ليلة استقبال الملائكة
قال ابن سعد في الطبقات (7/174) ط دار الكتب العلمية: "أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: كان ثابت وحميد يغتسلان تلك الليلة ويتطيبان ويحبان أن يطيبا المسجد بالنضوح الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر".
هذا إسناد صحيح، وثابت بن أسلم البناني وحميد الطويل تابعيان بصريان تتلمذا على أنس بن مالك رضي الله عنه.
وفعلهم هذا أحسب أنه من فقههم بالكتاب والسنة.
ووجه هذا أن رب العالمين قال في ليلة القدر: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر}
قال الطبري في تفسيره: "اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: تنزل الملائكة وجبريل معهم، وهو الروح في ليلة القدر (بإذن ربهم من كل أمر) يعني بإذن ربهم، من كل أمر قضاه الله في تلك السنة، من رزق وأجل وغير ذلك".
وقال: "وقال آخرون: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم) لا يلقون مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه".
أقول: والقول الثاني رُوِيَت فيه أحاديث لا تصح.
وقال سعيد بن منصور في سننه: "2497 - نا خلف بن خليفة، قال: سمعت منصور بن زاذان يذكر في قوله: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر • سلام هي حتى مطلع الفجر }، قال: ليلة القدر، تنزل الملائكة في تلك الليلة من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الغد، يمرون على كل مؤمن، ويلقون كل مؤمن: "السلام عليك يا مؤمن، السلام عليك يا مؤمن".
قال سعيد: فقلت له: عن الحسن؟ فقال: لا".
خلف بن خليفة اختلط غير أن هذه الرواية يرويها عن شيخه مباشرة فليست مظنة غلط.
وقال سعيد بن منصور: "2498 - نا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن الشعبي، قوله: {من كل أمر • سلام هي حتى مطلع الفجر}، قال: تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجر".
ولا يبعد صحة هذا، وقد علم في السُّنَّة أن الملائكة تبغض روائح السوء وتحب الروائح الطيبة.
قال مسلم في صحيحه: "74 - (564) وحدثني محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل من هذه البقلة، الثوم - وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"".
وقال ابن أبي شيبة في المصنف: "1815- 1810- حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن علي، قال: إذا قام أحدكم من الليل فليستك (يعني ليستخدم السواك)، فإن الرجل إذا قام من الليل فتسوك ثم توضأ ثم قام إلى الصلاة جاءه الملك حتى يقوم خلفه يستمع القرآن، فلا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه، فلا يقرأ آية إلا دخلت جوفه".
فإذا عُلِم نزول الملائكة في هذه الليلة أو مظنة نزولهم وهم يحبون حلق الذكر وصح أنهم يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر وتصلي على المرء ما دام في مصلاه، فعلم أنهم يجتمعون في المساجد ويقتربون من أهل الذكر والقراءة لذا تنظف هذان التابعيان وطيبا مواطن الصلاة.
والملائكة يستغفرون لأهل الإيمان ويحبون أن يُغفَر لهم، قال تعالى: {والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم}
لذا تراهم مستبشرين بالليلة التي يُغفر بها لأهل الإيمان يشهدون الأمر، وعسى أن يأتي لقاء في الآخرة يدخلون على أهل الإيمان الجنةَ ويسلمون عليهم.
قال ابن سعد في الطبقات (7/174) ط دار الكتب العلمية: "أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: كان ثابت وحميد يغتسلان تلك الليلة ويتطيبان ويحبان أن يطيبا المسجد بالنضوح الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر".
هذا إسناد صحيح، وثابت بن أسلم البناني وحميد الطويل تابعيان بصريان تتلمذا على أنس بن مالك رضي الله عنه.
وفعلهم هذا أحسب أنه من فقههم بالكتاب والسنة.
ووجه هذا أن رب العالمين قال في ليلة القدر: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر}
قال الطبري في تفسيره: "اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: تنزل الملائكة وجبريل معهم، وهو الروح في ليلة القدر (بإذن ربهم من كل أمر) يعني بإذن ربهم، من كل أمر قضاه الله في تلك السنة، من رزق وأجل وغير ذلك".
وقال: "وقال آخرون: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم) لا يلقون مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه".
أقول: والقول الثاني رُوِيَت فيه أحاديث لا تصح.
وقال سعيد بن منصور في سننه: "2497 - نا خلف بن خليفة، قال: سمعت منصور بن زاذان يذكر في قوله: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر • سلام هي حتى مطلع الفجر }، قال: ليلة القدر، تنزل الملائكة في تلك الليلة من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الغد، يمرون على كل مؤمن، ويلقون كل مؤمن: "السلام عليك يا مؤمن، السلام عليك يا مؤمن".
قال سعيد: فقلت له: عن الحسن؟ فقال: لا".
خلف بن خليفة اختلط غير أن هذه الرواية يرويها عن شيخه مباشرة فليست مظنة غلط.
وقال سعيد بن منصور: "2498 - نا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن الشعبي، قوله: {من كل أمر • سلام هي حتى مطلع الفجر}، قال: تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجر".
ولا يبعد صحة هذا، وقد علم في السُّنَّة أن الملائكة تبغض روائح السوء وتحب الروائح الطيبة.
قال مسلم في صحيحه: "74 - (564) وحدثني محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل من هذه البقلة، الثوم - وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"".
وقال ابن أبي شيبة في المصنف: "1815- 1810- حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن علي، قال: إذا قام أحدكم من الليل فليستك (يعني ليستخدم السواك)، فإن الرجل إذا قام من الليل فتسوك ثم توضأ ثم قام إلى الصلاة جاءه الملك حتى يقوم خلفه يستمع القرآن، فلا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه، فلا يقرأ آية إلا دخلت جوفه".
فإذا عُلِم نزول الملائكة في هذه الليلة أو مظنة نزولهم وهم يحبون حلق الذكر وصح أنهم يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر وتصلي على المرء ما دام في مصلاه، فعلم أنهم يجتمعون في المساجد ويقتربون من أهل الذكر والقراءة لذا تنظف هذان التابعيان وطيبا مواطن الصلاة.
والملائكة يستغفرون لأهل الإيمان ويحبون أن يُغفَر لهم، قال تعالى: {والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم}
لذا تراهم مستبشرين بالليلة التي يُغفر بها لأهل الإيمان يشهدون الأمر، وعسى أن يأتي لقاء في الآخرة يدخلون على أهل الإيمان الجنةَ ويسلمون عليهم.
هل تُشرع زكاة الفطر عن الوالدين المتوفين منذ زمن؟
قال ابن سعد في الطبقات (6/22) ط دار الكتب العلمية: "أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يطعم عن أبويه وهما ميتان. وكان يفعله حتى مات.
قال أبو نعيم: يعني صدقة الفطر".
أقول: وهذا إسناد صحيح، وعطاء هنا هو عطاء بن أبي رباح، تابعي، وهو أفقه التابعين بالمناسك، وفعله هذا ما أنكره عليه أحد، واستحسنه الإمام أحمد.
قال ابن القيم في بدائع الفوائد وهو ينقل فوائد روايات الفضل بن زياد: "وكان عطاء يعطي عن أبويه صدقة الفطر حتى مات، قيل لأبي عبد الله -يعني أحمد بن حنبل-: يعجبك هذا؟ قال: "هذا تبرع ما أحسن هذا"".
ونقلها بعد ابن القيم جمع من الحنابلة مثل صاحب الإنصاف وصاحب الفروع.
وقال أبو داود في مسائله عن أحمد: "604- سمعت أحمد ذكر حديث عطاء: أنه كان يعطي عن أبويه صدقة الفطر حتى مات -يعني: وهما ميتان-، قلت: يعجبك هذا يا أبا عبد الله؟ قال: ما أحسنه إن فعله".
وظاهر كلام أحمد أن الأمر على الاستحباب وليس واجبًا، وعدم الوجوب محل إجماع، ويبدو أن عطاءً عدَّ ذلك من عموم الصدقة التي تنفع الميت وهذا استنباط حسن.
قال ابن سعد في الطبقات (6/22) ط دار الكتب العلمية: "أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يطعم عن أبويه وهما ميتان. وكان يفعله حتى مات.
قال أبو نعيم: يعني صدقة الفطر".
أقول: وهذا إسناد صحيح، وعطاء هنا هو عطاء بن أبي رباح، تابعي، وهو أفقه التابعين بالمناسك، وفعله هذا ما أنكره عليه أحد، واستحسنه الإمام أحمد.
قال ابن القيم في بدائع الفوائد وهو ينقل فوائد روايات الفضل بن زياد: "وكان عطاء يعطي عن أبويه صدقة الفطر حتى مات، قيل لأبي عبد الله -يعني أحمد بن حنبل-: يعجبك هذا؟ قال: "هذا تبرع ما أحسن هذا"".
ونقلها بعد ابن القيم جمع من الحنابلة مثل صاحب الإنصاف وصاحب الفروع.
وقال أبو داود في مسائله عن أحمد: "604- سمعت أحمد ذكر حديث عطاء: أنه كان يعطي عن أبويه صدقة الفطر حتى مات -يعني: وهما ميتان-، قلت: يعجبك هذا يا أبا عبد الله؟ قال: ما أحسنه إن فعله".
وظاهر كلام أحمد أن الأمر على الاستحباب وليس واجبًا، وعدم الوجوب محل إجماع، ويبدو أن عطاءً عدَّ ذلك من عموم الصدقة التي تنفع الميت وهذا استنباط حسن.
بردة البوصيري لم يزل الناس ينتقدونها ويرون الكفر فيها
يزعم بعض الصوفية الغلاة أن بردة البوصيري متلقاة بالقبول، ولا يدرون أنهم بحسب أصول الفقه لا تتم لهم هذه الدعوى، فإن إجماع المقلدين ليس بحجة إذ حجية الإجماع مختصة بالمجتهدين (نص عليه الجويني)، كما أن إجماع المتأخرين لا ينضبط (نص عليه ابن تيمية وتبعه جمع غفير)، كما أن إنكار من أنكر من استغاث بغير الله كإنكار الأوائل على الجهمية واحتجاجهم بحديث (أعوذ بكلمات الله التامات) وإنكار ابن تيمية على الصرصري الاستغاثة يعتبر إنكارًا على البوصيري إذ لا فرق، وهذه قاعدة أن البيان في عين هو بيان في نظيره، لذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جامع امرأته في نهار رمضان عن الكفارة وهو حديث لزوجته أيضًا إن كانت مطاوعة، ولولا هذا لبطلت فائدة القياس والقواعد العامة إلا أن تأتي بفارق مؤثر، ولا فرق عند الجميع.
غير أن بردة البوصيري حقًّا كانت محل نقد واستشكال حتى من محبيها.
فقد قال البوصيري: لو ناسبت قدره آياته عظمًا ... أحيى اسمه حين يدعى دارس الرمم
وقال شهاب الدين الآلوسي المتوفى عام 1270 في غرائب الاغتراب: "وأنا أقول الآن (مستعينًا بالملك المنان. قد ظفرت بنحو ما ذكرته في مختصر شرح المرزوقي للقصيدة المشار إليها) ونصه (بعد كلام في هذا البيت) قال الشارح (لم يزل الناس يعترضون هذا البيت لاقتضائه أن ليس فيما أعطيه صلى الله تعالى عليه وسلم من الآيات ما يناسب قدره لأن لو حرف امتناع لامتناع أي امتنعت الخاصة المذكورة لامتناع أن يناسب قدره العظيم شيء من آياته صلى الله تعالى عليه وسلم وهذا باطل فإن من آياته صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن العظيم وهو كلام الله تعالى والكلام صفة وشرف الصفة بشرف الموصوف ثم قال وعنه أجوبة".
فلاحظ قول المرزوقي شارح البردة (لم يزل الناس يعترضون هذا البيت) وهذا شبه نقل الاتفاق، ووجه الاعتراض أنه جعل آيات النبي صلى الله عليه وسلم غير مناسبة لقدره، ويدخل في ذلك القرآن، فكيف يكون كلام الله عز وجل غير مناسب لمقام النبي صلى الله عليه وسلم، هذا انتقاص بيِّن للقرآن الكريم.
وكان جواب الآلوسي والمرزوقي بأن المقصود القرآن الذي بين أيدينا وهو مخلوق! على مذهب الأشاعرة فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أعظم منه!
قال الآلوسي في غرائب الاغتراب: "وحيث أن البوصيري عبر بالآيات أي المنجزات أراد بالقرآن المعنى الثاني من المعنيين. إذ الكلام النفسي ليس بمعجزة ولم يتحد به سيد الكونين. صلى الله تعالى عليه وسلم. وشرف وعظم وكرم. والظاهر أنه أشعري يقول بأن الكلام اللفظي مخلوق. ضرورة اشتماله على بداية ونهاية وسابق ومسبوق. وأنه ممن يفضل النبي عليه الصلاة والسلام على جميع المخلوقات".
وهذا كمن يغسل العذرة بالبول، فهذا القول قول الأشعرية كفري عند الحنابلة، وقد حكم أحمد على اللفظية الذين هم أهون قولًا بالزندقة، ونصَّ ابن البناء على أنه كفر ابن كلاب (صاحب هذا القول)، ونقل الرازيان الإجماع على تجهيم من يقول بهذا القول.
=
يزعم بعض الصوفية الغلاة أن بردة البوصيري متلقاة بالقبول، ولا يدرون أنهم بحسب أصول الفقه لا تتم لهم هذه الدعوى، فإن إجماع المقلدين ليس بحجة إذ حجية الإجماع مختصة بالمجتهدين (نص عليه الجويني)، كما أن إجماع المتأخرين لا ينضبط (نص عليه ابن تيمية وتبعه جمع غفير)، كما أن إنكار من أنكر من استغاث بغير الله كإنكار الأوائل على الجهمية واحتجاجهم بحديث (أعوذ بكلمات الله التامات) وإنكار ابن تيمية على الصرصري الاستغاثة يعتبر إنكارًا على البوصيري إذ لا فرق، وهذه قاعدة أن البيان في عين هو بيان في نظيره، لذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جامع امرأته في نهار رمضان عن الكفارة وهو حديث لزوجته أيضًا إن كانت مطاوعة، ولولا هذا لبطلت فائدة القياس والقواعد العامة إلا أن تأتي بفارق مؤثر، ولا فرق عند الجميع.
غير أن بردة البوصيري حقًّا كانت محل نقد واستشكال حتى من محبيها.
فقد قال البوصيري: لو ناسبت قدره آياته عظمًا ... أحيى اسمه حين يدعى دارس الرمم
وقال شهاب الدين الآلوسي المتوفى عام 1270 في غرائب الاغتراب: "وأنا أقول الآن (مستعينًا بالملك المنان. قد ظفرت بنحو ما ذكرته في مختصر شرح المرزوقي للقصيدة المشار إليها) ونصه (بعد كلام في هذا البيت) قال الشارح (لم يزل الناس يعترضون هذا البيت لاقتضائه أن ليس فيما أعطيه صلى الله تعالى عليه وسلم من الآيات ما يناسب قدره لأن لو حرف امتناع لامتناع أي امتنعت الخاصة المذكورة لامتناع أن يناسب قدره العظيم شيء من آياته صلى الله تعالى عليه وسلم وهذا باطل فإن من آياته صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن العظيم وهو كلام الله تعالى والكلام صفة وشرف الصفة بشرف الموصوف ثم قال وعنه أجوبة".
فلاحظ قول المرزوقي شارح البردة (لم يزل الناس يعترضون هذا البيت) وهذا شبه نقل الاتفاق، ووجه الاعتراض أنه جعل آيات النبي صلى الله عليه وسلم غير مناسبة لقدره، ويدخل في ذلك القرآن، فكيف يكون كلام الله عز وجل غير مناسب لمقام النبي صلى الله عليه وسلم، هذا انتقاص بيِّن للقرآن الكريم.
وكان جواب الآلوسي والمرزوقي بأن المقصود القرآن الذي بين أيدينا وهو مخلوق! على مذهب الأشاعرة فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أعظم منه!
قال الآلوسي في غرائب الاغتراب: "وحيث أن البوصيري عبر بالآيات أي المنجزات أراد بالقرآن المعنى الثاني من المعنيين. إذ الكلام النفسي ليس بمعجزة ولم يتحد به سيد الكونين. صلى الله تعالى عليه وسلم. وشرف وعظم وكرم. والظاهر أنه أشعري يقول بأن الكلام اللفظي مخلوق. ضرورة اشتماله على بداية ونهاية وسابق ومسبوق. وأنه ممن يفضل النبي عليه الصلاة والسلام على جميع المخلوقات".
وهذا كمن يغسل العذرة بالبول، فهذا القول قول الأشعرية كفري عند الحنابلة، وقد حكم أحمد على اللفظية الذين هم أهون قولًا بالزندقة، ونصَّ ابن البناء على أنه كفر ابن كلاب (صاحب هذا القول)، ونقل الرازيان الإجماع على تجهيم من يقول بهذا القول.
=
=
وقال ابن قدامة في المناظرة على القرآن: "ولو أنهم ولاة الأمر وأرباب الدولة وإذا حكيت عنهم مقالتهم التي يعتقدونها كرهوا ذلك وأنكروا وكابروا عليه ولا يتظاهرون إلا بتعظيم القرآن وتبجيل المصاحف والقيام لها عند رؤيتها وفي الخلوات يقولون ما فيها إلا الورق والمداد وأي شيء فيها وهذا فعل الزنادقة".
وسبب هذا الخوف الذي يذكره ابن قدامة أنهم يخافون من التكفير إذا صرحوا بخلق القرآن وأن الذي بين أيدينا ليس هو كلام الله.
قال محمد الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير (6/38): "ولكن أمسك بعض أئمة الإسلام عن التصريح بحدوثه، أو بكونه مخلوقا، في مجالس المناظرة التي غشيتها العامة، أو ظلمة المكابرة، والتحفز إلى النبز والأذى: دفعا للإيهام، وإبقاء على النسبة إلى الإسلام".
فهو يصرح أنهم يخافون من التصريح بعقيدتهم في خلق القرآن حتى لا يكفرهم الناس بتكفير الأئمة لمن يقول بهذا القول.
والخلاصة أن الناس قد اعترضوا على أبيات في البردة ونسبوها إلى انتقاص القرآن، وانتقاص القرآن أشد من انتقاص النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كفَّر عدد من المتصوفة ابن تيمية بتحريمه الاستغاثة وشد الرحال (كما ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة) ومنهم مَن كفَّر القائل بأن الأنبياء تقع منهم الصغائر، فما عساهم يقولون بانتقاص القرآن، وهم مِن قبل قد انتقصوه وقالوا ظاهره الكفر.
وأجاب المدافعون بجواب لا يجري إلا على أصل الأشعرية نازعهم فيه الحنابلة أشد المنازعة بل مثَّلوا على الواقع بالكفر في كتبهم الفقهية بقول الأشاعرة هذا (ونص المجد في ذلك مشهور).
وقال ابن تيمية في الرد على البكري: "فأشركوا في ربوبية الله، وفي دعاء الله وعبادته، حيث جعلوا ما يضاف إلى المخلوق يضاف إليه تعالى، فصار حقيقة قولهم أن المخلوق تضاف إليه مفعولات الله كلها، ويطلب منه مقدورات الرب كلها" ثم صار يسرد شركياتهم ويمثل لها حتى قال: "ومن هؤلاء _يعني الذين أشركوا_ من يقول في قوله تعالي: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٩)} [الفتح: ٨، ٩]: إن الرسول هو الذي يُسبح بكرة وأصيلًا، ومنهم من يقول: أسقط الربوبية وقل في الرسول ما شئت:
دع ما ادعَتْهُ النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم
فإن فضلَ رسول الله ليس له ... حدٌّ فيعربُ عنه ناطقٌ بفم
وانسبْ إلى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب إلى قدره ما شئت من عظم"
وهذه أبيات البوصيري.
ولهذا مجرد رواية القصيدة لا يقتضي إقرار مضامينها، فهم يروونها ويروون كتب ابن تيمية أيضًا، وحتى إننا نجد ابن حجر يروي ذم الكلام للأنصاري (وفيه تكفير الأشعرية) ولا شك أنه لا يقر بمضمونه ولكن يرويه كما يروون كتب الجرح والتعديل المتقدمة وفيها ما لا يرضون في أهل الرأي (على أن منهم من هو متورط حقًّا بالاستغاثة).
وقال ابن قدامة في المناظرة على القرآن: "ولو أنهم ولاة الأمر وأرباب الدولة وإذا حكيت عنهم مقالتهم التي يعتقدونها كرهوا ذلك وأنكروا وكابروا عليه ولا يتظاهرون إلا بتعظيم القرآن وتبجيل المصاحف والقيام لها عند رؤيتها وفي الخلوات يقولون ما فيها إلا الورق والمداد وأي شيء فيها وهذا فعل الزنادقة".
وسبب هذا الخوف الذي يذكره ابن قدامة أنهم يخافون من التكفير إذا صرحوا بخلق القرآن وأن الذي بين أيدينا ليس هو كلام الله.
قال محمد الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير (6/38): "ولكن أمسك بعض أئمة الإسلام عن التصريح بحدوثه، أو بكونه مخلوقا، في مجالس المناظرة التي غشيتها العامة، أو ظلمة المكابرة، والتحفز إلى النبز والأذى: دفعا للإيهام، وإبقاء على النسبة إلى الإسلام".
فهو يصرح أنهم يخافون من التصريح بعقيدتهم في خلق القرآن حتى لا يكفرهم الناس بتكفير الأئمة لمن يقول بهذا القول.
والخلاصة أن الناس قد اعترضوا على أبيات في البردة ونسبوها إلى انتقاص القرآن، وانتقاص القرآن أشد من انتقاص النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كفَّر عدد من المتصوفة ابن تيمية بتحريمه الاستغاثة وشد الرحال (كما ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة) ومنهم مَن كفَّر القائل بأن الأنبياء تقع منهم الصغائر، فما عساهم يقولون بانتقاص القرآن، وهم مِن قبل قد انتقصوه وقالوا ظاهره الكفر.
وأجاب المدافعون بجواب لا يجري إلا على أصل الأشعرية نازعهم فيه الحنابلة أشد المنازعة بل مثَّلوا على الواقع بالكفر في كتبهم الفقهية بقول الأشاعرة هذا (ونص المجد في ذلك مشهور).
وقال ابن تيمية في الرد على البكري: "فأشركوا في ربوبية الله، وفي دعاء الله وعبادته، حيث جعلوا ما يضاف إلى المخلوق يضاف إليه تعالى، فصار حقيقة قولهم أن المخلوق تضاف إليه مفعولات الله كلها، ويطلب منه مقدورات الرب كلها" ثم صار يسرد شركياتهم ويمثل لها حتى قال: "ومن هؤلاء _يعني الذين أشركوا_ من يقول في قوله تعالي: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٩)} [الفتح: ٨، ٩]: إن الرسول هو الذي يُسبح بكرة وأصيلًا، ومنهم من يقول: أسقط الربوبية وقل في الرسول ما شئت:
دع ما ادعَتْهُ النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم
فإن فضلَ رسول الله ليس له ... حدٌّ فيعربُ عنه ناطقٌ بفم
وانسبْ إلى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب إلى قدره ما شئت من عظم"
وهذه أبيات البوصيري.
ولهذا مجرد رواية القصيدة لا يقتضي إقرار مضامينها، فهم يروونها ويروون كتب ابن تيمية أيضًا، وحتى إننا نجد ابن حجر يروي ذم الكلام للأنصاري (وفيه تكفير الأشعرية) ولا شك أنه لا يقر بمضمونه ولكن يرويه كما يروون كتب الجرح والتعديل المتقدمة وفيها ما لا يرضون في أهل الرأي (على أن منهم من هو متورط حقًّا بالاستغاثة).
الصدقة المنسية في يوم العيد.
الناس في رمضان يكثرون من الصدقة، وكثير منهم يجعل رمضان شهر زكاته، وفي نهاية رمضان وقبيل العيد تأتي صدقة الفطر.
غير أن هناك صدقة منسية في يوم التهاني والزيارات:
قال مسلم في صحيحه: "٥٦ - (١٠٠٩) وحدثنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق بن همام، حدثنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، قال: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، قال: والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة»".
الشاهد قوله: «تعدل بين الاثنين صدقة» والمعنى تصلح بينهما.
والعيد مناسبة طيبة لحصول مثل هذا، فالناس وجوههم طلقة ونفوسهم منشرحة للصلة، ومكان القطيعة يضيق شيئا فشيئا.
الناس في رمضان يكثرون من الصدقة، وكثير منهم يجعل رمضان شهر زكاته، وفي نهاية رمضان وقبيل العيد تأتي صدقة الفطر.
غير أن هناك صدقة منسية في يوم التهاني والزيارات:
قال مسلم في صحيحه: "٥٦ - (١٠٠٩) وحدثنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق بن همام، حدثنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، قال: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، قال: والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة»".
الشاهد قوله: «تعدل بين الاثنين صدقة» والمعنى تصلح بينهما.
والعيد مناسبة طيبة لحصول مثل هذا، فالناس وجوههم طلقة ونفوسهم منشرحة للصلة، ومكان القطيعة يضيق شيئا فشيئا.
إبطال عقيدة الإمامة عند الرافضة من آية جزاء الصيد
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام} [المائدة]
معنى الآية أن المرء إذا صاد صيدًا وهو محرم فعليه أن يكفِّر بذبح شيء من الأنعام المباحة يكافئ ما صاده.
وتحديد ما يكافئ هذا الصيد يرجع لاثنين ذوَيْ عدل يقيسون الصيد على شيء من الأنعام المباحة.
فمثلًا من صاد حمامة حكم الصحابة عليه بأنه عليه ذبح شاة، وكذلك من صاد ضبعًا.
والفقهاء إذا تكلموا في هذا الأمر يرجعون التقديرات للصحابة الكرام، فهم ذوو العدل المقصودون بالآية.
قال ابن قدامة في المغني: "وأجمع الصحابة على إيجاب المثل، فقال عمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاوية: في النعامة بدنة. وحكم أبو عبيدة، وابن عباس، في حمار الوحش ببدنة. وحكم عمر فيه ببقرة. وحكم عمر وعلي في الظبي بشاة".
فإن قيل: ما وجه دلالة ذلك على إبطال عقيدة الإمامة عند الشيعة الإمامية (الرافضة)؟
فيقال: لو كان هناك إمام معصوم بعد النبي ﷺ لما احتجنا لشاهدَي عدل، فالإمام وظيفته التوضيح بعد النبي ﷺ ولا يحتاج إلى شاهد معه، بل هو لا يوصف بأنه (عدل) فهو معصوم فوق العدل.
فعُلِم من هذا أن الإحالة على العدول بعد النبي ﷺ دليل على أنه لا وجود لمعصوم بعده ﷺ إذ وجوده مغنٍ عن التحاكم إلى العدول، بل الآية تدل على عدالة الحكام (الخلفاء الراشدين) إذ أن عامة الأحكام في هذا تُحال إليهم.
وهذه الآية احتجَّ بها ابن عباس على الخوارج، واحتج بها أهل العلم على منكري القياس، والرافضة ينكرون القياس لظنهم الاستغناء بالمعصوم، فتأمَّل هذا.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام} [المائدة]
معنى الآية أن المرء إذا صاد صيدًا وهو محرم فعليه أن يكفِّر بذبح شيء من الأنعام المباحة يكافئ ما صاده.
وتحديد ما يكافئ هذا الصيد يرجع لاثنين ذوَيْ عدل يقيسون الصيد على شيء من الأنعام المباحة.
فمثلًا من صاد حمامة حكم الصحابة عليه بأنه عليه ذبح شاة، وكذلك من صاد ضبعًا.
والفقهاء إذا تكلموا في هذا الأمر يرجعون التقديرات للصحابة الكرام، فهم ذوو العدل المقصودون بالآية.
قال ابن قدامة في المغني: "وأجمع الصحابة على إيجاب المثل، فقال عمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ومعاوية: في النعامة بدنة. وحكم أبو عبيدة، وابن عباس، في حمار الوحش ببدنة. وحكم عمر فيه ببقرة. وحكم عمر وعلي في الظبي بشاة".
فإن قيل: ما وجه دلالة ذلك على إبطال عقيدة الإمامة عند الشيعة الإمامية (الرافضة)؟
فيقال: لو كان هناك إمام معصوم بعد النبي ﷺ لما احتجنا لشاهدَي عدل، فالإمام وظيفته التوضيح بعد النبي ﷺ ولا يحتاج إلى شاهد معه، بل هو لا يوصف بأنه (عدل) فهو معصوم فوق العدل.
فعُلِم من هذا أن الإحالة على العدول بعد النبي ﷺ دليل على أنه لا وجود لمعصوم بعده ﷺ إذ وجوده مغنٍ عن التحاكم إلى العدول، بل الآية تدل على عدالة الحكام (الخلفاء الراشدين) إذ أن عامة الأحكام في هذا تُحال إليهم.
وهذه الآية احتجَّ بها ابن عباس على الخوارج، واحتج بها أهل العلم على منكري القياس، والرافضة ينكرون القياس لظنهم الاستغناء بالمعصوم، فتأمَّل هذا.
صِيغ الخبر بطريقة تجعلك تتعاطف مع قتل الأطفال في حالات خاصة بحجة أن معاناتهم لا تطاق.
والسؤال هنا: هل الأطفال في هولندا فقط عندهم معاناة لا تطاق؟
وهل هم مَن يختارون هذا؟ وهل فُقِد الأمل بالتحسن؟
هكذا يجعلون الحفاظ على حياتهم هو العمل غير الأخلاقي، فما السر في هذا التلاعب؟
أنت أمام بلد تجرِّم الإعدام لمرتكب جريمة، ومع ذلك يسمحون بالموت الرحيم لكبار السن، والنقاش كان حول الأطفال، ويقف النصارى ضده وتقف أحزاب ليبرالية معه.
الخلاصة في هذه المفارقة أنك أمام نازية تلبس قناعًا جميلًا. القاتل يمكن للمجتمع أن يستفيد من خدماته وهو في السجن لأنه يكلَّف بالقيام بأعمال عدة.
النازيون كانوا يُعدِمون كلَّ إنسان يرونه غير مفيد للمجتمع ونحتاج أن نطعمه، فيأخذ الموارد بدون أي إفادة.
النازيون لم يأتوا بهذه الأفكار من رؤوسهم، نظرية دارون كان لها وجه اجتماعي اسمه الداروينية الاجتماعية، يقترح منظِّروه أن رعاية الضعفاء عمل بعكس سير الطبيعة التي تتخلص من الضعفاء وتُبقي على الأقوياء وهكذا يتم التطور.
الضمير الأوروبي لا زال في عمقه هذه الأفكار ولكنهم يغلفونها بشعارات براقة فيسمون الأمر "القتل الرحيم" ويوهمونك أن ذلك لمصلحة المريض، والواقع أنه لمصلحة المؤسسات التي لا تريد الإنفاق على عاجز لا يفيد شيئًا فيما يرون.
أما عندنا في الشرع فيعلمنا أنه لا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضُرِّ أصابه، وأنا لله وأنا إليه راجعون، وأن الغاية من وجودنا في الدنيا الاختبار لا خدمة مؤسسات معينة، والابتلاء فيه الصبر عند الضراء والشكر عند السراء، هذا سلوك المؤمن.
وفي آخر الخبر تجد هذا:
"في كل عام في هولندا، يلجأ عدد متزايد من الناس إلى القتل الرحيم، وبلغ عددهم 8700 شخصا العام الماضي، بحسب أرقام رسمية. ويعاني أكثرية هؤلاء من أمراض سرطانية عضال".
والسؤال هنا لماذا يُقدِم هذا العدد الهائل على اختيار الموت في بلد أوروبي ثري؟ أليس عندهم أُسَر يفرحون برؤيتهم؟ أليس عندهم خبرات تحتاجها الأجيال؟ ألا يوجد عندهم ما يفعلونه؟ الأجوبة على هذه الأسئلة ستنبهك على خطورة العقل الأوروبي الحديث والذي يظن كثير من الناس أن خلاصة السعادة أن تستنسخ نتاج هذا العقل.
والسؤال هنا: هل الأطفال في هولندا فقط عندهم معاناة لا تطاق؟
وهل هم مَن يختارون هذا؟ وهل فُقِد الأمل بالتحسن؟
هكذا يجعلون الحفاظ على حياتهم هو العمل غير الأخلاقي، فما السر في هذا التلاعب؟
أنت أمام بلد تجرِّم الإعدام لمرتكب جريمة، ومع ذلك يسمحون بالموت الرحيم لكبار السن، والنقاش كان حول الأطفال، ويقف النصارى ضده وتقف أحزاب ليبرالية معه.
الخلاصة في هذه المفارقة أنك أمام نازية تلبس قناعًا جميلًا. القاتل يمكن للمجتمع أن يستفيد من خدماته وهو في السجن لأنه يكلَّف بالقيام بأعمال عدة.
النازيون كانوا يُعدِمون كلَّ إنسان يرونه غير مفيد للمجتمع ونحتاج أن نطعمه، فيأخذ الموارد بدون أي إفادة.
النازيون لم يأتوا بهذه الأفكار من رؤوسهم، نظرية دارون كان لها وجه اجتماعي اسمه الداروينية الاجتماعية، يقترح منظِّروه أن رعاية الضعفاء عمل بعكس سير الطبيعة التي تتخلص من الضعفاء وتُبقي على الأقوياء وهكذا يتم التطور.
الضمير الأوروبي لا زال في عمقه هذه الأفكار ولكنهم يغلفونها بشعارات براقة فيسمون الأمر "القتل الرحيم" ويوهمونك أن ذلك لمصلحة المريض، والواقع أنه لمصلحة المؤسسات التي لا تريد الإنفاق على عاجز لا يفيد شيئًا فيما يرون.
أما عندنا في الشرع فيعلمنا أنه لا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضُرِّ أصابه، وأنا لله وأنا إليه راجعون، وأن الغاية من وجودنا في الدنيا الاختبار لا خدمة مؤسسات معينة، والابتلاء فيه الصبر عند الضراء والشكر عند السراء، هذا سلوك المؤمن.
وفي آخر الخبر تجد هذا:
"في كل عام في هولندا، يلجأ عدد متزايد من الناس إلى القتل الرحيم، وبلغ عددهم 8700 شخصا العام الماضي، بحسب أرقام رسمية. ويعاني أكثرية هؤلاء من أمراض سرطانية عضال".
والسؤال هنا لماذا يُقدِم هذا العدد الهائل على اختيار الموت في بلد أوروبي ثري؟ أليس عندهم أُسَر يفرحون برؤيتهم؟ أليس عندهم خبرات تحتاجها الأجيال؟ ألا يوجد عندهم ما يفعلونه؟ الأجوبة على هذه الأسئلة ستنبهك على خطورة العقل الأوروبي الحديث والذي يظن كثير من الناس أن خلاصة السعادة أن تستنسخ نتاج هذا العقل.
لماذا لا يعاملون المشايخ بهذا الشكل؟ (أهواء العوام التي تحكم الساحة العلمية).
رأيت عدة منشورات لطلبة علم تتناول ظاهرة تأثر الناس بالمسلسلات، وكيف أن الناس عاطفيون، فقد سبوا ممثلاً لأنه صور مع يهودي ثم تناسوا الأمر تماماً وتابعوا أعماله وجعلوها على رأس قوائم المشاهدات، وهناك من يحلل الرسائل الخفية والجلية ويكاد يكون هذا سلوكاً سائداً عند طلبة العلم في هذا العصر، غير أنني بعد هذه المنشورات نظرت للأمر من زاوية أخرى.
العوام الذين يسبون شخصاً لأمور أخلاقية وعقدية ثم يقيمون أعماله الفنية بعيداً عن ذلك، لماذا لا يفعلون هذا مع مشايخ لا تعجبهم مواقف لهم سياسية أو أخلاقية؟
فالجواب: سرعة التدنيس ضريبة التقديس.
الكثير من العامة ينظرون للتدين على أنه حالة مثالية (وهذه فكرة نصرانية وهي التي نفرت من موضوع الحكم الديني لبعده عن الواقعية) وبالتالي قرار التدين يعني أنك قررت أن تصير مثالياً، وإذا نجحت في هذا فإنك ستنال تقديس العامة، ولكن هذا التقديس له ضريبته إن لم تكن كما يريدون، وكثير من العوام بإمكانه أن يوجد على أي شخصية شرعية عيباً لكي يبرر لنفسه عدم الاستماع لوعظه، وهذا سبب الاسترواح لمظهر الدعاة الذين لا يظهر عليهم التنسك أو من يتكلمون بالفكر والقضايا الفكرية ويبتعدون عن النمط التقليدي، وكثير منهم يتكلف هروباً من آثار هذه الفكرة البائسة.
في الإسلام لا يوجد شريعة نزلت على رهبان تطالبهم بأمور دون غيرهم في الأعم الأغلب، بل لكل عبوديته ومع ازدياد النعمة عليه يزداد التكليف، فكثير العلم يجب عليه إفشاؤه كما يجب على كثير المال حق في الزكاة.
اختصاراً هي مجرد مخادعة، فالقوم يستمعون للممثلين أكثر من أي شخص آخر، سواءً كان داعية أو تجريبياً، وكثير منهم يحسن الفرز فهو يفرق بين أخلاق الممثل وعمله، ويفرق بين جودة هذا الجزء وهذا الجزء، بل ويفرق بين جودة هذه الحلقة وهذه الحلقة، وبين جودة هذا الممثل في الدور الفلاني وضعفه في الدور الفلاني، وهكذا يتعاملون مع لاعبي كرة القدم، يذكرونك بأئمة الجرح والتعديل (وقدر الأئمة محفوظ عن هؤلاء المساكين ولكن الأمر تشبيه من وجه) حيث كانوا يوثقون الراوي مطلقاً ويوثقونه في حديثه عن شيخ معين ويضعفونه في آخر، ويوثقونه في حديثه عن أهل بلد معين ويضعفونه في حديثه عن آخر، وربما وثقوه ولكنهم حكموا بغلطه في خبر معين.
غير أننا في الساحة الشرعية تفريعاً على فكرة (التقديس) مثل هذه التقسيمات تقابل بتشنج شديد ومفهوم (الطعن) و (الإسقاط) أخَذا طوراً وسواسياً، كما أن الموسوس يظن فيما ليس ناقضاً للإسلام أو الصلاة أنه ناقض، ويدخل في ذلك أشياءاً كثيرة كذلك صار الأمر في مفهوم (الطعن) و (الإسقاط).
وصارت ظاهرة (تقديس المشايخ) أمراً لا تخطئه العين، والساحة بنفسها تدعم ذلك تارة باسم (الأدب) وتارة باسم (كيد العذال من المخالفين) وصار ذلك جزءاً من شخصية طالب العلم، حتى أنك لو فكرت بنقد ظاهرة تقديس المشايخ أو تقديس القدوات فإنك ستجد نفسك صرت مقدساً عند الشباب ناقدي تقديس المشايخ!
وهذه هي التهمة التي ستوجه لك مبدئياً أنك تريد أن تحل محل غيرك إذا نقدت هذه الظواهر، وهذا يذكرني بحال رجل شيعي ولا يرى الخمس في عصر الغيبة فأقنع شيعياً آخر بالأمر وأن الخمس ساقط عنهم فذاك الثاني اقتنع ثم قال بعدها: والآن أين أذهب بخمسي؟ هذا لأنه تغذى بأن خمس ماله ليس له حتى لو أقنعته أنه له سيفهم كلامك وكأنك تقول له غير مصرفه فقط، كذلك المتشبع بفكرة التقديس سيسمع كلامك وكأنك تقول: قدسني أنا أو تقول: دنس المشايخ بدلاً من أن تقدسهم، علماً أنهم ليسوا شيئاً واحداً فهناك من يستحق الزجر والتثريب بل والإسقاط أيضاً.
=
رأيت عدة منشورات لطلبة علم تتناول ظاهرة تأثر الناس بالمسلسلات، وكيف أن الناس عاطفيون، فقد سبوا ممثلاً لأنه صور مع يهودي ثم تناسوا الأمر تماماً وتابعوا أعماله وجعلوها على رأس قوائم المشاهدات، وهناك من يحلل الرسائل الخفية والجلية ويكاد يكون هذا سلوكاً سائداً عند طلبة العلم في هذا العصر، غير أنني بعد هذه المنشورات نظرت للأمر من زاوية أخرى.
العوام الذين يسبون شخصاً لأمور أخلاقية وعقدية ثم يقيمون أعماله الفنية بعيداً عن ذلك، لماذا لا يفعلون هذا مع مشايخ لا تعجبهم مواقف لهم سياسية أو أخلاقية؟
فالجواب: سرعة التدنيس ضريبة التقديس.
الكثير من العامة ينظرون للتدين على أنه حالة مثالية (وهذه فكرة نصرانية وهي التي نفرت من موضوع الحكم الديني لبعده عن الواقعية) وبالتالي قرار التدين يعني أنك قررت أن تصير مثالياً، وإذا نجحت في هذا فإنك ستنال تقديس العامة، ولكن هذا التقديس له ضريبته إن لم تكن كما يريدون، وكثير من العوام بإمكانه أن يوجد على أي شخصية شرعية عيباً لكي يبرر لنفسه عدم الاستماع لوعظه، وهذا سبب الاسترواح لمظهر الدعاة الذين لا يظهر عليهم التنسك أو من يتكلمون بالفكر والقضايا الفكرية ويبتعدون عن النمط التقليدي، وكثير منهم يتكلف هروباً من آثار هذه الفكرة البائسة.
في الإسلام لا يوجد شريعة نزلت على رهبان تطالبهم بأمور دون غيرهم في الأعم الأغلب، بل لكل عبوديته ومع ازدياد النعمة عليه يزداد التكليف، فكثير العلم يجب عليه إفشاؤه كما يجب على كثير المال حق في الزكاة.
اختصاراً هي مجرد مخادعة، فالقوم يستمعون للممثلين أكثر من أي شخص آخر، سواءً كان داعية أو تجريبياً، وكثير منهم يحسن الفرز فهو يفرق بين أخلاق الممثل وعمله، ويفرق بين جودة هذا الجزء وهذا الجزء، بل ويفرق بين جودة هذه الحلقة وهذه الحلقة، وبين جودة هذا الممثل في الدور الفلاني وضعفه في الدور الفلاني، وهكذا يتعاملون مع لاعبي كرة القدم، يذكرونك بأئمة الجرح والتعديل (وقدر الأئمة محفوظ عن هؤلاء المساكين ولكن الأمر تشبيه من وجه) حيث كانوا يوثقون الراوي مطلقاً ويوثقونه في حديثه عن شيخ معين ويضعفونه في آخر، ويوثقونه في حديثه عن أهل بلد معين ويضعفونه في حديثه عن آخر، وربما وثقوه ولكنهم حكموا بغلطه في خبر معين.
غير أننا في الساحة الشرعية تفريعاً على فكرة (التقديس) مثل هذه التقسيمات تقابل بتشنج شديد ومفهوم (الطعن) و (الإسقاط) أخَذا طوراً وسواسياً، كما أن الموسوس يظن فيما ليس ناقضاً للإسلام أو الصلاة أنه ناقض، ويدخل في ذلك أشياءاً كثيرة كذلك صار الأمر في مفهوم (الطعن) و (الإسقاط).
وصارت ظاهرة (تقديس المشايخ) أمراً لا تخطئه العين، والساحة بنفسها تدعم ذلك تارة باسم (الأدب) وتارة باسم (كيد العذال من المخالفين) وصار ذلك جزءاً من شخصية طالب العلم، حتى أنك لو فكرت بنقد ظاهرة تقديس المشايخ أو تقديس القدوات فإنك ستجد نفسك صرت مقدساً عند الشباب ناقدي تقديس المشايخ!
وهذه هي التهمة التي ستوجه لك مبدئياً أنك تريد أن تحل محل غيرك إذا نقدت هذه الظواهر، وهذا يذكرني بحال رجل شيعي ولا يرى الخمس في عصر الغيبة فأقنع شيعياً آخر بالأمر وأن الخمس ساقط عنهم فذاك الثاني اقتنع ثم قال بعدها: والآن أين أذهب بخمسي؟ هذا لأنه تغذى بأن خمس ماله ليس له حتى لو أقنعته أنه له سيفهم كلامك وكأنك تقول له غير مصرفه فقط، كذلك المتشبع بفكرة التقديس سيسمع كلامك وكأنك تقول: قدسني أنا أو تقول: دنس المشايخ بدلاً من أن تقدسهم، علماً أنهم ليسوا شيئاً واحداً فهناك من يستحق الزجر والتثريب بل والإسقاط أيضاً.
=
=
حين نتكلم عن التقديس فلسنا نتكلم عن إنسان ساذج يقدس إنساناً طيباً لواسطة شيطان جن أو إنس بينهما، وإنما نتكلم عن الإنسان العصري الذي يقيِّم القضايا بمعاييره الخاصة، فتجد المرأة المتأثرة بالنسوية -شعرت أم لم تشعر- تقيم الناس بحسب موافقتهم لأهوائها النسوية، والتي تكون متأثرة بالمتاح عندها مجتمعياً، فالنسوية مظاهرها تختلف من مجتمع إلى مجتمع، ثم تنظر في الشخصيات العلمية فتختار منهم واحداً يوافق معاييرها ثم بعد ذلك يتم الدخول في تقديسه حتى في قضايا علمية متخصصة يتم الدخول فيها، والقول فيها ليس بناءً على بحث مسبق وإنما للحفاظ على (الرمز).
وهناك من معاييره قضايا سياسية معينة أو اقتصادية أو غير ذلك.
الأمر يشبه أن تتابع فتاة مباراة لكرة القدم وتقيم اللاعبين بحسب وسامتهم وبعدهم الخشونة (ولا تفرق بين خشونة قانونية وغير قانونية)
لاعبو كرة القدم لن يغيروا سلوكهم لهذا الداعي ولكن من الدعاة من يفعل ذلك، ففي النهاية هم بشر وتداخلهم الفتن ، ويوجد كثير من العوام يقيمون الخلافيات العلمية بمعايير خاصة تشبه معايير تلك الفتاة التي تتابع المباراة.
وهناك طلبة العلم تراهم يذمون التعصب والتحزب وتقديس الشيوخ فتفرح بهم ثم تكتشف أنهم أصحاب موقف سلبي من نزاعات الناس، لا يدخلون فيها حتى لا يقال أنهم متحزبون ولو كان للعلم كلمة ويخافون أشد الخوف من الرمي بالتشدد والغلو وهم أكثر الفئات (أدلجة) مع دعواهم السلامة من المر، فالقيود التي حكموا بها أشد من قيود الحزب أو الجماعة (نستطيع أن نقول أن التابع والمتبوع اشتركت في فتنة بعضهم البعض).
انتشار التعصب للشيوخ لا يعني أن تأخذ موقفاً سلبياً من أي خلاف، فقد يختلف اثنان ويكون كلاهما مبطلاً، وقد يختلف اثنان ويكون أحدهما أحق بالصواب من صاحبه، أو يكون أحدهما أجرأ على الظلم والافتراء والكذب، فهنا كلمة الحق وشهادة الحق شجاعة وتقوى وليس خوضاً فيما لا فائدة فيه ولا معنى، هذا إن نظرنا للأمر الشخصي، فما بالك بالتحرير العلمي.
فما العصمة من كل هذا؟
العصمة هو سؤال الله عز وجل العصمة، وأن يملأ المرء قلبه بتعظيم الأوائل، ويعلم أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ويفهم أن المرء الواحد قد يجتمع فيه موجب مدح وموجب قدح، وقد يكون ممدوحاً مساوئه مغمورة في محاسنة وقد يكون العكس، وهذا كله يقيَّم بالعلم الموروث عن الأوائل لا أهواء الجماهير التي أنت أمامك، ما تفعل بهم المسلسلات والأفلام وحتى من لا يتابعها هو في مجتمع متأثر ما لم يحصن نفسه بعلم وتقوى.
حين نتكلم عن التقديس فلسنا نتكلم عن إنسان ساذج يقدس إنساناً طيباً لواسطة شيطان جن أو إنس بينهما، وإنما نتكلم عن الإنسان العصري الذي يقيِّم القضايا بمعاييره الخاصة، فتجد المرأة المتأثرة بالنسوية -شعرت أم لم تشعر- تقيم الناس بحسب موافقتهم لأهوائها النسوية، والتي تكون متأثرة بالمتاح عندها مجتمعياً، فالنسوية مظاهرها تختلف من مجتمع إلى مجتمع، ثم تنظر في الشخصيات العلمية فتختار منهم واحداً يوافق معاييرها ثم بعد ذلك يتم الدخول في تقديسه حتى في قضايا علمية متخصصة يتم الدخول فيها، والقول فيها ليس بناءً على بحث مسبق وإنما للحفاظ على (الرمز).
وهناك من معاييره قضايا سياسية معينة أو اقتصادية أو غير ذلك.
الأمر يشبه أن تتابع فتاة مباراة لكرة القدم وتقيم اللاعبين بحسب وسامتهم وبعدهم الخشونة (ولا تفرق بين خشونة قانونية وغير قانونية)
لاعبو كرة القدم لن يغيروا سلوكهم لهذا الداعي ولكن من الدعاة من يفعل ذلك، ففي النهاية هم بشر وتداخلهم الفتن ، ويوجد كثير من العوام يقيمون الخلافيات العلمية بمعايير خاصة تشبه معايير تلك الفتاة التي تتابع المباراة.
وهناك طلبة العلم تراهم يذمون التعصب والتحزب وتقديس الشيوخ فتفرح بهم ثم تكتشف أنهم أصحاب موقف سلبي من نزاعات الناس، لا يدخلون فيها حتى لا يقال أنهم متحزبون ولو كان للعلم كلمة ويخافون أشد الخوف من الرمي بالتشدد والغلو وهم أكثر الفئات (أدلجة) مع دعواهم السلامة من المر، فالقيود التي حكموا بها أشد من قيود الحزب أو الجماعة (نستطيع أن نقول أن التابع والمتبوع اشتركت في فتنة بعضهم البعض).
انتشار التعصب للشيوخ لا يعني أن تأخذ موقفاً سلبياً من أي خلاف، فقد يختلف اثنان ويكون كلاهما مبطلاً، وقد يختلف اثنان ويكون أحدهما أحق بالصواب من صاحبه، أو يكون أحدهما أجرأ على الظلم والافتراء والكذب، فهنا كلمة الحق وشهادة الحق شجاعة وتقوى وليس خوضاً فيما لا فائدة فيه ولا معنى، هذا إن نظرنا للأمر الشخصي، فما بالك بالتحرير العلمي.
فما العصمة من كل هذا؟
العصمة هو سؤال الله عز وجل العصمة، وأن يملأ المرء قلبه بتعظيم الأوائل، ويعلم أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ويفهم أن المرء الواحد قد يجتمع فيه موجب مدح وموجب قدح، وقد يكون ممدوحاً مساوئه مغمورة في محاسنة وقد يكون العكس، وهذا كله يقيَّم بالعلم الموروث عن الأوائل لا أهواء الجماهير التي أنت أمامك، ما تفعل بهم المسلسلات والأفلام وحتى من لا يتابعها هو في مجتمع متأثر ما لم يحصن نفسه بعلم وتقوى.