الدُّرّ النَّثِير
هنا يستدرك الصحفيّ على إمام الصناعة بهذا النظر الساذج. يقول إن لغة بني سليم في إجراء القول مُجرى الظن مطلقا ليست حَسنة .. لماذا لا يا ترى ؟ لا نعرف؛ لكنَّ عنده قاعدةً اخترعها من تلقاء نفسه لم يسبقه إليها أحد من أهل العلم، وما كان ينبغي لهم أن يفعلوا لأنهم…
قال أبو حيان في معرض ردِّه على ابن مالك في مسألة من باب" اسم الإشارة":
" كم من قاعدة نحوية شهيرة فصيحة لم تأت في القرآن، ولا يدعي أحد أن القرآن أتى على جميع اللغات والقواعد النحوية، ولا انحصر ذلك فيه، هذه "رُبّ" تجرُّ الأسماء، وقد طفَح بها لسان العرب نثرًا ونظمًا، حتى إنه قلَّ قصيدٌ لهم يخلو من ذلك، ولم تجئ في القرآن جارَّةً الأسماء".
" كم من قاعدة نحوية شهيرة فصيحة لم تأت في القرآن، ولا يدعي أحد أن القرآن أتى على جميع اللغات والقواعد النحوية، ولا انحصر ذلك فيه، هذه "رُبّ" تجرُّ الأسماء، وقد طفَح بها لسان العرب نثرًا ونظمًا، حتى إنه قلَّ قصيدٌ لهم يخلو من ذلك، ولم تجئ في القرآن جارَّةً الأسماء".
هنا يُخطٍّئ الصحفي الإمامَ الشافعيّ - رضي الله تعالى عنه- في قوله " ومن جماع علم كتاب الله العلمُ بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب ".
وبيان تخطئته العرجاء للإمام الشافعي من وجهين:
الأول: أنه يزعم أن قول الإمام " لسان العرب " خطأ لأن هذا المركب الإضافي لم يُذكر في القرآن هههه ، وحكاية نفس كلامه مُغنية عن فساده، وسبق وقلنا إن هذا فهم رجل صحفيّ أعجميّ لا يدري شيئا، لأن القرآن لم يشتمل على كل الفصيح، ولأن المشروط في سماع المركبات هو سماع أنواعها لا أشخاصها.
والثاني: أنه فهمَ أن الإمام الشافعي يقصد بلسان العرب: كل لغات العرب، بمعنى أنه يدّعي على الإمام الشافعي أنه يقصد: يجب أن يكون جميع ما في كتاب الله قد تكلم به جميع العرب.
ولا ريب في فساد هذا الفهم ولا أراد الإمام الشافعي ذلك، وإنما مراده أن كل ما في كتاب الله قد جاء على لغةٍ أو على لغاتٍ فصيحة تكلم بها قومٌ فصحاء من العرب، وليس فيه ادّعاء الشافعي الإجماع على تكلُّم جميعهم بكل ما في القرآن؛ فإن القرآن يختار أحسن اللغات وأفصحها وأقوى المذاهب وأسدَّها، وسبحان واهب العقول.
وبيان تخطئته العرجاء للإمام الشافعي من وجهين:
الأول: أنه يزعم أن قول الإمام " لسان العرب " خطأ لأن هذا المركب الإضافي لم يُذكر في القرآن هههه ، وحكاية نفس كلامه مُغنية عن فساده، وسبق وقلنا إن هذا فهم رجل صحفيّ أعجميّ لا يدري شيئا، لأن القرآن لم يشتمل على كل الفصيح، ولأن المشروط في سماع المركبات هو سماع أنواعها لا أشخاصها.
والثاني: أنه فهمَ أن الإمام الشافعي يقصد بلسان العرب: كل لغات العرب، بمعنى أنه يدّعي على الإمام الشافعي أنه يقصد: يجب أن يكون جميع ما في كتاب الله قد تكلم به جميع العرب.
ولا ريب في فساد هذا الفهم ولا أراد الإمام الشافعي ذلك، وإنما مراده أن كل ما في كتاب الله قد جاء على لغةٍ أو على لغاتٍ فصيحة تكلم بها قومٌ فصحاء من العرب، وليس فيه ادّعاء الشافعي الإجماع على تكلُّم جميعهم بكل ما في القرآن؛ فإن القرآن يختار أحسن اللغات وأفصحها وأقوى المذاهب وأسدَّها، وسبحان واهب العقول.
محاولة اختراع العجلة من أول وجديد واستحداث أصول تنفرد بها لم يتابعك عليها أحد من أهل العلم ولا تداولت عليه أنظار العلماء المحققين تنقيحا وتحريرا ونخلا وتفتيشا = هو حرثٌ في الماء ونقشٌ على الهواء، ولن تجني من ذلك إلا المزيد من الشذوذ وركوب ثبَج الغرابة عن مناهج أهل العلم المُرتضاة والمُتلقاة بالقبول والمشهود لهم بالعدالة وبلوغ الغاية في التحرّي والتتنقيب، ولم يُقبل مثل هذا الانفراد والتشظّي ممن هو أعظم منك وأورع وأعلم وأتقن وأجمَع للفنون - على تفاوت ما بين المنهجَين- اللهم إلا في زمان كهذا الذي نعيشه اللائق به أيَّ لياقةٍ قولُ ابن قتيبة - رحمه الله- : " والناس أسرابُ طَيرٍ يتبَع بعضُها بعضا، ولو ظهَر مَن يدَّعِي النُّبوة، مع معرفتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، أو مَن يدِّعي الربوبية = لوجَد على ذلك أتباعا وأشياعا".
ولله الأمر من قبل ومن بعد
ولله الأمر من قبل ومن بعد
من المعاني المغلوطة التي يعتقدها بعض الناس ويُلبّسون بها على الخَلق: عَقد التلازم بين نفي العصمة ووجوب إتيان الخطأ، فيجعل لزومَ ارتكاب الخطأ نتيجة لازمة لعدم العصمة، مع أنهما أمران مُنفكّان لا تلازُم بينهما.
وإنما التلازم هو بين العصمة ووجوب نفي الخطأ، لا بين عدم العصمة ووجوب ارتكاب الخطأ، لأن مفهوم العصمة مساوٍ لنفي الخطأ، دون أن يكون مفهوم عدم العصمة مساويا ولا مستلزما لوجوب ارتكاب الخطأ، وغاية ما هنالك أن غير المعصوم يجوز في حقه - بالجواز العقلي - أن يفعل الخطأ، أما أن يجب ذلك فهيهات.
فانتفاء العصمة ممكن في حق غير الأنبياء، لكن لا يجب أن يكون واقعا، وفرقٌ بين الإمكان والوقوع، إذ يلزم الأول من الثاني، ولا يلزم الثاني من الأول، فكل واقع هو ممكن وليس كل ممكن واقعا، وعدم العصمة أو فِعل الخطأ ممكن، ولكنه لا يلزم أن يقع.
وأما حديث أنس رضي الله عنه " كل ابن آدم خطّاء" فمع أنه من العام المخصوص بغير الأنبياء فهو مع ذلك يفيد أن ابن آدم من شأنه أن يُخطئ لا أنه حتما سيخطئ، ولهذا جاء في البدر الطالع للشوكاني في ترجمة ابن دقيق العيد رحمه الله: " إن لكاتب الشمال سنين لم يكتب عليَّ شيئا ".
على أن أفعال العبد عديدة ومُتكثّرة، فيجوز أن يقع منه الخطأ والزلل في بعضها ويجوز أن لا يقع منه في بعضها الآخر، والتأليف والتصنيف هو بعض الفعل لا كله.
ثم إن المدَّعى صحةُ الأصول الموضوعة المقررة في كتب أئمة الصناعات وسقوط الاعتراضات الواردة عليها، فأين هذا من دعاوى العصمة المكذوبة!
فمن رأيته يستدل بعدم العصمة مطلقا على وجوب وجود الخطأ مطلقا فاعلم أنه عابث متلاعب ما لم يُبيّن ويُفصّل وجوه الخطأ على رسم أهل العلم، والله أعلم.
وإنما التلازم هو بين العصمة ووجوب نفي الخطأ، لا بين عدم العصمة ووجوب ارتكاب الخطأ، لأن مفهوم العصمة مساوٍ لنفي الخطأ، دون أن يكون مفهوم عدم العصمة مساويا ولا مستلزما لوجوب ارتكاب الخطأ، وغاية ما هنالك أن غير المعصوم يجوز في حقه - بالجواز العقلي - أن يفعل الخطأ، أما أن يجب ذلك فهيهات.
فانتفاء العصمة ممكن في حق غير الأنبياء، لكن لا يجب أن يكون واقعا، وفرقٌ بين الإمكان والوقوع، إذ يلزم الأول من الثاني، ولا يلزم الثاني من الأول، فكل واقع هو ممكن وليس كل ممكن واقعا، وعدم العصمة أو فِعل الخطأ ممكن، ولكنه لا يلزم أن يقع.
وأما حديث أنس رضي الله عنه " كل ابن آدم خطّاء" فمع أنه من العام المخصوص بغير الأنبياء فهو مع ذلك يفيد أن ابن آدم من شأنه أن يُخطئ لا أنه حتما سيخطئ، ولهذا جاء في البدر الطالع للشوكاني في ترجمة ابن دقيق العيد رحمه الله: " إن لكاتب الشمال سنين لم يكتب عليَّ شيئا ".
على أن أفعال العبد عديدة ومُتكثّرة، فيجوز أن يقع منه الخطأ والزلل في بعضها ويجوز أن لا يقع منه في بعضها الآخر، والتأليف والتصنيف هو بعض الفعل لا كله.
ثم إن المدَّعى صحةُ الأصول الموضوعة المقررة في كتب أئمة الصناعات وسقوط الاعتراضات الواردة عليها، فأين هذا من دعاوى العصمة المكذوبة!
فمن رأيته يستدل بعدم العصمة مطلقا على وجوب وجود الخطأ مطلقا فاعلم أنه عابث متلاعب ما لم يُبيّن ويُفصّل وجوه الخطأ على رسم أهل العلم، والله أعلم.
وَقَوْلُهُ تعالى :" وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ الْقَلْبِيَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَائِمًا ، وَأَنْ لَا يَغْفُلَ الْإِنْسَانُ لَحْظَةً وَاحِدَةً عَنِ اسْتِحْضَارِ جَلَالِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَالْقُوَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ.
وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ : أَنَّ بَيْنَ الرُّوحِ وَبَيْنَ الْبَدَنِ عَلَاقَةً عَجِيبَةً ، لِأَنَّ كُلَّ أَثَرٍ حَصَلَ فِي جَوْهَرِ الرُّوحِ نَزَلَ مِنْهُ أَثَرٌ إِلَى الْبَدَنِ ، وَكُلُّ حَالَةٍ حَصَلَتْ فِي الْبَدَنِ صَعَدَتْ مِنْهَا نَتَائِجُ إِلَى الرُّوحِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَخَيَّلَ الشَّيْءَ الْحَامِضَ ضَرِسَ سِنُّهُ ، وَإِذَا تَخَيَّلَ حَالَةً مَكْرُوهَةً وَغَضِبَ سَخِنَ بَدَنُهُ ، فَهَذِهِ آثَارٌ تَنْزِلُ مِنَ الرُّوحِ إِلَى الْبَدَنِ ، وَأَيْضًا إِذَا وَاظَبَ الْإِنْسَانُ عَلَى عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَكَرَّرَهُ مَرَّاتٍ وَكَرَّاتٍ حَصَلَتْ مَلَكَةٌ قَوِيَّةٌ رَاسِخَةٌ فِي جَوْهَرِ النَّفْسِ ، فَهَذِهِ آثَارٌ صَعِدَتْ مِنَ الْبَدَنِ إِلَى النَّفْسِ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِذَا حَضَرَ الذِّكْرَ اللِّسَانِيَّ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ حَصَلَ أَثَرٌ مِنْ ذَلِكَ الذِّكْرِ اللِّسَانِيِّ فِي الْخَيَالِ ، ثُمَّ يَصْعَدُ مِنْ ذَلِكَ الْأَثَرِ الْخَيَالِيِّ مَزِيدُ أَنْوَارٍ وَجَلَايَا إِلَى جَوْهَرِ الرُّوحِ ، ثُمَّ تَنْعَكِسُ مِنْ تِلْكَ الْإِشْرَاقَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ آثَارٌ زَائِدَةٌ إِلَى اللِّسَانِ وَمِنْهُ إِلَى الْخَيَالِ ، ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الْعَقْلِ ، وَلَا يَزَالُ تَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَنْوَارُ مِنْ هَذِهِ الْمَرَايَا بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَيَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَيَسْتَكْمِلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، وَلَمَّا كَانَ لَا نِهَايَةَ لِتَزَايُدِ أَنْوَارِ الْمَرَاتِبِ ، لَا جَرَمَ لَا نِهَايَةَ لِسَفَرِ الْعَارِفِينَ فِي هَذِهِ الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ الْقُدْسِيَّةِ ، وَذَلِكَ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ ، وَمَطْلُوبٌ لَا نِهَايَةَ لَهُ .
[ الإمام الرازي ].
وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ : أَنَّ بَيْنَ الرُّوحِ وَبَيْنَ الْبَدَنِ عَلَاقَةً عَجِيبَةً ، لِأَنَّ كُلَّ أَثَرٍ حَصَلَ فِي جَوْهَرِ الرُّوحِ نَزَلَ مِنْهُ أَثَرٌ إِلَى الْبَدَنِ ، وَكُلُّ حَالَةٍ حَصَلَتْ فِي الْبَدَنِ صَعَدَتْ مِنْهَا نَتَائِجُ إِلَى الرُّوحِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا تَخَيَّلَ الشَّيْءَ الْحَامِضَ ضَرِسَ سِنُّهُ ، وَإِذَا تَخَيَّلَ حَالَةً مَكْرُوهَةً وَغَضِبَ سَخِنَ بَدَنُهُ ، فَهَذِهِ آثَارٌ تَنْزِلُ مِنَ الرُّوحِ إِلَى الْبَدَنِ ، وَأَيْضًا إِذَا وَاظَبَ الْإِنْسَانُ عَلَى عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَكَرَّرَهُ مَرَّاتٍ وَكَرَّاتٍ حَصَلَتْ مَلَكَةٌ قَوِيَّةٌ رَاسِخَةٌ فِي جَوْهَرِ النَّفْسِ ، فَهَذِهِ آثَارٌ صَعِدَتْ مِنَ الْبَدَنِ إِلَى النَّفْسِ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِذَا حَضَرَ الذِّكْرَ اللِّسَانِيَّ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ حَصَلَ أَثَرٌ مِنْ ذَلِكَ الذِّكْرِ اللِّسَانِيِّ فِي الْخَيَالِ ، ثُمَّ يَصْعَدُ مِنْ ذَلِكَ الْأَثَرِ الْخَيَالِيِّ مَزِيدُ أَنْوَارٍ وَجَلَايَا إِلَى جَوْهَرِ الرُّوحِ ، ثُمَّ تَنْعَكِسُ مِنْ تِلْكَ الْإِشْرَاقَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ آثَارٌ زَائِدَةٌ إِلَى اللِّسَانِ وَمِنْهُ إِلَى الْخَيَالِ ، ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الْعَقْلِ ، وَلَا يَزَالُ تَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَنْوَارُ مِنْ هَذِهِ الْمَرَايَا بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، وَيَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَيَسْتَكْمِلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، وَلَمَّا كَانَ لَا نِهَايَةَ لِتَزَايُدِ أَنْوَارِ الْمَرَاتِبِ ، لَا جَرَمَ لَا نِهَايَةَ لِسَفَرِ الْعَارِفِينَ فِي هَذِهِ الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ الْقُدْسِيَّةِ ، وَذَلِكَ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ ، وَمَطْلُوبٌ لَا نِهَايَةَ لَهُ .
[ الإمام الرازي ].
أورَد أبو نُعيم الأصفهاني في" حِلية الأولياء" أن الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- لمَّا اجتمَع بهارون الرشيد سأله هارون: كيف بصَرُك بالعربية ؟!
فقال الشافعي: هي مَبدؤنا، طِباعُنا بها قُوِّمَتْ، وألسنتُنا بها جرَتْ، فصارت كالحياة لا تتمّ إلا بالسلامة، وكذلك العربيةُ لا تَسلَمُ إلا لأهلها، ولقد وُلدتُّ وما أعرِف اللحن، فكنتُ كمَن سلِم من الداء ما سلِم له الدواء وعاش بكامل الهَناء، وبذلك شهِد لي القرآن " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " - يعني قريشا- وأنت وأنا منهم يا أمير المؤمنين، والعُنصر نظيف، والجُرثومة مَنيعةٌ شامخة، أنت أصلٌ ونحن فرع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُفسِّر ومُبين، به اجتمعتْ أحسابنا، فنحن بنو الإسلام، وبذلك نُدعَى ونُنسَب.
فقال له الرشيد: صدقتَ، بارك الله فيك.
فقال الشافعي: هي مَبدؤنا، طِباعُنا بها قُوِّمَتْ، وألسنتُنا بها جرَتْ، فصارت كالحياة لا تتمّ إلا بالسلامة، وكذلك العربيةُ لا تَسلَمُ إلا لأهلها، ولقد وُلدتُّ وما أعرِف اللحن، فكنتُ كمَن سلِم من الداء ما سلِم له الدواء وعاش بكامل الهَناء، وبذلك شهِد لي القرآن " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " - يعني قريشا- وأنت وأنا منهم يا أمير المؤمنين، والعُنصر نظيف، والجُرثومة مَنيعةٌ شامخة، أنت أصلٌ ونحن فرع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُفسِّر ومُبين، به اجتمعتْ أحسابنا، فنحن بنو الإسلام، وبذلك نُدعَى ونُنسَب.
فقال له الرشيد: صدقتَ، بارك الله فيك.
عقَّب الدكتور الصُّحُفيّ على منشورٍ كنت قد بيَّنتُ فيه سوءَ صنيعه في كلامه على لغة بني سُليم في إجرائهم القول مُجرى الظن مطلقا، وذكرتُ فيه طرَفًا من فساد نظره في معالجة قضايا لم يُحِط بها خُبرا.
فكان أنْ نشَر هو منشوري مُفرّقًا، وذكَر عليه تعقيبات، وأنا أضع كلامه الذي ردَّ به عليَّ بين هِلالين وأُبيِّن ما فيه.
قال : ( قلت: والدكتور سامي يقظ جدا و منتبه و مدقق فهو لا يفرق بين أنها مختلفة لا تشبه القرآن، و بين أنها لم تأت في القرآن.*
● و الدكتور سامي أمين جدا و صادق و لا أدري أين وجد في كلامي أني أقول إن كل كلمة أو لغة لم تأت في القرآن فهي لغو و ليست صوابا، و قد أماتها القرآن وحَكم عليها بالفناء، و هو العبقري الذي اخترع هذا الكلام، ثم رماني به. )
أقول : قد ذكَر الصُّحفيّ أن لغة بني سُليم المذكورة لغةٌ أبطَلها القرآن، ولا يجوز لمُسلمٍ أن يتكلم بها وهو عامد؛ لأنه بذلك يكون قد تعمَّد مخالفة القرآن، والقرآن هدَم كثيرا من لغات العرب كما هدَم كثيرا من أعمالهم.
فانظر إلى هذا الكلام : هدمه القرآن، أبطله، من يتكلم به فكأنه يتعمد مخالفة القرآن، فإن لم يكن هذا كله مستلزما لكون هذه اللغة ليست صوابا فيا ليت أنك تذكر لنا من أين جئتَ بأن اللغتين إذا ذُكرت إحداهما في القرآن ولم تُذكر الأخرى فهذا دليل على أن غير المذكورة باطلة، ومُهدَرة، ولا يجوز التكلم بها، أَحِلْ هذه الدعاوى إلى إمام من أئمة الصناعة، أو هات لها ما يعضُدها من البراهين، بل نحن نُبيّن لك فساد هذا الزعم، بالنقل، وبالعقل:
- أما العقل؛ فلأنه لا تلازم بين اقتصار القرآن على إحدى اللغتين أو اللغات وبين فساد الأخرى المسكوت عنها، لأن الخلاف بينهما لا يرجع إلى كونهما متناقضتين لا يجوز اجتماعهما، بل يجوز أن يجتمعا في لسان العرب وتتكلم بعض القبائل بلغة وبعضها بلغة أخرى ويبقى للغتين حُكم الفصاحة، ويُرجّح القرآن إحداهما على الأخرى دون أن يُبطلها؛ لأن الخلاف بينهما ليس خلافَ تضادّ وتنافر
وسأقرّب هذا بمثالٍ للقارئ الكريم: إذا قلت مثلا: زيد قائم، فهنا قد أثبتنا القيام لزيد، وانتفى عنه نقيضه، وهو القعود أو الجلوس، فلا يصح أن يجتمع القعود مع القيام، لكن يجوز أن يجتمع مع القيام أشياء أخرى غير منافية للقيام، مثل الكلام مثلا والضحك وتحريك الأصابع وهكذا، فكونه قائما لا يدل على انتفاء هذه الأمور؛ لأنها غير منافية لقيامه، وكذلك إذا ورد عن العرب لغتان أو أكثر في كلمات أو تراكيب، واقتصر القرآن على أحد هذه اللغات فهذا لا يعني أن اللغة الأخرى باطلة ولا أنها قد هُدِمَت بمخالفة القرآن لها ولا أن المتكلم بها تعمَّد أن يُخالف القرآن؛ لأنه يجوز أن تجتمع كل هذه اللغات في ألسنة العرب، وتكون كلها فصيحة ومليحة، وغاية ما هنالك أن الفصاحة مَقولةٌ على هذه اللغات بالتشكيك، أعني أنها تتصف كلها بالفصاحة، ولكن بعضها أفصح من بعض، فهي من باب القليل والكثير، والفصيح والأفصح، وليست من باب المستعمل والمهجور، ولا من باب الصحيح والباطل.
- وأما النقل؛ فقد قال شيخ صناعة الأصول النحوية، ومُمهِّد ضوابطها النظرية أبو الفتح ابن جني - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- : "باب اختلاف اللغات وكلها حجة":
اعلم أن سعة القياس تُبيح لهم ذلك ولا تحظُره عليهم؛ ألا ترى أن لغة التميميين في ترك إعمال "ما" يقبلها القياس، ولغة الحجازيين في إعمالها كذلك؛ لأن لكل واحد من القَومين ضربًا من القياس يُؤخَذ به ويُخلَد إلى مثله، وليس لك أن تردَّ إحدى اللغتين بصاحبتها؛ لأنها ليست أحقَّ بذلك من رسيلتها ( أي صاحبتها) لكن غاية ما لك في ذلك أن تتخيّر إحداهما فتقوِّيها على أختها، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبَلُ لها وأشدُّ أُنسًا بها، فأما ردّ إحداهما بالأخرى فلا".
......
ثم قال الدكتور الصُّحفيّ : ( ● و هذه اللغة في إجراء القول مُجرى الظن ليس لها شاهد في القرآن، و لا في الأحاديث المحفوظة و لا غير المحفوظة، و لا لها شاهد من أشعار العرب و كلامهم، و لا ذكر سيبويه لها شاهدا إلا تلك الرواية عن أبي الخطاب، و هو إنما سمع من بني سليم في المائة الثانية من الهجرة بالعراق، و بنو سليم أو ناس منهم في تلك الكلمة يخالفون القرآن، و يخالفون العرب جميعا، و هي لغة لهم قليلة، و لم يقل أحد من النحاة إنها حَسنة، و لا سيبويه نفسه، و لا يستطيع الدكتور سامي معوض أن يأتي لها بشاهد غير تلك الرواية لا من شعر و لا غيره، و دونه الشاملة و جوجل و ما شاء.)
أقول : حينما يقرأ دراويشه أمثال هذه الكلمات الجوفاء والإطلاقات الرعناء يظنون أن وراءها استقراءً وغوصًا في كتب الفنون يحملانه على هذه المزاعم، فيبالغون في تعظيمه، ويذهبون في الثناء عليه كل مَذهب، ويُحسِّنون عَبثه عند أشباههم من العوامّ، وهم في حقيقة الأمر شركاؤه في الإثم ورُفقاؤه في التلبيس والتضليل والعبث.
فكان أنْ نشَر هو منشوري مُفرّقًا، وذكَر عليه تعقيبات، وأنا أضع كلامه الذي ردَّ به عليَّ بين هِلالين وأُبيِّن ما فيه.
قال : ( قلت: والدكتور سامي يقظ جدا و منتبه و مدقق فهو لا يفرق بين أنها مختلفة لا تشبه القرآن، و بين أنها لم تأت في القرآن.*
● و الدكتور سامي أمين جدا و صادق و لا أدري أين وجد في كلامي أني أقول إن كل كلمة أو لغة لم تأت في القرآن فهي لغو و ليست صوابا، و قد أماتها القرآن وحَكم عليها بالفناء، و هو العبقري الذي اخترع هذا الكلام، ثم رماني به. )
أقول : قد ذكَر الصُّحفيّ أن لغة بني سُليم المذكورة لغةٌ أبطَلها القرآن، ولا يجوز لمُسلمٍ أن يتكلم بها وهو عامد؛ لأنه بذلك يكون قد تعمَّد مخالفة القرآن، والقرآن هدَم كثيرا من لغات العرب كما هدَم كثيرا من أعمالهم.
فانظر إلى هذا الكلام : هدمه القرآن، أبطله، من يتكلم به فكأنه يتعمد مخالفة القرآن، فإن لم يكن هذا كله مستلزما لكون هذه اللغة ليست صوابا فيا ليت أنك تذكر لنا من أين جئتَ بأن اللغتين إذا ذُكرت إحداهما في القرآن ولم تُذكر الأخرى فهذا دليل على أن غير المذكورة باطلة، ومُهدَرة، ولا يجوز التكلم بها، أَحِلْ هذه الدعاوى إلى إمام من أئمة الصناعة، أو هات لها ما يعضُدها من البراهين، بل نحن نُبيّن لك فساد هذا الزعم، بالنقل، وبالعقل:
- أما العقل؛ فلأنه لا تلازم بين اقتصار القرآن على إحدى اللغتين أو اللغات وبين فساد الأخرى المسكوت عنها، لأن الخلاف بينهما لا يرجع إلى كونهما متناقضتين لا يجوز اجتماعهما، بل يجوز أن يجتمعا في لسان العرب وتتكلم بعض القبائل بلغة وبعضها بلغة أخرى ويبقى للغتين حُكم الفصاحة، ويُرجّح القرآن إحداهما على الأخرى دون أن يُبطلها؛ لأن الخلاف بينهما ليس خلافَ تضادّ وتنافر
وسأقرّب هذا بمثالٍ للقارئ الكريم: إذا قلت مثلا: زيد قائم، فهنا قد أثبتنا القيام لزيد، وانتفى عنه نقيضه، وهو القعود أو الجلوس، فلا يصح أن يجتمع القعود مع القيام، لكن يجوز أن يجتمع مع القيام أشياء أخرى غير منافية للقيام، مثل الكلام مثلا والضحك وتحريك الأصابع وهكذا، فكونه قائما لا يدل على انتفاء هذه الأمور؛ لأنها غير منافية لقيامه، وكذلك إذا ورد عن العرب لغتان أو أكثر في كلمات أو تراكيب، واقتصر القرآن على أحد هذه اللغات فهذا لا يعني أن اللغة الأخرى باطلة ولا أنها قد هُدِمَت بمخالفة القرآن لها ولا أن المتكلم بها تعمَّد أن يُخالف القرآن؛ لأنه يجوز أن تجتمع كل هذه اللغات في ألسنة العرب، وتكون كلها فصيحة ومليحة، وغاية ما هنالك أن الفصاحة مَقولةٌ على هذه اللغات بالتشكيك، أعني أنها تتصف كلها بالفصاحة، ولكن بعضها أفصح من بعض، فهي من باب القليل والكثير، والفصيح والأفصح، وليست من باب المستعمل والمهجور، ولا من باب الصحيح والباطل.
- وأما النقل؛ فقد قال شيخ صناعة الأصول النحوية، ومُمهِّد ضوابطها النظرية أبو الفتح ابن جني - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- : "باب اختلاف اللغات وكلها حجة":
اعلم أن سعة القياس تُبيح لهم ذلك ولا تحظُره عليهم؛ ألا ترى أن لغة التميميين في ترك إعمال "ما" يقبلها القياس، ولغة الحجازيين في إعمالها كذلك؛ لأن لكل واحد من القَومين ضربًا من القياس يُؤخَذ به ويُخلَد إلى مثله، وليس لك أن تردَّ إحدى اللغتين بصاحبتها؛ لأنها ليست أحقَّ بذلك من رسيلتها ( أي صاحبتها) لكن غاية ما لك في ذلك أن تتخيّر إحداهما فتقوِّيها على أختها، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبَلُ لها وأشدُّ أُنسًا بها، فأما ردّ إحداهما بالأخرى فلا".
......
ثم قال الدكتور الصُّحفيّ : ( ● و هذه اللغة في إجراء القول مُجرى الظن ليس لها شاهد في القرآن، و لا في الأحاديث المحفوظة و لا غير المحفوظة، و لا لها شاهد من أشعار العرب و كلامهم، و لا ذكر سيبويه لها شاهدا إلا تلك الرواية عن أبي الخطاب، و هو إنما سمع من بني سليم في المائة الثانية من الهجرة بالعراق، و بنو سليم أو ناس منهم في تلك الكلمة يخالفون القرآن، و يخالفون العرب جميعا، و هي لغة لهم قليلة، و لم يقل أحد من النحاة إنها حَسنة، و لا سيبويه نفسه، و لا يستطيع الدكتور سامي معوض أن يأتي لها بشاهد غير تلك الرواية لا من شعر و لا غيره، و دونه الشاملة و جوجل و ما شاء.)
أقول : حينما يقرأ دراويشه أمثال هذه الكلمات الجوفاء والإطلاقات الرعناء يظنون أن وراءها استقراءً وغوصًا في كتب الفنون يحملانه على هذه المزاعم، فيبالغون في تعظيمه، ويذهبون في الثناء عليه كل مَذهب، ويُحسِّنون عَبثه عند أشباههم من العوامّ، وهم في حقيقة الأمر شركاؤه في الإثم ورُفقاؤه في التلبيس والتضليل والعبث.
وآيةُ ذلك: أن الشواهد على لغة سُليم كثيرة في القرآن والشعر وكلام العرب المُحتجّ بهم، وعدمُ ذكر سيبويه شواهدَ لها لا يعني أنها لا شواهد تعضدها، فمن ذلك مثلا لا حصرا:
١ - قوله تعالى " ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني".
قرأتْ فرقةٌ: "أنما، وأن" بفتح الهمزتين، وتخريجُ هذه القراءة على لغة سُليم؛ حيث يفتحون "أنَّ "بعد القول مطلقا.
ولو كان القول هنا باقيًا على أصله ولم يُجر مُجرى الظن لَما كان هناك وجهٌ لفتح الهمزة بعده؛ لأن الجُمل تُحكى بعد القول، فلما انفتحت الهمزة في هذه القراءة علمنا أن القول ليس على أصله، بل أُجري مُجرى الظن على هذه اللغة.
٢ - قوله تعالى " وإذا قيل إنّ وعدَ الله حق ... " قرأ عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعمرو بن فائد الأُسْوَاريّ بفتح همزة " إنَّ"، وخُرّجتِ القراءةُ أيضا على لغة بني سُليم.
وهذان القارئان من السلف، وقد أطبق العلماء على الاحتجاج بالقراءة الشاذة في العربية، وهي أوثق المصادر اللغوية لدراسة لغات القبائل، بل كثير من أصحاب هذه القراءات الشاذة هم أنفسهم أئمة في العربية، بل الأعرج هذا نُسب إليه وضعُ علم العربية في قولٍ لبعض أهل العلم، وقد يتواتر الحرفُ عن الواحد منهم ويشذّ عنه حرفٌ آخر، لاعتبارات كثيرة مذكورة في كتب القراءات والتفسير،
٣ - قال الشاعر :
قَالَتْ وَكُنْتُ رَجُلاً فَطِينَا
هَذَا لَعَمْرُ اللهِ إِسْرَائِينَا.
ف" هذا" مفعول أول لقالت، وإسرائينَ مفعول ثان، فهما معمولان لقال، على لغة سُليم في إجرائه مجرى الظن.
٤ - أنشد أبو علي الفارسي :
وما ماءُ مُزنٍ أيَّ ماء تقوله
تحدَّر من غُرِّ طُوال الذوائبِ
فالهاء في تقوله مفعول أول، وأيَّ ماء مفعول ثان، والقول بمعنى الظن.
٥ - وقال الأعشى:
أضافوا إليه فألوَى بهم
تقول جُنونا ولمَّا يُجَنّ
فالمفعول الأول محذوف تقديره " إلواءه" دل عليه الكلام السابق في الشطر الأول، وجنونا مفعول ثان.
وهذه بعض الشواهد لا كلها، فظَهر لك أيها القارئ الكريم من هذا أنه يُجازف ويُبالغ ويستضعف دراويشه.
.....
ثم قال : ( و قال و يقول و قل هي أكثر شيء في القرآن، و لم يقرأ أحد من القراء في أي موضع منها بنصب المبتدأ و الخبر بعدها كما تكون بعد ظن، لا في قراءة مشهورة و لا شاذة.*)
أقول: قد بيّنتُ ما فيه في الفقرة السابقة.
......
ثم قال: ( و قد بينت أنا في غير هذا الموضع أن كل باب من أبواب النحو ليس له حجة من القرآن، فإن النحاة يختلفون فيه، و لا تزيدهم أشعار العرب فيه إلا اختلافا، و أن أقوالهم فيه تكون متقاربة، و أحسنها ما يتبين أنه كان في العرب أكثر، و إن كان التثبت من تلك الكثرة يكون عسيرا في كثير من تلك المسائل و قد يكون لا سبيل إليه في بعضها ).
أقول: لا محصول من وراء هذا الكلام ولا فائدة فيه؛ فإن النحويين ما يزالون يختلفون في جزئيات الأبواب النحوية اختلافا واسعا ليس مرجعه قطعا إلى عدم ورود شواهده في القرآن، وإنما لتعدد السماع أحيانا، وهو ما يأتي على كلامه بالنقض من كون ورود اللغة القرآنية على وجه لابد أن يكون قاضيا بترْك سواها، فلو كان ذلك صحيحا كما يقول لم يختلفوا أصلا في مسألة لها شاهد من القرآن، فاختلافهم هذا إذن دليل على أنهم لم يروا كثرة المسموع متنافرا لا يمكن اجتماعه.
......
ثم قال: ( لا أدري أين وجد الدكتور سامي معوض في كلامي أن القرآن يستوعب جميع لغات العرب، و إذا كان الدكتور سامي معوض لا يفرق بين ما يخالف القرآن و بين ما لم يأت في القرآن، فليس عجيبا أن لا يفرق بين أن القرآن هو أحسن كلام العرب، و بين أنه يستوعب كلام العرب.)
أقول: الرجل هنا أساء الفهم كالعادة، فأنا لم أقل بأنه يقول إن القرآن استوعب كل اللغات، وإنما أُبيِّن أن ورود القرآن بلغةٍ لا يقتضي أن غيرها غيرُ فصيحة فضلا عن أن تكون باطلة ومُهدرَة؛ لأن القرآن لم يجمع كل الفصيح، بل بعضه فقط، والبعض الباقي منه الفصيح، ومنه غير الفصيح.
.....
ثم قال: ( قد ذكرت في ذلك الكتاب ثلاثمائة و سبعا و عشرين رواية، فأعرض عنها الدكتور سامي كلها، و راح يخبط حتى سقط على حتفه. )
أقول : بل لا تكاد تخلو صفحة من هذا الكتاب من خطأ وفساد، وقد كنتُ أكتب ذمًّا إجماليا لمسلكه في التخطئة، حتى وجدتُّ بعضَ دراويشه ممن استأنسهم واستخفَّ بعقولهم يقول إن كل أحد قادر على الكلام المُجمَل، فأردتُّ أن أنبِّه بنماذج سريعة على هذا القدح الجُملي، ولم أنشر كلَّ ما وجدته من مساوئ كتاباته الفاسدة، ولو أشاء لمكثتُ في ذلك شهرا لا أنشر في غيره، ولكني أضنُّ بوقتي فلا أقضيه في استطلاع هذا الغُثاء؛ فإنه كما أن القراءة للعقلاء وذوي النظر تزيد في العقل فإن القراءة لأهل الفساد تؤثِّر في العقل بقدر ما فيهم من فساد النظر واعوجاج آلة الفهم، بل تأثير هذا على المتلقِّي أشد؛ وقد قال الجاحظ - رحمه الله- :
١ - قوله تعالى " ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني".
قرأتْ فرقةٌ: "أنما، وأن" بفتح الهمزتين، وتخريجُ هذه القراءة على لغة سُليم؛ حيث يفتحون "أنَّ "بعد القول مطلقا.
ولو كان القول هنا باقيًا على أصله ولم يُجر مُجرى الظن لَما كان هناك وجهٌ لفتح الهمزة بعده؛ لأن الجُمل تُحكى بعد القول، فلما انفتحت الهمزة في هذه القراءة علمنا أن القول ليس على أصله، بل أُجري مُجرى الظن على هذه اللغة.
٢ - قوله تعالى " وإذا قيل إنّ وعدَ الله حق ... " قرأ عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعمرو بن فائد الأُسْوَاريّ بفتح همزة " إنَّ"، وخُرّجتِ القراءةُ أيضا على لغة بني سُليم.
وهذان القارئان من السلف، وقد أطبق العلماء على الاحتجاج بالقراءة الشاذة في العربية، وهي أوثق المصادر اللغوية لدراسة لغات القبائل، بل كثير من أصحاب هذه القراءات الشاذة هم أنفسهم أئمة في العربية، بل الأعرج هذا نُسب إليه وضعُ علم العربية في قولٍ لبعض أهل العلم، وقد يتواتر الحرفُ عن الواحد منهم ويشذّ عنه حرفٌ آخر، لاعتبارات كثيرة مذكورة في كتب القراءات والتفسير،
٣ - قال الشاعر :
قَالَتْ وَكُنْتُ رَجُلاً فَطِينَا
هَذَا لَعَمْرُ اللهِ إِسْرَائِينَا.
ف" هذا" مفعول أول لقالت، وإسرائينَ مفعول ثان، فهما معمولان لقال، على لغة سُليم في إجرائه مجرى الظن.
٤ - أنشد أبو علي الفارسي :
وما ماءُ مُزنٍ أيَّ ماء تقوله
تحدَّر من غُرِّ طُوال الذوائبِ
فالهاء في تقوله مفعول أول، وأيَّ ماء مفعول ثان، والقول بمعنى الظن.
٥ - وقال الأعشى:
أضافوا إليه فألوَى بهم
تقول جُنونا ولمَّا يُجَنّ
فالمفعول الأول محذوف تقديره " إلواءه" دل عليه الكلام السابق في الشطر الأول، وجنونا مفعول ثان.
وهذه بعض الشواهد لا كلها، فظَهر لك أيها القارئ الكريم من هذا أنه يُجازف ويُبالغ ويستضعف دراويشه.
.....
ثم قال : ( و قال و يقول و قل هي أكثر شيء في القرآن، و لم يقرأ أحد من القراء في أي موضع منها بنصب المبتدأ و الخبر بعدها كما تكون بعد ظن، لا في قراءة مشهورة و لا شاذة.*)
أقول: قد بيّنتُ ما فيه في الفقرة السابقة.
......
ثم قال: ( و قد بينت أنا في غير هذا الموضع أن كل باب من أبواب النحو ليس له حجة من القرآن، فإن النحاة يختلفون فيه، و لا تزيدهم أشعار العرب فيه إلا اختلافا، و أن أقوالهم فيه تكون متقاربة، و أحسنها ما يتبين أنه كان في العرب أكثر، و إن كان التثبت من تلك الكثرة يكون عسيرا في كثير من تلك المسائل و قد يكون لا سبيل إليه في بعضها ).
أقول: لا محصول من وراء هذا الكلام ولا فائدة فيه؛ فإن النحويين ما يزالون يختلفون في جزئيات الأبواب النحوية اختلافا واسعا ليس مرجعه قطعا إلى عدم ورود شواهده في القرآن، وإنما لتعدد السماع أحيانا، وهو ما يأتي على كلامه بالنقض من كون ورود اللغة القرآنية على وجه لابد أن يكون قاضيا بترْك سواها، فلو كان ذلك صحيحا كما يقول لم يختلفوا أصلا في مسألة لها شاهد من القرآن، فاختلافهم هذا إذن دليل على أنهم لم يروا كثرة المسموع متنافرا لا يمكن اجتماعه.
......
ثم قال: ( لا أدري أين وجد الدكتور سامي معوض في كلامي أن القرآن يستوعب جميع لغات العرب، و إذا كان الدكتور سامي معوض لا يفرق بين ما يخالف القرآن و بين ما لم يأت في القرآن، فليس عجيبا أن لا يفرق بين أن القرآن هو أحسن كلام العرب، و بين أنه يستوعب كلام العرب.)
أقول: الرجل هنا أساء الفهم كالعادة، فأنا لم أقل بأنه يقول إن القرآن استوعب كل اللغات، وإنما أُبيِّن أن ورود القرآن بلغةٍ لا يقتضي أن غيرها غيرُ فصيحة فضلا عن أن تكون باطلة ومُهدرَة؛ لأن القرآن لم يجمع كل الفصيح، بل بعضه فقط، والبعض الباقي منه الفصيح، ومنه غير الفصيح.
.....
ثم قال: ( قد ذكرت في ذلك الكتاب ثلاثمائة و سبعا و عشرين رواية، فأعرض عنها الدكتور سامي كلها، و راح يخبط حتى سقط على حتفه. )
أقول : بل لا تكاد تخلو صفحة من هذا الكتاب من خطأ وفساد، وقد كنتُ أكتب ذمًّا إجماليا لمسلكه في التخطئة، حتى وجدتُّ بعضَ دراويشه ممن استأنسهم واستخفَّ بعقولهم يقول إن كل أحد قادر على الكلام المُجمَل، فأردتُّ أن أنبِّه بنماذج سريعة على هذا القدح الجُملي، ولم أنشر كلَّ ما وجدته من مساوئ كتاباته الفاسدة، ولو أشاء لمكثتُ في ذلك شهرا لا أنشر في غيره، ولكني أضنُّ بوقتي فلا أقضيه في استطلاع هذا الغُثاء؛ فإنه كما أن القراءة للعقلاء وذوي النظر تزيد في العقل فإن القراءة لأهل الفساد تؤثِّر في العقل بقدر ما فيهم من فساد النظر واعوجاج آلة الفهم، بل تأثير هذا على المتلقِّي أشد؛ وقد قال الجاحظ - رحمه الله- :
"لا تُجالِس الحَمقى؛ فإنَّه يَعلَقُ بك من مُجالستِهم مِن الفساد ما لا يَعلقُ بك من مُجالسة العقلاء دَهرًا مِن الصلاح ؛فإنَّ الفسادَ أشدُّ التِحامًا بالطِّباع".
-------
ثم قال: ( أما قوله: الصحفي و النظر الساذج و خبال و رأي سوء، فهذا كله شتم صريح، و هو حيلة من لا حجة له، و هو ليس حجة له بما يقول، و لكنه حجة عليه يتبين منها أنه بذيء، و أنه يجمع بين الخطل و البذاءة.)
أقول: الوصفُ بالصحفي والنظر الساذج والخبال وسوء الرأي ليس شيء من هذا سبا ولا شتما، فلْيدعْه من هذه الصعبانيات والكربلائيات، ولا أتراجع عن شيء منها، لأني مقتنع باتصافه بها تمام القناعة، بل كلما رأيتُ له شيئا ازداد في نفسي تحقُّقه بهذه الأوصاف رسوخا وثباتا، وليس شيء من هذه الأوصاف بمنزلة البذاءة التي يصفني بها.
----
ثم قال ( و قد قال قائل من الانجليز: هات حمارا و امنحه الدكتوراه ثم اجعله يدرس في الجامعة عشر سنين و سوف يصير أستاذ، هكذا قيل و لكن يبدوا أن الحمير البلدي لا ينفع فيها الدكتوراه و لا ينفع فيها طول التكرار و التدريس )
أقول: نشكر الدكتور الصُّحفي لأدبه ولأخلاقه الراقية، ولْنترك الحكم للقارئ المحترم المنصف ليعلم أيُّ الرجلين ألصَق بصفة البذاءة!
على أني لم أحصل على الدكتوراه بعدُ، فكلامه هذا لا يُغضبني ولا يَلحق بطرَف ثوبي.
ولله الأمر من قبل ومن بعد، وغفَر الله لمَن أطْلعنا على كتابات هذا الرجل وقذَف بها في وجوهنا.
-------
ثم قال: ( أما قوله: الصحفي و النظر الساذج و خبال و رأي سوء، فهذا كله شتم صريح، و هو حيلة من لا حجة له، و هو ليس حجة له بما يقول، و لكنه حجة عليه يتبين منها أنه بذيء، و أنه يجمع بين الخطل و البذاءة.)
أقول: الوصفُ بالصحفي والنظر الساذج والخبال وسوء الرأي ليس شيء من هذا سبا ولا شتما، فلْيدعْه من هذه الصعبانيات والكربلائيات، ولا أتراجع عن شيء منها، لأني مقتنع باتصافه بها تمام القناعة، بل كلما رأيتُ له شيئا ازداد في نفسي تحقُّقه بهذه الأوصاف رسوخا وثباتا، وليس شيء من هذه الأوصاف بمنزلة البذاءة التي يصفني بها.
----
ثم قال ( و قد قال قائل من الانجليز: هات حمارا و امنحه الدكتوراه ثم اجعله يدرس في الجامعة عشر سنين و سوف يصير أستاذ، هكذا قيل و لكن يبدوا أن الحمير البلدي لا ينفع فيها الدكتوراه و لا ينفع فيها طول التكرار و التدريس )
أقول: نشكر الدكتور الصُّحفي لأدبه ولأخلاقه الراقية، ولْنترك الحكم للقارئ المحترم المنصف ليعلم أيُّ الرجلين ألصَق بصفة البذاءة!
على أني لم أحصل على الدكتوراه بعدُ، فكلامه هذا لا يُغضبني ولا يَلحق بطرَف ثوبي.
ولله الأمر من قبل ومن بعد، وغفَر الله لمَن أطْلعنا على كتابات هذا الرجل وقذَف بها في وجوهنا.
" ومَن ساعَد الشيطانَ بعملِه فهو مُوالِيه وإنْ ذَكَر اللهَ بلسانه".
- الإمام الغزالي-
- الإمام الغزالي-
الراحةُ مَنُوطةٌ بسلامة القلب عن ملاحظة الأغيار، وعن التحسُّر على ما فات، والإسرافِ في التدبير لِما يأتي.
Forwarded from إحياء البيان
❁ رُبَّ ساعَةٍ قَوَّمَتْ لِسانًا، وزادَت إيمانًا، وأَورَت عقلًا، وهَذّبَت أخلاقًا؛ فَبِاسمِ اللهِ مُحيِي البَيان نَقرَأ..
• سنشرع بإذن الله غرةَ المحرم من عام ١٤٤٦ في المسار اليومي من إحياء البيان في قراءة كتب أبي حيان التوحيدي الأدبية (ت:٤١٤)، فأبشروا بعام أدبي كله من مستهلّ محرمه إلى سلخ ذي حجته.
• وقد كان الشيخ د.عبدالرحمن قائد حفظه الله وبارك في علمه وعمله وعطائه أكرم أهل الأدب بمجلس أدبي ماتع عن أبي حيان التوحيدي والتعريف بكتبه؛ فدونكموه بين يدي قراءة كتبه مرئيًّا وملخّصًا.
• وبعد:
فستكون القراءة بنَحو عشرين صفحة في اليوم، والجمعة والسبت للمراجعة والاستدراك؛ فحَرِيٌّ بمَن وَجد في وقته فسحة، وفي نفسه همّة، أن يستعين بالله ويَهتَبِل الفُرصةَ، فإنّ الأمس مَطويّ، والغد مَخفِيّ، وليس للإنسان إلّا يومه؛ فجادٌّ ومستخِفّ، نسأل الله أن يستعملنا بما يعود علينا نفعه في الدّارين، إنه لطيفٌ جوادٌ كريم.
🗓 جدول القراءة:
• رابط pdf. • رابط word
• وكتب الله لناشِره أجرَ مَن دَلّ على هُدًى.
❁ إحياء البيان
• سنشرع بإذن الله غرةَ المحرم من عام ١٤٤٦ في المسار اليومي من إحياء البيان في قراءة كتب أبي حيان التوحيدي الأدبية (ت:٤١٤)، فأبشروا بعام أدبي كله من مستهلّ محرمه إلى سلخ ذي حجته.
• وقد كان الشيخ د.عبدالرحمن قائد حفظه الله وبارك في علمه وعمله وعطائه أكرم أهل الأدب بمجلس أدبي ماتع عن أبي حيان التوحيدي والتعريف بكتبه؛ فدونكموه بين يدي قراءة كتبه مرئيًّا وملخّصًا.
• وبعد:
فستكون القراءة بنَحو عشرين صفحة في اليوم، والجمعة والسبت للمراجعة والاستدراك؛ فحَرِيٌّ بمَن وَجد في وقته فسحة، وفي نفسه همّة، أن يستعين بالله ويَهتَبِل الفُرصةَ، فإنّ الأمس مَطويّ، والغد مَخفِيّ، وليس للإنسان إلّا يومه؛ فجادٌّ ومستخِفّ، نسأل الله أن يستعملنا بما يعود علينا نفعه في الدّارين، إنه لطيفٌ جوادٌ كريم.
🗓 جدول القراءة:
• رابط pdf. • رابط word
• وكتب الله لناشِره أجرَ مَن دَلّ على هُدًى.
❁ إحياء البيان
ذكر ابن طولون في " القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية" أن أحد العلماء كان ربما بحَث مع ابن عبد الهادي الحنبليّ ت 744 هـ في مسائل فقهية، فكان ذلك العالم يتنخّم ويبصُق في وجه ابن عبد الهادي؛ غضبًا منه وغيظا، فيمسحه ابن عبد الهادي بيده ويقول: "هذا طاهر بإجماع المسلمين، هات إن كان معك شيء من العلم".