من القومية العربية إلى العشيرة العربية.
الحقيقة أنَّ مفهوم القوميَّة، منذ مئات السنين لم يتجذَّر فعليًا في العالم العربي، بقدر ما كان خطابًا فوقيًا يستخدم الدَّولة، وتستخدمُه الدولة، كأداة توحيد وهمي، فمثل مرحلة القومية الناصريَّة، وما تفرَّع عنها، لم تكن مزيدًا عن نسخ الأطر العامَّة للاشتراكيَّة الألمانيَّة، بل لم تنتج حتى مشروعًا اشتراكيا عربيًا، فبقيت على استعارة الإطار العالم للاشتراكيَّة ذات الطابع السُّلطوي، كتلك التي ظهرت في ألمانيا في صور منها تدخُّل الدولة في الاقتصاد، والتأميم، والتَّحكم في المجتمع، لكن دون حتَّى نظام رقابي ومحاسبي يضمن نفاذ تلك الخطوات، ولم يعرف المشروع بصياغة فكرية من داخل البنية المجتمعية العربية من تاريخ، ودين، وثقافة، ونحو ذلك، يجمع الأمَّة العربية ضمن سرديَّة هوياتيَّة موحَّدة.
وحين انهارت الدَّولة المركزيَّة، لم يظهر خلفها الإنسان القومي -ولا الإسلامي الأممي- ذلك الذي يرى نفسه من فئة متخيَّلة أوسع من عشيرته أو منطقته أو محافظته، أو حتى طائفته البسيطة، وإنما الإنسان العشائري، ذلك لأن الإنسان القومي كان مشروعًا عشائريًا مدجَّنا، إذ وظَّف المؤسسات القوميَّة لعقود لإنتاج الولاء بديلًا عن الوعي، وهذه المؤسسات نفسها، كانت الفرص المتاحة للمواطن العربي السوري كي ينضم للمشاركة في تفعيلها مرهونة بخلفيَّته الطائفيَّة، أو العشائريَّة، لا القوميَّة، فكانت حقيقة التربيَّة القومية تشرح أنَّ هذا المواطن، حتى لو خرج من التقليد العشائري، فإنَّ ذلك التَّقليد لم يخرج منه.
ولم يتخلَّف صفُّ المعارضة عن حالة الدولة في هذا الحال، فحتى داخل القوى المعارضة، كانت الانتماءات قبليَّة وطائفيَّة سواء قبل سقوط الأسد، أو بعد صعود الحكومة الجديدة، فالمجموعات العشائريَّة في أغلبها كانت منضوية تحت جناح جماعات ذات رمزيَّة إسلاميَّة، لكن بعد صعود الحكومة التي أقالت نظام البعث، اضمحلَّت المسمَّيات الرَّمزية الأمميَّة تلك، وصارت المجموعات إلى الحالة الحقيقيَّة "قوات العشائر" تحمل اسم آل فلان، وآل علَّان، وفي صفِّ المعارضة نفس الشيء، العلويون، الدروز، سكَّان الجبل، ونحوه، توزيع مناطقي، وطائفي مرتبط بانتماء عشائري دموي، وحتى "المثقف العربي العلماني" بات يحتقر سنوات الدراسة لروسو وديكارت وجون لوك، لصالح الانتماء العشائري، الذي ارتبط كثيرًا بالانتماء الطائفي الضيق، فصار منكشفًا ذلك الاختباء داخل الغلاف القومي، أو العلماني، أو الإسلامي، الهش، الذي خرقته التركيبة الاجتماعيَّة.
لا يمكن للخيمة أن تكون بديلًا عن وزارة الدِّفاع، ولا لفرسان العشيرة أن يكونوا بديلًا عن الجيش النظامي، العشيرة لا تتقبَّل حمولة مشروع سياسي، لا تحمل طموحًا أيدلوجيًا، ولا أمميًا حتى، هي تعيش اللَّحظة، تتصرَّف بلغة الفعل وردِّ الفعل، حتى تنسى الفعل الأول، وتستمر إلى ما لا نهاية متذكرةً آخر فعل لتردَّ عليه وحسب، ما يجعل قابليَّتها للهدوء، والترويض، أمرًا متعسرًا، خاصَّة وأنها تستعمل أدوات الدولة، أسلحة متطوِّرة، واتصالات، وعلاقات خارجيَّة، وداخليَّة، لكن بعقليَّة القرابة والثأر والفزعة ولهذا آثار كارثيَّة على مسمى الدولة.
ذلك لأن الدولة تقوم على احتكار العنف المشروع، مركزيَّة القرار السياسي والعسكري، ولاء المواطن السياسي والعسكري للكيان العام، لكن صعود النظام العشائري بديلًا عنها، يعني تعدُّد مراكز القرارين السياسي والعسكري بحسب تعدُّد شيوخ العشائر، لكل عشيرة قائد، وسلاح، وأحيانًا أجندة، وفي المشهد السوري رأينا حتى عبارة (أسير عشيرة فلان)، وما لم يحتكر السلاح في يد الدَّولة، ولم يكن الولاء العام للكيان العام المتجسِّد فيها، أضحت الدَّولة، تلك الكيان الذي لا عشيرة له بل مواطنون، مجرَّد طرف بسيط بين أطراف أقوى منه، وهو ما يحوِّل الدولة إلى مجموعة من الإقطاعيَّات المسلَّحة التي تعيد تدمير ما بقي منها.
الحقيقة أنَّ مفهوم القوميَّة، منذ مئات السنين لم يتجذَّر فعليًا في العالم العربي، بقدر ما كان خطابًا فوقيًا يستخدم الدَّولة، وتستخدمُه الدولة، كأداة توحيد وهمي، فمثل مرحلة القومية الناصريَّة، وما تفرَّع عنها، لم تكن مزيدًا عن نسخ الأطر العامَّة للاشتراكيَّة الألمانيَّة، بل لم تنتج حتى مشروعًا اشتراكيا عربيًا، فبقيت على استعارة الإطار العالم للاشتراكيَّة ذات الطابع السُّلطوي، كتلك التي ظهرت في ألمانيا في صور منها تدخُّل الدولة في الاقتصاد، والتأميم، والتَّحكم في المجتمع، لكن دون حتَّى نظام رقابي ومحاسبي يضمن نفاذ تلك الخطوات، ولم يعرف المشروع بصياغة فكرية من داخل البنية المجتمعية العربية من تاريخ، ودين، وثقافة، ونحو ذلك، يجمع الأمَّة العربية ضمن سرديَّة هوياتيَّة موحَّدة.
وحين انهارت الدَّولة المركزيَّة، لم يظهر خلفها الإنسان القومي -ولا الإسلامي الأممي- ذلك الذي يرى نفسه من فئة متخيَّلة أوسع من عشيرته أو منطقته أو محافظته، أو حتى طائفته البسيطة، وإنما الإنسان العشائري، ذلك لأن الإنسان القومي كان مشروعًا عشائريًا مدجَّنا، إذ وظَّف المؤسسات القوميَّة لعقود لإنتاج الولاء بديلًا عن الوعي، وهذه المؤسسات نفسها، كانت الفرص المتاحة للمواطن العربي السوري كي ينضم للمشاركة في تفعيلها مرهونة بخلفيَّته الطائفيَّة، أو العشائريَّة، لا القوميَّة، فكانت حقيقة التربيَّة القومية تشرح أنَّ هذا المواطن، حتى لو خرج من التقليد العشائري، فإنَّ ذلك التَّقليد لم يخرج منه.
ولم يتخلَّف صفُّ المعارضة عن حالة الدولة في هذا الحال، فحتى داخل القوى المعارضة، كانت الانتماءات قبليَّة وطائفيَّة سواء قبل سقوط الأسد، أو بعد صعود الحكومة الجديدة، فالمجموعات العشائريَّة في أغلبها كانت منضوية تحت جناح جماعات ذات رمزيَّة إسلاميَّة، لكن بعد صعود الحكومة التي أقالت نظام البعث، اضمحلَّت المسمَّيات الرَّمزية الأمميَّة تلك، وصارت المجموعات إلى الحالة الحقيقيَّة "قوات العشائر" تحمل اسم آل فلان، وآل علَّان، وفي صفِّ المعارضة نفس الشيء، العلويون، الدروز، سكَّان الجبل، ونحوه، توزيع مناطقي، وطائفي مرتبط بانتماء عشائري دموي، وحتى "المثقف العربي العلماني" بات يحتقر سنوات الدراسة لروسو وديكارت وجون لوك، لصالح الانتماء العشائري، الذي ارتبط كثيرًا بالانتماء الطائفي الضيق، فصار منكشفًا ذلك الاختباء داخل الغلاف القومي، أو العلماني، أو الإسلامي، الهش، الذي خرقته التركيبة الاجتماعيَّة.
لا يمكن للخيمة أن تكون بديلًا عن وزارة الدِّفاع، ولا لفرسان العشيرة أن يكونوا بديلًا عن الجيش النظامي، العشيرة لا تتقبَّل حمولة مشروع سياسي، لا تحمل طموحًا أيدلوجيًا، ولا أمميًا حتى، هي تعيش اللَّحظة، تتصرَّف بلغة الفعل وردِّ الفعل، حتى تنسى الفعل الأول، وتستمر إلى ما لا نهاية متذكرةً آخر فعل لتردَّ عليه وحسب، ما يجعل قابليَّتها للهدوء، والترويض، أمرًا متعسرًا، خاصَّة وأنها تستعمل أدوات الدولة، أسلحة متطوِّرة، واتصالات، وعلاقات خارجيَّة، وداخليَّة، لكن بعقليَّة القرابة والثأر والفزعة ولهذا آثار كارثيَّة على مسمى الدولة.
ذلك لأن الدولة تقوم على احتكار العنف المشروع، مركزيَّة القرار السياسي والعسكري، ولاء المواطن السياسي والعسكري للكيان العام، لكن صعود النظام العشائري بديلًا عنها، يعني تعدُّد مراكز القرارين السياسي والعسكري بحسب تعدُّد شيوخ العشائر، لكل عشيرة قائد، وسلاح، وأحيانًا أجندة، وفي المشهد السوري رأينا حتى عبارة (أسير عشيرة فلان)، وما لم يحتكر السلاح في يد الدَّولة، ولم يكن الولاء العام للكيان العام المتجسِّد فيها، أضحت الدَّولة، تلك الكيان الذي لا عشيرة له بل مواطنون، مجرَّد طرف بسيط بين أطراف أقوى منه، وهو ما يحوِّل الدولة إلى مجموعة من الإقطاعيَّات المسلَّحة التي تعيد تدمير ما بقي منها.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
من اللقطات الكوميدية الفاخرة في مسلسل الخربة (٢٠١١) من تأليف ممدوح حمادة، والذي جرت أحداثه لتصوير عائلتين متنافستين على الزعامة، في صورة رمزية لذهنية مجتمع السويداء الواقعة جنوب سوريا. شاهدت المسلسل مرتين قديمًا لما فيه من حس كوميدي سياسي واجتماعي ساخر.
باسم بشينية
Video
واحد من إبداعات ممدوح حمادة، كاتب (الخربة–٢٠١١) الذي كان عملًا يتناول السويداء.
في أحد قرى الدروز، حيث يجتمع في هذا المشهد كل من الشيخين الدرزيين، رجلان يمثلان زعامتين عشائريتين، أبو نايف، وأبو نمر، يبحث كل منهما تدهور مكانته الاجتماعية بعد تفسخ النسيج التقليدي داخل المجتمع الدرزي، يفقد كل منهما هيبته أمام عشيرته، بيت أبو مالحة، وبيت أبو قعقور، يشعران بالإهانة لأن أبناء الطائفة صاروا (يسألون) عن جدوى خططهم، بعدما تعرضوا لعقود لحالة مزرية بسبب الانصياع الأعمى لحكم العواجيز، وفي محاولة يائسة لاستعادة كل منهما لنفوذه، يتقرَّر بين الزعيمين افتعال أزمة بين العشيرتين عبر تبادل الإهانات، حتى إنه لمن الطريف أن يجعل حمادة مسألة إهانة الشوارب –التي لطالما ظلت رمز الهيبة والرجولة في التقليد الدرزي– آخر الحلول الممكنة لاستثارة الحميَّة العشائرية في الجبل، لإثارة النخوة والثأر بين أبناء البيتين. يكشف المشهد أنَّ طريقة عمل عقل العواجيز الدروز، نهاية ما يمكن أن تنتجه، هو افتعال مشكل وهمي تذهب في سبيله روابط النسب، والأرواح، والهدوء، بين المجتمع العشائري لأجل عودة تلك الرمزية المتمثلة في نمر من ورق، الشنب.
الذي حصل في المشهد اللاحق، هو النقيض، لم يأبه أبناء العشيرتين بإهانة شوارب أي من الزعيمين، ما يحكي أن الأدوات التي يرتكزون عليها لاستجداء الاحترام، قد فقدت قيمتها مع التحول الاجتماعي. المسلسل صدر لأول مرة قبل ١٤ سنة من اليوم، جسد فيه الكاتب كل ما يتاح له من رمزية، لاستشراف الواقع بلغة كوميديا سوداء.
في أحد قرى الدروز، حيث يجتمع في هذا المشهد كل من الشيخين الدرزيين، رجلان يمثلان زعامتين عشائريتين، أبو نايف، وأبو نمر، يبحث كل منهما تدهور مكانته الاجتماعية بعد تفسخ النسيج التقليدي داخل المجتمع الدرزي، يفقد كل منهما هيبته أمام عشيرته، بيت أبو مالحة، وبيت أبو قعقور، يشعران بالإهانة لأن أبناء الطائفة صاروا (يسألون) عن جدوى خططهم، بعدما تعرضوا لعقود لحالة مزرية بسبب الانصياع الأعمى لحكم العواجيز، وفي محاولة يائسة لاستعادة كل منهما لنفوذه، يتقرَّر بين الزعيمين افتعال أزمة بين العشيرتين عبر تبادل الإهانات، حتى إنه لمن الطريف أن يجعل حمادة مسألة إهانة الشوارب –التي لطالما ظلت رمز الهيبة والرجولة في التقليد الدرزي– آخر الحلول الممكنة لاستثارة الحميَّة العشائرية في الجبل، لإثارة النخوة والثأر بين أبناء البيتين. يكشف المشهد أنَّ طريقة عمل عقل العواجيز الدروز، نهاية ما يمكن أن تنتجه، هو افتعال مشكل وهمي تذهب في سبيله روابط النسب، والأرواح، والهدوء، بين المجتمع العشائري لأجل عودة تلك الرمزية المتمثلة في نمر من ورق، الشنب.
الذي حصل في المشهد اللاحق، هو النقيض، لم يأبه أبناء العشيرتين بإهانة شوارب أي من الزعيمين، ما يحكي أن الأدوات التي يرتكزون عليها لاستجداء الاحترام، قد فقدت قيمتها مع التحول الاجتماعي. المسلسل صدر لأول مرة قبل ١٤ سنة من اليوم، جسد فيه الكاتب كل ما يتاح له من رمزية، لاستشراف الواقع بلغة كوميديا سوداء.
باسم بشينية
Photo
طيف الفراغ السيادي.
أبرز المحطات التي مرَّ بها العالم العربي: القومية العربيَّة بعد ١٩٦٧ مع انهيار رمزية المشروع القومي العربي، وتخلخل الثقة الشعبية في خطابات الأمة الواحدة، الإسلام السياسي بعد ٢٠١٣ حيث سقوط حكم الإخوان في مصر، الوطنية القطرية بعد ٢٠٢٠ والتي فقدت بعد التطبيع شرعية التعايش الإقليمي، الأحزاب السياسية الكبرى، البعثية والناصرية، والشيوعية، والإسلامية، والتي شكلت هويَّة العمل السياسي، والتي بلغت ذروة انهيارها بعد ٢٠١١ فلم تنجح أي كتلة في تقديم مشروع جذري بديل، ثورة الفقيه التي حاولت إيران تصديرها لتكون بديلًا، آخر محطاتها كانت الهجمات التي شلَّت حركتها مع بداية النصف الثاني من ٢٠٢٥ وانكسار المحور الذي نسجته لعقود منذ ١٩٧٩.
والآن، نحن في واحدة من أبشع المراحل، وهي مرحلة الأقليات الانفصالية ما دون الوطنية، والحالة السورية نموذج حي يشرح أنَّ الأقليات التي اكتسبت فكرًا انفصاليًا أظهرت أنَّها أخطر العوامل التي تهدِّد السيادة الجغرافية للدُّول، ولا يشبه أيا من تلك المحطات السابقة؛ فحتى محطة العشيرة – ما قبل القومية – يمكن أن تكون أقل ضررًا من محطة الأقلية في ظل الدولة، لأنَّ العشائر والقبائل، مهما كانت، يمكن استيعابها داخل مشروع وطني، بينما الأقلية الانفصالية تسعى دومًا إلى كسر المشروع الوطني.
الأزرق، قبل ١٩٤٨، نشأ عن أقلية مشتتة في أوروبا، وفي روسيا، وفي العالم العربي، ثم توحدت بوسائل خارجة عن الدولة التقليدية، ولا يزال يمثِّل أقلية بين دول ذات هويات عربية محيطة به. فمن الطبيعي أن تكون كل هذه الأقليات الانفصالية في العالم العربي، مهما كانت مجهرية، ضعيفة، ساذجة، أو قوية نسبيًا، فإنَّ حليفها الطبيعي والوحيد، سواء الآن أو مستقبلًا، سواء نجحت أو فشلت، هو الأزرق، اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا.
وهو حلف هيكلي، لا حلف ظرفي، لأنَّ الأزرق – وهي مقولة بن غوريون – لا يمكن أن يستمر وجوده في ظل هوية عربية جامعة محيطة به، وإنما عبر تشكيل نسيج فسيفسائي من الأقليات الإنفصالية، يكون هو راعيًا وضامنًا لها، مركزًا على بعديها أو بعدها الأحادي (الطائفيَّة) إن كانت عربيَّة، أو (العرقية) إن كانت غير عربيَّة، وفي الحالتين معتقدات وتاريخ وثقافة هذه الأقليات يمثل المادَّة الخام في نسج الميتافيزيقا السياسية، ألم ترَ في مقاطع الدروز في السويداء عبارة (لا تهربوا إحنا بنرجع) هذه هي المادَّة التي لعب عليها الأزرق، ليحوِّلها عمل واقعي يستند إلى خصوصيَّة طائفية (التناسخ) بدلًا عن مشروع سياسي، أو سردية دولة.
أبرز المحطات التي مرَّ بها العالم العربي: القومية العربيَّة بعد ١٩٦٧ مع انهيار رمزية المشروع القومي العربي، وتخلخل الثقة الشعبية في خطابات الأمة الواحدة، الإسلام السياسي بعد ٢٠١٣ حيث سقوط حكم الإخوان في مصر، الوطنية القطرية بعد ٢٠٢٠ والتي فقدت بعد التطبيع شرعية التعايش الإقليمي، الأحزاب السياسية الكبرى، البعثية والناصرية، والشيوعية، والإسلامية، والتي شكلت هويَّة العمل السياسي، والتي بلغت ذروة انهيارها بعد ٢٠١١ فلم تنجح أي كتلة في تقديم مشروع جذري بديل، ثورة الفقيه التي حاولت إيران تصديرها لتكون بديلًا، آخر محطاتها كانت الهجمات التي شلَّت حركتها مع بداية النصف الثاني من ٢٠٢٥ وانكسار المحور الذي نسجته لعقود منذ ١٩٧٩.
والآن، نحن في واحدة من أبشع المراحل، وهي مرحلة الأقليات الانفصالية ما دون الوطنية، والحالة السورية نموذج حي يشرح أنَّ الأقليات التي اكتسبت فكرًا انفصاليًا أظهرت أنَّها أخطر العوامل التي تهدِّد السيادة الجغرافية للدُّول، ولا يشبه أيا من تلك المحطات السابقة؛ فحتى محطة العشيرة – ما قبل القومية – يمكن أن تكون أقل ضررًا من محطة الأقلية في ظل الدولة، لأنَّ العشائر والقبائل، مهما كانت، يمكن استيعابها داخل مشروع وطني، بينما الأقلية الانفصالية تسعى دومًا إلى كسر المشروع الوطني.
الأزرق، قبل ١٩٤٨، نشأ عن أقلية مشتتة في أوروبا، وفي روسيا، وفي العالم العربي، ثم توحدت بوسائل خارجة عن الدولة التقليدية، ولا يزال يمثِّل أقلية بين دول ذات هويات عربية محيطة به. فمن الطبيعي أن تكون كل هذه الأقليات الانفصالية في العالم العربي، مهما كانت مجهرية، ضعيفة، ساذجة، أو قوية نسبيًا، فإنَّ حليفها الطبيعي والوحيد، سواء الآن أو مستقبلًا، سواء نجحت أو فشلت، هو الأزرق، اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا.
وهو حلف هيكلي، لا حلف ظرفي، لأنَّ الأزرق – وهي مقولة بن غوريون – لا يمكن أن يستمر وجوده في ظل هوية عربية جامعة محيطة به، وإنما عبر تشكيل نسيج فسيفسائي من الأقليات الإنفصالية، يكون هو راعيًا وضامنًا لها، مركزًا على بعديها أو بعدها الأحادي (الطائفيَّة) إن كانت عربيَّة، أو (العرقية) إن كانت غير عربيَّة، وفي الحالتين معتقدات وتاريخ وثقافة هذه الأقليات يمثل المادَّة الخام في نسج الميتافيزيقا السياسية، ألم ترَ في مقاطع الدروز في السويداء عبارة (لا تهربوا إحنا بنرجع) هذه هي المادَّة التي لعب عليها الأزرق، ليحوِّلها عمل واقعي يستند إلى خصوصيَّة طائفية (التناسخ) بدلًا عن مشروع سياسي، أو سردية دولة.
واقع اليوم هو تاريخ الغد.
كل إعلامي، مثقف، شيخ، مؤرخ، يكتب اليوم لأجل الغد، لكن في ضوء الخلفية التي هو عليها، حصل أم لم يحصل؟ نحن أبناء اليوم، وحصل كل شيء على مسامعنا، وأمام أعيننا، رأينا المشاهد، سمعنا التصريحات، قرأنا التقارير الحصرية بما فيها من أرقام، ومع ذلك اختلفنا بحدة في ضبط السردية قبل أن يتحول الحدث إلى تاريخ، اختلفنا في رواية الأسباب، في رواية الأحداث، وفي نتائج الأحداث، وكان كل توثيق آني محملًا بمقدماته، مشبعا بالأدلجة، وبإرادة الراوي، بأن يكون حاضره امتدادًا له، وبرغبة الجمهور في تصديق ما يريده لا ما وقع واقعًا، وبما يواسيه لا بما يكشف تناقضاته.
كل إعلامي، مثقف، شيخ، مؤرخ، يكتب اليوم لأجل الغد، لكن في ضوء الخلفية التي هو عليها، حصل أم لم يحصل؟ نحن أبناء اليوم، وحصل كل شيء على مسامعنا، وأمام أعيننا، رأينا المشاهد، سمعنا التصريحات، قرأنا التقارير الحصرية بما فيها من أرقام، ومع ذلك اختلفنا بحدة في ضبط السردية قبل أن يتحول الحدث إلى تاريخ، اختلفنا في رواية الأسباب، في رواية الأحداث، وفي نتائج الأحداث، وكان كل توثيق آني محملًا بمقدماته، مشبعا بالأدلجة، وبإرادة الراوي، بأن يكون حاضره امتدادًا له، وبرغبة الجمهور في تصديق ما يريده لا ما وقع واقعًا، وبما يواسيه لا بما يكشف تناقضاته.
Forwarded from باسم بشينية (باسم)
لا يزال يصدِّق البعض أن "المكوِّن الدَّعوي" كما أسماه، هو المحرك الأساسي لمفاصل التاريخ الحديث، بزعمه، ولو سألت فلاحًا، لأخبرك أن المكوِّن الزراعي هو المحرك، نفس الأمر بالنسبة لبائع الشاي، فالكل ينظر لفئته، على أنها المحرك الذي لا يتحرك جزء بدونه، بالمقابل، تجد أن حرب ٤٨ كان المحرك فيها الهدف التوسعي بنظر الملك فاروق، وكثيرا ما أدُّعي لحسن البنا أن مشاركة الإخوان المسلمين في ٤٨ كان مبعثه دينيًا في فلسطين، لكن في تلك السنوات كانت الجزائر لا تزال مستعمرة من طرف فرنسا، ولم يتكلم عنها بشيء، وتذهب سنوات، وتأتي أخرى، ويمسك جمال عبد الناصر السلطة، ويدخل دعاة مصر إلى السجن، ويحرر بقايا مصر (قناة السويس) من بقايا الاحتلال، ويتعرض لعدوان ثلاثي من طرف بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ويتعرض لمحاولة اغتيال من الإخوان المسلمين، وينتصر على العدوان (بغض النظر عن كيفية ذلك)، وهو رافع لراية الثورة، متحدثًا بمصطلحات من قبيل (التأميم)، وهو المصطلح الذي راج في الدراسات الاقتصادية الاشتراكية، لا الدعوية، متبنيًا لسياسة الاشتراكية القومية، ثم يسجن قطب وباقي القيادات الدعوية الإخوانية، ويعدمهم، وتأتي سنة ٦٢، وتتحرر الجزائر بعد ثورة دامت سنوات، وهي التي عُبِّر عنها في دستور ٧٦ بأنها ثورة اشتراكية، وأن الاشتراكية هي السبيل الوحيد الكفيل باستكمال الاستقلال الوطني، وهي الثورة التي استشهد خلالها مليون ونصف مليون جزائري، والتي قادتها جبهة التحرير، وبعد ذلك اندلعت حرب ٦٧ بقيادة القومجي الاشتراكي، ثم جاءت سنة ٧٣، في المرحلة التي شارك عدد من دول العالم العربي ضد الكيان، وانخرطت دول بجيوشها، وأموالها، ولم يُستكمل التحرير، وشهدت تلك المرحلة برئاسة أنور السادات، وضع مختلف الدعاة السجن، إلى المرحلة التي عبر فيها السادات عن أحدهم بأنه «مرمي في السجن زي الكلب» في صورة غير لبقة، حتى أنه كان يأنف من تكملة (الرحمن الرحيم) عند قوله (بسم الله)، وجاءت مرحلة أفغانستان سنة ٧٩ فيما بعد، المرحلة التي شاركت فيها وكالة الاستخبارات المركزية بالدعوة، وطبعت حتى المصاحف لـ "المجاهدين"، وأعيد تثوير الوعي الدعوي على أنه المحرك الأوحد في أفغانستان، في الصراع الذي كان بين أمريكا وحلفائها ضد الاتحاد السوفييتي، حتى أن تاتشر وقفت ذات يوم قائلة نحن كأهل كتاب نحارب مع المسلمين عدوًا ملحدًا ينكر وجود الله. وتفاقم الغرور الدعوي لدى الإسلامي، مع أن حرب أفغانستان، مولها الحلفاء بما يزيد عن ٦٠٠ مليون دولار، وكانت التكبيرات ريدفةً لبعثات صواريخ ستنجر الأمريكية، ومع عدم ممارسته لأي عملية سياسية ناجحة على مدار قرن، أو أكثر، يتبجح لك أن جل قضايا الأمة الحديثة، إنما تحركها الدعوة، وجل التحركات الضخمة، إنما مدارها على جوانب سياسية لم يشارك فيها الداعية بشيء، بغير الكلام، حتى أن صفات الجبن والشجاعة، والتي صارت مرمى في شباك بعضهم البعض، مدارها على شجاعة الداعية في التعبير بالكلام عن الحكم الشرعي، تجاه ما يحدث، متوقعًا أن هذا مشاركة في صناعة الحدث، حتى بلغ بالبعض غرور لم يصب سياسيا من قبله، فأخذ ينشر أحلامًا رأى نفسه فيها على جبهات القتال، مشعرًا القراء بأنه ضمن دائرة الاشتباك، وليس سوى بائع كلام! فأحرى بالشخص أن يتواضع حتى يعرف مستوى مشاركته في صناعة أي حدث، ويتعامل مع الأحداث على هذا الأساس دون أن يكون انتهازيًا، خصوصًا عند الحروب.
أنت بصفتك شعبًا.
الناس تقوم بنفخ رأسك، تورطك، تعارض حكوماتها، وتمنعك من معارضة سلطتك، تعرف حتمية النتائج، لكن تتحاشاها، لماذا؟ لأنك شعب، لا يجوز أن ينفذ حكمك، فطبيعيٌّ ألا يكون الأثر المتعدي عليك مهمًا إلا بقدر ما يخدم الرؤى الأخلاقية، لا السياسية.
لا باسم الشعب يتشكل واقعك. لأنهم أحكموا الإدراك بأنك لا تملك حق الاعتراض على الميتافيزيقا التي تبرر قراراتهم، وما دام يمكن تبرير كل شيء باسمها، ضد ما يتطلبه وضعك، كشعب، ستبقى هامشيًا في التأثير على القرار، أنت الوجه الأخلاقي للسياسة التي تحتمي بك. لأن الوعي مرهون بما تسمح به السلطة، التي تنوب عنك، لا بمقدار ما تدفعه من أرواح، وأشلاء، وبطون خاوية.
الشعب درع، وسيلة فضح، سلَّم تراند، قرار حياته أو موته، ليس بيده، لكنه هو أكثر مخيال يتردد على الألسن. أنت بصفتك شعبًا، الناس لا تخاطبك، تخاطبهم باسمك، تحشدك في الميدان، ثم تفاوض عنك، ترميك في الفوهة ويعود إعلامها ليستثمر أنقاضك، أنت مادة دعائية، حكمك محرَّم، لكن عليك فريضة التكلفة، فريضة صبر أيوب، وبطولة الحسين، ووقعة كربلاء، وأصحاب الأخدود، ورباط الجيل الصاعد. أنت الحاضر الغائب، المقاتل المقتول، المدافَع عنه به.
الناس تقوم بنفخ رأسك، تورطك، تعارض حكوماتها، وتمنعك من معارضة سلطتك، تعرف حتمية النتائج، لكن تتحاشاها، لماذا؟ لأنك شعب، لا يجوز أن ينفذ حكمك، فطبيعيٌّ ألا يكون الأثر المتعدي عليك مهمًا إلا بقدر ما يخدم الرؤى الأخلاقية، لا السياسية.
لا باسم الشعب يتشكل واقعك. لأنهم أحكموا الإدراك بأنك لا تملك حق الاعتراض على الميتافيزيقا التي تبرر قراراتهم، وما دام يمكن تبرير كل شيء باسمها، ضد ما يتطلبه وضعك، كشعب، ستبقى هامشيًا في التأثير على القرار، أنت الوجه الأخلاقي للسياسة التي تحتمي بك. لأن الوعي مرهون بما تسمح به السلطة، التي تنوب عنك، لا بمقدار ما تدفعه من أرواح، وأشلاء، وبطون خاوية.
الشعب درع، وسيلة فضح، سلَّم تراند، قرار حياته أو موته، ليس بيده، لكنه هو أكثر مخيال يتردد على الألسن. أنت بصفتك شعبًا، الناس لا تخاطبك، تخاطبهم باسمك، تحشدك في الميدان، ثم تفاوض عنك، ترميك في الفوهة ويعود إعلامها ليستثمر أنقاضك، أنت مادة دعائية، حكمك محرَّم، لكن عليك فريضة التكلفة، فريضة صبر أيوب، وبطولة الحسين، ووقعة كربلاء، وأصحاب الأخدود، ورباط الجيل الصاعد. أنت الحاضر الغائب، المقاتل المقتول، المدافَع عنه به.
باسم بشينية
لكن ماذا عن أولئك الذين ينهزمون ولا يعترفون؟ ماذا عن الخاسر الذي يرفض حتى الاعتراف بخسارته في ظل وهم النصر. هل له أن يفكر في معالجة الأسباب وهو يهتف بما يخالف واقعه؟
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
في إحدى مشاهد Ginga Eiyuu Densetsu من تأليف يوشكي تانَكا ١٩٨٢م. يتحدث الضابط (ذو الميول السياسية) إلى القائد المنغمس في الوهم العسكري، بأن العدو قد وصل، ونقل ساحة المعركة، وأنَّ الأسطول الذي يعوِّل عليه قد هزم، يرد القائد على الضابط (لا تقل أشياء غير سارَّة) يرد الضابط مستنكرًا (الحقيقة غير سارة!)، يأمره القائد بالاندفاع والهجوم على أية حال. يرد الضابط أنَّ الواجب تقليل الخسائر عبر الانسحاب، بدل الهجوم، يردُّ القائد (لن ننسحب كالجبناء). يلحقهم الدمار سريعًا، وتتحطم نفس مركبة القائد أولًا.
مع أن المشهد من فلم كرتون، إنمي، يفترض أنه موجه للأطفال، لكنه يشرح طبيعة تفكير أولئك القادة الوهميين – ويا لكثرتهم على وسائل التواصل– الذين يتصورون أنَّ مجرد إرادتهم تكفي لإملاء النتيجة، مع أن ذلك الكبرياء العسكري الذي يخلط بين الشجاعة والحماقة والتنكر للوقائع وتغليب حفظ الهيبة والخوف من الوصم بالجبن، دومًا ما يكون حاسمًا في إنهاء الصراع لغير صالحك، بدل أن يطيله لصالحك.
-----------------------
"الانتقال المفاجئ من التواضع إلى الكبرياء، دون اتباع خطوات مناسبة، أمر يجافي العقل ولا يجدي"
– ميكيافيلي.
مع أن المشهد من فلم كرتون، إنمي، يفترض أنه موجه للأطفال، لكنه يشرح طبيعة تفكير أولئك القادة الوهميين – ويا لكثرتهم على وسائل التواصل– الذين يتصورون أنَّ مجرد إرادتهم تكفي لإملاء النتيجة، مع أن ذلك الكبرياء العسكري الذي يخلط بين الشجاعة والحماقة والتنكر للوقائع وتغليب حفظ الهيبة والخوف من الوصم بالجبن، دومًا ما يكون حاسمًا في إنهاء الصراع لغير صالحك، بدل أن يطيله لصالحك.
-----------------------
"الانتقال المفاجئ من التواضع إلى الكبرياء، دون اتباع خطوات مناسبة، أمر يجافي العقل ولا يجدي"
– ميكيافيلي.
Forwarded from المأمون “
"من الخير أن يدافع المرء عن بلاده بقدر ما يستطيع، سواء انطوى دفاعه على المجد أو المهانة...إذ لو تم إنقاذ هذا الجيش فإن روما تستطيع أن تمحو عارها في الوقت المناسب، أما إذا لم يتم إنقاذه وآثر الموت بفخار فإن روما وحريتها معرضتان للضياع"
"عندما تتوقف سلامة البلاد كلها على القرار الذي يتخذه المرء فمن الواجب أن لا يهتم هذا الإنسان بقضايا اللطف والقسوة ولا بالإطراء أو المذلة بل عليه أن يتخلى عن كل اعتبار آخر وأن يسلك ذلك المسلك الذي يؤدي إلى الحفاظ على حياة بلاده وحريتها بكل ما لديه من إخلاص وحماس"
نيقولو ميكيافيلي، المطارحات، تعريب: خيري حماد، ط٣، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ١٩٨٢، ص٧٤٨، ٧٤٩
"عندما تتوقف سلامة البلاد كلها على القرار الذي يتخذه المرء فمن الواجب أن لا يهتم هذا الإنسان بقضايا اللطف والقسوة ولا بالإطراء أو المذلة بل عليه أن يتخلى عن كل اعتبار آخر وأن يسلك ذلك المسلك الذي يؤدي إلى الحفاظ على حياة بلاده وحريتها بكل ما لديه من إخلاص وحماس"
نيقولو ميكيافيلي، المطارحات، تعريب: خيري حماد، ط٣، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ١٩٨٢، ص٧٤٨، ٧٤٩
باسم بشينية
Photo
"حالة الثقة التي غمر بها بريجنيف زملائه أدت للأسف إلى أنه لم يتعمق في جوهر المشاكل والآن بعد وفاته بأعوام، تبين أن هذه المشاكل مرَّت عليه دون أن يلحظها. هل كانت هذه أخطاء أم عدم مسؤولية الذين كانوا ينفذون التعليمات؟ لا أدري لكنها في كل الأحوال أصبحت فيما بعد بقعا سوداء في ثوبه. نعم، صحيح، هو الذي كان يقود البلاد، هو المسؤول عن كل شيء".
(حكم العواجيز، فلاديمير ميدفيديف، ص٩٥)
(حكم العواجيز، فلاديمير ميدفيديف، ص٩٥)
في احتواء المستجد...
القاسم المشترك بين جميع الدول النَّاجحة تاريخيًا، وحديثًا، هو الحفاظ على القدرة على التكيُّف مع جميع المتغيِّرات، ميكيافيلي عبَّر عن ذلك بشكل واضح عندما قال: من الخير عندما تشق جائحة طريقها داخل دولة أو ضدَّها، أن يعمل على مداورتها لا على القضاء عليها. مداورتها، لاحظ، فلا ينبغي قمعها كليا، بل يستحسن احتواؤها وتدويرها بذكاء، فالدولة القوية، دوما هي تلك التي تمتلك القدرة الفائقة على احتواء أي مستجد تقني، أي فرض نوع من السيطرة على سرديَّة المستجدَّات وتحويلها إلى أداة قوة، أو ميزة إستراتيجية.
كثيرة هي المستجدَّات التي بدت غريبةً في البداية، بل ومهدِّدة، من الراديو، إلى السفن البخاريَّة، فالتشريح، والطب الحديث، كانت تهديدًا عسكريًا، وجوديًا، كما كانت تهديدًا رمزيًا لسرديات السلطة التقليدية. لكن الواقع يخبرنا أنَّ أولى المسارعين إلى السيطرة على سرديَّاتها، هم المتحكمون في مخاطرها بعد امتلاكهم لها، ما يجعلهم المسؤولين عن امتلاك الآخرين لها. النَّووي، من يتاح له امتلاكه بعد سيطرة أقلية من الدول على سرديَّته، مع أنه سلاح دمار شامل.
المفارقة التي تفصل واقعنا عن الواقع الغربي، ليست في مجرد مرونة الأخير تجاه المستجد، وجعله إرثًا خاصًا، والتحكم في توريده، وجعله ندرة، وانعدام كل ذلك في واقعنا، وإنما في تجاوزه لمسمى المرونة، إلى حدِّ السيطرة أو الاحتكار لسرديَّته بالكامل. كثيرة هي الأشياء التي بدت غريبة ومهددة، الإنترنت التي صارت شرعية لدى جميع دول العالم اليوم، كانت تعتبر محل تهديد سياسي وأمني في كثير من دول العالم في التسعينات، بدافع أنَّها وسيلة تجسُّس، لكن التوسع التجاري كسر هذا الجاهز، وفرضها فرضًا على الجميع.
نفس الوضع مع هواتف محمولة بكاميرا، والتي كان يمنع استيرادها في دول عدَّة، يشار إليها اليوم في الاستيراد لوسائل التقنية، كان امتلاكها يعتبر تهديدًا للأمن، وذريعة لانتهاك خصوصيَّة الأفراد وغيرهم، لكن التقنية فرضت نفسها، الراديو بالمناسبة، كان قد نشأ في سياقات عسكرية خلال الحرب العالميَّة، وقيد الاتحاد السوفييتي فيما بعد امتلاكه على مستوى الأفراد بحكم أنه قادر على التقاط بث أجنبي، نفس الأمر في إيطاليا وألمانيا قبل الحرب، ثم فجأة صار الراديو غير المقيَّد بعد 50 سنة، كلاسيكيًا، أمام أجهزة لاقت نفس التقييد كالتلفاز والهاتف، ثم صارت عادة بدون قيد.
في إنجلترا سنة 1865م صدر قانون يسمى بالقانون الأحمر، والذي كان يقيِّد امتلاك النَّاس للسيَّارات، وفرض على السائق بأن يمشي أمامه رجل يحمل راية حمراء لتحذير المشاة والعربات، وفي مناطق اعتبرن السيارات فضلًا عن الطائرات الحربية، من المنجزات الكافرة، ثم ماذا؟ صار معيار حداثة الدول ومقياس رفاهيَّتها بناء على مدى تطويرها لبنيتها التحتية على أساس السيارات ومختلف وسائل النقل.
فضلا عن القطارات التي اعترض على وجودها من باب أنها تحدٍّ للنظام الزمني، الطابعة، والكهرباء، والتشريح الطبي الذي تطور خلال الحرب العالمية، والسفن البخارية التي كانت تعتبر تهوُّرًا، والتي منع العثمانيون استعمالها، إلى أن انهار أسطولهم الذي كان يعتمد قوة الرياح، بدل السفن البخارية الأوروبية، في معركة نافارين.
والنقود نفسها مرَّت بمحطات سوداء حتى صارت إلى الحال الذي نحن عليه اليوم، من رفض العملات المعدنية، بدل المقايضة، إلى رفض الأوراق المالية، بدل عملات الذهب والفضة، وكان خير مثال عن ذلك، الرفض الشعبي للعملة الورقية خلال الثورة الفرنسية بسبب عدم الثقة في الأوراق، لأن الفرد غير متأكد أنَّ فردًا آخر يعطي نفس القيمة ونفس الثقة، لنفس الورقة، إلى تعميمها بعد ظهور البنوك المركزية.
زبدة الموضوع، أن كل مستجد تقني أو تكنلوجي، مهما كانت تكسوه غرابة كثيرة، وغموض، سيفرض نفسه، وبقى غامضًا وغريبًا، إلى أن تتمَّ مداورتُه، وصولًا إلى السيطرة على سرديَّته، فهو نتاج حتمي لمخاض زمني سابق، وسيصبح بدوره رحمًا لتحول قادم، وهذا يعمل مع التقنية، كما يعمل مع السياسة، كثيرة هي الدول التي تم تتمكن من استئصال الفكر العنيف، فانتهجت مبدأ "العنف المسيطر عليه" باحتواءه، إلى أن صار لصالحها ثم أذابت تهديده بهدوء. لعل هذه مفارقة تدعو للتأمل، حول لمَ الغرب يتقدمنا علميًا وتقنيًا؟ بل ويسيطر على سرديَّات ما أسماه (وران بافيت) لحظات تغيير التَّاريخ، من ثورة صناعية، ونووي، وذكاء إصطناعي، وأمور أخرى كثيرة، بدت في لحظاتها الأولى ساخرة، وباهتة.
القاسم المشترك بين جميع الدول النَّاجحة تاريخيًا، وحديثًا، هو الحفاظ على القدرة على التكيُّف مع جميع المتغيِّرات، ميكيافيلي عبَّر عن ذلك بشكل واضح عندما قال: من الخير عندما تشق جائحة طريقها داخل دولة أو ضدَّها، أن يعمل على مداورتها لا على القضاء عليها. مداورتها، لاحظ، فلا ينبغي قمعها كليا، بل يستحسن احتواؤها وتدويرها بذكاء، فالدولة القوية، دوما هي تلك التي تمتلك القدرة الفائقة على احتواء أي مستجد تقني، أي فرض نوع من السيطرة على سرديَّة المستجدَّات وتحويلها إلى أداة قوة، أو ميزة إستراتيجية.
كثيرة هي المستجدَّات التي بدت غريبةً في البداية، بل ومهدِّدة، من الراديو، إلى السفن البخاريَّة، فالتشريح، والطب الحديث، كانت تهديدًا عسكريًا، وجوديًا، كما كانت تهديدًا رمزيًا لسرديات السلطة التقليدية. لكن الواقع يخبرنا أنَّ أولى المسارعين إلى السيطرة على سرديَّاتها، هم المتحكمون في مخاطرها بعد امتلاكهم لها، ما يجعلهم المسؤولين عن امتلاك الآخرين لها. النَّووي، من يتاح له امتلاكه بعد سيطرة أقلية من الدول على سرديَّته، مع أنه سلاح دمار شامل.
المفارقة التي تفصل واقعنا عن الواقع الغربي، ليست في مجرد مرونة الأخير تجاه المستجد، وجعله إرثًا خاصًا، والتحكم في توريده، وجعله ندرة، وانعدام كل ذلك في واقعنا، وإنما في تجاوزه لمسمى المرونة، إلى حدِّ السيطرة أو الاحتكار لسرديَّته بالكامل. كثيرة هي الأشياء التي بدت غريبة ومهددة، الإنترنت التي صارت شرعية لدى جميع دول العالم اليوم، كانت تعتبر محل تهديد سياسي وأمني في كثير من دول العالم في التسعينات، بدافع أنَّها وسيلة تجسُّس، لكن التوسع التجاري كسر هذا الجاهز، وفرضها فرضًا على الجميع.
نفس الوضع مع هواتف محمولة بكاميرا، والتي كان يمنع استيرادها في دول عدَّة، يشار إليها اليوم في الاستيراد لوسائل التقنية، كان امتلاكها يعتبر تهديدًا للأمن، وذريعة لانتهاك خصوصيَّة الأفراد وغيرهم، لكن التقنية فرضت نفسها، الراديو بالمناسبة، كان قد نشأ في سياقات عسكرية خلال الحرب العالميَّة، وقيد الاتحاد السوفييتي فيما بعد امتلاكه على مستوى الأفراد بحكم أنه قادر على التقاط بث أجنبي، نفس الأمر في إيطاليا وألمانيا قبل الحرب، ثم فجأة صار الراديو غير المقيَّد بعد 50 سنة، كلاسيكيًا، أمام أجهزة لاقت نفس التقييد كالتلفاز والهاتف، ثم صارت عادة بدون قيد.
في إنجلترا سنة 1865م صدر قانون يسمى بالقانون الأحمر، والذي كان يقيِّد امتلاك النَّاس للسيَّارات، وفرض على السائق بأن يمشي أمامه رجل يحمل راية حمراء لتحذير المشاة والعربات، وفي مناطق اعتبرن السيارات فضلًا عن الطائرات الحربية، من المنجزات الكافرة، ثم ماذا؟ صار معيار حداثة الدول ومقياس رفاهيَّتها بناء على مدى تطويرها لبنيتها التحتية على أساس السيارات ومختلف وسائل النقل.
فضلا عن القطارات التي اعترض على وجودها من باب أنها تحدٍّ للنظام الزمني، الطابعة، والكهرباء، والتشريح الطبي الذي تطور خلال الحرب العالمية، والسفن البخارية التي كانت تعتبر تهوُّرًا، والتي منع العثمانيون استعمالها، إلى أن انهار أسطولهم الذي كان يعتمد قوة الرياح، بدل السفن البخارية الأوروبية، في معركة نافارين.
والنقود نفسها مرَّت بمحطات سوداء حتى صارت إلى الحال الذي نحن عليه اليوم، من رفض العملات المعدنية، بدل المقايضة، إلى رفض الأوراق المالية، بدل عملات الذهب والفضة، وكان خير مثال عن ذلك، الرفض الشعبي للعملة الورقية خلال الثورة الفرنسية بسبب عدم الثقة في الأوراق، لأن الفرد غير متأكد أنَّ فردًا آخر يعطي نفس القيمة ونفس الثقة، لنفس الورقة، إلى تعميمها بعد ظهور البنوك المركزية.
زبدة الموضوع، أن كل مستجد تقني أو تكنلوجي، مهما كانت تكسوه غرابة كثيرة، وغموض، سيفرض نفسه، وبقى غامضًا وغريبًا، إلى أن تتمَّ مداورتُه، وصولًا إلى السيطرة على سرديَّته، فهو نتاج حتمي لمخاض زمني سابق، وسيصبح بدوره رحمًا لتحول قادم، وهذا يعمل مع التقنية، كما يعمل مع السياسة، كثيرة هي الدول التي تم تتمكن من استئصال الفكر العنيف، فانتهجت مبدأ "العنف المسيطر عليه" باحتواءه، إلى أن صار لصالحها ثم أذابت تهديده بهدوء. لعل هذه مفارقة تدعو للتأمل، حول لمَ الغرب يتقدمنا علميًا وتقنيًا؟ بل ويسيطر على سرديَّات ما أسماه (وران بافيت) لحظات تغيير التَّاريخ، من ثورة صناعية، ونووي، وذكاء إصطناعي، وأمور أخرى كثيرة، بدت في لحظاتها الأولى ساخرة، وباهتة.
بعض ما ينشر من "دراسات" ومقالات "علمية" في الأرجاء، محض تضليل مبني على نوع من السرقة الاصطناعية، مثلا، إحدى الملفات التي تحوي كل ما كتبه أحدهم على مدونته خلال أكثر من عشر سنوات؛ نسبة الاقتباس فيها تجاوزت ٧٠٪، ترى ما الكشف العلمي الذي قدمه مثل هذا خلال عشر سنوات من الكتابة؟
أحد الأوراق التي اطلعت عليها مؤخرًا، كشف برنامج TURINTIN أن عددًا لا بأس به من قائمة المراجع فيها، مستل بشكل حرفي من دراسات أقدم بسنتين أو ثلاثة. طريقة كتابة المرجع في القائمة مطابقة بشكل حرفي بينهما حتى أنَّ رقم الصفحة وعلامات الترقيم نفسها. لكن عندما ترجع إلى الدراسة الأقدم التي ذكرت هذا المرجع، تجد نصَّ الاقتباس المشار إليه، مخالف لنص اقتباس "الدراسة" الحديثة، مع كونها قد غيَّبت وساطة الدراسة الأقدم في الوصول لهذا المرجع.
هذا الفعل تقوم به أدوات الذكاء الاصطناعي، وهي تشعر مستعمليها أن الاقتباس صحيح، لكن هي في الحقيقة قامت باختلاق عبارات، ووضعت لها مراجع مذكورة سلفًا في دراسات أخرى من نفس المجال أو تحمل عناوين شبيهة، لكن توهمك أن النص هو مقتبس حرفيا من ذلك المرجع.
لذا فكثير من الدراسات التي تنشر، لو دققتها، ستجد أنها مبنية على بالون وهمي منتفخ بالهواء، وأصحابها قد تكون لديهم درجة بجاحة في نشر مثل هذا واعتباره جهدًا بشريًا رفيعًا مكسوًا بأبلغ أوصاف الكمال. لا أستغرب ممن هم مبتلون بثلب سمعتهم بهكذا سلوكيَّات، فالله لا يظلم على كل حال، لكن الذي يحتاج استغرابًا، هو أنَّ هذا النوع دومًا ما تتوفر لديه حماية عالية بسبب البيئة الغبيَّة التي تتمثَّل في الأشخاص المحيطين به.
أحد الأوراق التي اطلعت عليها مؤخرًا، كشف برنامج TURINTIN أن عددًا لا بأس به من قائمة المراجع فيها، مستل بشكل حرفي من دراسات أقدم بسنتين أو ثلاثة. طريقة كتابة المرجع في القائمة مطابقة بشكل حرفي بينهما حتى أنَّ رقم الصفحة وعلامات الترقيم نفسها. لكن عندما ترجع إلى الدراسة الأقدم التي ذكرت هذا المرجع، تجد نصَّ الاقتباس المشار إليه، مخالف لنص اقتباس "الدراسة" الحديثة، مع كونها قد غيَّبت وساطة الدراسة الأقدم في الوصول لهذا المرجع.
هذا الفعل تقوم به أدوات الذكاء الاصطناعي، وهي تشعر مستعمليها أن الاقتباس صحيح، لكن هي في الحقيقة قامت باختلاق عبارات، ووضعت لها مراجع مذكورة سلفًا في دراسات أخرى من نفس المجال أو تحمل عناوين شبيهة، لكن توهمك أن النص هو مقتبس حرفيا من ذلك المرجع.
لذا فكثير من الدراسات التي تنشر، لو دققتها، ستجد أنها مبنية على بالون وهمي منتفخ بالهواء، وأصحابها قد تكون لديهم درجة بجاحة في نشر مثل هذا واعتباره جهدًا بشريًا رفيعًا مكسوًا بأبلغ أوصاف الكمال. لا أستغرب ممن هم مبتلون بثلب سمعتهم بهكذا سلوكيَّات، فالله لا يظلم على كل حال، لكن الذي يحتاج استغرابًا، هو أنَّ هذا النوع دومًا ما تتوفر لديه حماية عالية بسبب البيئة الغبيَّة التي تتمثَّل في الأشخاص المحيطين به.
"العامة أقوياء في وحدتهم، وضعفاء في حقيقتهم"
(مطارحات مكيافيلي، نيقولا مكيافيلي، تعريب خيري حمَّاد، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثالثة، بيروت، شباط (فبراير) 1982م، ص404).
(مطارحات مكيافيلي، نيقولا مكيافيلي، تعريب خيري حمَّاد، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثالثة، بيروت، شباط (فبراير) 1982م، ص404).
باسم بشينية
Photo
"لم أجد نفسي في الولايات المتحدة ولا المكسيك، وجدت نفسي في الشام!
بيوت عربية يزيد عمرها عن أربعمئة سنة. بحيرات تغنى بعقامات من الحرير وتربع باحات البيوت. نخيلات باسقات لها طلعٌ نضيد. كيف يمكن للشام أن تزرع في قلب المكسيك؟
حتى اسم المدينة عربي؛ بلد الوليد Valladolid. أول مدينة بناها الإسبان في المكسيك. بعد سقوط الأندلس مباشرة: لذا نقلوا الأندلس كاملة – بشاميتها وعروبتها إلى هذه الأرض. السائح العربي سيظل مدهوشًا وهو يرى تراثه في المكسيك. وإن كان تراثه هنا يسمى باسم إسباني وهو «الكولوني».
وتوجد في أمريكا اللاتينية مئات المدن الكولونية التي بناها الإسبان لا تزال محتفظة بأندلسيتها".
(تسكع في أمريكا اللاتينية، عبد الكريم الشطي، منشورات ذات السلاسل، الكويت، الطبعة الأولى ٢٠١٧م، ص١٥٧)
بيوت عربية يزيد عمرها عن أربعمئة سنة. بحيرات تغنى بعقامات من الحرير وتربع باحات البيوت. نخيلات باسقات لها طلعٌ نضيد. كيف يمكن للشام أن تزرع في قلب المكسيك؟
حتى اسم المدينة عربي؛ بلد الوليد Valladolid. أول مدينة بناها الإسبان في المكسيك. بعد سقوط الأندلس مباشرة: لذا نقلوا الأندلس كاملة – بشاميتها وعروبتها إلى هذه الأرض. السائح العربي سيظل مدهوشًا وهو يرى تراثه في المكسيك. وإن كان تراثه هنا يسمى باسم إسباني وهو «الكولوني».
وتوجد في أمريكا اللاتينية مئات المدن الكولونية التي بناها الإسبان لا تزال محتفظة بأندلسيتها".
(تسكع في أمريكا اللاتينية، عبد الكريم الشطي، منشورات ذات السلاسل، الكويت، الطبعة الأولى ٢٠١٧م، ص١٥٧)
"واعلم أن أعظم أعوانك عليه الحجج ثم الفرصة، ثم لا تظهرن عليه حجة، ولا تهتبل منه غرة، ولا تطلبن له عثرة، ولا تهتكن له سترا إلا عند الفرصة في ذلك كله، وفي المواضع التي يجب لك فيها العذر ويعظم فيها ضرره، إن كان العفو عنه شرا له".
الجاحظ (٢٥٥ه)
الجاحظ (٢٥٥ه)