أحمد سيف حاشد
341 subscribers
2.77K photos
6 videos
5 files
2.86K links
عضو برلمان
Download Telegram
هل أعضاء المجلس حمّالون إلى هذا الحد ليحتملوا ما لا تحتمله الصخور والحجارة؟!! لماذا لا ينفذ صبرهم رغم مرور كل هذه السنوات الطويلة؟!! حتّى الحجارة أتخيلها تنتفض إن فُرضت عليها رئاسة كتلك!! كيف يقدرون هم على حملها كل هذه السنين العجاف؟!!

والمصيبة الأكبر ثالثة الأثافي أنهم يعيدون التصويت لها مرة ثانية وثالثة، وفي آخر مرة يتم التصويت لرئيسها في صنعاء بـ 97 صوت من قوام مائة صوت.. ولا يرفضه ويمتنع عنه غير ثلاثة أصوت من قوام المائة.. ثلاثة أصوات تعيش الخذلان حولها وتعاني من الوحدة الموحشة، وتقاوم سياسة القطيع المفروضة عليهم.. إنها مأساة عصية على الوصف.. إنها مأساة شعب خانته نخبه وخذلوه قادته وممثلية.. قادوه ولازالوا يقودونه إلى مهالك شتّى وجوع ومجاعة ونهايات حرب كارثية مفجعة ومؤسفة..

أسأل نفسي: لماذا اسمع كثير من الزملاء على مدار سنين وهم يغتابون الرئاسة، وربما يتبرمون منها، بل ويلعنوها في بعض الأحيان، وعندما يأتي موعد استحقاق تغيريها، لا يغيرونها، بل ينساقوا في انتخابها أو التصويت لها كالقطعان التي تبدو لا عقل ولا فكر ولا تجربة لها، تُلدغ من الجحر مرتين وثلاث، ولا تتعظ ولا تأخذ بموعظة!!

لماذا ينقاد أعضاء المجلس لأحزابهم أو لقياداتهم أو للسلطة بهذه الطريقة العمياء، وعلى هذا النحو الذي يلغي معه كل عقل ومنطق؟!! كيف للمرء أن يرمي بعقله وضميره إلى خلف ظهره وقفاه، ويتحمّل كل هذا النفاق الوخيم، وينفذ كل تلك الأوامر التي بتصوري لا تحتملها حتى الصخور الصلدة والأحجار الكبيرة..؟!

هل أنا أحد الحالمين الذي قال عنهم باولو كويلو “لا يمكن ترويضهم ابداً”. أم هو الضمير الذي دعانا إليه فان جوخ ليكون بوصلتنا، أم نحن التعساء والأشقياء الذي تحدث عنهم ميخائيل نعيمة بسبب رقة احساسنا ورهافة مشاعرنا..؟!! أم يا ترى نحن كل هذا..؟!

***

كنت أتسأل: كيف يجرؤا الكثير من النواب أمام الفضائيات والقنوات ومنابر الإعلام وبث الجلسات على التحدث بسقف عالي انحيازا لمطالب واحتياجات الشعب وتطلعاته، وخلف الكواليس يغدرون به، ويثخنونه طعنا، من خلفه وقفاه.. يقتلونه على نحو دنيء وغادر..؟!!

لاحظتُ هذا كثيرا طيلة 17 عاما من وجودي في هذا المجلس، وكتبت عنه مرتين وثلاث في شهادات موثقة، ولا ينحصر هذا على أعضاء نواب السلطة التي كانت أو قدمت، بمختلف مسمياتها، بل وأيضا بعض نواب المعارضة، ولازال الحال كذلك إلى اليوم بل وأكثر منه، والقاسم المشترك بينهم أورده المثل التبريري الذي شاع وأنتشر "من تزوج أمّنا صار عمّنا".

تسألت بعد سنوات قليلة من عمر المجلس كيف لنواب وشيوخ حزب الإصلاح، وأبطال الشريعة الإسلامية والمصدر الوحيد، يتركون لجنة تقنين الشريعة الإسلامية تبحث عن أعضاء ولا يأتيها إلا سبعة، ويهرعون إلى غيرها من لجان “الدسم” في المجلس.. ومثل هذا يقال أيضا على لجنة العدل والأوقاف التي لم يختارها من قوام 301 عضو غير خمسة أعضاء لا سواهم.. هل صار العدل بخسا ومنفرا إلى هذه الدرجة..؟!!

أما الأوقاف فقد صارت اليوم في عهد الأنصار تبيض ذهبا، ولذلك تم انتزاعها من الوزارة بل ومن الحكومة لتصير هيئة تابع للرئاسة، شأنها شأن التعاون الدولي الذي تم نزعه من وزارة التخطيط والحكومة ليصير تابعا للرئاسة، وكذا الزكاة التي نُزعت من المجالس المحلية لتصبح أيضا تابعة للرئاسة، لتصير جميع تلك الموارد لتلك الجهات تابعة للرئاسة وتصرّفها، بعيدا عن رقابة مجلس النواب.. وهنا حضرني المثل: "المال يلعب بحمران العيون"..

في العهد الأول كنت أتسأل كيف لعضو برلمان اشتراكي معارض يمتنع عن التصويت في قضية هامة ولصالح فساد السلطة..؟! وفي أخرى عام 2006 حثني العضو نفسه على إعادة انتخاب الشيخ عميد يحيي الراعي إلى هيئة رئاسة المجلس بعد فشل هذه الرئاسة طيلة ثلاث سنوات ماضية.. ثم عرفت لاحقا أن المصلحة الشخصية كانت قد طغت على مصالح حزبه.. إنها صخرة المصلحة الشخصية التي قال عنها توفيق الحكيم "دائما ما تتحطم عليها أقوى المبادئ."

كيف تجرّأ هذا الاشتراكي أن يمتدحه أمامي بكل تلك الفجاجة، وعندما لاحظ كثير من علامات الاستغراب والقرف على صفحة وجهي استدرك وقال: "أحسن من غيره"؟! وبين 2006 وما نعيشه اليوم تهافت وسقوط اخلاقي مريع، وانحدار يقول فيه القائل: لا يأتي الزمن بأحسنه..

في الأمس القريب سمعتها من أكثر النواب القدامى، وكثير من "النواب" الجدد التابعين لأنصار الله وللمؤتمر، وهم يعلنون ويحثون علانية على انتخاب يحيى الراعي رئيسا للمجلس.. وأكثر من هذا أحجموا حتى من منافسته.. وجاءت النتيجة في هذه التي يسمونها "انتخابات" متوجة لهذا السقوط الذي لا أجد مفردة أسميه بها، أكثر من "الفضيحة".
يا ليتهم نافسوه.. يا ليتهم اختاروا منافسا له كان حجرا أو حمارا حتّى اعتبارا للحياء.. أحسست بسقوط كل شيء.. تهافت حتى بصيص الأمل الملتبس وسقط في قيعان اليأس السحيق.. تذكرت خلاصة رواية الخيال السياسي المسماة (1984) لجورج اورويل التي يرى فيها أن عصر موت الانسان قد حل، لأن الاستبداد أصبح قادر على قتل الأمل وقتل المقاومة..

*

بعد ثلاث سنوات من عضويتي في مجلس النواب، وعن بعض الانحطاط القيمي، كتبت شهادتي ونشرتها في صحيفة المستقلة العدد (21) الصادر في 1/4/2006 أورد هنا بعض مقتطفاتها، وهي في الحقيقة قليل من كثير، أو بالأحرى لا تعدو أكثر من نظرة أو لمحة سريعة للمجلس من الداخل:

ماذا تفعل عندما تكون عضوا في مجلس النواب ويجتاحك شعور يومي داهم بأنك تغرد خارج السرب ليس لأنك مريض، ولكن لأن الأمراض الفتاكة تعيث وتلوث وتستبيح أقاصي واقع وروح هذا المجلس الذي صار أكثر نوابه نوائب دهر لا يجيدون غير جلب مزيد من الطحن والفاقة والوبال الماحق لهذا الشعب..؟!!

ماذا تفعل إن كنت عضوا في هذا المجلس، وأنت ترى الفساد يتغول ويتوحش كل يوم في دهاليزه وردهاته ولجانه ليفترس الحد الأدنى من مبادئ الطهر والأمانة وبقايا الضمير فيما تجد نفسك مقصي أو مضيق عليك في محبس من نار وسقف من حديد صنعه لك أولئك الفاسدون والمفسدون..؟!!

لست غارقا بالأنا ولا أرى في نفسي مثالا ولا أنا طالبا لمستحيل، ولكن يهولني ما يحدث، ويمزقني الألم وأنا أرى زملاء أعزاء يتساقطون إلى القاع بعد أن كنت أرى فيهم قامات نخيل، وشماريخ نجوم، وأرى آخرين يتفاصحون أمام عدسات الكاميرا، ويمثلون أبطالا وفرسانا و"سوبرمان" أمام الشعب، دون أن يخجلوا من أنفسهم، وهم في الزوايا المعتمة والمخابئ المستورة يتسابقون على السقوط المريع تحت مخالب الفساد، طالبين فتات مصالح مساحة أكبرها أصغر من خرم إبرة وأضيق من سم خياط مقابل التفريط بمصالح شعب و وطن..

لقد راعني ما دار خلف كواليس المجلس عند انتخاب هيئة الرئاسة من تشابك وتأطير عصبيات حزبية ومناطقية ومصالح سياسية واقتصادية مستحكمة ليفضي هذا التشابك المعقد في نهاية المطاف إلى إعادة انتاج وتكريس هيئة الرئاسة السابقة، ويحدث هذا في ظل انهيار قيمي صادم، وبقاء عصبيات ماكنت أظنها على هذا القدر من السطوة والاستحواذ على بصر وبصيرة نواب كنت أرى في بعضهم إشراقات أمل نادرة، و إذا بي أكتشف أنني ساذجا وواهما إلى حد بعيد.

ما كنت أتصور أن معارضي الشيخ عبد الله سيكونون بعد فرز صندوق الاقتراع السري الحر والمباشر أكثر من (28) صوتا لا لشيء إلا لأنني ظللت مجبراً أسمع طيلة الثلاث سنوات الماضية من معظم الذين أعادوا انتخابه إنه عقبة كأداء تقسم ظهر المجلس، وتعيق أداءه وإنجاز مهامه، وفي برهة زمن ينقلب الحال، بل وجدت كثيراً من هؤلاء يعتبرون استمرار الشيخ على رأس المجلس ضرورة ومسّلمة لا تقبل جدلاً أو نقاشاً أو حتى سؤالاً..

ولا يختلف الأمر كثيراً مع اللواء يحيى الراعي حيث كنت أسمع عنه خلال الثلاث سنوات التي انقضت من أعضاء حزبه الصقور بأنه وبال المجلس وكارثة عليه، وإذا بي اكتشفهم قبل الانتخاب يقلبون المجن، ويتكلمون في فضائله أكثر مما تحدث المسلمين السنة في فضائل الصحابة؛ وبالفعل أُعيد انتخابه ليحتل المرتبة الثانية من الأصوات بعد الرئيس وبأريحية ما كانت تخطر على بالي..

أما في انتخاب لجان المجلس فقد شاهدت رغبة جامحة لعدد من الأعضاء تتجه بدون حذر أو هدى نحو لجان الدسم، وهو مصطلح أستخدمه الأعضاء في إشارة منهم إلى لجان النفط والمالية والخدمات..

وبعد انتحاب الكلمات والحروف في تلك الشهادات خلصت في شهادتي المكتوبة تلك إلى أن هذا المجلس يثبت كل يوم أنه يحلل الفساد ويشرّعه، ويُكرس مشروعية سياسة النهب والإفقار وتبديد ونهب ثروة الأجيال التي صادر المفسدون حاضرها ومستقبلها..

*


أما اليوم فأضيف إن الحال بات أسوأ من الأمس بكثير، وصار القبيح مع الأقبح عند الناس جميل.. وعمّا يحدث اليوم اكتفي بضرب مثال واحد للمقارنة والتدليل لتتضح صورة بعض ما يحدث اليوم..

فما سموها انتخابات هيئة رئاسة مجلس النواب في صنعاء في الربع الأخير من العام 2020 في الحقيقة كانت أشبه بما كتبه يزيد بن الوليد إلى مروان بن محمد حالما بلغه عنه تلكؤ في بيعته جاء نصها: "أما بعد فإني أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسلام." فأتته بيعته..

***
يتبع..
عبدالوهاب قطران حساب بديل
حقيقة قصة السجين الكرمدي:
كان الدكتور مجاهد الجمرة المغيب خلف قضبان السجن المركزي قد ارسلي تفاصيل قصته السجين المسن ابراهيم الكرمدي ،بتاريخ ٢٠ فبراير الماضي ،فترددت في نشر قصة السجين ،وبتاريخ ٤ مارس الحالي اتصلت بالدكتور الجمرة وقلت له انت متاكد مما ارسلت لي على لسان الكرمدي ،فرد نعم مليون بالمائة رواها لنا بنفسه ،وعمره ٨٠ سنة وله مسجون ٢٦ سنة ،وكان بالعنبر بالسجن وهو يقص علينا مظلوميته الى جواري حوالي ثلاثين سجين ،انشر على مسئوليتي...
فنشرت قصته وانا لااعرف الكرمدي البته ولامصلحة لي من نشر قصته ،وكان هدفي وغرضي نبيل وهو رفع الظلم عنه ،وانتشرت قصته على نطاق واسع ،وصباح امس قامت محكمة غرب الامانة بالافراج عنه..
وكثر الهرج والمرج وتم اتهامنا بالكذب والتظليل والاسائة للقضاء ونشر اخبار مظلله..

وقد علق على من تغريدتي بتويتر الزميل القاضي زيد الحمزي بما نصه(الاعلام مصدر للتضليل كما هو مصدر للتنوير السجين ابراهيم الكرمدي اسرته جيران لنا و الحمدلله على سلامة عودته الى اسرته ولكن معلومة ظهور المجني عليه حيا لم تثبت وان الذي حدث هو تنازل اولياء الدم بعد دفع الدية وان كانت ملابسة القضية لا تستحق عقوبة الاعدام مما يستدعي اعادة النظر في عقوبة الاعدام وشروط تطبيقها فكم من روح ازهقت تنفيذا لحكم قضائي وهي مظلومة او ان عقوبة الاعدام المحكوم بها مجافية للعدالة)

ولاني اثق بمصداقية الدكتور الجمرة ،اتصلت به الومه واعاتبه ،فرد انا لم اكذب بكلمة وقد حكى لنا الكرمدي القصة ونحن حوالي ثلاثين سجين ،وكان هدفي فعل الخير والقضية بها نفوذ ،وقد تم الضغط عليهم للسكوت وعدم الحديث ،وقد تم سبي وشتمي من قبل اشخاص يقربوا للكرمدي لانني سربت القصة لكم وتسببت بالاضرار بالكرمدي وكان خائف ان يتعرقل الافراج عنه ،وبعد ان عجلوا الافراج عنه ،اتى وقبل رأسي وشكرني واعتذر لي عن سببه لي من سب وشتم وتهديد..

بحثت عن رقم ابن الكرمدي نبيل ابراهيم الكرمدي، ،وطلبت منه ان بوضح لنا الحقيقة..
فااكد لي انه فعلا والده ظل بالسجن ٢٦ سنة وتم الافراج عنه بعد دفع دية لاولياء الدم ،وان القتيل لم يظهر حي ،وبدى متحفظ وخائف واضاف انهم سيتضرروا من النشر ..
قلت له من ارسل لنا قصة والدك هو الدكتور الجمرة ،كما حكها له والدك امام السجناء فختم حديثه معي برسالة نصها ( طيب حتي وان علي طول يقوم يكتب ويرسل كان المفروض يتاكد ابي اصبح مسن وشبه اعمي وسته وعشرين سنه سجن المفرض يفهم ان يمكن يفضفض ويتخيل اشياء غيرواقعيه ويتمني فعلا ان هذا الكلام يكون واقعي وان المجني عليه حي يرزق وانه ويائس من ان ياتي يوم ويخرج من السجن)
والخلاصة ان الحقيقة بقعر بئر عميق ومن كشفها يواجه العداء من الكافة وثمن كشف الحقائق والانحياز للغلابى ثمنه باهض..
بعد نشر القصة وقبلها التضامن مع القاضي عزي عمر ،تم الغاء صفحة الاعجاب الخاصة بي ،وحظري من النشر من قبل فيسبوك ..
واتهامي بالكذب والتلفيق والتظليل ..
ذهبت لأعرف إجابة سؤال
وعدت حاملا مائة سؤال!!!
في كتاب لعبة الامم لمايلز كوبلاند قبل عشرات السنين بأن وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (CIA) ترسم سايكولوجية الزعماء في برامج على الكمبيوتر لتقيس ردود أفعالهم لكي تقودهم الى فعل ما تريد كرد فعل من حيث لا يعلمون . وفي حالة حكم الفرد والزعيم الأوحد فإن إمكانية تسييرهم الى غير ما يخططون كردود أفعال قد حصلت سواء في مصر أو في العراق وبنتائج كارثية .
- د. عبد الحي زلوم
الأمن السياسي
احمد سيف حاشد
(1)
احتجازي في الأمن السياسي
في تاريخ 10 اكتوبر 2006 أتجهنا من مكتب النائب العام إلى بوابة الأمن السياسي بعد أن حصلنا على الأرجح معلومة غير مؤكدة، وربما استنتاج شبه مؤكد أن الأمن السياسي هو من مارس الإخفاء القسري بحق الناشط الحقوقي علي الديلمي منذ قرابة العشرة أيام، وأنه معتقل في مبنى جهاز الأمن السياسي في صنعاء..

أذكر أنني كنت أحد أصحاب اقتراح نقل تجمعنا واحتجاجنا من النيابة العامة إلى أمام بوابة الأمن السياسي، حاملين مذكرة من النائب العام موجهة إلى رئيس جهاز الأمن السياسي تتضمن السؤال، وطلب الافادة عمّا إذا كان علي الديلمي محتجزا لديهم..

كان جهاز الأمن السياسي آنذاك مهابا إلى حد بعيد، وربما الاحتجاج أمام بوابته كان محذورا لا يخلوا من مغامرة، وزائد عليه أنه فعل غير مسبوق.. خطوة غير معتادة تنال من هيبة هذا الجهاز ومقامه ليس فقط في وعي الناس، بل حتى في وعي العاملين فيه والقائمين عليه..

انتقلنا من مكتب النائب العام إلى أمام بوابة المقر الرئيسي للجهاز، وعندما كنا نتعرض إلى الإبعاد قسرا من البوابة الرئيسية تحت عنوان "ممنوع" انسحبنا إلى تحت الشجرة التي تبعد بحدود المائة متر من البوابة..

ورغم هذا أستمرت ضدنا الاستفزازات اللافتة من قبل ضباط وجنود الأمن، وحدثت بعض المناوشات المستفزة من قبلهم، وكانت تجري اتصالات بين ضباط الأمن ومسؤوليه على الأرجح لا أعرف مضمونها، ولكن تلك الاستفزازات كانت تكبر، وتكاد تتحول إلى اعتداء على المعتصمين..

أخرجت الكاميرا من الجاكت الذي كنت ارتديه، وربما أنا من حاول التصوير أو ناولتها شخص من المحتجين ليقوم به.. وأتذكر إن اضاءة فلاش الكاميرا عند التصوير قد لفتت نظر ضباط وجنود الأمن..

هرعوا نحونا وكأنهم ممسوسين.. بعضهم كان قريبا جدا منّا، وبعضهم كان بعيدا.. فلاش كاميرا كان يكفي لاستنفار واسع لا مبرر له غير الهلع.. ناولت الكاميرا التي صارت في يدي لرضية المتوكل التي كانت تقف خلفي، والتي أخبتها في حقيبتها..

لم يستطع الجنود معرفة أين ذهبت الكاميرا، ولكني أخبرتهم أنها تتبعني، ولم أكشف لهم أين هي، وبأي حيازة صارت.. كانوا مصرين على الوصول إليها وأخذها.. وعوضا عن هذا أخبرتهم أنني عضو مجلس النواب، وأنني من قمتُ بالتصوير.. فيما ظلت مطالبتهم بتسليم الكاميرا لحوحة ومتشددة..

تمت اتصالات عدة بين ضباط الأمن ومسؤوليهم، ويبدو أن الأوامر صدرت باحتجازي.. هددوني باستخدام القوة ضدي، وسحبي من بين المحتجين، ثم حاولوا بالفعل انفاذ تهديدهم والذي يبدو أنه كان تنفيذا لأوامر تلقوها من قيادتهم العليا.. بدا لي الأمر لا يقبل المراوحة، ومع ذلك ظللت مستغرقا في رفضي أن أسلم لهم الكاميرا أو أدلهم عليها.

بدت لي بوادر المواجهة تشتد وتكاد تحتدم.. شاهدت رجال الأمن يحاولون انتزاعي من بين المحتجين، فيما المحتجين يحاولون منعهم، بل والدفاع عني حد المواجهة.. بدت المواجهة بتدافع الأيدي والأجساد بين مهاجم ومدافع..

كان الأمر يحتاج إلى مبادرة وقرار إنقاذ سريع من قبلي.. أحسست إن نتيجة أي مواجهه ستكون بكلفة أكبر، ومفتوحة على المجهول؛ فخرجت من الجمع، وقررت أن أذهب معهم برغبتي وإرادتي تجنبا لما كان سيحدث.. أظن أن قراري هذا كان صائبا إلى حد بعيد، لا سيما أن المواجهة كادت تكون أكيدة، والاحتدام وشيك.. لم أرغب بمزيد من التداعي للموقف الذي بدا لي حساسا، وينذر بشؤم الاحتدام..

ذهبت معهم إلى داخل مبنى الجهاز.. تركت خلفي مخاوف الأحبة، وحبهم الذي ذادوا به عني.. تهيئت لكل احتمال ومجهول بعيدا عنهم.. اقتادوني مجموعة من الضباط والجنود إلى الداخل.. أول مرة أتجاوز بوابة جهاز الأمن السياسي إلى الداخل.. وفي الداخل شاهدت الفناء واسعا.. مباني متعددة.. طرق ومماشي عدة.. بديت وهم حولي وخلفي أشبه بمن نفذوا غزوة حربية، وعادوا بي إلى ديارهم كغنيمة حرب..

اقتادوني يسارا ويمين.. ثم يمينا ويسار.. سلموني لأحدهم كان في انتظاري يبدو أنه ضباط أرفع رتبة.. كان مرتديا قميصا وسروالا مدنيا.. بدا لي حاد الملامح وشديد التحفز لالتهامي.. وجهه مستطيل ومتيبس ولا يخلوا من تكشيرة كلب بولسي حالما ينقض على مجرم خطير بتوجيه من سيده..

كان واضحا عليه أنه ينتظرني بصبر كاد ينفذ.. شاهدت سؤالا يكاد يثب من عينيه كذئب: من هذا النائب أو من هذا الذي يجروا على التصوير ويرفض تسليم الكاميرا لجهاز يخافه ويهابه كل الناس؟!! كانت عيناه المتوعدة تقدح شرا وشررا.. بدا لي ومن أول وهلة سيء الطباع وفض القلب والمعاملة.. هنا الاخلاق نحو الضحايا أشبه بالأمر المستحيل.. لا تتأتى إلا عن طريق التمثيل وتقمص الدور بتصنع شديد وتكلف أشد، لا يخلوا من معاناة جمة..
سار أمامي وطلب مني أن اتبعه.. قادني إلى محبس غرفة صغيرة.. كنت أسير خلفة كنسمه وكان هو أمامي ينفخ ككير حداد.. وصلت ومجموعة تنتظرني في الجحر كفريسة، ولكنهم ربما كانوا ينتظرون الأوامر أن تأتي.. أمن سادي وشرِه ومفترس لا يعرف للإنسان قيمة أو حرمة..

أودعوني الغرفة، وفيما كنت أنتظر أن يحضروا لي كرسيا لأقعد عليه، أتوا بحارس في مستهل العشرينات من عمره، وبمعيته سلاحا آليا وجعبة.. لا أدري دواعي هذا الإجراء، وقد صرت في قبضتهم، وهي قبضة أمنية حديدية تزدري الدستور والقانون والحقوق ..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
(10)
أبصم بالعشر أنه كاذب
تحجج الوزير في روايته بالمخاوف من تصوير مبنى الأمن السياسي من خارجه، باعتباره موقعا حساسا.. كان مثل هذا الادعاء بمفرده يكفي أن يثير حفيظة النواب على هذا الاستخفاف الباذخ بهم وبمعارفهم، إلا إذا كانوا نوابا لازالوا يعيشون في حقبة ما قبل الألفية الثالثة، ويجهلون أبجديات ثورة الاتصالات والمعلومات والأنترنت التي يعيشها العصر..

أعجبني الإعلامي والناشط السياسي لطفي شطارة الذي رد يومها على خفة هذا الوزير، بمقال تحت عنوان "اليمن.. ديمقراطية رقص الحمام" جاء ضمن ما جاء فيه:

"ماذا لو علم الأخ الوزير أن مبنى الاستخبارات البريطانية لدولة عظمى في العالم (MI6 ) يقع على ضفاف نهر التايمز، ويمكنك أن تلتقط ما تريد من الصور بجانبه.. أهمية المباني والمواقع الحساسة تكمن بما يوجد داخلها وليس بأشكالها او بمكان وجودها.. الوزير ربما لم يسمع بعد أن برنامجا تابع لموقع جوجل على الشبكة العنكبوتية يمكنه أن يحدد لك، وعبر القمر الصناعي أي موقع تريده في العالم وأنت جالس على مكتبك، وليس مبنى واقع في شارع عام..".

ما حدث لي خارج سور الجهاز، لم يكن في مخبأ أو مكان قصي أو معزول، بل كان في شارع عام، وأكثر منه في حضرة ومشهد جمهور غير قليل من الناس.. وحتى احتجازي داخل الجهاز، يمكن كشفه أو الاستدلال عليه أيضا بسهولة ويسر، من خلال الكاميرات المثبتة في أسوار الجهاز وبواباته وزواياه وبعض مبانيه..

كنتُ أعرف إن الوزراء والساسة في الغالب والأعم يكذبون، ولكن لم أكن أعلم أنهم يكذبون إلى ذلك الحد الصارخ من الافتراء والاستخفاف والمجاهرة.. لم أكن أتصور أنه سينكر واقعة مشهودة في جلها بمائة عين لا اثنتين.. لو كان هذا المجلس مهابا أو على الأقل يحترم نفسه ما تجرّأ هذا الوزير أن يستغفله ويستغبيه، بل ويستهتر به إلى ذلك الحد الصفيق.

إنني لا أناكر هنا في موضوع ملتبس، وإنما واقعه رصدتها مائة عين ترى وتبصر وتمعن النظر.. وما حدث في الداخل تستطيع أن تتحقق منه وتستقصيه بالصور والفيديوهات لا ينكرها كائد أو مناكر.. كنت أتسأل كيف يتجاسرون في نكران كل شيء، وقلب الحقائق رأسا على عقب؟!!

الرقبة منّا ولدينا تُقطع بشهادة شاهدين فقط، وما حدث خارج السور كان يمكن إثباته بعشرات الشهود، وأضعاف مضاعفة من الأعين والآذان التي رأت وسمعت ما حدث في صحو نهار مشمس، لا ضباب فيه ولا دُجى، وزائد عليه إنها عاشت اللحظة بكل تفاصيلها..

وأكثر من هذا، لك أن تسخر، وأنت تسمع رواية الوزير الذي كان يتحدّث عن ضباط الأمن السياسي في صنعاء، وكأنه يتحدث عن رجال شرطة وأمن "السويد".. حتى الحجارة ستسخر من هذا الوزير، لو قدّر لها أن تسخر..!! سخرية بالغة ومقذعة قادرة أن تثير فينا كثير من الألم والبكاء والأنين..

كان بإمكاني أن أصف تفاصيل الغرفة، وطريق الوصول إليها، وكشف تفاصيلها، وتفاصيل الحارس الذي أحضروه، وكذا الضابط ذات الملامح الحادة الذي أمر الجندي بحراستي فيها.. كنت أستطيع أن أميزهما من ألف شبه لا من أربعين..

إنني على ثقة أن أي محقق مبتدئي يستطيع أن يكشف هراء هذا الوزير، وكذبه المتعمد والصارخ.. أي محقق يستطيع كشفه إذا ما اتيح له حتى مساحة الحد الأدنى من الحرية في التحقيق والاستقصاء.. ما حدث خارج السور واقعة مشهودة لا غبار عليها، وما حصل داخله بالإمكان إثباته بأدلة تقطع الحجر..

كان اسم الوزير يتقدمه رتبة "اللواء"، ولكن للأسف كان كاذبا بمستوى رتبته.. صحيح أنه يحمل شهادة "دكتوره" ويسبق اسمه لقب "دكتور"، ولكنه للأسف كان كاذبا بمستوى لقبه ودرجته وشهادته مع مرتبة "الشرف"..

إن الكذب دميم، والسياسية أكثر قبحا ودمامة عندما تعتاش عليه، أو يعتاش عليه ساستنا الذين أنهكونا وأفسدوا حياتنا في الأمس واليوم، وقد صار الكذب قُوتهم اليومي عشاء وصباحا، وأسوأ منه حالا أن نجدهم، وقد اختطفوا منّا وطنا جميلا افتديناه، ومستقبلا لطالما بحثنا عنه، وتوقنا إليه..

هناك مثل روسي يقول "في مستنقع الأكاذيب لا تسبح سوى الأسماك الميتة" ربما رأيت حال كهذا مرارا في هذا المجلس الموات، أو ما يفوقه بكثير في مستنقع لا ينحسر ولا ينزف.. هناك شطر بيت شعري يقول: "لا يكذب المرء إلا من مهانته" وكان هنا الحال أكثر وصفا وابتلاء ومهانة.

يقول مارتن لوثر إن "الكذبة كرة ثلجية تكبر كلما دحرجتها" وها هو هذا الوزير قد كبر بكذبه، وكبرت أكاذيبه حتى وصل إلى أن يكون في مرحلة ما، ممسكا بأخطر ملفين في هذه البلد المنكوبة بهم، وهما ملف الإرهاب، وملف ترسيم الحدود..

واليوم وفي ظل سلطات الأمر الواقع التي تحكمنا هنا وهناك، بات الكذب ماء وعيش وأسلوب حياة.. صار عميما ووخيما حد المستحيل.. فيما الصدق صار بحكم النادر الذي لا حكم له.. صار الصدق مكلفا جدا، وثمنه باهض للغاية، وينطبق عليه قول نوال السعداوي: "الصدق في عالم يكذب أمر مخيف".

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
(9)
رواية الوزير.. التعذيب بالكذب
رغم أن المعني بالاستدعاء والمساءلة هو رئيس جهاز الأمن السياسي، لاسيما وأن الجهاز لا يتبع وزارة الداخلية وفق قانون إنشائه، بل يتبع رئاسة الجمهورية، غير أن وزير الداخلية أنبرأ للتصدّي والإجابة، فيما تساهلت هيئة رئاسة المجلس حياله! ولا أدري لماذا أذعن أعضاء المجلس لهذا التغيير، رغم أنه سبق لهم أن رفضوه، بل وأصروا على حضور ومساءلة رئيس الجهاز تحديدا لا غيره..!! وحتّى على افتراض وجود تخريج قانوني لهذا التغيير؛ فليكن، ولنأتي للأهم، وهو ما رواه الوزير للمجلس بصدد ما حدث.

بداء الوزير باستعراض رواية ما أنزل الله بها من سلطان.. رواية مستفزة إلى حد بعيد.. رواية ممعنة بمغايرة الحقيقة ماهية واتجاه، أو مصادمة للواقع على نحو فارط وصارخ.. نفى الوزير تماما واقعة احتجازي، وقال أنني كنت ضمن متجمهرين أمام مبنى جهاز الأمن السياسي في الساعة الثالثة والربع، بعد نهاية الدوام الرسمي بربع ساعة في رمضان، بخصوص أحد الموقوفين في الجهاز.

وأضاف لكذبته الأولى والثانية، اتهاما جريئا آخر، وهو أنني قمت بتصوير موقع الأمن السياسي، وأن ضابط الحراسة حالما لاحظ ذلك، طلب مني تسليم الكاميرا، وعندما رفضتُ وعرف أنني برلماني اكتفى بإخباري إن التصوير ممنوع، وعندما طلبتُ مقابلة أحد المسؤولين، اصطحبي بكل أدب واحترام الى الضابط المناوب الذي حاول الاتصال بأحد المسؤولين، غير أنه عاد واعتذر إليّ لعدم وجود أحد مع انتهاء الدوام الرسمي، طالبا منّي العودة في وقت آخر، فخرجتُ وانصرفتُ مع المتجمهرين. إنها رواية لا تمسخ وجه الحقيقة فحسب، بل وتشبعها كذبا وزورا وبهتانا..

*
كان نفي الوزير أشبه بنيزك وقع على أم رأسي.. فجّر عقلي الذي تطاير كنثار وذرات غبار.. أخرجني من طوري، واقتلعني بقوة سيل جرار.. طيّر موازيني شظايا لا تلملمها معجزة..

جالدت نفسي صبرا وأنا اقتلي وأغتلي لأسمع البقية، ولم يكمل حتى تخيّلت أنني قد صرت في بطن أفعى.. تعصرني وتلويني، وتصب عصارة حمضها الحارق لتهضمني.. اكتشفت أيضا ان سماع الكذب فيه عذاب مؤلم وشديد، ربما لم أكن أعرفه قبل هذا الذي حدث..

كنت أظن إن الوزير سيدلّس الحقيقة بكذبة واحدة، وفي حال افراطه لن تزيد على كذبتين، ولم أتوقع البته أن تكون حصة الكذب في الرواية تسعة أعشارها.. وكنت قبل أن أسمع روايته الكذوبة، أحدث نفسي وأقول:
- من المستحيل أن يناكرني جهارا نهارا في واقعة عشتُ بنفسي تفاصيلها، وحدث جلّها أمام جمهور غير قليل.. ربما سيحرف بعض الحقائق عن مواضعها، أو يقلب بعضها مضطرا ليخفف شيئا من مسؤولية الجهاز الذي يدافع عنه.. وربما يتجاوز شيئا حتى لا يكون محل لغط وجدل، ومن المحتمل أن يورد بعض مما هو غامض وملتبس، وإذا قمتُ بإثبات عكسه، أو إفحامه وروايته، يلوذ بتأويل أو تفسير ينقذه من ورطة ما يمكنني أن أثبته.. وحتى لو خذلني المجلس ولم تسر الأمور على النحو الذي أريد، لن يُفلت بالتأكيد من تشكيل لجنة برلمانية لتقصّي الحقائق، ورفع تقرير للمجلس بهذا الشأن، والذي على ضوئه سيتخذ المجلس قراره.. وفي أسوأ الاحتمالات لن ينجو من تقديم اعتذاره ليس لي فقط، ولكن أيضا للمجلس وللمحتجين..

لم أكن أتوقع إنه سيختلق من العدم وقائع لم تحدث، ويزيل بإمعان في الوقت نفسه وقائع حدثت على نحو أكيد، بل هي ثابتة وساطعة، ويمكن إثباتها بيسر وسهولة.. جاءت رواية الوزير بتبديل جريء بل وصفيق، ما كان يخطر ببالي شيئا منه.. كانت روايته بدراية أشبعها كذبا وافتراء وأباطيل، فاقت تخيّلي إلى حد بعيد..

كنت أشعر أنني صاحب حق بثقة لا حدود لها.. ومع ذلك افترضت أنه سيزوغ في روايته عن قول بعض الحقيقة، وربما ينحرف في نقل بعضها، أو يبدل وجه منها، أما وقد سمعت إنكاره لوقائع بعضها شهدتها أعين جمهور بكامله، فذلك ما لم أكن أتوقعه.. وزيرنا كان "أكذب من خرافة"

*

يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
8
يوم أرغمت على الاعتذار
من مكانه العالي والوثير في المنصة افتتح نائب رئيس المجلس العميد يحيى الراعي جلسة المجلس "باسم الشعب".. جملة سمعتها وكأنني أسمعها للمرة الأولى!! لا أدري لماذا لفت نظري افتتاح هذه الجلسة أكثر من كل مرة..! لا أدري لماذا كلمة "الشعب" جلبت طنينا في اذني على غير ما هو معتاد.. لطالما شعرت بالقرف من المفارقة بين القول والفعل، ولكن هذه المرة كان مشوبا بطنين و وشيش.. قلت لنفسي ربما حدث هذا بسبب توتري ومخاوفي، وربما لشأن أهم!!

كنت أريد من خلال التقاط الصور للوزير ورئيس الجهاز والنواب المكتظين حولهما، إثبات واقعة تتم على حساب نزاهة العمل النيابي والحكومي في آن.. أردت أن أوقف هذه المهزلة التي تحدث أمامي على حساب واجب ما كان ينبغي التفريط به.. وددت أن أثبت وأدين فيها ما يحدث من مفارقة عجيبة بين ما يجب، وما يتم في هذا الواقع البائس والمرير..

أردت أن يعرف الشعب أن نوابه لا يحسنون تمثيله، بل ويسيئون إليه بعلم ودراية، وتحديدا أولئك النواب الذين تهافتوا كالذباب، أو قبلوا على أنفسهم رشوة الوزير، وأكثر من هذا إنهم هم من طلبوها منه، أو عرضوا أنفسهم عليه..

النواب معنيين بالرقابة على الحكومة، والوزير هو إحدى مفردات الحكومة أو بعض منها، وتندرج تلك الرقابة في صدارة المهام النيابية للمجلس، وزائد على هذا نحن هنا بصدد وزير يفترض أن يستجوبوه بعد دقائق من جلسة مخصصة أو مفترضة للمساءلة والاستجواب..

رئيس كتلة المؤتمر سلطان البركاني طالب بإخراج الفلم من الكاميرا، وزاد عليه مطالبتي باحترام زملائي؛ كونني على حد وصفه وتعبيره في "مجلس نواب، وليس في سمسرة"، أما النائب خالد العنسي ـ وهو أحد ضباط الأمن السياسي الذين سبق وأن عمل على الأرجح في مكتب رئيس الجهاز ـ فقد دعا إلى إخراج الفيلم من الكاميرا واتلافه فورا، وتكاثرت طلبات إتلاف الصور والفلم.

وفيما كان يطالب بعض النواب بهذا الاتلاف، كان الراعي قد أمر بأخذ الكاميرا ومحتوياتها، وزائدا عليها أصر على ضرورة أن اعتذر للمجلس بشأن التصوير.. كنت أمام خيارين، أما أعلق هنا، وينتهي كل شيء عند هذا الحد وهو فعل يشبه الانتحار، أو أتجاوز الأمر باعتذار محمولا ومرغما عليه، لتفويت فرصة يتربصون بها، ويريدون من خلالها وأد كل شيء..

اعتذرت مكرها وأنا آكل دواخلي بيني وبين نفسي.. اعتذرت حتى أفوّت فرصة عليهم في محاولة إفشال جلسة يبحثون عن أي مبرر أو حجة لإفشالها.. كان المثل الكبير ماثلا أمامي "تريد عذر أو حمار" كانت الرئاسة تتحين أي تلكؤا يمكنها أن تستخدمه كعذر لينتهي الأمر عند هذا الحد وبالتالي أعلن هزيمتي والخسران المبين..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
مع زميلي الحر النائب الوفي خالد مجود الصعدي في المستشفى..
س...!
س...!!
سلامات يا أرجل الناس..
لن يفرق بيننا إلاّ الموت
وحتى الموت لن نستسلم له، وإن ضاعف جرعته.
سنقاومه ونستميت في مقاومته حتى النزع الأخير..
بالتأكيد ليست"كورونا"، وليس فيروس..
دام الوفاء بيننا ما حيينا..
‏فرحت لتغيير اسوأ نائب عام مر في حياتي الحقوقية والنيابية في صنعاء..
ومع ذلك تم تعيينه وزيرا للعدل..
يافرحة ما تمت..
ويبقى السؤال الأهم: من يحكمنا؟؟؟
وزراء حتى الموت.. نواب حتى الموت
مجلس سياسي ورئيس حتى الموت
فساد وجبايات الى يوم يبعثون
(7)
صدمات توالت..
حضر إلى قاعة مجلس النواب نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الأمن والدفاع وزير الداخلية رشاد العليمي، ومعه رئيس جهاز الأمن السياسي غالب القمش.. دخلا من بوابة قاعة المجلس مزهوين بخطوات واثقة، وكأن مستجد ما قد حدث، وغيّر كل شيء، ولم يبق إلا إخراج يتدبره من يدير الجلسة.. توجست بتبدل الحال وقد بدا اليوم منقلبا على أمسه..

بدا لي أن حضور الوزير مع رئيس الجهاز قد جاء بعد تطمينات أكيدة.. "أمر دُبّر بليل".. لن يتغير شيء يزعزع حال أريد له أن يستمر، والجبل لن يتمخض غير فأر، بل وقد بات هذا الأمر مفروغا منه ومحسوم..

كانت الصدمة الأولى حالما رأيت سرب من النواب يحيط بهما ويتبعونهما حال دخولهما إلى القاعة، في مشهد كان أقرب إلى زفاف من أي شيء آخر اسمه استجواب أو مساءلة .. هكذا بدا لي الأمر من وهلته الأولى، دون أن أهمل فرضية أن أكون متوهما، وأن المجاملة أمر اعتيادي، ولكنها لن تمس ما نحن بصدده، ولن تذهب به إلى ما هو أبعد من حدودها المتعارف عليها..

أما الصدمة الثانية فكانت حالما رأيت زحام من النواب يتكومان عليهما، غير إن الكوم والزحام الأكثر كان هو ذلك الذي يحيط بوزير الداخلية.. هذا التكوّم كان مثيرا لاستغرابي وذهولي، بل وذهبتُ بهواجسي بعيدا، واستفزّني ما أراه كثيرا، ولم أقدر صبرا عليه..

هذا بيده ورقة طلب تجنيد، وذاك بيده طلب نقل جنود، وهذا يريد تفريغ عدد من الجنود معه، وهذا يتابع على نقل مدير ، وهذا بيده ملف ما، وأخر بيده معاملة يريد إنجازها.. طلبات كثيرة، والتفاصيل أكثر منها.. لحظتها شعرت بالخسران والقتامة والحزن، وقد تجسد أمامي ذلك القول: "مصائب قوم عند قوم فوائدُ" وكانت مصيبتي بين قومي اشد..

رأيت الوزير وهو منهمك يؤشر على الطلبات بسرعة لافتة، ويذهب نواب ويأتيه نواب آخرين، فيما الرئاسة تتواطأ مع المشهد بل وتستمريه، رغم أن تلك الطلبات والمعاملات على فرض مشروعيتها مكانها مكتب الوزير أو رئيس الجهاز لا هنا في قاعة البرلمان المطلوب الحضور إليه للمساءلة..

بدأ لي الأمر هنا وكأن الوزير قد تحوّل إلى مزار، وجلهم يتقرّبون إليه، ويتبرّكون فيه ويستجدون كرامته.. فيما هِمّة الوزير بدت نشطة ودؤوبة، تلبي وتستجيب لما يُطلب منها دون اعتراض أو تحفظ.. رمقت الوزير والأوراق تمرق من بين يديه وهو يؤشر ويوقع عليها، حتى بدا لي قلمه وكأنه قد صار ذيل عنزة في حركته، ومغزلا في سرعته..

يا إلاهي.. ماذا الذي يحدث؟! .. “يوم الله تعرف من صبحه”.. أنا منتظر من النواب أن يسألونهما ويستجوبونهما، ويسحبون الثقة منهما، فيما الذي أشاهده هو تسولهم لأوامر وتوجيهات وتسهيلات صغيرة وشخصية.. “كل يضع نفسه حيث يشاء” والمجلس وضع نفسه متسولا لا أكثر منه.

أثارني المشهد، وأثار لدي العديد من الاسئلة!! ماذا حدث بين الأمس واليوم؟! كل شيء يبدو أنه أنقلب على أعقابه وتبدل!! حماس الأمس الذي كان باديا للعيان ومتأججا على نحو لافت للاهتمام بات هامدا كميت، وباردا كجبل من جليد.. من كان في الأمس محلا للمحاسبة صار اليوم محلا للاستلطاف العذب.. النواب الأشاوس الذين كان جلهم يهيج ويموج باتوا يتوسلون ويتسولون استعطاف لا يليق بمقام أحد، أفعال مخزية، ومجاملة مُقرطة أوغلت في مبالغتها حد لا يطاق..

هالني الأمر وشعرت بقرف لا يُحتمل.. تساءلت: كيف يمكن لهؤلاء النواب أن يسألوا أو يستجوبوا مسؤولا ليحاسبوه، فيما هم يتهافتوا عليه كالذباب على قطعة حلوى؟!! يستجدون مطالب جلّها خاصة، ومخالفة للقانون أيضا.. إن ما يحدث أشبه برشوة لنواب كان يفترض أن يكونوا في مقام يليق بهم كنواب للشعب لا متسولين..

أحسست أن الذي يحدث أمر مهين إلى حد بعيد بحق البرلمان.. خرجت من طوري محتجا بأن الذي يحدث مهين وغير معقول.. كيف لبرلمان أن يسأل ويستجوب وزير أو رئيس جهاز فيما أعضاؤه يتسولون التأشيرات منه على طلباتهم التي مكانها مكتب الوزير ومكتب رئيس الجهاز، وليست قاعة البرلمان، وفي جلسة مخصصة للمساءلة والاستجواب لهما..

استفزني هذا الموقف المهين ليس بحق النواب، بل وبحق المجلس برمته.. دفعني هذا الضغط المستفز لأن أحاول الأثبات بصورة لجريمة الرشوة التي تحدث جهارا نهارا قبل جلسة المساءلة المفترضة بنصف ساعة..

حاولت أن أقف على قدمي وأخرج الكاميرا من الجاكت الذي أرتديه لأثبت ما يحدث من عار بحق هذا المجلس، وقبل أن التقط الصورة أو بعدها ببرهة صرخ بعض النواب هلعين على ما أقوم به، فيما رئيس المجلس بدا لي كمصعوق وهو يأمر بحزم "المروني" في سكرتارية المجلس ليأخذ من يدي الكاميرا، ولا يفرج عنها إلا بأمر منه، ولم يتم إعادتها إلا بعد مطل وتسويف، أو ما أسماه لاحقا بتأديب أستمر شهرين أو ثلاثة بحكم المصادرة، وكنت قد ايقنت أنها لن تعاد وإلى الأبد..
الصدمة الرابعة أنه انيط الرد على الشكوى بوزير الداخلية، وليس على المعني والمطلوب للمساءلة أصلا، وهو ما كان قد أقره المجلس من قبل.. رئيس جهاز الأمن السياسي حضر كضيف برفقة الوزير، رغم أنه كان المعني الأول فيما تضمنه قرار المجلس والرافض لدعوة حضور الوزير، ولكن "كلام الليل يمحوه النهار"

أما الصدمة الخامسة أن رواية الوزير كانت كاذبة على نحو مستفز وملفق إلى حد لم أكن أتخيله.. أما السادسة فكانت انفضاض المجلس على حساب حق تم غمطه، ونائبا ارادوا الإجهاز على شكواه، وصبوا اللعنات على رأسه، وسحقوه في ذلك اليوم ظلما وقهرا وباطلا.

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
(6)
إثارة احتجازي في السياسي برلمانيا
قمتُ بإعداد شكوى لمجلس النواب ذيلتها باسمي وتوقيعي.. حضرتُ إلى المجلس باكرا، وصدري يموج بقهر عظيم.. إحساس كثيف بالظلم يلعسني كالنار.. شيطان يتحفز في دمي لا يدعني أنام أو استريح.. أقسمت على نفسي أن لا يمر ما حدث مرور الكرام، حتى وإن أقتضى الأمر الاعتصام، والإضراب عن الطعام حتى الموت في قاعة المجلس.. تلك كانت المرة الأولى التي فكرت فيها باحتجاج من هذا القبيل..

وزعتُ لكل نائب نسخة من الشكوى، وقرأت الشكوى في قاعة المجلس على الجميع.. ساندني علانية زملاء كثيرون من الأعضاء، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: عيدروس النقيب، ونبيل باشا، وصخر الوجيه، وعبدالكريم شيبان، ومحمد صالح علي، وسلطان البركاني وغيرهم الكثير..

قليلون هم الذين أعتلّوا أو تململوا أو وناورا في محاولة منهم للإفلات مما وجب.. أما الأغلبية فقد أحسنت في البدايات، أما في النهايات فلي فيها كلام سأقوله حاسرا حالما يحين وقته وموضعه..

كم كانت لتلك المساندة من وقع على روحي المنهكة.. ما أجمل إحساس المظلوم حينما يجد موقفا يسانده في لحظة حرجة يكون في أشد الحاجة لمن يناصره فيها، أو يساعده لزحزحة قدرا من الظلم الذي يثقل كاهله.. هذا ما أحسسته وتعلمته جيدا، ودوما ما أستحضره عند الانتصار أو المساندة لأي مظلوم.

*

طالبت في الشكوى حضور رئيس جهاز الأمن السياسي غالب القمش إلى قاعة مجلس النواب، ومساءلته عن الانتهاكات التي ارتكبها ضباط وجنود الأمن السياسي، ليس فقط تلك التي طالتني بمفردي، ولكن أيضا الذي طالت المحتجين معي.. وقد أتخذ المجلس قرارا باستدعاء رئيس جهاز الأمن السياسي إلى قاعة المجلس بأغلبية ساحقة..

وفي الجلسة المقرر حضوره فيها، جاء الرد من رئيس جهاز الأمن السياسي، بالاعتذار عن الحضور، وكان الرد مستفزا في أحدى وجوهه، حيث برر عدم حضوره بمشاغله الكثيرة، وزائدا عليه، قوله في الرد: "إن على مجلس النواب طلب رئيس اللجنة الأمنية العليا، وليس احد أعضائها". وكان يقصد من ذلك أن مجلس النواب قد أخطاء بطلبه، وكان يجب عليه أن يطلب وزير الداخلية لا هو..

وقد علقت على الاعتذار إن رئيس جهاز الأمن السياسي، هو المسؤول الأول والمباشر، والجهاز لا يخضع لوزارة الداخلية، وإنما هو تابع لرئاسة الجمهورية، وهو المسؤول الأول عن انتهاك حقوقي الدستورية وحصانتي البرلمانية، وحقوق المحتجين الآخرين، ومن حق المجلس استدعائه ومُسائلته، وهو مشمول ومعني برقابة المجلس، ومعرفة مدى التزامه بالدستور وتنفيذ القوانين.

ألححت بطلب حضور رئيس جهاز الأمن السياسي إلى قاعة مجلس النواب لمساءلته، وهددت بالاعتصام والإضراب عن الطعام في قاعة المجلس، بل وحددت موعد الشروع بتنفيذه، إن لم يستطع المجلس إحضار رئيس الجهاز ومساءلته على الانتهاكات التي ارتكبها وتابعيه ضدي وضد المحتجين..

رئيس كتلة الحزب الاشتراكي الدكتور عيدروس نصر ناصر النقيب كان على الأرجح اول نائب احتج على عدم حضور اللواء القمش، مؤكدا على أهمية حضوره بخصوص امر يتعلق بمجلس النواب بكاملة، وليس فقط بأحد اعضائه..

أما النائب صخر الوجيه ـ وهو أحد نواب محافظة الحديدة ـ فقد أشار بمرارة إلى أن هذا الاعتداء ما كان ليتم إلا لأن النائب حاشد مستقل، وبسيط، ومنتمي لمنطقة بسيطة، خلافاً لغيرهم من المدججين بالأسلحة والمرافقين.. واقترح ايقاف النقاش في أي موضوع من جدول أعمال دورة المجلس، حتى يتم حضور رئيس جهاز الأمن السياسي إلى قاعة المجلس ليس من أجل التوضيح، ولكن من أجل المساءلة والمحاسبة على الخروقات الدستورية التي أرتكبها هو وتابعيه..

فيما كان العميد يحيى الراعي نائب رئيس المجلس، والمتولي لإدارة الجلسة، في حال المزنوق والمحاصر، يحاول أن يبعد أو يعفي رئيس الجهاز من الحضور إلى المجلس، ويستعيض عنه بحضور وزير الداخلية، إلا أن جل النواب أصروا على حضور رئيس جهاز الأمن السياسي إلى المجلس لا سواه.

أما رئيس كتلة المؤتمر سلطان البركاني فقد استنكر قراءة رسالة القمش على القاعة، لأنه ملزما بالحضور، ومؤيداً في ذلك مقترح النائب صخر الوجيه بتعليق أعمال المجلس حتى حضور رئيس جهاز الأمن السياسي إلى المجلس، وسط ترحيب واسع من الأعضاء في القاعة.

*


بدا الأمر محرجا ليحيى الراعي الذي أضطر مكرها للنزول عند رغبة أعضاء المجلس.. ربما اختلفت دوافع هذا الإصرار من الأعضاء، وربما بعضها يرجع إلى مخاوف تتعلق بحماية أنفسهم من تعسفات محتملة، ولاسيما إن مرّت هذه الواقعة البينة، بل والصارخة الانتهاك، دون أن يتم الوقوف عليها، وبالتالي استعادة بعض من هيبة حصانة الأعضاء من تعسفات وانتهاكات جمة قد حدثت، وصفها النائب على عبدربه القاضي بقوله "إن ما جرى قطرة من مطر".
فيما كشف في الجلسة رئيس كتلة الناصريين البرلمانية النائب سلطان العتواني أنه تعرض للتوقيف ست مرات، تضمنت آخرها التهديد بالقتل، من قبل نقطة عسكرية أمام معسكر السواد.. هذا وذاك لا يعني عدم وجود تعاطف حقوقي معي من قبل بعض الأعضاء حيال الانتهاك الصارخ الذي تعرضت له، ولكن أقصد وجود ثمة دوافع مختلفة للأعضاء، تضافرت مع بعضها البعض..

إصرار الأعضاء على استدعاء رئيس جهاز الأمن السياسي بأغلبية ساحقة، حملت يحيى الراعي الذي كان يدير الجلسة على النزول عند رغبة الأعضاء، ومعهم رؤساء الكتل البرلمانية، وبالتالي الإذعان لقرار تعليق جلسات المجلس، حتى حضور رئيس جهاز الأمن السياسي إلى قاعة المجلس لمساءلته.. وكان قد أنسحب جل أعضاء المجلس احتجاجا على ما أسموه استهتارا من قبل رئيس جهاز الأمن السياسي (المخابرات) بالمجلس، ورفضه الحضور لتوضيح موقفه من انتهاك الحصانة البرلمانية.

الحقيقة لم يحضر القمش إلى المجلس إلا بعد ثالث استدعاء، وتحديدا بعد إعلاني في المجلس أنني قررت الاعتصام والاضراب عن الطعام في قاعة المجلس والذي حددت موعده بـ "يوم الاثنين القادم" وأعلنت أنه سيستمر حتى حضور رئيس الجهاز إلى قاعة المجلس.. وجاء تهديدي هذا على نحو جاد وغير متوقع، وأزعم أنه حشر الجميع تحت ضغط الإحراج الأشد، وجعل حضور رئيس جهاز الأمن السياسي أمر لابد منه..

*

استدعاء رئيس جهاز الأمن السياسي "المخابرات" إلى المجلس في حد ذاته كانت سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البرلمان اليمني.. تعليق أعمال المجلس لأعماله حتى حضور رئيس جهاز الأمن السياسي هي سابقة أخرى لم يقدم عليها المجلس خلال تاريخه.. أن يحضر رئيس جهاز الأمن السياسي فعلا إلى المجلس هي أيضا سابقة غير معهوده من قبل، بل ولم تكن متوقعة بحسب ما هو معتاد..

أما اليوم فبرلمان صنعاء "الميت" والخاضع بات صوريا إلى حد بعيد، وزائفا أكثر من أي وقت مضى، وأداءه في ظل سلطة الأمر الواقع لا يليق حتى بمجلس آباء مدرسة ابتدائية، ورئاسته الخاضعة تجزع وترتعد فرائصها لمجرد طلب تحرير مذكرة لرئيس جهاز الأمن والاستخبارات في أي شأن.. بات الحكم في صنعاء بوليسي قمعي، ودكتاتوري مستبد حد الطغيان، وعلى نحو سافر وفاضح وغير مسبوق..

*

يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
(5)
التوجيه بإخلاء سبيلي
رغم الحجز كنت أحاول أن أكتشف محيطي.. أرمق الذين يتجولون في الساحة القريبة بلباس مدني أو عسكري.. أحاول أن أمعن النظر في أشكالهم.. أتفرس في وجوههم إن أمكن، وهم يتجولون في الساحة، أو يمرقون منها ذهابا وإيابا، فيما كان بعضهم يطل من باب الغرفة يتفرّس فيني، وكأنني مخلوق عجيب جاء من الفضاء، أو حيوان بري عدواني، أو غير معروف، في سياجه الحديدي المخصص بحديقة الحيوان..

الضابط ذو الملامح الحادة الذي استقبل قدومي بنظرات حازمة ومتحفزة، كان يغيب أحيانا، ويعود للظهور أحيانا أخرى، ثم يرمقني شزرا ويذهب.. وأحيانا يجوس في الساحة، وهو منهمك يهاتف أغلب الظن العمليات، أو أحد رؤسائه الكبار.. لا أدري مضمون تلك المكالمات التي كان يجريها، إلا أنني كنت أخمّنها على الأرجح إنها تخصّني، أو تتحدث في شأني..

أما جندي الحراسة الصامت، فقد حاولت أن أفتح معه بابا للحديث والتعارف؛ فسألته عن المدة التي تعسكر فيها، والمحافظة التي ينتمي إليها، ولكنه تعمد أن يظهر أنه لم يسمع سؤالي الأول، وتجاهل عمدا سؤالي الثاني، فأرحته من ثالث ورابع؛ وفهمت إن الأوامر قد صدرت إليه ابتدأ أن لا يتحدث معي بقليل أو كثير..

ورغم هذا أحسست من نظراته القليلة التي كان يرمقني بها، أن ثمة تعاطفا ما في داخله.. شعور طيب تتسلل إلى نفسي كجدول أو ساقية.. نظراته القليلة نحوي بدت لي كمن يختلسها بغتة.. أحسست من نظراته إنها لا تخلوا من خجل وحيرة وتساؤل، وفي نفس الوقت يخامرها تعاطف مشوبا بقلة حيلة..

وفي المقابل أحسست من جهتي بتعاطف نحوه، لا يخلوا من تفهم وشفقة.. إنه مجرد عسكري ينفذ الأوامر فحسب.. يؤدي نوبة حراسة لا أكثر.. إنه عسكري مخنوق براتبه، وبآوامر رؤسائه الذي تقع عليه واجب طاعتها وتنفيذها، طالما كانت في حدود مهمته..

*

والشيء بالشيء يذكر لبيان وجه من المفارقة بين سلوك وآخر بمقام مشابه.. هذا الحارس المتعاطف والحائر هنا، كان على عكس الشاب "الأنصاري" الهمجي المتحفز، والاستعراضي المتعجرف الذي كان أمامي فوق الطقم يوم 25 مايو 2017.. كانت عيناه تقدح بسيل من الكراهية المقيتة، والعصبية المنتنة، ومثلها لؤم متسع، وجهل مطبق على آخره..

كان كمن يريد أن يغرس أصبعيه في عينيي.. يتجهم في وجهي كنار جهنم.. يتحفز إلى التهامي كضبع جائع.. يتهمني بالوهابية والدعشنة بجهل لا حدود له.. يتفرس شكلي كناهب أو قاطع طريق.. يفتشني ويسألني عن تلفوني ليغنمه، فيما كنت قد سلّمت تلفوني لابني فادي المحتجز في قسم شرطة جمال جميل مع مجموعة من المحتجين.. سلمته إليه حالما تم مناداتي للصعود إلى الطقم بمفردي.. هذا الكائن السادي الذي كان أمامي أحسست أنه متشوقا على نحو عاصف ليمارس ركلي ببيادته العسكرية، وهو ما حدث بالفعل بعد أقل من ساعة أو ثلثيها..

*


وعودة إلى الغرفة التي كنت محتجز فيها، وبعد قرابة الساعة تفاجأت بالضابط المتحفز قد خمد وهمد رغما عنه.. رأيته منكسرا وهو زاما شفتيه وقاطبا لحاجبيه، بوجه عابس مكسوا بخيبة أكبر من أن تدارى.. أمر الحارس بامتعاض أقوى منه بإخلاء سبيلي، دون أن يتحدث معي ببنت شفة.. لقد خاب مراده، وأحبط عمله، و"عاد بخفي حنين"..

خرجت بمرافقة أحدهم إلى البوابة الخارجية، ووجدت المعتصمين في الساحة ينتظروني وقد رفضوا مغادرة الساحة التي كانوا فيها.. انفرجت أساريرهم بمجرد أن شاهدوني مقبلا نحوهم.. استقبلوني بحرارة نادرة واشتياق جم، وكأنني عائدا من القمر ليعرفوا عني وعنه كل الأخبار التي أحملها معي إليهم..

جميعهم كانوا شغوفين أن يسمعوا منّي ما حدث!! فيما كنت مقلا بالكلام، وصدري يفيض بالقهر الذي حاولت بقلة حيله أن أداريه عن أعينهم المتفحصة.. لم استطع الضحك، وفشلت في تصنع الابتسامة، وهو ما فسره البعض أنني تعرضت لسوء أشد لا أريد البوح به.. ربما ظن البعض أنني تعرضت للضرب والإهانة في الداخل، ولا أريد أن أفصح عنهما أمامهم..

بعد سويعات قليلة كتبت رشيدة القيلي على الأنترنت شيئا عنّي وعن اللحظة، وعن عيوني الحزينة والمتألمة بوصف أشارت فيه بانفراد، إلى وجود دمعة في عيوني، وهذه الأخيرة لست لأنها لم ترقني، بل لأنها غير مطابقة للواقع، اتصلتُ برشيدة، أعتب عليها، وأطلب منها أن تحذف ما كتبته.. فاستجابت لطلبي، وحذفته، معلقة أنها بديت لها في تلك اللحظات وكأن دمعة القهر تجوس في عيوني، وربما عيوني كانت مرهقة، وما كتبته كان بدافع التعاطف معي.. وكنتُ قد قررتُ بدافع قهر قوي أن أثير الموضوع في البرلمان على نحو غير معتاد، وهو ما حدث بالفعل..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
(4)
لمحة من التعذيب السياسي
وفيما كنت أتوقع أن يحضروا لي كرسيا لأقعد عليه، جاءوا لي بجندي مسلح، ومعه كرسيا ليجلس هو عليه.. لم أتنازل لهم، ولم أطلب منهم شيئا.. هنا التنازل لدون الله مذلّة.. هنا الضباط ينظرون إليك بأعين فاحصة ومرتابة.. ينتظرون الأوامر، ويتحفزون لتنفيذها بدافع سادي شديد.. إحساس كثيف بالوحشة والغربة في مكان لا تجد فيه من يساعدك أو يخفف عنك..

الغرفة التي احتجزت فيها كانت فارغة إلا من طاولة منهكة.. بدت لي كأنها هي الأخرى قيد الاحتجاز.. لا أنيس لي هنا إلا هي.. أحسست إنها تقاسمني الحال الذي أنا فيه، وتريد أن تقدم لي المساعدة لتخفف عنّي ما أعانيه.. الأشياء في وحدتك تشعرك بحضورها وقيمتها ومعناها المختلف عمّا هو معتاد..

خالجني شعور رهيف.. أحسست إن الطاولة تتعاطف معي، وتعزّيني، وتبادلني بعض مشاعر حزني، وتحاول أن تخفف من اكتئابي.. تريد أن تقدم لي المساعدة دون أن طلب.. استجبت لها بامتنان، جلست عليها برفق، وأسندت ظهري للجدار..

الطاولات ليست واحده.. إنها تختلف بعضها عن بعضها الآخر كأقدار الناس.. بين طاولة وأخرى ربما تجد ثمة فرق شاسع وكبير.. هذا الاختلاف نقلني إلى ماضي يعود إلى ما يقارب الستة عشرة عام خلت..

*

بعد الوحدة في العام 1990جئت من عدن إلى صنعاء، وسمعت من زميل لي في القضاء العسكري قصص تعذيب مروعة.. لم أعد أتذكر أسماء الضحايا الذي ذكرهم لي، ليس لأنني تجاهلتها، أو لأنني لا أهتم بها، بل لأن ذاكرة الأسماء لدي ضعيفة، ومع ذلك حفرت تلك الوقائع المرعبة التي سمعتها منه، أخاديدا عميقة في ذاكرتي المنهكة.. ما سمعته كان يفوق المعقول، ووقعه على الوجدان أشبه بصدمة وزلزلة..

ومما رواه زميلي هذا هو أن أحد ضحايا التعذيب قبل مباشرة التحقيق معه، تم تثبيت كفيه بالمسامير على الطاولة.. ولم يكتفوا بهذا النوع من التعذيب البشع أثناء التحقيق الذي أستمر لساعات طوال، بل واستخدموا معه أيضا وسائل تعذيب أخرى، فبدا لي الحال على الضحية أشد من الجحيم.. وأثناء فتح ونشر ملف التعذيب في العام 2008 ، تم التثبت والتأكد من صحة هذه الواقعة.. وكان الضحية شخص اسمه علي قلهيز..

واقعة أخرى تتلخص في كسر يد أحد ضحايا التعذيب، ويقومون بتجبيرها حتى تكاد تتماثل للشفاء، ثم يحضر الجلاد ويسلّم على الضحية، ويعصر يده ليكسرها مرة ثانية، ويصرخ الضحية بصرخة وجع مدوية يسمعها ويهتز لها الجميع، إلا الجلادين لا يسمعون ولا يكترثون بصرخة وجع حتى وإن شُقّت الأرض وتشطرت السموات العُلا، بل تجدهم يغرقون باستمتاع لا مثيل له..

*


عبد الرحمن سيف إسماعيل العبسي أحدى ضحايا تلك السجون والمعتقلات المرعبة.. تم اعتقاله أربع مرات قضى في إحداها فترة أربع سنوات، تعرض فيها للتعذيب الجسدي والنفسي، ومنها الضرب الشديد أثناء التعليق على طريقة (كنتاكي)، والتغميس في برك الماء أثناء البرد القارس، وكسر الأيدي، ونزع الأظافر، واستخدام الكهرباء، والصفع على الوجه، واستخدام الحرب النفسية، والحبس الانفرادي، والتهديد بالقتل، والايهام بتنفيذ الاعدام عن طريق اطلاق الرصاص..

ولاتزال بعض الأثار باقية على جسده، ومنها آثار كسور في يده اليسرى، وضعف حاد في السمع، وآثار الربط بأسلاك الكهرباء.. وقد حكى بعض من معاناته في السجن بقصيدة نقتطف نتف منها:
"في السجن .. في زنزانة ظلماء كالقبر
مكبل بالقيود والسلاسل والأغلال..
تلهبني سياط الجلادين..
ونعالهم الحقيرة،
أموت في كل ثانية مرة واحدة
أو مرتين .."

ويذكر آخرين ممن تعرضوا للتعذيب البشع والمروع، ومنهم علي قلهيز، الذي دقوا المسامير في يديه، وعبده الكوري الذي تم كسر أحد أضلاعه، والعبادي الذي أصيب بالجنون بسبب التعذيب بطرق بشعة، وعبد القوي رافع الذي حُبس لمدة 12 سنة، وكانوا يحققون معه ويضربون بجانبه الرصاص، وهو معصوب العينين، وعبد الحفيظ جازم الذي كانوا يضربون رأسه بالمطرقة، وعلي بشر القباطي الذي كانوا يعذبونه ويقضمون صلعته بأسنانهم وأنيابهم..

*

وعودة إلى زعفران "أم حمير" أحد ضحايا التعذيب المؤلم والمرعب جاء في شهادتها إنها تعرضت للضرب بطواية أسلاك كهربائية، وصعقها بالكهرباء، والتغطيس في برك مياه باردة، والتعليق عن طريق الأرجل إلى سقف الزنزانة، والضرب رغم حملها..

ولم ينحصر أو يقتصر التعذيب عليها وحدها من بنات جنسها، بل تذكر بعض رفيقاتها اللاتي تعرضن للتعذيب المريع في معتقلات وسجون السلطة آنذاك، ذكرت منهنّ على سبيل المثال لا الحصر: طيبة بركات، وأمينة محمد رشيد، ودرة الفاتش التي عذبوها، وعلقوها في السجن، وشنقوها، وزعموا أنها انتحرت..

وهناك حكايات تعذيب أخرى مؤلمة عاشها آخرين مثل: أبو القصب الشلال، وعبد الرحمن الأهدل، ويحيى أمين زيدان، ويحيى علامة، وعلي مكنون، وعبد الباري محمد سعيد، وعبدالباري طاهر، وأحمد علي الوادعي، وسلطان الصريمي، وغيرهم الكثير ممن سمعنا عنهم، ومن لم نسمع عنهم هم أكثر من الكثير..

*
فرحان عبد الله وهفان من عمران واحد ممن تعرضوا أيضا لبعض صنوف التعذيب حيث يقول: كانوا يخرجونا في بعض الليالي يطوفون بنا حول بركة ماء، ونحن مثقلين بقيود حديدية، ونظل نطوف حول البركة، ولسعات العصيان تنزل على ظهورنا، وأخيرا يقذفوا بنا إلى داخل البركة الباردة كريهة الرائحة.. "

وعن الآخرين ممن تم تعذيبهم يقول: "أتذكر من الذين تعرضوا للتعذيب "زعفران" زوجة أحمد فارع، وزوجة عبد الله نجاد وأبنته، وأبناءه الاثنين (سند ورشاد) وعلي المولّد، وأيضا صالح المولد، أبناء عم صالح المولد، والأستاذ عبد الرحمن سيف إسماعيل العبسي، وعبد الرحمن غالب المقطري.."

ويستغرق في تذكره الذي لا يخلوا من مرارة وألم فيقول: أتذكر أن محمد خميس كان يلوي يد علي المولد وهي المصابة بطلقة نارية، ومكسورة، ويزيد من ليها، فيصرخ حتى يسمع صوته كل من كان في غرف السجن، وقد ظلت عاهة يده ملازمة له أيضا، فيما زعفران كان محمد خميس يعذبها بعصا غليظة.. يضربها على بطنها بمنتهى القسوة، وهي حامل وعلى وشك أن تلد، وبالفعل ولدت داخل السجن، وأسمت ابنها على اسم السجن “حمير” سلام على أم حمير..

*

سلطان أحمد زيد أيضا تعرض في سجنه للسب والشتم، والقيد على الرجلين، والحبس الانفرادي، والحرمان من النوم، والمنع من التبول وقضاء الحاجة، لفترات طويلة، فضلا عن مصادرة كثير من حقوقه الوظيفية والمادية..

وعن الزملاء الذي تعرف عليهم في السجن وتعرضوا لصنوف التعذيب يقول: تعرفت بعد فترة من الاعتقال في زنزانتي الانفرادية على بعض من الزملاء في الزنازين الأخرى، أتذكر منهم: الأستاذ أبو القصب الشلال الأديب والشاعر المعروف، والفقيد المناضل أحمد صالح جبران، وعلي العلفي، وعبدالعزيز قائد سيف، والأستاذ عبدالله الرديني الناقد والكاتب، وعلي محمد محرز موظف في البنك المركزي، والضابط فوزي الذي اعتقل عشية زفافه في تعز، وهو أحد المخفيين قسريا إلى اليوم..

ويشير أن هؤلاء المعتقلين الذبن اعتقلوا وعذبوا لا لشيء غير آرائهم السياسية، ويضيف: علمت لاحقاً بأن أغلبهم لاقوا صنوفاً من التعذيب والمعاملة القاسية، ومنهم المناضل الفقيد جمال المخلافي الصحفي الذي عذب بالضرب على الخصية، ولم يخرج من المعتقل إلاّ فاقداً لعقله، إلى جانب الحرمان من زوجته وتطليقها منه بالقوة..

ومن وسائل التعذيب الذي يستخدمها الجلادون ضد الضحايا، يذكر سلطان أحمد زيد بعض منها، كعصر الرقبة، والصفع المفاجئ على الوجه، والتعليق في قضيب خشبي عبر اليدين والركبتين وربطهما معاً، والضرب بالسلك على الفلكة "باطن القدمين" حتى الإغماء، أو ساعات تمتد طوال التحقيق، ولا يسمح له بشربة ماء واحده، ثم يعود بك الجلاد إلى الزنزانة ويقذف بك كالقمامة..

وفي الخلاصة نشير أن هذا كان مجرد لمحة شديدة الاقتضاب عن التعذيب في الأمس.. أما اليوم فالتعذيب بات أكبر من أن يستوعبه عقل أو وصف أو لغة..

*

المصدر: صحيفة المستقلة

يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي