هذا النقل منتشر في الناس انتشار النار في الهشيم.
وهو مقصوص مبتور، فما الذي بُتر منه؟
النص في «الفتاوى الهندية» وعن الفتاوى الهندية نقله ابن الهمام في «فتح القدير» وابن نجيم في «البحر الرائق» وصاحب «مجمع الأنهر» وكلهم نقلوه مع تلك الفقرة المقصوصة.
ونُنوِّه أن المذكور في «الفتاوى الهندية» ليس قول كل الحنفية، وإنما جماعة من متأخريهم فقط.
قال ابن الهمام: "وفي الفتاوى: رجل له أربع نسوة وألف جارية، أراد أن يشتري جارية أخرى فلامه رجل آخر يخاف عليه الكفر. وقالوا: إذا ترك أن يتزوج كي لا يدخل الغم على زوجته التي كانت عنده كان مأجورا".
فقبل النص المنتشر في مواقع التواصل ينصون على أن من لام معدداً فإنه يُخشى عليه الكفر ولو كان عند المعدد ألف جارية!
وهذه على عادتهم في التوسع في التكفير، فهُم من أوسع المذاهب بهذا.
فإن قلت: كلامهم ليس بحجة هنا.
فنقول: وكلامهم الثاني ليس بحجة، ولماذا يؤخذ من كلامهم ما يوافق أهواء النساء أو أهل العصر، ويُترك كلامهم الآخر الملتصق به، هل هذا من الأمانة العلمية؟
والحق أن هذا سلوك متكرِّر أن يؤتى من كلام العلماء والمذاهب ما يوافق أهواء شريحة من الجمهور.
واليوم لا يُلام المعدد فحسب، بل يُذم التعدد مطلقاً ويحارَب المعدد ويُسخر منه ويُوصف بالشهوانية وانعدام الوفاء وغيرها من الأوصاف.
وصاحب «البحر الرائق» ما خشي الكفر على من لام المعدد في الزواج لحقوق الزوجية، ولكنه أبقى الخشية على من لام المتسرِّي (من يعدد الجواري)، لأنهن دون الزوجات في ذلك.
فلا يصلح أن تأخذ من التراث شيئاً يغذي نظرة عصرية متشبعة بثقافة وافدة، -حتى إن العزباء التي لا تدري نصيبها يأتي بتعدد أم لا، تذم التعدد- وتترك ما يخالف هذه الأهواء فتكتمه، هذه ليست من المصلحة، بل الاعتدال أن يُبيَّن الأمر بتمامه، حتى لا يذهب الناس إلى غلو أو جفاء.
وهو مقصوص مبتور، فما الذي بُتر منه؟
النص في «الفتاوى الهندية» وعن الفتاوى الهندية نقله ابن الهمام في «فتح القدير» وابن نجيم في «البحر الرائق» وصاحب «مجمع الأنهر» وكلهم نقلوه مع تلك الفقرة المقصوصة.
ونُنوِّه أن المذكور في «الفتاوى الهندية» ليس قول كل الحنفية، وإنما جماعة من متأخريهم فقط.
قال ابن الهمام: "وفي الفتاوى: رجل له أربع نسوة وألف جارية، أراد أن يشتري جارية أخرى فلامه رجل آخر يخاف عليه الكفر. وقالوا: إذا ترك أن يتزوج كي لا يدخل الغم على زوجته التي كانت عنده كان مأجورا".
فقبل النص المنتشر في مواقع التواصل ينصون على أن من لام معدداً فإنه يُخشى عليه الكفر ولو كان عند المعدد ألف جارية!
وهذه على عادتهم في التوسع في التكفير، فهُم من أوسع المذاهب بهذا.
فإن قلت: كلامهم ليس بحجة هنا.
فنقول: وكلامهم الثاني ليس بحجة، ولماذا يؤخذ من كلامهم ما يوافق أهواء النساء أو أهل العصر، ويُترك كلامهم الآخر الملتصق به، هل هذا من الأمانة العلمية؟
والحق أن هذا سلوك متكرِّر أن يؤتى من كلام العلماء والمذاهب ما يوافق أهواء شريحة من الجمهور.
واليوم لا يُلام المعدد فحسب، بل يُذم التعدد مطلقاً ويحارَب المعدد ويُسخر منه ويُوصف بالشهوانية وانعدام الوفاء وغيرها من الأوصاف.
وصاحب «البحر الرائق» ما خشي الكفر على من لام المعدد في الزواج لحقوق الزوجية، ولكنه أبقى الخشية على من لام المتسرِّي (من يعدد الجواري)، لأنهن دون الزوجات في ذلك.
فلا يصلح أن تأخذ من التراث شيئاً يغذي نظرة عصرية متشبعة بثقافة وافدة، -حتى إن العزباء التي لا تدري نصيبها يأتي بتعدد أم لا، تذم التعدد- وتترك ما يخالف هذه الأهواء فتكتمه، هذه ليست من المصلحة، بل الاعتدال أن يُبيَّن الأمر بتمامه، حتى لا يذهب الناس إلى غلو أو جفاء.
طبقات الصُّم…
من طرائف طرق التصنيف جمع طبقات الزمنى ممن أصيبوا ببعض الأمراض، كما جمع الصفدي طبقات العميان.
وفي ذلك مأخذ حسن، وهو بيان أن هؤلاء الناس مع ما ابتُلوا به ما أيسوا وما قنطوا، بل أقبلوا على الخير تعلُّماً وتعليماً.
وقد لاحظت عند مروري في الطبقات أن عدداً من الأعلام وُصف بـ(الصمم)، وهؤلاء إما ولدوا كذلك، فيكون الناس آنذاك عندهم طريقة للتواصل مع الصُّم البُكم، وإما سمعهم ضعيف فوُصفوا بالصمم تغليباً، وإما أن يكونوا لحقهم الصمم بعدما كبروا، ومع ذلك استمروا بالتعليم وما انعزلوا.
وهذا يدلك على قوة قلب ومثابرة، وهذا من أثر الإيمان، فإن المؤمن تُذلَّل له الصعاب في طلب الأجر، وإذا كان بعض أهل الدنيا يركب الصعاب العظيمة في طلب شيء من هذه الفانية، فطلاب الجنة أولى منهم بذلك.
١- عيسى بن مِيناء المديني، المعروف بقالون المقرئ (صاحب القراءة المعروف):
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»: "وكان أصم، يقرئ القرآن ويفهم خطأهم ولحنهم بالشفة".
ثم قال: "سمعت علي بن الحسن الهسنجاني قال: كان قالون عيسى بن ميناء أصم، شديد الصمم، فلو رفعت صوتك حتى لا غاية لم يسمع، وكان يقرأ عليه القرآن، فكان ينظر إلى شفتي القارئ، فيرد عليه اللحن والخطأ".
٢- هَوذة بن خليفة:
قال عنه أبو حاتم كما في «الجرح والتعديل»: "كتبنا عنه ببغداد، وكان أصم شديد الصمم، وقال: قال لي أحمد بن حنبل: إِلى من تختلف ببغداد؟ قلت: إلى هوذة بن خليفة، وعفان، فسكت كالراضي بذلك".
٣- عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن العباس (والد المخلص صاحب المخلصيات):
قال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: "وكان أصم أطروشا. وثقه ابن أبي الفوارس، وورخ موته في رمضان".
وهو من رواة الحديث مع ذلك.
٤- الحاكم أبو سعد بن دوست:
قال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: "أحد أعيان الأئمة بخراسان في العربية. سمع الدواوين وحصلها، وصنف التصانيف المفيدة، وأقرأ الناس الأدب والنحو. وله ديوان شعر. وكان أصم لا يسمع شيئا".
وقد قال الباخرزي في «دمية القصر»: "ليس اليوم بخراسان أدب مسموع إلا وهو منسوب إليه متفق بالإجماع عليه وكان أصم أصلخ، يضع الكتاب في حجمه ويؤديه بلفظه، فيسمع ولا يسمع".
٥- أبو الخير الهروي الحافظ، مولى أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري:
قال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: "كان أصم، غير أنه تعلم ورزق فهم الحديث. وكان حسن السيرة. جميل الأمر، متقنا، متثبتا".
٦- أبو أحمد الكولي:
قال السمعاني في «الأنساب»: "منها أبو أحمد عبد الله بن الحسن بن على الكولى الأصم الشيرازي، كان ينزل باب كول، وكان أصم، قرأ الحديث بالجهد، وكان قليل الرواية".
قوله: "قرأ الحديث بالجهد" يدل على المثابرة مع ما عنده من صمم، فكم من نعمة نتنعَّم بها ولا نعرف قدرها حتى نرى من فقدها، وكم من مُنعَمٍ عليه بالسمع يقضي وقته في سماع ما لا يرضي الله.
٧- أبو المطرف الأطروش:
جاء في «طبقات النحويين واللغويين» للإشبيلي: "هو أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن أبي إسماعيل الأسدي الأطروش، كان نحويًّا لغويًّا، فصيح اللسان، شاعرًا مجودًا، وأكثر أشعاره على مذاهب العرب، وله أراجيز فصيحة، وكان أصم أصلخ، فإذا أحب المرء إخباره كتب له في الهواء، أو رمز له بشفتيه، فيفهم ويكتفي بذلك منه".
من طرائف طرق التصنيف جمع طبقات الزمنى ممن أصيبوا ببعض الأمراض، كما جمع الصفدي طبقات العميان.
وفي ذلك مأخذ حسن، وهو بيان أن هؤلاء الناس مع ما ابتُلوا به ما أيسوا وما قنطوا، بل أقبلوا على الخير تعلُّماً وتعليماً.
وقد لاحظت عند مروري في الطبقات أن عدداً من الأعلام وُصف بـ(الصمم)، وهؤلاء إما ولدوا كذلك، فيكون الناس آنذاك عندهم طريقة للتواصل مع الصُّم البُكم، وإما سمعهم ضعيف فوُصفوا بالصمم تغليباً، وإما أن يكونوا لحقهم الصمم بعدما كبروا، ومع ذلك استمروا بالتعليم وما انعزلوا.
وهذا يدلك على قوة قلب ومثابرة، وهذا من أثر الإيمان، فإن المؤمن تُذلَّل له الصعاب في طلب الأجر، وإذا كان بعض أهل الدنيا يركب الصعاب العظيمة في طلب شيء من هذه الفانية، فطلاب الجنة أولى منهم بذلك.
١- عيسى بن مِيناء المديني، المعروف بقالون المقرئ (صاحب القراءة المعروف):
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»: "وكان أصم، يقرئ القرآن ويفهم خطأهم ولحنهم بالشفة".
ثم قال: "سمعت علي بن الحسن الهسنجاني قال: كان قالون عيسى بن ميناء أصم، شديد الصمم، فلو رفعت صوتك حتى لا غاية لم يسمع، وكان يقرأ عليه القرآن، فكان ينظر إلى شفتي القارئ، فيرد عليه اللحن والخطأ".
٢- هَوذة بن خليفة:
قال عنه أبو حاتم كما في «الجرح والتعديل»: "كتبنا عنه ببغداد، وكان أصم شديد الصمم، وقال: قال لي أحمد بن حنبل: إِلى من تختلف ببغداد؟ قلت: إلى هوذة بن خليفة، وعفان، فسكت كالراضي بذلك".
٣- عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن العباس (والد المخلص صاحب المخلصيات):
قال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: "وكان أصم أطروشا. وثقه ابن أبي الفوارس، وورخ موته في رمضان".
وهو من رواة الحديث مع ذلك.
٤- الحاكم أبو سعد بن دوست:
قال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: "أحد أعيان الأئمة بخراسان في العربية. سمع الدواوين وحصلها، وصنف التصانيف المفيدة، وأقرأ الناس الأدب والنحو. وله ديوان شعر. وكان أصم لا يسمع شيئا".
وقد قال الباخرزي في «دمية القصر»: "ليس اليوم بخراسان أدب مسموع إلا وهو منسوب إليه متفق بالإجماع عليه وكان أصم أصلخ، يضع الكتاب في حجمه ويؤديه بلفظه، فيسمع ولا يسمع".
٥- أبو الخير الهروي الحافظ، مولى أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري:
قال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: "كان أصم، غير أنه تعلم ورزق فهم الحديث. وكان حسن السيرة. جميل الأمر، متقنا، متثبتا".
٦- أبو أحمد الكولي:
قال السمعاني في «الأنساب»: "منها أبو أحمد عبد الله بن الحسن بن على الكولى الأصم الشيرازي، كان ينزل باب كول، وكان أصم، قرأ الحديث بالجهد، وكان قليل الرواية".
قوله: "قرأ الحديث بالجهد" يدل على المثابرة مع ما عنده من صمم، فكم من نعمة نتنعَّم بها ولا نعرف قدرها حتى نرى من فقدها، وكم من مُنعَمٍ عليه بالسمع يقضي وقته في سماع ما لا يرضي الله.
٧- أبو المطرف الأطروش:
جاء في «طبقات النحويين واللغويين» للإشبيلي: "هو أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن أبي إسماعيل الأسدي الأطروش، كان نحويًّا لغويًّا، فصيح اللسان، شاعرًا مجودًا، وأكثر أشعاره على مذاهب العرب، وله أراجيز فصيحة، وكان أصم أصلخ، فإذا أحب المرء إخباره كتب له في الهواء، أو رمز له بشفتيه، فيفهم ويكتفي بذلك منه".
المنصر دافيد وودز سعيد بالقمصان التي اختارها بعض الملاكمين في السعودية (عليها شعارات نصرانية).
وكثير من النصارى يعلقون بأن المسيح في السعودية.
يأخذون الأمر تحدياً عقدياً، ويخلطون الرياضة بالعقيدة، ويعتبرون مثل هذه الأمور انتصارات على المسلمين.
وعندنا يقال لنا: "لا تدخلوا الدين في كل شيء".
في هذا عبرة للمغترين، وأن القوم قادمون وفي قلوبهم تحديات عقائدية ومناكفة.
وكثير من النصارى يعلقون بأن المسيح في السعودية.
يأخذون الأمر تحدياً عقدياً، ويخلطون الرياضة بالعقيدة، ويعتبرون مثل هذه الأمور انتصارات على المسلمين.
وعندنا يقال لنا: "لا تدخلوا الدين في كل شيء".
في هذا عبرة للمغترين، وأن القوم قادمون وفي قلوبهم تحديات عقائدية ومناكفة.
العلاج الخفي المنسي
تُظهر دراسة أجراها مركز إنترماونتن الطبي، نُشرت في عدد يناير من المجلة الأمريكية للرعاية الحرجة دعما للزيارة المفتوحة.
وقال الدكتور صامويل براون "إن النتائج تظهر أن السماح للعائلة والأصدقاء بالتواجد بجانب سرير المريض يساعد على المستوى الطبي والإنساني".
وقد كتبوا أن ذلك يساعد المريض على التعافي، إذ أن الصحة النفسية تُعين الجسد على المقاومة.
وفي ذلك شيء من الحكمة في الحث على عيادة المرضى والدعاء لهم بخير.
ومن أصح ذلك حديث ثوبان في «صحيح مسلم»: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يزل في خُرْفة الجنة حتى يرجع، قيل: يا رسول الله ما خُرْفة الجنة؟، قال: جَنَاها".
وهذا الثواب العظيم ترتَّب على نفعٍ عظيم من تحقيق الأخوَّة الإيمانية ونفع المسلم.
وقد أشار ابن تيمية إلى هذا المعنى:
قال ابن القيم في «روضة المحبين»: "وحدَّثني شيخنا -يعني ابنَ تيمية- قال: ابتدأني مرضٌ، فقال لي الطبيب: إن مُطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك، أليست النفس إذا فرحت وسُرَّت وقَوِيت الطبيعةُ فدفعت المرضَ؟ فقال: بلى، فقلت له: فإن نفسي تُسرُّ بالعلم فتقوى به الطبيعةُ فأجدُ راحةً، فقال: هذا خارجٌ عن علاجنا".
تُظهر دراسة أجراها مركز إنترماونتن الطبي، نُشرت في عدد يناير من المجلة الأمريكية للرعاية الحرجة دعما للزيارة المفتوحة.
وقال الدكتور صامويل براون "إن النتائج تظهر أن السماح للعائلة والأصدقاء بالتواجد بجانب سرير المريض يساعد على المستوى الطبي والإنساني".
وقد كتبوا أن ذلك يساعد المريض على التعافي، إذ أن الصحة النفسية تُعين الجسد على المقاومة.
وفي ذلك شيء من الحكمة في الحث على عيادة المرضى والدعاء لهم بخير.
ومن أصح ذلك حديث ثوبان في «صحيح مسلم»: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يزل في خُرْفة الجنة حتى يرجع، قيل: يا رسول الله ما خُرْفة الجنة؟، قال: جَنَاها".
وهذا الثواب العظيم ترتَّب على نفعٍ عظيم من تحقيق الأخوَّة الإيمانية ونفع المسلم.
وقد أشار ابن تيمية إلى هذا المعنى:
قال ابن القيم في «روضة المحبين»: "وحدَّثني شيخنا -يعني ابنَ تيمية- قال: ابتدأني مرضٌ، فقال لي الطبيب: إن مُطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك، أليست النفس إذا فرحت وسُرَّت وقَوِيت الطبيعةُ فدفعت المرضَ؟ فقال: بلى، فقلت له: فإن نفسي تُسرُّ بالعلم فتقوى به الطبيعةُ فأجدُ راحةً، فقال: هذا خارجٌ عن علاجنا".
فأين حجة الله عز وجل؟
قال ابن تيمية في «بيان تلبيس الجهمية» [2/71] وهو يحاكم بين المتكلمين كالجويني والرازي والفلاسفة كابن رشد في مسألة خلق العالم: "وينبغي أن يعلم أن الذي سلط هؤلاء الدهرية على الجهمية شيئان أحدهما ابتداعهم لدلائل ومسائل في أصول الدين تخالف الكتاب والسنة ويخالفون بها المعقولات الصحيحة التي يفسر بها خصومهم أو غيرهم والثاني مشاركتهم لهم في العقليات الفاسدة من المذاهب والأقيسة ومشاركتهم لهم في تحريف الكلم عن مواضعه فإنهم لما شاركوهم فيما شاركوهم فيه بعد تأويل نصوص الصفات بالتأويلات المخالفة لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها كان هذا حجة لهم في تأويل نصوص المعاد وغيرها كما احتج به هذا الفيلسوف وكما يذكره أبو عبد الله الرازي ومن قبله حتى إن الدهرية قالوا لهم القول في آيات المعاد كالقول في آيات الصفات فكان من حجتهم عليهم وضموا ذلك إلى ماقد يطلقونه من الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين فقالوا له أنت تقول الظواهر لا تفيد القطع أيضًا والآيات المتشابهة في القرآن الدالة على المشيئة والقدر ليست أقل ولا أضعف دلالة من الآيات الدالة على المعاد الجسماني ثم إنكم تجوزون تأويل تلك الآيات فلم لا تجوزون أيضًا تأويل الآيات الواردة ها هنا".
يرى ابن تيمية أن المتكلمين النافين لأفعال الله عز وجل الاختيارية تسلَّط عليهم الفلاسفة الدهرية القائلون بقدم العالم (وهؤلاء متفق على تكفيرهم)، (لأنهم يقولون لهم كيف خلق الله عالماً حادثاً وهو لا يفعل بالاختيار فالقديم لا يصدر منه إلا قديم).
وأنهم عجزوا عن إقامة الحجة على هؤلاء.
وقد قال ابن تيمية إنّ ضعف المتكلمين في الرد على الدهرية كان سبباً في ردة كثير عن أهل الإسلام كما في «بيان تلبيس الجهمية» [1/421]: "الثالث: طمع الفلاسفة الدهرية فيكم، وقولهم فيكم: أهل جدل وكلام، لا أهل علم وبرهان، حتى ارتد خلق كثير منكم، إليهم، بل ابن الراوندي الذي يقال: إنه من شيوخ الأشعري، صنف كتابه المسمى بـ «كتاب التاج في قدم العالم» موافقة للدهرية".
وقال في «التسعينية» [3/774]: "وقد قيل: إن الأشعري في آخر عمره أقرَّ بتكافؤ الأدلة، واعتبر ذلك بالرازي فإنه في هذه وهي مسألة حدوث الأجسام -يذكر أدلة الطائفتين، ويصرح في آخر كتبه وآخر عمره، وهو كتاب "المطالب العالية" بتكافؤ الأدلة وأن المسألة من محارات العقول. ولهذا كان الغالب على أتباعهم الشك والارتياب في الإسلام"
يعني أتباع الأشعري والرازي، وفي تتمة كلامه ذِكر لقصصٍ لهم في ذلك.
وهنا سؤال: إذا كان المتكلمون عاجزين عن إقامة الحجة على الدهرية أو على الأقل طريقتهم في ذلك ضعيفة، وأهل الحديث ما أقاموا الحجة على جمهرة المتكلمين، ولهذا لا يكفرون، فهُم في عامة علمائهم ومشاهيرهم عاجزون عن معرفة الحق ولذلك لم يكفروا -كما يعتقد البعض.
فأين حجة الله عز وجل التي قامت على الدهرية حتى كفروا؟ وقد قال الله تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} والدهرية أكفر من الوثنيين.
وإذا كان في القرآن والسنة وكلام أهل الحديث ما يقيم الحجة على الدهرية (وهذا ما نعتقده)، فإن ذلك مقيم للحجة على أهل الكلام، لأن المتكلم المتحير بسبب ضعف أجوبته على كلام الدهرية والراغب بالرد عليهم، إن وجد فيما يوافق الفطرة وظواهر النصوص ما يقيم الحجة، فما الذي يجعله يتمسك بنتاج علم الكلام، الذي اضطره إلى معارضة ظواهر النصوص؟
وقال ابن تيمية في «بيان التلبيس» [2/73]: "وكلا الطائفتين مخالف للفطرة العقلية ومخالف لما نعلم نحن بالضرورة من دين الرسول ومخالف للأقيسة العقلية البرهانية والنصوص الإلهية القرآنية والإيمانية فإن قال المتكلمون من الجهمية وغيرهم فمن خالف ما علم بالضرورة من الدين فهو كافر قيل لهم فلهذا كان السلف والأئمة مطبقين على تكفير الجهمية حين كان ظهور مخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلم مشهورًا معلومًا بالاضطرار لعموم المسلمين حتى قبل العلم بالإيمان فيما بعد وصار يشتبه بعض ذلك على كثير ممن ليس بزنديق".
ويعني بالطائفتين المتكلمين والفلاسفة.
والتحقيق يقتضي أن الحجة إذا قامت على طائفة مخالفة للقرآن والسنة والفطرة والبرهان، فينبغي أن تقوم على الطائفة الأخرى التي خالفت -في السياق نفسه- القرآن والسنة والفطرة والبرهان وكلام السلف، وكانت ألصق بالاشتغال بالنصوص من الفلاسفة.
قال تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون}.
فسره جماعة من السلف أن من بلغه القرآن فقد بلغه النبي ﷺ.
قال ابن تيمية في «بيان تلبيس الجهمية» [2/71] وهو يحاكم بين المتكلمين كالجويني والرازي والفلاسفة كابن رشد في مسألة خلق العالم: "وينبغي أن يعلم أن الذي سلط هؤلاء الدهرية على الجهمية شيئان أحدهما ابتداعهم لدلائل ومسائل في أصول الدين تخالف الكتاب والسنة ويخالفون بها المعقولات الصحيحة التي يفسر بها خصومهم أو غيرهم والثاني مشاركتهم لهم في العقليات الفاسدة من المذاهب والأقيسة ومشاركتهم لهم في تحريف الكلم عن مواضعه فإنهم لما شاركوهم فيما شاركوهم فيه بعد تأويل نصوص الصفات بالتأويلات المخالفة لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها كان هذا حجة لهم في تأويل نصوص المعاد وغيرها كما احتج به هذا الفيلسوف وكما يذكره أبو عبد الله الرازي ومن قبله حتى إن الدهرية قالوا لهم القول في آيات المعاد كالقول في آيات الصفات فكان من حجتهم عليهم وضموا ذلك إلى ماقد يطلقونه من الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين فقالوا له أنت تقول الظواهر لا تفيد القطع أيضًا والآيات المتشابهة في القرآن الدالة على المشيئة والقدر ليست أقل ولا أضعف دلالة من الآيات الدالة على المعاد الجسماني ثم إنكم تجوزون تأويل تلك الآيات فلم لا تجوزون أيضًا تأويل الآيات الواردة ها هنا".
يرى ابن تيمية أن المتكلمين النافين لأفعال الله عز وجل الاختيارية تسلَّط عليهم الفلاسفة الدهرية القائلون بقدم العالم (وهؤلاء متفق على تكفيرهم)، (لأنهم يقولون لهم كيف خلق الله عالماً حادثاً وهو لا يفعل بالاختيار فالقديم لا يصدر منه إلا قديم).
وأنهم عجزوا عن إقامة الحجة على هؤلاء.
وقد قال ابن تيمية إنّ ضعف المتكلمين في الرد على الدهرية كان سبباً في ردة كثير عن أهل الإسلام كما في «بيان تلبيس الجهمية» [1/421]: "الثالث: طمع الفلاسفة الدهرية فيكم، وقولهم فيكم: أهل جدل وكلام، لا أهل علم وبرهان، حتى ارتد خلق كثير منكم، إليهم، بل ابن الراوندي الذي يقال: إنه من شيوخ الأشعري، صنف كتابه المسمى بـ «كتاب التاج في قدم العالم» موافقة للدهرية".
وقال في «التسعينية» [3/774]: "وقد قيل: إن الأشعري في آخر عمره أقرَّ بتكافؤ الأدلة، واعتبر ذلك بالرازي فإنه في هذه وهي مسألة حدوث الأجسام -يذكر أدلة الطائفتين، ويصرح في آخر كتبه وآخر عمره، وهو كتاب "المطالب العالية" بتكافؤ الأدلة وأن المسألة من محارات العقول. ولهذا كان الغالب على أتباعهم الشك والارتياب في الإسلام"
يعني أتباع الأشعري والرازي، وفي تتمة كلامه ذِكر لقصصٍ لهم في ذلك.
وهنا سؤال: إذا كان المتكلمون عاجزين عن إقامة الحجة على الدهرية أو على الأقل طريقتهم في ذلك ضعيفة، وأهل الحديث ما أقاموا الحجة على جمهرة المتكلمين، ولهذا لا يكفرون، فهُم في عامة علمائهم ومشاهيرهم عاجزون عن معرفة الحق ولذلك لم يكفروا -كما يعتقد البعض.
فأين حجة الله عز وجل التي قامت على الدهرية حتى كفروا؟ وقد قال الله تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} والدهرية أكفر من الوثنيين.
وإذا كان في القرآن والسنة وكلام أهل الحديث ما يقيم الحجة على الدهرية (وهذا ما نعتقده)، فإن ذلك مقيم للحجة على أهل الكلام، لأن المتكلم المتحير بسبب ضعف أجوبته على كلام الدهرية والراغب بالرد عليهم، إن وجد فيما يوافق الفطرة وظواهر النصوص ما يقيم الحجة، فما الذي يجعله يتمسك بنتاج علم الكلام، الذي اضطره إلى معارضة ظواهر النصوص؟
وقال ابن تيمية في «بيان التلبيس» [2/73]: "وكلا الطائفتين مخالف للفطرة العقلية ومخالف لما نعلم نحن بالضرورة من دين الرسول ومخالف للأقيسة العقلية البرهانية والنصوص الإلهية القرآنية والإيمانية فإن قال المتكلمون من الجهمية وغيرهم فمن خالف ما علم بالضرورة من الدين فهو كافر قيل لهم فلهذا كان السلف والأئمة مطبقين على تكفير الجهمية حين كان ظهور مخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلم مشهورًا معلومًا بالاضطرار لعموم المسلمين حتى قبل العلم بالإيمان فيما بعد وصار يشتبه بعض ذلك على كثير ممن ليس بزنديق".
ويعني بالطائفتين المتكلمين والفلاسفة.
والتحقيق يقتضي أن الحجة إذا قامت على طائفة مخالفة للقرآن والسنة والفطرة والبرهان، فينبغي أن تقوم على الطائفة الأخرى التي خالفت -في السياق نفسه- القرآن والسنة والفطرة والبرهان وكلام السلف، وكانت ألصق بالاشتغال بالنصوص من الفلاسفة.
قال تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون}.
فسره جماعة من السلف أن من بلغه القرآن فقد بلغه النبي ﷺ.
أرسل لي جماعة من الفضلاء هذا الخبر يطلبون تعليقي عليه.
وهذا التعليق ليس الأول من نوعه، فهنا علقت على نظيره:
https://t.me/alkulife/7788
وذلك قبل عدة أعوام، وأزيد هنا:
الغنم بالغرم، وُعُود النسوية للنساء تشبه وُعُود من يقول لك: كُلْ ما تشاء وبالكميات التي تريدها وكن سعيداً بذلك وستحظى بصحة جيدة وعمر مديد ولن يختلف حالك عمن حرص على صحته وأتعب نفسه بالرياضة وترك ما يشتهي وأكل الطعام الصحي.
هل هذا معقول؟
هكذا هو الجشع النسوي وذلك الخداع والأماني البراقة التي هي بمنزلة الطُّعم للسمكة حتى تتمكن المؤسسة الرأسمالية من اصطياد المرأة وتجييرها لصالحها، ثم بعد ذلك لتنسى الراحة، ويدلّك على ذلك كثرة الشكاية من الاكتئاب وكثرة العيادات النفسية وكثرة الحديث في مواقع كثيرة مخصصة لتعليم النساء كيف يمكنهن الفوز برجل!
وهكذا إدبار الناس عن الوحي والفطرة يجلب الشقاء، تماماً كغواية إبليس للأبوين في أمر الشجرة.
وهذا التعليق ليس الأول من نوعه، فهنا علقت على نظيره:
https://t.me/alkulife/7788
وذلك قبل عدة أعوام، وأزيد هنا:
الغنم بالغرم، وُعُود النسوية للنساء تشبه وُعُود من يقول لك: كُلْ ما تشاء وبالكميات التي تريدها وكن سعيداً بذلك وستحظى بصحة جيدة وعمر مديد ولن يختلف حالك عمن حرص على صحته وأتعب نفسه بالرياضة وترك ما يشتهي وأكل الطعام الصحي.
هل هذا معقول؟
هكذا هو الجشع النسوي وذلك الخداع والأماني البراقة التي هي بمنزلة الطُّعم للسمكة حتى تتمكن المؤسسة الرأسمالية من اصطياد المرأة وتجييرها لصالحها، ثم بعد ذلك لتنسى الراحة، ويدلّك على ذلك كثرة الشكاية من الاكتئاب وكثرة العيادات النفسية وكثرة الحديث في مواقع كثيرة مخصصة لتعليم النساء كيف يمكنهن الفوز برجل!
وهكذا إدبار الناس عن الوحي والفطرة يجلب الشقاء، تماماً كغواية إبليس للأبوين في أمر الشجرة.
لماذا لا توجد هذه الإساءات لأهل البيت إلا في تواريخ الشيعة وكتبهم؟
العقل الشيعي الإمامي يتمحور حول قصة الطف ومقتل الحسين، حتى لكأن تلك الأيام القليلة كانت قروناً، وما أكثر أبحاثهم الجزئية في هذا الموضوع.
ومقتل الحسين في عامته مداره على لوط بن يحيى، وحاله معروف من الوهن وله شيوخ عامتهم إما لا يُعرفون أو يُعرفون بشرّ، هم من ذكروا تفاصيل القصة.
ومن أولئك الشخصيات: حميد بن مسلم، الذي كان مع جيش أعداء الحسين، هذا الشخص اختلف فيه الشيعة، فمنهم من قال نقبل من رواياته ما يمدح أهل البيت ويُبيِّن ظلم أعدائهم، ومنهم من نسبه إلى توبة ومع ذلك هو مجهول العدالة عندهم، ومنهم من تشكك في أمره وزعم أن في رواياته إساءات خفيَّة لأهل البيت، وهؤلاء القوم الذين حديثي معهم اليوم.
كتب المعمم الشيعي مقالاً بعنوان: "نماذج من أكاذيب وإساءات حميد بن مسلم للسيدة زينب الكبرى -عليها السلام- في كربلاء".
تكلم في هذا المقال عن هذه الرواية: "وخرجت زينب بنت علي -عليه السلام- وقرطاها يجولان بين اذنيها وهي تقول: ليت السماء انطبقت على الارض، ياعمر بن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ ودموع عمر تسيل على خديه ولحيته، وهو يصرف وجهه عنها، والحسين عليه السلام جالس، وعليه جبة خز، وقد تحاماه الناس".
وهي رواية منتشرة بين الخطباء الشيعة، وقد استنكرها الحمداني جداً، بحجة أنها تُظهر زينب متساهلة بالحجاب وتكشف أجزاءً من جسمها يبصرها الرجال الغرباء والأعداء السفلة الذين وصفهم في مقاله بـ"30 ألف مجرم داعشي أموي".
وكلامه تفصيلاً: "السادس: هل يعقل ان زينب العقيلة -عليها السلام- وهي ملكة الحجاب والعفة والشرف تقدم على الاستهانة بالحجاب امام 30 ألف مجرم داعشي أموي وان تترك وضعها كما في الخيمة ويخرج شعرها وتظهر اجزاء من جسمها امام هؤلاء حتى ينظر الغرباء الاجانب الى اذنيها واقراطها!!! ..لماذ كل هذا التجني على سيدة العفة العلوية زينب -عليها السلام- ؟؟؟!!".
وهناك رواية أخرى قبلها الحمداني نفسه وينكرها جماعة من الأخبارية، وهي أن علي زين العابدين كان مصاباً يوم كربلاء بداء الذرب وهو الإسهال الشديد (وهذه الرواية ذكرها عن حميد بن مسلم ابن النعمان المفيد في «الإرشاد» [2/114]) (ويرون أن رواية مبطون التي في «الكافي» لا تفيد معنى الذرب الإسهال الشديد).
وهنا عدة أسئلة لمن يستقبح هذه الروايات:
أولها: لماذا هذه الروايات لا توجد إلا في كتب الشيعة ولا يوجد لها رائحة ذكر في كتب أهل السنة الذين تسمونهم نواصب ويفترض أنهم هم نقلة أكاذيب الأمويين على أهل البيت في زعمكم؟
وقد رووا أخبار حميد بن مسلم.
ثانيها: لماذا تحمّلون حميد بن مسلم الحمالة ولا يوجد إسناد يتصل به لرواية هذه الروايات؟ فالمقاتل المشهورة عنه لا تذكر شيئاً من هذا، فأما رواية الذرب فانفرد بها المفيد، وبين وفاته ووفاة حميد مئات السنين، ولو رواها المفيد بسند صحيح لكانت رواية شاذة، لكونها زيادة على ما في المقاتل المعروفة؛ ولكن لما كان علم الحديث عند الشيعة بدائي فلا يعرفون مثل هذه المباحث، وأما رواية حجاب زينب فهي أسوأ حالاً.
ثالثها: هذه الإساءات بقيت تردَّد على المنابر مئات السنين حتى جاء بعض المعاصرين ونقدها، فما أغنى المعصوم عن شيعته وأهل بيته، أليس وجوده من باب اللطف ليحمي شيعته من الضلال؟ وكم من مرة زعموا ظهوره لجماعة من محبيه يقظةً أو مناماً، فهلا نبههم على مثل هذه البلايا المنتشرة بينهم؟
وأخيراً: العقل الشيعي رغبوي بامتياز، يرسم صورة في ذهنه عن أهل البيت ثم ما يوافقها يقبله وما لا يوافقها يرفضه، دون أي منهجية واضحة.
العقل الشيعي الإمامي يتمحور حول قصة الطف ومقتل الحسين، حتى لكأن تلك الأيام القليلة كانت قروناً، وما أكثر أبحاثهم الجزئية في هذا الموضوع.
ومقتل الحسين في عامته مداره على لوط بن يحيى، وحاله معروف من الوهن وله شيوخ عامتهم إما لا يُعرفون أو يُعرفون بشرّ، هم من ذكروا تفاصيل القصة.
ومن أولئك الشخصيات: حميد بن مسلم، الذي كان مع جيش أعداء الحسين، هذا الشخص اختلف فيه الشيعة، فمنهم من قال نقبل من رواياته ما يمدح أهل البيت ويُبيِّن ظلم أعدائهم، ومنهم من نسبه إلى توبة ومع ذلك هو مجهول العدالة عندهم، ومنهم من تشكك في أمره وزعم أن في رواياته إساءات خفيَّة لأهل البيت، وهؤلاء القوم الذين حديثي معهم اليوم.
كتب المعمم الشيعي مقالاً بعنوان: "نماذج من أكاذيب وإساءات حميد بن مسلم للسيدة زينب الكبرى -عليها السلام- في كربلاء".
تكلم في هذا المقال عن هذه الرواية: "وخرجت زينب بنت علي -عليه السلام- وقرطاها يجولان بين اذنيها وهي تقول: ليت السماء انطبقت على الارض، ياعمر بن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ ودموع عمر تسيل على خديه ولحيته، وهو يصرف وجهه عنها، والحسين عليه السلام جالس، وعليه جبة خز، وقد تحاماه الناس".
وهي رواية منتشرة بين الخطباء الشيعة، وقد استنكرها الحمداني جداً، بحجة أنها تُظهر زينب متساهلة بالحجاب وتكشف أجزاءً من جسمها يبصرها الرجال الغرباء والأعداء السفلة الذين وصفهم في مقاله بـ"30 ألف مجرم داعشي أموي".
وكلامه تفصيلاً: "السادس: هل يعقل ان زينب العقيلة -عليها السلام- وهي ملكة الحجاب والعفة والشرف تقدم على الاستهانة بالحجاب امام 30 ألف مجرم داعشي أموي وان تترك وضعها كما في الخيمة ويخرج شعرها وتظهر اجزاء من جسمها امام هؤلاء حتى ينظر الغرباء الاجانب الى اذنيها واقراطها!!! ..لماذ كل هذا التجني على سيدة العفة العلوية زينب -عليها السلام- ؟؟؟!!".
وهناك رواية أخرى قبلها الحمداني نفسه وينكرها جماعة من الأخبارية، وهي أن علي زين العابدين كان مصاباً يوم كربلاء بداء الذرب وهو الإسهال الشديد (وهذه الرواية ذكرها عن حميد بن مسلم ابن النعمان المفيد في «الإرشاد» [2/114]) (ويرون أن رواية مبطون التي في «الكافي» لا تفيد معنى الذرب الإسهال الشديد).
وهنا عدة أسئلة لمن يستقبح هذه الروايات:
أولها: لماذا هذه الروايات لا توجد إلا في كتب الشيعة ولا يوجد لها رائحة ذكر في كتب أهل السنة الذين تسمونهم نواصب ويفترض أنهم هم نقلة أكاذيب الأمويين على أهل البيت في زعمكم؟
وقد رووا أخبار حميد بن مسلم.
ثانيها: لماذا تحمّلون حميد بن مسلم الحمالة ولا يوجد إسناد يتصل به لرواية هذه الروايات؟ فالمقاتل المشهورة عنه لا تذكر شيئاً من هذا، فأما رواية الذرب فانفرد بها المفيد، وبين وفاته ووفاة حميد مئات السنين، ولو رواها المفيد بسند صحيح لكانت رواية شاذة، لكونها زيادة على ما في المقاتل المعروفة؛ ولكن لما كان علم الحديث عند الشيعة بدائي فلا يعرفون مثل هذه المباحث، وأما رواية حجاب زينب فهي أسوأ حالاً.
ثالثها: هذه الإساءات بقيت تردَّد على المنابر مئات السنين حتى جاء بعض المعاصرين ونقدها، فما أغنى المعصوم عن شيعته وأهل بيته، أليس وجوده من باب اللطف ليحمي شيعته من الضلال؟ وكم من مرة زعموا ظهوره لجماعة من محبيه يقظةً أو مناماً، فهلا نبههم على مثل هذه البلايا المنتشرة بينهم؟
وأخيراً: العقل الشيعي رغبوي بامتياز، يرسم صورة في ذهنه عن أهل البيت ثم ما يوافقها يقبله وما لا يوافقها يرفضه، دون أي منهجية واضحة.
ما علمه يوسف بن تاشفين وجهله أهل الجشع...
جاء في كتاب «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى» لشهاب الدين الجعفري [2/60]: "وكان ملكه قد انتهى إلى مدينة أفراغه من قاصية شرق الأندلس وإلى مدينة أشبونة على البحر المحيط من بحر الأندلس وذلك مسيرة ثلاثة وثلاثين يوما طولا وفي العرض ما يقرب من ذلك
وملك بعدوة المغرب من جزائر بني مذغنة إلى طنجة إلى آخر السوس الأقصى إلى جبال الذهب من بلاد السودان
ولم ير في بلد من بلاده ولا عمل من أعماله على طول أيامه رسم مكس ولا خراج لا في حاضرة ولا في بادية إلا ما أمر الله به وأوجبه حكم الكتاب والسنة من الزكوات والأعشار وجزيات أهل الذمة وأخماس الغنائم
وقد جبى في ذلك من الأموال على وجهها ما لم يجيبه أحد قبله يقال إنه وجد في بيت ماله بعد وفاته ثلاثة عشر ألف ربع من الورق وخمسة آلاف وأربعون ربعا من مطبوع الذهب
وكان رحمه الله زاهدا في زينة الدنيا وزهرتها ورعا متقشفا لباسه الصوف لم يلبس قط غيره ومأكله الشعير ولحوم الإبل وألبانها مقتصرا على ذلك لم ينقل عنه مدة عمره على ما منحه الله من سعة الملك وخوله من نعمة الدنيا وقد رد أحكام البلاد إلى القضاة وأسقط ما دون الأحكام الشرعية وكان يسير في أعماله بنفسه فيتفقد أحوال الرعية في كل سنة وكان محبا للفقهاء وأهل العلم والفضل مكرما لهم صادرا عن رأيهم يجري عليهم أرزاقهم من بيت المال وكان مع ذلك حسن الأخلاق متواضعا كثير الحياء جامعا لخصال الخير رحمه الله تعالى ورضي عنه".
أقول: الكلام هنا عن يوسف بن تاشفين.
تأمل أنه ما كان يأخذ المكوس (الضرائب) ولا يأخذ من الناس إلا ما أذن به الشرع، ومع ذلك اجتمع في بيت ماله ما لم يجتمع في بيت مال ملك قبله.
فكيف هذا؟
الجواب: أن ذلك بسبب زهده، فكثير من الولاة يضيِّقون على الناس بسبب سرفهم وسرف حاشيتهم ودخولهم في التوسع في المباحات بل والمحرمات، ويكون الأمر مثل النار التي ما رميتَ بها أكلته، هكذا هو جشع من أدمن السرف في المحرمات.
وهذا ليس مختصاً بالولاة، بل عموم الناس في سياسة الأموال عليهم أن يراعوا هذا المعنى: أن كثيراً من العنت المالي إنما يأتي من التوسع في المباحات، كما أن الدخول في المحرمات يمحق البركة.
ومن هاهنا يُتسامح في الشبهات، ثم يدخلون في المحرمات الصريحة ولا يجدون الراحة.
وقد قيل قديماً: ما عال من اقتصد (يعني لم يفتقر من اقتصد في مأكله ومشربه وملبسه ولم يسرف).
ثم إن العدل له بركة معنوية وبركة مشاهدة مِن ضعفِ حركات التمرد، لضعف حججها، ومن ثَمّ تقل الحاجة إلى الإنفاق العسكري العظيم.
فإن كثيراً من الظلمة يضطرون إلى الإفراط في الإنفاق الأمني وإرضاء حواشيهم ليدوم لهم الأمر.
جاء في كتاب «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى» لشهاب الدين الجعفري [2/60]: "وكان ملكه قد انتهى إلى مدينة أفراغه من قاصية شرق الأندلس وإلى مدينة أشبونة على البحر المحيط من بحر الأندلس وذلك مسيرة ثلاثة وثلاثين يوما طولا وفي العرض ما يقرب من ذلك
وملك بعدوة المغرب من جزائر بني مذغنة إلى طنجة إلى آخر السوس الأقصى إلى جبال الذهب من بلاد السودان
ولم ير في بلد من بلاده ولا عمل من أعماله على طول أيامه رسم مكس ولا خراج لا في حاضرة ولا في بادية إلا ما أمر الله به وأوجبه حكم الكتاب والسنة من الزكوات والأعشار وجزيات أهل الذمة وأخماس الغنائم
وقد جبى في ذلك من الأموال على وجهها ما لم يجيبه أحد قبله يقال إنه وجد في بيت ماله بعد وفاته ثلاثة عشر ألف ربع من الورق وخمسة آلاف وأربعون ربعا من مطبوع الذهب
وكان رحمه الله زاهدا في زينة الدنيا وزهرتها ورعا متقشفا لباسه الصوف لم يلبس قط غيره ومأكله الشعير ولحوم الإبل وألبانها مقتصرا على ذلك لم ينقل عنه مدة عمره على ما منحه الله من سعة الملك وخوله من نعمة الدنيا وقد رد أحكام البلاد إلى القضاة وأسقط ما دون الأحكام الشرعية وكان يسير في أعماله بنفسه فيتفقد أحوال الرعية في كل سنة وكان محبا للفقهاء وأهل العلم والفضل مكرما لهم صادرا عن رأيهم يجري عليهم أرزاقهم من بيت المال وكان مع ذلك حسن الأخلاق متواضعا كثير الحياء جامعا لخصال الخير رحمه الله تعالى ورضي عنه".
أقول: الكلام هنا عن يوسف بن تاشفين.
تأمل أنه ما كان يأخذ المكوس (الضرائب) ولا يأخذ من الناس إلا ما أذن به الشرع، ومع ذلك اجتمع في بيت ماله ما لم يجتمع في بيت مال ملك قبله.
فكيف هذا؟
الجواب: أن ذلك بسبب زهده، فكثير من الولاة يضيِّقون على الناس بسبب سرفهم وسرف حاشيتهم ودخولهم في التوسع في المباحات بل والمحرمات، ويكون الأمر مثل النار التي ما رميتَ بها أكلته، هكذا هو جشع من أدمن السرف في المحرمات.
وهذا ليس مختصاً بالولاة، بل عموم الناس في سياسة الأموال عليهم أن يراعوا هذا المعنى: أن كثيراً من العنت المالي إنما يأتي من التوسع في المباحات، كما أن الدخول في المحرمات يمحق البركة.
ومن هاهنا يُتسامح في الشبهات، ثم يدخلون في المحرمات الصريحة ولا يجدون الراحة.
وقد قيل قديماً: ما عال من اقتصد (يعني لم يفتقر من اقتصد في مأكله ومشربه وملبسه ولم يسرف).
ثم إن العدل له بركة معنوية وبركة مشاهدة مِن ضعفِ حركات التمرد، لضعف حججها، ومن ثَمّ تقل الحاجة إلى الإنفاق العسكري العظيم.
فإن كثيراً من الظلمة يضطرون إلى الإفراط في الإنفاق الأمني وإرضاء حواشيهم ليدوم لهم الأمر.
فوائد وعبر من قصة بدر المطيري...
انتشر هذه الأيام بودكاست يتكلم فيه رجل اسمه بدر المطيري: شاب تعرّض للسجن ظلماً قبيل زفافه بأيام بتهمة تهريب المخدرات والهرب من السجن، وذلك لأن شخصاً انتحل شخصيته وارتكب هذا الجرم، حُكم ظلماً بالسجن 7 سنوات، فقد خطيبته وسمعته وصحته، واستمرت معاناته 18 عاماً حتى بعد أن أثبت براءته.
انتشرت مقاطعه وهو يبكي بحرقة وهو يتذكر المواقف المؤلمة التي مرت به، أرسلتُ مادته لعدد من الإخوة، فعامتهم كاشفوني بأن الحلقة أبكتهم بحرقة.
لا أريد أن أخلي المقام من عدة فوائد وعبر:
الأولى: أن الأزمات العظيمة تُحلُّ بالصبر والثبات، ولا صبر إلا بأمل، والأمل يتضمن شعوراً بالعدالة الإلهية ورجاءً ورغبةً، لذا فالإيمان خير معين على الوقوف أمام الصدمات العظيمة، لأنه يوفر العزاء بأن في ذلك كفارة وأن في الآخرة ثواباً وجزاءً، فلا يقنط المرء ولا ييأس.
قال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين • الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون • أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.
وفي الصحيحين من حديث عائشة: «ما من مرض أو وجع يصيب المؤمن إلا كان كفارة لذنوبه، حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها».
الثانية: "لا بد للناس من تنفيسات"، فتجد أن رب العالمين سخر لك في المصيبة العظيمة من يقف معك ويواسيك، كما ذكر بدر من قصة الرجل العماني الذي أعانه وربّت على كتفه في أشد ما يجد من المصيبة، والعطايا لا تُحصر بالمال فقد تأتي العطية على هيئة وفاء أو على هيئة مواساة في بلية عظيمة.
قال تعالى: {فإن مع العسر يسرا • إن مع العسر يسرا}.
الثالثة: الإيمان أمل (مرة أخرى).
في حديثه عن عنبر المحكومين بالإعدام وما صدر عنهم من مروءات، وكيف يعرفون أن أحدهم ذاهب إلى الإعدام إذا تحلل من أصحابه (يطلبهم براءة الذمة من حقوقهم عليه)، فهنا تظهر قيمة الإيمان، المحكوم بالإعدام هنا ينسى كل هذا الزخرف الذي لطالما أشغله عن آخرته ويتذكر فقط الآخرة، وأن هناك حقوقاً عليه للخلق، يريد أن يتخفف منها ويقابل الله عز وجل راجياً عفوه، كل واحد منهم يحلل صاحبه، لكي يحلله الآخرون، ولعلهم بعد ذلك يكونون إخواناً على سرر متقابلين، لقد فهموا من معاني الأخوّة الإيمانية ما يجهد المرء أن يشرحه للمتدينين ليرى أثره عليهم.
الرابعة: المنظومات الأبوية تأخذ وتعطي.
في عالم الليبرالية والفردانية مفهوم الأسرة وصلة الرحم والقبيلة كلها مفاهيم ممقوتة، ويُنظر إليها على أنها قيود تقيِّد المرء بأمور هو في غنى عنها؛ ولكن حين يصاب المرء بابتلاء ويرى هؤلاء واقفين معه = يفهم أن الغنم بالغرم وأن الشريعة ما أبقت على هذه الاعتبارات عبثاً، وحثّت على توطيدها، مع البعد عن النعرات الجاهلية.
الخامسة: "ويل لديَّان أهل الأرض من ديَّان أهل السماء".
تلك كلمة مأثورة عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يخوف بها نفسه، المنصب والتأمر على الناس قد يكون باب بطولة، تُنزل العقوبة بمن يستحق وتشفي صدور المؤمنين وتُنقذ أقواماً من الظلم والحيف، وقد يكون باباً من أبواب جهنم، ومن أكثر ما يخيف خبر: «القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار».
السادسة: العدل لا يستتم إلا يوم القيامة.
الرجل الذي انتحل شخصية صاحبنا لم يُقبض عليه، وقيل إنه توفي، وكثير ممن ظلم سلم، وذلك يدلك بداهةً على ضرورية الآخرة ليستتم العدل، وقد ذُكر لنا من العدل في ذلك اليوم: أن الشاة الجماء تقتص من الشاة القرناء، فهذا في البهائم العجماء فكيف بالبشر المكلفين؟
قال تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار • مهطعين مقنعي رءوسهم}.
افتتح البخاري "كتاب المظالم والغصب" من صحيحه بهذه الآية.
ولولا الاحتساب وتذكُّر يوم الحساب لمات بعض الناس كمداً من شدة ما وقع عليهم من الظلم.
السابعة: "اتقوا الله فيمن لا ناصر له إلا الله" قالها بلال بن سعد التابعي، وفي الحديث: «واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب».
ذكر المطيري أنه ما تحَسبن على أحد ممن ظلمه (قال حسبنا الله ونعم الوكيل) إلا ورأى له عاقبة سوء، حتى الرجل الذي انتحل شخصيته، اتصلوا به وأخبروه أنه عاش في ضنك وتوفي، ولم يكشفوا عن شخصيته.
وثمة معانٍ أخرى أكتفي بهذه اختصاراً، وحتى يتعود المرء أن يعتبر مما حوله ويثبت المعاني العقدية العظمى مما يشاهد من أحوال الناس.
انتشر هذه الأيام بودكاست يتكلم فيه رجل اسمه بدر المطيري: شاب تعرّض للسجن ظلماً قبيل زفافه بأيام بتهمة تهريب المخدرات والهرب من السجن، وذلك لأن شخصاً انتحل شخصيته وارتكب هذا الجرم، حُكم ظلماً بالسجن 7 سنوات، فقد خطيبته وسمعته وصحته، واستمرت معاناته 18 عاماً حتى بعد أن أثبت براءته.
انتشرت مقاطعه وهو يبكي بحرقة وهو يتذكر المواقف المؤلمة التي مرت به، أرسلتُ مادته لعدد من الإخوة، فعامتهم كاشفوني بأن الحلقة أبكتهم بحرقة.
لا أريد أن أخلي المقام من عدة فوائد وعبر:
الأولى: أن الأزمات العظيمة تُحلُّ بالصبر والثبات، ولا صبر إلا بأمل، والأمل يتضمن شعوراً بالعدالة الإلهية ورجاءً ورغبةً، لذا فالإيمان خير معين على الوقوف أمام الصدمات العظيمة، لأنه يوفر العزاء بأن في ذلك كفارة وأن في الآخرة ثواباً وجزاءً، فلا يقنط المرء ولا ييأس.
قال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين • الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون • أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.
وفي الصحيحين من حديث عائشة: «ما من مرض أو وجع يصيب المؤمن إلا كان كفارة لذنوبه، حتى الشوكة يشاكها أو النكبة ينكبها».
الثانية: "لا بد للناس من تنفيسات"، فتجد أن رب العالمين سخر لك في المصيبة العظيمة من يقف معك ويواسيك، كما ذكر بدر من قصة الرجل العماني الذي أعانه وربّت على كتفه في أشد ما يجد من المصيبة، والعطايا لا تُحصر بالمال فقد تأتي العطية على هيئة وفاء أو على هيئة مواساة في بلية عظيمة.
قال تعالى: {فإن مع العسر يسرا • إن مع العسر يسرا}.
الثالثة: الإيمان أمل (مرة أخرى).
في حديثه عن عنبر المحكومين بالإعدام وما صدر عنهم من مروءات، وكيف يعرفون أن أحدهم ذاهب إلى الإعدام إذا تحلل من أصحابه (يطلبهم براءة الذمة من حقوقهم عليه)، فهنا تظهر قيمة الإيمان، المحكوم بالإعدام هنا ينسى كل هذا الزخرف الذي لطالما أشغله عن آخرته ويتذكر فقط الآخرة، وأن هناك حقوقاً عليه للخلق، يريد أن يتخفف منها ويقابل الله عز وجل راجياً عفوه، كل واحد منهم يحلل صاحبه، لكي يحلله الآخرون، ولعلهم بعد ذلك يكونون إخواناً على سرر متقابلين، لقد فهموا من معاني الأخوّة الإيمانية ما يجهد المرء أن يشرحه للمتدينين ليرى أثره عليهم.
الرابعة: المنظومات الأبوية تأخذ وتعطي.
في عالم الليبرالية والفردانية مفهوم الأسرة وصلة الرحم والقبيلة كلها مفاهيم ممقوتة، ويُنظر إليها على أنها قيود تقيِّد المرء بأمور هو في غنى عنها؛ ولكن حين يصاب المرء بابتلاء ويرى هؤلاء واقفين معه = يفهم أن الغنم بالغرم وأن الشريعة ما أبقت على هذه الاعتبارات عبثاً، وحثّت على توطيدها، مع البعد عن النعرات الجاهلية.
الخامسة: "ويل لديَّان أهل الأرض من ديَّان أهل السماء".
تلك كلمة مأثورة عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يخوف بها نفسه، المنصب والتأمر على الناس قد يكون باب بطولة، تُنزل العقوبة بمن يستحق وتشفي صدور المؤمنين وتُنقذ أقواماً من الظلم والحيف، وقد يكون باباً من أبواب جهنم، ومن أكثر ما يخيف خبر: «القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار».
السادسة: العدل لا يستتم إلا يوم القيامة.
الرجل الذي انتحل شخصية صاحبنا لم يُقبض عليه، وقيل إنه توفي، وكثير ممن ظلم سلم، وذلك يدلك بداهةً على ضرورية الآخرة ليستتم العدل، وقد ذُكر لنا من العدل في ذلك اليوم: أن الشاة الجماء تقتص من الشاة القرناء، فهذا في البهائم العجماء فكيف بالبشر المكلفين؟
قال تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار • مهطعين مقنعي رءوسهم}.
افتتح البخاري "كتاب المظالم والغصب" من صحيحه بهذه الآية.
ولولا الاحتساب وتذكُّر يوم الحساب لمات بعض الناس كمداً من شدة ما وقع عليهم من الظلم.
السابعة: "اتقوا الله فيمن لا ناصر له إلا الله" قالها بلال بن سعد التابعي، وفي الحديث: «واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب».
ذكر المطيري أنه ما تحَسبن على أحد ممن ظلمه (قال حسبنا الله ونعم الوكيل) إلا ورأى له عاقبة سوء، حتى الرجل الذي انتحل شخصيته، اتصلوا به وأخبروه أنه عاش في ضنك وتوفي، ولم يكشفوا عن شخصيته.
وثمة معانٍ أخرى أكتفي بهذه اختصاراً، وحتى يتعود المرء أن يعتبر مما حوله ويثبت المعاني العقدية العظمى مما يشاهد من أحوال الناس.