موقع الدكتور الشيخ محمود عكام
573 subscribers
542 photos
1 video
2 files
472 links
تتناول هذه القناة نشاطات وأخبار الدكتور الشيخ محمود عكام.
Download Telegram
أَركانُ الإنسانية -2
أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:
قلنا: ما أجمل أن تُمتَدح على أنك إنسان، أن تُوصَف بالإنسانية، والإنسانية كما ذكرنا تقوم على ثلاثة أركان: على عدلٍ وعلى عقلٍ وعلى رحمة. إذا أردتَ أن تمتحنَ نفسك أو أن تتأكد من إنسانيتك فانظر عقلَك وعدلَك ورحمتَك، فإن توافرت فيك هذه الصفات فأنت إنسان وتستحقُّ أن توصف بالإنسانية، إذ الإنسانية وصفٌ رائع. تحدَّثنا عن العقل والعدل في الأسبوع الفائت، وأما الرحمة ثالث أركان الإنسانية، ولعلها الركن الأهم، بل إن بعضهم جعلَها مرتبةً مُستقلة تعلو على مرتبة الإنسانية، ولذلك قَسَّم هؤلاء المراتب إلى ثلاث مراتب: البشرية، الإنسانية، الرحموية، الرحموية كَينونةٌ أخلاقية مُستقلة بذاتها، هكذا عَدَّها بعضهم، والذي وصل إلى هذه المرحلة الرفيعة جداً، مرحلة الرحموية، هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلقد تدرَّج بتوفيق الله وفضله وعَطائه وإحسانه من البشرية إلى الإنسانية إلى الرحموية، استُغرقت بشريته في إنسانيته، واستُغرقت إنسانيته في رحمويته، ولذلك لم يُوصف بالرحيم فحسب، بل كان الرحمة ذاتَها، (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)، ولم يقل وما أرسلناك إلا رحيماً، وقال عن نفسِه صلى الله عليه وسلم: (إنَّما أنا رحمةٌ) قال عن نفسه (إنما أنا بشر) ثم ارتقى فقال: إنما أنا إنسان، بكلِّ أبعاد هذه الكلمة الخيِّرة، ثم قال: (إنَّما أنا رحمة) فهل تستطيع أن تقول عن نفسك أنت بأنك إنسان، يعني تمتلك العقلَ والعدل، افحص نفسَك: هل أنت إنسان توافرت فيك صفتا العقل والعدل، وأما الرحمة فتلك المرتبة التي - كما قلت - تعلو على مرتبة الإنسانية، وقد حازها بكمالٍ وتمام سيِّدُ الناس عليه الصلاة والسلام. الرحمة هي عَمودُ الخير، الذي تستوي عليها إرادة الإنسان الحضارية، وهي الناظم الأخلاقي لجملة الأخلاق البشرية الحميدة، وهي القيمة التي تَواصى عليها المصلحون الصادقون، وأنتم تقرؤون: (وتَواصَوا بالمرحمة. أولئك أصحابُ الميمنة) فهل أمة محمد اليوم صلى الله عليه وسلم تَتواصَى بالمرحمة فيما بينها ؟! أترك الجواب لكم. الرحمة تعريفها، ما الرحمة التي هي عمود الخير والناظم الأخلاقي، والتي هي القيمة التي تَواصى عليها المخلصون الصَّادقون، الرحمة هي من حيثُ تَعريفها: "عَطاءٌ نَافِعٌ برفق" فهل تُعطي أنت مَن حولك عطاءً نافعاً برفق على مُستوى الكلمة، وعلى مُستوى العطاء المادِّي، وعلى مُستوى العطاء المعنوي، (فَبِما رحمةٍ من الله لِنتَ لهم ولو كُنتَ فَظَّاً غَليظَ القلبِ لانفضُّوا مِن حولك) هذه هي الرحمة، والرسولُ عليه الصَّلاة والسلام كُلُّه رحمة، وهو - كما قلت - بل الرحمة عينها وذاتها، (إنما أنا رحمةٌ مهداة)، كُلُّه عطاءٌ نافع برفق، هذا من حيث التعريف.
وأما من حيثُ المعيار، فالرحمة معيار إسلامك وإيمانك، إن كُنتَ رحيماً فأنت مسلم مؤمن، وإن لم تكُن رحيماً فلستَ بمسلم ولست بمؤمن، وهكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مَن لا يَرحم لا يُرحَم) وإذا لم ترحم فلن ينفَعَك إسلامك ولن ينفعك إيمانك، إذاً أنت لست مسلماً ولست مؤمناً، (مَن لا يَرحم لا يُرحم) وفي رواية أخرى: (لا يَرحم اللهُ مَن لا يَرحمُ الناس) هكذا قال عليه الصَّلاة والسلام في حديث آخر: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يَرحمُكم - أو يَرحمْكم - مَن في السماء) القضية واضحة، الرحمة معيار إسلامك وإيمانك، إن أردتَ أن تختبر إسلامك وإيمانك، فانظر رحمتك. لعلك تقول كما قال الصحابة يومَ قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَدخُلُ الجنةَ إلا رحيم) وفي رواية: (إلا كل رحيم) قال الصحابة: يا رسول الله كلنا رحيم. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ليست الرحمة المنشودة (ليست الرحمةُ رحمةَ أحدكم نفسَه وأهل بيته) لعلكم رُحماء بأنفسكم وبأهليكم وبأهل بيتكم، هذه ليست الرحمة المطلوبة، وليست الرحمة المنشودة رحمة أحدكم نفسَه وأهل بيته. أنا أعرف أنكم ترحمون أولادكم، وترحمون أنفسكم، وترحمون مَن يلوذُ بكم، وحتى هذا فليس بذاك الذي يمكن أن نتحدث عنه بتأكيد، (ليس رحمةَ أحدكم نفسَه وأهل بيته) هل أنت ترحم الناس، هل أنت ترحم جارك، هل ترحم الفقير، هل ترحم الإنسان الكبير المسن، هل ترحم صديقك، هل ترحم هذا المصلِّي الذي يُصلِّي بجانبك ? هل ترحمه ? هل تُقدِّم له عطاءً نافعاً برفق ? إن لم يكن مادة فكلمة طيبة، إن لم تكن كلمةً طيبة فبسمة وابتسامة، (ليس رحمة أحدكم نفسَه وأهل بيته، ولكنها رحمة العامة) ولكنها رحمة الناس، ارحموا بعضَكم، وهنا يُطرح سؤال: لعلَّ قائلاً يقول: وهل في القتال اليوم، وهل في الجهاد، وهل في قتال هؤلاء الأعداء رحمة ? أنت تتحدث عن عطاءٍ نافعٍ برفق، فهل هؤلاء الذين يُقاتلون الإسرائيليين هذا الكيان، هل يقومون بعملية الرحمة، هل يتصفون بالرحمة ? أقول لكم بكل بساطة: لو أن طبيباً جاءه مريض، وهذا المريض في جَسده وَرَمٌ خبيث، وينمو هذا الورم ينمو نُموَّاً عَشوائياً، أرأيتَ لو أنَّ هذا الطبيب قال لهذا المريض: أنا أرحمك، وبالتالي لا أريد أن أستخدم المشرط ولا أستخدم المقص من أجل أن أستأصل هذا الورم لأنني سأجرحك، لو أنَّ هذا الطبيب قال هذا الكلام فلن يكون كلامه يَصُبُّ في مَصَبِّ الرحمة. هذا المثال قلتُه وذكرته من أجل أن أقول بأنَّ هذا الكِيان الغاصب إنما هو وَرَمٌ خبيث وغُدَّةٌ سَرَطانية في جسم الأمة الإنسانية، فعلى أولئك المجاهدين أن يستأصلوا هذه الغُدَّة رحمةً بجسم الأمة الإنسانية، إنهم ظالمون، إنهم مُعتَدُون، إنهم آثمون، إنَّهم مفسدون، إنَّهم شُذَّاذ الآفاق، وبالتالي استئصالهم يعني عين الرحمة بجسم الأمة الإنسانية وليس بجسم الأمة الإسلامية فحسب. القتال ليس رَحمة ولا يَمُتُّ إلى الرحمة بِصِلة عندما يكونُ قِتالاً بين المسلمين، كما يقعُ في بلادنا وفي بعض البلاد الإسلامية، إذ يقاتلُ المسلمُ المسلمَ، فهذا ليس رحمة على الإطلاق، ولا يَمُتُّ إلى الرحمة بِصِلة، أن يقاتلَ المسلمُ المسلمَ من أجل سياسة، أو من أجل مال، أو من أجل ادِّعاء حُكم، أو أو... الخ، فهذا ليس من الرحمة على الإطلاق، الرحمةُ في القتال عندما تُقاتل وَرماً سرطانياً في جِسم الأمة، وقد ثَبتَ عقلاً وتاريخاً ومنطقاً وجغرافيةً وتاريخاً، ثبت أنَّ هذا الكيان الغاصب، أنَّ إسرائيل، أن الصهيونية وَرمٌ خبيث، يتمدَّد في جسم الإنسان، وعلى الإنسانية أن تتعاون من أجل استئصال هذا الورم الخبيث وبكل وضوح. تلكم هي الإنسانية والرحموية، افحصوا ومحِّصُوا أنفسكم على هذا الأساس، هل أنتم رحماء بالمسلمين، بالمؤمنين ? إذاً أنتم مسلمون مؤمنون، وإلا فلا، الأمر بين أيديكم، وأسأل اللهَ عزَّ وجَل أن يجعلنا على طريق أصحاب محمد صلى الله وسلم ورضي الله عنهم، (أشدَّاُء على الكفار رُحماء بينهم) هذا ما أرجو الله عز وجل، وهذا ما أدعو اللهَ عز وجل به، نِعْمَ مَن يُسأَلُ ربُّنا، ونِعْمَ النَّصيرُ إلهنا، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 29/12/2023
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
https://fb.watch/peqfEoxfWl/
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5228/
الدكتور #محمود_عكام
َركانُ_الإنسانية
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
الأعياد والمناسبات مواسم تعارف وتآلف
نعم، لقد جعلنا الله شعوباً وقبائل لنتعارف، وبعد التعارف تآلف، وبعد التآلف تعاونٌ على الخير والبر وما ينفع البلاد والعباد، ولا يحصل التعارف إلا بالتقارب، ومن أقوى تجليات التقارب التزاور، ولا يكون التزاور إلا في المناسبات والأعياد، فهل نحن مدركون ؟! فلا تحوِّلوا يا ناس هذه المناسبات إلى موضوعات للتناكر والتنافر والتباعد من خلال دعوات تنادي بالمقاطعة والمفاصلة والمباعدة بناء على اعتبار قاله فلان أو اعتبار قاله علان. أرأيتَ لو أننا جعلنا نحن أبناء الوطن الواحد يوماً أو أكثر لمعرفة كُلٍّ الآخر ؟! فهل نحن بفعلتنا هذه مخطئون أو خاطئون ؟! يا سادة: نحن نبحث عن مشتركات بين بني الإنسان لنجعلها منطلقات لقاء فيما بيننا وفي هذا اللقاء يعرض كل منا ما ما لديه من أفكار و (أيديولوجيات) برفق وتأنٍّ ورحمة (وإنا أو إياكم لعَلى هُدىً أو في ضلال مبين)، وإلا خبروني عن إمكانية حوار إن نحن جافينا هذا الذي قلت. اللهم رُدَّنا إليك رداً جميلاً.
حلب
1/1/2024
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5102/
الدكتور #محمود_عكام
الشَّهيدُ الشَّيخ العَارُوري قرَّبَ النَّصرَ بإذنِ الله
للنَّصر ثَمن، وها هُم أولاءِ إخوتنا في فلسطين يُؤدُّون هذا الثَّمن، فاللهمَّ اجزِهم عنَّا وعَن بيتِ المقدس وعَن قُبة الصَّخرة كُلَّ خيرٍ ومَكرُمة، واجعَلهم مِن المنصورين، ولِشهيدنا الشَّيخ صَالح الدُّعاء بالرَّحمة والرِّضوان والمغفرة والإحسان، ومعَ الدُّعاء مُعاهدةٌ بالاستمرارِ على الجهاد ضِدَّ الغُزاة المعتدين الآثمين شُذَّاذ الآفاق، وهَا نحنُ أولاءِ نقولُ له: إنَّ دَمَك الطَّاهر قرَّبَ النصرَ بإذنِ الله، لأنَّه بَعضٌ هَامٌ من الثَّمن، ثمن النَّصر الإلهي: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنصُرُه) مَن ينصرُ دِينه بالدِّفاعِ عنه وعَن صَفائِه ونَقائه ومُقدَّساته وجَوهره وحَقيقته.
طِبتَ حَيَّاً وشَهيداً أيُّها الشَّيخُ الجليل، واللهُ يتولَّى فِلسطين ومُجاهدي فِلسطين، وشَعبَ فِلسطين، وكُلَّ مَنْ يَسعى لِرفعةِ فِلسطين إلى يومِ الدِّين.
حلب
3/1/2024
الدكتور محمود عكام
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5229/
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
بقلبٍ سليم
أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:
العاقلُ فينا مَن يتفقَّد صِحَّته الجسمية، وأهمُّ ما في الجسم هو القلب، فأنتَ بينَ الفَينة والفَينة تتفقَّد صِحَّة قلبك المادي من خلالِ علامات وإشارات، فإن كانت هذه العلاماتُ إيجابية اطمأنَنْت على صحة قلبك، وإن كانت - لا سمح الله - سَلبية هُرعتَ إلى الطبيب من أجل أن يداويك وأن يعالجك، هذا ما يتعلَّق بالقلب الصنوبري المادي الجسمي. العاقل من يتفقَّدُ صِحَّته المادية الجسمية، ولكن العاقل المؤمن هو الذي يتفقَّد صِحَّته الجسدية وصحته المعنوية، وأهم ما في الصحة المعنوية القلب، فهل تتفقَّدُ قلبَك ? هل تتفقَّدُ قلبَك من أجلِ أن يَبقى سَليماً (يومَ لا ينفعُ مَالٌ ولا بَنون. إلا مَن أتى اللهَ بقلبٍ سَليم) العِبرة بالقلب، هل تتفقَّدُ قلبك ? أتريد علامات أجل أن تستدلَّ بها على صحة قلبك الإيماني المعنوي فإليكها:
العلامة الأولى: العبادة بحب: إن كُنتَ تُطيع اللهَ عَزَّ وجَلّ بحب، إن كنت تعبدُ الله عَزَّ وجَلّ بحب، إن كنت تُسارع إلى العبادة الصِّرقة من صلاةٍ وصيام، وإلى العبادة العامة من التزامٍ بأوامر الله عَزَّ وجَلّ بحُب فقلبُك سليم، (ولا يَزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحبَّه) قلبُك سليم، علامة أولى على سلامة قلبك.
العلامة الثانية: عدم التعلُّق بالدنيا: هل قلبُك هذا متعلِّقٌ بالدنيا أم أنَّك زاهدٌ فيها ? ومعنى الزُّهد أن يكون قلبك غير متعلق بالدنيا، أنَّ قلبَك مُعلَّقٌ بربك، أنَّ قلبَك يسكُنه ربك جَلَّت قدرته، (ازهد في الدُّنيا يُحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس) هكذا قال عليه الصَّلاة والسلام، وقال أيضاً: (إذا أحبَّ اللهُ عبداً حَماه من الدُّنيا مِن أن يتعلَّقَ قلبُه بها وفيها، كما يَظَلُّ أحدُكم يَحمي سقيمَه من الماء) فإذا كانَ قلبُك مُتعلِّقاً بالدنيا، تُحبُّ الدنيا فلا يَجتمعُ في القلب حُبَّان، حُبُّ الله وحُبُّ الدُّنيا، وأنا لا أقول لك بأن تهجر الدنيا لا، ولكن، قرأتُ عبارة لسيِّدنا عبدالقادر الجيلاني، يقول رضي الله عنه: "أخرج الدُّنيا من قلبك، وضَعْها في يدك"، أنا لا أقول أعرض عن الدنيا، ولكن لا تُعلِّق قلبك بالدنيا، أخرج الدُّنيا من قلبك وضعها على كَفِّك، فإن هي ذهبت فالله عندك، والله يُغنيك عن كل شيء، وإن هي بقيت فلستَ بمتعلقٍ بها، وإنما تعلقك بربك جلت قدرته، الدنيا بيدنا، الإخلاص كما قال سيدنا عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه: "الإخلاص أن تقول (الله) وليسَ في قلبك سِواه" إذا كنتَ غير متعلق بالدُّنيا، وإذا كان قلبك يسكنه ربك فاعلم بأنَّ قلبك سليم.
العلامة الثالثة: الصَّبر على الابتلاء، وما أقلَّ الصابرين، (إذا أحَبَّ اللهُ عبداً ابتلاه) هكذا قال عليه الصَّلاة والسلام، وفي روايةٍ: (إذا أحب اللهُ عبداً ابتلاه ليسمعَ تَضُرَّعه إليه) سَلْ نفسَك: هل أنت صابر، هل أنت مُحتسب، هل أنت رَضِيٌّ بقضاءِ الله عَزَّ وجَلّ وقَدَره، أم أنك تشكو وتشكو وتشكو، تشكو رَبَّ العِباد إلى العباد.
إنْ جَلَّ خَطْبٌ قُمْ لَهُ سَحَراً ........ ونَادِهِ بِعَظيمِ لُطفِكَ يَا هُو
نَـاجِ الإلـهَ بمُقلَةٍ فَـيَّـاضَــةٍ ........ مـا خَـابَ وايمُ الحَـقِّ مَن ناجَاهُ
في الليلِ قُم، اشكُ أمرك لربك، اصبر، لأنَّ الصابر يَدخُل الجنةَ بغيرِ حِساب، (إنما يُوفَّى الصَّابرون أجرهم بغير حساب) اصبر، فهذا دليلٌ على سَلامةِ قلبك، (الذينَ قالَ لهمُ النَّاسُ إنَّ الناسَ قد جَمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل. فانقلبوا بنعمةٍ من اللهِ وفَضلٍ لم يَمْسَسهم سُوءٌ واتَّبعوا رِضوانَ الله) اصبر ففي الصَّبر مَنجاة، اصبر ففي الصَّبر دخولٌ للجنة من غير حساب، اصبر وابقَ على العمل وكأنَّ الذي تنتظره حَصل، أريدك أن تبقى على العمل مُتابعاً ومُثابراً وإياك واليأسَ والقُنوط، (واصبِر وما صَبرُك إلا بالله)، (أتصبرون ؟) نعم نُريدُ أن نصبر، وهنا أتوجَّهُ إلى إخواننا في فلسطين، وإلى إخواننا في كل مَكانٍ يُقاتَلون فيه بغيرِ حَق، أقولُ لهم: (اصبِروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله) والنصرُ حليفُ الصَّابر، اتقِ الله يا مؤمن، (واعلم أنَّ النَّصرَ مع الصبر) هكذا قال مُعلِّم البشرية عليه الصَّلاة والسلام، (اصبروا وصابروا)، اصبر وعَلِّم الصبرَ مَنْ حَولك، اصبر وصَبِّر غيرَك، اصبر وصَبِّر جَارك، وقُل لهذا الذي تُصبِّره ويصبرك: النصرُ آتٍ بفضلِ الله عَزَّ وجَلّ، واللهُ سيأتي بالنَّصر من خلالِ رحمته وحِكمته، إذا صبرتَ - حَسْبَ ما ذكرنا - فقلبُك سليم.
العلامة الرابعة والأخيرة: انظر محبتك ربَّك ومحبَّتك أهلَ ربِّك، انظر محبَّتك نبيَّك، محبَّتك آلَ بيتِ نبيِّك، انظر قلبَك هَل يُحبُّ قلبك ربَّك، وهل يحبُّ قلبك أنبياءَ الله، وهل يحبُّ قلبك الأولياءَ والصَّالحين، وآلَ بيتِ رسول الله، جاءَ رجلٌ إلى الحسن البصري قال له: "يا سيدي، كيفَ أعرفُ مكانتي عند الله ? فقال: انظُر مكانةَ الله عندك" إذا أحبَّ قلبُك ربَّك فقلبك سَليمٌ بامتياز، إذا أحبَّ قلبُك رسولك عليه الصَّلاة والسلام فقلبك سليم، والحبُّ ليسَ ادَّعاءً، وليسَ كلماتٍ نقولُها، وليسَ شِعراً، وليسَ نثراً، الحبُّ الذي يسكُنُ قلبَكذ، الحب تضحية، قِيلَ لزيدِ ابن الدَّثِنَّة وقد وُضِعَ على الصَّليبِ ليُصلَب مِن قِبل مُشركي قريش، قال قائلهم: أتريدُ لو أنَّك في بيتك آمِن، وأنَّ مُحمَّداً مكانَك ? فقال: "واللهِ ما أُحِبُّ لو أنِّي في بيتي آمِن وأنَّ مُحمداً يُشاكُ بشوكة في يده" الحُبُّ تضحية، فهل أنت تُحبُّ فلسطين، هل تضحي من أجلِ فلسطين ? لا أعني من أجل الحجر، ولكن من أجل رَمزيَّة فلسطين، لأنَّ فلسطين تعني بيتَ المقدس، وبيتُ المقدس أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومُنتهى الإسراء، ومبتدأُ المعراج، لأن فلسطين رمزٌ لهذا الدِّين الحنيف، فلسطين بيتً المقدس، مع الحرمين الشريفين يُشكِّلان خَطَّاً استوائياً تستوي عليه القلوب، الحبُّ تضحية، الحبُّ رحمة، الحب مصابرة، إذا أحببتَ ربَّك فهذا دليلُ سلامةِ قَلبِك، أولى الناس بي أناسٌ يأتونَ بعدي) هكذا قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسلام: (أولى النَّاسِ بي أناسٌ يأتونَ بعدي يَوَدُّ أحدُهم لو رآني بأهله وماله) هو يُقدِّمُ أهله ومالهَ مُقابلَ أن تقَعَ عَينُه على هذا النُّورِ الوَضَّاء، على المصطفى صلى الله عليه وسلم.
هذه علامات إن كنتم قد أدركتموها فالقلب سليم، وإلا فاجتهدوا، واذهبوا إلى الطبيب، ولا طبيبَ إلا سَيِّدي وسَندي وقُرة عَيني محمد عليه الصلاة والسلام:
أتيناك بالفقرِ يا ذَا الغِنى ........ وأنتَ الذي لَم تَزَل مُحسِناً
وَعَوَّدتَنا كُلَّ خَيرٍ عَسَى ........ يَدُومُ الذي مِنكَ عَوَّدتَنا
أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 5/1/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
https://fb.watch/pnEv6-1Nu8/
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5230/
الدكتور #محمود_عكام
#بقلب_سليم
#خطبة_الجمعة
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
التفكُّر فريضةٌ إسلامية
أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:
يشكو بعضُ الناس من وسواس، ويكاد هذا الوَسواس يَشُلُّ حياته، يسألني عن دواء، أقول له: هناك أمران اثنان، إن تركتَ أحدَهما وقعتَ في الآخر. ما وقعتَ في الوسواس إلا لأنك تركتَ التفكُّر، والتفكر أمر غائبٌ عنا، وهو فريضة، إن أردتم معرفة حُكمه هو فريضة، وانظروا آياتِ الله عَزَّ وجَل في قرآنه الكريم كيفَ تَدُلُّ على ذلك، لذلك أدعو نفسي وإيَّاكم إلى ممارسة هذه الفريضة، إلى التفكُّر، ولا سيما إذا كنتَ بينَك وبين نفسك، عندما تخلو بنفسك، ما الذي تفعله ? تفكَّر. فيمَ أتفكَّر ?
تفكَّر في خلقِ الله، في آيات الله، فإن تفكَّرتَ في آياتِ الله، في خلقِ الله، فسيقوى إيمانك، وستزدادُ معرفتُك، (إنَّ في خلقِ السَّمواتِ والأرض واختلافِ الليلِ والنَّهار لآياتٍ لأولي الألباب. الذين يذكرون اللهَ قِياماً وقُعوداً وعلى جُنوبهم ويتفكَّرون في خلقِ السَّمواتِ والأرضِ ربَّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سُبحانك فَقِنَا عذابَ النار) تفكَّر في آيات الله، في تلك العظمة، قُل ما أعظمَ خلقَ الله، قل ما أعظم هذا الخلق الذي خلَقه اللهُ عَزَّ وجَل، (سَنُريهم آياتِنا في الآفاقِ وفي أنفسِهم حتى يَتبيَّنَ لهم أنَّه الحق)، (فليَنظُرِ الإنسانُ مِمَّ خُلِق. خُلِقَ من ماءٍ دافق. يَخرُجُ من بين الصُّلبِ والتَّرائب) فَكِّر وتفكَّر في خلقه، (أفَلا ينظُرونَ إلى الإبِلِ كيفَ خُلقت. وإلى السَّماء كيفَ رُفِعت. وإلى الجبالِ كيفَ نُصِبت. وإلى الأرض كيف سُطِحت. فذكِّر إنَّما أنتَ مُذكِّر) تفكَّر في آياتِ الله من أجل أن تقوى مَعرفتُك، ومن أجل أن يَقوى إيمانك، تفكَّر في آياتِ الله أولاً. انظُر هذا الأعرابي، كان في الصحراء حيث يسكن، فقال كلمته التي أصبحت رائدةً في الاستدلالِ على وجود الله تعالى، قال وهذا جاءَ نتيجةَ تَفكُّر: "البَعْرةُ تَدُلُّ على البعير، وأثر الأقدامِ يَدلُّ على المسير، سَماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذاتُ فِجاج، أَفلا تَدُلَّان على اللطيفِ الخبير?!". عندما تسهر أنتَ في الليل، في الصَّيف أو في الشتاء، عندما تكون في داخل الغرفة، وعندما تكون على الشُّرفة، باللهِ عليكَ بِمَ تُفكِّر ? أنا أعلم بأنَّ وسواساً يُسيطِر عليك، تُفكِّر في سَوادِ الغَد، تُفكِّر في ما سيأتي من سُوءٍ في الغد، ولو أنك تفكَّرتَ في آياتِ الله لانزاحَ عنك الوسواس، ولاطمأنَّت نفسُك أيها الإنسان الباحث عن طُمأنينة.
تفكَّر ثانياً في نِعمِ اللهِ عليك، تفكَّر في نعمة البصر، تفكر في نعمة السَّمع، تفكر في نِعمةِ الحركة، تفكَّر في نعمة الطَّعام، تفكر في نعمة الشَّراب، تفكَّر، تفكَّر في كلِّ هذه النِّعم التي تَلُفُّك والتي تَحتِضنك والتي تعيشُ بين ردهاتها والتي تتقلَّبُ على صَفحاتها. تفكَّر في آلاءِ الله من أجل أن تقوى محبَّتك لله، (أحبُّوا اللهَ لِما يَغذُوكم من نِعِمه) لو سألتَ ولدَك: هل تُحبُّ أباك ؟ فسيقولُ لكَ نعم. لأنَّه يفكر في آلائك نحوه، لأنه يفكِّر في إحسانك:
أَحسِنْ إلى الناسِ تَستَعبِدْ قُلُوبَهمُ ولطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
تفكَّر في نعمةِ الله ونِعمِه عليك، من أجل أن تحمَدَه، من أجل أن يزدادَ حُبُّكَ إيَّاه، من أجل أن تشكُره، ألسنا مُقصِّرين في فريضة التفكُّر ؟!
تفكر ثالثاً في وعدِ الله، في جَنَّته، نتكلم عن الجنة وكأنَّها خَيال، وكأنَّها أمرٌ مَوهوم، تفكر في الثَّواب، تفكَّر في وَعدِ الله وثَوابه وأجرِه وأنت تقرأُ قولَه تعالى: (إنَّ للمتقينَ مَفازاً. حَدائقَ وأعناباً. وكَواعبَ أتراباً. وكأساً دِهاقاً. لا يسمعونَ فيها لغواً ولا كِذَّاباً. جَزاءً من ربِّك عَطاءً حِساباً)، (إنَّ المتقينَ في جَنَّاتٍ ونَهَر. في مقعدِ صِدقٍ عندَ مَليكٍ مُقتَدر) تفكَّر في وعدِ الله وثوابِه من أجل ماذا ? من أجل أن تزدادَ طاعةً لله عَزَّ وجَلَّ وعبادة، (إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ كانت لهم جَنَّاتُ الفِردوسِ نُزُلاً. خالدينَ فيها لا يَبغونَ عنها حِولاً) تفكَّر في هذا الثوابِ العظيم، أنت تقرأُ هذا ولكنَّك لا تتفكَّر فيه، ولا تُفكِّر به، أنت تقرأُ هذا وكأنَّ هذا الوصفَ لإنسانٍ سِواك، لا يا أخي، هذا الثاوب لك، وهذا الأجرُ لك، وهذه الجنةُ لك، وهذا النَّعيمُ لك، ولكن من أجل أن تزدادَ طاعةً حتى تزدادَ نَعيماً، حتى تُلحقَ بالنَّبيينَ والصِّديقينَ والشُّهداء والصَّالحين وحَسُنَ أولئك رفيقاً.
رابعاً تفكَّر في حالِ هذه الأمة أكثر ممَّا تتفكَّرُ في طعامك وغَدائك وعشائك، ولو أنَّ كلاً منا تفكَّر في وضع الأمة وحال الأمة عُشْرَ ما يَفكِّر ويتفكَّر في غَدائه كيف وماذا سيتغدَّى، فإنَّه سَيصل إلى حَلٍّ من أجل أن يقضي على مشكلات هذه الأمة، تفكَّر في حالِ هذه الأمة، تفكَّر في المآل الذي آلت إليه، في هذا التَّشرذم، في هذا التَّفرق، إخواننا في فلسطين، إخواننا في غَزَّة، وبعضُ إخواننا - بحسبِ الظَّاهر - يَسرحون ويَمرحون ويَلعبون، وكأنَّ أمراً لم يحدث، مَن كانَ يَرقصُ فهو مُستمرٌّ على رقصه، ومَنْ كان يُغنِّي فهو مُستمرٌّ على غنائه، ومَن كان يَفجُرُ مُستَمرٌّ في فُجوره، تفكَّر في حالِ هذه الأمة وكيف تَعيشُ التَّشرذم، وكيف تَعيشُ التَّفرق، وكيفَ تعيشُ اليأس، ولكن إياكَ أن تقتصرَ على هذا، تفكَّر أيضاً بأنَّ بعضاً من هذه الأمة على رأسِ عمله يعمَل بجد ونشاط، يعملُ وفقَ الشَّريعةِ الإسلامية الغَرَّاء مُبتغياً وجهَ الله عَزَّ وجَلّ، فكُن مع هؤلاء، وقُل: يا رب اجعلني مع الفئة المؤمنة المسلمة العاملة المجاهدة، اجعلني مع أولئك الذين يَعملون بإخلاص ووَفاء، من أجل ان يَرضَى ربُّهم عَنهم، ومن أجل أن يُقدِّموا النفعَ للعِباد، فَكِّر وتَفكَّر في حالِ هذه الأمة، من أجل أن تكونَ مُؤمناً فعلاً، وأن تلحقَ بجماعة المؤمنين، ومن أجل أن ترفعَ يديك إلى السماء لتدعو دعاءً إلى الله عَزَّ وجَل، وكثيراً ما رَكَّزنا وقُلنا: ادعوا اللهَ في خَلَواتكم وصَلَواتكم للمسلمينَ كافَّة، للمؤمنين كافة، للإنسانية كُلِّها، هيا يا إخوة اجأروا إلى الله عَزَّ وجَل بالدُّعاء، وقولوا: اللهمَّ انصُر إخواننا في فلسطين، اللهمَّ رُدَّ المسلمينَ إلى دينكَ رَدَّاً جَميلاً، اللهمَّ عليكَ بأعداءِ الدِّين، اللهم أصلح شبابَ المسلمين، اللهم أصلح بناتِ المسلمين، اللهمَّ أصلِح الإنسانية كلها، اللهمَّ أَزِل من قُلوبنا الغِلَّ والحِقدَ على بعضِنا.
تفكَّر في حالِ الأمة يا أخي، أنت فَرد، (من لم يهتمَّ) هكذا قالَ مُعلِّمُك ومُعلِّمي ومُعلِّمُ الإنسانية، قال عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (من لم يَهتمَّ لأمرِ المسلمين فليسَ منهم) فهل تتفكَّر في أحوالهم لتكونَ منهم، من أولئك الراشدين ؟! أسألُ اللهَ عَزَّ وجَل.
لا مَجالَ للوسوسة ولا للوَسواس إذا ما كُنتَ مُتفكِّراً في هذا الذي ذكرت، اللهم إنا نسألك بحقِّ مُحمد وآلِ مُحمد أن تُوفِّقنا للتَّفكُّر والتَّفكير الصَّحيح، وللعملِ وللنَّشاط فيما يُرضِيك عَنَّا يا ربَّ العالمين، نِعْمَ مَن يُسأَلُ أنت، ونَعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 12/1/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
https://fb.watch/pwUjKlVAtC/
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5231/
الدكتور #محمود_عكام
#التفكُّر_فريضةٌ_إسلامية
#خطبة_الجمعة
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
أَحبُّوا أَرضَكم
وحُبُّ الأرضِ وَفاءٌ لها، والوَفاءُ للأرض عَمَارٌ وبِناءٌ وتَنميةٌ وازدهار، فاللهُ استعمَرنا فيها، أي خَلَقنا عليها، لنَعمُرها ونَبنيها ونَجعلها صالحةً مِعطاءة تُشبِه في رَوْنَقها تِلكَ الجَنَّة التي سنؤول إليها بفضلِ اللهِ ورحمته.
فمَنْ جَعلَ أرضَ الدُّنيا جَنةً من حيثُ المادة (الشَّكل والزَّرع والعَطاء) ومن حيثُ المعنى (الصَّفاء والنَّقاء والمحبة والبِناء) فمآلُه إلى جَنةِ الخلد إن شاءَ الله وبناءً على وعدِ الله، ومَنْ أحرقَ أرضَ الدُّنيا ودَمَّرها وخرَّبها وجعلَ أهلَها يَكتنفُهم الرُّعب والخوف، وأشاعَ فيها الكَراهية والبَغضاء والفَاحشة والفَساد فمآلُه إلى النَّارِ (جهنم) (جزاءً وِفَاقاً. إِنَّهم كانوا لا يَرجُون حِساباً. وكَذَّبوا بِآياتنا كِذَّاباً).
نعم، أَحِبُّوا أرضَكم كُلَّ الأرض التي جُعلت لنبينا عليه الصَّلاة والسَّلام مَسجداً وطَهوراً، وازدادوا حُبَّاً لتلك الأرضِ التي تَعيشون عليها وقَد وُلدتم فيها لأنَّها وَطن، والوطن جِدُّ غَالٍ، فيا ربِّ احفظ بحمايتك وطننا.
حلب
15/1/2024
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5232/
أحبَّاءُ الله محسنون
أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:
بين الفَينة والأخرى يَودُّ الإنسان نفسُه أن يتأكَّد من إنسانيته أتراك بقيتَ على خطِّ الإنسانية التي شرَّفكَ اللهُ عزَّ وجل بها أم أنك انزحتَ عن هذه الإنسانية ؟ لعلَّك تطلبُ مني دليلاً من أجل أن تستدلَّ به على إنسانيتك، أقول هنالك أدلةٌ كثيرة، من جملة هذه الأدلة استعدادُك للحُب، إذا كُنتَ مُستعداً للحُب، والحُب غير الشَّهوة، الحب يعني أنَّك صاحبُ عاطفةٍ سَامية، استعدادُك للحب دليلُ إنسانيتك، فإذا ما سَعيتَ من أجلِ أن تَتحقَّق بالحُب مُحِباً ومَحبوباً فهذا دليل على أنَّ منسوب إنسانيتك فيك مرتفعٌ جداً، فإذا وصلتَ إلى مَن ينبغي أن تحب فهذا دليلٌ على أنَّ إنسانيتك قد تكاملت، ومن الذي يَنبغي أن تُحبّ ? الذي خَلَقك، صاحبُ النِّعمة الكبرى عليك، الذي أوجَدك، الذي جَعلكَ إنساناً سَوِيَّاً، الذي نَفَخَ فيك، (فإذا سَوَّيتُه ونفختُ فيه من رُوحي فقعوا له سَاجدين) إذا وصلتَ إلى ضَرورة أن تحبَّ ربَّك فأحببتَه فاعلم بأنَّ إنسانيتك مُتكاملة، لكنني سَأحدِّثك أمراً أقوى، سأقولُ لك: فما بالُك لو أنك كُنتَ محبوباً من قِبلِ هذا الذي أَحببتَه، من قِبَل خَالقك، فهذا دليلٌ على اصطفائك، وأنَّك اصْطُفيتَ مِن ربِّ العزة فأحبَّك، أن تُحِبَّ ربَّك دَليلُ تكاملِ إنسانيتك، أن يُحبَّك ربُّك دليلُ اصطفائِك من قِبَلِ ربِّك، ويا هَناءك إذ تُصطَفى فَيُحبُّك ربُّك، يا هناكَ. أيضاً تقول لي: وكيف أعلم بأنَّ الله يحبني ؟ أقول لك على سبيل المثال وليسَ على سبيل الحصر: أما قرأتَ قولَه تعالى: (وأحسنوا إنَّ الله يُحبُّ المحسنين) إذا كُنتَ مُحسِناً فاللهُ يُحبُّك، هكذا قالَ ربُّنا جَلَّ شأنُه ذاته في القرآن الكريم: (وأحسِنوا إنَّ اللهَ يُحِبُّ المحسنين) ما الإحسان من أجل أن أتحقَّق به حتى يُحبني ربي ؟ الإحسان شَرحَه رسولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم المحبوبُ الأكمل والأجمل والأفضل لربِّنا جَلَّت قُدرته، قال: (الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنَّك تراه، فإن لم تَكُن تراه فإنَّه يراك) هل أنتَ مُحسِن ? هل أنتَ في سِرِّك أفضلُ منك في جَهرك ? إذا كنتَ أنتَ في سِرِّك أفضلَ منك في جَهرك فأنت مُحسِن، إذا كانت صلاتك حينما تخلو بربك، بينك وبين نفسك أفضلَ من صلاتك حينما تكونُ مع الناس فأنتَ مُحسِن، إذا ذكرتَ اللهَ خالياً ففاضَت عَيناك فأنتَ مُحسِن، إذا ابتعدتَ عن الحَرام في السِّر ولم يَرَك أحدٌ فَقُلت: إني أخافُ اللهَ رَبَّ العالمين فأنتَ مُحسن، (وَرَجُلٌ دعته امرأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجَمال) وفي السِرٍّ وليسَ بينهما إلا الله فقالَ: (إني أخافُ اللهَ رَبَّ العالمين) فأنتَ محسن، سِرُّكَ خيرٌ من عَلانيتك، ولذلكَ جاءَ في الأثر: "اللهمَّ اجعَلْ سَريرتي خَيراً مِن عَلانيتي، واجعَل عَلانيتي صَالحة"، الصيامُ عَلانية، أن تصومَ، أن تمتنعَ عن الطَّعامِ والشَّراب هذا صِيام، ولكن أن تمتنعَ عن المحرمات في سِرِّك وجَهرك فهذا صَوْم، ومَطلوبٌ منَّا في رَمضان الصَّوم الذي هو غَايةُ الصِّيام، أن تُحسِن، أن تُتقِن عَملك وأنتَ لا يُراقبك أحدٌ إلا الله لأنَّك تحبُّ الله فأنت مُحسِن، (إنَّ اللهَ يُحِبُّ إذا عَمِلَ أحدُكم عَملاً أن يُتقنه) أتريدُ أن تَصِلَ إلى مرتبة الإحسان، ولا تنسَ أنَّ الإحسان أن يكونَ سِرُّك خيراً مِن جهرك، وأن يكون جَهرُك صالحاً، هل أنت في السِّر أفضل منك في الجهر ? تأكَّد من نفسك، إذا كانَ الأمر كذلك فأنت محسن.
أتريدُ أن تَصِلَ إلى درجةِ الإحسان، اذكر الله عَزَّ وجل قِياماً وقُعوداً وعلى جَنبِك، أكثر من ذكرِ الله عَزَّ وجل، وبالتالي ستكونُ جليسَ الرحمن إن أنت ذكرتَه، (أنا جليسُ مَن ذَكرني)، وبالتالي إذا جالسك الرَّحمن فمعنى ذلك أنَّ الله الذي جالسك يُحبُّك، وبالتالي تَصِلُ إلى مرحلة الاصطفاء. اذكُر الله عز وجل، لِيكُن لك وِرْد ولا سيما في تلك الأيام العَصيبة، كُلنا يشكو، ولكنه لا يرفعُ شكواه لربه من خلالِ استغفار، من خلالِ صلاةٍ على النبيِّ المختار، ربُّنا عَزَّ وجل يقول، وأنتم تتلون هذه الآية: (وما كانَ اللهُ لِيُعذِّبهم وأنتَ فيهِم وما كانَ اللهُ مُعذِّبهم وهُم يَستغفرون) فإذا كُنَّا نعيشُ العذابَ تِلوَ العذابِ، فهذا يَعني أنَّ الاستغفارَ مَفقود، وأنَّ الاستغفارَ لا يَتحصَّل منا ولا يَنتُجُ عنا، ولا نُصِدَّرُه نحوَ السماء، ومن أجل هذا، أو تطبيقاً لهذه الآية قال بعضُ الصَّالحين (وما كان الله ليعذبهم وأنتَ فيهم وما كانَ اللهُ مُعذِّبهم وهم يستغفرون) قال بعضُ الصَّالحين: "أنصَحُكم بصيغةٍ فيها صَلاةٌ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم وفيها استغفار، وبذلكَ تتحقَّقون بهذه الآية، والصِّيغة هي: "اللهمَّ صّلِّ وسَلِّم على الذَّاتِ المحمَّدية والآل، واغفِر لنا ما يكونُ وما قد كان"، (وما كان الله ليعذبهم وأنتَ فيهم وما كانَ الله مُعذِّبهم وهم يستغفرون).
من أجل أن تكونَ مُحسِنا اقرأ سيرةَ الصَّالحين، عَوِّدوا أبناءَكم على قراءةِ سيرةِ الطيِّبين الصَّالحين، على قراءةِ سيرة السَّلفِ الصَّالح، بالأمسِ كُنتُ أقرأ في سُنن التِّرمذي هذا الحديثَ الذي تعرفونَه عن سيدنا أبي بكرٍ رضي الله عنه وعن سيدنا عمر، يقول: أمرنا رسولُ الله أن نتصدَّق، أولئك مُحسنون لأنهم يُحبُّون الله، وأعتقدُ أنَّ اللهَ أحبَّهم، أحَبُّوا رسولَ الله، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَحبَّهم، أمَرنا أن نتصدَّق فقالَ عُمر رضي الله عنه: اليومَ أُسابقُ أبا بكر، فأتيتُ رسولَ الله بنصفِ مالي، وقال لي يا عُمر ما تركتَ لأهلِك ؟ قال: مِثلَه، وفي روايةٍ: نِصفَ مالي، وفي روايةٍ: شَطرَ مالي. وجاءَ أبو بكر رضي الله عنه، وهم محسنون، هكذا يُنتِجُ الإحسان هذه الأفعال، هل أنتَ مُحسِن ? وجاءَ أبو بكر ووضعَ ما جاءَ به مِن مالٍ بين يدي النبي عليه الصَّلاة والسلام، فقالَ له: يا أبا بكر ما أبقيتَ لأهلك ? قال: أبقيتُ لهم اللهَ ورسولَه. قال عُمر ومن يومِها عَزمتُ على أن لا أُسابقَ هذا الرجل، لأنه سَبَّاق، ولأنَّه يسبقني، ولو حرصتُ على السِّباق معَه لسبقني دائماً. قراءةُ سيرةِ المحسنين تنفعُنا في الوصول إلى أن نكون من المحسنين، اللهم إني أسألك أن توفقنا للإحسان يا ربَّ العالمين، نِعْمَ مَن يُسأَلُ أنت، ونَعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 19/1/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
https://fb.watch/pG7JzRwvPq/
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5233/
الدكتور #محمود_عكام
َحباء_ الله_محسنون
#خطبة_الجمعة
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
الاحتِياطُ في الدِّين
كَثيراً ما أسمعُ من بعضِ الشُّيوخ قَولتهم: "والأَحْوَطُ كَذا" فما هو الأحوط ؟!
فإذا كانَ ثمة قولان في مسألةٍ ما، قولٌ فيه تَيسيرٌ وتَسهيل، وقولٌ فيه تَشديدٌ فالأحوطُ هو الأخذُ بالقولِ الأول، على خِلافِ ما يَعتقده عددٌ من المشتغلين بالفقه، ولهذا يُمكننا القول: الاحتياطُ في التَّوسعة وليسَ في التَّضييق، فَما خُيِّرَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين أمرين إلا اختارَ أيسرَهما، وها هُو ذا يقول: (يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّروا)، ولا تُحَجِّر وَاسعاً يا أخَا العَرب. ورَبُّنا يقولُ جَلَّ شَأنُه: (ورَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيء)، نعم، الاحتياطُ أن تُبعِدَ النَّاسَ قَدْرَ الإمكانِ عن النَّار لا أن تَسعى جَاهِداً لِتَقريبهم منها، وقد وَرَدَ عنِ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قَال: (أَيُّما امرئٍ مُسلمٍ شَهِدَ لهُ أربعةٌ بخير أَدخَلَه اللهُ الجنَّة. فقالَ رَجلٌ: وثَلاثة ؟ فقالَ الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم: وثلاثة. فقالَ آخر: واثنان ؟ فقالَ الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم: واثنان. يقولُ الرَّاوي: ثم لم نسأَلْه عن الواحد).
صلَّى اللهُ عليكَ يا سَيِّدي يا رسولَ الله يا أيُّها الرحمةُ المهداة.
حلب
21/1/2024
الدكتور محمود عكام
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5234/
الدكتور #محمود_عكام
#الاحتِياطُ_في_الدِّين
المسؤولية وجود
أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:
قالوا قديماً على لسان أحد الفلاسفة: "أنا أفكر إذاً أنا موجود"، وأقول: "أنا أشعر بالمسؤولية إذاً أنا موجود" الإنسان يساوي مسؤولية، إن أحسست أو شعرت بالمسؤولية فأنت إنسان موجود، يعني فعلاً موجود، والمسؤولية أمانة: (إنا عرضنا الأمانة على السَّموات والأرض والجبال فأبينَ أن يحمِلنها وأشفقنَ منها وحملها الإنسان إنه كانَ ظلوماً جَهولاً) تسألني المسؤولية عن ماذا ? أنت مسؤول أيها الإنسان، وأنت أيها المسؤول إن كنت تشعر بالمسؤولية فأنت إنسان مسؤول عن ماذا ? مسؤول عن جسمك من أجل أن ترعاه، وأن تُبعدَ عنه ما يُؤذيه، مَسؤولٌ عن عَقلك من أجلِ أن تجعله يسيرُ في خَطِّه الصَّحيح كما تكلمنا في الأسبوع الفائت، يسيرُ في التفكر الذي يُوصلك إلى الإيمان بالله عز وجل، أنت مسؤولٌ عن قلبك من أجل أن يُمَتِّعَ هذا القلب بحُبِّ اللهِ وحُبِّ رسوله، وحُبِّ الصَّالحين، وحب الخير. أنت مسؤول أيها الإنسان عن جوارحك من أجل أن تستعملها فيما يُرضي ربَّك الذي آمنتَ به حسبَ ما قادَك إليه عقلُك، أنت مسؤول عمَّن حَولك، فإن كُنتَ أباً فأنت مسؤول عن أسرتك تربيةً ورِعايةً (كفى بالمرءِ إثماً أن يُضيِّعَ مَن يَعُول) مسؤولٌ عَمَّن حولك إذا كنت أستاذاً فأنت مسؤولٌ عن طلابك تَعلُّماً وتَعليماً وتوجيهاً وتربيةً وتخلقاً وتَخليقاً، إن كنت حاكماً فأنت مسؤولٌ عن مُواطنيك عدلاً، عليك أن تعدل فيهم، إن كنت صاحبَ مصنعٍ فأنت مسؤول عن عُمَّالك من أجل أن يكونوا في دائرة العدالة وفي دائرة الاستحقاق الصَّحيح، إن كنتَ إن كنت... أنت مسؤول عمَّن حَولك، وعمَّن للعاقل، وأنت مسؤولٌ عمَّا حولك، وعَمَّا حولَك عن الجمادات، عن الأشياء، عن لباسك، عن أرضك، عن حديقتك، عن وطنك، عن بلدك عِنايةً ورِعايةً، وعليك أن تكون راعياً لما حَولك من جَمادٍ وحيوان، مسؤولٌ عن الحيوان، مسؤول من أجل أن تكون مع هذا الحيوان رَفيقاً رَقيقاً، ومع الجَمادِ مُعَمِّراً وبَنَّاءً، لا مُخرِّباً ولا مُهتِّكاً، أنت مسؤول، فهل تُفكِّر بهذه المسؤولية صباحَ مَساء ? هل تستيقظ وتقول بينك وبين نفسك: أنا مسؤول، وعَمَّا أنا مسؤول ؟ أنت مسؤول عن هذا الذي ذكرت، وعليكَ أن تُفصِّل أكثر وأكثر بحسبِ عملك وشغلك، بحسب مكانتك ووظيفتك، واسمع مني هذا الحديث المعروف المشهور، ولربَّما قرأتَه وتلوتَه مئات المرات، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسأَلَ عن أربع: عن جَسده فيما أبلاه)، فيمَ أبليتَ جَسدك، بالسَّهر الفارغ، باللهو، بالمعاصي، بالآثام (عن جَسده فيما أبلاه، وعن عُمره فيما أفناه، وعن مالِه من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعمَّا عَمِلَ فيما علم) عن علمه فيما عمل فيه، إن تعلَّمتَ ولو كانَ أمراً بسيطاً، ماذا عَمِلَت بهذا العلم ? هل عَلَّمتَ الآخرين ? هل طبَّقتَ العلم، أم أبقيت العلم في صدرك من غير ما تعليم، ومن غير ما تطبيق، (لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسألَ عن أربع)، وفي رواية: (عن خَمس) والخَمسُ عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) عن مالِه من أين اكتسبه، هذه واحدة، وفيما أنفقه هذه ثانية، وليس ثمة تعارض بين الروايتين.
وتطلبُ مني أن أبينَ لك ما يُقوِّي هذه المسؤولية فيك، يعني تسألني كيف أقوِّي وأدعم وأؤيد هذه المسؤولية فيَّ ? أقول لك: أولاً وأخيراً رَدِّد بينك وبين نفسك وقل: "الله شاهدي، الله معي، الله يراقبني" الله يراقبك، وكما قلت لك بالأمس: اللهمَّ اجعَل سَريرتي خيراً من عَلانيتي، واجعل عَلانيتي صالحة، (يَعلَمُ خَائنةَ الأعينِ وما تخفي الصُّدور)، (ونعلمُ ما تُوسوسُ به نفسه ونحن أقربُ إليه من حبل الوريد)، راقبِ اللهَ عز وجل: (أن تعبدَ اللهَ كأنَّكَ تَراه) راقب المولى جَلَّ وعَلا، يقول أحدُ الشُّراح لهذا الحديث: أن تُراقبَ مُراقبةَ اللهِ لك، الله يراقبك، أنتَ لن تُراقبَ اللهَ بالمعنى الظاهر، ولكن عليك أن تُراقب وأن ترقُبَ مُراقبةَ الله لك، اللهُ معَك حيثما كنت، (ورَجلٌ ذَكَرَ اللهَ خالياً ففَاضَت عيناه) ممَّا يدعمُ المسؤولية أن تعلمَ عِلمَ اليقين أنَّ الله مُطَّلعٌ عليك ويراك، يقولُ نافع رضي الله عنه تلميذ الإمام الصَّحابي عبد الله بن عمر رضي الله عن الجميع، كما يروي صاحب "صِفة الصَّفوة" وكما يروي الطَّبراني، يقول: خَرجنا مع ابن عُمر إلى نواحي المدينة وجلسنا ووضعنا سُفرةً لنأكل طعاماً، وإذ بابنِ عُمر رضي الله عنه يَرى راعياً غُلاماً عبداً، ومعه غنمات، ومعه شِياه، يقول ابن عمر لهذا: تَعَالَ فكُل مَعَنا. فقال هذا الراعي: إني صائم. قال: أفي هذه الأيام القائظة ؟! قال: أبادر هذه الايام من أجل أن أكون عند الله نَاجياً في أيام أصعب، في يوم القيامة، قال له ابن عمر: أعطِنا شاةً. أعطِنا جَزَرة، أي شاة مُعَدَّةً للذَّبح. فقال هذا الراعي: لستُ رَبَّها، أي لستُ صَاحِبَها وإنما هي لمولاي، ولا أقدرُ ولا أملك أن أعطيكم هذه، لأنها ليست ملكي. فقال له ابن عمر رضي الله عنه: يا هذا بِعْنَا إياها. قال أيضاً: لستُ مُوكَّلاً بذلك. فقال له: وماذا يكون لو أنك قلتَ لصاحبك أكلها الذئب ؟! بعنا هذه الشاة وخُذ ثمنها، فإذا جاءَ صاحبُ الشِّياة قُل: أكلَها الذئب. أولا يُصدِّقُ ؟! فنظرَ هذا الراعي الغلام العبد، نظر إلى ابن عُمر وقال: نعم، يُصدِّقني، ولكن أينَ الله ? وابنُ عمر الله رضيَ الله عنه كأنَّه كان يمتحنه. فسألَ عن هذا الراعي مولاه، فذهبَ إلى المدينة واشترى الراعي، واشترى الغنم، فأعتقَ الراعي، أعتق الغلام، وأهدى هذا الراعي الغنم الذي اشتراه. كانَ عَبداً مَأموراً يرعى الغنم، فأصبحَ حُرَّاً يملك الغنم، لأنه قال: وأين الله ? هل تقولون أنتم حينما تُدعون إلى أمر ولا رقيبَ عليكم إلا الله: أين الله، هل تَستشعرون مَسؤوليتكم عن بلادكم، هل تستشعرون مسؤوليتكم عن فلسطين ? أم إن القضية أدمنتم على أن تنظروا إليها على أنها قضيةٌ طويلة، وبالتالي لا تستأهل أن نفكر فيها كل ساعة، هل تستشعرون مسؤوليتكم عن وطنكم، عن أرضكم ؟ هل تستشعرون مسؤوليتكم عن شبابكم، عن أبنائكم، عن طلابكم، عن حَجركم، عن شجركم، إني لأمشي في الشوارع ولا أشعر بأن هناك من يشعر بمسؤوليته عن أرضه، عن الشارع، عن الطريق، عن المكان، عن القمامة التي تُرمى هنا وهناك، مسؤولية ينبغي أن نقوم بها وإلا فنحن خائنون، لذلك قررتُ هذا اليوم أن أحدثكم عن المسؤولية، من أجل ان نعيد النظر في ما نفكر فيه بيننا وبين أنفسنا، لأؤكد على مقولتي التي ابتدأتُ بها: أنت مسؤول، إذا أنت إنسان، أنت لا مسؤول، إذاً أنت خَلعتَ عنك ثوبَ الإنسانية. لا تُحدِّثوني بغير ذلك، فـ: (لعنَ اللهُ مَن غَيَّر مَناراتِ الأرض) هكذا ورد في الأثر عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام، اي لم يستشعر مسؤولياته عن الأرض، عن الشوارع، عن إشارات المرور، عن شَارات الشوارع، هذا ملعون لأنه غيَّرَ وأباد وبَدَّد مَنارات الأرض، اللهمَّ اجعلنا ممن يستشعر مسؤوليته عن إنسانيته وعن دينه وعن عقله وعن قلبه وعن جسده وعن جوارحه وعمَّن حوله وعما حوله، نِعْمَ مَن يُسأَلُ أنت، ونَعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 26/1/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
https://fb.watch/pPme4E4zGI/
الدكتور #محمود_عكام
#المسؤولية_وجود
#خطبة_الجمعة
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5235/
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
معيار الصِّدق
أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:
سُئل حَكيمٌ عن فضيلة الفضائل فقال: الصِّدق، وعن رذيلة الرذائل فقال: الكذب. ومن أجل هذا طَلبَ اللهُ عَزَّ وجَل من المتقين من أجل أن تبقى تَقواهم تَقوى طَلبَ منهم أن يُسَيِّجوها بالصِّدق، فقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصَّادقين) إن كنتم أيها المتقون مع الصَّادقين وسَيَّجتُم التقوى بالصِّدق حَفظتموها، وإلا لا تقوى مع الكذب، مع الكاذبين، والصِّدق نوعان: صِدقٌ في القول، وصِدقٌ في الفعل. أما الصِّدق في القول فنوعان أيضاً: صِدقٌ في مُطابقة القول لما تعتقد، أن يُطابقَ قَولُك ما تعتقده، تقول لإنسانٍ ما: "أحبك"، فإن كان هذا الكلامُ مُطابقاً لما تعتقد ولما في داخلك فأنت صادق، وإن لم يكن كذلك فلستَ بصادق، موافقة القولِ لما تعتقد، والنوع الثاني من الصدق في القول: صدقٌ في الخبر الذي تنقُله في القول، صِدقُ المتكلِّم وصِدقُ الخَبر، هذا هو صِدقُ القول فانظر نفسَك إن تكلَّمتَ عما تعتقد فهل أنت تصدق ? أنت تقول: أنا أحبُّ اللهَ ورسولَه، فهل هذا الكلام الذي تقوله أنت صادقٌ فيه ومطابق لما تعتقده في داخلك أم أنَّ هذا الكلامَ يخرجُ من لسانك ولا يُطابق الذي تعتقده، انتبه إلى الصدق، فكثيراً ما تعتقدُ نفسَك صادقاً، لكنَّ الواقع يُغاير ذلك، هل أنتَ في داخِلك تُحبُّ اللهَ ورسولَه عندما تقول: أحبُّ اللهَ ورسولَه ?! انظروا أنفسكم، وانظروا تعابيركم، حتى تلك التي تُواجهون بها النَّاس، لأنَّ المجاملةَ اليوم طغت على أحاديثنا وعلى أقوالنا وعلى كلامنا، ولطالما سمعتُ مِن بعضهم، وسمعتم أنتم مَن يقولُ لجاره: أنتَ حَبيُبنا، فهل هذا الكلام يُطابقُ الذي تعتقده في داخلك ? انتبه، فإنك تكذب من حيث تدري أو لا تدري، انتبه يا أخي، أنت تقول أحياناً لزوجتك، وتقول لولدك: يا بُنيَّ أنا أُضحِّي من أجلك، فهل هذا القولَ يُطابقُ الذي تعتقده ? انتبه إلى كلامك، وأريدُك صادقاً في القول، صَادقاً في أن يكونَ كلامُك مُوافِقاً لما تعتقد، هذا يُسمَّى صِدق المتكلم، وأن يكون مُوافقاً لما تَنقُل من خَبَر، وكم نَقَلتُم أخباراً، ونحن كم نَقَلنا أخباراً وكان هذا النقلُ مخالفاً للواقع الذي نقلناه، كانت هُنالك فجوة بين الواقع وبين النَّقل، بين القولِ الذي نقلنا عَبرَه هذا الذي وقع، انظروا وحاسبوا أنفسكم من الصَّباح إلى المساء، فكم تنقلون من أخبار وأنتم لستم متأكِّدين منها، :(إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمة) هكذا قالَ الرسولُ الأعظم عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (إنَّ العبدَ ليتكلَّم بالكلمة ما يَتبيَّنُ منها يَهوي بها في جَهنَّم أبعدَ ما بين المشرق والمغرب) كم نكذب ولا نشعر أو نشعر بأننا نكذب، هذا صدقُ القول.
وأما صدقُ الفعل: فأن تُترجِمَ هذا الذي قُلتَه بلسانك وكنتَ صادقاً إلى عمل، (من المؤمنين رجالٌ صَدَقُوا) هنا الصِّدقُ في الفعل، (صَدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليه فمنهم من قَضى نَحْبَه ومنهم مَن يَنتظر) صِدقُ الفعل أن تُحوِّل صِدقَ اللسانِ إلى صِدق العمل، إلى صِدق الفعل، (صَدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليه) عاهدوا الله وكانوا صادقين ونفَّذوا هذا العَهد، فكانوا صادقين في الفِعل، انظروا قولَه تَعالى: (لِيسألَ الصَّادقين عن صِدقهم) أي ليسألَ مَن صَدَقَ بلسانه عَن صِدْقِ فِعله، أنتَ تقول بأنك تُحبُّ رسولَ الله، أنت صادقٌ في القول، صادقٌ في التَّعبير عما تعتقد، لكن هل أنت صَادقٌ في الفعل ? هل أنتَ تُترجِمُ هذا الصِّدق باللسان، وهو صِدقٌ بلا شك، هل تُترجِمه إلى عَمل وفعل، هل إذا رُئِيتَ وأنتَ تفعل يُرَى من فِعلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ? (لقد صَدَقَ اللهُ رَسولَه الرُّؤيا بالحق) أي حَقَّقَ لَه رُؤياه، صَدَقه أي حَوَّلَ الرُّؤيا من فعلٍ صادقٍ في حَيِّز النَّظر إلى حقيقةٍ واقعية، (لقد صَدَق اللهُ رسولَه الرؤيا) حَوَّل رُؤياه إلى حقيقةٍ وواقع، هذا الصِّدق بالفعل، فهل أنت صادقٌ بالقول، وصادق بالفعل ؟ انظُر نفسَك وحاسِب نفسَك، فها أنذا قَد قَدَّمتُ لك المعيار، وعليك أن تَنظُرَ وأن تُحاسِب وأن تتطلَّع وأن تتأكَّد من نفسك فيما إذا كنتَ صادقَ القول أولاً، وإذا كُنتَ صادق الفعل ثانياً، حَوَّلت العَهد إلى واقع.