قناة | أبي جعفر عبدالله الخليفي
51.8K subscribers
716 photos
31 videos
151 files
599 links
القناة الرئيسية:
t.me/alkulife
قناة الدروس العلمية:
t.me/doros_alkulify

أسئلة عامة مع عبد الله الخليفي:
t.me/swteat_k
صوتيات الخليفي:
t.me/swteat_alkulife

تعزيز القناة : https://t.me/alkulife?boost
Download Telegram
عمل المرأة المعاصر هل هو (تحرر) أم (رق)!

مبحث الفقهاء القديم في عورة الأمة مبني على أن الأمة (الجارية) تعمل وتنتقل وتكون مشغولة عن الزينة فخُفِّف عنها في اللباس فعوملت كالقواعد من النساء اللواتي ذُكِرن في الآية {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم}.

والأمة إن كانت جميلة فإنها تلتزم بحجاب الحرائر، وإن تزينت لزمها الاستتار. وما يُشاع في مواقع الملاحدة والمنصرين من أن الأمة كانت تخرج مغطية ما بين السرة والركبة فقط هذا كذب وتهويل وإنما كان الكلام عن عورتها في الصلاة.

قال الشافعي في الأم: والجواري إذا كانت لهن فراهة وجمال فالمعروف أنهن يُكسَينَ أحسنَ من كسوة اللاتي دونهن.

أقول: وهذا يوافق معنى نص أحمد في أن الجارية الجميلة تنتقب.

ويتأكد في الحرائر الشابات زيادة التستُّر عن الكبيرات خصوصًا في أزمنة الفتن.

وليس هذا محل بسط مسألة عورة الأمة، ولكن أريد ربط هذا الأمر بدعوة بعض من كتب في قضايا المرأة، حيث دعوا إلى التخفيف من شروط الحجاب من أجل المرأة العاملة المعاصرة!

ولولا قناعتهم أن المرأة العاملة المعاصرة أشبه بالأمة قديمًا ما دعوا إلى تخفيف الحجاب لجعل المرأة المعاصرة المتحررة أقرب ما تكون إلى الأمة قديمًا، بل يريدون في حقها تخفيفًا ما قيل في الإماء قديمًا، فيريدون إخراج ساقيها وشعرها وأن تلبس ضيقًا.

وقديمًا كانت معاملات الناس على ثلاثة أنحاء:

أولًا: الإجارة: حيث يستأجر المرء إنسانًا ليعمل له عملًا معينًا بأجرة، وميزة هذا العقد للأجير أنه لا يقف عند مستأجر واحد، فيؤاجر نفسه عند هذا وعند هذا وبمجرد ما ينتهي من عمله يكون حر نفسه.

الثاني: المضاربة: وهو أن يشترك رجلان أحدهما برأس المال والآخر بعمله والربح بينهما، وهذا العقد يختلف عن الإجارة بأن المرء يلتزم مع شخص واحد ويبقى وقته معه، ولكن الغنم في أنك كلما زاد الربح زاد نصيبك بخلاف الإجارة الذي حددت أجرتك فيها مبدأيًّا، ويمكنك نقض عقد المضاربة.

الثالث: الرق: والرقيق ليس حر نفسه كالأجير، ولا له نسبة مفروضة من الربح كالمضارب، ولكن سكنه وطعامه وشرابه ولباسه وعلاجه وزواجه على سيده، فهذا هو غنم الغرم الذي عليه.

وأما منظومة الوظيفة الموجودة في الرأسمالية فلك أجرة كالأجير ولكنك لست حر نفسك مثله ولا لك نسبة كالمضارب ولا الراتب يكفي لسكن وزواج إلا بقرض ربوي.

فمنظومة الوظيفة في السياق الرأسمالي أسوأ من بعض الوجوه من الرق، لهذا قياسها على الرق من طرف خفي في كتابات التجديديين أمر على القياس، ولكن النكتة أن تسمى هذا تحريرًا وتحررًا!

وبعض الناس يقول لا يوجد بديل عن هذا!

فيقال: هذا الموجود الآن جاء على أنقاض نظام آخر، فلا بد من نقده للتجديد الحقيقي بدلًا من الاستسلام وتطويع الدين له وتسمية ذلك تجديدًا.
ماذا لو قالها ابن تيمية؟

قال ابن كثير في تفسيره: "وقال آخرون: المراد بالإدراك الإحاطة. قالوا: ولا يلزم من عدم الإحاطة عدم الرؤية كما لا يلزم من عدم إحاطة العلم عدم العلم، قال الله تعالى: {ولا يحيطون به علما} [طه: 110] ، وفي صحيح مسلم: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" ولا يلزم منه عدم الثناء، فكذلك هذا.
قال العوفي، عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} قال: لا يحيط بصر أحد بالملك.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد، حدثنا أسباط عن سماك، عن عكرمة، أنه قيل له: {لا تدركه الأبصار} ؟ قال: ألست ترى السماء؟ قال: بلى. قال: فكلها ترى؟.
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} هو أعظم من أن تدركه الأبصار.
وقال ابن جرير: حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا خالد بن عبد الرحمن، حدثنا أبو عرفجة، عن عطية العوفي في قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22، 23] ، قال: هم ينظرون إلى الله، لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم. فذلك قوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}"

خلاصة هذا الكلام أن الجمع بين النصوص المثبتة للرؤية وقوله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) أن الله عز وجل يرى ولا نحيط به بصراً، كما أننا نعلم بأسمائه وصفاته ولكن لا نحيط به علماً.

كلام عكرمة البربري التابعي المفسر الشهير فيه ضرب مثل بالسماء (ولله المثل الأعلى) فيقول أنك ترى السماء ولكنك لا تراها كلها، وهو يعني أنك إن رأيت الله عز وجل يوم القيامة فلن تحيط به رؤية.

هذه الكلمة لو قالها ابن تيمية ورآها أشعري لقال مباشرة: تجسيم وحشوية لأنه يقول بأننا لن نرى (كل الذات) فهذا معناه أننا سنرى بعض الذات، وهذا تبعيض وتجسيم وحشوية!

ولكن هذا الكلام لتابعي، ورواه العلماء دون نكير، ونحن إما أن نقول أننا نحيط بالله رؤية فنخالف القرآن، وإما أن ننفي الرؤية كما فعل الجهمية والمعتزلة صراحة، ونفوا أعظم ثواب أهل الجنة ومنتهى آمال العابدين.

وأما الأشعرية فقالوا قولاً منتاقضاً، أثبتوا رؤية باللفظ ولكنهم نفوا معنى الرؤية، لهذا ستجدهم لا يؤمنون بكلام عكرمة، لأنهم يزعمون أن إثبات وجود حقيقي لله عز وجل بمعنى أنه يشار إليه تجسيم، فالله عز وجل على التحقيق عندهم مجرد معنى ذهني لا وجود له في الخارج. لا يختلف عن قول من يقول الملائكة معاني الخير على سبيل المثال، ولا يثبت أنها كائنات قائمة بذاتها من نور ترى وتسمع.

وأما الحديث عن (التبعيض) فرب العالمين له صفات وهي غير مفتقرة لم يسبقها عدم، وأما المخلوق فسبق صفاته العدم.

وقد ثبت في النصوص إثبات قدم لله عز وجل يضعها على النار فتقول قط قط، ويد يقبض بها ويبسط، ووجه عليه حجاب لو كشف عنه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره.

وذكر خصائص لكل صفة يعني أنها غير الأخرى، كما أن العلم غير القدرة غير الكلام، وكلها كمالات له سبحانه وتعالى، والجهمية ينفون صفاته ويقولون تبعيض، فيعدون تنوع كمالاته سبحانه نقصاً!

ولا شيء أنقض لقولهم من إثبات الرؤية دون إحاطة فذلك يقتضي ضرورة إثبات ما يهربون منه.
=
=
وقال ابن أبي شيبة في المصنف 33813 - 32310 - حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير: {وإن له عندنا لزلفى} قال: ذكر الدنو منه.

وقال عبد الله بن أحمد في السنة 1165 - حدثني عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن، نا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير، {وإن له عندنا لزلفى} [ص: 25] قال: «ذكر الدنو منه حتى ذكر أنه يمس بعضه»

وكذا رواه الخلال وقال ابن أبي عاصم في السنة 711 - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا ابن فضيل، عن الليث، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} قال: ذلك الدنو منه، حتى أن يمسسه ببعضه. وحتى ابن عساكر الأشعري روى هذا الخبر في تاريخ دمشق بالسند والمتن.

وعبيد بن عمير تابعي مخضرم، كان ابن عمر يحضر مجالسه ويبكي من وعظه. وقال ابن القيم في طريق الهجرتين: "وقد قال غير واحد من السلف: كان داود بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة، قالوا: ولهذا قال سبحانه: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنّ لَهُ عِنْدَنَا لزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [سورة ص: 25] ، فزاده على المغفرة أمرين: الزلفى وهى درجة القرب منه وقد قال فيها سلف الأُمة وأئمتها ما لا تحتمله عقول الجهمية وفراخهم، ومن أراد معرفتها فعليه بتفاسير السلف".

وحقا الجهمية لا تحتمله وتغضب وتنفر أشد النفرة. وقال ابن أبي شيبة في المصنف 33957 - حدثنا، عبد الله بن نمير، قال: حدثنا، إسماعيل بن أبي خالد، عن، حكيم بن جابر، قال: " إن الله تبارك وتعالى لم يمس بيده من خلقه غير ثلاثة أشياء: خلق الجنة بيده، ثم جعل ترابها الورس والزعفران، وجبالها المسك، وخلق آدم بيده، وكتب التوراة لموسى عليه السلام".


وهذا إسناد صحيح لحكيم بن جابر، فتأمل كلام عكرمة في الرؤية، وكلام عبيد بن عمير في أمر داود، وكلام حكيم بن جابر، وكلهم من التابعين ومن أعيانهم، ولو ذكرت هذه الألفاظ للجهمية المعاصرين لقالوا لك تجسيم وحشوية. لتعلم أن القوم ينفرون من كل إثبات حقيقي لله عز وجل. ومن يقول أنهم أرادوا تنزيه الله، هذا غافل، بل هم راموا إعدامه فمم ينزهونه؟ من كماله؟

من كونه سبحانه وتعالى يراه عباده المؤمنون ولا يحيطون به؟ إثبات أنه يرى ولا يحاط به يتناسب تماماً مع إثبات صفات عدة له سبحانه، على ما ورد في النصوص كالوجه واليدين وغيرها وعلوه على خلقه سبحانه.

وأعلم أن كثيرين سيتذمرون من هذا البحث، بدعوى أنهم عقلاء يتنزهون عن البحث في ذات الله وصفاته، وأعظم نعيم أهل الإيمان مطاردة وراء فردوسهم الأرضي الموهوم.

غير أنني لو قلت لهم أن هذا الكلام دفاع عن ابن تيمية الذي يرميه المخالفون بالكفر أو الابتداع لمجرد أنه يقول بمضامين هذه الآثار فسيخف الأمر عندهم، لأن ابن تيمية بشر وعالم، والحفاظ على أعراض البشر من الأغراض المعظمة عند أهل العصر، بخلاف الكلام في العقيدة وأسماء وصفاته، والذي دائماً يحتاج إلى استئذان حتى نتكلم به، علماً أن المخالف يتكلم ويشوش. وأنا هنا أنقل آثاراً من كتب التفسير وأشرح آيات ينبغي أن يعنى كل مسلم بفهمها، والله المستعان.
باب فيمن حارب مصلحته وهو يظن أنه يحفظها 👇
من جديد: من أحوج لمن؟

كنت قد قلت في مقال سابق لي وأنا أتكلم عن الأشعرية: وعليه فإن الفرقة التي معظم نتاجها العلمي الذي يعتد به ظهر في القرون المتأخرة هم آخر فرقة تزعم احتياج الناس إليها، فإن هذه الحجة ستنقلب عليهم بأن أئمتهم الذين يفرحون بمصنفاتهم دائماً يعترفون بالانتفاع من مؤلفات لأناس على غير عقيدتهم، فهم بسبب ظهورهم المتأخر تاريخياً ومرورهم بمدة كانوا فيها قلة جهودهم العلمية ظهرت متأخرة، ولكنهم يستغلون اليوم أن أكثر العوام لا يضبطون هذا الأمر، ولو قلت لهم أن الغزالي وأحمد ابن حنبل عاشا في زمن واحد فإنهم لن يستغربوا ذلك! والمؤلفات كلما تأخر زمانها كلما كانت مظنة للمحدثات، وما نبغ رجل في عصره إلا بنظره في كتب المتقدمين ونقده ما شاع من الغلط في المتأخرين.

أقول: وقد أرسل لي غير واحد من الأخوة اليوم خبر اكتشاف شرحين لقوام السنة الأصبهاني، أحدهما على صحيح البخاري والآخر على صحيح مسلم.

قال المحققون لشرحه على صحيح مسلم: "ومن مزايا كتاب التحرير ومسلكه أنه يعتبر من الشروح الأولى لصحيح مسلم، فهو الثالث بعد شرحي الإمامين المازري وعبد الغافر الفارسي، ويعد من بواكير عناية علماء المشرق بصحيح الإمام مسلم،
ومن أهميته كثرة إفادة الأئمة منه كابن تيمية والفاكهاني وابن الملقن والعراقي والعسقلاني وغيرهم من شراح السنة، واعتمده الإمام النووي ضمن مصادره العلمية في شرحه مسلماً".

ثم ذكروا أنه استفاد منه في 55 موضعاً مما أحصوه بين أيديهم.

ويقولون أيضاً: "وقد اشتهر محمد بن إسماعيل بـ(شارح مسلم) بين المترجمين".

وقد بدأ الابن الشرح فمات فأكمله والده.

ومن أراد أن يعرف عقيدة قوام السنة الأصبهاني في الأشعرية فلينظر في كتابه الحجة في بيان المحجة.

قال الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة: وحدثنا والدي، نا أحمد بن محمد بن إبراهيم، نا أبو حاتم الرازي قال: من كلام جهم بن صفوان، وحسين الكرابيسي، وداود ابن علي أن لفظهم القرآن مخلوق، وأن القرآن المنزل على نبينا - صلى الله عليه وسلم - مما جاء به جبريل الأمين حكاية القرآن فجهمهم أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن حنبل، وتابعه على تجهيمهم علماء الأمصار طرا أجمعون، لا خلاف بين أهل الأثر في ذلك.

وهذه العقيدة التي نقل الإجماع على اعتبار قائلها جهمياً هي عقيدة الأشعرية.

قال الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة: "وقالت الأشعرية: كلام الله واحد، وقالوا: ما بين اللوحين حكاية عن كلام الله، وعبارة عنه".

وكلمته السابقة في تجهيم ابن كلاب نقلها بعد ذكره لكلام الأشعرية لأن مقالتهم ومقالته واحدة على التحقيق.

وقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ناصحاً رجلاً شافعياً أشعرياً كما في الدرر السنية: "وأنا أدعوك إلى التفكر في هذه المسألة، وذلك أن السلف قد كثُر كلامهم وتصانيفهم في أصول الدين، وإبطال كلام المتكلمين وتكفيرهم، وممن ذكر هذا من متأخري الشافعية: البيهقي والبغوي وإسماعيل التيمي ومن بعدهم، كالحافظ الذهبي؛ وأما متقدموهم: كابن سريج والدارقطني وغيرهما، فكلهم على هذا الأمر؛ ففَتِّش في كتب هؤلاء، فإن أتيتني بكلمة واحدة أن منهم رجلًا واحدًا لم يُنكِر على المتكلمين، ولم يكفِّرهم، فلا تقبل مني شيئًا أبدًا، ومع هذا كله، وظهوره غاية الظهور، راج عليكم حتى ادعيتم أن أهل السنة هم المتكلمون، والله المستعان».

والتيمي المذكور هو قوام السنة الأصبهاني، وكتابه الذي يحيل عليه الشيخ هو الحجة في بيان المحجة.

ومع ذلك استفاد الأشعريون من كلامه وشرحه، ولم يلزموا أنفسهم بأن يجعلوه محنة كلما جاء أشعري وبدع المخالفين أو حتى كفرهم يقال له: ما تقول في قوام السنة الأصبهاني؟

وكتابه الترغيب والترهيب وكتاب المنذري هما كالأصل للكتب المتأخرة في الفضائل.

وهناك المئات من العلماء الذين لهم رأي سوء في الأشعرية، والقوم مصرحون بالانتفاع بهم. حتى رأيت أحدهم يزعم أن الحاكم النيسابوري أشعري، يعني على مذهب المتأخرين منهم.

قال الحاكم في معرفة علوم الحديث سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: «من لم يقر بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته، فهو كافر بربه يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون، والمعاهدون بنتن ريح جيفته، وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين، إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال صلى الله عليه وسلم».

ونقل هذا الكلام مقراً فهو لا شك ليس على عقيدة متأخري الأشاعرة.
=
=
وقال الأنصاري في ذم الكلام 1265 - أخبرنا أحمد بن محمد بن العباس بن إسماعيل المقري، أبنا محمد بن عبد الله البيع؛ [قال]: سمعت أبا سعيد عبد الرحمن بن محمد المقرئ؛ قال: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول:
((من نظر في كتبي المصنفة في العلم ظهر له وبان أن الكلابية #389# لعنهم الله، كذبه فيما يحكون عني مما هو خلاف أصلي وديانتي، قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف أحدٌ في التوحيد وفي أصول العلم مثل تصنيفي؛ فالحاكي عني خلاف ما في كتبي المصنفة التي حملت إلى الآفاق شرقاً وغرباً كذبه فسقه)).

ابن البيع في هذا السند هو الحاكم النيسابوري.

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام نقلاً عن الحاكم سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: لما وقع من أمرنا ما وقع، وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم، واغتنم أبو القاسم، وأبو بكر بن علي، والبردعي السعي في فساد الحال، انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة، وقرر لأبي بكر ابن خزيمة اعترافنا له بالتقدم، وبين له غرض المخالفين في فساد الحال. إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده، فدخلت أنا، وأبو علي، وأبو بكر بن أبي عثمان، فقال له أبو
علي الثقفي: ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟ قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره.

أقول: تأمل؛ ابن خزيمة يقول أن أحمد ابن حنبل كان من أشد الناس على ابن كلاب، وهذا نظير نقل قوام السنة الأصبهاني، وفي بقية كلام ابن خزيمة تكفيره للكلابية الذين يقولون كلام الله شيء واحد، وقد نقل ابن تيمية عن أحمد أنه وصف أتباع ابن كلاب أنهم زنادقة.

ومعلوم أن الكلابية هم شيوخ الأشعرية، وهم أقرب إلى السنة من متأخري الأشعرية.

قال السبكي الأشعري في طبقات الشافعية الكبرى: "وابن كلاب على كل حال من أهل السنة ولا يقول هو ولا غيره ممن له أدنى تمييز إن كلام الله هو الله"

وقال أيضاً: "ورأيت الإمام ضياء الدين الخطيب والد الإمام فخر الدين الرازى قد ذكر عبد الله ابن سعيد فى آخر كتابه غاية المرام فى علم الكلام فقال ومن متكلمى أهل السنة فى أيام المأمون عبد الله بن سعيد التميمى الذى دمر المعتزلة فى مجلس المأمون".

وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (12/ 368): "والإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة كانوا يحذرون عن هذا الأصل الذي أحدثه ابن كلاب ويحذرون عن أصحابه وهذا هو سبب تحذير الإمام أحمد عن الحارث المحاسبي ونحوه من الكلابية. ولما ظهر هؤلاء ظهر حينئذ من المنتسبين إلى إثبات الصفات من يقول: إن الله لم يتكلم بصوت فأنكر أحمد ذلك وجهم من يقوله وقال: هؤلاء الزنادقة إنما يدورون على التعطيل وروى الآثار في أن الله يتكلم بصوت وكذلك أنكر على من يقول إن الحروف مخلوقة، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في "كتاب السنة": قلت لأبي: إن ههنا من يقول إن الله لا يتكلم بصوت فقال: يا بني هؤلاء جهمية زنادقة إنما يدورون على التعطيل".

وقال ابن حجر في فتح الباري (13/455): "وقالت الكلابية الكلام صفة واحدة قديمة العين لازمة لذات الله كالحياة وأنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته وتكليمه لمن كلمه إنما هو خلق إدراك له يسمع به الكلام ونداؤه لموسى لم يزل لكنه أسمعه ذلك النداء حين ناجاه، ويحكى عن أبي منصور الماتريدي من الحنفية نحوه، لكن قال خلق صوتا حين ناداه فأسمعه كلامه، وزعم بعضهم أن هذا هو مراد السلف الذين قالوا أن القرآن ليس بمخلوق، وأخذ بقول بن كلاب القابسي والأشعري وأتباعهما".

وقال بعدها بأربعين صحيفة، بعدما عدد المذاهب في كلام الله عز وجل، وذكر مذهب الكلابية: "والخامس أنه كلام الله غير مخلوق أنه لم يزل يتكلم إذا شاء نص على ذلك أحمد في كتاب الرد على الجهمية". فبين مفارقة كلام أحمد لكلام الكلابية.

وهذا الكلام ينقض لك أسطورة الأشعرية المعاصرين بأن الإمام أحمد إنما ذم علم الكلام الذي عند المعتزلة، فهذا ابن كلاب وما كان معتزلياً وقال فيه أحمد ما قال.
معاناة صانعي الفيديوهات (اليوتيوبرز)!

اليوم يوجد في عالمنا العربي الكثير من الشباب والشابات الذين في سن العشرينات وعندهم ملايين المتابعين، وتجدهم يجتهدون اجتهاداً عظيماً في صناعة (المحتوى) فهذا محتواه ترفيهي، وذاك محتواه نقدي، وذاك يتنوع بين التحديات والمقالب وغيرها.

وتراهم من شدة هوسهم بالمشاهدات والمشتركين أصبحوا يشاركون قدراً كبيراً جداً من حياتهم مع مشتركيهم، وصاروا يقفون أمام الكاميرات أكثر من المذيعين والممثلين، مع التصنع الذي يفترض في هذا السياق، مع متابعة التعليقات والأفكار التي ترسل من المتابعين، ومتابعة الصفحات الأخرى في مواقع التواصل الأخرى ومحاولة تنميتها.

تجدهم دائماً تشغل أذهانهم فكرة البحث عن محتوى فيديو لا يهم إن كان مفيداً أو تافهاً، لا يهم إن كان يأتي بحسنات أو سيئات، المهم أن يأتي بمشاهدات.

ويتخلل ذلك إبداع كبير، وربما نقد صحيح للعديد من الظواهر السلبية، ولكنهم مع ذلك يقعون بنظيرها أو ما هو دونها، ولكنه مؤذ من حيث لا يشعرون، وبعضهم اتجه إلى الأعمال الخيرية لكي يخفف من وطأة هذا الأمر على نفسه.

قد تظن أن السبب في ذلك طلب المال، ولكن هذا أحد الأسباب، فكثير منهم ملك مالاً كثيراً يكفي لفتح مشاريع ثم الاسترخاء والبعد عن صخب الشهرة وضغط النفس في سباق صناعة المحتوى وجمع المتابعين ومطاردة الترند، ولكن الأمر أبلغ من ذلك، الأمر تحول إلى عقدة نفسية.

وجدت مقالاً لكاتب أمريكي من أصول مكسيكية، إدغار ألفاريز باراجاس، وهو مهتم بشئون التكنلوجيا يتكلم فيه عن هذا الموضوع.

مقاله بعنوان: الصحة العقلية وحياة اليوتيوبرز التي لا هوادة فيها..

يقول في مقاله: كان جاك سليد يقضي أسبوعًا على الشاطئ مؤخرًا، بعيدًا عن الإنترنت ومسؤولياته كمنشئ YouTube بدوام كامل، حيث كان على وشك الوصول إلى مليون مشترك. كان من المفترض أن يكون وقت الاسترخاء والاستمتاع بالحياة. لكن كونه خاليًا من التوتر، حتى في الإجازة، لا يأتي بسهولة بالنسبة له. قال سليد -الذي يصنع مقاطع فيديو حول الأحذية الرياضية والتكنولوجيا- إنه لا يستطيع الاستمتاع بها تمامًا، لأنه كان قلقًا بشأن عدم وجود أي شيء ينشره على YouTube عند عودته. "ليس لدي محتوى للأيام الأربعة أو الخمسة المقبلة.. ما الذي سيفعله هذا بي؟ ما الذي سيفعله ذلك بالنسبة إلى صافي أرباحي؟ عندما أعود، هل سيستمر الأشخاص في مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بي؟".

بالنسبة إلى Slade (المعروف أيضًا باسم Kustoo على وسائل التواصل الاجتماعي) والأشخاص الآخرين الذين يكسبون لقمة العيش من YouTube، يمكن أن يتسبب عدم اليقين في كونه صانع إنترنت في ضغوط كبيرة. تتطلب حياة مستخدم YouTube، بقدر ما تبدو عليه من الإثارة من بعيد، قدرًا من الالتزام، إن لم يكن أكثر، من أي وظيفة عادية. عندما لا ينشر شخص مثل Slade مقطع فيديو لمدة يوم أو يومين، فقد يؤثر ذلك على موضعه في تصنيفات YouTube، وبالتالي مقدار الأموال التي يكسبها. إذا كان لديك وظيفة بالساعة أو براتب، فأنت تعرف بالضبط ما تحصل عليه في كل مرة يأتي فيها راتب؛ الشيء نفسه ينطبق على المستقلين الذين يعرفون بالضبط مقدار ما يتقاضونه مقابل العمل. لكن بالنسبة لمنشئي YouTube، الأمر ليس بهذه البساطة. تعتمد أرباحهم في الغالب على عدد الإعلانات الموجودة في مقاطع الفيديو الخاصة بهم، ومدة كل إعلان وعدد الأشخاص الذين يشاهدونها بالفعل.

يجب على مستخدمي YouTube أيضًا القلق بشأن إرشادات وخوارزميات الإعلان المتغيرة باستمرار من Google، والتي تسببت في إلغاء تداول مقاطع الفيديو غير المسيئة أو إزالتها دون سبب وجيه. هناك خوف بين المبدعين من أن مقاطع الفيديو الخاصة بهم قد تفقد القدرة على جني الأموال في أي لحظة، حتى لو لم تكن مثيرة للجدل ولا تنتهك قواعد إعلانات YouTube. هذه المخاوف موثقة جيدا حتى الآن. نشر بعض أكبر مستخدمي YouTube، مثل Philip DeFranco، مقاطع فيديو حول مدى الضغط الذي يمكن أن يكون عليه الأمر بالنسبة لمقاطع الفيديو العشوائية غير المؤذية التي تعتبر غير مناسبة للمعلنين.

لكن الضغط الذي يتعين على مستخدمي YouTube التعامل معه يتجاوز المال. بصفتك منشئ محتوى على YouTube، يُتوقع منك بشكل أساسي إنشاء مقاطع فيديو بدون توقف، وإلا فإنك تخاطر بفقدان الملاءمة (والمال) على الموقع. يمكن أن يؤدي القيام بالكثير من المقاطع بسرعة كبيرة إلى خسائر نفسية ويؤدي إلى الإرهاق الشديد. هذا صراع تحدثت عنه Elle Mills، إحدى مستخدمي YouTube ولديها حوالي 1.4 مليون مشترك، في مقطع فيديو من شهر مايو بعنوان "Burnt Out at 19." تناقش كيف أنها ببساطة ليست راضية على الرغم من حصولها على وظيفة أحلامها. تقول ميلز في الفيديو: "لقد تغيرت حياتي بسرعة كبيرة". "قلقي والاكتئاب يزدادان على حد سوءًا. هذا كل ما أردته في أي وقت، ولماذا أنا غير سعيدة للغاية؟
=
=
وقد أدى ذلك إلى قيام منشئي محتوى بارزين آخرين، بما في ذلك Casey Neistat و PewDiePie ، بالانفتاح على مشكلات الصحة العقلية مع مشاهديهم - ليس بالضرورة عن أنفسهم فقط، ولكن أيضًا حول مجتمع YouTube ككل. شبّهت كارين نورث، أستاذة التواصل السريري في جامعة جنوب كاليفورنيا في أنينبيرج وخبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي وعلم النفس، هذا الموقف بالموسيقى أو الأفلام أو مشاهير التلفزيون الذين يعانون من ضغوط الشهرة. على الرغم من أن ما يحدث بين مستخدمي YouTube ليس بالأمر غير الطبيعي، على حد قولها ، فإن الاختلاف هو أن منشئي الإنترنت لديهم اتصال مباشر أكثر مع جمهورهم. هذه العلاقة بينهما هي التي تجعل نضالاتهم تبدو علنية بشكل أكبر، في حين أن النجوم من الوسائط التقليدية لا يشاركونها في كثير من الأحيان مع المعجبين.

وأبعد من ذلك، فإن أسلوب YouTube أكثر ثباتًا من تصوير فيلم أو عرض تلفزيوني. قال نورث: "بالنسبة إلى مستخدمي YouTube، فإن العلاقة الكاملة [مع جمهورهم] تستند إلى ما يحمّلونه". "وبالتالي هناك قدر هائل من الضغط للحفاظ ليس فقط على الجودة ولكن على الصورة التي يصنعونها على أساس يومي. ليس هناك فجوة، ليس هناك وقت راحة." وأضافت أن التحدي الآخر الذي يواجه المبدعين هو أن المعجبين متقلبون. "إذا كان شخص ما غائبًا بسبب المرض أو الإجازة لبضعة أيام، يريد الجمهور الترفيه، ولن ينتظروا حلقة الأسبوع المقبل. وبدلاً من ذلك، سيذهبون للبحث عن شيء آخر لملء وقتهم".

ثم هناك سموم الإنترنت. قال Sam Sheffer، الذي استقال من وظيفته في وسائل الإعلام عبر الإنترنت في عام 2016 ليصبح أحد مستخدمي YouTube بدوام كامل، إن أحد أصعب الأمور التي كان عليه تحملها هي التعليقات السلبية على مقاطع الفيديو الخاصة به. قال إن الأمر استغرق سنوات حتى لا يسمح لهؤلاء -إلى جانب النقد (الذي يمكن أن يكون بناء في بعض الأحيان)- بالتأثير عليه عاطفياً. تتضخم هذه المشكلة عندما تفكر في أن العديد من منشئي YouTube ينتجون أيضًا محتوى على خدمات الوسائط الاجتماعية الأخرى، مثل Twitch و Instagram. قال شيفر: "يمكن أن تكون محاولة النمو على منصة مثل YouTube أمرًا مرهقًا". "أعتقد أنه إذا كان منشئ المحتوى يشعر بالإرهاق، فعليه بالتأكيد أخذ استراحة ذهنية، حتى لو كان ذلك يعني عدم التحميل لمدة أسبوعين. طالما أنك تفعل الأشياء بنية صحيحة وتعود بقوة، ستنجح الأمور." من الواضح أن هذا ليس ضمانًا، لكن شيفر متفائلة بأن المشاهدين سيتفهمون الأمر.

أقول: جئت بكلام لأجانب لأنهم كانوا أكثر شجاعة في شرح المشكلة من أصلها، وبالنسبة للإنسان المسلم هل ينبغي أن يضع نفسه في هذا السياق أو أن يدعمه! صناعة الترفيه صارت صناعة اكتئاب بامتياز، فإقبال الجمهور عليها بسبب الاكتئاب ثم المنتِج لها غالباً ما يكون فريسة لهذا الأمر.

الغفلة عن الغاية التي لأجلها خُلِق الخلق، والحالة السبهللية أمر عجيب، وكانوا بالأمس يسخرون ممن يشتغلون بالعلم الشرعي بحجة أن العالم يتقدم ونحن نشتغل بهذا، ثم صار القدوة والمؤثر هو الذي يكسب الأموال من خلال صناعة مقالب بأصدقائه أو أسرته أو الخوض في ألعاب تافهة أو البحث عن أفكار جنونية للفت نظر المشاهدين. سبحان الله!

ولا تسأل عن المعاني السلبية التي تدخل للصغار من خلال بعض صانعي الفيديوهات، الذين عُرِفوا بالدياثة والمتاجرة بأجساد الأخوات أو الزوجات أو العشيقات أو حتى الزميلات، كل ذلك لجني أموال أو لايكات واشتراكات، غير استغلال الأطفال، فأكبر قناة ذات محتوى أطفال باللغة العربية هي عبارة عن قناة تُغتال فيها طفولة فتاة صغيرة، بإجبارها على التمثيل بشكل مستمر أمام الكاميرا، ولهذه القناة فروع بلغات عديدة.
الصداقة على غير اعتبار ديني حسرة يوم القيامة...

يُطرح السؤال المعتاد: هل يمكن أن أصادق إنساناً بغضِّ النظر عن دينه؟

كلمة (بغضِّ النظر عن الدين) هذه كلمة ناشئة عن منظومة الأهداف المعلمنة، حيث يؤمن الإنسان بالله واليوم الآخر ولكنه يعيش حياة لادينية من ناحية الأهداف، أهدافه تبدأ في الدنيا وتنتهي أيضاً في الدنيا.

بينما الإنسان المسلم ينبغي أن يكون كل شيء في هذه الدنيا وسيلة له إلى الآخرة، حتى المباحات والترفيه يكون من باب (الباطل الذي يستعان به على الحق)

لا أعني بالصداقة المبنية على الدين أن تكون أنت وصاحبك دائماً تتذاكران العلم والمواعظ، فإن هذا عسير، بل المقصود أن تنتقي إنساناً يكون بعيداً عن مواطن العطب الأخلاقي والعقائدي، لا نتحدث عن عصمة وإنما نتكلم عن صلاحٍ بالجملة.

يقول الله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين (67) يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون (68) الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين (69)}[الزخرف].

تأمل أن الأخلاء أعداء لبعضهم إلا مَن كان مؤمنا مسلماً، أيْ أن علاقته مبنية على مراعاة الغائية الدينية، وسبب العداوة أن المرء يوم القيامة يرى أن صاحبه ألهاه عن ذكر الله أو أخَذَ بيده إلى الباطل.

وما أكثر مَن يدعو الناس اليوم إلى (التعايش) مع الكفار، ويعني بذلك إنزالهم منزلة أهل الإيمان من كل وجه، فمثل هذا لا شك يدخل في الآية، والأمر مثله مع أهل البدع.

وإنما نتعامل معهم بالعدل، وإن أحسنَّا كان ذلك بغرض دعوتهم إلى الحق أو لا يكون لهم علينا يد.
قراءة نقدية في منهج التفكير الناقد 👇
نقد شيخ الإسلام للأصل الذي بُنِيت عليه ما بعد الحداثة..

قال ابن تيمية «ومما يشبه هذا ظن طائفة كابن هود وابن سبعين والنفري والتلمساني: أن الشيء المتأخر ينبغي أن يكون أفضل من المتقدم؛ لاعتقادهم أن العالم متنقل من الابتداء إلى الانتهاء كالصبي الذي يكبر بعد صغره والنبات الذي ينمو بعد ضعفه ويبنون على ذلك أن المسيح أفضل من موسى ويبعدون ذلك إلى أن يجعلوا بعد محمد واحدا من البشر أكمل منه كما تقوله الإسماعيلية والقرامطة والباطنية فليس على هذا دليل أصلا. أن كل من تأخر زمانه من نوع يكون أفضل ذلك النوع فلا هو مطرد ولا منعكس».

[مجموع الفتاوى: ٣٦٨/١١]

كثيرًا ما نسمع الناس يقولون (نحن في عام ٢٠٢١ ومن الناس من يقول كذا وكذا) أو يقول بعضهم (هل نرتهن لعقول السلف هم لهم زمان ونحن لنا زماننا).

وهذه الكلمات مبنية على أصل فلسفي وهو أن الكائنات وُجِدت بهذا التعقيد عن طريق التطور البيولوجي، وأن الذهن البشري هو ضمن هذه العملية، فهو أيضا يتطور، فيصير المتأخر أعلم من المتقدم، غير أن النتيجة الخطيرة لهذا أن الأمر قد يكون صوابًا اليوم ويصير خطأ غدًا لأن الذهن البشري تطور.

ومن هاهنا جاءت فكرة (نسبية الحقيقة) وأنه لا أحد يمتلك الحقيقة أو يحتكر الحقيقة ولا توجد حقيقة لأن الحق اليوم قد يكون باطلًا غدًا.

والذي يؤمن به كل عقلاء بني آدم أن هناك حقائق ثابتة لا يزيدها الزمان إلا ثباتًا وصحة، والحق هو الحق بشكل موضوعي ولكن قد يخفى على بعض الأفراد لاعتبارات معينة.

وفكرة نسبية الحقيقة سوفسطائية لأنها متناقضة ذاتيًّا، فهي مبنية على فكرة التطور والتطور هو أيضًا قد يكون فكرة خاطئة مستقبلًا، فهم ما استطاعوا بناء النسبية إلا بعد التسليم بحقيقة مطلقة لا تقبل النقاش، وهذا هو التناقض.

ومع الأسف اليوم كثيرون يبحثون في الخلافيات بين المنتسبين للملة بهذه العقلية الحداثية، فتجدهم يطلقون عبارات مثل (احتكار الحقيقة) على سبيل الذم، والواقع أنني لو لم أعتقد أن كلامي حق ما قلت به، غير أن البشر يتفاوتون في الحقائق، فهناك ما يجزمون به قطعًا وهناك ما يبنونه على غالب الظن.

وهذا لا ينفي وجود حقيقة حتى في مسائل الاجتهاد (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)، قد لاحظت أن كثيرًا من دعاة المذهبية اليوم يعتمدون تأصيل نسبية الحقيقة ولكن يحصرونه في المسائل الفقهية في الترويج للمذهبية وأن المذاهب كلها على مسافة واحدة من الحق! وهذا خلاف الكتاب والسنة وخلاف ضرورة العقل وترويج لأمر تراثي بفلسفة حداثية فاسدة لو أخذناه بها نسفنا التراث كله.

ومنهم من يقول (تجديد الخطاب الديني) ولا يريد العودة بالوحي إلى أصله النقي بعيدًا عن المحدثات، وإنما يريد المعنى الحداثي وهو التبديل والتغيير بل المسخ.
من ضحية للصورة النمطية إلى صانع لها..

من حيل أهل الباطل في تشويه أهل الحق صناعة صورة نمطية مشوهة عنهم، من أبرز الأمثلة على ذلك طريقة الإعلام الليبرالي في الحديث عن الإنسان الملتزم.

فهم يصورونه دائماً على أنه محتقن عابس متعجل في الأحكام، بعيد عن العلم والمعرفة والتفكير الدقيق السليم.

ثم هم يصورون الليبرالي بصورة المثقف المستنير الهادئ، الذي يقرأ كثيراً ويملك تفكيراً ناقداً دقيقاً.

الإشكال ليس في هذا التنميط فحسب، وإنما الإشكال في حصر البشر في قالبين، فقد يكون الإنسان هادئاً ولكنه أحمق أو سوفسطائي أو جاهل، وقد يكون الإنسان فيه حدة ولكنه ذكي ومثابر وعادل وشجاع وتقي وعطوف، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه على سبيل المثال.

فالناس أكثر من أن يُحصروا في قالبين. غير أن العجيب أن كثيراً من المتدينين تأثروا بهذه الصورة النمطية، وصاروا يحاولون قدر المستطاع معاكستها في طريقة الحديث والظهور، وحتى في الاختيارات العلمية.

هؤلاء وقعوا في الفخ، فإن المقصود من رسم الصورة النمطية هو هذه النتيجة، لأن أهل النفاق يتضايقون من عزة أهل الإيمان، ومن شدتهم عليهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيحاولون الربط بين هذه المعطيات وحماقات قد تصدر من البعض، ولكن تعميمها جور.

فأنت إن استجبت للصورة التي اقترحوها عليك فاعلم أنك بدأت تنجرف في سلم التنازلات من حيث لا تشعر، وأشد ذلك؛ أن تكون ترد عليهم في قضايا معينة فتطمئن أنك لست منهم، وأنت متأثر بهم في قضايا أخرى وأنت لا تشعر.

المشكلة في هؤلاء الذين وقعوا في فخ الصورة النمطية أنهم تحولوا تلقائياً إلى منتجين لها، بحيث إذا رأوا متديناً من إخوانهم فيه نوع حمية أو حرقة على الحق زائدة على ما هم عليه رسموا له صورة نحو ما كان يرسم العالمانيون عنهم قبل التنازل!

والطريف أن بعض هؤلاء يحاول تقليد المستشرقين والحداثيين، والكلام عن البحث العلمي المتجرد، والاهتمام بالحقيقة فحسب.

والواقع أن كلنا يعرف أن الواقع في فخ الصورة النمطية إن كان القول السائد شديداً وأخذه بحثه العلمي -إن كان بحثاً علمياً حقاً- إلى نتيجة فيها تسامح أو تخفيف من التشديد فإنه يشيع هذا القول في كل محفل، ويتشجع أن ينشره بين الناس.

وإن كان العكس فإنه غالباً يخنس، حتى لا يُتهم بالتشدد أو تفريق المسلمين، ونحوها من التهم الجاهزة، وهذه أحسن أحواله، فإن كثيراً منهم تجده يتكلم بالباطل والاجتزاء الموافق للهوى العام.

فالمرء منهم كان يكفيه أن يكون منحازاً ساكتاً لا منحازاً متشبعاً بما لم يعط.

العلماء قديماً كان يهمهم السير على منهج علمي سواءً كانت النتيجة مع هوى الناس أو ليس مع هواهم.

فعلى سبيل المثال رجل احتج بأثر عن عمر بن الخطاب في تحليل أمر ما، وقال إن قول عمر حجة لأنه ما خالفه أحد من الصحابة، ثم وجد في مسألة أخرى أثراً عن عمر في تحريم أمر ما، وتنطبق عليه المواصفات نفسها، فإنه سيقول به حتى لا يكون متناقضاً.

ولكن في زماننا قد تجد أسيراً للصورة النمطية يقبل أثر عمر في الأولى ويتركه في الثانية، حتى لا يقال عنه متشدد، أو يكون أشد حماساً في الأولى منه في الثانية، فتلك يظهرها للعامة والثانية فقط في المجالس الخاصة.

فهم يأبهون لمن لا ينظر للمنهج العلمي وفقط ينظر (هذا حرَّم) (هذا كفَّر) (هذا بدَّع)، مع أنه لا يوجد منهج علمي رصين في الدنيا إلا وفيه تحليل وتحريم، وتكفير وأسلمة، وتبديع وتسنين، ولكنك كما تجد الليبرالي المتهتك ومن تأثر به إن حرَّمت بعض ما يهوى بالأدلة قال (خنقتونا، حرمتم كل شيء)، فمثله الواقع في فخ الصورة النمطية، تجد في كلامهم عبارات مثل (ما تركوا أحداً، كفروا كل الناس، بدعوا كل الناس) ونظير ذلك من الافتراء أو التهويل، ثم تجد صاحب هذه العبارات نفسه ينكر على من يقول بتعدد الحقيقة، وينتصر لحديث الفرقة الناجية الواحدة!
=