اصداء..
محمد اللوزي:
هكذا انت تنتصر من بين كل الفرقاء المؤتلف والمختلف وتصيغ عنوانك بدراية وبوصلتك تحددها جيدا وعلى ضؤها تخطو في الإتجاه المعبر عن الإنسان الرافض للتاطير وما لا بد منه يضعه في حسبانه لكنه يفلت بمسئولية حين تكون الفرصة سانحة. كأن هذه الانتخابات كانت سؤال موجع لك تحديدا كيف تكون أنت ومن انت؟ وماذا تريد
المتابع للمتتالي من الاحداث تشده بصيرتك النافذه وقدرتك على استجماع قواك في حالة الوهن لتنهض من جديد وتصل ماانقطع وتبني صداقات عميقة ومخلصة وواعية لمجريات الأمور وماذا بعد؟ يشدني اسلوبك السردي للأحداث واجدك هنا كاتبا مرموقا وشخصية يسكنها الإنساني وهذا المهم. غزير ورائع انت
محمد اللوزي:
هكذا انت تنتصر من بين كل الفرقاء المؤتلف والمختلف وتصيغ عنوانك بدراية وبوصلتك تحددها جيدا وعلى ضؤها تخطو في الإتجاه المعبر عن الإنسان الرافض للتاطير وما لا بد منه يضعه في حسبانه لكنه يفلت بمسئولية حين تكون الفرصة سانحة. كأن هذه الانتخابات كانت سؤال موجع لك تحديدا كيف تكون أنت ومن انت؟ وماذا تريد
المتابع للمتتالي من الاحداث تشده بصيرتك النافذه وقدرتك على استجماع قواك في حالة الوهن لتنهض من جديد وتصل ماانقطع وتبني صداقات عميقة ومخلصة وواعية لمجريات الأمور وماذا بعد؟ يشدني اسلوبك السردي للأحداث واجدك هنا كاتبا مرموقا وشخصية يسكنها الإنساني وهذا المهم. غزير ورائع انت
(15)
دعمي المالي وفقري المستبد
أحمد سيف حاشد
أكتبُ هنا عن الفقراء ذو الدخل المحدود، الذين أبتلتهم أقدارهم بفقر يدوم يعيق وصولهم، ويحول دون تحقيق أمنياتهم السياسية؟! كيف للفقير أن يعبر إلى ما يريد، وأمامه ألف مانع وألف جدار؟! الحظ لا يخدم منهم إلا ما هو في حكم النادر، و"النادر لا حكم له"..
الفقراء محكومين بواقعهم الذي يمنع عليهم تجاوزه.. محكومين بأقدارهم التعسة إلا من ندرت حالته.. ربما يكتفي الناجح فيهم بتحسين معيشته ومعيشة أسرته، وإن ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، يكون في الغالب معرّضا للاستقطاب والاحتواء، أو الوقوع في شباك السلطة المُفسدة، أو أرباب العمل الفاسدين..
هذا الذي نجح في العبور وتجاوز واقعه، غالبا ما تفسده السلطة.. تجده وقد تعالى وتنكر لطبقته الاجتماعية المسحوقة بالفقر، وأنتقل منها إلى غيرها أو أنقلب ضدها.. ربما تجده قد تحول إلى فاسد أو جلاد أو ظالم مستبد.. يتخلّى عن ماضيه وعن رفقة طفولته.. يخون طبقته ويتخلى عنها ويبدّل جِلده إن أستطاع.. ينسلخ منها ليلتحق بموكب التافهين والفاسدين والمستبدين..
كيف للفقير أن يتجاوز قدره الذي لا يتزحزح عن كاهله؟! كيف يخترق الممنوع بواقعه؛ ليصل إلى البرلمان ليدافع عن الفقراء، و" يُمثّلهم لا يمثّل بهم"، ويدافع عن حقوقهم المنتهكة والمستلبة، ويتصدّى لبشاعة السلطة التي تُتخم وتتربح بمزيد من إفقارهم؟! السلطة التي تسرق شعبها ليلا ونهارا، وفي كل آن وحين، وتمعن في سطوها ولصوصيتها.. كيف للفقير أن يصل وهو لا يملك قوت يومه أو ما يستعين به على مشقّة العيش؟! كيف له أن يتخطّى أقداره، ويتجاوز واقعه وهو غارق في تفاصيل حياته الصغيرة، وهمّه اليومي المزدحم؟!!
كثيرون هم الفقراء الذين يشغلون وظائف الدخل المحدود.. جميعهم يحصلون على مرتب شهري، ولكن هذا الراتب بالكاد يكفي صاحبه شهرا لإعاشته هو وأسرته، وربما لا يكفيه إلا بجلد وعصامية فذة..
كيف له أن يصل هذا العامل أو الموظف إلى طموحه السياسي المشروع، وسط زحام التفاهة التي تكتظ أمامه؟!! كيف يمكن أن يعبر وسط هذا الزحام من الانتهازيين والوصوليين ونخاسي الإنسانية والضمير..؟!! إنها دون شك مشقّة بالغة إن لم تكن مستحيلة..
***
كان مرتبي الذي أستلمه نهاية الشهر بالكاد يكفي أسدد به دين الشهر الذي فات، وأن بقي منه فهو لا يكفي أن أعيش منه أسبوعين من الشهر الجديد، ثم تبدأ الأيام تطول وتتطاول بشدّتها ووطأتها الثقيلة، ويبدو بقية الشهر بمدى أطول مما هو عليه، ولا أصل إلى نهايته قبل أن يبلغ "قلبي الحنجرة".. ثم يأتي راتبي نهاية الشهر، فأتنفس الصعداء، وأقضي ديوني التي على كاهلي من الشهر الذي فات.. وبعد مرور نصف الشهر الجديد أبدأ بالاستدانة من جديد.. رحلة مكدوده وعذاب مستمر..
لقد رسمت كثير من المقولات المشهورة الواقع الذي يعيشه الموظف الفقير، والمحكوم بقوانين ثقيلة وصارمه وممنوعة التجاوز.. لا أحد أصبح غنيا كما قال أحدهم بالعمل من الساعة الثامنة صباحا حتى الخامسة مساء.. وتسأل أخر وهو يعاني: "لماذا يتبقى دائما الكثير من الشهر؟!!.. فيما قال روبرت أشتون: مهما كان المبلغ الذي تجنيه، فإنه لا يبدو كافياً بالمرة لاستكمال الشهر حتى آخره، وقليلون للغاية هم من يمتلكون كل ما يحتاجون إليه من المال."
الفقير إن وجد الوظيفة، وهي ربما أقصى أمنياته بعد التعليم، يتقاضى مقابلها مرتبا شهريا، ثم تزداد حاجة الموظف، فيما يبدأ مرتبه بالانقراض شيئا فشيئا، وحتى لو كبر قليلا ببطيء "السلحفه" فإنه يكبر على نحو غير موازي لتراجع القدرة الشرائية لمرتبه، فيزداد صاحبه حاجة وعوزا وفقرا..
إنه العيش المُر، الذي عبّر عنه أحدهم بقوله: "عندما بدأت العمل، كنت أحلم باليوم الذي أتقاضى فيه الراتب الذي لا يسد احتياجي الآن" وربما أصاب "العالم المجنون" نيكولا تسلا في وصف الحال بمرارة أشد وهو يقول: بعد نفاد النقود دائماً الـ 29 يوماً الأخيرة من الشهر هي الأصعب.
رجال السلطة يشرعون قوانينهم ليطبقوها وينفذونها عليك فقط، فيما هم بمنأى عن التطبيق بحماية السلطة وصولجانها.. قوانين تمنعك من اختراق جدارهم السميك وموانعهم الحصينة.. ينهبون الوطن طولا وعرضا، ويستلمون المال من كل اتجاه لهم ولأحزابهم وجماعاتهم، فيما أنت أن فعلت لغرض شريف يهددونك بقطع يدك.. يمارسون التكسب والتربح بحماية السلطة وقوانينها، فيما أنت يسنون لك القوانين التي تشبه قبح وجوههم الدميمة..
هذه القوانين تنطبق في وجه ما مع من شبّهها بـ "بيوت العنكبوت التي بإمكانها إمساك الذباب الصغير ولكنها تسمح للدبابير بالمرور".. وفي وجه آخر ينطبق عليها ذلك الذي وصفها بأنها تسحقُ الفقراء فيما الأغنياء هم من يسودون القانون، أو كما عبر عنها جلال عامر "سيف على رقاب الغلابة ومُداس في أقدام الأثرياء".
دعمي المالي وفقري المستبد
أحمد سيف حاشد
أكتبُ هنا عن الفقراء ذو الدخل المحدود، الذين أبتلتهم أقدارهم بفقر يدوم يعيق وصولهم، ويحول دون تحقيق أمنياتهم السياسية؟! كيف للفقير أن يعبر إلى ما يريد، وأمامه ألف مانع وألف جدار؟! الحظ لا يخدم منهم إلا ما هو في حكم النادر، و"النادر لا حكم له"..
الفقراء محكومين بواقعهم الذي يمنع عليهم تجاوزه.. محكومين بأقدارهم التعسة إلا من ندرت حالته.. ربما يكتفي الناجح فيهم بتحسين معيشته ومعيشة أسرته، وإن ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، يكون في الغالب معرّضا للاستقطاب والاحتواء، أو الوقوع في شباك السلطة المُفسدة، أو أرباب العمل الفاسدين..
هذا الذي نجح في العبور وتجاوز واقعه، غالبا ما تفسده السلطة.. تجده وقد تعالى وتنكر لطبقته الاجتماعية المسحوقة بالفقر، وأنتقل منها إلى غيرها أو أنقلب ضدها.. ربما تجده قد تحول إلى فاسد أو جلاد أو ظالم مستبد.. يتخلّى عن ماضيه وعن رفقة طفولته.. يخون طبقته ويتخلى عنها ويبدّل جِلده إن أستطاع.. ينسلخ منها ليلتحق بموكب التافهين والفاسدين والمستبدين..
كيف للفقير أن يتجاوز قدره الذي لا يتزحزح عن كاهله؟! كيف يخترق الممنوع بواقعه؛ ليصل إلى البرلمان ليدافع عن الفقراء، و" يُمثّلهم لا يمثّل بهم"، ويدافع عن حقوقهم المنتهكة والمستلبة، ويتصدّى لبشاعة السلطة التي تُتخم وتتربح بمزيد من إفقارهم؟! السلطة التي تسرق شعبها ليلا ونهارا، وفي كل آن وحين، وتمعن في سطوها ولصوصيتها.. كيف للفقير أن يصل وهو لا يملك قوت يومه أو ما يستعين به على مشقّة العيش؟! كيف له أن يتخطّى أقداره، ويتجاوز واقعه وهو غارق في تفاصيل حياته الصغيرة، وهمّه اليومي المزدحم؟!!
كثيرون هم الفقراء الذين يشغلون وظائف الدخل المحدود.. جميعهم يحصلون على مرتب شهري، ولكن هذا الراتب بالكاد يكفي صاحبه شهرا لإعاشته هو وأسرته، وربما لا يكفيه إلا بجلد وعصامية فذة..
كيف له أن يصل هذا العامل أو الموظف إلى طموحه السياسي المشروع، وسط زحام التفاهة التي تكتظ أمامه؟!! كيف يمكن أن يعبر وسط هذا الزحام من الانتهازيين والوصوليين ونخاسي الإنسانية والضمير..؟!! إنها دون شك مشقّة بالغة إن لم تكن مستحيلة..
***
كان مرتبي الذي أستلمه نهاية الشهر بالكاد يكفي أسدد به دين الشهر الذي فات، وأن بقي منه فهو لا يكفي أن أعيش منه أسبوعين من الشهر الجديد، ثم تبدأ الأيام تطول وتتطاول بشدّتها ووطأتها الثقيلة، ويبدو بقية الشهر بمدى أطول مما هو عليه، ولا أصل إلى نهايته قبل أن يبلغ "قلبي الحنجرة".. ثم يأتي راتبي نهاية الشهر، فأتنفس الصعداء، وأقضي ديوني التي على كاهلي من الشهر الذي فات.. وبعد مرور نصف الشهر الجديد أبدأ بالاستدانة من جديد.. رحلة مكدوده وعذاب مستمر..
لقد رسمت كثير من المقولات المشهورة الواقع الذي يعيشه الموظف الفقير، والمحكوم بقوانين ثقيلة وصارمه وممنوعة التجاوز.. لا أحد أصبح غنيا كما قال أحدهم بالعمل من الساعة الثامنة صباحا حتى الخامسة مساء.. وتسأل أخر وهو يعاني: "لماذا يتبقى دائما الكثير من الشهر؟!!.. فيما قال روبرت أشتون: مهما كان المبلغ الذي تجنيه، فإنه لا يبدو كافياً بالمرة لاستكمال الشهر حتى آخره، وقليلون للغاية هم من يمتلكون كل ما يحتاجون إليه من المال."
الفقير إن وجد الوظيفة، وهي ربما أقصى أمنياته بعد التعليم، يتقاضى مقابلها مرتبا شهريا، ثم تزداد حاجة الموظف، فيما يبدأ مرتبه بالانقراض شيئا فشيئا، وحتى لو كبر قليلا ببطيء "السلحفه" فإنه يكبر على نحو غير موازي لتراجع القدرة الشرائية لمرتبه، فيزداد صاحبه حاجة وعوزا وفقرا..
إنه العيش المُر، الذي عبّر عنه أحدهم بقوله: "عندما بدأت العمل، كنت أحلم باليوم الذي أتقاضى فيه الراتب الذي لا يسد احتياجي الآن" وربما أصاب "العالم المجنون" نيكولا تسلا في وصف الحال بمرارة أشد وهو يقول: بعد نفاد النقود دائماً الـ 29 يوماً الأخيرة من الشهر هي الأصعب.
رجال السلطة يشرعون قوانينهم ليطبقوها وينفذونها عليك فقط، فيما هم بمنأى عن التطبيق بحماية السلطة وصولجانها.. قوانين تمنعك من اختراق جدارهم السميك وموانعهم الحصينة.. ينهبون الوطن طولا وعرضا، ويستلمون المال من كل اتجاه لهم ولأحزابهم وجماعاتهم، فيما أنت أن فعلت لغرض شريف يهددونك بقطع يدك.. يمارسون التكسب والتربح بحماية السلطة وقوانينها، فيما أنت يسنون لك القوانين التي تشبه قبح وجوههم الدميمة..
هذه القوانين تنطبق في وجه ما مع من شبّهها بـ "بيوت العنكبوت التي بإمكانها إمساك الذباب الصغير ولكنها تسمح للدبابير بالمرور".. وفي وجه آخر ينطبق عليها ذلك الذي وصفها بأنها تسحقُ الفقراء فيما الأغنياء هم من يسودون القانون، أو كما عبر عنها جلال عامر "سيف على رقاب الغلابة ومُداس في أقدام الأثرياء".
يشرعون قوانينهم التي تحصن الفاسدين وتحميهم، وتعقّد سبل مقاضاتهم ومسائلاتهم، وتحمي ثراءهم الغير المشروع، حتّى وإن كان هذا يتم على حساب الوطن واستقلاله وسيادته أو على حساب المال العام وحقوق المجتمع..
إنهم بشعون ومستعدون أن يستلمون المال حتى من خازن نار جهنم إن أتاهم بالمال.. ثم يحرصون على إقامة الصلوات في مواقيتها.. أما أنت فمُهددا بقطع يدك بقوانينهم العوراء، حتى وإن كان هذا المال تستخدمه في كشف الفساد ومقاومته، وكشف الانتهاكات اليومية بحق شعبهم.. هكذا نجد الاختلال والاعتلال يحاصرك من كل اتجاه، وتفقد العدالة معهم معناها ومرماها وجوهرها ومسمّاها..
أنت لا ظهير لك ولا سند إلا إذا سقطت في أوحالهم القذرة التي يريدون أن تغرق فيها حتى تصير بعض منها، أما أنك تتجاوزهم وتنحاز إلى الفقراء والبسطاء والوطن فذلك ممنوعا عليك، وقنصك مشروع أو ضرورة، من حصونهم المحصنة وأبراجهم العالية، وأنت أعزل دون ترس ولا سهم ولا رُمح ولا متراس..
*
إذا فكرت أن تعبُر بطموحك المتواضع أول درجة في السلّم السياسي في حدود الوجاهة لا أكثر تجد نفسك محكوما بمجتمعك المُثقل بأعرافه وتقاليده وشروطه، يجب عليك أن تملك ديوانا مفروشا، وإن كان في بيت إيجار، وعندما يُستصعب أن تفعل هذا، تستعيض عنه لتحقيق رغبتك بشراء هذا المفرش بالتقسيط الغير مريح.. عليك أن تعاني كثيرا وأن تقضي عاما كاملا حتى تسدد دينك أقساطا على حساب قوتك وأولوياتك، بإجمالي يزيد عن الدفع العاجل بمبلغ الربع أو الثلث.. لن تتنفس الصعداء إلا بعد سداد الأقساط، وبالسداد فقط تزيح عنك همّا أثقل من الدين الذي كان يثقل كاهلك..
ومن أجل أن تكسر عزلتك وتكون اجتماعيا في مجتمع القات عليك أيضا أن تتعاطي القات حتّى وإن كنت لا تطيقه؛ وذلك للحيلولة دون أن تصير منبوذا وحيدا تعيش عزلتك بمعاناة أشد.. عليك أن تخصص في ميزانيتك الشهرية المحدودة ميزانية غير هيّنة مقابل تعاطيك للقات..
وعندما تحاول أن تجمع مشايخك في مجلسك الجديد، تجد المشايخ في مجلس مقيلك يتقاذفون بمنافض السجائر.. وكل قد صار يعتب عليك لأن ما حدث قد حدث كما يقولوا "تحت خشبتك".. وستسمع كثيرا: "والله إنها فعله".. "والله إنها كبيرة".. ولن تستطع أن تقول لهم: اذهبوا إلى مركز الشرطة أو المحكمة، وسأكون شاهدا على ما حدث..
وعندما تحاول أن تصلح ما فسد تجد في شروط أحدهم فُرقة الأبد "أما وأما".. عندما تريد أن تسلي وترضي أحدهم، لا يمانع، ولكن يشترط عليك أن تقطع صلتك بالآخر قطع الأبد، عليك أن ترمي بمدينتك خلف ظهرك، وتشعر بحاجتك إلى عشرين "كُورس" لتتعلم "القبيله"..
أردتُ أن يكون مجلسي عامرا بالمحبة وجامعا لهم، فوجدت نفسي قد فقدت نصفهم بـ "أما وأما".. هكذا كانت قصتي مع أول مجلس أردتُ أن أبدأ منه..
لتكون وجيها من المهم أن تملك سيارة، وهي ما لم تكن بحلمي، لأنها كانت لديّ أكبر من مستحيل.. ولكن بعد أن صرت قاضيا وبعد أن أنقضت فترة في عملي بسلك القضاء العسكري تم منح كل قاضي مبلغ سبعمائة ألف ريال، اشتريت سيارة صغيرة مستخدمة.. ولتكون وجيها عليك أن تملك تلفون.. أنا يومها لم أكن أملك قيمة تلفون.. أستاذي محمد عبد الرب ناجي هو من أهداني تلفون سيار أظنه نوع "موتريلا". عبء إضافي مقدورا عليه، إن جعلت استخدامه لما هو ضروري وهام..
*
وبعد أن بدأت تراودني فكرة الترشح لمجلس النواب، كان أشد ما يحبطني هو توفير المال.. ما أحتاجه لا أملك لا كثيره ولا قليله.. لطالما شعرت أنني غني بأشياء كثيرة إلا المال كان عقبتي الكأداء في طريقي ولا زال، ولكني لا أتنازل عن مبادئي مقابله مهما اشتدت ضرورته.. لقد كنت قنوعا وغير مباليا بالمال، ولكن فكرة الترشح لمجلس النواب فكرة هائلة ومجنونة، ويعوزها الكثير من المال، وأنا صفر اليدين، وخالي الوفاض، وجيبي عامرا بقصاصات الورق..
المال وسيلة لا غنى عنها في هكذا فكرة.. يا إلهي .. حتى الجنون يحتاج إلى ضمار.. احتاج إلى مستحيل.. يا إلهي كيف أسجل اختراقا في هذا الغير ممكن؟!! كيف أتجاوز هذا المستحيل الذي يصدَّني بقوة سيل جارف عرمرم؟! كيف أعبُر إليه؟! أنا الذي أموت عزيزا وخجلا دون أن أتجاسر من ذكر المال، فكيف لي أن أطلبه؟!!
كنت كلما ذكرتُ فكرة الترشح لمجلس النواب في عسري هذا تذكرتُ المال، وتذكرتُ قصيدة لنزار قباني غنّاها عبدالحليم حافظ وقيلت على لسان قارئة الفنجان أختار منها:
بصّرت ونجّمت كثيراً
لكني لم أقرأ أبداً فنجاناً يشبه فنجانك
بصّرت ونجّمت كثيراً
لكني لم أعرف أبداً أحزاناً تشبه أحزانك
.....
وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجاراً أشجارا
وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان
***
يجب أن لا أسقط بسبب المال لأن الساقط لا يعود.. يجب أن اتماسك أكثر من المستحيل.. يجب إن أفكر بما هو ممكنا ومشروعا ولا يعافه ضميري.. وجدت في أصدقائي الثلاثة مجيد ونبيل وأحمد محمد سيف الشعبي تشجيعا لي بإزاحة خجلي قليلا، وأن أجعل من غيري يطرق باب التبرّع..
إنهم بشعون ومستعدون أن يستلمون المال حتى من خازن نار جهنم إن أتاهم بالمال.. ثم يحرصون على إقامة الصلوات في مواقيتها.. أما أنت فمُهددا بقطع يدك بقوانينهم العوراء، حتى وإن كان هذا المال تستخدمه في كشف الفساد ومقاومته، وكشف الانتهاكات اليومية بحق شعبهم.. هكذا نجد الاختلال والاعتلال يحاصرك من كل اتجاه، وتفقد العدالة معهم معناها ومرماها وجوهرها ومسمّاها..
أنت لا ظهير لك ولا سند إلا إذا سقطت في أوحالهم القذرة التي يريدون أن تغرق فيها حتى تصير بعض منها، أما أنك تتجاوزهم وتنحاز إلى الفقراء والبسطاء والوطن فذلك ممنوعا عليك، وقنصك مشروع أو ضرورة، من حصونهم المحصنة وأبراجهم العالية، وأنت أعزل دون ترس ولا سهم ولا رُمح ولا متراس..
*
إذا فكرت أن تعبُر بطموحك المتواضع أول درجة في السلّم السياسي في حدود الوجاهة لا أكثر تجد نفسك محكوما بمجتمعك المُثقل بأعرافه وتقاليده وشروطه، يجب عليك أن تملك ديوانا مفروشا، وإن كان في بيت إيجار، وعندما يُستصعب أن تفعل هذا، تستعيض عنه لتحقيق رغبتك بشراء هذا المفرش بالتقسيط الغير مريح.. عليك أن تعاني كثيرا وأن تقضي عاما كاملا حتى تسدد دينك أقساطا على حساب قوتك وأولوياتك، بإجمالي يزيد عن الدفع العاجل بمبلغ الربع أو الثلث.. لن تتنفس الصعداء إلا بعد سداد الأقساط، وبالسداد فقط تزيح عنك همّا أثقل من الدين الذي كان يثقل كاهلك..
ومن أجل أن تكسر عزلتك وتكون اجتماعيا في مجتمع القات عليك أيضا أن تتعاطي القات حتّى وإن كنت لا تطيقه؛ وذلك للحيلولة دون أن تصير منبوذا وحيدا تعيش عزلتك بمعاناة أشد.. عليك أن تخصص في ميزانيتك الشهرية المحدودة ميزانية غير هيّنة مقابل تعاطيك للقات..
وعندما تحاول أن تجمع مشايخك في مجلسك الجديد، تجد المشايخ في مجلس مقيلك يتقاذفون بمنافض السجائر.. وكل قد صار يعتب عليك لأن ما حدث قد حدث كما يقولوا "تحت خشبتك".. وستسمع كثيرا: "والله إنها فعله".. "والله إنها كبيرة".. ولن تستطع أن تقول لهم: اذهبوا إلى مركز الشرطة أو المحكمة، وسأكون شاهدا على ما حدث..
وعندما تحاول أن تصلح ما فسد تجد في شروط أحدهم فُرقة الأبد "أما وأما".. عندما تريد أن تسلي وترضي أحدهم، لا يمانع، ولكن يشترط عليك أن تقطع صلتك بالآخر قطع الأبد، عليك أن ترمي بمدينتك خلف ظهرك، وتشعر بحاجتك إلى عشرين "كُورس" لتتعلم "القبيله"..
أردتُ أن يكون مجلسي عامرا بالمحبة وجامعا لهم، فوجدت نفسي قد فقدت نصفهم بـ "أما وأما".. هكذا كانت قصتي مع أول مجلس أردتُ أن أبدأ منه..
لتكون وجيها من المهم أن تملك سيارة، وهي ما لم تكن بحلمي، لأنها كانت لديّ أكبر من مستحيل.. ولكن بعد أن صرت قاضيا وبعد أن أنقضت فترة في عملي بسلك القضاء العسكري تم منح كل قاضي مبلغ سبعمائة ألف ريال، اشتريت سيارة صغيرة مستخدمة.. ولتكون وجيها عليك أن تملك تلفون.. أنا يومها لم أكن أملك قيمة تلفون.. أستاذي محمد عبد الرب ناجي هو من أهداني تلفون سيار أظنه نوع "موتريلا". عبء إضافي مقدورا عليه، إن جعلت استخدامه لما هو ضروري وهام..
*
وبعد أن بدأت تراودني فكرة الترشح لمجلس النواب، كان أشد ما يحبطني هو توفير المال.. ما أحتاجه لا أملك لا كثيره ولا قليله.. لطالما شعرت أنني غني بأشياء كثيرة إلا المال كان عقبتي الكأداء في طريقي ولا زال، ولكني لا أتنازل عن مبادئي مقابله مهما اشتدت ضرورته.. لقد كنت قنوعا وغير مباليا بالمال، ولكن فكرة الترشح لمجلس النواب فكرة هائلة ومجنونة، ويعوزها الكثير من المال، وأنا صفر اليدين، وخالي الوفاض، وجيبي عامرا بقصاصات الورق..
المال وسيلة لا غنى عنها في هكذا فكرة.. يا إلهي .. حتى الجنون يحتاج إلى ضمار.. احتاج إلى مستحيل.. يا إلهي كيف أسجل اختراقا في هذا الغير ممكن؟!! كيف أتجاوز هذا المستحيل الذي يصدَّني بقوة سيل جارف عرمرم؟! كيف أعبُر إليه؟! أنا الذي أموت عزيزا وخجلا دون أن أتجاسر من ذكر المال، فكيف لي أن أطلبه؟!!
كنت كلما ذكرتُ فكرة الترشح لمجلس النواب في عسري هذا تذكرتُ المال، وتذكرتُ قصيدة لنزار قباني غنّاها عبدالحليم حافظ وقيلت على لسان قارئة الفنجان أختار منها:
بصّرت ونجّمت كثيراً
لكني لم أقرأ أبداً فنجاناً يشبه فنجانك
بصّرت ونجّمت كثيراً
لكني لم أعرف أبداً أحزاناً تشبه أحزانك
.....
وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجاراً أشجارا
وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان
***
يجب أن لا أسقط بسبب المال لأن الساقط لا يعود.. يجب أن اتماسك أكثر من المستحيل.. يجب إن أفكر بما هو ممكنا ومشروعا ولا يعافه ضميري.. وجدت في أصدقائي الثلاثة مجيد ونبيل وأحمد محمد سيف الشعبي تشجيعا لي بإزاحة خجلي قليلا، وأن أجعل من غيري يطرق باب التبرّع..
ولكن أنا الفقير بالمال لا تربطني مودّة أو علاقة برجال المال، وفضلا عن هذا، كيف يمكنني أحملهم على أن يستحسنوا فكرتي في الترشح، وأكثر منه أن يتحمسوا لها، فيما أنا أعيش خارج دائرة الرأسمال، وخارج دائرة مصالحهم إن لم أكن أنا في بعضي ضد بعض قيمهم، وقيم وسياسات السوق أيضا، ومنها الجشع والاحتكار وحياة الغاب..
وفضلا عن هذا وذاك لا تربطني صلة أو علاقة برجل مال وأعمال كبير أو شهير بإمكانه أن يتكفل بمساعدتي في أمر كهذا، وزائد عليه وما أعرفه عن رأس المال إنه جبان في مواجهة السلطة، وأكثر من هذا فإن مصالح أصحاب المال وأصحاب السلطة متبادلة في وجه منها، فيما أنا لا تربطني ولا تجمعني بأحّدهم أي مصالح من أي نوع كانت..
إن راس المال لن يكون معي إلا إذا كانت السلطة معي، وراضية عنّي، وفي حالة امتلاك صاحب رأس المال لبعض الشجاعة بسبب أن السلطة لم تختار مرشحها بعد، فإنها تظل شجاعة يلازمها الحذر البالغ، فإن تأكد إن السلطة ستكون ضدّي أو حتى غير راضية عنّي؛ سينقلب الخال ضدي بحسب رغبة وإرادة السلطة.. سينتقل من جبهتي إلى جبهة منافسي ربما بأدنى إشارة منها، وينقلب من كنت أعتقد أنه مصدر دعمي وقوّتي إلى قوة ضدي لصالح منافسي.. هكذا كنت أفكّر..
لقد بدت طريقي ليست شاقة فحسب، بل وبنهاية مسدوده أيضا، وفشل محسوم، إلا أن هذا لا يمنع إرادتي من المحاولة.. رأيت في المحاولة بحد ذاتها شرف وانتصار حتّى وإن خابت نتيجتها.. تعلمتُ إنه لابد من المحاولة بدلا من أن أبقى أندب حظي وألعن خيبتي.. يجب أن أحاول تحويل المستحيل إلى ممكن.. لا زال الوقت متاحا لأغتنم بعض الوقت قبل فواته.. هكذا كنت أحدّث نفسي..
لابد أن استفيد من فرصة هذا الغياب، بل وفرض وجودي في الواقع لأكون أنا أيضا أحد خيارات دعم حزب السلطة، ولكن دون أن أتنازل عن برنامجي الانتخابي، واستقلاليتي، وصفتي التي سأترشح بها وهي مرشح مستقل.. وربما مثل هذا الدعم يوفر لي الأمان أيضا من احتمال تزوير النتائج.. هكذا كانت تجوس الأفكار داخلي..
*
أشار أصدقائي "الثلاثي" إلى الأستاذ محمد عبد الرب ناجي المدير الإداري لشركة "تيلمن" ورئيس الجمعية التي أشغل أمينها العام ورئيس تحرير لسان حالها.. وأيضا أشاروا لي بصديقه عبدالباقي ناشر، فيما أشارني عبدالله عبد الإله بمنير عبده ثابت صاحب صيدلية الشروق، وعبدالرحيم حسن سعيد نائب مدير بنك اليمن الدولي.. وبادر هذا الأخير باستضافة اللقاء في منزلة..
هؤلاء الطيبين هم عصبة المال لدي، فأنا لا أعرف أكبر منهم، وحتى هؤلاء اتعامل معهم في المال بحياء وحذر بالغ.. ولكن وجدت لديهم الحماس الكافي لأن أبدأ منهم.. إنه اللقاء الذي كان بالنسبة لي قد صنع من المستحيل ممكنا.. وكانت التبرعات فيه كالتالي:
1- محمد عبد الرب ناجي مأتي ألف ريال
2- منير عبده ثابت مأتي ألف ريال
3- عبد الرحيم حسن مائة ألف ريال
4- عبد الباقي ناشر مائة ألف ريال
5- عبده فريد حاشد مائة ألف ريال
6- عبدالله عبدالإله خمسون ألف ريال
7- السفير محمد سعد القباطي عشرون ألف ريال
8- على فضل طه عشرون ألف ريال
9- حسن على راجح عشرون ألف ريال
هكذا تجاوز المبلغ الثمانمائة ألف ريال وهو يومها بالنسبة لي يعد رقما قياسيا غير متوقعا، وأكثر من هذا ربما كنت لا أحسن العد إليه.. إنه أكبر مبلغ يدخل ذمتي وتحت تصرفي في ملك أو تبرّع.. مبلغ رأيته مشجعا ويفتح لي بابا واسعا للدخول في منافسة "الكبار" أو هكذا بدت الأمور.. ولكن هذا المبلغ رغم أنه كان أكثر مما أتوقعه إلا أن المعركة الانتخابية تظل تحتاج منّي أكثر من هذا بأضعاف مضاعفة..
كانت صوري في مستهل الحملة الانتخابية بالأسود والأبيض، ثم صارت ملونة بدعم الأستاذ القدير محمد عبد الرب ناجي، الذي ظل يدعمني كلما اشتدت حاجتي للمال.. كان إنقاذي في اللحظات الحرجة دوما تأتي من لديه..
الأستاذ أمين أحمد قاسم دعمني بثلاثين ألف ريال، وتجار آخرون قليلون لا تحضرني أسماؤهم الآن دعموني أيضا بمثل هذا المبلغ أو دونه..
وبعد أن صرتُ مرشحا مستقلا مدعوما من المؤتمر تكفل الأخ منير عبده ثابت بكثير مما أحتاجه في مركزه الانتخابي بسوق الخميس.. كما ساهم أيضا في حملة الدعاية الانتخابية في المركز ذاته..
رجل المال والأعمال علي درهم العبسي أيضا بعد دعم المؤتمر تكفل بكل ما يلزم في مركزه الانتخابي في "رام الأعبوس"..
حزب المؤتمر تكفل بدعم فريقه المساند لحملتي الانتخابية بحسب اتفاقي معه، ودعمني أيضا بمبلغ مليون ومئتين ألف ريال في حملتي الانتخابية استلمتها من مشرف المؤتمر على الدائرة الدكتور عبدالله عبدالولي ناشر..
ورغم كل هذا وذاك خرجت من هذه المعركة الانتخابية مثقلا بالديون.. وعرفت أن السباق الانتخابي معلول ومخلول ولا توجد فيه مساواة في تكافؤ فرص المتنافسين..
*
وفضلا عن هذا وذاك لا تربطني صلة أو علاقة برجل مال وأعمال كبير أو شهير بإمكانه أن يتكفل بمساعدتي في أمر كهذا، وزائد عليه وما أعرفه عن رأس المال إنه جبان في مواجهة السلطة، وأكثر من هذا فإن مصالح أصحاب المال وأصحاب السلطة متبادلة في وجه منها، فيما أنا لا تربطني ولا تجمعني بأحّدهم أي مصالح من أي نوع كانت..
إن راس المال لن يكون معي إلا إذا كانت السلطة معي، وراضية عنّي، وفي حالة امتلاك صاحب رأس المال لبعض الشجاعة بسبب أن السلطة لم تختار مرشحها بعد، فإنها تظل شجاعة يلازمها الحذر البالغ، فإن تأكد إن السلطة ستكون ضدّي أو حتى غير راضية عنّي؛ سينقلب الخال ضدي بحسب رغبة وإرادة السلطة.. سينتقل من جبهتي إلى جبهة منافسي ربما بأدنى إشارة منها، وينقلب من كنت أعتقد أنه مصدر دعمي وقوّتي إلى قوة ضدي لصالح منافسي.. هكذا كنت أفكّر..
لقد بدت طريقي ليست شاقة فحسب، بل وبنهاية مسدوده أيضا، وفشل محسوم، إلا أن هذا لا يمنع إرادتي من المحاولة.. رأيت في المحاولة بحد ذاتها شرف وانتصار حتّى وإن خابت نتيجتها.. تعلمتُ إنه لابد من المحاولة بدلا من أن أبقى أندب حظي وألعن خيبتي.. يجب أن أحاول تحويل المستحيل إلى ممكن.. لا زال الوقت متاحا لأغتنم بعض الوقت قبل فواته.. هكذا كنت أحدّث نفسي..
لابد أن استفيد من فرصة هذا الغياب، بل وفرض وجودي في الواقع لأكون أنا أيضا أحد خيارات دعم حزب السلطة، ولكن دون أن أتنازل عن برنامجي الانتخابي، واستقلاليتي، وصفتي التي سأترشح بها وهي مرشح مستقل.. وربما مثل هذا الدعم يوفر لي الأمان أيضا من احتمال تزوير النتائج.. هكذا كانت تجوس الأفكار داخلي..
*
أشار أصدقائي "الثلاثي" إلى الأستاذ محمد عبد الرب ناجي المدير الإداري لشركة "تيلمن" ورئيس الجمعية التي أشغل أمينها العام ورئيس تحرير لسان حالها.. وأيضا أشاروا لي بصديقه عبدالباقي ناشر، فيما أشارني عبدالله عبد الإله بمنير عبده ثابت صاحب صيدلية الشروق، وعبدالرحيم حسن سعيد نائب مدير بنك اليمن الدولي.. وبادر هذا الأخير باستضافة اللقاء في منزلة..
هؤلاء الطيبين هم عصبة المال لدي، فأنا لا أعرف أكبر منهم، وحتى هؤلاء اتعامل معهم في المال بحياء وحذر بالغ.. ولكن وجدت لديهم الحماس الكافي لأن أبدأ منهم.. إنه اللقاء الذي كان بالنسبة لي قد صنع من المستحيل ممكنا.. وكانت التبرعات فيه كالتالي:
1- محمد عبد الرب ناجي مأتي ألف ريال
2- منير عبده ثابت مأتي ألف ريال
3- عبد الرحيم حسن مائة ألف ريال
4- عبد الباقي ناشر مائة ألف ريال
5- عبده فريد حاشد مائة ألف ريال
6- عبدالله عبدالإله خمسون ألف ريال
7- السفير محمد سعد القباطي عشرون ألف ريال
8- على فضل طه عشرون ألف ريال
9- حسن على راجح عشرون ألف ريال
هكذا تجاوز المبلغ الثمانمائة ألف ريال وهو يومها بالنسبة لي يعد رقما قياسيا غير متوقعا، وأكثر من هذا ربما كنت لا أحسن العد إليه.. إنه أكبر مبلغ يدخل ذمتي وتحت تصرفي في ملك أو تبرّع.. مبلغ رأيته مشجعا ويفتح لي بابا واسعا للدخول في منافسة "الكبار" أو هكذا بدت الأمور.. ولكن هذا المبلغ رغم أنه كان أكثر مما أتوقعه إلا أن المعركة الانتخابية تظل تحتاج منّي أكثر من هذا بأضعاف مضاعفة..
كانت صوري في مستهل الحملة الانتخابية بالأسود والأبيض، ثم صارت ملونة بدعم الأستاذ القدير محمد عبد الرب ناجي، الذي ظل يدعمني كلما اشتدت حاجتي للمال.. كان إنقاذي في اللحظات الحرجة دوما تأتي من لديه..
الأستاذ أمين أحمد قاسم دعمني بثلاثين ألف ريال، وتجار آخرون قليلون لا تحضرني أسماؤهم الآن دعموني أيضا بمثل هذا المبلغ أو دونه..
وبعد أن صرتُ مرشحا مستقلا مدعوما من المؤتمر تكفل الأخ منير عبده ثابت بكثير مما أحتاجه في مركزه الانتخابي بسوق الخميس.. كما ساهم أيضا في حملة الدعاية الانتخابية في المركز ذاته..
رجل المال والأعمال علي درهم العبسي أيضا بعد دعم المؤتمر تكفل بكل ما يلزم في مركزه الانتخابي في "رام الأعبوس"..
حزب المؤتمر تكفل بدعم فريقه المساند لحملتي الانتخابية بحسب اتفاقي معه، ودعمني أيضا بمبلغ مليون ومئتين ألف ريال في حملتي الانتخابية استلمتها من مشرف المؤتمر على الدائرة الدكتور عبدالله عبدالولي ناشر..
ورغم كل هذا وذاك خرجت من هذه المعركة الانتخابية مثقلا بالديون.. وعرفت أن السباق الانتخابي معلول ومخلول ولا توجد فيه مساواة في تكافؤ فرص المتنافسين..
*
فريقي المكون من الاشتراكيين والمستقلين والمتمردين على أحزابهم كان يعاني من ضيق الحال، وقلة الإمكانات، ولكنه كان متفان ودؤوب ومُنجِز في العمل، وعلى درجة ممتازة من الوعي، والشعور بجسامة التحدّي..
كنت أدبِّر الحد الأدنى من المصروف اليومي لفريقي، وفي حدود ما هو متاح وممكن.. فيما كان فريق المؤتمر أفضل حالا، وامكاناته المادية عامرة أو ميسورة إذا ما قارنّاها بحالنا السيء..
كان اتفاقي مع المؤتمر أن يدعم المؤتمر فريقه ويلبي احتياجاته اللازمة للحملة الانتخابية، فيما أنا أتولّي شؤون فريقي واحتياجاته اللازمة للحملة..
فريقي الانتخابي لم يكن يحصل على مصروف جيب، كما هو الحال لدى كثير من المرشحين الآخرين، بل أن بعضهم كان يصرف من جيبه الخاص، وبعضهم يستعين بصديق ليصرف معه، وبعضهم يريد مساعدتي، ولكنه كان يعاني من وطأة فقره، ويعف عن طلب المال.
كنّا وفريقي نخرج الصباح ولا نعود في أغلب الأحوال إلا في وقت متأخر من الليل في أوج وذروة الحملة الانتخابية.. أذكر إننا كنا نتغدّى “سفري” روتي و بصل وساردين “جيشا”.. كنّا عندما نجوع في الظهيرة أو بعدها نحط الرحال، ونتناول وجبة الغداء على عجل.. كانت كثرتنا وجوعنا تجعل تلك الوجبة شهية ولذيذة.. وفي الليل وبعد أن نفرغ مما كنّا بصدده، نعود لنتعشى في وقت متأخر من الليل، في منزل أخي عبد الكريم الذي أفقرناه، وأضعنا ضماره ورأس مال دكانه..
في احدى المرات توقفنا “رأس نقيل ثوجان” لتناول الوجبة السفري، وتصادف مرور فريق المؤتمر وأذكر من ضمنهم الشيخ فاروق الحنبجي من مركز "الرمأ"، عزمناهم على الغداء، نزلوا ليأكلوا معنا، لكنهم تفاجئوا بوجبتنا الداعية للشفقة، فتناولوا بعض منها بحرج و حياء، ثم غادروا إلى “الراهده” لتناول وجبة الغداء..
كان مقر الفريق الانتخابي الذي يعمل معي، جزء من دكان عبد الكريم، وهو عبارة عن مخزن فارغ تابعا للدكان، وكان لديه فيه ثلاجة فيها دجاج نفذت بعد اسبوع، ونفذ أيضا "الديلسي" والبسكويت والساردين والبصل قبل أن تنتهي حملة الدعاية الانتخابية.
وفي تجوالنا في المراكز الانتخابية، وحضور المهرجانات، واللقاء بالناخبين كنّا نستخدم سيارة أخي عبد الكريم نوع شاص، وسيارة عبده فريد نوع “سوزكي” واخرى صالون نستأجرها من صديقنا عبد الله علي علوان، ظللت أسدد أجرتها تقسيطا بعد الفوز لعدة أشهر.. فيما سداد اقساط الديون المالية النقدية لزمها وقت أطول، و لم أنتهِ من سدادها إلا بعد سنوات من عضويتي في مجلس النواب.
أحيانا كانت تزدحم المهام التي يتعين إنجازها، فينقسم الفريق إلى عدة فرق صغيرة، وكل فريق مصغر، يتجه إلى وجهته لإنجاز مهمته، وفق الخطة التي يتم الاتفاق عليها مسبقا..
كنّا نعاني كثيرا وعلى نحو متتابع أحيانا من نفاذ وسائل ومواد الدعاية الانتخابية، وعدم قدرتنا على توفيرها لمن يعملون معنا في المراكز الانتخابية الـ 14، ولكن كنا نجد مبادرات وتفاعل عفوي من الناس في حملة الدعاية الانتخابية..
ففي "ثوجان" مثلا كان عبد الرؤوف محمد مقبل يعمل مدّرسا، نحت الشعار على أوراق مقوى لطبعه على الجدران، واعطانا عدة نماذج لنوزعها على المراكز الانتخابية.. وفي منطقة “النويحة” تفاجئنا بمبادرة بعض المواطنين في المشاركة بالدعاية الانتخابية والكتابة على الصخور، وجوانب الطرقات، فيما بعض سيارات المواطنين كانوا يضعوا “الشريم” في مقدمة السيارات، كنوع من الدعاية الانتخابية، وشاهدت سيارات في "الرمأ" و"المداكشة" تفعل ذلك أيضا..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
كنت أدبِّر الحد الأدنى من المصروف اليومي لفريقي، وفي حدود ما هو متاح وممكن.. فيما كان فريق المؤتمر أفضل حالا، وامكاناته المادية عامرة أو ميسورة إذا ما قارنّاها بحالنا السيء..
كان اتفاقي مع المؤتمر أن يدعم المؤتمر فريقه ويلبي احتياجاته اللازمة للحملة الانتخابية، فيما أنا أتولّي شؤون فريقي واحتياجاته اللازمة للحملة..
فريقي الانتخابي لم يكن يحصل على مصروف جيب، كما هو الحال لدى كثير من المرشحين الآخرين، بل أن بعضهم كان يصرف من جيبه الخاص، وبعضهم يستعين بصديق ليصرف معه، وبعضهم يريد مساعدتي، ولكنه كان يعاني من وطأة فقره، ويعف عن طلب المال.
كنّا وفريقي نخرج الصباح ولا نعود في أغلب الأحوال إلا في وقت متأخر من الليل في أوج وذروة الحملة الانتخابية.. أذكر إننا كنا نتغدّى “سفري” روتي و بصل وساردين “جيشا”.. كنّا عندما نجوع في الظهيرة أو بعدها نحط الرحال، ونتناول وجبة الغداء على عجل.. كانت كثرتنا وجوعنا تجعل تلك الوجبة شهية ولذيذة.. وفي الليل وبعد أن نفرغ مما كنّا بصدده، نعود لنتعشى في وقت متأخر من الليل، في منزل أخي عبد الكريم الذي أفقرناه، وأضعنا ضماره ورأس مال دكانه..
في احدى المرات توقفنا “رأس نقيل ثوجان” لتناول الوجبة السفري، وتصادف مرور فريق المؤتمر وأذكر من ضمنهم الشيخ فاروق الحنبجي من مركز "الرمأ"، عزمناهم على الغداء، نزلوا ليأكلوا معنا، لكنهم تفاجئوا بوجبتنا الداعية للشفقة، فتناولوا بعض منها بحرج و حياء، ثم غادروا إلى “الراهده” لتناول وجبة الغداء..
كان مقر الفريق الانتخابي الذي يعمل معي، جزء من دكان عبد الكريم، وهو عبارة عن مخزن فارغ تابعا للدكان، وكان لديه فيه ثلاجة فيها دجاج نفذت بعد اسبوع، ونفذ أيضا "الديلسي" والبسكويت والساردين والبصل قبل أن تنتهي حملة الدعاية الانتخابية.
وفي تجوالنا في المراكز الانتخابية، وحضور المهرجانات، واللقاء بالناخبين كنّا نستخدم سيارة أخي عبد الكريم نوع شاص، وسيارة عبده فريد نوع “سوزكي” واخرى صالون نستأجرها من صديقنا عبد الله علي علوان، ظللت أسدد أجرتها تقسيطا بعد الفوز لعدة أشهر.. فيما سداد اقساط الديون المالية النقدية لزمها وقت أطول، و لم أنتهِ من سدادها إلا بعد سنوات من عضويتي في مجلس النواب.
أحيانا كانت تزدحم المهام التي يتعين إنجازها، فينقسم الفريق إلى عدة فرق صغيرة، وكل فريق مصغر، يتجه إلى وجهته لإنجاز مهمته، وفق الخطة التي يتم الاتفاق عليها مسبقا..
كنّا نعاني كثيرا وعلى نحو متتابع أحيانا من نفاذ وسائل ومواد الدعاية الانتخابية، وعدم قدرتنا على توفيرها لمن يعملون معنا في المراكز الانتخابية الـ 14، ولكن كنا نجد مبادرات وتفاعل عفوي من الناس في حملة الدعاية الانتخابية..
ففي "ثوجان" مثلا كان عبد الرؤوف محمد مقبل يعمل مدّرسا، نحت الشعار على أوراق مقوى لطبعه على الجدران، واعطانا عدة نماذج لنوزعها على المراكز الانتخابية.. وفي منطقة “النويحة” تفاجئنا بمبادرة بعض المواطنين في المشاركة بالدعاية الانتخابية والكتابة على الصخور، وجوانب الطرقات، فيما بعض سيارات المواطنين كانوا يضعوا “الشريم” في مقدمة السيارات، كنوع من الدعاية الانتخابية، وشاهدت سيارات في "الرمأ" و"المداكشة" تفعل ذلك أيضا..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
محمد اللوزي:
العدوان الداخلي أشد فتكا من الخارجي. وهو يسلبك قوت يومك ويتبختر بفساده ويتسلط عليك يستلبك آدميتك حين يسلبك القدرة على الانتاج وعلى الحياة ليبقى هو الآمر الناهي المتسلط بكل أدواته المتسخة بالحرام.
العدوان الداخلي أشد قساوة من الخارجي لأنه قريب منك يناور ويخادع ويكذب ويلفق تهما ويشعل حربا على الطيبين ليبقى متربعا على مقدرات وطن ومتربصا بأي تحول نحو البناء والتنمية.
العدوان الداخلي له أزلامه وقواه الشيطانية التي تدينك وتتهمك بالمنافق لأنك تجهر بالحق وتنهى عن المنكر فأما أن تصمت أو يلحق بك الأذى وليس من أذى أكبر ممانحن فيه من ضياع وفوضى ونهب حقوق وتهميش واقصاء وسوق سوداء وفساد مالي وإداري وعصابات تتشكل باتجاه محاربة أي صوت خير. لسنا مع العدوان الخارجي ولا ينبغي منافقة العدوان الداخلي كلاهما ألعن من الثاني.
العدوان الداخلي أشد فتكا من الخارجي. وهو يسلبك قوت يومك ويتبختر بفساده ويتسلط عليك يستلبك آدميتك حين يسلبك القدرة على الانتاج وعلى الحياة ليبقى هو الآمر الناهي المتسلط بكل أدواته المتسخة بالحرام.
العدوان الداخلي أشد قساوة من الخارجي لأنه قريب منك يناور ويخادع ويكذب ويلفق تهما ويشعل حربا على الطيبين ليبقى متربعا على مقدرات وطن ومتربصا بأي تحول نحو البناء والتنمية.
العدوان الداخلي له أزلامه وقواه الشيطانية التي تدينك وتتهمك بالمنافق لأنك تجهر بالحق وتنهى عن المنكر فأما أن تصمت أو يلحق بك الأذى وليس من أذى أكبر ممانحن فيه من ضياع وفوضى ونهب حقوق وتهميش واقصاء وسوق سوداء وفساد مالي وإداري وعصابات تتشكل باتجاه محاربة أي صوت خير. لسنا مع العدوان الخارجي ولا ينبغي منافقة العدوان الداخلي كلاهما ألعن من الثاني.
عدم دستورية نصوص في القوانين النافذة.. والجماعة يشرعوا لقوانين جديدة غير دستورية..
صنعاء .. المحكمة العليا تصدر حكمها في عدم دستورية المادة (67) من قانون السلطة القضائية
صنعاء .. المحكمة العليا تصدر حكمها في عدم دستورية المادة (67) من قانون السلطة القضائية
(16)
"المدعمم"
عندما كانوا يخاتلوا ويعيدوا طباخة ما فسد، وكان اتباعهم يروجون الافتراءات والإشاعات والأكاذيب، كنتُ غارقا في شأني حتّى رأسي، منهمكا جدا فيما أنا فيه، أسير على نحو حثيث نحو ما حددته لنفسي من هدف، مدفوعا بإصرار نادر وعجيب.. لا أحملق في التيه، ولا ألتفت إلى الوراء الذي يشدّوني إليه، ولا أَعلَق فيما يريدون أن أَعلَق به، ولا أكترث بما هم فيه، إلا في حدود ما هو ضروري ومؤثر على موقفي، وما يعيق سيري نحو هدفي المعلن، وغير القابل للتنازل أو المساومة..
كنت أسير بانهماك، لا يخلوا من جلد عنيد، وصبر لا ينفذ، نحو الهدف الذي أرنو إليه.. ابذل قصار جهدي وكل قواي لبلوغه.. أمضي إليه برغبة جامحة، وإرادة قوية ومتحدّية، ربما عبّر عنها في غيابي، وفي غمرة ذلك الانهماك، الأخ محمد عبد الرحمن من منطقة “المرابحة” عندما قال: (والله ما شتجي إلا لذاك “المدعمم”).
كنت المقصود بصفة "المدعمم".. و"المدعمم" هو ذلك الذي يتملكه الإصرار في المضي إلى الأمام نحو الهدف، وعدم العلوق في المكان، وعدم الإنشداد إلى الخلف، وإمعان النظر نحو هدفه لا سواه..
الحقيقة لم أكن أعرف في وقتها أنني “مدعمم”، ولكن عندما استعيد تفاصيل اللحظة أو المرحلة، أكتشف أنني كنت بالفعل “مدعمم” لا أناور ولا أخاتل، ولا أضيّع وقتا، بل أحشد كل طاقاتي وفريقي في المضي نحو الهدف.. كنت بهذه الدعممة ربما استثنائيا بين المتنافسين الذي أشد ما راهنوا على أحزابهم.. كان حالي أشبه بمن أحرق كل مراكب العودة، ولم يبق معه خيارا غير التقدم إلى الأمام، والرغبة العارمة في الاقتحام والوصول إلى الهدف..
عيناي معلّقتان بالهدف كالتعلُّق بالحبيب، أهيم فيه كالمُحب، الذي لا ينظر دونه، ولا يرى في الدنيا سواه.. يجب أن لا أغفل عنه هنيئة، أو أستهين فيه بقدر شعره..
من المهم تتبع الهدف وتصويب الاتجاه على نحو مستمر، دون أن أكِل أو أمِل.. يجب أن أضبط زاوية حركتي على حركته، ولا أترك "مشّف التصويب" يحيد عنه أو يميل.. لا بد أن أصيبه في مكين.. ليس لي من الجعاب غير واحدة، وليس في جعبتي غير سهم واحد.. لابد أن أصيبه وأدركه وأنشب فيه كسهم رام، أو رمح فارس..
يقول أحد الفلاسفة الصينيين: "من لا يعرف الهدف لن يجد الطريق" وكنت قد عرفت الهدف واخترت الطريق، وقمت بما يجب من إعداد وجهد وتراكم.. كان هدفي يكمن في المستقبل، أما الماضي والحاضر كما يقول مخترع الأله الحاسبة "بليز باسكال" فإنهما مجرد وسائل..
احتشدتُ بتصميم لا يتراخى ولا يُرد.. وعندما وصلت إلى مشارف الهدف تسلّحت بمقولة "ديل كارنيجي": "أنا مصمم على بلوغ الهدف" أعملت مقولة تشبه النصيحة أو الوصية لأحد السياسيين الإنجليز: "الثبات علي الهدف هو سر النجاح" وأخرى لأحد الروائيين الفرنسين والذي حث ليس على الكُثرة والقوة ولكن على دقة أصابة الهدف، واستعنت بمقولة لعالم إنجليزي جاء فيها: "الصبر والإصرار على الهدف يساويان أكثر من ضعف وزن البراعة." وقد كانت الخلاصة معرفة الهدف، والطريق إليه، والتصميم، والثبات عليه، والإصرار مع الصبر لبلوغه، وإصابة الهدف بمكين واحتراف.
***
كان فريقي منهمك مثلي.. كنّا في أوج الحملة الانتخابية نغادر الصباح ولا نعود إلا في وقت متأخر من الليل.. لازلت أتذكر ونحنا في طريق عودتنا بعد زيارة لعدد من مناطق شرق الدائرة وكانت قد بلغت الساعة قرابة الثالثة بعد منتصف الليل، فيما أنا أقترح للفريق أن نتجه إلى "الجوازعة" وننام فيها، ونبكر نزور منطقة "السُبد" في "الأعبوس" الواقعتين غرب الدائرة..
وافق ردمان النماري فورا على اقتراحي وهو المعهود بالنشاط المثابر، وحبس البعض أنفاسه، فيما أستفز الاقتراح عبده فريد الذي أنفجر في وجهي بحسم لا يخلوا من توبيخ: "بطّل جنان يا قاضي" والحقيقة أنه كان محقا في ذلك، لأن المنطقتين ببساطة كانت بعيدة، وكان هذا معناه أن لا ننام ما بقي من الليل وهو قليل، والإرهاق على شدّته يفتك بنا..
لقد كظم بقية الفريق غيضه، ربما ليتولى سعادة السفير عبده فريد الرد عنهم، حيث وهو يُحسن الرد، ولا يصبر على الغيض، ودبلوماسيته لا تحتمل طلب كهذا، بعد نهار طويل وثلثين من الليل وكلهما مشقة وإرهاق شديد..
إن لم تخن الذاكرة كانوا ضمن رفقتي تلك الليلة نصر عبدالجليل، وعبدالباقي الناصري، ومحمد علوان ثابت، وراجح علي صالح ومحمد فريد سعيد..
كنا ننهك كثيرا في العمل الدؤوب، والذي يستمر بعض الأحيان، ثلاثة أرباع النهار وثلثي الليل.. ونعاني من وعورة الطريق المكسّرة، وغير الصالحة، وأحيانا الخطرة أيضا.. ذات مرة عدنا من “الأغبرية” عصرا عبر نقيل "العريضة" بسيارة أخي عبد الكريم "الشاص"، وهي طريق وعرة و خطرة، تمر عبر قرية “الكاذي” وصولا إلى “نجد الخضر” غرب الرماء، ولم انتبه إلا بعد وصولنا النجد، كانوا ينزلوا من السيارة لوضع الاحجار خلف الاطارات لتتمكن من السير والصعود، فيما كنت أنا بسبب الإرهاق الشديد في السيارة أغط في نوم عميق..
"المدعمم"
عندما كانوا يخاتلوا ويعيدوا طباخة ما فسد، وكان اتباعهم يروجون الافتراءات والإشاعات والأكاذيب، كنتُ غارقا في شأني حتّى رأسي، منهمكا جدا فيما أنا فيه، أسير على نحو حثيث نحو ما حددته لنفسي من هدف، مدفوعا بإصرار نادر وعجيب.. لا أحملق في التيه، ولا ألتفت إلى الوراء الذي يشدّوني إليه، ولا أَعلَق فيما يريدون أن أَعلَق به، ولا أكترث بما هم فيه، إلا في حدود ما هو ضروري ومؤثر على موقفي، وما يعيق سيري نحو هدفي المعلن، وغير القابل للتنازل أو المساومة..
كنت أسير بانهماك، لا يخلوا من جلد عنيد، وصبر لا ينفذ، نحو الهدف الذي أرنو إليه.. ابذل قصار جهدي وكل قواي لبلوغه.. أمضي إليه برغبة جامحة، وإرادة قوية ومتحدّية، ربما عبّر عنها في غيابي، وفي غمرة ذلك الانهماك، الأخ محمد عبد الرحمن من منطقة “المرابحة” عندما قال: (والله ما شتجي إلا لذاك “المدعمم”).
كنت المقصود بصفة "المدعمم".. و"المدعمم" هو ذلك الذي يتملكه الإصرار في المضي إلى الأمام نحو الهدف، وعدم العلوق في المكان، وعدم الإنشداد إلى الخلف، وإمعان النظر نحو هدفه لا سواه..
الحقيقة لم أكن أعرف في وقتها أنني “مدعمم”، ولكن عندما استعيد تفاصيل اللحظة أو المرحلة، أكتشف أنني كنت بالفعل “مدعمم” لا أناور ولا أخاتل، ولا أضيّع وقتا، بل أحشد كل طاقاتي وفريقي في المضي نحو الهدف.. كنت بهذه الدعممة ربما استثنائيا بين المتنافسين الذي أشد ما راهنوا على أحزابهم.. كان حالي أشبه بمن أحرق كل مراكب العودة، ولم يبق معه خيارا غير التقدم إلى الأمام، والرغبة العارمة في الاقتحام والوصول إلى الهدف..
عيناي معلّقتان بالهدف كالتعلُّق بالحبيب، أهيم فيه كالمُحب، الذي لا ينظر دونه، ولا يرى في الدنيا سواه.. يجب أن لا أغفل عنه هنيئة، أو أستهين فيه بقدر شعره..
من المهم تتبع الهدف وتصويب الاتجاه على نحو مستمر، دون أن أكِل أو أمِل.. يجب أن أضبط زاوية حركتي على حركته، ولا أترك "مشّف التصويب" يحيد عنه أو يميل.. لا بد أن أصيبه في مكين.. ليس لي من الجعاب غير واحدة، وليس في جعبتي غير سهم واحد.. لابد أن أصيبه وأدركه وأنشب فيه كسهم رام، أو رمح فارس..
يقول أحد الفلاسفة الصينيين: "من لا يعرف الهدف لن يجد الطريق" وكنت قد عرفت الهدف واخترت الطريق، وقمت بما يجب من إعداد وجهد وتراكم.. كان هدفي يكمن في المستقبل، أما الماضي والحاضر كما يقول مخترع الأله الحاسبة "بليز باسكال" فإنهما مجرد وسائل..
احتشدتُ بتصميم لا يتراخى ولا يُرد.. وعندما وصلت إلى مشارف الهدف تسلّحت بمقولة "ديل كارنيجي": "أنا مصمم على بلوغ الهدف" أعملت مقولة تشبه النصيحة أو الوصية لأحد السياسيين الإنجليز: "الثبات علي الهدف هو سر النجاح" وأخرى لأحد الروائيين الفرنسين والذي حث ليس على الكُثرة والقوة ولكن على دقة أصابة الهدف، واستعنت بمقولة لعالم إنجليزي جاء فيها: "الصبر والإصرار على الهدف يساويان أكثر من ضعف وزن البراعة." وقد كانت الخلاصة معرفة الهدف، والطريق إليه، والتصميم، والثبات عليه، والإصرار مع الصبر لبلوغه، وإصابة الهدف بمكين واحتراف.
***
كان فريقي منهمك مثلي.. كنّا في أوج الحملة الانتخابية نغادر الصباح ولا نعود إلا في وقت متأخر من الليل.. لازلت أتذكر ونحنا في طريق عودتنا بعد زيارة لعدد من مناطق شرق الدائرة وكانت قد بلغت الساعة قرابة الثالثة بعد منتصف الليل، فيما أنا أقترح للفريق أن نتجه إلى "الجوازعة" وننام فيها، ونبكر نزور منطقة "السُبد" في "الأعبوس" الواقعتين غرب الدائرة..
وافق ردمان النماري فورا على اقتراحي وهو المعهود بالنشاط المثابر، وحبس البعض أنفاسه، فيما أستفز الاقتراح عبده فريد الذي أنفجر في وجهي بحسم لا يخلوا من توبيخ: "بطّل جنان يا قاضي" والحقيقة أنه كان محقا في ذلك، لأن المنطقتين ببساطة كانت بعيدة، وكان هذا معناه أن لا ننام ما بقي من الليل وهو قليل، والإرهاق على شدّته يفتك بنا..
لقد كظم بقية الفريق غيضه، ربما ليتولى سعادة السفير عبده فريد الرد عنهم، حيث وهو يُحسن الرد، ولا يصبر على الغيض، ودبلوماسيته لا تحتمل طلب كهذا، بعد نهار طويل وثلثين من الليل وكلهما مشقة وإرهاق شديد..
إن لم تخن الذاكرة كانوا ضمن رفقتي تلك الليلة نصر عبدالجليل، وعبدالباقي الناصري، ومحمد علوان ثابت، وراجح علي صالح ومحمد فريد سعيد..
كنا ننهك كثيرا في العمل الدؤوب، والذي يستمر بعض الأحيان، ثلاثة أرباع النهار وثلثي الليل.. ونعاني من وعورة الطريق المكسّرة، وغير الصالحة، وأحيانا الخطرة أيضا.. ذات مرة عدنا من “الأغبرية” عصرا عبر نقيل "العريضة" بسيارة أخي عبد الكريم "الشاص"، وهي طريق وعرة و خطرة، تمر عبر قرية “الكاذي” وصولا إلى “نجد الخضر” غرب الرماء، ولم انتبه إلا بعد وصولنا النجد، كانوا ينزلوا من السيارة لوضع الاحجار خلف الاطارات لتتمكن من السير والصعود، فيما كنت أنا بسبب الإرهاق الشديد في السيارة أغط في نوم عميق..
وفي واقعة أخرى أكثر إثارة وعقب زيارة لمناطق "الأعبوس" عدنا من طريق "الراهد" المغنية" وكنّا على موعد حضور زواج ابن عمتي نبيل علي بشر في منطقة "الحنكة" وحالما وصلنا إلى "رأس الحنكة" بعد الساعة الثانية تقريبا بعد منتصف الليل، لم نسمع شيئا ولم نر عرسا، غير أضواء باهتة في بيت العريس.. المكان تلفه سكينة وهدوء تام.. ظننا إننا تأخرنا على الوقت، أو أن أمر جلل قد حدث لا نعرف ماهيته!! أصرينا على معرفة ما حدث!! ووصلنا إلى بيت العريس..
طرق عبده فريد باب بيت العريس؛ فخرج لنا العريس نبيل، مؤتزر ويرتدي في نصفه الأعلى "جرم نص" ووجه لا يخلوا من خجل واستغراب!! سألناه عن "العُرس" وعمّا حدث مع اعتذرنا أننا ربما تأخرنا قليلا عن موعدنا المفترض.
فاجأنا العريس بإخبارنا أن العرس قد تم في النهار.. وعرفنا منه أنهم صاروا يقيمون أعراسهم في النهار.. تلافتنا إلى وجوه بعض مع توجيه اعتذار آخر بسبب إزعاجنا له.. وودعناه مع بعض الابتسامات، وتمنينا له ليلة سعيدة.. وقد حبستُ أشد ما حبست قهقهة كادت تبتلعني، وتشق سكون الليل الذي يغشي المنطقة بسواده الكثيف، باستثناء بعض الأضواء الشاحبة والبعيدة.. عدنا إلى السيارة، فيما بقية الفريق الذي كان ينتظرنا هناك شغوف بمعرفة الخبر، وعمّا حدث وما صار!!..
أجابهم عبده فريد بعد أن تحركت السيارة ورفعنا زجاجاتها وطلع ضجيجها بقوله: (الرجال قد معه "جاهل".. قده مبنن .. العرس قد وقع بالنهار..) فانطلقت ضحكاتنا الحبيسة لتختلط مع ضجيج السيارة التي كانت تقلنا..
وفي واقعة رابعة من وقائع "الدعممه" وقع فيها هذه المرة الوفي والنشيط ردمان النماري حيث كان في مهمة إلصاق صوري في وادي الرام بالأعبوس، ثم ظل طريقه من الوادي الذي كان فيه إلى وادي آخر، هو وادي "الزبيره" في قدس، ومكث قرابة نصف النهار يلصق صوري الانتخابية في دائرة أخرى تابعة لمرشحين آخرين.. إنها الدعممة بكل ما فيها من سلب وإيجاب وانهماك ومقالب..
وفي وادي "السبد أعبوس" كانت صوري تتعرض للتمزيق على بعض الجدران والأمكنة، ثم نعاود دون يأس نشر بديلا عنها، إلا أن ما آلمني ما كان يفعله بعض المنتمين أو الموالين لحزب منافس كما بلغني ـ في وادي “السبد ـ أعبوس”، عندما كانوا يشوهوا عيوني بخرفها من الصورة، ويتركون بقية الصورة شاخصة ومشوهة بلا عيون.. ومع ذلك ورغم أنهم قالوا في المثل "مخرّب غلب ألف عمّار" إلا أن فريقنا "المدعمم" وأولنا ردمان النماري استطاع أن يغلب ألف مخرّب وهدّام، وقد صارت الصور أضعاف ما كانت عليه..
***
يتبع
يعض من تفاصيل حياتي
طرق عبده فريد باب بيت العريس؛ فخرج لنا العريس نبيل، مؤتزر ويرتدي في نصفه الأعلى "جرم نص" ووجه لا يخلوا من خجل واستغراب!! سألناه عن "العُرس" وعمّا حدث مع اعتذرنا أننا ربما تأخرنا قليلا عن موعدنا المفترض.
فاجأنا العريس بإخبارنا أن العرس قد تم في النهار.. وعرفنا منه أنهم صاروا يقيمون أعراسهم في النهار.. تلافتنا إلى وجوه بعض مع توجيه اعتذار آخر بسبب إزعاجنا له.. وودعناه مع بعض الابتسامات، وتمنينا له ليلة سعيدة.. وقد حبستُ أشد ما حبست قهقهة كادت تبتلعني، وتشق سكون الليل الذي يغشي المنطقة بسواده الكثيف، باستثناء بعض الأضواء الشاحبة والبعيدة.. عدنا إلى السيارة، فيما بقية الفريق الذي كان ينتظرنا هناك شغوف بمعرفة الخبر، وعمّا حدث وما صار!!..
أجابهم عبده فريد بعد أن تحركت السيارة ورفعنا زجاجاتها وطلع ضجيجها بقوله: (الرجال قد معه "جاهل".. قده مبنن .. العرس قد وقع بالنهار..) فانطلقت ضحكاتنا الحبيسة لتختلط مع ضجيج السيارة التي كانت تقلنا..
وفي واقعة رابعة من وقائع "الدعممه" وقع فيها هذه المرة الوفي والنشيط ردمان النماري حيث كان في مهمة إلصاق صوري في وادي الرام بالأعبوس، ثم ظل طريقه من الوادي الذي كان فيه إلى وادي آخر، هو وادي "الزبيره" في قدس، ومكث قرابة نصف النهار يلصق صوري الانتخابية في دائرة أخرى تابعة لمرشحين آخرين.. إنها الدعممة بكل ما فيها من سلب وإيجاب وانهماك ومقالب..
وفي وادي "السبد أعبوس" كانت صوري تتعرض للتمزيق على بعض الجدران والأمكنة، ثم نعاود دون يأس نشر بديلا عنها، إلا أن ما آلمني ما كان يفعله بعض المنتمين أو الموالين لحزب منافس كما بلغني ـ في وادي “السبد ـ أعبوس”، عندما كانوا يشوهوا عيوني بخرفها من الصورة، ويتركون بقية الصورة شاخصة ومشوهة بلا عيون.. ومع ذلك ورغم أنهم قالوا في المثل "مخرّب غلب ألف عمّار" إلا أن فريقنا "المدعمم" وأولنا ردمان النماري استطاع أن يغلب ألف مخرّب وهدّام، وقد صارت الصور أضعاف ما كانت عليه..
***
يتبع
يعض من تفاصيل حياتي
(١٧)
قواعد اللعبة أولا..
احمد سيف حاشد
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=743521879936074&id=100028348056925
نخب سياسية هشة حكمت اليمن ولا زالت تحكمه إلى اليوم، مستقوية بالسلطة والمال والارتهان، يقف على رأسها متسلطين ومستبدين، وفاسدين كبار، وعملاء مُرتهنين، وتشمل في تكوينها أيضا لفيف من الانتهازيين والوصوليين والمنتفعين ونخاسي الضمير، حولتهم السلطة بمقدرات الوطن إلى النجومية، وجعلت الوطن مأسورا بهم، وهم في الحقيقة ينفذون أجندات مصالحهم الصغيرة، وقبلها مصالح وأجندات الغير، على حساب اليمن وشعبه، ووحدته واستقلاله وسيادته، وسلامة أراضيه..
نخب سياسية هشة أأتلف فيها التافهون الذين تورموا وتضخموا بالسلطة والمال والارتهان، وهم في حقيقتهم جهلة وحمقاء ومنتفعين ومتسلقين، جعلتهم السلطة والمال والعمالة المختبئة تحت معاطفهم الأنيقة، ليبدوا على غير حقيقتهم المتعفنة بأوحال التفاهة والسقوط والارتهان.. نجوم تم صناعتهم بإعلام السلطة الفاسدة الذي يزيف الحقيقة والوجود، ويفسد الحياة والضمائر بإمعان يشبه القدر، ويشوّه الوعي ويغيبه ويدمره على نحو حثيث ومستميت..
***
ظلّت واستمرت السلطة ومعها المال، تستغل حالة الفقر المنتشر في اليمن، واستخدمته ووظفته بما يعزز وجودها ومزاعم شرعيتها.. كل السلطات التي تعاقبت على حكم اليمن بمختلف توجهاتها ومسمياتها، لاسيما في العقود القليلة الماضية وإلى اليوم ظلت هي القادرة الأولى على التحشيد، وصار استخدام المال أكثر إمعانا وتعويلا عليه، دون خجل أو حياء أو مواربة، مهما افتقد هذا المال ليس لمشروعية مصادره فحسب، بل واستخدامه وتوظيفه الغير مشروع، والتي تكشف حقيقة الأجندات، والقوى المستفيدة منه، وما يتضمنه ذلك من فساد سياسي وغير سياسي..
إنه استغلال لعوز وفقر المواطنين الذين تمارس عليهم سياسات الإفقار الممنهجة والدائمة، وتوظيف هذا الاستغلال لمصلحة وخدمة أجندات السلطة الحاكمة، بل وباتت من كانت تدّعي إنها المعارضة تنتهج أيضا نفس النهج، بمجرد وصولها إلى السلطة، إن لم يكن قبلها.. إنه الاستغلال والاستخدام الذي لا يخلو من بشاعة من قبل تلك السلطات والأحزاب والقوى والجماعات السياسية والدينية..
هذا التحشيد الذي بالمال، يجري معه أيضا وفي الغالب استخدام المؤسسات العامة، ومقدرات الدولة، والوظيفة العامة، بغرض انتخابي أو استعراض سياسي أو احتفال ديني أو تحشيد عسكري يتم بعيدا عن مصلحة الوطن، بل وينصب في خدمة ما هو أضيق كخدمة شخص مستبد بأي مسمّى، أو حزب، أو فئة، أو طائفة، أو جماعة، أو منطقة، أو نخبه سياسية، على حساب الشعب العريض، ومصالح الوطن العليا..
خلال العقود القليلة الماضية أنتفلت السلطة من حزب إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن نظام إلى آخر، وجميعها تقريبا استخدمت المال العام، والوظيفة العامة، ومقدرات الدولة، في الجمع والنقل والتحشيد والاحتفال وغيره؛ لتزييف الوعي، والإستخواذ على السلطة، والادعاء زورا إنها من تملك المشروعية الشعبية، أو ادعاء بالأحقية في الحكم، حتّى وإن كانت سلطة غلبة، أو إقصاء واستئثار.. وفي هذا يكمن أحد الأسباب التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، من حرب وفقدان وطن..
ربما يتغير الإطار الخارجي لكنها تبقى الصورة الدميمة نفسها، ربما يتغيّر الشكل العام، ولكن لم يتغير الجوهر أو المضمون، إلا إلى ما هو أكثر سوءا وبؤسا وردائه.. لقد كان المشترك بين جميع السلطات التي تعاقبت على الحكم في اليمن خلال أكثر من أربعين عام ماضية، والتي كان جديدها يرث أسوأ ما في قديمها، لنصل اليوم إلى هذا الحد من الطغيان، الذي ما كان بحسبان، وعلى هذا النحو القاتل والفاجع الذي نراه اليوم..
لقد شهدت اليمن في هذه الحقبة التاريخية انقلابات وتبدلات سياسية، إلا أن السيء ظل الأكثر حضورا في الغالب والأعم.. ظل السيء هو المشترك بينها، حتى مع تبدلات النخب الحاكمة، وظل الأسوأ هو من يسود لنصل في النتيجة إلى هذا اليمن المُحترب، والمتمزّق والمتلاشي.. جميعها صنعت هذا المشهد المروع والمُرعب، الذي نعيشه اليوم، وإن اختلفت نسب المشاركة فيها لكل منها مع ملاحظة إن السيء ورثه الأكثر سوءا ووبالا..
لقد تم قطع رواتب أكثر من مليون موظف بعمد وإصرار وإمعان، وتم استغلال الفقر المنتشر، وتوسيع رقعته كل يوم أكثر من سابقه، لينتقل معه الحال من تزييف وعي وإرادة الناخبين، ليبلغ اليوم الأمر أوجّه، بتحويل أبناءنا إلى محاطب حرب مريعة، دون وجود أي أفق لنهاية غير تلك التي نراها اليوم بأم عيوننا، وهي كارثية للوطن ومستقبله بكل المقاييس..
لقد تم الانتقال من استغلال الفقر بتزييف الإرادة والوعي إلى تغيب الإرادة والوعي على نحو لا سابق له، وأكثر إمعانا من أي وقت مضى، ومن جميع سلطات الأمر الواقع التي تفرض سلطاتها بغلبتها المتوحشة، أو بدعم المحتل وتحولها إلى أدوات تنفيذ أطماع وأجندات المحتل ومن يقف وراءه، وجميعها وعلى مختلف مسمياتها تفتقد لأي شرعية شعبية أو ديمقراطية أو حتى أخلاقية..
قواعد اللعبة أولا..
احمد سيف حاشد
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=743521879936074&id=100028348056925
نخب سياسية هشة حكمت اليمن ولا زالت تحكمه إلى اليوم، مستقوية بالسلطة والمال والارتهان، يقف على رأسها متسلطين ومستبدين، وفاسدين كبار، وعملاء مُرتهنين، وتشمل في تكوينها أيضا لفيف من الانتهازيين والوصوليين والمنتفعين ونخاسي الضمير، حولتهم السلطة بمقدرات الوطن إلى النجومية، وجعلت الوطن مأسورا بهم، وهم في الحقيقة ينفذون أجندات مصالحهم الصغيرة، وقبلها مصالح وأجندات الغير، على حساب اليمن وشعبه، ووحدته واستقلاله وسيادته، وسلامة أراضيه..
نخب سياسية هشة أأتلف فيها التافهون الذين تورموا وتضخموا بالسلطة والمال والارتهان، وهم في حقيقتهم جهلة وحمقاء ومنتفعين ومتسلقين، جعلتهم السلطة والمال والعمالة المختبئة تحت معاطفهم الأنيقة، ليبدوا على غير حقيقتهم المتعفنة بأوحال التفاهة والسقوط والارتهان.. نجوم تم صناعتهم بإعلام السلطة الفاسدة الذي يزيف الحقيقة والوجود، ويفسد الحياة والضمائر بإمعان يشبه القدر، ويشوّه الوعي ويغيبه ويدمره على نحو حثيث ومستميت..
***
ظلّت واستمرت السلطة ومعها المال، تستغل حالة الفقر المنتشر في اليمن، واستخدمته ووظفته بما يعزز وجودها ومزاعم شرعيتها.. كل السلطات التي تعاقبت على حكم اليمن بمختلف توجهاتها ومسمياتها، لاسيما في العقود القليلة الماضية وإلى اليوم ظلت هي القادرة الأولى على التحشيد، وصار استخدام المال أكثر إمعانا وتعويلا عليه، دون خجل أو حياء أو مواربة، مهما افتقد هذا المال ليس لمشروعية مصادره فحسب، بل واستخدامه وتوظيفه الغير مشروع، والتي تكشف حقيقة الأجندات، والقوى المستفيدة منه، وما يتضمنه ذلك من فساد سياسي وغير سياسي..
إنه استغلال لعوز وفقر المواطنين الذين تمارس عليهم سياسات الإفقار الممنهجة والدائمة، وتوظيف هذا الاستغلال لمصلحة وخدمة أجندات السلطة الحاكمة، بل وباتت من كانت تدّعي إنها المعارضة تنتهج أيضا نفس النهج، بمجرد وصولها إلى السلطة، إن لم يكن قبلها.. إنه الاستغلال والاستخدام الذي لا يخلو من بشاعة من قبل تلك السلطات والأحزاب والقوى والجماعات السياسية والدينية..
هذا التحشيد الذي بالمال، يجري معه أيضا وفي الغالب استخدام المؤسسات العامة، ومقدرات الدولة، والوظيفة العامة، بغرض انتخابي أو استعراض سياسي أو احتفال ديني أو تحشيد عسكري يتم بعيدا عن مصلحة الوطن، بل وينصب في خدمة ما هو أضيق كخدمة شخص مستبد بأي مسمّى، أو حزب، أو فئة، أو طائفة، أو جماعة، أو منطقة، أو نخبه سياسية، على حساب الشعب العريض، ومصالح الوطن العليا..
خلال العقود القليلة الماضية أنتفلت السلطة من حزب إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن نظام إلى آخر، وجميعها تقريبا استخدمت المال العام، والوظيفة العامة، ومقدرات الدولة، في الجمع والنقل والتحشيد والاحتفال وغيره؛ لتزييف الوعي، والإستخواذ على السلطة، والادعاء زورا إنها من تملك المشروعية الشعبية، أو ادعاء بالأحقية في الحكم، حتّى وإن كانت سلطة غلبة، أو إقصاء واستئثار.. وفي هذا يكمن أحد الأسباب التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، من حرب وفقدان وطن..
ربما يتغير الإطار الخارجي لكنها تبقى الصورة الدميمة نفسها، ربما يتغيّر الشكل العام، ولكن لم يتغير الجوهر أو المضمون، إلا إلى ما هو أكثر سوءا وبؤسا وردائه.. لقد كان المشترك بين جميع السلطات التي تعاقبت على الحكم في اليمن خلال أكثر من أربعين عام ماضية، والتي كان جديدها يرث أسوأ ما في قديمها، لنصل اليوم إلى هذا الحد من الطغيان، الذي ما كان بحسبان، وعلى هذا النحو القاتل والفاجع الذي نراه اليوم..
لقد شهدت اليمن في هذه الحقبة التاريخية انقلابات وتبدلات سياسية، إلا أن السيء ظل الأكثر حضورا في الغالب والأعم.. ظل السيء هو المشترك بينها، حتى مع تبدلات النخب الحاكمة، وظل الأسوأ هو من يسود لنصل في النتيجة إلى هذا اليمن المُحترب، والمتمزّق والمتلاشي.. جميعها صنعت هذا المشهد المروع والمُرعب، الذي نعيشه اليوم، وإن اختلفت نسب المشاركة فيها لكل منها مع ملاحظة إن السيء ورثه الأكثر سوءا ووبالا..
لقد تم قطع رواتب أكثر من مليون موظف بعمد وإصرار وإمعان، وتم استغلال الفقر المنتشر، وتوسيع رقعته كل يوم أكثر من سابقه، لينتقل معه الحال من تزييف وعي وإرادة الناخبين، ليبلغ اليوم الأمر أوجّه، بتحويل أبناءنا إلى محاطب حرب مريعة، دون وجود أي أفق لنهاية غير تلك التي نراها اليوم بأم عيوننا، وهي كارثية للوطن ومستقبله بكل المقاييس..
لقد تم الانتقال من استغلال الفقر بتزييف الإرادة والوعي إلى تغيب الإرادة والوعي على نحو لا سابق له، وأكثر إمعانا من أي وقت مضى، ومن جميع سلطات الأمر الواقع التي تفرض سلطاتها بغلبتها المتوحشة، أو بدعم المحتل وتحولها إلى أدوات تنفيذ أطماع وأجندات المحتل ومن يقف وراءه، وجميعها وعلى مختلف مسمياتها تفتقد لأي شرعية شعبية أو ديمقراطية أو حتى أخلاقية..
Facebook
Log in to Facebook
Log in to Facebook to start sharing and connecting with your friends, family and people you know.
وقبل أن أحقق اختراق في هذا الجدار السميك من خلال الانتخابات، أردت أن أتعلم أيضا قواعد اللعبة مستشهدا بمقولة ألبرت إينشتاين : “عليك أولا أن تتعلم قواعد اللعبة، بعدها عليك أن تلعب أفضل من الجميع”، وله مقولة أخرى بنفس المعنى يقول فيها “أننا بمجرد أن ندرك حدود إمكانياتنا تكون الخطوة التالية هي السعي لتخطي هذه الحدود.، فلا يستطيع تحقيق المستحيل إلا أولئك الذين يؤمنون بما يراه الآخرون غير معقول!” والأهم عندي هو أن هذا اللعب وفي كل الأحوال يجب أن لا يتخلى عن الحد الأدنى من الأخلاق والاحترام المطلوبين.. وأظن هذا أيضا يتوافق أو يلامس في جانب منه مع ما قاله أينشتاين: ” لا تكافح من أجل النجاح، بل كافح من أجل القيمة”.
***
بعض من تفاصيل حياتي
يتبع..
***
بعض من تفاصيل حياتي
يتبع..
ومن خلال تجربتي في العملية الانتخابية، وجدت أن الاستهتار بما يفعله المال غباء في مجتمع شديدة الحاجة والعوز.. فتحييد السلطة وأدواتها من المال، إلى مقدرات الدولة والشعب، وحتّى الإعلام، ومعهم أموال رجال المال والأعمال ـ خدّام السلطة ـ أمر أهم إن أردنا بالفعل عملية ديمقراطية ناجحة تعطي المتنافسين فرص متساوية، أو على الأقل فيها مقاربة للفرص بين المتنافسين..
إذا قالوا في غير اليمن "الفقير يشتري الجريدة، والغني يشتري رئيس التحرير" ففي اليمن الرئيس يشتري البرلمان، والجار المتورم بالنفط والمال يشتري الرئيس والبرلمان.. وما كان ليحدث هذا لولا هشاشة النخب، وأولها النخب السياسية، وتغييب الوعي الوطني، وتحويل الديمقراطية إلى أداة تكتيكية لمزيد من التمكين وعدم التغيير، بل لتكريس الاستبداد بالسلطة والمال وادعاء الديمقراطية وتزييفها، واستغلال الفقر والعوز والجوع، وعدم الاكتراث أو الاهتمام ببناء الإنسان حتى في حدوده الدنيا..
ولهذا رأينا في أول ما تصطدم وتحتدم المصالح يتم حسمها بوجه ما، غالبها تم بالصراع والحرب، فبعد حرب 1994 تم تغيير الدستور أكثر من مرّة ليس لصالح الوطن الكبير، وإنما لصالح الحاكم المنتصر وحزبه، وحلفائه التقليديين، وفي المقابل تم إقصاء الشريك وتدميره، وتمكين الفساد وسلطة الأمر الواقع، وتمكين المنتصر..
ثم أحتدم الصراع مرة ثانية بين حلفاء الأمس وأنقسم النظام وتم الانتقال إلى شرعنة الوصاية الخليجية، وسحب صلاحيات "البرلمان"، ثم تم انقسام وانقلاب، لتتعدد الأطراف، ويحترب الحلفاء، وتتعدد التدخلات إلى أن وصلت إلى شرعنة الحرب والاحتلال، وفرض تقسيم اليمن كأمر واقع.. هذا وغيره للأسف هو ما فعلناه بأنفسنا، وفعله فينا الجيران الأغنياء، أدوات وصنيعة دول الاحتلال القديم والاستعمار البغيض..
***
من المؤسف جدا أن نجد عدم تكافؤ الفرص، ودعامة السلطة والمال، من العناصر المهمة لتحقيق النجاح والفوز في الانتخابات، في مجتمع فقير ومعوز وقليل الحيلة، بل ومتخلّف من حيث الوعي والبنية الاجتماعية.. المال لا يحقق النزاهة، بل ويعطّلها، أو ينال منها في مجتمع لازال متوعكا بأمراضه وتكويناته واختلالاته.. مجتمع مثقلا بالفاقة، ومسيس الحاجة، ومفتقر إلى الحد الأدنى من التحصين المطلوب للوعي، وللحياة المستقرة والمنتجة..
استخدام المال العام، والوظيفة العامة، وتفشي الفساد الانتخابي وقوننته، واستخدام المصالح العامة، ومقدرات ومؤسسات الدولة، وتسخير السلطة والنفوذ، بل وحتى تجار القطاع الخاص، وتوظيف عصبيات ما قبل الدولة، وعلى رأسها العصبيات القبيلة والعشائرية والجهوية، بل واستغلال حتى الثارات والأمراض والتناقضات الاجتماعية الغير سوية، واستغلال واستخدام الحاجات المجتمعية في العملية الانتخابية، والابتزاز بها.. كل هذا وذاك يفقد الانتخابات نزاهتها وعفّتها، ويفرغها من جوهرها ومضامينها الديمقراطية، وتؤدي إلى مخرجات شائهة وهشة، بل وفاسدة أيضا..
أذكر مثل هذا الكلام أدليت به كشهادة بعد شهور قليلة من فوزي في الانتخابات النيابية؛ وذلك في إحدى ورش العمل التي عُقدت في فندق تاج سبا في العاصمة صنعاء.. لقد قلتها بصراحة صارخة: مجلس النواب هذا هو أحد منتجات الفساد، فاستخدام المال العام، والوظيفة العامة، وكل مقدرات الدولة في الانتخابات النيابية أدّى ويؤدّي إلى نتائج فاسدة ووعي زائف..
وللأهمية أشدد هنا على أن الاستبداد ليس ولن يكون هو البديل، والمطلوب هو إصلاح عميق في الوعي وفي الدستور والقوانين والنظم والممارسات وقبل ذلك الإنسان، بما يؤدي إلى تكافؤ الفرص بين المرشحين المتنافسين، وتحييد المال العام، والوظيفة العامة، وكل امكانات ومقدرات الدولة، في العملية الانتخابية، ومكافحة الفساد الانتخابي بصرامة متناهية، وتوقيع عقوبات زاجرة، لكل من يسعى إلى افساد العملية الانتخابية، بارتكاب فعل من تلك الأفعال المشار إليها سابقا، وتقرير عقوبات رادعة تطال حتى الممتنع والمتواطئ من ذوي السلطة والشأن ذو العلاقة في انفاذ وزجر المتورطين بالفساد السياسي..
الواقع الانتخابي أتيت إليه دون أن أصنعه أو أشارك في صنعه.. لم أكن راضيا عنه، بل وجدت نفسي أعمل مكرها تحت شروطه وأحكامه.. واقع مستقل عنّي تماما، كان وجوده خارج إرادتي وسلطتي، بل حتى خارج رغبتي المتطلعة للتغيير وخيار الأفضل.. وحتى الواقع المشرّع بقانون، وجدت بعض نصوصه تعمل، والبعض الآخر كسيحة ومشلولة، أو غير نافدة، بحسب رغبة السلطة، ومصالحها..
شروط الواقع لم أصنعها أنا، بل وجدتها كما هي، وكما وجدت نفسي محكوما بها وتحت طائلة تلك الشروط الثقيلة التي أرزح تحتها، مرغما بها..
أنا لست إله، ولست سلطة، ولست ساحرا لأوجد الواقع الذي أريده وأتمناه.. وكل ما فعلته هو محاولة تحقيق اختراق في جدار هذا الواقع المضروب علينا، والعامد حصارنا، وابقاءنا أطول وقت ممكن تحت ثقله وشروطه.
إذا قالوا في غير اليمن "الفقير يشتري الجريدة، والغني يشتري رئيس التحرير" ففي اليمن الرئيس يشتري البرلمان، والجار المتورم بالنفط والمال يشتري الرئيس والبرلمان.. وما كان ليحدث هذا لولا هشاشة النخب، وأولها النخب السياسية، وتغييب الوعي الوطني، وتحويل الديمقراطية إلى أداة تكتيكية لمزيد من التمكين وعدم التغيير، بل لتكريس الاستبداد بالسلطة والمال وادعاء الديمقراطية وتزييفها، واستغلال الفقر والعوز والجوع، وعدم الاكتراث أو الاهتمام ببناء الإنسان حتى في حدوده الدنيا..
ولهذا رأينا في أول ما تصطدم وتحتدم المصالح يتم حسمها بوجه ما، غالبها تم بالصراع والحرب، فبعد حرب 1994 تم تغيير الدستور أكثر من مرّة ليس لصالح الوطن الكبير، وإنما لصالح الحاكم المنتصر وحزبه، وحلفائه التقليديين، وفي المقابل تم إقصاء الشريك وتدميره، وتمكين الفساد وسلطة الأمر الواقع، وتمكين المنتصر..
ثم أحتدم الصراع مرة ثانية بين حلفاء الأمس وأنقسم النظام وتم الانتقال إلى شرعنة الوصاية الخليجية، وسحب صلاحيات "البرلمان"، ثم تم انقسام وانقلاب، لتتعدد الأطراف، ويحترب الحلفاء، وتتعدد التدخلات إلى أن وصلت إلى شرعنة الحرب والاحتلال، وفرض تقسيم اليمن كأمر واقع.. هذا وغيره للأسف هو ما فعلناه بأنفسنا، وفعله فينا الجيران الأغنياء، أدوات وصنيعة دول الاحتلال القديم والاستعمار البغيض..
***
من المؤسف جدا أن نجد عدم تكافؤ الفرص، ودعامة السلطة والمال، من العناصر المهمة لتحقيق النجاح والفوز في الانتخابات، في مجتمع فقير ومعوز وقليل الحيلة، بل ومتخلّف من حيث الوعي والبنية الاجتماعية.. المال لا يحقق النزاهة، بل ويعطّلها، أو ينال منها في مجتمع لازال متوعكا بأمراضه وتكويناته واختلالاته.. مجتمع مثقلا بالفاقة، ومسيس الحاجة، ومفتقر إلى الحد الأدنى من التحصين المطلوب للوعي، وللحياة المستقرة والمنتجة..
استخدام المال العام، والوظيفة العامة، وتفشي الفساد الانتخابي وقوننته، واستخدام المصالح العامة، ومقدرات ومؤسسات الدولة، وتسخير السلطة والنفوذ، بل وحتى تجار القطاع الخاص، وتوظيف عصبيات ما قبل الدولة، وعلى رأسها العصبيات القبيلة والعشائرية والجهوية، بل واستغلال حتى الثارات والأمراض والتناقضات الاجتماعية الغير سوية، واستغلال واستخدام الحاجات المجتمعية في العملية الانتخابية، والابتزاز بها.. كل هذا وذاك يفقد الانتخابات نزاهتها وعفّتها، ويفرغها من جوهرها ومضامينها الديمقراطية، وتؤدي إلى مخرجات شائهة وهشة، بل وفاسدة أيضا..
أذكر مثل هذا الكلام أدليت به كشهادة بعد شهور قليلة من فوزي في الانتخابات النيابية؛ وذلك في إحدى ورش العمل التي عُقدت في فندق تاج سبا في العاصمة صنعاء.. لقد قلتها بصراحة صارخة: مجلس النواب هذا هو أحد منتجات الفساد، فاستخدام المال العام، والوظيفة العامة، وكل مقدرات الدولة في الانتخابات النيابية أدّى ويؤدّي إلى نتائج فاسدة ووعي زائف..
وللأهمية أشدد هنا على أن الاستبداد ليس ولن يكون هو البديل، والمطلوب هو إصلاح عميق في الوعي وفي الدستور والقوانين والنظم والممارسات وقبل ذلك الإنسان، بما يؤدي إلى تكافؤ الفرص بين المرشحين المتنافسين، وتحييد المال العام، والوظيفة العامة، وكل امكانات ومقدرات الدولة، في العملية الانتخابية، ومكافحة الفساد الانتخابي بصرامة متناهية، وتوقيع عقوبات زاجرة، لكل من يسعى إلى افساد العملية الانتخابية، بارتكاب فعل من تلك الأفعال المشار إليها سابقا، وتقرير عقوبات رادعة تطال حتى الممتنع والمتواطئ من ذوي السلطة والشأن ذو العلاقة في انفاذ وزجر المتورطين بالفساد السياسي..
الواقع الانتخابي أتيت إليه دون أن أصنعه أو أشارك في صنعه.. لم أكن راضيا عنه، بل وجدت نفسي أعمل مكرها تحت شروطه وأحكامه.. واقع مستقل عنّي تماما، كان وجوده خارج إرادتي وسلطتي، بل حتى خارج رغبتي المتطلعة للتغيير وخيار الأفضل.. وحتى الواقع المشرّع بقانون، وجدت بعض نصوصه تعمل، والبعض الآخر كسيحة ومشلولة، أو غير نافدة، بحسب رغبة السلطة، ومصالحها..
شروط الواقع لم أصنعها أنا، بل وجدتها كما هي، وكما وجدت نفسي محكوما بها وتحت طائلة تلك الشروط الثقيلة التي أرزح تحتها، مرغما بها..
أنا لست إله، ولست سلطة، ولست ساحرا لأوجد الواقع الذي أريده وأتمناه.. وكل ما فعلته هو محاولة تحقيق اختراق في جدار هذا الواقع المضروب علينا، والعامد حصارنا، وابقاءنا أطول وقت ممكن تحت ثقله وشروطه.
(١٧)
قواعد اللعبة أولا..
أحمد سيف حاشد
نخب سياسية هشة حكمت اليمن ولا زالت تحكمه إلى اليوم، مستقوية بالسلطة والمال والارتهان، يقف على رأسها متسلطين ومستبدين، وفاسدين كبار، وعملاء مُرتهنين، وتشمل في تكوينها أيضا لفيف من الانتهازيين والوصوليين والمنتفعين والنخاسين، حولتهم السلطة بمقدرات الوطن إلى النجومية، وجعلت الوطن مأسورا بهم، وهم في الحقيقة تافهين صغار ينفذون أجندات مصالحهم الأصغر منهم، وقبلها ينفذون مصالح وأجندات المرتهنين لهم، على حساب اليمن وشعبه، ووحدته واستقلاله وسيادته، وسلامة أراضيه..
نخب سياسية هشة أأتلف فيها التافهون الذين تورموا وتضخموا بالسلطة والمال والارتهان، وهم في حقيقتهم جهلة وحمقى ومنتفعين ومتسلقين، جعلتهم السلطة والمال والعمالة المختبئة تحت معاطفهم الأنيقة، ليبدوا على غير حقيقتهم المتعفنة بأوحال التفاهة والسقوط والارتهان.. نجوم تم صناعتهم بإعلام السلطة الفاسدة الذي يزيف الحقيقة والوجود، ويفسد الحياة والضمائر بإمعان يشبه القدر، ويشوّه الوعي ويغيبه ويدمره على نحو حثيث ومستميت..
***
ظلّت واستمرت السلطة ومعها المال، تستغل حالة الفقر المنتشر في اليمن، بل واستخدمته ووظفته بما يعزز وجودها ومزاعم شرعيتها.. كل السلطات التي تعاقبت على حكم اليمن بمختلف توجهاتها ومسمياتها، لاسيما في العقود القليلة الماضية وإلى اليوم ظلت هي القادرة الأولى على التحشيد، وصار استخدام المال أكثر إمعانا وتعويلا عليه، دون خجل أو حياء أو مواربة، مهما افتقد هذا المال ليس لمشروعية مصادره فحسب، بل واستخدامه وتوظيفه الغير مشروع، والتي تكشف حقيقة الأجندات، والقوى المستفيدة منه، وما يتضمنه ذلك من فساد سياسي وغير سياسي..
إنه استغلال لعوز وفقر المواطنين الذين تمارس عليهم سياسات الإفقار الممنهجة والمستمرة، وتوظيف هذا الاستغلال لمصلحة وخدمة أجندات السلطة الحاكمة، بل وباتت من كانت تدّعي إنها المعارضة تنتهج أيضا نفس النهج، بمجرد وصولها إلى السلطة، إن لم يكن قبلها.. إنه الاستغلال والاستخدام الذي لا يخلو من بشاعة من قبل تلك السلطات والأحزاب والقوى والجماعات السياسية والدينية..
هذا التحشيد الذي يتم بالمال، يجري معه أيضا وفي الغالب استخدام المؤسسات العامة، ومقدرات الدولة، والوظيفة العامة، بغرض انتخابي أو استعراض سياسي أو احتفال ديني أو تحشيد عسكري يتم بعيدا عن مصلحة الوطن، بل وينصب في خدمة ما هو أضيق كخدمة شخص مستبد بأي مسمّى، أو حزب، أو فئة، أو طائفة، أو جماعة، أو منطقة، أو نخبه سياسية، على حساب الشعب العريض، ومصالح الوطن العليا..
خلال العقود القليلة الماضية أنتفلت السلطة من حزب إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن نظام إلى آخر، وجميعها تقريبا استخدمت المال العام، والوظيفة العامة، ومقدرات الدولة، في الجمع والنقل والتحشيد والاحتفال وغيره؛ لتزييف الوعي، والإستخواذ على السلطة، والادعاء زورا إنها من تملك المشروعية الشعبية، أو الادعاء بالأحقية في الحكم، حتّى وإن كانت سلطة غلبة، أو إقصاء واستئثار.. وفي هذا يكمن أحد الأسباب التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، من حرب ودمار وفقدان وطن..
ربما يتغير الإطار الخارجي لكنها تبقى الصورة الدميمة نفسها، ربما يتغيّر الشكل العام، ولكن لم يتغير الجوهر أو المضمون، إلا إلى ما هو أكثر سوءا وبؤسا وردائه.. لقد كان المشترك بين جميع السلطات التي تعاقبت على الحكم في اليمن خلال أكثر من أربعين عام ماضية، والتي كان جديدها يرث أسوأ ما في قديمها، لنصل اليوم إلى هذا الحد من الطغيان، الذي ما كان بحسبان، وعلى هذا النحو القاتل والفاجع الذي نراه اليوم..
لقد شهدت اليمن في هذه الحقبة التاريخية انقلابات وتبدلات سياسية، إلا أن السيء ظل الأكثر حضورا في الغالب والأعم.. ظل السيء هو المشترك بينها، حتى مع تبدلات النخب الحاكمة، وظل الأسوأ هو من يسود لنصل في النتيجة إلى هذا اليمن المُحترب، والمتمزّق والمتلاشي.. جميعها صنعت هذا المشهد المروع والمُرعب، الذي نعيشه اليوم، وإن اختلفت نسب المشاركة فيها لكل منها مع ملاحظة إن السيء ورثه الأكثر سوءا ووبالا..
لقد تم قطع رواتب أكثر من مليون موظف بعمد وإصرار وإمعان، ودون أن يهتز جفن أو رمش لهذه السلطات الدميمة بكل مسمياتها، وقد أتخمها الفساد وتورمت بالمال، بل وتم استغلال الفقر المنتشر، وتوسيع رقعته كل يوم أكثر من سابقه، لينتقل معه الحال من تزييف وعي وإرادة الناخبين، ليبلغ اليوم الأمر أوجّه، بتحويل أبناءنا إلى محاطب حرب مريعة، دون وجود أي أفق لنهاية غير تلك التي نراها اليوم بأم عيوننا، وهي كارثية للوطن ومستقبله بكل المقاييس..
قواعد اللعبة أولا..
أحمد سيف حاشد
نخب سياسية هشة حكمت اليمن ولا زالت تحكمه إلى اليوم، مستقوية بالسلطة والمال والارتهان، يقف على رأسها متسلطين ومستبدين، وفاسدين كبار، وعملاء مُرتهنين، وتشمل في تكوينها أيضا لفيف من الانتهازيين والوصوليين والمنتفعين والنخاسين، حولتهم السلطة بمقدرات الوطن إلى النجومية، وجعلت الوطن مأسورا بهم، وهم في الحقيقة تافهين صغار ينفذون أجندات مصالحهم الأصغر منهم، وقبلها ينفذون مصالح وأجندات المرتهنين لهم، على حساب اليمن وشعبه، ووحدته واستقلاله وسيادته، وسلامة أراضيه..
نخب سياسية هشة أأتلف فيها التافهون الذين تورموا وتضخموا بالسلطة والمال والارتهان، وهم في حقيقتهم جهلة وحمقى ومنتفعين ومتسلقين، جعلتهم السلطة والمال والعمالة المختبئة تحت معاطفهم الأنيقة، ليبدوا على غير حقيقتهم المتعفنة بأوحال التفاهة والسقوط والارتهان.. نجوم تم صناعتهم بإعلام السلطة الفاسدة الذي يزيف الحقيقة والوجود، ويفسد الحياة والضمائر بإمعان يشبه القدر، ويشوّه الوعي ويغيبه ويدمره على نحو حثيث ومستميت..
***
ظلّت واستمرت السلطة ومعها المال، تستغل حالة الفقر المنتشر في اليمن، بل واستخدمته ووظفته بما يعزز وجودها ومزاعم شرعيتها.. كل السلطات التي تعاقبت على حكم اليمن بمختلف توجهاتها ومسمياتها، لاسيما في العقود القليلة الماضية وإلى اليوم ظلت هي القادرة الأولى على التحشيد، وصار استخدام المال أكثر إمعانا وتعويلا عليه، دون خجل أو حياء أو مواربة، مهما افتقد هذا المال ليس لمشروعية مصادره فحسب، بل واستخدامه وتوظيفه الغير مشروع، والتي تكشف حقيقة الأجندات، والقوى المستفيدة منه، وما يتضمنه ذلك من فساد سياسي وغير سياسي..
إنه استغلال لعوز وفقر المواطنين الذين تمارس عليهم سياسات الإفقار الممنهجة والمستمرة، وتوظيف هذا الاستغلال لمصلحة وخدمة أجندات السلطة الحاكمة، بل وباتت من كانت تدّعي إنها المعارضة تنتهج أيضا نفس النهج، بمجرد وصولها إلى السلطة، إن لم يكن قبلها.. إنه الاستغلال والاستخدام الذي لا يخلو من بشاعة من قبل تلك السلطات والأحزاب والقوى والجماعات السياسية والدينية..
هذا التحشيد الذي يتم بالمال، يجري معه أيضا وفي الغالب استخدام المؤسسات العامة، ومقدرات الدولة، والوظيفة العامة، بغرض انتخابي أو استعراض سياسي أو احتفال ديني أو تحشيد عسكري يتم بعيدا عن مصلحة الوطن، بل وينصب في خدمة ما هو أضيق كخدمة شخص مستبد بأي مسمّى، أو حزب، أو فئة، أو طائفة، أو جماعة، أو منطقة، أو نخبه سياسية، على حساب الشعب العريض، ومصالح الوطن العليا..
خلال العقود القليلة الماضية أنتفلت السلطة من حزب إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن نظام إلى آخر، وجميعها تقريبا استخدمت المال العام، والوظيفة العامة، ومقدرات الدولة، في الجمع والنقل والتحشيد والاحتفال وغيره؛ لتزييف الوعي، والإستخواذ على السلطة، والادعاء زورا إنها من تملك المشروعية الشعبية، أو الادعاء بالأحقية في الحكم، حتّى وإن كانت سلطة غلبة، أو إقصاء واستئثار.. وفي هذا يكمن أحد الأسباب التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، من حرب ودمار وفقدان وطن..
ربما يتغير الإطار الخارجي لكنها تبقى الصورة الدميمة نفسها، ربما يتغيّر الشكل العام، ولكن لم يتغير الجوهر أو المضمون، إلا إلى ما هو أكثر سوءا وبؤسا وردائه.. لقد كان المشترك بين جميع السلطات التي تعاقبت على الحكم في اليمن خلال أكثر من أربعين عام ماضية، والتي كان جديدها يرث أسوأ ما في قديمها، لنصل اليوم إلى هذا الحد من الطغيان، الذي ما كان بحسبان، وعلى هذا النحو القاتل والفاجع الذي نراه اليوم..
لقد شهدت اليمن في هذه الحقبة التاريخية انقلابات وتبدلات سياسية، إلا أن السيء ظل الأكثر حضورا في الغالب والأعم.. ظل السيء هو المشترك بينها، حتى مع تبدلات النخب الحاكمة، وظل الأسوأ هو من يسود لنصل في النتيجة إلى هذا اليمن المُحترب، والمتمزّق والمتلاشي.. جميعها صنعت هذا المشهد المروع والمُرعب، الذي نعيشه اليوم، وإن اختلفت نسب المشاركة فيها لكل منها مع ملاحظة إن السيء ورثه الأكثر سوءا ووبالا..
لقد تم قطع رواتب أكثر من مليون موظف بعمد وإصرار وإمعان، ودون أن يهتز جفن أو رمش لهذه السلطات الدميمة بكل مسمياتها، وقد أتخمها الفساد وتورمت بالمال، بل وتم استغلال الفقر المنتشر، وتوسيع رقعته كل يوم أكثر من سابقه، لينتقل معه الحال من تزييف وعي وإرادة الناخبين، ليبلغ اليوم الأمر أوجّه، بتحويل أبناءنا إلى محاطب حرب مريعة، دون وجود أي أفق لنهاية غير تلك التي نراها اليوم بأم عيوننا، وهي كارثية للوطن ومستقبله بكل المقاييس..
لقد تم الانتقال من استغلال الفقر بتزييف الإرادة والوعي إلى تغييب الإرادة والوعي على نحو لا سابق له، وأكثر إمعانا من أي وقت مضى، ومن جميع سلطات الأمر الواقع التي تفرض سلطاتها بغلبتها المتوحشة، أو بدعم المحتل وتحولها إلى أدوات تنفيذ أطماع وأجندات المحتل ومن يقف وراءه، وجميعها وبكل مسمياتها تفتقد لأي شرعية شعبية أو ديمقراطية أو حتى أخلاقية..
ومن خلال تجربتي في العملية الانتخابية، وجدت أن الاستهتار بما يفعله المال غباء في مجتمع شديدة الحاجة والعوز.. فتحييد السلطة وأدواتها من المال، إلى مقدرات الدولة والشعب، وحتّى الإعلام، ومعهم أموال رجال المال والأعمال ـ خدّام السلطة ـ أمر أهم إن أردنا بالفعل عملية ديمقراطية ناجحة تعطي المتنافسين فرص متساوية، أو على الأقل فيها مقاربة للفرص بين المتنافسين..
إذا قالوا في غير اليمن "الفقير يشتري الجريدة، والغني يشتري رئيس التحرير" ففي اليمن الرئيس يشتري البرلمان، والجار المتورم بالنفط والمال يشتري الرئيس والبرلمان.. وما كان ليحدث هذا لولا هشاشة النخب، وأولها النخب السياسية، وتغييب الوعي الوطني، وتحويل الديمقراطية إلى أداة تكتيكية لمزيد من التمكين وعدم التغيير، بل لتكريس الاستبداد بالسلطة والمال وادعاء الديمقراطية وتزييفها، واستغلال الفقر والعوز والجوع، وعدم الاكتراث أو الاهتمام ببناء الإنسان حتى في حدوده الدنيا..
ولهذا رأينا أول ما تصطدم وتحتدم المصالح يتم حسمها بوجه ما، غالبها تم بالصراع والحرب، فبعد حرب 1994 تم تغيير الدستور أكثر من مرّة ليس لصالح الوطن الكبير، وإنما لصالح الحاكم المنتصر وحزبه، وحلفائه التقليديين، وفي المقابل تم إقصاء الشريك وتدميره، وتمكين الفساد وسلطة الأمر الواقع، وتمكين المنتصر..
ثم أحتدم الصراع مرة ثانية بين حلفاء الأمس وأنقسم النظام وتم الانتقال إلى شرعنة الوصاية الخليجية، وسحب صلاحيات "البرلمان"، ثم تم انقسام وانقلاب، لتتعدد الأطراف، ويحترب الحلفاء، وتتعدد التدخلات إلى أن وصلت إلى شرعنة الحرب والاحتلال، وفرض تقسيم اليمن كأمر واقع.. هذا وغيره للأسف هو ما فعلناه بأنفسنا، وفعله فينا الجيران الأغنياء، أدوات وصنيعة دول الاحتلال القديم والاستعمار البغيض..
***
من المؤسف جدا أن نجد عدم تكافؤ الفرص، ودعامة السلطة والمال، من العناصر المهمة لتحقيق النجاح والفوز في الانتخابات، في مجتمع فقير ومعوز وقليل الحيلة، بل ومتخلّف من حيث الوعي والبنية الاجتماعية.. المال لا يحقق النزاهة، بل ويعطّلها، أو ينال منها في مجتمع لازال متوعكا بأمراضه وتكويناته واختلالاته.. مجتمع مثقلا بالفاقة، ومسيس الحاجة، ومفتقر إلى الحد الأدنى من التحصين المطلوب للوعي، وللحياة المستقرة والمنتجة..
استخدام المال العام، والوظيفة العامة، وتفشي الفساد الانتخابي وقوننته، واستخدام المصالح العامة، ومقدرات ومؤسسات الدولة، وتسخير السلطة والنفوذ، بل وحتى تجار القطاع الخاص، وتوظيف عصبيات ما قبل الدولة، وعلى رأسها العصبيات القبيلة والعشائرية والجهوية، بل واستغلال حتى الثارات والأمراض والتناقضات الاجتماعية الغير سوية، واستغلال واستخدام الحاجات المجتمعية في العملية الانتخابية، والابتزاز بها.. كل هذا وذاك يفقد الانتخابات نزاهتها وعفّتها، ويفرغها من جوهرها ومضامينها الديمقراطية، وتؤدي إلى مخرجات شائهة وهشة، بل وفاسدة أيضا..
أذكر مثل هذا الكلام أدليت به كشهادة بعد شهور قليلة من فوزي في الانتخابات النيابية؛ وذلك في إحدى ورش العمل التي عُقدت في فندق تاج سبا في العاصمة صنعاء.. لقد قلتها بصراحة صارخة: مجلس النواب هذا هو أحد منتجات الفساد، فاستخدام المال العام، والوظيفة العامة، وكل مقدرات الدولة في الانتخابات النيابية أدّى ويؤدّي إلى نتائج فاسدة ووعي زائف..
وللأهمية أشدد هنا على أن الاستبداد ليس ولن يكون هو البديل لديمقراطية أنحرفت عن أهدافها، والمطلوب هو إصلاح عميق من الوعي إلى الدستور والقوانين والنظم والممارسات وقبل ذلك الإنسان، وبما يؤدي إلى التداول السلمي للسلطة، وتكافؤ الفرص بين المرشحين المتنافسين، وتحييد المال العام، والوظيفة العامة، وكل امكانات ومقدرات الدولة، في العملية الانتخابية، ومكافحة الفساد الانتخابي والسياسي بصرامة متناهية، وتوقيع عقوبات زاجرة، لكل من يسعى إلى افساد العملية الانتخابية، بارتكاب فعل من تلك الأفعال المشار إليها سابقا، وتقرير عقوبات رادعة تطال حتى الممتنع والمتواطئ من ذوي السلطة والشأن ذو العلاقة في انفاذ وزجر المتورطين بالفساد الانتخابي والسياسي..
الواقع الانتخابي أتيت إليه دون أن أصنعه أو أشارك في صنعه.. لم أكن راضيا عنه، بل وجدت نفسي أعمل مكرها تحت شروطه وأحكامه.. واقع مستقل عنّي تماما، كان وجوده خارج إرادتي وسلطتي، بل حتى خارج رغبتي المتطلعة للتغيير وخيار الأفضل.. وحتى الواقع المشرّع بقانون، وجدت بعض نصوصه تعمل، والبعض الآخر كسيحة ومشلولة، أو غير نافدة، بحسب رغبة السلطة، ومصالحها..
ومن خلال تجربتي في العملية الانتخابية، وجدت أن الاستهتار بما يفعله المال غباء في مجتمع شديدة الحاجة والعوز.. فتحييد السلطة وأدواتها من المال، إلى مقدرات الدولة والشعب، وحتّى الإعلام، ومعهم أموال رجال المال والأعمال ـ خدّام السلطة ـ أمر أهم إن أردنا بالفعل عملية ديمقراطية ناجحة تعطي المتنافسين فرص متساوية، أو على الأقل فيها مقاربة للفرص بين المتنافسين..
إذا قالوا في غير اليمن "الفقير يشتري الجريدة، والغني يشتري رئيس التحرير" ففي اليمن الرئيس يشتري البرلمان، والجار المتورم بالنفط والمال يشتري الرئيس والبرلمان.. وما كان ليحدث هذا لولا هشاشة النخب، وأولها النخب السياسية، وتغييب الوعي الوطني، وتحويل الديمقراطية إلى أداة تكتيكية لمزيد من التمكين وعدم التغيير، بل لتكريس الاستبداد بالسلطة والمال وادعاء الديمقراطية وتزييفها، واستغلال الفقر والعوز والجوع، وعدم الاكتراث أو الاهتمام ببناء الإنسان حتى في حدوده الدنيا..
ولهذا رأينا أول ما تصطدم وتحتدم المصالح يتم حسمها بوجه ما، غالبها تم بالصراع والحرب، فبعد حرب 1994 تم تغيير الدستور أكثر من مرّة ليس لصالح الوطن الكبير، وإنما لصالح الحاكم المنتصر وحزبه، وحلفائه التقليديين، وفي المقابل تم إقصاء الشريك وتدميره، وتمكين الفساد وسلطة الأمر الواقع، وتمكين المنتصر..
ثم أحتدم الصراع مرة ثانية بين حلفاء الأمس وأنقسم النظام وتم الانتقال إلى شرعنة الوصاية الخليجية، وسحب صلاحيات "البرلمان"، ثم تم انقسام وانقلاب، لتتعدد الأطراف، ويحترب الحلفاء، وتتعدد التدخلات إلى أن وصلت إلى شرعنة الحرب والاحتلال، وفرض تقسيم اليمن كأمر واقع.. هذا وغيره للأسف هو ما فعلناه بأنفسنا، وفعله فينا الجيران الأغنياء، أدوات وصنيعة دول الاحتلال القديم والاستعمار البغيض..
***
من المؤسف جدا أن نجد عدم تكافؤ الفرص، ودعامة السلطة والمال، من العناصر المهمة لتحقيق النجاح والفوز في الانتخابات، في مجتمع فقير ومعوز وقليل الحيلة، بل ومتخلّف من حيث الوعي والبنية الاجتماعية.. المال لا يحقق النزاهة، بل ويعطّلها، أو ينال منها في مجتمع لازال متوعكا بأمراضه وتكويناته واختلالاته.. مجتمع مثقلا بالفاقة، ومسيس الحاجة، ومفتقر إلى الحد الأدنى من التحصين المطلوب للوعي، وللحياة المستقرة والمنتجة..
استخدام المال العام، والوظيفة العامة، وتفشي الفساد الانتخابي وقوننته، واستخدام المصالح العامة، ومقدرات ومؤسسات الدولة، وتسخير السلطة والنفوذ، بل وحتى تجار القطاع الخاص، وتوظيف عصبيات ما قبل الدولة، وعلى رأسها العصبيات القبيلة والعشائرية والجهوية، بل واستغلال حتى الثارات والأمراض والتناقضات الاجتماعية الغير سوية، واستغلال واستخدام الحاجات المجتمعية في العملية الانتخابية، والابتزاز بها.. كل هذا وذاك يفقد الانتخابات نزاهتها وعفّتها، ويفرغها من جوهرها ومضامينها الديمقراطية، وتؤدي إلى مخرجات شائهة وهشة، بل وفاسدة أيضا..
أذكر مثل هذا الكلام أدليت به كشهادة بعد شهور قليلة من فوزي في الانتخابات النيابية؛ وذلك في إحدى ورش العمل التي عُقدت في فندق تاج سبا في العاصمة صنعاء.. لقد قلتها بصراحة صارخة: مجلس النواب هذا هو أحد منتجات الفساد، فاستخدام المال العام، والوظيفة العامة، وكل مقدرات الدولة في الانتخابات النيابية أدّى ويؤدّي إلى نتائج فاسدة ووعي زائف..
وللأهمية أشدد هنا على أن الاستبداد ليس ولن يكون هو البديل لديمقراطية أنحرفت عن أهدافها، والمطلوب هو إصلاح عميق من الوعي إلى الدستور والقوانين والنظم والممارسات وقبل ذلك الإنسان، وبما يؤدي إلى التداول السلمي للسلطة، وتكافؤ الفرص بين المرشحين المتنافسين، وتحييد المال العام، والوظيفة العامة، وكل امكانات ومقدرات الدولة، في العملية الانتخابية، ومكافحة الفساد الانتخابي والسياسي بصرامة متناهية، وتوقيع عقوبات زاجرة، لكل من يسعى إلى افساد العملية الانتخابية، بارتكاب فعل من تلك الأفعال المشار إليها سابقا، وتقرير عقوبات رادعة تطال حتى الممتنع والمتواطئ من ذوي السلطة والشأن ذو العلاقة في انفاذ وزجر المتورطين بالفساد الانتخابي والسياسي..
الواقع الانتخابي أتيت إليه دون أن أصنعه أو أشارك في صنعه.. لم أكن راضيا عنه، بل وجدت نفسي أعمل مكرها تحت شروطه وأحكامه.. واقع مستقل عنّي تماما، كان وجوده خارج إرادتي وسلطتي، بل حتى خارج رغبتي المتطلعة للتغيير وخيار الأفضل.. وحتى الواقع المشرّع بقانون، وجدت بعض نصوصه تعمل، والبعض الآخر كسيحة ومشلولة، أو غير نافدة، بحسب رغبة السلطة، ومصالحها..
شروط الواقع لم أصنعها أنا، بل وجدتها كما هي، وكما وجدت نفسي محكوما بها وتحت طائلة تلك الشروط الثقيلة التي أرزح تحتها، مرغما بها..
أنا لست إله، ولست سلطة، ولست ساحرا لأوجد الواقع الذي أريده وأتمناه.. وكل ما فعلته هو محاولة تحقيق اختراق في جدار هذا الواقع المضروب علينا، والعامد حصارنا، وابقاءنا أطول وقت ممكن تحت ثقله وشروطه.
وقبل أن أحقق اختراق في هذا الجدار السميك من خلال الانتخابات، أردت أن أتعلم أيضا قواعد اللعبة مستشهدا بمقولة ألبرت إينشتاين : “عليك أولا أن تتعلم قواعد اللعبة، بعدها عليك أن تلعب أفضل من الجميع”، وله مقولة أخرى بنفس المعنى يقول فيها “أننا بمجرد أن ندرك حدود إمكانياتنا تكون الخطوة التالية هي السعي لتخطي هذه الحدود.، فلا يستطيع تحقيق المستحيل إلا أولئك الذين يؤمنون بما يراه الآخرون غير معقول!” والأهم عندي هو أن هذا اللعب وفي كل الأحوال يجب أن لا يتخلى عن الحد الأدنى من الأخلاق والاحترام المطلوبين.. وأظن هذا أيضا يتوافق أو يلامس في جانب منه مع ما قاله أينشتاين: ” لا تكافح من أجل النجاح، بل كافح من أجل القيمة”.
***
بعض من تفاصيل حياتي
يتبع..
أنا لست إله، ولست سلطة، ولست ساحرا لأوجد الواقع الذي أريده وأتمناه.. وكل ما فعلته هو محاولة تحقيق اختراق في جدار هذا الواقع المضروب علينا، والعامد حصارنا، وابقاءنا أطول وقت ممكن تحت ثقله وشروطه.
وقبل أن أحقق اختراق في هذا الجدار السميك من خلال الانتخابات، أردت أن أتعلم أيضا قواعد اللعبة مستشهدا بمقولة ألبرت إينشتاين : “عليك أولا أن تتعلم قواعد اللعبة، بعدها عليك أن تلعب أفضل من الجميع”، وله مقولة أخرى بنفس المعنى يقول فيها “أننا بمجرد أن ندرك حدود إمكانياتنا تكون الخطوة التالية هي السعي لتخطي هذه الحدود.، فلا يستطيع تحقيق المستحيل إلا أولئك الذين يؤمنون بما يراه الآخرون غير معقول!” والأهم عندي هو أن هذا اللعب وفي كل الأحوال يجب أن لا يتخلى عن الحد الأدنى من الأخلاق والاحترام المطلوبين.. وأظن هذا أيضا يتوافق أو يلامس في جانب منه مع ما قاله أينشتاين: ” لا تكافح من أجل النجاح، بل كافح من أجل القيمة”.
***
بعض من تفاصيل حياتي
يتبع..
كلهم يدعون إنهم يريدون اصلاح القضاء
ومكافحة الفساد فيه
ولكن دون ان يدفعون مرتبات القضاة.. يفسدونه بإمعان وإصرار وغباء
ومكافحة الفساد فيه
ولكن دون ان يدفعون مرتبات القضاة.. يفسدونه بإمعان وإصرار وغباء