أحمد سيف حاشد
341 subscribers
2.77K photos
6 videos
5 files
2.86K links
عضو برلمان
Download Telegram
(11)
يوم خسرتُ المعركة وسحقني القهر
كان الوزير يتحدث فيما أنا انتظر أحر من الجمر دوري في الكلام بعده.. كلام الوزير كان يسري في أوصالي كالسم الزعاف.. أعددت تعليقاتي وتعقيباتي بعد مجالدة ومراغمة مع نفسي التي كاد صبرها ينفذ قبل أن يتم، وهي تسمع ما تسمعه من كذب جريء يغرس نصاله المسمومة في كبدي وأوصالي المنهكة..

تلفيقات وأكاذيب لا أساس لها من الصحة تتوالى تباعا، وأنا أقمع حيالها ردود أفعالي بقسوة جلاد عنيف، منتظرا أن ينتهي الوزير مما لديه من كذب وتلفيق دون أن اقاطعه قبل أن يبدأ دوري في الكلام، وأكثر منه أني فشلت فشلا ذريعا أن أقذفه بابتسامة ساخرة ولو تصنُّعا في وجه ما يتم كيله من أكاذيب..

من المؤلم جدا أن تسمع الأكاذيب تباعا، ولا تعترض عليها ببنت شفة، بل وتستمر بالسماع وأنت تراغم نفسك، وتقمعها مرارا وبشدة حتى ينتهي الكاذب من آخر كذبه في جعبته.. غالبتُ حممي المتأججة، وداريتها داخلي عن الأعين التي كانت تأكل وجهي الباذخ بالتعب والأرق، فيما كانت تلك الحمم تضطرب وتحتدم داخلي، وتستعجل منفسا للبوح بغليل يثور ويشتعل داخلي، كان كبيرا وجبّارا..

ما رواه الوزير كان تقريبا يصادم الواقع من أوله إلى آخره.. وأكثر منه كان صادما لي على نحو صاعق ومضاعف.. كنت أكتوي وأتعذب وأنا أسمع وأرى الوزير يروي ما يرويه بأعصاب هادئة وباردة.. تذكرت نتشه وهو يقول: "الحكومة تكذب ببرود.. كل ما تقوله الحكومة كذب"..

كان يكذب ويمعن في الكذب.. يلفق ويوغل في التلفيق.. والأهم أنه كان يفعل هذا بأعصاب باردة ومثلّجة، وهو ما جعلني أدرك وأعتقد أنه ليس حديث عهد في الكذب، بل ومعتاد عليه من عهد طويل.. كانت أعصابه الباردة وهو يسرد روايته المُختلقة تزيد من كثافة إحساسي أنه يعذبني بنار موقدة..

كان الوزير وهو يكذب بوزن ومقام المنصب الذي يشغله،"نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الأمن والدفاع ووزيرا للداخلية" بدا لي أن أحد الشروط والمعايير الرئيسية لتكون وزيرا وما علاه هو أن تكون كاذبا، وربما أكبر من هذا أيضا، وقد قتلني بالنتيجة مرتين.. لا بأس.. في هذا العهد هنا وهناك يقتلوا شعبا كل يوم بإمعان وإصرار أشد..

*

في الجلسة تسألت مع نفسي: من أين أبدأ تعقيباتي وردودي التي تكتظ وتتزاحم في رأسي المثقل بالوجع، وصدري وعروقي التي تشب فيها عاصفة من نار؟! كيف أبدأ الرد على هذا الكم الكذوب في رواية خلطت اللؤم بالكذب والمكيدة والخيال؟!!

أنا المسكون بالألم والمشبوب بالوجع كيف لي أن أحمل هذا المجلس على تصديق ما سأرويه بدم القلب ووجع الذاكرة؟! كيف أنقل الإحساس بمصداقيتي لمن حولي من النواب، وقد مال بعضهم مع الوزير بدافع الرشوة والمصلحة، ولا أمل في هؤلاء أرتجيه، وبعضهم قد صار يشعر نحوي بتوجس وارتياب، وقليل معي صار يبحث عن ماء الوجه، أو غير قادر أن يغير شيئا من واقع الحال..؟!

أردت أن أدخل إلى ما سأقوله مشفوعا بقسم كملخص لمصداقية لا أدري كيف أوجزها وأقدمها على عجل.. استهلتُ كلامي، بالقسم باسم الله العظيم وبشرفي أن هذا الوزير كاذب.. بقسمي هذا خاطبت نفسي وكل الخليقة التي تحترم أيمانها أيٍ وأينما كانت.

هذا القسم الذي ظننت فيه خيرا كان خيبتي الصادمة.. تم إيقافي قبل أن أدلي بدلوي وألقي بحجتي وأدلتي أمام الجميع.. كنت أفيض بكثير من المرارة المقذعة والألم اللاسع، فيما كانوا هم يتربصوا بعذر وإن كان حجر من جبل.. ينتظرون تأويلا أو زلة لسان.. لم أكن أعرف إن في قسم اليمين زلة ومأخذ وخيبة.. لم أكن أعلم إن الكلمة هنا في وصف الحقيقة تهمة لا تُسحب ولا تُرد، بل ويلزم صاحبها العقاب الأشد..

*


تم إيقافي جورا وتعسفا من الكلام قبل أن أتجاوز أوله.. قطعوا رأسه ودابره.. تم منعي من حق أصيل لا أملك هنا غيره أو سواه.. منعني الراعي من الدخول إلى حلبته، أو حلبة من بات في موقعة وكيله وحاميه.. منعوني عمّا كنتُ قد خضتُ من أجله معركة ضروس، وربما ظننت في لحظة ما أنني شارفتُ على كسب انتصار عصي أو بعضه منهـ ولكن كانت الخيبة قاتلة وأكبر من كل انتصار.. لقد أفسدوا كل شيء، واتهموني أنني فاسدهُ، ومنعوني من أن أدمغ الوزير بما لدي، وأكثر منه منعوني حتّى من الإيضاح أو الترضية على مضض باعتذار..

أوعز يحيي الراعي للوزير ورئيس الجهاز بالمغادرة.. حدث هرج ومرج مفتعل لتفويت المساءلة والاستجواب، ورفع الراعي الجلسة لمدة عشر دقائق، وخرج الوزير مع رئيس الجهاز منتشين كطواويس ناشرين الريش.. معززين مقاما وهيبة.. فيما أنا بقيت أبلع غصصي الذابحة وأتلوى من ألم بلغ مداه..

استأنف الراعي عقد الجلسة بعد عشرة دقائق نالني فيها ما نال من التقريع لا العتاب، وقد آل كل شيء بالنسبة لي إلى سراب، بل وزادوني عليه بعد العشر الدقائق كلاما أشد طعنا وفتكا، وتجريعي ما هو أشد مرارة وقذعا..
طالب بعض الأعضاء بإحالتي للتحقيق، ومنهم رئيس لجنة الحقوق والحريات في البرلمان الشيخ محمد ناجي الشائف، متهما إياي أنني شتمت ووجهت كلام ناب وأتيت العيب كله، يلزم محاسبتي قبل محاسبة رئيس الاستخبارات.. والحقيقة إنني لم أقل شيئا غير ذاك القسم الذي قسم ظهر عدالة كنت أبحث عنها، وانتهاك عشته وأردت أن أردع من قام به؛ فتضاعف الانتهاك وتضاعفت مصيبتي مرتين.

طالب بعض النواب بإحالتي للجنة الدستورية لأنني قد ارتكبت جريمة في قاعة المجلس بحق معالي الوزير.. قال بعض النواب في حزب المؤتمر الحاكم انه اذا طلب منهم رفع الحصانة عني تمهيد لمحاكمتي على ما صدر منّي من كلام، فلن يترددوا عن التصويت بالموافقة على رفع الحصانة عنّي.. كنتُ بالنسبة لهم الضحية التي يستأسدون عليها، و"الجدار القصير" المقدور عليه.. كانت الفجاجة صارخة وعلى أوجها..

النائب الإصلاحي عبد الكريم شيبان كان متفهما لما حدث، معتبرا انسحاب القمش والعليمي غير مبرر، مؤكدا أنني قد تعرضت لضغط نفسي منذ بداية الجلسة، لاسيما من قبل رئيس الجلسة يحيى الراعي الذي كان بإمكانه أن يطلب سحب الاتهام، والسماح لي بتوضيح قضيتي..

لو اعطوني الفرصة أو قليلا من الوقت والكلام لأثبت لهم أنني محقا فيما ذهبت إليه، وأن الوزير كاذب أو هو بعض من هذا الكذب الذي يروج وينتصر في بلد الأكاذيب.. كان بإمكانهم أن يشكلون لجنة تحقيق أو تقصي حقائق، وسيجدون إنني صادق بيقين، وأنه ملفق وكاذب.. ولكن المجلس هرب من هذا إلى ذاك، لأنه ببساطة مجلس غير أهلا لمثل هذا الأمر والمقام..

نفذ المجرم من الإدانة والزجر معززا ومكرما ومختالا، وأدين الضحية بإصرار وعمد ومن غير تحقيق.. وكان وجعي الأكبر آتيا من رئيس كتلة المؤتمر الشيخ سلطان البركاني، وهو يستشهد ضدي على ما وقع في رأسي أنا الضحية لا سواي بالبيت الشعري:
"ومن يهن يسهل الهوان عليه وما لجرح بميت إيلام"

النائب علي عشال العضو في كتلة الإصلاح علّق لوسائل الإعلام إنها "قضية في يد محامي فاشل" وكان الإعلامي حمود منصر سبق وأن أنهى تقريره الإخباري لقناة العربية بقوله أيضا: "قضية بيد محامي فاشل".. هكذا اجتمعوا علىّ، وكانت أشلائي وروحي الممزقة هي الوليمة والاحتفال..

كنتُ كأثوار بلادي التي تدفع ثمن لا ذنب لها فيه.. تفتدي المجرمين الذي يتم إنقاذهم بهجر وثور.. كنت الضحية التي تكاثرت عليها السكاكين، وشاركهم في وليمتهم انتهازيون ووصوليون وإعلاميون كثار..

استسهلوا الهجوم عليّ مؤتمر وإصلاح، بل وغيرهم من كل حدب وصوب.. جلّهم أكل من لحمي وشبع.. فيما أنا رديت وقلتُ للجميع: "إن خسرت المعركة، فلا يعني هذا أنني خسرت الحرب، ولستُ ممن يُكسر عظمة..".

يا إلهي كم شعرت بالظلم والقهر وهو يتدافع نحوي كسيل عارم من كل صوب واتجاه.. تألّب جلهم نحوي كقطعان ضباع أنقضّت على ظبي شارد ووحيد ومجروح.. كجلادين أنقضوا على ضحية في مسلخ تعذيب رهيب.. كم شعرت يومها بالظلم حد الانسحاق.. كم شعرتُ بالظلم والقهر وهو يتدافع نحوي كسيل عارم من كل صوب واتجاه.. تألّب جلهم نحوي كقطعان ضباع أنقضّت على ظبي شارد ووحيد ومجروح.. كجلادين أنقضوا على ضحية في مسلخ تعذيب رهيب.. كم شعرت يومها بالقهر والظلم حد الانسحاق..

كان عزائي هو النائب صخر الوجيه الذي كان يقسم بوجع وبصوت عالي إنني مظلوم، وأحسست أنه أكثر من شاركني بعض من حزني الثقيل.. موقف صخر الوجيه لم أنساه ما حييت، حتى وإن أختلفتُ معه يوما حد المقاضاة، عندما صار وزيرا، وصرت وكيلا لما سميّ بـ "جرحى الثورة السلمية".

لهذا وذاك وجدت نفسي مرارا أترك مقعدي البرلماني الذي وصلت إليه، وأحتشد في أي عمل احتجاجي مع الناس، أشاركهم همّهم الجمعي واحتجاجهم ورفضهم، دون الركون إلى حامل أو سند غير الناس الذي أساندهم وانتمي إليهم.. أو هكذا قال أحدهم وهو يوأزرني وينتصر معي في مواجهة الظلم والطغيان..

***
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
تم إعادة الوتس الخاص بي
لم يتم إخباري عن سبب حظري رغم أنني طلبت منهم ذلك
لا بأس..
بامكانكم الآن ضمي إلى مجموعاتكم..
اتمنى أن لا يتم حظري هذه المرة أيضا.
وفي كل حال أنا ملتزم بمعايير الخصوصية للوتس.
رقم الوتس الخاص بي هو 738040566
أحداث يناير 1986
(3)
“آه يا عيالي”
• كانت كريتر أقل المناطق صداما ومواجهة في أحداث يناير1986مقارنة بغيرها، حيث لم تشهد مصادمات واشتباكات عنيفة إلا على نحو محدود ومتقطع.. كان توزيعنا الأول جوار حماية البريد وما يقاربه.. تحوّل مبنى البريد على ما يبدو إلى نقطة قيادة تدار منه العمليات في "كريتر" للفريق التابع لأنصار عنتر وفتاح..

• لا أدري أو لم أعد أتذكر أين غاب زميلي يحيى الشعبي، فلم أعلم أين كانت وجهته، وعلى الأرجح أنه تمكن من العودة إلى منزله في "القلوعة".. اظن أنه عرض فكرة كتلك، ولكن كانت تعتريني مخاوف الاعتراض في الطريق قبل الوصول إلى البيت فآثرت البقاء.. وفي نفسي أيضا فتاة أعجبت بها منذ شهور، كانت تقيم على مقربة من البريد، خلف عزبة الرفاق التي لذت إليها في البداية، وكنت أكتم ما بنفسي عنهم، وأتحاشى كثيرا أن ألفت نظرهم إلى هكذا أمر..

• تذكرت تلك الرواية التي كنت قد قرأتها في إجازة إحدى سنوات الثانوية العامة.. إنها رواية خان الخليلي لنجيب محفوظ، وفيها جانب من الحب في حضرة الحرب، ولي وقفة بصدد من أعجبت بها لعلي أتتطرق إليها في موضع لاحق..

• تم تكليف الجندي الردفاني الذي كان معنا، والمرتدي زيا عسكريا، بمهمة اعتلاء قمة منارة عدن كنقطة مراقبة، والتنبيه عليه أن يحذر من القنص الذي يمكن أن يستهدفه من الطرف الآخر.. فيما تم تحويل تمركزي أنا وقريبي إلى عمارة مطلة على البريد ومنارة عدن وجانبا من سور ميدان الحبيشي.. عمارة على الشارع العام الذي يفصلنا عن مبنى البريد.. اعتلينا سطوح العمارة وبقينا عليها، وتناوبنا على حراسة بوابتها في الشارع..

• في ليلة اليوم الثالث من الأحداث على الأرجح، وفيما كنت أحرس بوابة العمارة، صرخ قريبي من السطح يخبرني أن هناك محاولة تسلل لاقتحامها من الخلف، فيما كنت حينها في بوابة العمارة، وتحركت بسرعة إلى زقاق المدخل الذي يؤدي إلى فتحة "الجلىّ" خلف العمارة “، وبدأت بإطلاق دفعات من الرصاص، محتملا وجود تسلل أو اقتحام، فيما كان قريبي ومن معه في سطح العمارة يطلقون الرصاص إلى الأسفل من فوق الجدار المطل على خلف العمارة، وفي الصباح لم نجد أثرا لأحد، فبدا لنا الأمر أنه كان محاولة تسلل أو استطلاع أو مجرد جساً للنبض.

• بعدها طُلب مني أن أتجه إلى منطقة متقدمة من خط التماس، وتحديدا إلى شقة "سالم معروف" وهي قريبة من المصرف اليمني وسط "كريتر" على إثر قنص شخص من فريقنا، وهو من أبناء منطقة الجليلة ـ الضالع ـ وطُلب منّا رفع جثمانه إلى السيارة المعدة لنقله، ومن ثم المرابطة بالشقة التي انتقلنا إليها.. شعرت بحجم المخاطرة في مهمة نقل الجثة، ولاسيما من قناصة الطرف الآخر، أو حتى من المرابطين في المواقع من الجهة الأخرى، ولكن لا مجال للتردد أو للتنصل من مهمة كتلك..

• وجدنا المقتول ممددا، وفي جزء منه منحنيا في بوابة العمارة التي فيها شقة "سالم معروف"، ووجدنا بمقربة الجثة ذلك الجندي الردفاني الشجاع الذي كان قد سبق وتموضع رأس المنارة، ويبدو أنه أسندت له مهمة الانتقال إلى تلك العمارة..

• أخبرنا الجندي الردفاني أنه كان موجودا جوار هذا الرجل لحظة قنصه من قبل الفريق الآخر.. قال لنا أنه سمع زميله المقتول وهو يتآوه قبل أن يفارق الحياة ويقول: ”آه يا عيالي”

• ”آه يا عيالي” .. هذه الجملة الصغيرة أحسست أنها أشبه برصاصة قناص قد أصابتني في مكان مكين.. أحسست أن فأسا ضرب رأسي حتى شجه نصفين .. شعرت أن عمود خرساني قسم ظهري.. تمردت دموعي وساحت غصبا عني.. من حق الدموع أن تتمرد علينا عندما نريد قمعها في حضرت مشهد مأساوي كهذا.. أحسست لحظتها بفظاعة الحرب وبشاعتها.. حملنا الضحية إلى السيارة، التي غادرت مسرعة، وعدنا نحن لشقة الوالد "سالم معروف"، والتي كانت عائلته قد غادرتها في وقت سابق..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
اعادة نشر..
هذا العام
رمضان شهر الموت
والصيام !!
للانضمام إلى جروب يمنات على الواتس آب
https://chat.whatsapp.com/BBhD3E4FVDCJqIDDXI5M1m

قناة موقع يمنات على التليجرام
https://telegram.me/yemenat0
https://yemenat.net/2021/04/385989/
رواية الوزير .. التعذيب بالكذب
https://yemenat.net/2021/04/385939/
يوم أرغمت على الاعتذار
https://yemenat.net/2021/04/385811/
اثارة احتجازي في السياسي برلمانيا
https://yemenat.net/2021/04/385773/
التوجيه بإخلاء سبيلي
من مذكراتي.. الأمن السياسي .. 1 - 13
(1)
احتجازي في الأمن السياسي
في تاريخ 10 اكتوبر 2006 أتجهنا من مكتب النائب العام إلى بوابة الأمن السياسي بعد أن حصلنا على الأرجح معلومة غير مؤكدة، وربما استنتاج شبه مؤكد أن الأمن السياسي هو من مارس الإخفاء القسري بحق الناشط الحقوقي علي الديلمي، وأنه الآن معتقل في مبنى جهاز الأمن السياسي في صنعاء..

أذكر أنني كنت أحد أصحاب اقتراح نقل تجمعنا واحتجاجنا من النيابة العامة إلى أمام بوابة الأمن السياسي، حاملين مذكرة من النائب العام موجهة إلى رئيس جهاز الأمن السياسي تتضمن السؤال، وطلب الافادة عمّا إذا كان علي الديلمي محتجزا لديهم..

كان جهاز الأمن السياسي آنذاك مهابا إلى حد بعيد، وربما الاحتجاج أمام بوابته كان محذورا ولا يخلوا من مغامرة، وزائد عليه أنه فعل غير مسبوق.. خطوة غير معتادة تنال من هيبة هذا الجهاز ومقامه ليس فقط في وعي الناس، بل حتى في وعي العاملين فيه والقائمين عليه..

انتقلنا من مكتب النائب العام إلى أمام بوابة المقر الرئيسي للجهاز، وعندما كنّا نتعرض إلى الإبعاد قسرا من البوابة الرئيسية تحت عنوان "ممنوع" انسحبنا إلى تحت الشجرة التي تبعد بحدود المائة متر أو أكثر من البوابة الرئيسي..

ورغم هذا أستمرت ضدنا الاستفزازات اللافتة من قبل ضباط وجنود الأمن، وحدثت بعض المناوشات المستفزة من قبلهم، وكانت تجري اتصالات بين ضباط الأمن ومسؤوليه على الأرجح لا أعرف مضمونها، ولكن تلك الاستفزازات كانت تكبر، وتكاد تتحول إلى اعتداء على المعتصمين..

أخرجت الكاميرا من الجاكت الذي كنت ارتديه، وربما أنا من حاول التصوير أو ناولتها شخص من المحتجين ليقوم به.. وأتذكر إن اضاءة فلاش الكاميرا عند التصوير قد لفتت نظر ضباط وجنود الأمن..

هرعوا نحونا وكأنهم ممسوسين.. بعضهم كان قريبا جدا منّا، وبعضهم كان بعيدا.. فلاش كاميرا كان يكفي لاستنفار واسع لا مبرر له غير الهلع.. ناولتُ الكاميرا التي صارت في يدي لرضية المتوكل التي كانت تقف خلفي، والتي أخبتها في حقيبتها..

لم يستطع الجنود معرفة أين ذهبت الكاميرا، ولكني أخبرتهم أنها تتبعني، ولم أكشف لهم أين هي، وبأي حيازة صارت.. كانوا مصرين على الوصول إليها وأخذها.. وعوضا عن هذا أخبرتهم أنني عضو مجلس النواب، وأنني من قمتُ بالتصوير.. فيما ظلت مطالبتهم بتسليم الكاميرا لحوحة ومتشددة..

تمت اتصالات عدة بين ضباط الأمن ومسؤوليهم، ويبدو أن الأوامر صدرت باحتجازي.. هددوني باستخدام القوة ضدي، وسحبي من بين المحتجين، ثم حاولوا بالفعل انفاذ تهديدهم والذي يبدو أنه كان تنفيذا لأوامر تلقوها من قيادتهم العليا.. بدا لي الأمر لا يقبل المراوحة، ومع ذلك ظللت مستغرقا في رفضي أن أسلم لهم الكاميرا أو أدلهم عليها.

بدت لي بوادر المواجهة تشتد وتكاد تحتدم.. شاهدت رجال الأمن يحاولون انتزاعي من بين المحتجين، فيما المحتجين يحاولون منعهم، بل والدفاع عني حد المواجهة.. بدت المواجهة بتدافع الأيدي والأجساد بين مهاجم ومدافع..

كان الأمر يحتاج إلى مبادرة وقرار إنقاذ سريع من قبلي.. أحسست إن نتيجة أي مواجهه ستكون بكلفة أكبر، ومفتوحة على المجهول؛ فخرجت من الجمع، وقررت أن أذهب معهم برغبتي وإرادتي تجنبا لما كان سيحدث.. أظن أن قراري هذا كان صائبا إلى حد بعيد، لا سيما أن المواجهة كادت تكون أكيدة، والاحتدام وشيك.. لم أرغب بمزيد من التداعي للموقف الذي بدا لي حساسا، وينذر بشؤم الاحتدام..

ذهبت معهم إلى داخل مبنى الجهاز.. تركت خلفي مخاوف الأحبة، وحبهم الذي ذادوا به عني.. تهيئت لكل احتمال ومجهول بعيدا عنهم.. اقتادوني مجموعة من الضباط والجنود إلى الداخل.. أول مرة أتجاوز بوابة جهاز الأمن السياسي إلى الداخل.. وفي الداخل شاهدت الفناء واسعا.. مباني متعددة.. طرق ومماشي عدة.. بديت وهم حولي وخلفي أشبه بمن نفذوا غزوة حربية، وعادوا بي إلى ديارهم كغنيمة حرب..

اقتادوني يسارا ويمين.. ثم يمينا ويسار.. سلموني لأحدهم كان في انتظاري يبدو أنه ضباط أرفع رتبة.. كان مرتديا قميصا وسروالا مدنيا.. بدا لي حاد الملامح وشديد التحفز لالتهامي.. وجهه مستطيل لا يخلوا من تكشيرة كلب بولسي حالما ينقض على مجرم خطير بتوجيه من سيده..

كان واضحا عليه أنه ينتظرني بصبر كاد ينفذ.. شاهدت سؤال يكاد يثب من عينيه كذئب: من هذا النائب أو من هذا الذي يجرؤ على التصوير ويرفض تسليم الكاميرا لجهاز يخافه ويهابه كل الناس؟!! كانت عيناه المتوعدتان تقدح شرا وشررا.. بدا لي ومن أول وهلة سيء الطباع وفض القلب والمعاملة.. هنا الاخلاق نحو الضحايا أشبه بالأمر المستحيل.. لا يتأتى إلا عن طريق التمثيل وتقمص الدور بتصنع وتكلف شديد، لا يخلوا من معاناة جمة..