رمضان شهر الجود الإنفاق
أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون الصَّائمون إنْ شَاءَ الله:
لرمضان أسماءٌ كثيرة، وكثرة الأسماء تدلُّ على عَظمة المسمَّى، فرمضان شهرُ الصَّوم وشهر الصِّيام وشهر القرآن وشهر الفُرقان وشهرُ الصَّبر وشهر المواساة وشهر المساواة وشهر الجهاد وشهر الإنفاق. هذه الأسماء الكثيرة تجعلُنا نختار منها ما يُناسب الحال، ولقد اخترتُ من هذه الأسماء "رمضان شهر الجود والإنفاق" لأننا بحاجةٍ من أجل أن يُنفق غنيُّنا على فقيرنا، ومن أجل أن يعطف كبيرنا على صغيرنا سواء أكان هذا الكبير كبيراً في السن أو في المال، فهيا يا إخوتي إلى الإنفاق في شهر الجود، كما قام إخوانكم في شهر الجهاد في فلسطين فجاهدوا وأعطوا هذا الاسم حقه فأعطوا أنتم الجودَ والإنفاق في شهر الجودِ حقَّه، أعطوه حقه وذلك لأمرين اثنين:
الأمر الأول: لأنَّ النبيَّ الذي تحبُّونه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم وتقتدونَ به وتأتسون به وتَتأسَّونَ به كان أجودَ بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان، فجودوا وأنفقوا اقتداءً بنبيكم الأعظم عليه الصلاة والسلام، وأكثروا.
والأمر الثاني: لأننا إخوة، والأخوَّةُ تقتضي التَّعاون والتَّضامن والتَّباذل، (واللهِ لا يُؤمِن مَن باتَ شبعان وجارُه إلى جنبه جائع وهو يعلم)، ولقد قلتُ لكم في يومٍ من الأيام: ربَّما قُلتَ لي أنا لا أعلم، وهو يعلم بالقوة، إن قلتَ لا أعلم فهذا تقصيرٌ ثان، عليك أن تتحرَّى وأن تبحث، فإن كنتَ لا تعلم فتلك مُصيبةُ المصائب، لأنَّك لم تبحث عن أخيك وعن جارك وعن هذا الذي يَلزَمُك مَعُونَتُه وإعانته. بهذين الأمرين، لأنكم أتباعُ النبيِّ الذي جادَ في رمضان بالخير أكثرَ من الرِّيح المرسَلة، ولأنَّكم مأمورون بتحقيق الأخوَّة التي تقتضي التَّعاون والتَّباذل والتَّضامن. وما يجب أن نُنفقه يدخل تحت ثلاثة أصناف:
الصِّنف الأول: الزَّكاة، وهذه فريضة أذكِّركم بها، والله عَزَّ وجَلَّ ما ذكرَ الصَّلاة إلا وقَرَنَ مَعَها الزَّكاة، (وأقاموا الصَّلاة وآتوُا الزكاة)، الزكاة فريضة (بُنِيَ الإسلامُ على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسولُ الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)، فمن صامَ اليوم لأنَّ الصِّيام فريضة عليه أن يتذكَّر بأنَّ الزكاة فريضة، وَكَما يُدقِّق في صيامه عليه أن يُدقِّق في زكاته، كما يسألُ عن شَربةِ الماء أو عن شيءٍ قليلٍ من الطعام دخل جوفه هل يفطر أم لا، عليه أن يسأل أيضاً عن زكاةٍ ماله بشكلٍ دقيقٍ جِداً. (ما مَنعَ قومٌ الزكاة إلا ابتلاهمُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بالسِّنين) والمقصود بالسِّنين أي بالقحط والجَدب، بالعذاب، بالزلازل، بالهزات، بكُلِّ هذه الكَوارث التي تَتوالَى علينا، ولعل من أسباب ذلك أن بعضاً منا أو إن لم يمنع الزكاة فهو لم يُؤدِّها بِدِقَّتها وتَمامها، ولم يحرِص على أن يقوم بها كما يقومُ بصيامه وصلاته. يقول عليه الصلاة والسلام عن مانع الزكاة: (مَانعُ الزكاةِ يومَ القيامةِ في النار)، هذا كلامُ المصطفى صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم.
الصِّنف الثاني: الصَّدقة، والصَّدقة غير الزكاة، (إنَّ في المالِ لحقاً سِوى الزكاة) أتريدون أن تجعلوا مُجتمَعكم وأفراد أسركم في مأمن من السوء ? إذاً تصدَّقوا، فإنَّ صنائع المعروف تَقي مَصارعَ السُّوء والآفات، وأهلُ المعروف في الدُّنيا هم أهل المعروف في الآخرة، يقولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (أفضلُ الصَّدقة صدقةٌ في رمضان)، بادروا بالصدقة هكذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (بادِروا بالصَّدقة فإنَّ البلاء لا يتخطَّى الصَّدقة)، تقفُ الصَّدقة حاجزاً أمام البلاء، (الصَّدقة تُطفِئُ الخَطيئة) أنت تُخطئ مِن الخطيئة، أنت تُذنب، و (الصَّدقة تُطفِئُ الخطيئة كَما يُطفئُ الماءُ النَّارَ)، هكذا قال عليه الصلاة والسلام. فهيَّا للزكاة، وهَيَّا للصدقات يا أمة الإسلام ويا أمة الصيام ويا أمة الصوم ويا أمة القرآن ويا أمة الجهاد ويا أمة الصبر ويا أمة المواساة ويا أمة المساواة.
أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون الصَّائمون إنْ شَاءَ الله:
لرمضان أسماءٌ كثيرة، وكثرة الأسماء تدلُّ على عَظمة المسمَّى، فرمضان شهرُ الصَّوم وشهر الصِّيام وشهر القرآن وشهر الفُرقان وشهرُ الصَّبر وشهر المواساة وشهر المساواة وشهر الجهاد وشهر الإنفاق. هذه الأسماء الكثيرة تجعلُنا نختار منها ما يُناسب الحال، ولقد اخترتُ من هذه الأسماء "رمضان شهر الجود والإنفاق" لأننا بحاجةٍ من أجل أن يُنفق غنيُّنا على فقيرنا، ومن أجل أن يعطف كبيرنا على صغيرنا سواء أكان هذا الكبير كبيراً في السن أو في المال، فهيا يا إخوتي إلى الإنفاق في شهر الجود، كما قام إخوانكم في شهر الجهاد في فلسطين فجاهدوا وأعطوا هذا الاسم حقه فأعطوا أنتم الجودَ والإنفاق في شهر الجودِ حقَّه، أعطوه حقه وذلك لأمرين اثنين:
الأمر الأول: لأنَّ النبيَّ الذي تحبُّونه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم وتقتدونَ به وتأتسون به وتَتأسَّونَ به كان أجودَ بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان، فجودوا وأنفقوا اقتداءً بنبيكم الأعظم عليه الصلاة والسلام، وأكثروا.
والأمر الثاني: لأننا إخوة، والأخوَّةُ تقتضي التَّعاون والتَّضامن والتَّباذل، (واللهِ لا يُؤمِن مَن باتَ شبعان وجارُه إلى جنبه جائع وهو يعلم)، ولقد قلتُ لكم في يومٍ من الأيام: ربَّما قُلتَ لي أنا لا أعلم، وهو يعلم بالقوة، إن قلتَ لا أعلم فهذا تقصيرٌ ثان، عليك أن تتحرَّى وأن تبحث، فإن كنتَ لا تعلم فتلك مُصيبةُ المصائب، لأنَّك لم تبحث عن أخيك وعن جارك وعن هذا الذي يَلزَمُك مَعُونَتُه وإعانته. بهذين الأمرين، لأنكم أتباعُ النبيِّ الذي جادَ في رمضان بالخير أكثرَ من الرِّيح المرسَلة، ولأنَّكم مأمورون بتحقيق الأخوَّة التي تقتضي التَّعاون والتَّباذل والتَّضامن. وما يجب أن نُنفقه يدخل تحت ثلاثة أصناف:
الصِّنف الأول: الزَّكاة، وهذه فريضة أذكِّركم بها، والله عَزَّ وجَلَّ ما ذكرَ الصَّلاة إلا وقَرَنَ مَعَها الزَّكاة، (وأقاموا الصَّلاة وآتوُا الزكاة)، الزكاة فريضة (بُنِيَ الإسلامُ على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسولُ الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)، فمن صامَ اليوم لأنَّ الصِّيام فريضة عليه أن يتذكَّر بأنَّ الزكاة فريضة، وَكَما يُدقِّق في صيامه عليه أن يُدقِّق في زكاته، كما يسألُ عن شَربةِ الماء أو عن شيءٍ قليلٍ من الطعام دخل جوفه هل يفطر أم لا، عليه أن يسأل أيضاً عن زكاةٍ ماله بشكلٍ دقيقٍ جِداً. (ما مَنعَ قومٌ الزكاة إلا ابتلاهمُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بالسِّنين) والمقصود بالسِّنين أي بالقحط والجَدب، بالعذاب، بالزلازل، بالهزات، بكُلِّ هذه الكَوارث التي تَتوالَى علينا، ولعل من أسباب ذلك أن بعضاً منا أو إن لم يمنع الزكاة فهو لم يُؤدِّها بِدِقَّتها وتَمامها، ولم يحرِص على أن يقوم بها كما يقومُ بصيامه وصلاته. يقول عليه الصلاة والسلام عن مانع الزكاة: (مَانعُ الزكاةِ يومَ القيامةِ في النار)، هذا كلامُ المصطفى صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم.
الصِّنف الثاني: الصَّدقة، والصَّدقة غير الزكاة، (إنَّ في المالِ لحقاً سِوى الزكاة) أتريدون أن تجعلوا مُجتمَعكم وأفراد أسركم في مأمن من السوء ? إذاً تصدَّقوا، فإنَّ صنائع المعروف تَقي مَصارعَ السُّوء والآفات، وأهلُ المعروف في الدُّنيا هم أهل المعروف في الآخرة، يقولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (أفضلُ الصَّدقة صدقةٌ في رمضان)، بادروا بالصدقة هكذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (بادِروا بالصَّدقة فإنَّ البلاء لا يتخطَّى الصَّدقة)، تقفُ الصَّدقة حاجزاً أمام البلاء، (الصَّدقة تُطفِئُ الخَطيئة) أنت تُخطئ مِن الخطيئة، أنت تُذنب، و (الصَّدقة تُطفِئُ الخطيئة كَما يُطفئُ الماءُ النَّارَ)، هكذا قال عليه الصلاة والسلام. فهيَّا للزكاة، وهَيَّا للصدقات يا أمة الإسلام ويا أمة الصيام ويا أمة الصوم ويا أمة القرآن ويا أمة الجهاد ويا أمة الصبر ويا أمة المواساة ويا أمة المساواة.
الصِّنف الثالث الذي يدخُل تحت الإنفاق في هذا الشَّهر الفضيل: أن تُفطِّرَ صائماً، (مَن فَطَّر صائماً كانَ له مِثل أجره من غير أن ينقُصَ من أجر الصَّائم شيئاً) فَطِّروا الصَّائمين، طعامُ الواحد يكفي الاثنين، ولا تَقُل: لا أملك ما أُفطِّر به الآخرين، اجعل طعامك هذا من أجلك ومن أجل الفقيرَ الذي تقدم له الإفطار، من أجل هذا الذي لا يجدُ ما يُفطِرُ عليه. هيا إلى الإنفاقِ في شهر الإنفاق، ابحثوا عن الإنفاق في كل سُبُله، ابحثوا عن الإنفاق في شَتَّى صِيغه، لأننا نريد أن نكون من المنفقين، فالمنفق يتجاوزُ اللهُ عنه كُلَّما عثر، يأخذ الله بيده كلَّما عثر، (تَجاوزوا عن ذنبِ السَّخي فإنَّ اللهَ آخذٌ بيده كُلَّما عَثر) تضامنوا، إخوانكم في فلسطين يُجاهدون يُقدِّمون نفوسَهم ودماءَهم، والمطلوبُ منكم أن تُقدِّموا أنتم أموالكم، فالنفسُ والمال ينبغي أن يكونا مَبيعَين للهِ عَزَّ وجَل: (إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفُسَهم وأموالهم)، فهَيَّا يا إخوتي في شهرِ الصِّيام إلى الإنفاق والعطاء والجود والكرم، تعاونوا، أتريدون في النهاية أن تكونوا بحالِكم دُعاةً لهذا الدِّين الحنيف ؟ قالَ قائلُهم: لن أكونَ مُسلماً إلا إذا رأيتُ الإسلامَ الجَماعي، إلا أذا رأيتُ الإسلامَ الذي يُطَبَّق، والمسلمين الذين يُطَبِّقون، (وتَعاونوا على البرِّ والتَّقوى)، (واعتصموا بحبل الله جميعاً)، (ولا يؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه)، و: (لا يؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لجارِه ما يحبُّ لنفسه)، و (المؤمنُ للمؤمن كاليدين تغسِلُ إحداهما الأخرى)، و (المسلمُ أخو المسلم) لا أريد أن أكونَ مُسلماً إلا إذا رأيتُ هذه الوصايا القرآنية والنبوية مُطبَّقة في مجتمع، لأنني بحاجة إلى أن أرى جماعةً ومجتمعاً مُسلماً، أما إذا رأيتُ فَرداً مُسلماً فهذا لا يُقنعني، فهنالك صالحون كُثُر في مختلِف بقاع العالم على مُختلِف الأديان والفِرق والمذاهب، عَظمةُ هذا الدِّين في أنه يجمع الناسَ على الخير، في أنه يجعلُ المؤمنين المسلمين مُتمسِّكين بحبلِ الله جميعاً، نحن لا نريد أن نكون من المطبقين (واعتصموا بحبل الله) فقط، ولكن نريد أن نُطبِّقَ قولَه تعالى: (واعتصموا بحبلِ جميعاً)، اللهمَّ وفِّقنا في هذا الشَّهر المبارك من أجل أن نكونَ من عُتقائك من النَّار، ومن عُتقاء شهرِ رَمضان، أدخلنا الجنةَ من بَابِ الرَّيان، يا حَنَّانُ يا مَنَّان، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 22/3/2024
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5253/
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
https://fb.watch/qZ7DqekOd4/
#خطبة_الجمعة
الدكتور #محمود_عكام
#رمضان_شهر_الجود_الإنفاق
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 22/3/2024
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5253/
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
https://fb.watch/qZ7DqekOd4/
#خطبة_الجمعة
الدكتور #محمود_عكام
#رمضان_شهر_الجود_الإنفاق
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
www.akkam.org
موقع الدكتور محمود عكام
xx
بين الصَّوم والصّيام/ صحيفة الجماهير
*الدكتور الشيخ محمود عكام – مفتي حلب
الصَّوم إمساكٌ معنويٌّ عن المفطّرات المعنوية، مِنْ معاصٍ وآثامٍ وخطايا ومحرَّمات، وهو في أصله إمساكٌ عن سوى المادِّيات.
قال تعالى على لسان مريم’:
(إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) مريم: 26.
وحينما نعودُ إلى ما ذكرناه في المستهلِّ نؤكِّد عليه وندعمُه بما ورَدَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم قال: (وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ)، ولم يَقُل: فإذا كان صيامُ يوم أحدكم.
وكذلك في أحاديث أخرى.
أمَّا «الصِّيام» فهو إمساكٌ عن المفطِّرات الحسيَّة منْ طعام وشراب وجماع. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) البقرة: 183.
وحينما نشرحُ هذه الفريضةَ نقول في رُكنها: إنَّها امتناعٌ عن الطعام والشَّراب والجماع منَ الفجر وحتى المغرب.
وهكذا فالصِّيام هو المفروُض، والصَّوم هو الثمَرة المنشودةُ من الصِّيام، فنحن نصُومُ صياماً لنصلَ إلى الصَّوم، أي إلى الامتناع عن المفطِّرات المعنويَة منْ عصيانٍ وفُجورٍ وفسُوق.
وقد ورد عن عليّ كرَّم الله وجهه أنه كان يخطب إذا حضَر رمضان ثم يقول: هذا الشَّهرُ المبارك الذي فرضَ اللهُ صيامَه ولمْ يَفرضْ قيامَه. ألا إنَّ الصِّيام ليسَ منَ الطعام والشَّراب؛ ولكنْ منَ الكذبِ والباطل واللَّغو.
وعن جابر س أنَّه كان يقول: إذا صُمتَ فَلْيصُمْ سمعُك وبصرُك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودَعْ أذى الجار، ولْيَكُنْ عليك سَكينةٌ ووَقار.
أي: إذا صُمتَ صياماً فليكنْ ذلك طريقاً وسبيلاً وذريعةً إلى أن تصوم صوماً.
ومِن رحمة الله تعالى بنا أن كلَّفنا بالصيام وفرضَه علينا، ولو أنَّه جلَّ وعلا فرضَ الصَّومَ لشَقَّ ذلك على النَّاس، ولما أدَّى هذه الفريضة إلا قلَّةٌ قليلة من الناس المؤمنين.
عن أبي أُمامةَ س قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: مُرْنِي بعملٍ يُدخلُني الجنَّةَ. قالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ)، ثمَّ أتيتُه الثَّانيةَ فقالَ: (عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ).
لكنَّ هذا لا يعني عدمَ الاكتراث بالصَّوم، والالتفاتَ إلى الصيام فقط، بل علينا أن نمتحنَ صيامَنا بصَومنا، وعلينا أن نجعلَ منْ رمضان شهراً للصِّيام والصَّوم معاً، ومن سائر أشهر السَّنة أوقاتاً للصَّوم والامتناع عن المعاصي والآثام.
وأنا أتوجَّه إلى كلِّ مسلم صائم لأقول له: حاسبْ نفسكَ كلَّ يومٍ مِنْ أيام رمضانَ عن صيامِها وصَومها، فهل صمتَ صياماً فقط، أم إنك صُمتَ صِياماً وصَوماً؟
وإنِّي على يقين من أنَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (يشملُ الصائمين صياماً وصَوماً معاً، فالثوابُ العظيمُ لا يَطالُ مَن امتنع عن الطعامِ والشَّراب والجماع، وتركَ العِنان لنفسه لتعملَ آثاماً ومعاصيَ وخطايا.
*الدكتور الشيخ محمود عكام – مفتي حلب
الصَّوم إمساكٌ معنويٌّ عن المفطّرات المعنوية، مِنْ معاصٍ وآثامٍ وخطايا ومحرَّمات، وهو في أصله إمساكٌ عن سوى المادِّيات.
قال تعالى على لسان مريم’:
(إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) مريم: 26.
وحينما نعودُ إلى ما ذكرناه في المستهلِّ نؤكِّد عليه وندعمُه بما ورَدَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم قال: (وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ)، ولم يَقُل: فإذا كان صيامُ يوم أحدكم.
وكذلك في أحاديث أخرى.
أمَّا «الصِّيام» فهو إمساكٌ عن المفطِّرات الحسيَّة منْ طعام وشراب وجماع. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) البقرة: 183.
وحينما نشرحُ هذه الفريضةَ نقول في رُكنها: إنَّها امتناعٌ عن الطعام والشَّراب والجماع منَ الفجر وحتى المغرب.
وهكذا فالصِّيام هو المفروُض، والصَّوم هو الثمَرة المنشودةُ من الصِّيام، فنحن نصُومُ صياماً لنصلَ إلى الصَّوم، أي إلى الامتناع عن المفطِّرات المعنويَة منْ عصيانٍ وفُجورٍ وفسُوق.
وقد ورد عن عليّ كرَّم الله وجهه أنه كان يخطب إذا حضَر رمضان ثم يقول: هذا الشَّهرُ المبارك الذي فرضَ اللهُ صيامَه ولمْ يَفرضْ قيامَه. ألا إنَّ الصِّيام ليسَ منَ الطعام والشَّراب؛ ولكنْ منَ الكذبِ والباطل واللَّغو.
وعن جابر س أنَّه كان يقول: إذا صُمتَ فَلْيصُمْ سمعُك وبصرُك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودَعْ أذى الجار، ولْيَكُنْ عليك سَكينةٌ ووَقار.
أي: إذا صُمتَ صياماً فليكنْ ذلك طريقاً وسبيلاً وذريعةً إلى أن تصوم صوماً.
ومِن رحمة الله تعالى بنا أن كلَّفنا بالصيام وفرضَه علينا، ولو أنَّه جلَّ وعلا فرضَ الصَّومَ لشَقَّ ذلك على النَّاس، ولما أدَّى هذه الفريضة إلا قلَّةٌ قليلة من الناس المؤمنين.
عن أبي أُمامةَ س قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: مُرْنِي بعملٍ يُدخلُني الجنَّةَ. قالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ)، ثمَّ أتيتُه الثَّانيةَ فقالَ: (عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ).
لكنَّ هذا لا يعني عدمَ الاكتراث بالصَّوم، والالتفاتَ إلى الصيام فقط، بل علينا أن نمتحنَ صيامَنا بصَومنا، وعلينا أن نجعلَ منْ رمضان شهراً للصِّيام والصَّوم معاً، ومن سائر أشهر السَّنة أوقاتاً للصَّوم والامتناع عن المعاصي والآثام.
وأنا أتوجَّه إلى كلِّ مسلم صائم لأقول له: حاسبْ نفسكَ كلَّ يومٍ مِنْ أيام رمضانَ عن صيامِها وصَومها، فهل صمتَ صياماً فقط، أم إنك صُمتَ صِياماً وصَوماً؟
وإنِّي على يقين من أنَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (يشملُ الصائمين صياماً وصَوماً معاً، فالثوابُ العظيمُ لا يَطالُ مَن امتنع عن الطعامِ والشَّراب والجماع، وتركَ العِنان لنفسه لتعملَ آثاماً ومعاصيَ وخطايا.
ماذا يعني لي رمضان/ صحيفة الجماهير
• الدكتور محمود عكام – مفتي حلب
رمضان فترة زمنية عالية غالية تشرف على سائر فترات السنة، أو بالأحرى هو زمن فيه مغناطيسية لجذب سائر أشهر السنة إليه. وكذلك يمكن القول: هو ظرف معياري لكل ظروف العام، وما ذلك إلا لارتباطه بالقرآن الكريم وقد نزل فيه، والقرآن الكريم محور أساس للتفكير الإسلامي، هذا أولاً، وثانياً لأن رمضان شهر نظام، والنظام أس السلوك الإنساني القويم، وثالثاً: لأن هذا الشهر يتوجه إلى سر الإنسان بالتطهير من كل نفاق ورياء، والطهارة عنوان يحرص الإنسان على وضعه أعلى صفحة حياته ليكون لها عنواناً.
رمضان – إذاً – نص ونظام وطهارة، فمن شهد منا الشهر فليمّحصْ نفسه على ضوء هاتيك الثلاثية: أين النص في حياته؟ وأين هو من النص؟ وأين النظام في سلوكه العام والخاص؟ وأين الطهارة والنظافة؟ مؤكدين على طهارة الداخل قبل تلك التي تتناول الظاهر والجسم، فهل طهّر داخله من الحقد والضغينة والحسد والشحناء؟ وهل طهّر ونظّف لسانه من الفحش والخبث؟ وهل طُهرت يداه من الإيذاء والإفساد؟
أنا أفهم رمضان وفق الثلاثية المذكورة وأسعى إلى معايشتها بشكل مركّز، وأجتهد في التحقق بها ما استطعت اعتقاداً مني أنها " التقوى " الحقيقية (لعلكم تتقون) .....
لكن الذي يحدث في عالمي أن كثيراً منا غافل عن هذا، فالتعامل مع النص سطحي وسطحي جداً، وحَلّت الفوضى محل النظام، وحسبك أن تنظر؟ إلى شوارعنا وأسواقنا ومحالنا لتتأكد من ذلك.
فيا أمتي النصَ النص وأعني به القرآن الزموه تلاوة وقراءة وتدبراً والنظام النظام وأعني به الإتقان والاعتناء بالأسباب المشروعة، والطهارة الطهارة وأردت بها: نظافة السر والجهر، نظافة الباطن والظاهر، نظافة السريرة والعلانية، نظافة الوطن من أدران مادية وأوساخ معنوية، فهل إلى ذلك من سبيل؟؟
اللهم وفقنا إلى ما فيه رضاك واجعلنا من عتقاء شهر رمضان وأدخلنا الجنة من باب الريان.
• الدكتور محمود عكام – مفتي حلب
رمضان فترة زمنية عالية غالية تشرف على سائر فترات السنة، أو بالأحرى هو زمن فيه مغناطيسية لجذب سائر أشهر السنة إليه. وكذلك يمكن القول: هو ظرف معياري لكل ظروف العام، وما ذلك إلا لارتباطه بالقرآن الكريم وقد نزل فيه، والقرآن الكريم محور أساس للتفكير الإسلامي، هذا أولاً، وثانياً لأن رمضان شهر نظام، والنظام أس السلوك الإنساني القويم، وثالثاً: لأن هذا الشهر يتوجه إلى سر الإنسان بالتطهير من كل نفاق ورياء، والطهارة عنوان يحرص الإنسان على وضعه أعلى صفحة حياته ليكون لها عنواناً.
رمضان – إذاً – نص ونظام وطهارة، فمن شهد منا الشهر فليمّحصْ نفسه على ضوء هاتيك الثلاثية: أين النص في حياته؟ وأين هو من النص؟ وأين النظام في سلوكه العام والخاص؟ وأين الطهارة والنظافة؟ مؤكدين على طهارة الداخل قبل تلك التي تتناول الظاهر والجسم، فهل طهّر داخله من الحقد والضغينة والحسد والشحناء؟ وهل طهّر ونظّف لسانه من الفحش والخبث؟ وهل طُهرت يداه من الإيذاء والإفساد؟
أنا أفهم رمضان وفق الثلاثية المذكورة وأسعى إلى معايشتها بشكل مركّز، وأجتهد في التحقق بها ما استطعت اعتقاداً مني أنها " التقوى " الحقيقية (لعلكم تتقون) .....
لكن الذي يحدث في عالمي أن كثيراً منا غافل عن هذا، فالتعامل مع النص سطحي وسطحي جداً، وحَلّت الفوضى محل النظام، وحسبك أن تنظر؟ إلى شوارعنا وأسواقنا ومحالنا لتتأكد من ذلك.
فيا أمتي النصَ النص وأعني به القرآن الزموه تلاوة وقراءة وتدبراً والنظام النظام وأعني به الإتقان والاعتناء بالأسباب المشروعة، والطهارة الطهارة وأردت بها: نظافة السر والجهر، نظافة الباطن والظاهر، نظافة السريرة والعلانية، نظافة الوطن من أدران مادية وأوساخ معنوية، فهل إلى ذلك من سبيل؟؟
اللهم وفقنا إلى ما فيه رضاك واجعلنا من عتقاء شهر رمضان وأدخلنا الجنة من باب الريان.
العِفَّة العِفَّة...
يا شبابنا أيُّها الأحباب: لِكُل سِنٌّ فَضيلة، عُنوان وفَضيلةُ سِنِّ الشَّباب العِفَّة والعَفاف، والعِفَّةُ ضَبطُ النَّفس ضَبطاً قوياً ضِمن حُدود الشَّرع الحنيف، فلا شهوة المال تطغى لتُخرجَ الإنسانَ عن تلك الحُدود، ولا شهوة النساء كذلك، (ولا تَمُدَنَّ عَينيكَ إلى مَا مَتَّعنا به أَزواجاً منهم زَهرَةَ الحياةِ الدُّنيا لنَفتِنهم فيه...).
فلا نريدُ تَعاطياً مع المال إلا وفقَ المعيارِ الشَّرعي الصَّحيح، بل الأصح، ولا نَبغي تَعاطياً مع الجِنسِ الآخر إلا عَبْرَ القنواتِ المشروعة المؤكَّدة، وما عَدا ذلك من مُخالفات أو شُبهات فالعَفاف العَفاف، وطريقُ العَفاف ذِكرُ الله واستحضارُ هَيبة المذكور ومُراقبتِه لنا، فهو شَاهدي ومَعي ونَاظرٌ إليَّ.
أيُّها الغني: تعفَّف عن الحرام وشُبهةِ الحرام وشُبهةِ شُبهةِ الحرام، ويا أيُّها الفقير تعفَّف عن السُّؤال وبذلِ ماءِ الوجه، ويا أيُّها الشَّباب من ذكورٍ وإناث: تعفَّفوا عن النَّظرة والكَلمة، (ومَنْ يَستعفِفْ يعفَّه الله) ورَدِّدوا بينكم وبين أنفسكم: (مَعَاذَ اللهِ إنَّهُ رَبِّي أحسنَ مَثواي...).
حلب
27/3/2024
الدكتور محمود عكام
http://www.akkam.org/topics/5254/
يا شبابنا أيُّها الأحباب: لِكُل سِنٌّ فَضيلة، عُنوان وفَضيلةُ سِنِّ الشَّباب العِفَّة والعَفاف، والعِفَّةُ ضَبطُ النَّفس ضَبطاً قوياً ضِمن حُدود الشَّرع الحنيف، فلا شهوة المال تطغى لتُخرجَ الإنسانَ عن تلك الحُدود، ولا شهوة النساء كذلك، (ولا تَمُدَنَّ عَينيكَ إلى مَا مَتَّعنا به أَزواجاً منهم زَهرَةَ الحياةِ الدُّنيا لنَفتِنهم فيه...).
فلا نريدُ تَعاطياً مع المال إلا وفقَ المعيارِ الشَّرعي الصَّحيح، بل الأصح، ولا نَبغي تَعاطياً مع الجِنسِ الآخر إلا عَبْرَ القنواتِ المشروعة المؤكَّدة، وما عَدا ذلك من مُخالفات أو شُبهات فالعَفاف العَفاف، وطريقُ العَفاف ذِكرُ الله واستحضارُ هَيبة المذكور ومُراقبتِه لنا، فهو شَاهدي ومَعي ونَاظرٌ إليَّ.
أيُّها الغني: تعفَّف عن الحرام وشُبهةِ الحرام وشُبهةِ شُبهةِ الحرام، ويا أيُّها الفقير تعفَّف عن السُّؤال وبذلِ ماءِ الوجه، ويا أيُّها الشَّباب من ذكورٍ وإناث: تعفَّفوا عن النَّظرة والكَلمة، (ومَنْ يَستعفِفْ يعفَّه الله) ورَدِّدوا بينكم وبين أنفسكم: (مَعَاذَ اللهِ إنَّهُ رَبِّي أحسنَ مَثواي...).
حلب
27/3/2024
الدكتور محمود عكام
http://www.akkam.org/topics/5254/
من أسرار النَّصر
أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون الصَّائمون إنْ شَاءَ الله:
قلنا في الأسبوع الفائت: كثرة الأسماء تَدُلُّ على عَظمة المسمَّى، وشَهرُنا هذا له أسماءُ كثيرة، فهو شهرُ الجِهاد، وهو شهرُ غَزوةِ بَدر، وهو شهرُ الفَتح، فتح مكَّة، الفتح الأعظم، الفتح الأكبر، وهو شهرُ القرآن، نَزَلَ فيه القرآنُ على خيرِ إنسان، عَلى النَّبيِّ العَدنان محمَّد صلَّى الله عليه وسلم، ولعلنا نقفُ لحظةً أو لحظاتٍ عِندَ غَزوةِ بَدر، لن نتحدَّثَ عنها، ولن نَقُصَّها عليكم، بل أتركُ قراءتَها لكم في كتب السِّيرة الصَّحيحة، لكنني سأتحدَّث عن أسرارِ النَّصر فيها، وعن أسرارِ النَّصر في غزوةِ الفتح، في فتحِ مكة، أو بالأحرى عن بعضِ أسرارِ النَّصر. إن ذكرنا أسرارَ النَّصر فنحن سنأتي على: النِّيةِ الخالصة للهِ عَزَّ وجَل لأولئك المجاهدين، نأتي على التَّخطيط والتَّنسيق الدَّقيق، نأتي على الدُّعاء، نأتي على الإعداد، نأتي على كُلِّ هذه الأمور التي هي عوامل أو أسباب أو أسرار النَّصر، إلا أنني أردتُ أن أقفَ عندَ سِرٍّ من أسرارِ النَّصر، عندَ سِرٍّ عَظيم، أو عندَ عاملٍ عظيم من عَوامل النَّصر، ألا وهو "الثِّقة برسول الله صلى الله عليه وسلم"، الثِّقة بالرسول الأعظم صَلَّى الله عليه وسلم، والثِّقة هذه أنتجَت استجابة، أنتجت طَاعة، أنتجت انقياداً، أنتجت محبة، أنتجت: (استَجيبوا للهِ وللرَّسول إذا دَعاكم لما يُحييكم) تخيلتُ لو أنَّ كُلَّ واحدٍ منَّا كان يومَ بدر، لو أنَّ الواحدَ منَّا اليوم كانَ في بدرٍ مع النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام يومَ وقفَ المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول للناس الذين معه: (أشيروا عَليَّ أيها الناس) فهَل سيكونُ مِنَّا مَنْ يقولُ للنبيِّ كَمَا قالَ المِقدادُ من المهاجرين، المقداد ابن عمرو، تَخَّيل لو أنك في بدر، في غزوة بدر، وقال لك النبيُّ أشِر عليَّ يا هذا، فهَل ستقولُ وستفعلُ ما قاله المقداد بن عمرو ? "يا رسولَ الله: امضِ لِمَا أمَركَ الله، فنحنُ مَعَك، واللهِ ما نقولُ لك كَما قال أصحابُ موسى لموسى: (اذهَبْ أنتَ ورَبُّك فقاتلا إنا ههنا قاعدون)، ولكن نقولُ لك: اذهب أنتَ ورَبُّك فقاتلا إنا معَكُما مقاتلون، لَو سِرتَ بِنا إلى بَرْكِ الغَمَادِ، إلى مكانٍ قَاصٍ في أطرافِ اليمن، لو سِرتَ بنا إلى بركِ الغَماد لجالَدنا من أجل أن نَبلُغَه معك" هذا هو المقداد رجلٌ من المهاجرين، تَخَيَّل أنتَ أيها المسلم، والنبيُّ يُتابِعُ: أشيرُوا عَليَّ أيها الناس ؟ يقومُ رجلٌ من الأنصار اسمه سعدُ بن مُعاذ: "لَكَأنَّك تُريدُنا يا رسولَ الله ؟" فالنبي أشارَ نَعَم. أريدُكم أنتم أيها الأنصار، فقامَ سعدٌ وقَال، فَهَل أنتَ ستقول مثلَ ما قال سعد ? تخيَّل يا أخي، قال: "يا رَسولَ الله آمنَّا بك وصَدَّقناك، وشَهِدنا بأنَّ ما جِئتَ به هُو الحقُّ مِن عندِ الله، فامضِ لما أردتَ"، لأن إرادةَ مُحمَّدٍ مِن إرادةِ رَبِّ محمد، "فامضِ لما أردتَ، فوَالذي بَعَثَكَ بالحق، لو استعرضتَ بِنا هذا البحرَ فَخُضتَه لخضناهُ مَعَك، ولعلَّ اللهَ يُريكَ مِنَّا" ضَعُوا خَطَّاً تحتَ هذه الكلمة "يُريكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ به عَينُك" أعطيناكَ على ذلك عُهودَنا ومَواثيقنا، على السَّمعِ والطَّاعة، أعطيناك على ذلك عُهودَنا ومواثيقنا على السَّمعِ والطَّاعة. يا أمةَ مُحمَّد: هل فِيكم مِن قائلٍ لمحمد هذا الكلام الذي قالَه المقدادُ وسعدُ ؟ إن قلتُم نعم، فلماذا لا تقولونَ لمحمد عليه الصَّلاة والسَّلام وهو فيكم عندما قال لكم: (لا تَحاسَدُوا، لا تَدابروا، لا تَباغضوا، وكونوا عِبادَ اللهِ إخواناً) إذا كنتَ ستقولُها للنبيِّ كَما قالها سَعد في بدرٍ فهيَّا فقُلها الآن، ورسولُ الله يَسمع، قُل: يا رسولَ الله لَبَّيك، لن نَتحاسد، ولَن نَتباغض، ولن نَتدابر، وسنكونُ عبادَ الله إخواناً مُتحابِّين مُتَضامنين مُتباذلين، فهل مِن قائلٍ منكم للنبي الأعظم وهو يُردِّد على مَسامعكم مُنذ أربعةَ عَشَر قرناً وإلى اليوم، يقول لكم هذا فهل أنتم تقولونَ ما قالَه سعد والمقداد ؟ هل أنتم تقولونَ لرسول الله عليه الصَّلاة والسلام وهو يقولُ لكم: (المسلمُ أخو المسلم) تقولونَ له لَبَّيكَ يا رسولَ الله، فالمسلمونَ إخوتي، (المسلمُ أخو المسلم، لا يَظلِمه، لا يَخذُله، لا يَحقِره، كُلُّ المسلمِ على المسلمِ حَرامٌ: دَمُه ومَالُه وعِرضُه) تمعَّنوا في هذا، فهل أنتم تقولون: فنحنُ معك يا سيدي يا رسول الله ?
أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون الصَّائمون إنْ شَاءَ الله:
قلنا في الأسبوع الفائت: كثرة الأسماء تَدُلُّ على عَظمة المسمَّى، وشَهرُنا هذا له أسماءُ كثيرة، فهو شهرُ الجِهاد، وهو شهرُ غَزوةِ بَدر، وهو شهرُ الفَتح، فتح مكَّة، الفتح الأعظم، الفتح الأكبر، وهو شهرُ القرآن، نَزَلَ فيه القرآنُ على خيرِ إنسان، عَلى النَّبيِّ العَدنان محمَّد صلَّى الله عليه وسلم، ولعلنا نقفُ لحظةً أو لحظاتٍ عِندَ غَزوةِ بَدر، لن نتحدَّثَ عنها، ولن نَقُصَّها عليكم، بل أتركُ قراءتَها لكم في كتب السِّيرة الصَّحيحة، لكنني سأتحدَّث عن أسرارِ النَّصر فيها، وعن أسرارِ النَّصر في غزوةِ الفتح، في فتحِ مكة، أو بالأحرى عن بعضِ أسرارِ النَّصر. إن ذكرنا أسرارَ النَّصر فنحن سنأتي على: النِّيةِ الخالصة للهِ عَزَّ وجَل لأولئك المجاهدين، نأتي على التَّخطيط والتَّنسيق الدَّقيق، نأتي على الدُّعاء، نأتي على الإعداد، نأتي على كُلِّ هذه الأمور التي هي عوامل أو أسباب أو أسرار النَّصر، إلا أنني أردتُ أن أقفَ عندَ سِرٍّ من أسرارِ النَّصر، عندَ سِرٍّ عَظيم، أو عندَ عاملٍ عظيم من عَوامل النَّصر، ألا وهو "الثِّقة برسول الله صلى الله عليه وسلم"، الثِّقة بالرسول الأعظم صَلَّى الله عليه وسلم، والثِّقة هذه أنتجَت استجابة، أنتجت طَاعة، أنتجت انقياداً، أنتجت محبة، أنتجت: (استَجيبوا للهِ وللرَّسول إذا دَعاكم لما يُحييكم) تخيلتُ لو أنَّ كُلَّ واحدٍ منَّا كان يومَ بدر، لو أنَّ الواحدَ منَّا اليوم كانَ في بدرٍ مع النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام يومَ وقفَ المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول للناس الذين معه: (أشيروا عَليَّ أيها الناس) فهَل سيكونُ مِنَّا مَنْ يقولُ للنبيِّ كَمَا قالَ المِقدادُ من المهاجرين، المقداد ابن عمرو، تَخَّيل لو أنك في بدر، في غزوة بدر، وقال لك النبيُّ أشِر عليَّ يا هذا، فهَل ستقولُ وستفعلُ ما قاله المقداد بن عمرو ? "يا رسولَ الله: امضِ لِمَا أمَركَ الله، فنحنُ مَعَك، واللهِ ما نقولُ لك كَما قال أصحابُ موسى لموسى: (اذهَبْ أنتَ ورَبُّك فقاتلا إنا ههنا قاعدون)، ولكن نقولُ لك: اذهب أنتَ ورَبُّك فقاتلا إنا معَكُما مقاتلون، لَو سِرتَ بِنا إلى بَرْكِ الغَمَادِ، إلى مكانٍ قَاصٍ في أطرافِ اليمن، لو سِرتَ بنا إلى بركِ الغَماد لجالَدنا من أجل أن نَبلُغَه معك" هذا هو المقداد رجلٌ من المهاجرين، تَخَيَّل أنتَ أيها المسلم، والنبيُّ يُتابِعُ: أشيرُوا عَليَّ أيها الناس ؟ يقومُ رجلٌ من الأنصار اسمه سعدُ بن مُعاذ: "لَكَأنَّك تُريدُنا يا رسولَ الله ؟" فالنبي أشارَ نَعَم. أريدُكم أنتم أيها الأنصار، فقامَ سعدٌ وقَال، فَهَل أنتَ ستقول مثلَ ما قال سعد ? تخيَّل يا أخي، قال: "يا رَسولَ الله آمنَّا بك وصَدَّقناك، وشَهِدنا بأنَّ ما جِئتَ به هُو الحقُّ مِن عندِ الله، فامضِ لما أردتَ"، لأن إرادةَ مُحمَّدٍ مِن إرادةِ رَبِّ محمد، "فامضِ لما أردتَ، فوَالذي بَعَثَكَ بالحق، لو استعرضتَ بِنا هذا البحرَ فَخُضتَه لخضناهُ مَعَك، ولعلَّ اللهَ يُريكَ مِنَّا" ضَعُوا خَطَّاً تحتَ هذه الكلمة "يُريكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ به عَينُك" أعطيناكَ على ذلك عُهودَنا ومَواثيقنا، على السَّمعِ والطَّاعة، أعطيناك على ذلك عُهودَنا ومواثيقنا على السَّمعِ والطَّاعة. يا أمةَ مُحمَّد: هل فِيكم مِن قائلٍ لمحمد هذا الكلام الذي قالَه المقدادُ وسعدُ ؟ إن قلتُم نعم، فلماذا لا تقولونَ لمحمد عليه الصَّلاة والسَّلام وهو فيكم عندما قال لكم: (لا تَحاسَدُوا، لا تَدابروا، لا تَباغضوا، وكونوا عِبادَ اللهِ إخواناً) إذا كنتَ ستقولُها للنبيِّ كَما قالها سَعد في بدرٍ فهيَّا فقُلها الآن، ورسولُ الله يَسمع، قُل: يا رسولَ الله لَبَّيك، لن نَتحاسد، ولَن نَتباغض، ولن نَتدابر، وسنكونُ عبادَ الله إخواناً مُتحابِّين مُتَضامنين مُتباذلين، فهل مِن قائلٍ منكم للنبي الأعظم وهو يُردِّد على مَسامعكم مُنذ أربعةَ عَشَر قرناً وإلى اليوم، يقول لكم هذا فهل أنتم تقولونَ ما قالَه سعد والمقداد ؟ هل أنتم تقولونَ لرسول الله عليه الصَّلاة والسلام وهو يقولُ لكم: (المسلمُ أخو المسلم) تقولونَ له لَبَّيكَ يا رسولَ الله، فالمسلمونَ إخوتي، (المسلمُ أخو المسلم، لا يَظلِمه، لا يَخذُله، لا يَحقِره، كُلُّ المسلمِ على المسلمِ حَرامٌ: دَمُه ومَالُه وعِرضُه) تمعَّنوا في هذا، فهل أنتم تقولون: فنحنُ معك يا سيدي يا رسول الله ?
أعتقد أنَّ القضيةَ تحمِلُ شُكوكاً، لماذا أنتم مُتفَرِّقون، والرسولُ يدعوكم إلى الوحدة، لماذا أنتم مُتنافِرون مُتباعِدون، ورسولُ الله يَدعُوكم إلى الأُخوَّة: (وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخواناً) هل أنتم جاهزون من أجلِ أن تقولوا لرسولِ الله: لبَّيك ؟ وهو يقولُ لكم: (لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيهِ مَا يُحِبُّ لنفسه) اعرِضْ نفسَكَ على هذا الحديث من أجل أن تَتَبيَّن فيما إذا كُنتَ مؤمناً أم لا، (لا يُؤمِنُ أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفسه) فهل تحبُّ أيها الغنيُّ لأخيك الفقير ما تحبُّ لنفسِك ? وهل تُحبُّ أيها الأخُ القويُّ لنفسِك ما تحبُّ لأخيكَ الضَّعيف، وأيها الأخُ المسؤول، وأيها الأخ المدير، وأيها الأخ الوزير، وأيها الأخ الكبير، هل تحبُّ لأخيك هذا الذي بجانبك، وهذا الذي تقولُ أنت بأنَّ المسلمين إخوة، بأنَّ المؤمنين إخوة، فهل تحبُّ له ما تحبُّ لنفسك ? أينَّ السَّاعي منكم على الأرملةِ والمسكين، أين السَّاعيُ منكم على الضُّعفاء، أين ذاك الذي يقول لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم: نَحْرِي دُونَ نَحرِك، نفسي دُونَ نفسِك ؟! الادِّعاءُ عَريض، لكنَّ التطبيقُ والبُرهان يكادُ يكون في حَيِّزِ العدم، أنا لا اقولُ هذا الكلامَ تَقريعاً ولا تَوبيخاً، ولكنني أقوله تَشخيصاً، هذا الذي نعيشه، العدوُّ يَستبيحُ أرضَنا ولا يَكادُ يُفكِّر الواحدُ مِنَّا ولو بدعوةٍ، هل تدعُو لِبلدِك في صَلاتك ? هل تَدعُو لإخوانِك في صَلاتك، أم أنَّك تفكِّر ليلَ نهار في هذهِ الحياة الدُّنيا، وكيف ستَشتري غداً ما يَلزَمُك من لباسٍ وطَعام استعداداً ليوم العيد ؟ "اليومَ عِيدُ مَنْ قُبِلَ بالأمسِ صِيامُه، وَحَسُنَ بالليلِ قِيامه، اليومَ لَنا عِيد، وغَداً لَنا عِيد، وفي كُلِّ يومٍ لا نَعصَي اللهَ فيه عيد" وفي كلِّ يومٍ يُعينُ بَعضُنا بعضاً، وفي كُلِّ يومٍ نُؤدِّي لِبلدنا خِدمةً، هذا هو العيد، يا أيها الاخوة المسلمون، لذلك أقول أيها الإخوة المسلمون، ثم أقول المؤمنون إن شاءَ الله، لأنَّ الإيمان قضيةٌ ليسَت ادِّعائية، الإسلام شَكل، تقولُ: أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله، وأنَّ مُحمَّداً رَسولُ الله تُصبِحُ مُسلماً، لكنَّ الإيمان (مَا وَقَر في القلبِ وصَدَّقَهُ العَمل) صَدَّقه البُرهان، العَمل.
هيا يا إخوتي إلى غزوةِ بدر من أجل أن نعيشَها، وأن نعيشَ كيفَ كانَ هؤلاءِ رضيَ اللهُ عنهم وأرضاهم يقولون يا رسول الله لبيك.
يَا مَنْ يُثِيرُ حَمَاسَتي بِجَمالِه عُذراً إذا شاهدتَ ضَعفَ لِسَاني
اللهُ يَعلَمُ كَمْ حَرَّكتَ في خَلَدي مِن ذِكرياتٍ وكَم هَيَّجتَ أشجاني
كَمْ فِي دُروبِكَ مِنْ دَرْبٍ أَصَختُ له كأنَّه بحديثِ الأمسِ ناجاني
لبَّيكَ مِلءَ فَمي لَبَّيكَ مِلءَ دَمي لبَّيكَ لبَّيك من قلبي ووجداني
أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 29/3/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
https://fb.watch/r6mkOCk_js/
الدكتور #محمود_عكام
#من_أسرار_النصر
#خطبة_الجمعة
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5255/
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
هيا يا إخوتي إلى غزوةِ بدر من أجل أن نعيشَها، وأن نعيشَ كيفَ كانَ هؤلاءِ رضيَ اللهُ عنهم وأرضاهم يقولون يا رسول الله لبيك.
يَا مَنْ يُثِيرُ حَمَاسَتي بِجَمالِه عُذراً إذا شاهدتَ ضَعفَ لِسَاني
اللهُ يَعلَمُ كَمْ حَرَّكتَ في خَلَدي مِن ذِكرياتٍ وكَم هَيَّجتَ أشجاني
كَمْ فِي دُروبِكَ مِنْ دَرْبٍ أَصَختُ له كأنَّه بحديثِ الأمسِ ناجاني
لبَّيكَ مِلءَ فَمي لَبَّيكَ مِلءَ دَمي لبَّيكَ لبَّيك من قلبي ووجداني
أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 29/3/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
https://fb.watch/r6mkOCk_js/
الدكتور #محمود_عكام
#من_أسرار_النصر
#خطبة_الجمعة
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5255/
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
www.akkam.org
موقع الدكتور محمود عكام
xx
خيرُ الكتب في خير الليالي ..فلنكن به خَيرَ أمة/ صحيفة الجماهير
• د. محمود عـكام – مفتي حلب
في ليلة القدر مِنْ شهر رمضانَ أنزل الله القرآن، فبه ومن أجله كانت تِلكم الليلة ليلةً عظيمةً شريفةً مقدسة، قدّر الحكيمُ العليمُ فيها أن يكون للإنسان كتابٌ، فيه نبأ ما قبل، وخبرُ ما بعدُ، وحُكم الذي هو بين الإنسان، هو الفصلُ وحاشا أن يكون هزلاً، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله، وهو حبل الله المتين، وهو الصراط المستقيم .
فهل عرفتَ ماذلك القرآن أيها المسلم الإنسان؟؟
إنه دليلك الهادي إلى سعادة الدنيا وفلاحِ الآخرة، وهما مَطلبان مُلِحان ومنشودان يجدّ الإنسان في تحقيقهما، والوصول إليهما.
نعم. إنه الدليل الذي لا بد منه لتتعرف فيه على وصفِك ووظيفتك، فاسمع مني رعاك الله:
أليس هناك كتابٌ يدعى الدليل " كتالوج" يُعطى مع كل آلة أو مصنوع، يكتبُه الصانعون، ويسطره الخبراء المخترعون، ويَجدُ مَن يقتني هذه الآلة في هذا الكتاب المرافق وصفاً لها – أعني للآلة – وطريقة تشغيلها وعملها، والمقتني بين الفينه والأخرى يتأكد من سلامةِ موقفه مع الآلة بالرجوع إلى هذا الكتاب؟!.
أليس هذا ما يكون؟!.
إذا كان كذلك فهل فكّرت في كتاب من ربك تقرأ فيه وصفك ووظيفتك، لأنك مصنوعٌ أرقى، سوّاه صانع أعظم، أم حسبت أنك خُلقتَ عبثا وأن لا كتاب يُرشدُك معك؟!.
حاشك ربي! لقد أنزلت الكُتب، وأرسلت الرُسل، وأقمتَ الحجّة فقلت :
( إنا أنزلناه في ليلةِ القدر.. وما أدراكَ ما ليلةِ القدرِ ).
وقلت : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزلَ إليكَ من ربكَ )
لأن هذا الذي تبلغه الناسَ، يا محمد، يَهديهم للتي هي أقوم في الدنيا والآخرة :
( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملونَ الصالحاتِ أن لهم أجراً كبيراً ).
وليكن موقفُك مع التنزيل :
تلاوةً : تُعنى باللفظ وصورة الكلمة .
وقراءةً : تتوجّه إلى المعاني والدّلالات.
وتدبّراً : يعني في النهاية تطبيقاً لما تَلوتَ وقرأت.
وبالتلاوة والقراءة والتدبر تغدو إنساناً رفيعَ المستوى، عالماً فاهماً داعياً خَيّراً، تُدركُ المعروف وتأمرُ به، وتحدّد المنكر وتنهى عنه، وتؤمنُ بالله حقّ الإيمان، لأنه هداك بالقرآن، وهداية القرآن هدىً للذات: ( قل للذين أمنوا هُدىً و شفاء) .
وهُدىً للآخرين :
( ونزلنا عليكَ الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمةً وبشرى للمُسلمينَ) .
( ولقد جئناهم بكتابٍ فصلناه على علمٍ هُدى ورحمةً لقومٍ يؤمنونَ).
والعملُ بهذا القرآن رفعةٌ لمن يعملُ به، وهَجرة سَببٌ للوضاعة والضياع:
( إن الله يرفعُ بهذا الكتاب أقواماً ويَضعُ به آخرينَ) أخرجه مسلم .
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و( إنّ الذي ليسَ في جوفه شيءٌ من القرآن كالبيت الخَرب ) الترمذي كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً.
فاللهم اجعل القرآن ربيعَ قُلوبنا، وجلاءَ أحزاننا، وذَهابَ هُمومنا، واجعله والصيام شفيعين لنا يوم نلقاكَ، يا رب العالمين.
• د. محمود عـكام – مفتي حلب
في ليلة القدر مِنْ شهر رمضانَ أنزل الله القرآن، فبه ومن أجله كانت تِلكم الليلة ليلةً عظيمةً شريفةً مقدسة، قدّر الحكيمُ العليمُ فيها أن يكون للإنسان كتابٌ، فيه نبأ ما قبل، وخبرُ ما بعدُ، وحُكم الذي هو بين الإنسان، هو الفصلُ وحاشا أن يكون هزلاً، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله، وهو حبل الله المتين، وهو الصراط المستقيم .
فهل عرفتَ ماذلك القرآن أيها المسلم الإنسان؟؟
إنه دليلك الهادي إلى سعادة الدنيا وفلاحِ الآخرة، وهما مَطلبان مُلِحان ومنشودان يجدّ الإنسان في تحقيقهما، والوصول إليهما.
نعم. إنه الدليل الذي لا بد منه لتتعرف فيه على وصفِك ووظيفتك، فاسمع مني رعاك الله:
أليس هناك كتابٌ يدعى الدليل " كتالوج" يُعطى مع كل آلة أو مصنوع، يكتبُه الصانعون، ويسطره الخبراء المخترعون، ويَجدُ مَن يقتني هذه الآلة في هذا الكتاب المرافق وصفاً لها – أعني للآلة – وطريقة تشغيلها وعملها، والمقتني بين الفينه والأخرى يتأكد من سلامةِ موقفه مع الآلة بالرجوع إلى هذا الكتاب؟!.
أليس هذا ما يكون؟!.
إذا كان كذلك فهل فكّرت في كتاب من ربك تقرأ فيه وصفك ووظيفتك، لأنك مصنوعٌ أرقى، سوّاه صانع أعظم، أم حسبت أنك خُلقتَ عبثا وأن لا كتاب يُرشدُك معك؟!.
حاشك ربي! لقد أنزلت الكُتب، وأرسلت الرُسل، وأقمتَ الحجّة فقلت :
( إنا أنزلناه في ليلةِ القدر.. وما أدراكَ ما ليلةِ القدرِ ).
وقلت : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزلَ إليكَ من ربكَ )
لأن هذا الذي تبلغه الناسَ، يا محمد، يَهديهم للتي هي أقوم في الدنيا والآخرة :
( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملونَ الصالحاتِ أن لهم أجراً كبيراً ).
وليكن موقفُك مع التنزيل :
تلاوةً : تُعنى باللفظ وصورة الكلمة .
وقراءةً : تتوجّه إلى المعاني والدّلالات.
وتدبّراً : يعني في النهاية تطبيقاً لما تَلوتَ وقرأت.
وبالتلاوة والقراءة والتدبر تغدو إنساناً رفيعَ المستوى، عالماً فاهماً داعياً خَيّراً، تُدركُ المعروف وتأمرُ به، وتحدّد المنكر وتنهى عنه، وتؤمنُ بالله حقّ الإيمان، لأنه هداك بالقرآن، وهداية القرآن هدىً للذات: ( قل للذين أمنوا هُدىً و شفاء) .
وهُدىً للآخرين :
( ونزلنا عليكَ الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمةً وبشرى للمُسلمينَ) .
( ولقد جئناهم بكتابٍ فصلناه على علمٍ هُدى ورحمةً لقومٍ يؤمنونَ).
والعملُ بهذا القرآن رفعةٌ لمن يعملُ به، وهَجرة سَببٌ للوضاعة والضياع:
( إن الله يرفعُ بهذا الكتاب أقواماً ويَضعُ به آخرينَ) أخرجه مسلم .
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و( إنّ الذي ليسَ في جوفه شيءٌ من القرآن كالبيت الخَرب ) الترمذي كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً.
فاللهم اجعل القرآن ربيعَ قُلوبنا، وجلاءَ أحزاننا، وذَهابَ هُمومنا، واجعله والصيام شفيعين لنا يوم نلقاكَ، يا رب العالمين.
لَيلَةُ القدر/ صحيفة الجماهير
د. محمود عكام – مفتي حلب
هي أفضل ليالي السنة، لأن الله سبحانه وتعالى قال: (إنا أنزلناه في ليلةِ القدرِ * ومآ أدراكَ ما ليلةُ القدرِ* ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألف شهرٍ * تنزل الملائكة والروح فيها بإذنِ ربهم من كلِ أمرٍ * سلام هي حتى مطلع الفجر *)
ويستحَب طلبُها في الليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهدُ في هذه الليالي ما لا يجتهد في غيرها.
وقد ذهب العلماء مذاهبَ شتى في تحديدها، فمنهم من يرى أنها ليلةُ الحادي والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلةُ الثالث والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلةُ الخامس والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلةُ السابع والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلةُ التاسع والعشرين، ومنهم من ذهب إلى أنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر، وأكثرُهم على أنها ليلة السابع والعشرين، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن كان منكم مُتحريها فليتحرها ليلةَ سَبعٍ وعشرين)
عن أبيّ بن كعب قال: والله الذي لا إلهَ إلا هو إنها لفي رمضان، ووالله إني لأعلم أي ليلةٍ هي، هي الليلةُ التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلةُ صبيحةِ سبعٍ وعشرين، وأمارتُها أن تَطلع الشمسُ في صبيحةِ يومها بيضاء لا شعاع لها .
فلنقُمها، ولندعُ الله فيها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غُفر لهُ ما تقدم من ذنبهِ) .
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلت: يا نبي الله أرأيت إن وافتُ ليلةَ القدرِ ما أقول؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (تقولين: اللهم إنك عفوٌ تحبُ العَفوَ فاعفُ عَني).
د. محمود عكام – مفتي حلب
هي أفضل ليالي السنة، لأن الله سبحانه وتعالى قال: (إنا أنزلناه في ليلةِ القدرِ * ومآ أدراكَ ما ليلةُ القدرِ* ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألف شهرٍ * تنزل الملائكة والروح فيها بإذنِ ربهم من كلِ أمرٍ * سلام هي حتى مطلع الفجر *)
ويستحَب طلبُها في الليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهدُ في هذه الليالي ما لا يجتهد في غيرها.
وقد ذهب العلماء مذاهبَ شتى في تحديدها، فمنهم من يرى أنها ليلةُ الحادي والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلةُ الثالث والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلةُ الخامس والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلةُ السابع والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلةُ التاسع والعشرين، ومنهم من ذهب إلى أنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر، وأكثرُهم على أنها ليلة السابع والعشرين، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن كان منكم مُتحريها فليتحرها ليلةَ سَبعٍ وعشرين)
عن أبيّ بن كعب قال: والله الذي لا إلهَ إلا هو إنها لفي رمضان، ووالله إني لأعلم أي ليلةٍ هي، هي الليلةُ التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلةُ صبيحةِ سبعٍ وعشرين، وأمارتُها أن تَطلع الشمسُ في صبيحةِ يومها بيضاء لا شعاع لها .
فلنقُمها، ولندعُ الله فيها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غُفر لهُ ما تقدم من ذنبهِ) .
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلت: يا نبي الله أرأيت إن وافتُ ليلةَ القدرِ ما أقول؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (تقولين: اللهم إنك عفوٌ تحبُ العَفوَ فاعفُ عَني).
نفحات من ليلةِ القَدر
أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون الصَّائمون القائمون إنْ شَاءَ الله:
نحن في رِحابِ ليلةٍ هي خيرٌ من ألف شهر، في رِحابِ ليلة القدر، فاللهمَّ اجعلنا من أهل هذه الليلة، اللهمَّ اغفِر لنا ما قَدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلَنَّا وما أنتَ أعلم به منَّا يا ربَّ العالمين. ليلةُ القدر هي ليلةُ الشَّرف، ليلةُ التَّقدير، لماذا كانت ليلةَ الشَّرف ? لأنها ليلةٌ نَزلَ فيها القرآن الكريم، ليلةٌ صَارَ للأمة الأُمِّية كِتاب، صارَ للأمة الأمية دستور، لا أقول عن هذا الدُّستور أو عن هذا الكتاب بأنَّه صَالحٌ لكلِّ زَمان ومَكان، بل إنَّه مُصلِحٌ لكلِّ زَمان ومكان، (إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)، الحضارةُ نَصٌّ، فهذه الأمة الأمية أضحَى لديها نَصٌّ، وأعظِمْ بهذا النص، فهو الذي (يهدي للتي هي أقوم) وما يَعرفُ هذا إلا الذي يُجرِّب ويعتقد، ولقد اعتقدَ وجرَّبَ جيلٌ من الصَّحابة الكرام هذا فكانوا سادةً وقادة، لا نقول هذا من باب المبالغة، ولكنَّ الواقعَ يُثبتُ ذلك، عندما نخطبُ نقول ورضيَ الله عن سَادتنا وقاداتنا نذكُرُ أولئك رضي الله عنهم الذين استوعَبوا وعرفوا قَدْرَ هذا النَّص، فساروا في هديه وسَارُوا على أنواره وتمسَّكوا بآدابه واعتصموا به جميعاً، هذه نفحة أولى.
نفحةٌ ثانية: لُخِّصت السَّنةُ كُلُّها فكانت رمضان، ولُخِّصَ رَمضانُ فكانَ العشر الأواخر من رمضان، ولُخصت العشرُ الأواخر من رمضان فكانت ليلة القدر، و: (مَن قامَ ليلةَ القَدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تَقدَّم من ذنبه) كما قال عليه الصلاة والسلام. في هذه الليلة التي تَختَصِرُ السَّنة، وتختصرُ الشَّهر، وتختصرُ العشرَ الأواخر هَيَّا فَقُمْها، والقِيامُ ليسَ صَلاةً فحسب، وليسَ دُعاءً فحسب، وإنما اعترافٌ وإقرارٌ بالعُبودية لله عَزَّ وجَل مِن كُلِّ ذرَّاتك، من كل قلبك، قُل بينك وبين نفسك: (لا إله إلا الله) ولتكُن هذه الكلمة "كلمة التوحيد" نابعةً من قلبك، من عيونك، من جسمك، من ذَرَّاتك، من روحك، قيامُ ليلةِ القدر يعني أنك تُقِرُّ وتعتقد بأنَّ ربَّك أنعمَ عليك فأوجَدك، وأنعمَ عليك فهداك للإسلام، وأنعمَ عليكَ فجعلَكَ مُسلماً تصومُ وتُصلِّي، وأنعمَ عليك فَعَرَّفك بأنَّ هذا الإسلام ليسَ صلاةً وصياماً فحسب، وإنَّما هو عملٌ صالحٌ تنفعُ من خِلاله البلادَ والعِباد.
نفحة ثالثة: اعلَمْ عِلمَ اليقين أنَّ اللهَ أنزلَ في هذه الليلة القرآنَ على قلبِ مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلم، (إنَّا أنزلناهُ في ليلةِ القَدر) وبالتَّالي ما عليكَ من أجل أن تقومَ هذه الليلة، ومن أجل أن تُعَدَّ من الذين قاموا هذه الليلة، أنزل الله القرآن على قلبِ محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزِلْ أنتَ القرآنَ على قلبك، أنت تقول: اجعل القرآنَ ربيعَ قلوبنا، اجعَل القرآنَ في قلبك، ومَن جَعَلَ القرآنَ في قلبه جعَله الله في قلبِ القرآن، (يس. والقرآنِ الحكيم. إنَّك لمن المرسلين) مَن جعلَ القرآنَ في قلبه هَداه الله للطريق الأقوم، من جعلَ القرآنَ في قلبه كانَ هَادياً مَهديَّاً، اجعل القرآن في قلبك، واجعل القرآن هو الذي يُحرِّكك، وإذا كانَ القرآنُ في قلبك حَرَّكَك القرآن، انظر تحركاتك، إن كانت لا تُوافق شرعَ الله عَزَّ وجَل فاعلم بأنَّ قلبَك ليس فيه القرآن، هيا وأعِد إنزال القرآنِ على قلبك، ولا سيما وأنت تصلِّي في هذه الليلة المباركة، وأنت تدعو اللهَ عز وجل، وتقول كما عَلَّمك المصطفى صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ إنك عَفُوٌّ تُحِبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا) قصَّرنا يا رب، أذنبنا يا رب، أخطأنا، إنك عَفُوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنا، وإلى غيرك رَبِّ لا تَكِلنا.
أمَّا بعد، فَيَا أيُّها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون الصَّائمون القائمون إنْ شَاءَ الله:
نحن في رِحابِ ليلةٍ هي خيرٌ من ألف شهر، في رِحابِ ليلة القدر، فاللهمَّ اجعلنا من أهل هذه الليلة، اللهمَّ اغفِر لنا ما قَدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلَنَّا وما أنتَ أعلم به منَّا يا ربَّ العالمين. ليلةُ القدر هي ليلةُ الشَّرف، ليلةُ التَّقدير، لماذا كانت ليلةَ الشَّرف ? لأنها ليلةٌ نَزلَ فيها القرآن الكريم، ليلةٌ صَارَ للأمة الأُمِّية كِتاب، صارَ للأمة الأمية دستور، لا أقول عن هذا الدُّستور أو عن هذا الكتاب بأنَّه صَالحٌ لكلِّ زَمان ومَكان، بل إنَّه مُصلِحٌ لكلِّ زَمان ومكان، (إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)، الحضارةُ نَصٌّ، فهذه الأمة الأمية أضحَى لديها نَصٌّ، وأعظِمْ بهذا النص، فهو الذي (يهدي للتي هي أقوم) وما يَعرفُ هذا إلا الذي يُجرِّب ويعتقد، ولقد اعتقدَ وجرَّبَ جيلٌ من الصَّحابة الكرام هذا فكانوا سادةً وقادة، لا نقول هذا من باب المبالغة، ولكنَّ الواقعَ يُثبتُ ذلك، عندما نخطبُ نقول ورضيَ الله عن سَادتنا وقاداتنا نذكُرُ أولئك رضي الله عنهم الذين استوعَبوا وعرفوا قَدْرَ هذا النَّص، فساروا في هديه وسَارُوا على أنواره وتمسَّكوا بآدابه واعتصموا به جميعاً، هذه نفحة أولى.
نفحةٌ ثانية: لُخِّصت السَّنةُ كُلُّها فكانت رمضان، ولُخِّصَ رَمضانُ فكانَ العشر الأواخر من رمضان، ولُخصت العشرُ الأواخر من رمضان فكانت ليلة القدر، و: (مَن قامَ ليلةَ القَدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تَقدَّم من ذنبه) كما قال عليه الصلاة والسلام. في هذه الليلة التي تَختَصِرُ السَّنة، وتختصرُ الشَّهر، وتختصرُ العشرَ الأواخر هَيَّا فَقُمْها، والقِيامُ ليسَ صَلاةً فحسب، وليسَ دُعاءً فحسب، وإنما اعترافٌ وإقرارٌ بالعُبودية لله عَزَّ وجَل مِن كُلِّ ذرَّاتك، من كل قلبك، قُل بينك وبين نفسك: (لا إله إلا الله) ولتكُن هذه الكلمة "كلمة التوحيد" نابعةً من قلبك، من عيونك، من جسمك، من ذَرَّاتك، من روحك، قيامُ ليلةِ القدر يعني أنك تُقِرُّ وتعتقد بأنَّ ربَّك أنعمَ عليك فأوجَدك، وأنعمَ عليك فهداك للإسلام، وأنعمَ عليكَ فجعلَكَ مُسلماً تصومُ وتُصلِّي، وأنعمَ عليك فَعَرَّفك بأنَّ هذا الإسلام ليسَ صلاةً وصياماً فحسب، وإنَّما هو عملٌ صالحٌ تنفعُ من خِلاله البلادَ والعِباد.
نفحة ثالثة: اعلَمْ عِلمَ اليقين أنَّ اللهَ أنزلَ في هذه الليلة القرآنَ على قلبِ مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلم، (إنَّا أنزلناهُ في ليلةِ القَدر) وبالتَّالي ما عليكَ من أجل أن تقومَ هذه الليلة، ومن أجل أن تُعَدَّ من الذين قاموا هذه الليلة، أنزل الله القرآن على قلبِ محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزِلْ أنتَ القرآنَ على قلبك، أنت تقول: اجعل القرآنَ ربيعَ قلوبنا، اجعَل القرآنَ في قلبك، ومَن جَعَلَ القرآنَ في قلبه جعَله الله في قلبِ القرآن، (يس. والقرآنِ الحكيم. إنَّك لمن المرسلين) مَن جعلَ القرآنَ في قلبه هَداه الله للطريق الأقوم، من جعلَ القرآنَ في قلبه كانَ هَادياً مَهديَّاً، اجعل القرآن في قلبك، واجعل القرآن هو الذي يُحرِّكك، وإذا كانَ القرآنُ في قلبك حَرَّكَك القرآن، انظر تحركاتك، إن كانت لا تُوافق شرعَ الله عَزَّ وجَل فاعلم بأنَّ قلبَك ليس فيه القرآن، هيا وأعِد إنزال القرآنِ على قلبك، ولا سيما وأنت تصلِّي في هذه الليلة المباركة، وأنت تدعو اللهَ عز وجل، وتقول كما عَلَّمك المصطفى صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ إنك عَفُوٌّ تُحِبُّ العفوَ فاعفُ عنَّا) قصَّرنا يا رب، أذنبنا يا رب، أخطأنا، إنك عَفُوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنا، وإلى غيرك رَبِّ لا تَكِلنا.
نفحةٌ أخيرة: إذا وضعتَ القرآنَ في قلبك، وإذا نَزَّلتَ القرآن على قلبك، فإنَّه سيدفعك في هذه الأيام من أجل أن تكونَ مع المجاهدين في بيتِ المقدس، إن وضعتَ القرآن في قلبك جاهدتَ مع أولئك الذين يُجاهدون في بيت المقدس، إن لم تَجِدْ نفسَك مع المجاهدين في بيت المقدس، في القدس، في فلسطين فاعلم بأنَّ القرآنَ ليسَ في قلبك، من أجل أن تتأكَّد من أن القرآن في قلبك: هل أنتَ مَعَ هذه الطائفة التي حدَّثنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تَزالُ طَائفةٌ مِن أمتي على الحقِّ ظَاهرين، ولعدوِّهم قاهرين، لا يَضُرُّهم مَن خالفهم) لا يضرهم المطّبِّعون، ولا يضرهم المستسلمون، ولا يضرهم المهرولون، ولا يضرهم أولئك الذين يقولون عنهم بأنَّهم ليسوا على الحق، لا يضرهم هذا (ولا ما أصابهم من البلاء) ولا يضرُّهم ما أصابهم من الابتلاءاتِ، من الشهادة، من القتل ومن الخراب ومن التدمير (حتى يأتيَ أمرُ الله) أي النصر (وهم كذلك. قالوا: يا رسولَ الله وأين هم ? قال: في بيتِ المقدس وأكنافِ بيتِ المقدس) القضيةُ قضيةُ مِعيار، اليوم نحن نعيشُ ليلةَ القدر، أتريدُ أن تتأكَّد فيما إذا كنتَ مِن أهل ليلة القدر: انظر نفسَك أو فكِّر بينَك وبينَ نفسِك، هل أنتَ مع الأقصى، مع المسلمين، مع المجاهدين، مع أولئك الذين يُريدون أن يُحرِّروا بيتَ المقدس مِن دَنَسِ الصَّهاينة المجرمين، أم أنك مع أولئك الذين يُريدون أن يكونوا مع الصَّهاينة المجرمين أصدقاء ويألفونهم ويُؤلَفون من قِبَلهم ؟ مِعيارٌ من المعايير التي تستطيع أن تُعاير نفسَك على هذا الأساس، فإما أن تكون من أهل القرآن وليلة القدر، وإما - لا سمح الله - أن تكونَ من أولئك الذين يَستدرِجُهم اللهُ عَزَّ وجَل (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون). في ليلة القدر، تذكَّروا - ولا سيما في هذه الأيام - تذكروا أنَّ واجباً عليكم هو دعمُ بيت المقدس، دعم الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، (إيتوه، فهو أرض المحشر وأرض المنشر) كما قال عليه الصلاة والسلام، يجب أن تتأكد من نفسك بأنك مع هؤلاء بأنك مع بيت المقدس، بأنك مع الأقصى وأن تقدم ما تستطيع تقديمه من نَفْسٍ ومال ودعاء، على الأقل من دعاء من قلبٍ مَكلوم، ادعُ الله عز وجل أن يَدحر أولئك الصَّهاينة المجرمين ومَنْ مَعهم، ومَن لَفَّ لَفَّهم ومَن يَدورُ في فَلَكِهم، قُل في هذه الليلة: اللهمَّ انصُر إخواننا في فلسطين، في بيتِ المقدس، في الأقصى، انصر إخواننا في غَزَّة، انصُر إخواننا في كل مكان من أمكنة فلسطين، من أمكنة بيت المقدس، وقُل بينك وبين نفسك أيضاً: اللهمَّ إنَّني أبرأُ إليك مِن كل ما يُخالف هذا، أبرأُ إليك من أولئك الذين يُعاملون الصَّهاينة ويُطبِّعون ويَسكتون، أبرأُ إليك مما فعلَ هؤلاء، اللهمَّ بِسِرِّ ليلةِ القدر انصُرنا على أعدائنا، حَقِّقنا بالعبودية، رُدَّنا إلى دِينك رَدَّاً جَميلاً يا ربَّ العَالمين، يا إلهنا يا رَجانا، أعِد إلينا قُدسَنا وأعِد إلينا قُرآنناـ أعِد إلى قُلوبنا قُرآننا، وأعد إلى أنفسنا عُبوديتنا لكَ يا ربَّ العالمين، نِعْمَ مَنْ يُسأَلُ أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 5/4/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
https://fb.watch/rfEfXN6QFz/
الدكتور #محمود_عكام
#نفحات_من_ليلةِ_القَدر
#خطبة_الجمعة
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5256/
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 5/4/2024
لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا
https://fb.watch/rfEfXN6QFz/
الدكتور #محمود_عكام
#نفحات_من_ليلةِ_القَدر
#خطبة_الجمعة
لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا
http://www.akkam.org/topics/5256/
ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب
https://www.facebook.com/akkamorg/
www.akkam.org
موقع الدكتور محمود عكام
xx
وداعاً يا رمضان/ صحيفة الجماهير
• الدكتور محمود عكام – مفتي حلب
وتودعُ قلوبنا رمضان وهي حزينة، لأنه الفرصةُ الكبرى للمغفرة، والظرفُ العظيم للتوبة، والميدان الأوسع للرّحمة، والساحةُ الأرحبُ للعتق من النار.
يُودعنا رمضانُ ونحن نتمنى أن تكون السنة كلها رمضان، لأن فيه القرآن والفرقان، أعني بدراً والفتح.
يودعنا رمضان هامساً في أذن الواعين:
لا تُعرضوا عما أنزلناه في ليلة القدر، ولا تتغافلوا عن الرحمن من علَّمَ القرآن، فخيرُكم من تعلم القرآن وعلمه، وإياكم والمثاقلة إلى الأرض، والرّضا بالحياة الدُنيا من الآخرة .
فيا رمضان:
في أواخر أيامك بيننا وبينك نجوى، تصدُر عنك وتخرجُ منا رجاءً!
ولئن بدأنا بالرجاء فمن أجل أن يكون خِتَامُ المسك معك، وقد عهَدناه فيك وعنك، ما دام النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا. ولكن العامل إنما يُوفى أجره إذا قضى عمله).
فرجاؤنا أن تغدو بأيامك شفيعاً لنا، وأن تذكرنا في عداد من تُفاخر بهم على مر السنين وكر الدهور ومرور القرون.
فتكرّم وأجرِ ذكري عِندَهُمْ عَلّهمْ أن ينظروا عطفاً إليّ
ووصيَتك لنا:
ما فعلتموه في رِحابي حافظوا عليه بعد غيابي، فإنكم لو علمتم ما أنا لتمنيتم أن أكون السنة كلها، والدّهر كله.
فيَ الصيام فلا تنسوه، وفي القيام فلا تتركوه، وفيّ القرآن فلا تهجروه، وفيّ الجهاد فلا تقعدوا عنه، وأكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتعاونوا معاً على البر والتقوى، واعتصموا بحبلِ الله جميعاً ولا تفرقوا.
عهداً يا رمضان أن نكون أوفياء لوصَاياك، وعهداً يا رمضان أن نعيش الصيام امتثالاً لله، والقيام جهاداً في سبيل، والفُطور شكراً تلهجُ به قلوبنا وألسنتنا لله، والسحور مناجاة مع الله.
رمضانُ وداعاً، طِبتَ وطابَ ما فيك، عُدْ إلينا أحياءً ازداد إيماننا، أو أمواتاً – إن كان الله قدّر ذلك – في جنة الخُلد عند مليكٍ مُقتدرٍ مأوانا.
السلامُ عليك يوم سُميتَ رمضان، ويوم فُرضتَ شهر الصيامَ، ويومَ أنزل فيك القُرآن، ويومَ تشفعُ لنا أيامُك ولياليك عند الدّيان .
• الدكتور محمود عكام – مفتي حلب
وتودعُ قلوبنا رمضان وهي حزينة، لأنه الفرصةُ الكبرى للمغفرة، والظرفُ العظيم للتوبة، والميدان الأوسع للرّحمة، والساحةُ الأرحبُ للعتق من النار.
يُودعنا رمضانُ ونحن نتمنى أن تكون السنة كلها رمضان، لأن فيه القرآن والفرقان، أعني بدراً والفتح.
يودعنا رمضان هامساً في أذن الواعين:
لا تُعرضوا عما أنزلناه في ليلة القدر، ولا تتغافلوا عن الرحمن من علَّمَ القرآن، فخيرُكم من تعلم القرآن وعلمه، وإياكم والمثاقلة إلى الأرض، والرّضا بالحياة الدُنيا من الآخرة .
فيا رمضان:
في أواخر أيامك بيننا وبينك نجوى، تصدُر عنك وتخرجُ منا رجاءً!
ولئن بدأنا بالرجاء فمن أجل أن يكون خِتَامُ المسك معك، وقد عهَدناه فيك وعنك، ما دام النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا. ولكن العامل إنما يُوفى أجره إذا قضى عمله).
فرجاؤنا أن تغدو بأيامك شفيعاً لنا، وأن تذكرنا في عداد من تُفاخر بهم على مر السنين وكر الدهور ومرور القرون.
فتكرّم وأجرِ ذكري عِندَهُمْ عَلّهمْ أن ينظروا عطفاً إليّ
ووصيَتك لنا:
ما فعلتموه في رِحابي حافظوا عليه بعد غيابي، فإنكم لو علمتم ما أنا لتمنيتم أن أكون السنة كلها، والدّهر كله.
فيَ الصيام فلا تنسوه، وفي القيام فلا تتركوه، وفيّ القرآن فلا تهجروه، وفيّ الجهاد فلا تقعدوا عنه، وأكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتعاونوا معاً على البر والتقوى، واعتصموا بحبلِ الله جميعاً ولا تفرقوا.
عهداً يا رمضان أن نكون أوفياء لوصَاياك، وعهداً يا رمضان أن نعيش الصيام امتثالاً لله، والقيام جهاداً في سبيل، والفُطور شكراً تلهجُ به قلوبنا وألسنتنا لله، والسحور مناجاة مع الله.
رمضانُ وداعاً، طِبتَ وطابَ ما فيك، عُدْ إلينا أحياءً ازداد إيماننا، أو أمواتاً – إن كان الله قدّر ذلك – في جنة الخُلد عند مليكٍ مُقتدرٍ مأوانا.
السلامُ عليك يوم سُميتَ رمضان، ويوم فُرضتَ شهر الصيامَ، ويومَ أنزل فيك القُرآن، ويومَ تشفعُ لنا أيامُك ولياليك عند الدّيان .