ثم ماذا ؟ أليس النار ؟
لماذا حد الردة؟
لماذا أحكام أهل الذمة؟
لماذا لا نُهنِّئ اليهود والنصارى بأعيادهم؟
يتساءل البعض وخلاصة تساؤلاتهم: لماذا لا نُعامِل الكافر معاملة المسلم من كل وجه؟
لنفرض أننا صنعنا لكم كل ما تريدون، وما صنعنا أي شيء يُذكِّر الكافر بكفره، بل أقررناه على ذلك إقرارًا مريحًا، فماذا بعد هذا كله وفقًا لعقيدتنا؟
أليس سيذهب للنار؟
قال تعالى: {أفرأيت إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} [الشعراء]
هذه الآية وكأنها تخاطب طارح هذه التساؤلات.
كل ما ترغب أن تعطيه للكفَّار لو أعطيتهم إياه وعشرة أضعافه معه لن يساوي شيئًا أمام عذاب الله.
ومن عاملهم بما تسمونه تمييزًا وكان في ذلك موعظة صامتة لهم ألا تستمروا على كفركم فإنه ينفعهم أكثر منكم.
نعم، هناك عدل وهناك إحسان بغرض الدعوة، وهناك أيضًا تشديد للغرض نفسه، فالدعوة ترغيب وترهيب، وأما تحييد المعاني الدينية وجعلها مجرد أمر شخصي فهذا لا يتناسب نهائيًّا مع اعتقادنا أن الدنيا مزرعة الآخرة وأنها وسيلة لا غاية.
لماذا حد الردة؟
لماذا أحكام أهل الذمة؟
لماذا لا نُهنِّئ اليهود والنصارى بأعيادهم؟
يتساءل البعض وخلاصة تساؤلاتهم: لماذا لا نُعامِل الكافر معاملة المسلم من كل وجه؟
لنفرض أننا صنعنا لكم كل ما تريدون، وما صنعنا أي شيء يُذكِّر الكافر بكفره، بل أقررناه على ذلك إقرارًا مريحًا، فماذا بعد هذا كله وفقًا لعقيدتنا؟
أليس سيذهب للنار؟
قال تعالى: {أفرأيت إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} [الشعراء]
هذه الآية وكأنها تخاطب طارح هذه التساؤلات.
كل ما ترغب أن تعطيه للكفَّار لو أعطيتهم إياه وعشرة أضعافه معه لن يساوي شيئًا أمام عذاب الله.
ومن عاملهم بما تسمونه تمييزًا وكان في ذلك موعظة صامتة لهم ألا تستمروا على كفركم فإنه ينفعهم أكثر منكم.
نعم، هناك عدل وهناك إحسان بغرض الدعوة، وهناك أيضًا تشديد للغرض نفسه، فالدعوة ترغيب وترهيب، وأما تحييد المعاني الدينية وجعلها مجرد أمر شخصي فهذا لا يتناسب نهائيًّا مع اعتقادنا أن الدنيا مزرعة الآخرة وأنها وسيلة لا غاية.
هذا الخبر ذكَّرني بالقصة المذكورة في إنجيل لوقا أن المسيح عليه الصلاة والسلام عالج امرأة يوم السبت.
فغضب منه رئيس المجمع اليهودي، فردَّ عليه المسيح قائلًا: يَا مُرَائِي! أَلاَ يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ مِنَ الْمِذْوَدِ وَيَمْضِي بِهِ وَيَسْقِيهِ؟ وَهذِهِ، وَهِيَ ابْنَةُ إِبْراهِيمَ، قَدْ رَبَطَهَا الشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هذَا الرِّبَاطِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟
وهذه قصة ليست مستبعدة الوقوع.
وما ذكره الأستاذ أحمد القاري وجيه، بل لو كان هذا عندنا لسخر منه العالمانيون والليبراليون واتخذوا منه وسيلة للطعن في التراث.
ولو عرضت عليهم أن اليهود لا يرون تهنئة النصارى بأعيادهم لسكتوا لخوفهم من أن يقال "معاداة سامية"، ولا يجرؤون على وصفهم بالتشدد أو خطاب الكراهية.
الأمر ليس قِيَمًا وإنما هو خنوع نفسي.
فغضب منه رئيس المجمع اليهودي، فردَّ عليه المسيح قائلًا: يَا مُرَائِي! أَلاَ يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ مِنَ الْمِذْوَدِ وَيَمْضِي بِهِ وَيَسْقِيهِ؟ وَهذِهِ، وَهِيَ ابْنَةُ إِبْراهِيمَ، قَدْ رَبَطَهَا الشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هذَا الرِّبَاطِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟
وهذه قصة ليست مستبعدة الوقوع.
وما ذكره الأستاذ أحمد القاري وجيه، بل لو كان هذا عندنا لسخر منه العالمانيون والليبراليون واتخذوا منه وسيلة للطعن في التراث.
ولو عرضت عليهم أن اليهود لا يرون تهنئة النصارى بأعيادهم لسكتوا لخوفهم من أن يقال "معاداة سامية"، ولا يجرؤون على وصفهم بالتشدد أو خطاب الكراهية.
الأمر ليس قِيَمًا وإنما هو خنوع نفسي.
ضحية استثنائية لحرية التعبير!
نشر موقع البي بي سي باللغة العربية تقريرًا للصحفية ميغا موهان مراسلة شؤون الهوية والجندر بتاريخ ٨ فبراير ٢٠٢٠.
عنوان التقرير: اغتصبوني وصوَّروا مقاطع فيديو ونشروها على موقع إباحي...
خلاصة التقرير أنه يحكي قصة الفتاة روز كاليمبا حيث تعرَّضت للاغتصاب وهي في الرابعة عشر من عمرها حيث اختطفها رجلان واغتصباها وضرباها ثم ذهبت إلى بيت أهلها بدمائها.
لم يصدقها عامة أهلها، وصدقها والدها فقط والممرضة التي عالجتها إذ قالت لها إن ابنتها أيضًا تعرضت لتجربة مماثلة (الاغتصاب).
والشرطة أيضًا تعاملوا ببرود وتساءلوا إن كان الأمر قد حدث بالتراضي وليس اغتصابًا (مع أنه يفترض أنها قاصر).
وعندما بدأت بالتعافي من الصدمة فوجئت بأن فيديو اغتصابها انتشر في عدد من المواقع الإباحية، ورآه الكثير من زملاء الدراسة، وصاروا يتنمرون عليها في المدرسة (زملاء الدراسة الذين أعمارهم لا تتجاوز الثامنة عشر زبائن متابعون بشراهة للمواقع الإباحية!).
والدها لم يعلم بأن مقطع اغتصاب ابنته انتشر، الفتاة كرهت نفسها حتى أنها صارت تغطي عامة المرايا في بيتها بالبطانية لكي لا ترى وجهها.
تُصوِّر الصحفية حادث الاغتصاب بقولها: ولكن، فجأة ظهر من وسط العتمة رجل أمامها وهو يحمل سكينًا، وأجبرها على ركوب سيارة تحت التهديد.
كان يجلس في مقعدها الخلفي رجل آخر يبلغ من العمر نحو ١٩ عامًا. بدا وجهه مألوفًا لها وسبق أن رأته في الحي.
اقتادها الرجلان إلى منزل في الجانب الآخر من البلدة وتناوبا على اغتصابها على مدار ١٢ ساعة، بينما قام رجل ثالث بتصوير أجزاء من حادث الاعتداء.
ظلت روز في حالة صدمة، وكانت تتنفس بصعوبة. لقد تعرضت لضرب مبرح وطُعنت في ساقها اليسرى، وكانت ملابسها مغطاة بالدماء. وفقدت الوعي غير مرة.
وفي مرحلة ما أثناء تعرضها للاعتداء، أخرج أحد الرجال حاسوبًا محمولًا وأراها فيديوهات لاعتداءات على نساء أخريات.
تقول روز "أنا من أثنية من السكان الأصليين" (في إشارة إلى سكان أمريكا قبل هجرة الأوروبيين إليها) و"كان المهاجمون من البيض ولهم بنيات قوية بشكل واضح. وبعض الضحايا كُنّ من البيض أيضًا، لكن الكثير من الضحايا النساء كنّ ملونات".
ولاحقًا بعد أن استعادت وعيها، هدَّدها أولئك الرجال بالقتل. وحاولت استجماع شجاعتها للتحدث معهم طالبة منهم إطلاق سراحها مقابل أنها لن تكشف عن هوياتهم، قائلة لا شيء سيحدث لكم ولن يعرف أحد بالأمر.
فأعادها الرجال إلى السيارة، ليُلقوا بها في أحد الشوارع على بعد نحو نصف ساعة سيرًا على الأقدام من منزلها.
وعند وصولها إلى مدخل باب منزلها، رأت نفسها في مرآة القاعة. كان هناك جرح بليغ في رأسها ما زال ينزف دمًا.
كان والدها رون وبعض أفراد الأسرة في غرفة المعيشة على وشك تناول طعام الغداء لحظة وصولها، فأخبرتهم بما جرى لها والدم يسيل من الجرح الذي في رأسها.
تقول روز: "اتصل والدي بالشرطة على الفور، وحاول تخفيف الهم عني مباشرة، بيد أن الآخرين لاموني على الخروج في وقت متأخر".
وفي غرفة الطوارئ استقبل طبيب وضابط شرطة روز التي قالت: "لقد تعامل الاثنان معي بطريقة غاية في الجفاء، وخالية من العواطف والإحساس".
سألها رجل الشرطة إن كان الأمر قد تم بالتراضي. وهل كان مجرد ليلة خرجت عن المألوف.
أقول: لما كتبَت تجربتها في مدونتها الشخصية تفاجأت بنساء كثيرات يذكرن أنهن تعرضن للأمر نفسه.
=
نشر موقع البي بي سي باللغة العربية تقريرًا للصحفية ميغا موهان مراسلة شؤون الهوية والجندر بتاريخ ٨ فبراير ٢٠٢٠.
عنوان التقرير: اغتصبوني وصوَّروا مقاطع فيديو ونشروها على موقع إباحي...
خلاصة التقرير أنه يحكي قصة الفتاة روز كاليمبا حيث تعرَّضت للاغتصاب وهي في الرابعة عشر من عمرها حيث اختطفها رجلان واغتصباها وضرباها ثم ذهبت إلى بيت أهلها بدمائها.
لم يصدقها عامة أهلها، وصدقها والدها فقط والممرضة التي عالجتها إذ قالت لها إن ابنتها أيضًا تعرضت لتجربة مماثلة (الاغتصاب).
والشرطة أيضًا تعاملوا ببرود وتساءلوا إن كان الأمر قد حدث بالتراضي وليس اغتصابًا (مع أنه يفترض أنها قاصر).
وعندما بدأت بالتعافي من الصدمة فوجئت بأن فيديو اغتصابها انتشر في عدد من المواقع الإباحية، ورآه الكثير من زملاء الدراسة، وصاروا يتنمرون عليها في المدرسة (زملاء الدراسة الذين أعمارهم لا تتجاوز الثامنة عشر زبائن متابعون بشراهة للمواقع الإباحية!).
والدها لم يعلم بأن مقطع اغتصاب ابنته انتشر، الفتاة كرهت نفسها حتى أنها صارت تغطي عامة المرايا في بيتها بالبطانية لكي لا ترى وجهها.
تُصوِّر الصحفية حادث الاغتصاب بقولها: ولكن، فجأة ظهر من وسط العتمة رجل أمامها وهو يحمل سكينًا، وأجبرها على ركوب سيارة تحت التهديد.
كان يجلس في مقعدها الخلفي رجل آخر يبلغ من العمر نحو ١٩ عامًا. بدا وجهه مألوفًا لها وسبق أن رأته في الحي.
اقتادها الرجلان إلى منزل في الجانب الآخر من البلدة وتناوبا على اغتصابها على مدار ١٢ ساعة، بينما قام رجل ثالث بتصوير أجزاء من حادث الاعتداء.
ظلت روز في حالة صدمة، وكانت تتنفس بصعوبة. لقد تعرضت لضرب مبرح وطُعنت في ساقها اليسرى، وكانت ملابسها مغطاة بالدماء. وفقدت الوعي غير مرة.
وفي مرحلة ما أثناء تعرضها للاعتداء، أخرج أحد الرجال حاسوبًا محمولًا وأراها فيديوهات لاعتداءات على نساء أخريات.
تقول روز "أنا من أثنية من السكان الأصليين" (في إشارة إلى سكان أمريكا قبل هجرة الأوروبيين إليها) و"كان المهاجمون من البيض ولهم بنيات قوية بشكل واضح. وبعض الضحايا كُنّ من البيض أيضًا، لكن الكثير من الضحايا النساء كنّ ملونات".
ولاحقًا بعد أن استعادت وعيها، هدَّدها أولئك الرجال بالقتل. وحاولت استجماع شجاعتها للتحدث معهم طالبة منهم إطلاق سراحها مقابل أنها لن تكشف عن هوياتهم، قائلة لا شيء سيحدث لكم ولن يعرف أحد بالأمر.
فأعادها الرجال إلى السيارة، ليُلقوا بها في أحد الشوارع على بعد نحو نصف ساعة سيرًا على الأقدام من منزلها.
وعند وصولها إلى مدخل باب منزلها، رأت نفسها في مرآة القاعة. كان هناك جرح بليغ في رأسها ما زال ينزف دمًا.
كان والدها رون وبعض أفراد الأسرة في غرفة المعيشة على وشك تناول طعام الغداء لحظة وصولها، فأخبرتهم بما جرى لها والدم يسيل من الجرح الذي في رأسها.
تقول روز: "اتصل والدي بالشرطة على الفور، وحاول تخفيف الهم عني مباشرة، بيد أن الآخرين لاموني على الخروج في وقت متأخر".
وفي غرفة الطوارئ استقبل طبيب وضابط شرطة روز التي قالت: "لقد تعامل الاثنان معي بطريقة غاية في الجفاء، وخالية من العواطف والإحساس".
سألها رجل الشرطة إن كان الأمر قد تم بالتراضي. وهل كان مجرد ليلة خرجت عن المألوف.
أقول: لما كتبَت تجربتها في مدونتها الشخصية تفاجأت بنساء كثيرات يذكرن أنهن تعرضن للأمر نفسه.
=
=
من الأمور التي لفتت نظري في المقال قولهم:
«وردًّا على سؤال عن سبب استمرار عرض مقاطع فيديو على الموقع تحمل عناوين مماثلة لتلك التي كانت تعرض عملية اغتصاب روز من أمثال: "اعتداء على مراهقة وهي نائمة"، أو "اعتداء على مراهقة في حالة سكر أثناء نومها"، أو "اعتداء قاسٍ على مراهقة"، قالت الشركة: "نحن نسمح بجميع أشكال التعبير عن الجنس التي تتبع شروط الاستخدام الخاصة بنا، وقد يجد بعض الناس هذه المشاهد غير مناسبة، لكنها قد تروق للكثيرين حول العالم، وهي محمية بمختلف قوانين حرية التعبير"».
تأمَّل "حرية التعبير"، تبرير هذا البلاء المبين باسم "حرية التعبير"، هذه القيم المحلقة الزائفة التي يستتر خلفها الجشع الرأسمالي البغيض والذي هو نقيض القيم الحقيقية.
وتعليقي على هذه القصة في عدة نقاط:
الأولى: تأمَّل قول الشرطيين الذي استغربته الفتاة: "هل كان هذا بالتراضي؟"، وهذه الضريبة التي يدفعها أي مجتمع يسمح بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج فإنه عند أي عملية اغتصاب أو تحرش يطرح هذا السؤال: هل كان الأمر بالتراضي؟
لأنه فعلًا يوجد عدد هائل من الرجال الذين يتعرضون لتشويه السمعة من خلال دعاوى اغتصاب أو تحرش كيدية، ويوجد نساء كثيرات يتعرضن للاغتصاب أو التحرش ولكن لا يمكنهن إثبات ذلك لأن الرجل يزعم أنها علاقة بالتراضي ويتطلب ذلك جلسات وقضايا وسلوك طريق متعب يؤْثِر كثير من الناس عدم سلوكه.
وتأمَّل أن هذه التي صُوِّرت سَلِم مَن فعل بها ذلك، فما بالك باللواتي لم يصوَّرن أصلًا! وما بالك بما هو دون الاغتصاب لمدة ١٢ ساعة!
كثير من النساء في مجتمعاتنا ينظرن لأحوال النساء الغربيات على أنها مثالية بناءً على تصوُّر احتمالية وجود غنم بلا غرم، وهذا خطأ فادح.
الثانية: الكاتبة والضحية ألقيا باللائمة على من لامها لخروجها في وقت متأخر أو الشرطة الذين سألوا عدة أسئلة لفهم حقيقة الأمر.
والواقع أن خروجها وحدَها في وقت متأخر خطأ سهَّل ارتكاب هذه الجريمة معها، ولومها على ذلك هو من باب مشاهدة مصلحتها، فنحن لا يمكننا إصلاح العالم ولكن يمكننا اتقاء شر أهل الشر وسد الذريعة عن الباطل.
ولكن الفكر النسوي مُحلِّق يعتبر أي لوم للضحية على خطأ ارتكبته فعلًا تبريرًا للجاني، وهذا خطأ، فالجاني لا أحد يبرر له، ولكن من يريد قطع الطريق عليه هو أكثر من يؤذيه حقيقةً ويعاقبه (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)، وقد تفرَّع عن هذا التصور الحالم جدلية التحرش والتبرج، وفجأة ظهر عندنا مبحث مُلحٌّ: (أيهما أشد التبرج أم التحرش) وكأنهما شيئان منفصلان ولا يوجد بينهما أي تناسب طردي!
الثالثة: المجتمع الذي تحصل فيه هذه الكوارث مليء بشعارات المساواة الليبرالية وخَطَوا خطوات كثيرة جدًّا فيما يسمونه "تحرير المرأة"، ومع ذلك ما انتهت مظلومية المرأة بل تولَّدت مظلومية جديدة. وتأمَّل حنو الأب وحديثها عن مساندة والدها علمًا أن المسيرة النسوية الليبرالية عامتها شعارها المعلن: "التحرر من السلطة الأبوية".
من الأمور التي لفتت نظري في المقال قولهم:
«وردًّا على سؤال عن سبب استمرار عرض مقاطع فيديو على الموقع تحمل عناوين مماثلة لتلك التي كانت تعرض عملية اغتصاب روز من أمثال: "اعتداء على مراهقة وهي نائمة"، أو "اعتداء على مراهقة في حالة سكر أثناء نومها"، أو "اعتداء قاسٍ على مراهقة"، قالت الشركة: "نحن نسمح بجميع أشكال التعبير عن الجنس التي تتبع شروط الاستخدام الخاصة بنا، وقد يجد بعض الناس هذه المشاهد غير مناسبة، لكنها قد تروق للكثيرين حول العالم، وهي محمية بمختلف قوانين حرية التعبير"».
تأمَّل "حرية التعبير"، تبرير هذا البلاء المبين باسم "حرية التعبير"، هذه القيم المحلقة الزائفة التي يستتر خلفها الجشع الرأسمالي البغيض والذي هو نقيض القيم الحقيقية.
وتعليقي على هذه القصة في عدة نقاط:
الأولى: تأمَّل قول الشرطيين الذي استغربته الفتاة: "هل كان هذا بالتراضي؟"، وهذه الضريبة التي يدفعها أي مجتمع يسمح بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج فإنه عند أي عملية اغتصاب أو تحرش يطرح هذا السؤال: هل كان الأمر بالتراضي؟
لأنه فعلًا يوجد عدد هائل من الرجال الذين يتعرضون لتشويه السمعة من خلال دعاوى اغتصاب أو تحرش كيدية، ويوجد نساء كثيرات يتعرضن للاغتصاب أو التحرش ولكن لا يمكنهن إثبات ذلك لأن الرجل يزعم أنها علاقة بالتراضي ويتطلب ذلك جلسات وقضايا وسلوك طريق متعب يؤْثِر كثير من الناس عدم سلوكه.
وتأمَّل أن هذه التي صُوِّرت سَلِم مَن فعل بها ذلك، فما بالك باللواتي لم يصوَّرن أصلًا! وما بالك بما هو دون الاغتصاب لمدة ١٢ ساعة!
كثير من النساء في مجتمعاتنا ينظرن لأحوال النساء الغربيات على أنها مثالية بناءً على تصوُّر احتمالية وجود غنم بلا غرم، وهذا خطأ فادح.
الثانية: الكاتبة والضحية ألقيا باللائمة على من لامها لخروجها في وقت متأخر أو الشرطة الذين سألوا عدة أسئلة لفهم حقيقة الأمر.
والواقع أن خروجها وحدَها في وقت متأخر خطأ سهَّل ارتكاب هذه الجريمة معها، ولومها على ذلك هو من باب مشاهدة مصلحتها، فنحن لا يمكننا إصلاح العالم ولكن يمكننا اتقاء شر أهل الشر وسد الذريعة عن الباطل.
ولكن الفكر النسوي مُحلِّق يعتبر أي لوم للضحية على خطأ ارتكبته فعلًا تبريرًا للجاني، وهذا خطأ، فالجاني لا أحد يبرر له، ولكن من يريد قطع الطريق عليه هو أكثر من يؤذيه حقيقةً ويعاقبه (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)، وقد تفرَّع عن هذا التصور الحالم جدلية التحرش والتبرج، وفجأة ظهر عندنا مبحث مُلحٌّ: (أيهما أشد التبرج أم التحرش) وكأنهما شيئان منفصلان ولا يوجد بينهما أي تناسب طردي!
الثالثة: المجتمع الذي تحصل فيه هذه الكوارث مليء بشعارات المساواة الليبرالية وخَطَوا خطوات كثيرة جدًّا فيما يسمونه "تحرير المرأة"، ومع ذلك ما انتهت مظلومية المرأة بل تولَّدت مظلومية جديدة. وتأمَّل حنو الأب وحديثها عن مساندة والدها علمًا أن المسيرة النسوية الليبرالية عامتها شعارها المعلن: "التحرر من السلطة الأبوية".
هنِّئوهم بـ (تقبل الله منا ومنكم).
أحد الدكاترة الذين كنت أراجع نفسي بوصفه بـ (العامي في الفقه) يصرُّ على توكيد هذا الأمر على نفسه.
اجتهد وأتعب نفسه في محاولة الاستدلال لإباحة تهنئة النصارى بأعيادهم فجاء بقياس لوذعي.
جاء بفتيا للإمام أحمد يسألونه عن رجل مشرك أراد أن يذبح ذبيحة لآلهته واختار مسلمًا ليذبح له، فأباح أحمد ذلك.
فقاس هذا الأمر على التهنئة فقال: إذا كان الفقهاء أجازوا ذبيحة المسلم التي أرادها المشرك لآلهته فكذلك يجوز تهنئتهم بأعيادهم!
هذه هي خلاصة مقالته، وقد أشاد بصاحبه الذي دله على هذه الفائدة العزيزة، علمًا أنه لو كان مستحضرًا لبحث ابن تيمية في المسألة في كتاب من أشهر كتبه (اقتضاء الصراط المستقيم) لما تفاجأ بالفائدة، ولَعَلِم أنه لا علاقة لهذه المسألة بموضوع التهنئة بل مأخذها مختلف تمامًا.
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم:
"فإن قيل: فقد نقل إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد عما يقرب لآلهتهم يذبحه رجل مسلم. قال: "لا بأس به".
قيل: إنما قال أحمد ذلك؛ لأن المسلم إذا ذبحه سمى الله عليه، ولم يقصد ذبحه لغير الله، ولا يسمي غيره، بل يقصد ضد ما قصده صاحب الشاة، فتصير نية صاحب الشاة لا أثر لها، والذابح هو المؤثر في الذبح، بدليل أن المسلم لو وكَّل كتابيًّا في ذبيحة، فسمى عليها غير الله لم تُبَح".
فالخلاصة أن الإباحة المشار إليها هي من باب تصحيح المسار، أي أن المشرك سيذبح هذه الذبيحة وسيذكر اسم آلهته عليها ويذبحها لهم.
فيأتي المسلم ويذبح الذبيحة ويذكر اسم الله عليها وينويها لله فيصحح المسار، وذبحه وذكر اسم الله عليها أقوى من نية المشرك.
بدليل أن الفقهاء لا يبيحون للمسلم أن يذكر عليها اسم غير الله، بل لو نسي ذكر الله وذبحها فكثير منهم لا يبيح الذبيحة.
وهذا ما ينبغي أن يفهمه أي مسلم من فتاوى الفقهاء، فإن الله تعالى يقول: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" وحرَّم ما أُهل لغير الله به، فكيف يباح للمسلم الإعانة على أعظم الشرك وهو الذبح لغير الله.
قال إسحاق بن منصور: قلت: سألت سفيان عن الرجل المسلم يدفع إليه المجوسي الشاة يذبحها لآلهته فيذبحها ويسمي أيأكل منه المسلم؟ قال: لا أرى به بأسًا.
قال أحمد: صدق.
قال إسحاق: لا يسع المسلم ذبحها على هذِه الحال، وأكره أكلها.
"مسائل الكوسج" (٢٨٤٧)
فتأمَّل اشتراط سفيان التسمية وتأمَّل كراهة إسحاق للذبيحة في هذه الحال (حال تصحيح المسار) لوجود نية المشرك. وإذا كان المعترض استفاد من كلام أحمد في الإباحة إباحةَ التهنئة بأعياد المشركين؛ فليستفد من كلام إسحاق النهي عن ذلك.
وإذا سرنا مع قياس المعترض فما الذي سيقوم مقام التسمية على الذبيحة في موضوع التهنئة؟
هل نقول لهم: تقبل الله منا ومنكم! على أنها تهنئة إسلامية لكي نصحح المسار في أمر أعياد المشركين!
أعياد القوم لها أيام خاصة تخالف أعياد المسلمين ولا يمكن للمسلم أن (يؤسلمها) كما يمكنه التسمية على ذبيحة باسم الله وحده.
ثم لماذا نخرِّج على كلام أحمد تخريجًا وهو له كلام واضح في عدم شهود أعياد المشركين (ولم تكن التهنئة مطروحة أصلًا).
قال الخلال في أحكام أهل الملل: باب في كراهة خروج المسلمين في أعياد المشركين:
١٢٦ - أَخْبَرَنِي محمد بن علي، قَالَ: حَدَّثَنَا مهنا، قَالَ: سألت أحمد عن شهود هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام، مثل طور تابوت، ودير أيوب، وأشباهه يشهده المسلمون؛ يشهدون الأسواق، ويجلبون فيه البقر والغنم، والدقيق والبر، وغير ذلك، إلا أنه إنما يكون في الأسواق يشترون، ولا يدخلون عليهم ببيعهم؟ قَالَ: إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم وإنما يشهدون السوق، فلا بأس.
١٢٧ - أَخْبَرَنَا محمد بن إسماعيل، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الرحمن بن حماد، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو قتيبة البصري، قَالَ: سمعت ابن سيرين يقول في قوله: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: ٧٢] قَالَ: هو: الشعانين.
فهنا أحمد نهى عن دخول بيعهم (البيعة مكان العبادة)، ونهي أحمد عن هذا لأنه من خصائصهم، وأبلغ من هذا تبادل التهاني معهم لأنه من الخصائص أيضًا.
وقال الخلال في السنة: حدثنا مسكين بن بكير، قال: ثنا ثابت بن عجلان، عن سليم أبي عامرة أن وفد الحمراء أتوا عثمان بن عفان يبايعونه على الإسلام، وعلى من وراءهم، فبايعهم على أن لا يشركوا بالله شيئًا، وأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويصوموا، ويدعوا عيد المجوس، فلما قالوا: نعم؟ بايَعَهم.
تأمَّل قول عثمان "ويدعوا عيد المجوس"، وهذا خبر ثابت وهو أعلى ما روي في الأمر.
=
أحد الدكاترة الذين كنت أراجع نفسي بوصفه بـ (العامي في الفقه) يصرُّ على توكيد هذا الأمر على نفسه.
اجتهد وأتعب نفسه في محاولة الاستدلال لإباحة تهنئة النصارى بأعيادهم فجاء بقياس لوذعي.
جاء بفتيا للإمام أحمد يسألونه عن رجل مشرك أراد أن يذبح ذبيحة لآلهته واختار مسلمًا ليذبح له، فأباح أحمد ذلك.
فقاس هذا الأمر على التهنئة فقال: إذا كان الفقهاء أجازوا ذبيحة المسلم التي أرادها المشرك لآلهته فكذلك يجوز تهنئتهم بأعيادهم!
هذه هي خلاصة مقالته، وقد أشاد بصاحبه الذي دله على هذه الفائدة العزيزة، علمًا أنه لو كان مستحضرًا لبحث ابن تيمية في المسألة في كتاب من أشهر كتبه (اقتضاء الصراط المستقيم) لما تفاجأ بالفائدة، ولَعَلِم أنه لا علاقة لهذه المسألة بموضوع التهنئة بل مأخذها مختلف تمامًا.
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم:
"فإن قيل: فقد نقل إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد عما يقرب لآلهتهم يذبحه رجل مسلم. قال: "لا بأس به".
قيل: إنما قال أحمد ذلك؛ لأن المسلم إذا ذبحه سمى الله عليه، ولم يقصد ذبحه لغير الله، ولا يسمي غيره، بل يقصد ضد ما قصده صاحب الشاة، فتصير نية صاحب الشاة لا أثر لها، والذابح هو المؤثر في الذبح، بدليل أن المسلم لو وكَّل كتابيًّا في ذبيحة، فسمى عليها غير الله لم تُبَح".
فالخلاصة أن الإباحة المشار إليها هي من باب تصحيح المسار، أي أن المشرك سيذبح هذه الذبيحة وسيذكر اسم آلهته عليها ويذبحها لهم.
فيأتي المسلم ويذبح الذبيحة ويذكر اسم الله عليها وينويها لله فيصحح المسار، وذبحه وذكر اسم الله عليها أقوى من نية المشرك.
بدليل أن الفقهاء لا يبيحون للمسلم أن يذكر عليها اسم غير الله، بل لو نسي ذكر الله وذبحها فكثير منهم لا يبيح الذبيحة.
وهذا ما ينبغي أن يفهمه أي مسلم من فتاوى الفقهاء، فإن الله تعالى يقول: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" وحرَّم ما أُهل لغير الله به، فكيف يباح للمسلم الإعانة على أعظم الشرك وهو الذبح لغير الله.
قال إسحاق بن منصور: قلت: سألت سفيان عن الرجل المسلم يدفع إليه المجوسي الشاة يذبحها لآلهته فيذبحها ويسمي أيأكل منه المسلم؟ قال: لا أرى به بأسًا.
قال أحمد: صدق.
قال إسحاق: لا يسع المسلم ذبحها على هذِه الحال، وأكره أكلها.
"مسائل الكوسج" (٢٨٤٧)
فتأمَّل اشتراط سفيان التسمية وتأمَّل كراهة إسحاق للذبيحة في هذه الحال (حال تصحيح المسار) لوجود نية المشرك. وإذا كان المعترض استفاد من كلام أحمد في الإباحة إباحةَ التهنئة بأعياد المشركين؛ فليستفد من كلام إسحاق النهي عن ذلك.
وإذا سرنا مع قياس المعترض فما الذي سيقوم مقام التسمية على الذبيحة في موضوع التهنئة؟
هل نقول لهم: تقبل الله منا ومنكم! على أنها تهنئة إسلامية لكي نصحح المسار في أمر أعياد المشركين!
أعياد القوم لها أيام خاصة تخالف أعياد المسلمين ولا يمكن للمسلم أن (يؤسلمها) كما يمكنه التسمية على ذبيحة باسم الله وحده.
ثم لماذا نخرِّج على كلام أحمد تخريجًا وهو له كلام واضح في عدم شهود أعياد المشركين (ولم تكن التهنئة مطروحة أصلًا).
قال الخلال في أحكام أهل الملل: باب في كراهة خروج المسلمين في أعياد المشركين:
١٢٦ - أَخْبَرَنِي محمد بن علي، قَالَ: حَدَّثَنَا مهنا، قَالَ: سألت أحمد عن شهود هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام، مثل طور تابوت، ودير أيوب، وأشباهه يشهده المسلمون؛ يشهدون الأسواق، ويجلبون فيه البقر والغنم، والدقيق والبر، وغير ذلك، إلا أنه إنما يكون في الأسواق يشترون، ولا يدخلون عليهم ببيعهم؟ قَالَ: إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم وإنما يشهدون السوق، فلا بأس.
١٢٧ - أَخْبَرَنَا محمد بن إسماعيل، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الرحمن بن حماد، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو قتيبة البصري، قَالَ: سمعت ابن سيرين يقول في قوله: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: ٧٢] قَالَ: هو: الشعانين.
فهنا أحمد نهى عن دخول بيعهم (البيعة مكان العبادة)، ونهي أحمد عن هذا لأنه من خصائصهم، وأبلغ من هذا تبادل التهاني معهم لأنه من الخصائص أيضًا.
وقال الخلال في السنة: حدثنا مسكين بن بكير، قال: ثنا ثابت بن عجلان، عن سليم أبي عامرة أن وفد الحمراء أتوا عثمان بن عفان يبايعونه على الإسلام، وعلى من وراءهم، فبايعهم على أن لا يشركوا بالله شيئًا، وأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويصوموا، ويدعوا عيد المجوس، فلما قالوا: نعم؟ بايَعَهم.
تأمَّل قول عثمان "ويدعوا عيد المجوس"، وهذا خبر ثابت وهو أعلى ما روي في الأمر.
=
قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن حلق القفا؟
فقال: هو من فعل المجوس، "ومن تشبه بقوم فهو منهم".
"الورع" (٥٨٥)
فهذا كلام أحمد بحلق القفا فكيف بالتهنئة بالعيد الديني؟ وتأمَّل استدلاله بحديث "من تشبه بقوم فهو منهم" وهو الإمام العارف بما يستدل به وما لا يستدل به.
قال ابن هانئ: وسئل عن نصارى أوقفوا ضيعة للبيعة، أيستأجرها الرجل المسلم منهم؟
قال: لا يأخذها بشيء. لا يعينهم على ما هم فيه.
"مسائل ابن هانئ" (١٢٩٤)
فهنا أحمد يكره مجرد استئجارك من أرض أُوقف مالها للكنيسة، وقياس هذا على تحريم المشاركة في المناسبة الدينية لهم أولى من قياس ذبح ذبيحة كانوا سيسمون عليها اسم غير الله فجئت أنت وسميت عليها اسم الله! أو ذبيحة كتابي أبيحت بنص خاص وليس في أكلها في بيتك شبهة مشاركة، وأما التهنئة فواضح أنها أمر زائد على هذا كله، فالتهنئة تقاس على أن تسمي بتسميتهم أو تدخل معهم كنيستهم في عيدهم أو وقت صلاتهم وتُظهِر الاغتباط لذلك.
ومن يتأمَّل مقال هذا الكاتب يجد جليًّا موضوع الاعتقاد ثم الاستدلال، فهو كان يجيز الأمر من البداية تأثُّرًا بثقافة سائدة هو يسير عليها في كل الأبحاث، ثم بعد ذلك يبحث في كتب التراث عن أشبه شيء بهذا الذي يعتقده ويطرح ما سواه وإن كان مثله في القوة أو أقوى منه رواية ودراية، وهذا باختصار هو (الهوى).
فقال: هو من فعل المجوس، "ومن تشبه بقوم فهو منهم".
"الورع" (٥٨٥)
فهذا كلام أحمد بحلق القفا فكيف بالتهنئة بالعيد الديني؟ وتأمَّل استدلاله بحديث "من تشبه بقوم فهو منهم" وهو الإمام العارف بما يستدل به وما لا يستدل به.
قال ابن هانئ: وسئل عن نصارى أوقفوا ضيعة للبيعة، أيستأجرها الرجل المسلم منهم؟
قال: لا يأخذها بشيء. لا يعينهم على ما هم فيه.
"مسائل ابن هانئ" (١٢٩٤)
فهنا أحمد يكره مجرد استئجارك من أرض أُوقف مالها للكنيسة، وقياس هذا على تحريم المشاركة في المناسبة الدينية لهم أولى من قياس ذبح ذبيحة كانوا سيسمون عليها اسم غير الله فجئت أنت وسميت عليها اسم الله! أو ذبيحة كتابي أبيحت بنص خاص وليس في أكلها في بيتك شبهة مشاركة، وأما التهنئة فواضح أنها أمر زائد على هذا كله، فالتهنئة تقاس على أن تسمي بتسميتهم أو تدخل معهم كنيستهم في عيدهم أو وقت صلاتهم وتُظهِر الاغتباط لذلك.
ومن يتأمَّل مقال هذا الكاتب يجد جليًّا موضوع الاعتقاد ثم الاستدلال، فهو كان يجيز الأمر من البداية تأثُّرًا بثقافة سائدة هو يسير عليها في كل الأبحاث، ثم بعد ذلك يبحث في كتب التراث عن أشبه شيء بهذا الذي يعتقده ويطرح ما سواه وإن كان مثله في القوة أو أقوى منه رواية ودراية، وهذا باختصار هو (الهوى).
رد الأنبا أغاثون على من يجيز الاحتفال بأعياد الكاثوليك!
نُشر مقال في مجلة النديم في يوم الأربعاء ١٢ حزيران ٢٠١٩ تحت عنوان: هل يرفض الأقباط توحيد الأعياد مع الكاثوليك؟
ونص المقال:
أثارت تصريحات البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عن مقترح بشأن توحيد موعد الأعياد بين الكنائس الغربية والفاتيكان، خلال جولته الرعوية الأخيرة، جدلًا واسعًا، فيما قرر المجمع المقدس مناقشة الأمر خلال جلساته المقبلة كما ذكرت صحيفة الدستور.
بحث من الأنبا أغاثون لرفض المقترح
من ناحية، أعدَّ الأنبا أغاثون أسقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمغاغة، بحثًا للرد على مقترح توحيد الأعياد مع الكنائس الغربية ليتم تقديمه خلال جلسات المجمع المقدس، ليعبر عن آراء عدد من الأقباط والأساقفة الرافضين لهذا الأمر بدون دراسة جيدة بشأن وحدة الإيمان.
وقال الأنبا أغاثون خلال بحثه عن توحيد الأعياد إن التوحيد يجب أن يكون من خلال الإيمان الواحد أولا، وذلك لم يحدث خاصة عند انقسام الكنيسة بعام ٤٥١م، من خلال مجمع خلقدونية وحتى الآن، وأصبحت أعيادنا مختلفة عن الكنائس الغربية في موعدها، حيث تحتفل الكنائس الأرثوذكسية في موعد آخر غير الكاثوليكية منذ ذلك الوقت.
وتابع قائلًا: ”إذا تحدثنا عن توحيد موعد الأعياد علينا أن نتجه إلى حوار لاهوتي مع الكنائس التي تريد الحوار معنا، وذلك من خلال لجان المجمع المقدس الذي يترأسها البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لدعم وحدانية الإيمان، وإذا لم يحدث ذلك الأمر تظل كل كنيسة على وضعها بمواعيد أعيادها.
وأوضح أنه لا تصلح الوحدة بالأعياد قبل الوحدة بالإيمان لأن الأعياد جانب من التقليد المقدس المسلم للكنيسة منذ آبائنا القديسين ولا يجوز المساس بالأعياد سواء بالتعديل أو بالتغيير لأنه تقليد مقدس ثابت، حيث تحدث بولس الرسول بهذا الشأن قائلًا: ”اثبتوا إذن أيها الأخوة وتمسكوا بالتقاليد التي تعلمتموها سواء بالكلام أو برسالتنا".
وأشار إلى أن هذا التوحيد قد يؤدي إلى انقسام داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ويمثل خطورة بالغة على وحدة الكنيسة وسلامتها، وقد يعتقد البعض إن هذه الخطوة هي وحدة كاملة مع الكنائس الأخرى، مؤكدًا أن الأعياد المسيحية مرتبطة بالتقويم القبطي الذي هو امتداد للتقويم المصري القديم.
أقول: كلامه يصلح للرد على بني جلدتنا المبيحين تهنئة القوم بأعيادهم والاحتفال معهم.
فهو يصرِّح أن أمر العيد أمر ديني عقائدي.
ويبين أنه لا بد من توحيد الإيمان أولًا حتى تتوحد الأعياد! (وهذه لفتة جيدة، إذ لا يصلح أن تأتي لمناسبة دينية عقدية فتأخذ منها الجزء الاحتفالي وتترك الجزء العقائدي لتكرس الدين والعقيدة لأجل مشاريع سياسية، هذا تلاعب في التعامل مع الدين).
وبيَّن أن مثل هذا الأمر سيُحدِث شرخًا وخلافًا في الكنيسة الأرثوذكسية، وهذه لفتة جيدة أيضًا.
وهذا يشبه حال بعض الناس عندنا، لكي يكسب البعيد المخالف له عقائديًّا يُحدِث سجالات شديدة بين أبناء الدين الواحد بأطروحاته، فيُبعِد القريب لكي يكسب البعيد، والواقع أنه لا يرضى عنه إلا من هو على مذهبه، هذا يشبه من يضحي برأس المال لكي ينال ربحًا غير مضمون وفِي أقصى حالاته هو يساوي رأس المال المفقود، فتكون عملية مخاطرة فارغة (عامة المشاريع التنويرية والحداثية والتوافقية الحركية تسير على هذا الحمق الذي كما ترى يتنزه عنه حتى بعض عُبَّاد الصليب).
بل الأمر أعمق، فأنت لا تُحصِّل ربحًا كاملًا، فأنت كان عندك مسلمون ونصارى أو كاثوليك وأرثوذكس، ثم بعد جدل التهنئة يبقى المسلمون مسلمين والنصارى نصارى والكاثوليك كاثوليك والأرثوذكس أرثوذكس، ولكن يزيد عندك انقسام بين المسلمين أو الأرثوذكس حول الاحتفال، فهكذا أنت زدت أسباب الخلاف، كمن يُطفئ النار بالنفط.
وأخيرًا: بعض الناس ينكر الاحتفال بحجية الخصوصية الثقافية، بمعنى أنا لا أدخل في ثقافة غيري وغيري لا يدخل في ثقافتي، والذي ينبغي هو الإنكار في سياق استعلائي: أنا لا أدخل في ثقافته لأنني حق وهو باطل، فإن هو فعل فذلك خير له وأنا لا أفعل، وإلا فما فائدة إيماننا بالجنة والنار!
نُشر مقال في مجلة النديم في يوم الأربعاء ١٢ حزيران ٢٠١٩ تحت عنوان: هل يرفض الأقباط توحيد الأعياد مع الكاثوليك؟
ونص المقال:
أثارت تصريحات البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عن مقترح بشأن توحيد موعد الأعياد بين الكنائس الغربية والفاتيكان، خلال جولته الرعوية الأخيرة، جدلًا واسعًا، فيما قرر المجمع المقدس مناقشة الأمر خلال جلساته المقبلة كما ذكرت صحيفة الدستور.
بحث من الأنبا أغاثون لرفض المقترح
من ناحية، أعدَّ الأنبا أغاثون أسقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمغاغة، بحثًا للرد على مقترح توحيد الأعياد مع الكنائس الغربية ليتم تقديمه خلال جلسات المجمع المقدس، ليعبر عن آراء عدد من الأقباط والأساقفة الرافضين لهذا الأمر بدون دراسة جيدة بشأن وحدة الإيمان.
وقال الأنبا أغاثون خلال بحثه عن توحيد الأعياد إن التوحيد يجب أن يكون من خلال الإيمان الواحد أولا، وذلك لم يحدث خاصة عند انقسام الكنيسة بعام ٤٥١م، من خلال مجمع خلقدونية وحتى الآن، وأصبحت أعيادنا مختلفة عن الكنائس الغربية في موعدها، حيث تحتفل الكنائس الأرثوذكسية في موعد آخر غير الكاثوليكية منذ ذلك الوقت.
وتابع قائلًا: ”إذا تحدثنا عن توحيد موعد الأعياد علينا أن نتجه إلى حوار لاهوتي مع الكنائس التي تريد الحوار معنا، وذلك من خلال لجان المجمع المقدس الذي يترأسها البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لدعم وحدانية الإيمان، وإذا لم يحدث ذلك الأمر تظل كل كنيسة على وضعها بمواعيد أعيادها.
وأوضح أنه لا تصلح الوحدة بالأعياد قبل الوحدة بالإيمان لأن الأعياد جانب من التقليد المقدس المسلم للكنيسة منذ آبائنا القديسين ولا يجوز المساس بالأعياد سواء بالتعديل أو بالتغيير لأنه تقليد مقدس ثابت، حيث تحدث بولس الرسول بهذا الشأن قائلًا: ”اثبتوا إذن أيها الأخوة وتمسكوا بالتقاليد التي تعلمتموها سواء بالكلام أو برسالتنا".
وأشار إلى أن هذا التوحيد قد يؤدي إلى انقسام داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ويمثل خطورة بالغة على وحدة الكنيسة وسلامتها، وقد يعتقد البعض إن هذه الخطوة هي وحدة كاملة مع الكنائس الأخرى، مؤكدًا أن الأعياد المسيحية مرتبطة بالتقويم القبطي الذي هو امتداد للتقويم المصري القديم.
أقول: كلامه يصلح للرد على بني جلدتنا المبيحين تهنئة القوم بأعيادهم والاحتفال معهم.
فهو يصرِّح أن أمر العيد أمر ديني عقائدي.
ويبين أنه لا بد من توحيد الإيمان أولًا حتى تتوحد الأعياد! (وهذه لفتة جيدة، إذ لا يصلح أن تأتي لمناسبة دينية عقدية فتأخذ منها الجزء الاحتفالي وتترك الجزء العقائدي لتكرس الدين والعقيدة لأجل مشاريع سياسية، هذا تلاعب في التعامل مع الدين).
وبيَّن أن مثل هذا الأمر سيُحدِث شرخًا وخلافًا في الكنيسة الأرثوذكسية، وهذه لفتة جيدة أيضًا.
وهذا يشبه حال بعض الناس عندنا، لكي يكسب البعيد المخالف له عقائديًّا يُحدِث سجالات شديدة بين أبناء الدين الواحد بأطروحاته، فيُبعِد القريب لكي يكسب البعيد، والواقع أنه لا يرضى عنه إلا من هو على مذهبه، هذا يشبه من يضحي برأس المال لكي ينال ربحًا غير مضمون وفِي أقصى حالاته هو يساوي رأس المال المفقود، فتكون عملية مخاطرة فارغة (عامة المشاريع التنويرية والحداثية والتوافقية الحركية تسير على هذا الحمق الذي كما ترى يتنزه عنه حتى بعض عُبَّاد الصليب).
بل الأمر أعمق، فأنت لا تُحصِّل ربحًا كاملًا، فأنت كان عندك مسلمون ونصارى أو كاثوليك وأرثوذكس، ثم بعد جدل التهنئة يبقى المسلمون مسلمين والنصارى نصارى والكاثوليك كاثوليك والأرثوذكس أرثوذكس، ولكن يزيد عندك انقسام بين المسلمين أو الأرثوذكس حول الاحتفال، فهكذا أنت زدت أسباب الخلاف، كمن يُطفئ النار بالنفط.
وأخيرًا: بعض الناس ينكر الاحتفال بحجية الخصوصية الثقافية، بمعنى أنا لا أدخل في ثقافة غيري وغيري لا يدخل في ثقافتي، والذي ينبغي هو الإنكار في سياق استعلائي: أنا لا أدخل في ثقافته لأنني حق وهو باطل، فإن هو فعل فذلك خير له وأنا لا أفعل، وإلا فما فائدة إيماننا بالجنة والنار!
عوام الإمامية أفقه من السيستاني في هذه المسألة!
كنت قد سمعت قصة من بعض كبار السن تتحدث عن قرية شيعية في العراق حصلت فيها جريمة قتل إذ وجدوا رجلًا مقتولًا في بستانه، فقام رجلان وشهدا عند القاضي (وكان مصريًّا) أنهما رأيا فلانًا بن فلان يقتل ذلك الرجل، وحلفا على ذلك أيمان الشهادة.
فجاء الرجل المتهم وقال للقاضي: ليحلفا بحق فوادة أم هاشم. وهي امرأة علوية تُعبَد من دون الله في العراق، فلما طلب منهما القاضي ذلك امتنعا عن الحلف وأظهرا النكول، فقد استسهلا الحلف بالله كذبًا ولكنهما خافا ممن يريانها ولية!
هذه القصة قد تبدو طريفة وعجيبة، ولكن الأعجب إذا علمت قول فقهاء الشيعة المعاصرين في هذه المسألة، فهم يرون الحلف بفوادة أم هاشم لا تنعقد به الشهادة ولكنه في الوقت نفسه جائز!
جاء في منهاج الصالحين للسيستاني (مرجع الشيعة الأكبر اليوم): مسألة ٦٩١: "يجوز الحلف بالنبيّ -صلّى الله عليه وآله- والأئمّة -عليهم السلام- وسائر النفوس المقدّسة وبالقرآن الشريف والكعبة المعظّمة وسائر الأمكنة المحترمة، ولكن لا تنعقد اليمين بالحلف بها ولا يترتّب على مخالفتها إثم ولا كفّارة".
فإن قيل: ما وجه الغرابة في قول السيستاني؟
فيقال: قولك هذا يمين جائز ولكن لا يترتب الإثم على الخلف به ولا تنبني عليه أحكام كقولك هذا عقد نكاح صحيح ولكن لا يترتب عليه صحة نسب الأبناء من هذا النكاح أو كقولك هذا بيع صحيح ولا يترتب عليه نقل الملكية من البائع إلى المبتاع.
هذا ضرب من ضروب السفسطة التي لا يعرفها الفقهاء، بل بعض العقود غير الصحيحة كنكاح الشبهة قد يترتب عليه بعض الآثار لاعتبار الشبهة فيه، أما أن يكون الشيء صحيحًا أو جائزًا ولا تترتب عليه أي آثار فهذا ما لم يقل به عاقل قط.
والسبب في قول السيستاني هذا أن الشيعة أدمنوا الحلف بغير الله فقام فقاؤهم وأحلُّوا لهم ذلك بالتمحلات، ثم لما نظروا في كلام فقهائهم القدامى وجدوهم مجمعين على المنع من اعتبار الحلف بغير الله يمينًا منعقدة لأنه حرام عندهم.
فلفَّقوا بين إجماع علمائهم ومداهنتهم للعوام فخرجوا بهذا القول الغريب.
لهذا تجد عوامهم لا يؤمنون بهذا التفصيل ويحلفون بغير الله حتى عند القضاة أو عند النزاعات ويظنونها يمينًا منعقدة، ويظنون أنهم إن لم يبروا بهذا القسم فإنهم يأثمون وتلحقهم العقوبة، وتأمل قول السيستاني أنهم لا يأثمون بمخالفة هذا اليمين، فكيف تلزم العقوبة على شيء لا يأثم فيه المرء؟ ثم الكذب دائمًا صاحبه آثم، فكيف إن أكَّد بيمين ولو غير منعقدة؟!
قال الخميني في تحرير الوسيلة: "لا يصح الحلف ولا يترتب عليه أثر من إسقاط حق أو إثباته إلا أن يكون بالله تعالى أو بأسمائه الخاصة به تعالى كالرحمن والقديم والأول الذي ليس قبله شيء، وكذا الأوصاف المشتركة المنصرفة إليه تعالى كالرازق والخالق، بل الأوصاف غير المنصرفة إذا ضم إليها ما يجعلها مختصة به، والأحوط عدم الاكتفاء بالأخير، وأحوط منه عدم الاكتفاء بغير الجلالة ولا يصح بغيره تعالى كالأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة والأماكن المقدسة كالكعبة وغيرها".
وجاء في كتاب التنقيح الرائع لمختصر الشرائع لجمال الدين الحلي المتوفى عام ٨٢٦ في باب الإيلاء:
«أجمع أصحابنا على أنه لا حكم لليمين إلا أن يكون بالله سبحانه لوجوه:
الأول: أن القسم يستلزم تعظيمًا لذلك الشيء المقسم به، ولما لم يكن مستحق للتعظيم المطلق وبالذات سوى الله لم يجز القسم إلا به.
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليذر". (وعزا في الحاشية لجامع الترمذي)
الثالث: قول الباقر عليه السلام في رواية ابن مسلم: "إن الله يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به"».
وذكر خلافهم في اليمين بـ (حق الله)، وأن ابن الجنيد من متقدميهم خرَّج عليها الحقوق التي عظمها الله بمعنى أنك تحلف بصفة الله، ونزاعهم الشديد في ذلك، وظاهر كلامه هنا تحريم الحلف بغير الله، وهذا يتسق تمامًا مع عدم انعقاد اليمين به.
فالعوام الإمامية يرون جواز اليمين بغير الله ويرونها منعقدة، وفقهاؤهم القدامى لا يرونها جائزة ولا منعقدة.
وأما الفقهاء المعاصرون منهم فيقولون بالجواز ولا يرون انعقاد اليمين بذلك، وهذه مقالة متناقضة ظاهرة التناقض، وسبحان الله كيف أن البدعة تتسع في الناس.
كنت قد سمعت قصة من بعض كبار السن تتحدث عن قرية شيعية في العراق حصلت فيها جريمة قتل إذ وجدوا رجلًا مقتولًا في بستانه، فقام رجلان وشهدا عند القاضي (وكان مصريًّا) أنهما رأيا فلانًا بن فلان يقتل ذلك الرجل، وحلفا على ذلك أيمان الشهادة.
فجاء الرجل المتهم وقال للقاضي: ليحلفا بحق فوادة أم هاشم. وهي امرأة علوية تُعبَد من دون الله في العراق، فلما طلب منهما القاضي ذلك امتنعا عن الحلف وأظهرا النكول، فقد استسهلا الحلف بالله كذبًا ولكنهما خافا ممن يريانها ولية!
هذه القصة قد تبدو طريفة وعجيبة، ولكن الأعجب إذا علمت قول فقهاء الشيعة المعاصرين في هذه المسألة، فهم يرون الحلف بفوادة أم هاشم لا تنعقد به الشهادة ولكنه في الوقت نفسه جائز!
جاء في منهاج الصالحين للسيستاني (مرجع الشيعة الأكبر اليوم): مسألة ٦٩١: "يجوز الحلف بالنبيّ -صلّى الله عليه وآله- والأئمّة -عليهم السلام- وسائر النفوس المقدّسة وبالقرآن الشريف والكعبة المعظّمة وسائر الأمكنة المحترمة، ولكن لا تنعقد اليمين بالحلف بها ولا يترتّب على مخالفتها إثم ولا كفّارة".
فإن قيل: ما وجه الغرابة في قول السيستاني؟
فيقال: قولك هذا يمين جائز ولكن لا يترتب الإثم على الخلف به ولا تنبني عليه أحكام كقولك هذا عقد نكاح صحيح ولكن لا يترتب عليه صحة نسب الأبناء من هذا النكاح أو كقولك هذا بيع صحيح ولا يترتب عليه نقل الملكية من البائع إلى المبتاع.
هذا ضرب من ضروب السفسطة التي لا يعرفها الفقهاء، بل بعض العقود غير الصحيحة كنكاح الشبهة قد يترتب عليه بعض الآثار لاعتبار الشبهة فيه، أما أن يكون الشيء صحيحًا أو جائزًا ولا تترتب عليه أي آثار فهذا ما لم يقل به عاقل قط.
والسبب في قول السيستاني هذا أن الشيعة أدمنوا الحلف بغير الله فقام فقاؤهم وأحلُّوا لهم ذلك بالتمحلات، ثم لما نظروا في كلام فقهائهم القدامى وجدوهم مجمعين على المنع من اعتبار الحلف بغير الله يمينًا منعقدة لأنه حرام عندهم.
فلفَّقوا بين إجماع علمائهم ومداهنتهم للعوام فخرجوا بهذا القول الغريب.
لهذا تجد عوامهم لا يؤمنون بهذا التفصيل ويحلفون بغير الله حتى عند القضاة أو عند النزاعات ويظنونها يمينًا منعقدة، ويظنون أنهم إن لم يبروا بهذا القسم فإنهم يأثمون وتلحقهم العقوبة، وتأمل قول السيستاني أنهم لا يأثمون بمخالفة هذا اليمين، فكيف تلزم العقوبة على شيء لا يأثم فيه المرء؟ ثم الكذب دائمًا صاحبه آثم، فكيف إن أكَّد بيمين ولو غير منعقدة؟!
قال الخميني في تحرير الوسيلة: "لا يصح الحلف ولا يترتب عليه أثر من إسقاط حق أو إثباته إلا أن يكون بالله تعالى أو بأسمائه الخاصة به تعالى كالرحمن والقديم والأول الذي ليس قبله شيء، وكذا الأوصاف المشتركة المنصرفة إليه تعالى كالرازق والخالق، بل الأوصاف غير المنصرفة إذا ضم إليها ما يجعلها مختصة به، والأحوط عدم الاكتفاء بالأخير، وأحوط منه عدم الاكتفاء بغير الجلالة ولا يصح بغيره تعالى كالأنبياء والأوصياء والكتب المنزلة والأماكن المقدسة كالكعبة وغيرها".
وجاء في كتاب التنقيح الرائع لمختصر الشرائع لجمال الدين الحلي المتوفى عام ٨٢٦ في باب الإيلاء:
«أجمع أصحابنا على أنه لا حكم لليمين إلا أن يكون بالله سبحانه لوجوه:
الأول: أن القسم يستلزم تعظيمًا لذلك الشيء المقسم به، ولما لم يكن مستحق للتعظيم المطلق وبالذات سوى الله لم يجز القسم إلا به.
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليذر". (وعزا في الحاشية لجامع الترمذي)
الثالث: قول الباقر عليه السلام في رواية ابن مسلم: "إن الله يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به"».
وذكر خلافهم في اليمين بـ (حق الله)، وأن ابن الجنيد من متقدميهم خرَّج عليها الحقوق التي عظمها الله بمعنى أنك تحلف بصفة الله، ونزاعهم الشديد في ذلك، وظاهر كلامه هنا تحريم الحلف بغير الله، وهذا يتسق تمامًا مع عدم انعقاد اليمين به.
فالعوام الإمامية يرون جواز اليمين بغير الله ويرونها منعقدة، وفقهاؤهم القدامى لا يرونها جائزة ولا منعقدة.
وأما الفقهاء المعاصرون منهم فيقولون بالجواز ولا يرون انعقاد اليمين بذلك، وهذه مقالة متناقضة ظاهرة التناقض، وسبحان الله كيف أن البدعة تتسع في الناس.