريقيا الغربية، والجنوبية، والشرقية، وصُولًا إلى شواطئ الهند، والخليج العربي.

دشنت البرتغال حربها البحرية تلك، وهي من عُرفت بالحرب الصليبية الثانية، وحظيت بِمُباركة البابا نفسه، وأقسم ملكها مانويل الأول بأنَّه سيقوم بنبش قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ رُفاته رهينة حتى يتخلى المسلمون عن الأماكن المُقدسة في فلسطين، وقام قادتها البحريون - لأجل ذلك - بثلاث محاولات فاشلة للسيطرة على مياه البحر الأحمر؛ وهو الأمر الذي اهتزت له مشاعر المسلمين، وجعل العرب منهم يتقبلون - كما سيأتي - التواجد التركي (العثماني) في مناطقهم.

في رحلته الثانية إلى الهند 908هـ / 1502م، وتنفيذًا لأوامر حكومته، أرسل فاسكو دي جاما حملة مُكونة من خمس سفن حربية للإقامة الدائمة عند مدخل البحر الأحمر، ولم يدون المُؤرخون تفاصيل أي اعتداءات قامت بها تلك الحملة، سواء على الموانئ المجاورة، أو على السفن العابرة، والراجح أنَّها - أي الحملة - كانت استكشافية.

باحتكارهم لتجارة الشرق، أدخل البرتغاليون دولة المماليك بمصر والشام - والمنطقة بشكل عام - في دوامة من الإنهاك الاقتصادي؛ وهو الأمر الذي دفع السلطان قنصوة الغوري للتحرك، فأرسل في البدء أسطولًا تجاريا إلى ساحل مالابار الهندي 910هـ / 1504م، وقد تعرضَ ذلك الأسطول - أثناء عودته - لهجمات الأسطول البرتغالي، وصُودرت معظم شحناته من التوابل، والسلع الهندية.

جهز السلطان الغوري - بعد ذلك - حملة بحرية عسكرية بقيادة الأمير حسين الكردي، وحظي هذه المرة بمساندة السلطان العثماني بايزيد الثاني، وقد اهتمت تلك الحملة - قبل توجهها إلى الهند - بتحصين ميناء جدة، وفي شواطئ الهند ألحقت - بادئ الأمر - بالأسطول البرتغالي هزيمة كبيرة، ولم يمض من الوقت الكثير حتى أعاد البرتغاليون تحت قيادة نائب الملك البرتغالي في الهند فرانسسكوا دالميدا الكرة شوال 914هـ / 3 فبراير 1509م، وحققوا عليها انتصارًا ساحقًا، كان له ما بعده.

استفحل - بعد ذلك - الخطر البرتغالي في مياه المحيط الهندي، وخليج عدن، وأحكموا سيطرتهم على مدخل البحر الأحمر، وبالأخص بعد تعيين ألفونسو دلبوكيرك نائبًا لملكهم في الهند، وسجل المؤرخون قيامهم - في العام التالي (915هـ) - بالاستيلاء على بعض السفن اليمنية الخاصة بالسلطان الطاهري عامر بن عبدالوهاب؛ وهو الأمر الذي جعل الأخير يفتح خط تواصل مع السطان الغوري، ويتبادل معه الهدايا والمراسلات.

قام السلطان عامر بن عبدالوهاب بتجهيز حملة بحرية مُتواضعة للتصدي للبرتغاليين، إلا أنَّها فشلت، وحين تعاظم خطرهم؛ تحاشى التصادم معهم، ثم ما لبث أنْ استنجد بالسلطان قنصوة الغوري، وأذن للمماليك بإقامة قواعد بحرية على السواحل اليمنية، وذلك أثناء عزمهم على التوجه بأسطولهم البحري صوب الهند، واعدًا إياهم بتقديم الدعم والمساندة، ليتخلى بعد سماعه لمشورة وزيره عمر الجبرتي (قتله المماليك فيما بعد) عن وعده، ورفض أثناء مكوثهم في جزيرة كمران مدَّهم بالطعام والمؤنة؛ فما كان منهم إلا أنْ أعلنوا - بعد أربعة أشهر من ذلك المكوث، وتحت قيادة الأمير حسين الكردي - الحرب عليه، وكانت مدينة زبيد أول المدن اليمنية سقوطًا 19 جمادى الأولى 922هـ / 19 يونيو 1516م، فيما استعصت عليهم مدينة عدن.

وهكذا أنهى المماليك حقبة الدولة الطاهرية في اليمن، بالتزامن مع إنهاء العثمانيين لحقبة دولتهم في مصر والشام؛ فما كان من قادتهم - هنا - إلا أنْ أعلنوا ولاءهم للسلطان العثماني سليم الأول، وجعلوا الخطبة في صنعاء وتعز وزبيد باسمه. والحق يُقال: أنَّه لولا استخدامهم للمدافع، والبنادق (الغدارات)، ولولا مُساندة الإمام الزيدي يحيى شرف الدين لهم؛ ما انتصروا في حربهم تلك، وما تقدموا في المناطق اليمنية قيد أنملة.


تفاصيل أكثر تجدونها عبر هذا الرابط:

https://hekmahyemanya.com/?p=24816
بحلول العام 926هـ / 1520م قام البرتغاليون بمحاولتهم الثالثة للسيطرة على البحر الأحمر، تحت قيادة لوبر سكويرا، لم يتوقف الأخير – كعادة من سبقه – في ميناء عدن؛ بل توجه مُسرعًا صوب ميناء جدة، إلا أنَّ الرياح التي أراد – بتصرفه السابق – أنْ يتلافى خطرها؛ أجبرت أسطوله على الانسحاب، وكذلك فعلت الحشود الكبيرة التي كانت بانتظاره، وقد تَرك قبل عودته إلى الهند بعثة برتغالية في جزيرة زيلع، مهمتها عقد تحالف مع مملكة الحبشة المسيحية.

دخل بقايا الطاهريين – خلال ذات العام – في صراع زاد من إنهاكهم، وجعل الإمام يحيى شرف الدين يأخذ حصن ذي مرمر (الغراس) من تحت أيديهم 19 شوال 926هـ، وجعل حاكمهم على عدن مرجان الظافري يتمرد عليهم، وكان الأخير قد منع الأمير أحمد بن محمد من دخول ذات المدينة، وأذن بعد ذلك، وبعد تدخل الوسطاء، لخلفه الأمير عبد الملك بن محمد بأنْ يُقيم فيها أيامًا، لتشهد عدن صِراعًا خفيًا بين الحاكم والضيف، لم يذكر المُؤرخ بامخرمة نتائجه؛ لأنَّ تسجيله للأحدث توقف عند نشوبه.

تفاصيل أكثر تجدونها عبر هذا الرابط:

https://hekmahyemanya.com/?p=24943
ثمة أحداث تاريخية تبعث على الفخر والاعتزاز، إلا أنَّها وصلت إلينا مُشوهة ومبتورة، وغير مُكتملة الأركان، وبدلًا من أنْ يعمل المُؤرخون المُعاصرون على إعادة قراءتها، وتنقيحها، وترتيبها زمنيًا، أنكروا أغلبها، وأوجدوا تاريخًا آخر غير الذي كان. وكما انعكس شتات اليمنيين وتمزقهم على مسار تلك الأحداث، انعكس أيضًا على من أرخوا لها، بعيدهم والقريب.

تعددت الروايات، واختلفت المُسميات، واختلطت الحقيقة بالأسطورة، والزيف بالحقيقة، ولم يتعرض حدث تاريخي للبتر والتشويه كما تعرضت له ثورات اليمنيين المُتلاحقة ضد الاحتلال الحبشي، ثم الاحتلال الفارسي، وما هذه التناولة إلا مُحاولة لفهم الحكاية من جذورها، لا نجزم أنَّها الأصوب، ولكنها الأقرب للحقيقة.

كانت دولة فارس - بعد مقتل سيف بن ذي يزن - في أوج قوتها، دانت لها اليمن، وكانت الأخيرة - كما أفاد المُؤرخ الطبري - الولاية الرابعة في تقسيم تلك الدولة الإداري، كما دانت لها الحيرة، والبحرين، وبعض مناطق الخليج؛ بل أنَّ جنودها هزموا الرومان، وصالوا وجالوا في بلاد الشام، ووصلوا إلى تخوم بيت المقدس.

وتَعزيزًا لقواتهم في صنعاء، التي لم يتجاوز عَددها الألف مُقاتل، وقيل أكثر من ذلك، أرسل كسرى أبرويز بن هرمز بأكثر من 4,800 فارسي مع عائلاتهم بحرًا، ثم برًا، فاستقروا في ذات المدينة، واستتب لهم حكم غالبية الأراضي اليمنية بزعامة باذان ابن ساسان، ويَجزم بعض المُؤرخين أنَّ تسمية (الأبناء) تُطلق على المُحتلين الأوائل لا على هؤلاء.

تبنى المذحجيون خيار مُقاومة الغُزاة، واجتمعوا لأجل ذلك، فأوعز الفُرس لحلفائهم الهمدانيين بمواجهتهم، ومدوهم بالعُدة والعُتاد، وذكر الرازي - وهو مُؤرخ من أصول فارسية - أنَّ باذان خرج بنفسه لملاقاة الثائرين، وانضم إليه 10,000 مُقاتل من حاشد وبكيل، ما بين فارس وراجل، وفي عدة كاملة، وذكر أخرون أنَّ تلك الجموع كانت بقيادة الأجدع بن مالك، وقيل مالك بن حريم، وأنَّ أساس الصراع خلاف بين قبيلتي مُراد وبني الحارث في نجران، وكلاهما من مذحج، وأنَّ الأخيرين استنجدوا بهمدان، فأنجدتهم.

وتأكيدًا لروايته، أفاد المُؤرخ الرازي أنَّ همدان كانت تميل ميل الأساورة وتنصرهم، وهي كما وقفت معهم ضد سيف بن ذي يزن من قبل، عقدت معهم - هذه المرة - حلفًا مَشئومًا مُناهضًا للثائرين المذحجيين، جاء فيه: «هذا كتاب ما أجمعت همدان وفارس في اليمن، بمحضر المرزبان باذان بن ساسان، ومشاهدة الرئيسين عمرو بن الحارث، وعمرو بن يزيد من بكيل وحاشد، وكفالة بعضهم لبعض عمن غاب من الحيين جميعًا.. عهدًا تؤكده العهود، وحلفًا يشدده القود، بعقد مُبرم مُحكم، شديد لا يضمحل أمره، ولا يبيد خبره».

القصة كاملة تجدونها عبر هذا الرابط:

https://hekmahyemanya.com/?p=25107
عبر تاريخها الطويل تنكمش الإمامة الزيدية الكهنوتية إذا ما وجدت دولة وحاكمًا قويًا يَصُدها، وتتمدد إذا حصل العكس.

والأكثر مرارة أنَّها - أي الإمامة - ظلت بنظر مُعتنقيها عقيدة، وجزءًا من الدين؛ ولهذا صعب على الأحرار الأوائل اجتثاثها، ظلت كامنة مُتحفزة كفكرة، وعاودت حين سنحت لها الفُرصة الظهور من جديد كدولة، وبصورة أكثر فظاعة.

ومن هذا المُنطلق، وكي لا يظل التنافس والصراع بين فكرة الدولة، ودولة الفكرة حتى قيام الساعة، ينبغي علينا التحرر من العصبية والعنصرية المقيتة، ومُجابهة الفكر الكهنوتي بالفكر العقلاني، من خلال العودة إلى الجذور، ونبش تاريخ الإجرام الإمامي، وإلغاء المذهب الديني الأيديولوجي الحامل لهذه الفكرة الريديكالية المُتطرفة، والعابرة للأزمنة، وفضح وتعرية أربابها، من أطلقوا عليهم (الأئمة المُعتبرين)، وتعزيز حضور الدولة، والجمهورية، وكل القيم الإنسانية النبيلة.

- هذا ما أكدت عليه بالأمس، خلال مُشاركتي في برنامجي (ديوان بلقيس)، و(المجهر)، عبر قناتي (بلقيس)، و(الجمهورية)، وهي المُشاركة التي تجدونها عبر هذين الرابطين:

- برنامج (ديوان بلقيس):

https://youtu.be/Iem8BLDwvRg?si=0AF2O23EzoEw6V8n

- برنامج (المجهر):

https://youtu.be/F0HHM5NgOp8?si=4wsVwCRxnwdcLaZ3
‏ملخص كتاب:

كتاب “المتاهة” .. توثيق استقصائي لـ1150 عاما من صراعات الإمامة وحروبها التدميرية من أجل الولاية

استعرض الكتاب لـ“يمن ديلي نيوز” – عبدالله العطار:

 (المتاهة.. الحلقات المفقودة للإمامة الزيدية في اليمن)، كتاب هام، للكاتب “بلال الطيب”، مكون من 533 صفحة مقسمة على أربعة فصول، ومقدمة طويلة، صدر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر.

كونت فصوله الأربعة ميلاد “بانوراما” من الأحداث والوقائع، أرخت بمجملها لـ 1150 عامًا من الحروب عُمر الإمامة الزيدية، وتاريخها “الإجرامي”، نقلاً عن مُؤرخيها، سردها “الطيب” بأسلوب شيق، ولغة أنيقة مُختزلة، وانتهج في طريقة عرضها الأسلوب الصحفي الاستقصائي؛ تاركا للقراء مهمة الاستنباط، والمُقارنة، والتشكيك، والتحليل.

مقدمة الكتاب كانت مُحاولة جريئة لإعادة قراءة عناوين تاريخ اليمن من مَنظور مُختلف، وبمعنى أصح دراسة طبائع ونفسيات صانعي ذلك التاريخ المُتشعب، بعيدًا عن لغة تعظيم الذات، التي جعلت – كما أفاد المُؤلف – كثيرين منا يلعنون حاضرهم، ويُقدسون ماضيهم، على حساب عبورهم إلى المُستقبل، غير مُدركين أنّ حاضرنا امتداد لماضينا.

👈تتمة على الرابط: ydn.news/?p=46049

ــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة قناتنا على التلغرام من الرابط التالي:
t.me/ydnnews1
#يمن_ديلي_نيوز