الكتابة بدم القلب.. ما أجمل يراعك وما أعمق جرحك أيها الرجل النبيل والفاضل المسكون بنا.. أنت لسان حالنا ومعبر بكثافة عما نعيشه اليوم من مأساة وطن..
محمد اللوزي:
وطن مضرج بالدموع لايمكنه أن يكون صالحا لعيش ساعة مابالنا ونحن على هذا المنوال سنوات. ويزيدك السجان وعيدا إحذر الحرف قبل أن يبكيك وجعنا لاتجازف به فتندم.
وطن مستهدف من كل شيء، منهم، ومن حرصهم ووطنيتهم، ونشيدهم، واحقيتهم في فهرسة البشر واعلان القبض علينا.
القبض الذي يسرهم كثيرا وتجد من يواسيهم في سطوتهم على حرفنا، ومن كلمة عابرة تجد من يبررقمعهم بوطنية قاتل يعشق الخراب والدمار ورؤية الكلمة معقورة ليبقى صليل حرفه شيطانا رجيما.
محمد اللوزي:
وطن مضرج بالدموع لايمكنه أن يكون صالحا لعيش ساعة مابالنا ونحن على هذا المنوال سنوات. ويزيدك السجان وعيدا إحذر الحرف قبل أن يبكيك وجعنا لاتجازف به فتندم.
وطن مستهدف من كل شيء، منهم، ومن حرصهم ووطنيتهم، ونشيدهم، واحقيتهم في فهرسة البشر واعلان القبض علينا.
القبض الذي يسرهم كثيرا وتجد من يواسيهم في سطوتهم على حرفنا، ومن كلمة عابرة تجد من يبررقمعهم بوطنية قاتل يعشق الخراب والدمار ورؤية الكلمة معقورة ليبقى صليل حرفه شيطانا رجيما.
اصداء من الوتس:
همممم وجبة دسمة يا أحمد..
لطالما بحثت طولاً وعرضا في النت على سرد يشد إنتباهي، يشبع حالة الجوع لدي ، لقراءة تجعلك تعيش اللحظة ، وكأنك ذاك المحارب، وجدتني في هذا السرد بلباس " الجندي" أتتبع خطواته شيئا فشيئا، وأمارس مايفعله بدقه، لم ينجح سرد سابق بفعل هذا...أعتقد انني أمدح هنا.. ساتوقف إذا..!
لم اترك منتدى الا ولجته ولكن للأسف المنتديات عجت بكل مايدعوا للغثيان...! والصحف لها مايثير إهتمامها، بعيدا عن إهتمامات البعض..!
جدار "موتك"...شبهته برجل الضباب الذي أرمز له في كتاباتي..! أعتقد انني سميته برجل،، لأن الضباب مذكر...وليس لتسميته "برجل" معنى آخر...
سأنتظر وجبة آخرى ..
همممم وجبة دسمة يا أحمد..
لطالما بحثت طولاً وعرضا في النت على سرد يشد إنتباهي، يشبع حالة الجوع لدي ، لقراءة تجعلك تعيش اللحظة ، وكأنك ذاك المحارب، وجدتني في هذا السرد بلباس " الجندي" أتتبع خطواته شيئا فشيئا، وأمارس مايفعله بدقه، لم ينجح سرد سابق بفعل هذا...أعتقد انني أمدح هنا.. ساتوقف إذا..!
لم اترك منتدى الا ولجته ولكن للأسف المنتديات عجت بكل مايدعوا للغثيان...! والصحف لها مايثير إهتمامها، بعيدا عن إهتمامات البعض..!
جدار "موتك"...شبهته برجل الضباب الذي أرمز له في كتاباتي..! أعتقد انني سميته برجل،، لأن الضباب مذكر...وليس لتسميته "برجل" معنى آخر...
سأنتظر وجبة آخرى ..
(24)
جدار الموت
• في دورة الصاعقة أذكر أنني كنت أركض في حلبة (الصاعقة) حتى أكاد أتقيء، ولكنني كنت أصمد على نحو لم أكن أتوقعه.. وفي اقتحام الحواجز كان علينا تسلق جدار ارتفاعه أكثر من أثني عشر متر، وأنت حاملا سلاحك وعدتك العسكرية كاملة.. لا يساعدك في هذا الصعود غير حبل مربوط في رأس الجدار..
• أذكر أنني في إحدى المرات كدت أن أسقط قبل أن أصل إلى أعلى الجدار.. خارت قواي إلى درجة بدا لي لأول وهلة إن الأمر صار سيان، بل أن السقوط مريح أكثر من إكمال ما بقي من ارتفاع الجدار وهو قليل..
• داهمني فتور شديد، وكادت قواي أن تخور.. قدماي على ظهر الجدار لم تعودا تقويان حتى على الثبات ظهر الجدار، فكيف يكون الصعود؟!! قواي خائرة، وتوازني بدأ يختل، والصعود يبدو مستحيلا إلا بصعود الروح..
• يداي ترتعشان، ولكنهما تحاولان مقاومة السقوط الذي صار وشيكا، أو على مسافة مدت يد واحدة، وراحتا كفاي تهران دما، أو تكادا تنفطران، وهما قابضتان باستماته على الحبل الغليظ، فيما صمتي المكابر يرفض أن يستغيث، بل وشعرت أن عارا سيدركني إن طلبت نجدة أو مساعدة..
• وعيت أن السقوط إذا ما حدث سيكون مميتا.. ووعيت إن تخاذلت يداي عن عزم الصعود وتراجعها قليلا سيعقبها انهياري الكامل، وأكون قد أرتكب الحماقة الأخيرة في حياتي، وهي حماقة قاتلة، وفي أفضل الأحوال ستلحق بي عاهة مستديمة.. هذا الوعي الكثيف في لحظة فارقة، وغريزة البقاء التي شعرت أنها تنتفض داخلي بعنفوان، وإفراز الجسم لمادة (الأدرينالين) في مواجهة هذه الخطر المؤكد، جعلني أغالب اللحظة، وأغلب هذا التحدي المميت..
• استمت في الصعود، وتجاوزت الخطر، ووصلت إلى رأس الجدار حتى بدا لي الأمر وكأنني اجترحت معجزة أنجتني من موت محقق أو إعاقة دائمة.. خضت في ذلك الصعود تحدٍ حقيقي ومغالبة انتزاع الحياة من فك مفترس.. أدركت أن بين الموت والحياة لحظة وقرار.. تعلمت أن بين النصر والهزيمة قليلا من الجلد والصبر في برهة زمن حاسمة.. بين أن أكون غالبا أو مغلوبا قليلا من التحدّي والصبر والاستماتة من أجل الحياة والأمل والنجاة..
• تذكرت هذا الدرس في نفس الدورة، وأنا أعاصر زميلي سند الرهوة في لي الذراع والكف؛ لنرى من الأقوى، والأكثر جلدا وصبرا وغلبة.. من الذي باستطاعته أن يسقط يد الآخر، ويغلبها بإسقاطها إلى سطح الطاولة.. كان هذا التحدي أشبه بالمبارزة، ولكنها كانت مبارزة ودودة، وقد جرت أمام مشهد من الزملا الأعزاء.. كان بين انتصاري وهزيمتي برهة زمن، ولحظة صبر فارقة، طُلتها بآخر نفس، بعد أن كادت يدي تهوى وتسقط من عل بلمح البصر.. قلت عقبها لزميلي سند: لو أنت صبرت ثانية فقط، كنت غلبتني وانتصرت بفوز ساحق وأكيد..
• اليوم أتذكر بلوع قمة الجدار الذي راق لي أن أسميه "جدار الموت".. أتذكره في كل مغالبة.. أتذكره وأنا أغالب سلطات أقبح من بعض.. سلطات أمر واقع شتّى، لا تتنافس فيما بينها إلا بالدمامة والقبح على المواطن.. سلطات بيدها كل إمكانات وأسباب القوة والقهر والإخضاع، فيما أنا لا أملك غير إرادة تستميت من أجل الحياة بكرامة، أو بلوغ المجد بالموت المشرّف، إن فرض الموت كلمته..
• وعندما تتكالب علىّ كل الظروف والمحبطات، ويطبق اليأس بسواده الحالك على عيوني، وبثقله الثقيل على أنفاسي، ليحملني على الاستسلام، أستحضر تلك المقولة التي قرأتها ذات يوم :" قبل أن تستسلم فكر لماذا تماسكت كل هذه المدة" ثم استثير في نفسي مقاومة المستحيل، وعنادي المنتحر، وآثر الموت المجيد على الاستسلام المميت، أو الأكثر إماته..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
جدار الموت
• في دورة الصاعقة أذكر أنني كنت أركض في حلبة (الصاعقة) حتى أكاد أتقيء، ولكنني كنت أصمد على نحو لم أكن أتوقعه.. وفي اقتحام الحواجز كان علينا تسلق جدار ارتفاعه أكثر من أثني عشر متر، وأنت حاملا سلاحك وعدتك العسكرية كاملة.. لا يساعدك في هذا الصعود غير حبل مربوط في رأس الجدار..
• أذكر أنني في إحدى المرات كدت أن أسقط قبل أن أصل إلى أعلى الجدار.. خارت قواي إلى درجة بدا لي لأول وهلة إن الأمر صار سيان، بل أن السقوط مريح أكثر من إكمال ما بقي من ارتفاع الجدار وهو قليل..
• داهمني فتور شديد، وكادت قواي أن تخور.. قدماي على ظهر الجدار لم تعودا تقويان حتى على الثبات ظهر الجدار، فكيف يكون الصعود؟!! قواي خائرة، وتوازني بدأ يختل، والصعود يبدو مستحيلا إلا بصعود الروح..
• يداي ترتعشان، ولكنهما تحاولان مقاومة السقوط الذي صار وشيكا، أو على مسافة مدت يد واحدة، وراحتا كفاي تهران دما، أو تكادا تنفطران، وهما قابضتان باستماته على الحبل الغليظ، فيما صمتي المكابر يرفض أن يستغيث، بل وشعرت أن عارا سيدركني إن طلبت نجدة أو مساعدة..
• وعيت أن السقوط إذا ما حدث سيكون مميتا.. ووعيت إن تخاذلت يداي عن عزم الصعود وتراجعها قليلا سيعقبها انهياري الكامل، وأكون قد أرتكب الحماقة الأخيرة في حياتي، وهي حماقة قاتلة، وفي أفضل الأحوال ستلحق بي عاهة مستديمة.. هذا الوعي الكثيف في لحظة فارقة، وغريزة البقاء التي شعرت أنها تنتفض داخلي بعنفوان، وإفراز الجسم لمادة (الأدرينالين) في مواجهة هذه الخطر المؤكد، جعلني أغالب اللحظة، وأغلب هذا التحدي المميت..
• استمت في الصعود، وتجاوزت الخطر، ووصلت إلى رأس الجدار حتى بدا لي الأمر وكأنني اجترحت معجزة أنجتني من موت محقق أو إعاقة دائمة.. خضت في ذلك الصعود تحدٍ حقيقي ومغالبة انتزاع الحياة من فك مفترس.. أدركت أن بين الموت والحياة لحظة وقرار.. تعلمت أن بين النصر والهزيمة قليلا من الجلد والصبر في برهة زمن حاسمة.. بين أن أكون غالبا أو مغلوبا قليلا من التحدّي والصبر والاستماتة من أجل الحياة والأمل والنجاة..
• تذكرت هذا الدرس في نفس الدورة، وأنا أعاصر زميلي سند الرهوة في لي الذراع والكف؛ لنرى من الأقوى، والأكثر جلدا وصبرا وغلبة.. من الذي باستطاعته أن يسقط يد الآخر، ويغلبها بإسقاطها إلى سطح الطاولة.. كان هذا التحدي أشبه بالمبارزة، ولكنها كانت مبارزة ودودة، وقد جرت أمام مشهد من الزملا الأعزاء.. كان بين انتصاري وهزيمتي برهة زمن، ولحظة صبر فارقة، طُلتها بآخر نفس، بعد أن كادت يدي تهوى وتسقط من عل بلمح البصر.. قلت عقبها لزميلي سند: لو أنت صبرت ثانية فقط، كنت غلبتني وانتصرت بفوز ساحق وأكيد..
• اليوم أتذكر بلوع قمة الجدار الذي راق لي أن أسميه "جدار الموت".. أتذكره في كل مغالبة.. أتذكره وأنا أغالب سلطات أقبح من بعض.. سلطات أمر واقع شتّى، لا تتنافس فيما بينها إلا بالدمامة والقبح على المواطن.. سلطات بيدها كل إمكانات وأسباب القوة والقهر والإخضاع، فيما أنا لا أملك غير إرادة تستميت من أجل الحياة بكرامة، أو بلوغ المجد بالموت المشرّف، إن فرض الموت كلمته..
• وعندما تتكالب علىّ كل الظروف والمحبطات، ويطبق اليأس بسواده الحالك على عيوني، وبثقله الثقيل على أنفاسي، ليحملني على الاستسلام، أستحضر تلك المقولة التي قرأتها ذات يوم :" قبل أن تستسلم فكر لماذا تماسكت كل هذه المدة" ثم استثير في نفسي مقاومة المستحيل، وعنادي المنتحر، وآثر الموت المجيد على الاستسلام المميت، أو الأكثر إماته..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(25)
جائزة تنحني لها السماء
احمد سيف حاشد
• على نفس النهج تعاطيت مع التفوق وما دونه.. اجتهدت وثابرت حتى أحرزت المرتبة الأولى في دورة الصاعقة، وتم تكريمي من قبل نائب رئيس هيئة الأركان العامة آنذاك عمر العطاس.. استلمت جائزتي يوم التخرج، وكانت عبارة عن ساعة يد، أحسست أنها تنبض في قلبي وهجا ونور.. تتمدد في كياني كأسطورة أنتصر في نهايتها البطل.. طوفان الفرح غمرني وغمر كل أرجائي.. لمعانها خطف قلبي والبصر.. مشرقة كالشمس بهية كالقمر.. فرحت بها كما يفرح الأطفال.. فرح الطفل مجرّب لدي لا يضاهيه فرح.. لازال يسكنني كثيرا من ذلك الطفل إلى اليوم..
• تذكرت فرحة شبيهها حالما أحرزت المرتبة الأولى في دفعتي بالكلية العسكرية.. كما تذكرت فرحة طلتها وأنا طفل حالما أهداني أبي ساعة الصليب.. لم أنام ليلتها من شدة الفرح، حتى خلت نفسي وساعتي مركز هذا الكون العظيم..
• قيمة الجوائز لدي بعظمتها، وأول العظمة جدارة استحقاقها ومستحقيها.. أحسست وأنا أستلم تلك الساعة الجائزة وكأن السماء هي من انحنت وناولتني إياها.. كأنني سمعتها تقول لي: نال ما تريد من الفرح فأنت تستحقه بجدارة.. أنت من صنعت نجوميتك لا أحد سواك.. أحسست وكأنني قطفت الثريا من أقاصي المجرة باقة ورد وأزهار في ليل حلوك.. ما أجمل أن تشعر أن السماء تنحني لك لتقطف منها الفرح، وهي تبتسم وتباركك بالفوز العظيم..
• عظمة الجائزة ليست بقيمة الذهب، أو بكنز نلته بما لا يستحق.. عظمة الجائزة هي فيما نلته بدم القلب وعصف الذهن وعرق الجبين.. جائزتي مهما تواضعت فهي أعظم من الجوائز العابرة للحدود، التي تُمنح بالمال ودمامة السياسة وخراب الأوطان.. ليس كل من مُنح جائزة يستحقها، أو على حد تعبير الكاتب والصحفي المصري الساخر جلال عامر: "في هذه البلاد، البعض يستحق "الجائزة" التي اقترحها "نوبل"، والبعض يستحق "البارود" الذي اخترعه."
*
• في هذه الدورة العسكرية أمعنت في تعلم أهمية الجلد والصبر والمغالبة والانتصار.. تعلمنا كيف نصارع الموت في عمق أرض العدو، بعيدا عن خطوط النار في خط التماس.. كيف نشتبك بالسلاح الأبيض عندما تنفذ ذخيرتك، وتعتمد حياتك على قدرتك في الدفاع عن نفسك وأنت وحدك.. كيف نشتبك مع العدو وأنت أعزل بلا سكين ولا أداة، وكيف تقاوم حتى الرمق الأخير ولا تُسلم ولا تستسلم..
• تعلمنا كيف نعبر الوحول والمستنقعات، عندما يكون العبور ضرورة أو مصلحة لأفرادك وقواتك، وقبل ذلك قضيتك السامية.. تعلمنا كيف تأكل عندما لا تجد ما تأكله لتعيش.. كيف تفترس الأرانب والضفادع، وتأكل الثعابين لتنقذ نفسك من هلاك محقق بالجوع.. وبين الأمس واليوم مدى.. اليوم بتنا نصارع التوحش والديناصورات والضباع الكثار..
• تعلمنا كيف نكسر المستحيل ونحوله إلى ممكن وانتصار.. كيف نكون أوفياء للوطن والأرض التي ننتمي إليها.. كيف ننتصر لها عندما تحتاجنا وتستغيث بنا، ولا نبخل عليها بدمائنا وأرواحنا.. ولكن قبل كل ذلك كنت قد تعلمت أن عدالة القضية أولا، وهي الأهم..
• لازال صوت الفلسطيني أبو فراس يرن بإذني ووجداني في حلبة الاشتباك وهو يقول :”أوصل شريانك للأرض عندما تعطش هذه الأرض وتحتاج تضحيتك.. لا تتردد ولا تبخل أن تسقيها دمك” وبعد عام أو أكثر علمت أنه أستشهد في لبنان بإحدى المعارك مع المحتل.
*
يتبع ..
بعض من تفاصيل حياتي
جائزة تنحني لها السماء
احمد سيف حاشد
• على نفس النهج تعاطيت مع التفوق وما دونه.. اجتهدت وثابرت حتى أحرزت المرتبة الأولى في دورة الصاعقة، وتم تكريمي من قبل نائب رئيس هيئة الأركان العامة آنذاك عمر العطاس.. استلمت جائزتي يوم التخرج، وكانت عبارة عن ساعة يد، أحسست أنها تنبض في قلبي وهجا ونور.. تتمدد في كياني كأسطورة أنتصر في نهايتها البطل.. طوفان الفرح غمرني وغمر كل أرجائي.. لمعانها خطف قلبي والبصر.. مشرقة كالشمس بهية كالقمر.. فرحت بها كما يفرح الأطفال.. فرح الطفل مجرّب لدي لا يضاهيه فرح.. لازال يسكنني كثيرا من ذلك الطفل إلى اليوم..
• تذكرت فرحة شبيهها حالما أحرزت المرتبة الأولى في دفعتي بالكلية العسكرية.. كما تذكرت فرحة طلتها وأنا طفل حالما أهداني أبي ساعة الصليب.. لم أنام ليلتها من شدة الفرح، حتى خلت نفسي وساعتي مركز هذا الكون العظيم..
• قيمة الجوائز لدي بعظمتها، وأول العظمة جدارة استحقاقها ومستحقيها.. أحسست وأنا أستلم تلك الساعة الجائزة وكأن السماء هي من انحنت وناولتني إياها.. كأنني سمعتها تقول لي: نال ما تريد من الفرح فأنت تستحقه بجدارة.. أنت من صنعت نجوميتك لا أحد سواك.. أحسست وكأنني قطفت الثريا من أقاصي المجرة باقة ورد وأزهار في ليل حلوك.. ما أجمل أن تشعر أن السماء تنحني لك لتقطف منها الفرح، وهي تبتسم وتباركك بالفوز العظيم..
• عظمة الجائزة ليست بقيمة الذهب، أو بكنز نلته بما لا يستحق.. عظمة الجائزة هي فيما نلته بدم القلب وعصف الذهن وعرق الجبين.. جائزتي مهما تواضعت فهي أعظم من الجوائز العابرة للحدود، التي تُمنح بالمال ودمامة السياسة وخراب الأوطان.. ليس كل من مُنح جائزة يستحقها، أو على حد تعبير الكاتب والصحفي المصري الساخر جلال عامر: "في هذه البلاد، البعض يستحق "الجائزة" التي اقترحها "نوبل"، والبعض يستحق "البارود" الذي اخترعه."
*
• في هذه الدورة العسكرية أمعنت في تعلم أهمية الجلد والصبر والمغالبة والانتصار.. تعلمنا كيف نصارع الموت في عمق أرض العدو، بعيدا عن خطوط النار في خط التماس.. كيف نشتبك بالسلاح الأبيض عندما تنفذ ذخيرتك، وتعتمد حياتك على قدرتك في الدفاع عن نفسك وأنت وحدك.. كيف نشتبك مع العدو وأنت أعزل بلا سكين ولا أداة، وكيف تقاوم حتى الرمق الأخير ولا تُسلم ولا تستسلم..
• تعلمنا كيف نعبر الوحول والمستنقعات، عندما يكون العبور ضرورة أو مصلحة لأفرادك وقواتك، وقبل ذلك قضيتك السامية.. تعلمنا كيف تأكل عندما لا تجد ما تأكله لتعيش.. كيف تفترس الأرانب والضفادع، وتأكل الثعابين لتنقذ نفسك من هلاك محقق بالجوع.. وبين الأمس واليوم مدى.. اليوم بتنا نصارع التوحش والديناصورات والضباع الكثار..
• تعلمنا كيف نكسر المستحيل ونحوله إلى ممكن وانتصار.. كيف نكون أوفياء للوطن والأرض التي ننتمي إليها.. كيف ننتصر لها عندما تحتاجنا وتستغيث بنا، ولا نبخل عليها بدمائنا وأرواحنا.. ولكن قبل كل ذلك كنت قد تعلمت أن عدالة القضية أولا، وهي الأهم..
• لازال صوت الفلسطيني أبو فراس يرن بإذني ووجداني في حلبة الاشتباك وهو يقول :”أوصل شريانك للأرض عندما تعطش هذه الأرض وتحتاج تضحيتك.. لا تتردد ولا تبخل أن تسقيها دمك” وبعد عام أو أكثر علمت أنه أستشهد في لبنان بإحدى المعارك مع المحتل.
*
يتبع ..
بعض من تفاصيل حياتي
(26)
جار الله عمر
• بعد انتهاء دورة الصاعقة عدت للواء الوحدة، وعاد حلم الدراسة الجامعية يلح ويشتد على نحو لم أعد أقوى على مقاومته أو حتى تأجيله لأي سبب.. كنت أشعر أن أي إحباط أو خذلان سيكون وقعه على نفسيتي شديد الوطأة، ولن أتعافى منه بسهولة.. وطالما لا يوجد فرصة للإعلام لعدم وجود كلية أو قسم له في جامعة عدن، فلابأس بكلية الحقوق..
• كنت قد بدأت أتابع في السنة الأولى من أجل الالتحاق بالدراسة، ولكن مرت السنة الأولى دون أن أتمكن من الالتحاق بالجامعة، لأنه يتوجب مرور ما لا يقل عن العامين بالخدمة العسكرية الفعلية بعد التخرج من الكلية العسكرية، لتتسنى الإمكانية للبت في طلب منح التفرغ للدراسة..
• وفي العام التالي كان السؤال: من يساعدني؟! فلم أعد قادرا على تحمل خذلان استحقاقي للدراسة الجامعية عام ثالث، والقانون قال "لا يقل عن عامين" ولم يقل "عامين" فقط. وهذا معناه إن رفض الموافقة على طلب التفرغ للدراسة محتملا أو يظل واردا..
• كنت أحدث نفسي: طلبي متواضع، وتفوقي بات مثبتا ومُشجّعا، وحلمي كبير، واستحقاقي للدراسة صار أكبر.. هناك شخص يمكنه أن يفهمني ولن يخذلني فهو يشجع التعليم.. أما جار الله عمر، لماذا لا أذهب إليه، ولاسيما أنه قد علم بتفوقي في الكلية العسكرية، وذلك لدعم تقديمي الذي أرسلته عبر قيادة اللواء لوزير الدفاع صالح مصلح.. إنها فكرة لو تمت ستكون ضامنة بأن لا يتم خذلاني بعد عامين من الانتظار.
• سبق أن زرت جار الله في بيته قبل هذه المرة عدة مرات، وفي كل مرة كان يشعرني بحرارة ودة وحفاوة استقباله، حتى وإن كنت طفلا أو غير راشد..
• زرته في أحد المرات حال ما كان عمري دون لـ 17 سنة.. شاهدت في بيته مكتبه كبيرة لا يساويها إلا تواضعه الجم.. كان استقباله لي حارا جدا، وتعامل معي بندية وتقدير رفيع.. أهم انطباع خرجت به أنه لا يكذب ولا يخلف وعده، ولا يضيق من إلحاحك وتكرار طلبك..
• كنت أقارنه بالمسؤول الأول الذي بدأ لي الفرق بينهما مثل فرق الثراء من الثريا.. هذا المسؤول الذي كان صديق أخي في حياته، وكانت أول معرفة لي به في بيتنا بالقرية، حالما كنت طفلا، وكان هو متخفيا عندنا، وتحركه ذهابا وإيابا يتم بسرية تامة.. هذا المسؤول قصدته مرات عديدة بعد قتل أخي، ووجدته متعاليا وينظر لي شزرا.. كان يتجاهلني إلى حد الاستفزاز والقرف.. إذا ذهبت إلى بيته كان يستقبلني بوجه عبوس مكفهر، وإذا زرته إلى مكتبه صافحني بيد من ثلج، وفي أفضل الأحوال بيد من خشب لا حرارة فيها ولا ترحاب مهما طال انقطاعك عنه.. كل مرة كان يسأل عن اسمي وكأنه مصاب بمرض الزهايمر، ثم أحاول أن أعرّفه بنفسي، وهو يعرفني جيدا، ولكنه ثقيل الدم، ولئيم الطباع.. جار الله عمر فكان رجل استثنائيا إلى حد بعيد.. كان ودودا وخلوقا وممتلئا ومتواضعا، ويستقبلني رغم صغر سني بترحاب وحفاوة..
• في اللقاء الذي قصدت فيه جار الله عمر في منزله بخور مكسر، أبلغته أنني أرغب بالالتحاق بكلية الحقوق، وأنه قد مر عام والعام الثاني على وشك أن يمر، وأن اشتراط مرور العامين بعد التخرج من الكلية العسكرية يكاد أن يتم، ولا أريد أن يمر هذا العام لأقضي عام ثالث في الانتظار، وأنني قد رفعت طلب آخر لوزير الدفاع، وأخشى أن يهمله أو يتجاهله، وأن رغبتي للالتحاق بالكلية جامحة، وأخبرته أني متفوقا في دراستي غير أنه قاطعني بأنه على علم بذلك، وطلبت منه التواصل بوزير الدفاع صالح مصلح، فرفع السماعة وأتصل مباشرة للوزير، وأخذ موافقته على الفور، ووعدني بمتابعة الموضوع، وأوفى بوعده، وكان يبر بالوعود، وجاءت الموافقة على طلبي لتبلغني قيادة اللواء بالخبر..
• كدت أطير من الفرح وهم يبلغوني بالموافقة.. شعرت إن المستقبل يبتسم لي، وإن الآمال تتحقق.. غير أن الأهم إن هذا التفرغ والدراسة أنقذاني من موت محقق وأكيد بعد أشهر، حيث وقعت أحداث 13 يناير 1986 المأساوية، وما كنت منها لأنجو حتى بمعجزة..
***
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
جار الله عمر
• بعد انتهاء دورة الصاعقة عدت للواء الوحدة، وعاد حلم الدراسة الجامعية يلح ويشتد على نحو لم أعد أقوى على مقاومته أو حتى تأجيله لأي سبب.. كنت أشعر أن أي إحباط أو خذلان سيكون وقعه على نفسيتي شديد الوطأة، ولن أتعافى منه بسهولة.. وطالما لا يوجد فرصة للإعلام لعدم وجود كلية أو قسم له في جامعة عدن، فلابأس بكلية الحقوق..
• كنت قد بدأت أتابع في السنة الأولى من أجل الالتحاق بالدراسة، ولكن مرت السنة الأولى دون أن أتمكن من الالتحاق بالجامعة، لأنه يتوجب مرور ما لا يقل عن العامين بالخدمة العسكرية الفعلية بعد التخرج من الكلية العسكرية، لتتسنى الإمكانية للبت في طلب منح التفرغ للدراسة..
• وفي العام التالي كان السؤال: من يساعدني؟! فلم أعد قادرا على تحمل خذلان استحقاقي للدراسة الجامعية عام ثالث، والقانون قال "لا يقل عن عامين" ولم يقل "عامين" فقط. وهذا معناه إن رفض الموافقة على طلب التفرغ للدراسة محتملا أو يظل واردا..
• كنت أحدث نفسي: طلبي متواضع، وتفوقي بات مثبتا ومُشجّعا، وحلمي كبير، واستحقاقي للدراسة صار أكبر.. هناك شخص يمكنه أن يفهمني ولن يخذلني فهو يشجع التعليم.. أما جار الله عمر، لماذا لا أذهب إليه، ولاسيما أنه قد علم بتفوقي في الكلية العسكرية، وذلك لدعم تقديمي الذي أرسلته عبر قيادة اللواء لوزير الدفاع صالح مصلح.. إنها فكرة لو تمت ستكون ضامنة بأن لا يتم خذلاني بعد عامين من الانتظار.
• سبق أن زرت جار الله في بيته قبل هذه المرة عدة مرات، وفي كل مرة كان يشعرني بحرارة ودة وحفاوة استقباله، حتى وإن كنت طفلا أو غير راشد..
• زرته في أحد المرات حال ما كان عمري دون لـ 17 سنة.. شاهدت في بيته مكتبه كبيرة لا يساويها إلا تواضعه الجم.. كان استقباله لي حارا جدا، وتعامل معي بندية وتقدير رفيع.. أهم انطباع خرجت به أنه لا يكذب ولا يخلف وعده، ولا يضيق من إلحاحك وتكرار طلبك..
• كنت أقارنه بالمسؤول الأول الذي بدأ لي الفرق بينهما مثل فرق الثراء من الثريا.. هذا المسؤول الذي كان صديق أخي في حياته، وكانت أول معرفة لي به في بيتنا بالقرية، حالما كنت طفلا، وكان هو متخفيا عندنا، وتحركه ذهابا وإيابا يتم بسرية تامة.. هذا المسؤول قصدته مرات عديدة بعد قتل أخي، ووجدته متعاليا وينظر لي شزرا.. كان يتجاهلني إلى حد الاستفزاز والقرف.. إذا ذهبت إلى بيته كان يستقبلني بوجه عبوس مكفهر، وإذا زرته إلى مكتبه صافحني بيد من ثلج، وفي أفضل الأحوال بيد من خشب لا حرارة فيها ولا ترحاب مهما طال انقطاعك عنه.. كل مرة كان يسأل عن اسمي وكأنه مصاب بمرض الزهايمر، ثم أحاول أن أعرّفه بنفسي، وهو يعرفني جيدا، ولكنه ثقيل الدم، ولئيم الطباع.. جار الله عمر فكان رجل استثنائيا إلى حد بعيد.. كان ودودا وخلوقا وممتلئا ومتواضعا، ويستقبلني رغم صغر سني بترحاب وحفاوة..
• في اللقاء الذي قصدت فيه جار الله عمر في منزله بخور مكسر، أبلغته أنني أرغب بالالتحاق بكلية الحقوق، وأنه قد مر عام والعام الثاني على وشك أن يمر، وأن اشتراط مرور العامين بعد التخرج من الكلية العسكرية يكاد أن يتم، ولا أريد أن يمر هذا العام لأقضي عام ثالث في الانتظار، وأنني قد رفعت طلب آخر لوزير الدفاع، وأخشى أن يهمله أو يتجاهله، وأن رغبتي للالتحاق بالكلية جامحة، وأخبرته أني متفوقا في دراستي غير أنه قاطعني بأنه على علم بذلك، وطلبت منه التواصل بوزير الدفاع صالح مصلح، فرفع السماعة وأتصل مباشرة للوزير، وأخذ موافقته على الفور، ووعدني بمتابعة الموضوع، وأوفى بوعده، وكان يبر بالوعود، وجاءت الموافقة على طلبي لتبلغني قيادة اللواء بالخبر..
• كدت أطير من الفرح وهم يبلغوني بالموافقة.. شعرت إن المستقبل يبتسم لي، وإن الآمال تتحقق.. غير أن الأهم إن هذا التفرغ والدراسة أنقذاني من موت محقق وأكيد بعد أشهر، حيث وقعت أحداث 13 يناير 1986 المأساوية، وما كنت منها لأنجو حتى بمعجزة..
***
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
من يحمي المواطن من عصابات الأراضي وداعميهم.. من يحمي المواطن ممن يسئوون استخدام السلطة.. من يحمي المواطن من استغلال الوظيفة العامة.. من يحمي المواطن من النهابة؟!!!!
كامل تضامني معكم .. مع كل الضحايا.. وضد عصابات السطو على أراضي المواطنين..
محمد اللوزي:
نتعرض وصهري للتهديد بالقتل والضرب إذا لم نبيع بالاكره الارضية الواقعة في شملان خط وادي ظهر وذلك من قبل المدعو محمد صالح الهادي وعصابته التي قامت قبل فترة بالتهجم وضرب ابناء صهري وقد تم تزوير بصيرة بيع في ثلاث لبن في حوش المنزل بأشراف المدعو محمد صالخ الهادي الذي يدعي انه في لجنة الانصاف لدى انصار الله.
الأمر متروك لتدخل الجهات المختصة ان كان ثمة أمل في العدالة. علما ان لدينا وثائق تكشف الراس المدبر ومن يشتغل من وراء ستار وهو المدعو محمد صالح الهادي.
اليوم وصلنا تهديد شديد الى منزلنا في شملان ارجو التضامن معنا في ضية نريدها عبر المحكمة والعدالة وليسى تحت التهديد بالسلاح والضرب من قبل عصابة المذكور
كامل تضامني معكم .. مع كل الضحايا.. وضد عصابات السطو على أراضي المواطنين..
محمد اللوزي:
نتعرض وصهري للتهديد بالقتل والضرب إذا لم نبيع بالاكره الارضية الواقعة في شملان خط وادي ظهر وذلك من قبل المدعو محمد صالح الهادي وعصابته التي قامت قبل فترة بالتهجم وضرب ابناء صهري وقد تم تزوير بصيرة بيع في ثلاث لبن في حوش المنزل بأشراف المدعو محمد صالخ الهادي الذي يدعي انه في لجنة الانصاف لدى انصار الله.
الأمر متروك لتدخل الجهات المختصة ان كان ثمة أمل في العدالة. علما ان لدينا وثائق تكشف الراس المدبر ومن يشتغل من وراء ستار وهو المدعو محمد صالح الهادي.
اليوم وصلنا تهديد شديد الى منزلنا في شملان ارجو التضامن معنا في ضية نريدها عبر المحكمة والعدالة وليسى تحت التهديد بالسلاح والضرب من قبل عصابة المذكور
أحداث 13 يناير
(1)
“غربان يا نظيره”
• في نصف العام الدراسي الأول بكلية الحقوق كنّا على موعد وشيك لامتحان القانون الروماني.. ذهبت أنا وزميلي يحيي الشعيبي للمذاكرة على البحر في صيرة وحُقّات.. كلانا كان يسكن في "القلوعة" أو ما كان يُطلق عليه "حي الثورة".. زميلي يحيى منتدب ومفرّغ للدراسة من وزارة الداخلية، ويحمل رتبة نقيب، وكان يعمل في مصلحة الهجرة والجوازات في عدن قبل انتدابه وتفرغه للدراسة.. عرفته متزنا وغير متحمسا لأحد أطراف الصراع، وكنت أسمع بعض زملائنا المتشددين من خلفه لا يروق لهم رأيه، لأنه كان حذرا وحصيفا وعقلانيا..
• ذلك اليوم هو تاريخ 13 يناير.. كان موعدنا مع البحر والقانون الروماني الذي سنرتاد امتحانه بعد يوم، أو يومين على الأرجح.. شعرنا بانقباض ما.. شيء غير طبيعي يحدث.. بدت لنا السماء وكأنها مكتئبة.. إحساس بأمر ما غير معتاد.. زميلي يحيى كان إحساسه أكثف.. استعجلني للعودة بعد ساعة من وجودنا في الشاطئ، فيما كنت ضد فكرة العودة المبكرة، ولكني اضطررت أسيفا لمطاوعته، حيث يستصعب عليّ أن أذاكر بمفردي، وقد جرت عادتي أن لا أذاكر وحدي، وكانت تلك المادة جافة، ويزيد من جفافها كثرة مصطلحاتها، وقِدم قوانين المرحلة التي تتناولها تلك المادة، ومدرّسها "القعيطي" الذي يطلب الدقة في الإجابة على أسئلته، وكان حافظا لمادته "ظهر قلب"، وكأنه شربها على الريق ذات صباح..
• كان التوتر السياسي حينها على أشده.. وبعد مسافة قصيرة من طريق عودتنا راجلين سمعنا من العابرين بلبلة وأخبار متضاربة.. كانت هناك حركة ما.. نساء ورجال يطلون من بعض الشرفات والسطوح.. قلق يتبدى على وجوه العابرين، وحركات مريبة تحدث، وشيئا ما يحدث ولا نراه ولا زال لدينا غير مفهوم..
• سمعنا أولا عن اطلاق رصاص في التواهي.. ثم سمعنا أن اطلاق الرصاص الذي يحدث هو في منطقة الفتح.. وسمعنا فوج ثالث من الأقاويل، أهمها إن الرصاص يأتي في سياق حملة تستهدف قتل الغربان.. هكذا كان بداية مدارات وتغطية ما يجري من حقيقه ذابحة ومؤسفة..
• “غربان يا نظيره” صارت مسرحية لعنوان بداية تختصر مستهل المشهد الدامي، وتتناوله على نحو ساخر ومؤلم.. محاولة لكسب الوقت والاستفادة من الدقائق واللحظات لتغطية وإنجاز مستهل المأساة المتفجرة.. تأجيل ما أمكن من علم الناس بما يُرتكب من قتل وفظاعة ومؤامرة.. بداية تضع كل شيء أمام مستقبل مخيف ومجهول.. إنجاز مهمة تخلص بعض الرفاق من بعض.. كل دقيقة كانت تمر إنما تعني إيغال الحماقة بحق الوطن والرفاق والمستقبل..
• مسرحية "غربان يا نظيره" تعود إلى ثمانينات القرن الماضي بعد أحداث يناير، وتحكي عن "نظيره" المرأة البسيطة البريئة التلقائية التي كانت تعد الشاي لزوجها عوض، وعند سماعها لعلعة الرصاص أصيبت بخضة هلع، فيما زوجها عوض يحاول تهدئة روعها وتطمينها بأن ما يحدث مجرد حملة أمنية تستهدف الغربان الذين يزعجون سكان المدينة، ويريد أن تكمل له اعداد فنجال الشاي الذي كان ينتظره، فيقول لها "غربان يا نظيره"، فيما حقيقة ما يحدث كان اقتتال دامي شرس..
• "غربان يا نظره" مسرحية لا تنطبق فقط على أحداث 13 يناير 1986، ولكن تنطبق على بداية كل مرحلة شهدت فيها اليمن مؤامرة وحرب ومأساة.. كل مرحلة كانت تؤسس لمرحلة أكثر قبحا وانحطاطا وخرابا من التي قبلها.. مراحل من القتل والدمار والخراب والنصر المزعوم.. ويستمر وهم القوة والانتصار بالدم..
• جراح عميقة عقب كل مرحلة دامية تُترك مفتوحة، حتى تمتلئ بالقيح والصديد، ثم تمعن الجراح في التعفن لتنتهي ببتر عضو في الجسد الدامي والمثخن بالجراح.. حرب الشركاء في عام 1994 ثم الحروب التي أسقطت ما بقي لنا من بقايا وحدة ودولة.. ثم عدوان وحرب مارس 2015 والتي لا زلنا نصطلي بجحيمها للعام السادس على التوالي، وما يُفرض خلالها من أجندات غير وطنية، فيها الاحتلال والوصاية والتقسيم والحدود لتنتهي بتدمير ما بقي لنا من بقايا يمن ووطن وإنسان ومستقبل..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
(1)
“غربان يا نظيره”
• في نصف العام الدراسي الأول بكلية الحقوق كنّا على موعد وشيك لامتحان القانون الروماني.. ذهبت أنا وزميلي يحيي الشعيبي للمذاكرة على البحر في صيرة وحُقّات.. كلانا كان يسكن في "القلوعة" أو ما كان يُطلق عليه "حي الثورة".. زميلي يحيى منتدب ومفرّغ للدراسة من وزارة الداخلية، ويحمل رتبة نقيب، وكان يعمل في مصلحة الهجرة والجوازات في عدن قبل انتدابه وتفرغه للدراسة.. عرفته متزنا وغير متحمسا لأحد أطراف الصراع، وكنت أسمع بعض زملائنا المتشددين من خلفه لا يروق لهم رأيه، لأنه كان حذرا وحصيفا وعقلانيا..
• ذلك اليوم هو تاريخ 13 يناير.. كان موعدنا مع البحر والقانون الروماني الذي سنرتاد امتحانه بعد يوم، أو يومين على الأرجح.. شعرنا بانقباض ما.. شيء غير طبيعي يحدث.. بدت لنا السماء وكأنها مكتئبة.. إحساس بأمر ما غير معتاد.. زميلي يحيى كان إحساسه أكثف.. استعجلني للعودة بعد ساعة من وجودنا في الشاطئ، فيما كنت ضد فكرة العودة المبكرة، ولكني اضطررت أسيفا لمطاوعته، حيث يستصعب عليّ أن أذاكر بمفردي، وقد جرت عادتي أن لا أذاكر وحدي، وكانت تلك المادة جافة، ويزيد من جفافها كثرة مصطلحاتها، وقِدم قوانين المرحلة التي تتناولها تلك المادة، ومدرّسها "القعيطي" الذي يطلب الدقة في الإجابة على أسئلته، وكان حافظا لمادته "ظهر قلب"، وكأنه شربها على الريق ذات صباح..
• كان التوتر السياسي حينها على أشده.. وبعد مسافة قصيرة من طريق عودتنا راجلين سمعنا من العابرين بلبلة وأخبار متضاربة.. كانت هناك حركة ما.. نساء ورجال يطلون من بعض الشرفات والسطوح.. قلق يتبدى على وجوه العابرين، وحركات مريبة تحدث، وشيئا ما يحدث ولا نراه ولا زال لدينا غير مفهوم..
• سمعنا أولا عن اطلاق رصاص في التواهي.. ثم سمعنا أن اطلاق الرصاص الذي يحدث هو في منطقة الفتح.. وسمعنا فوج ثالث من الأقاويل، أهمها إن الرصاص يأتي في سياق حملة تستهدف قتل الغربان.. هكذا كان بداية مدارات وتغطية ما يجري من حقيقه ذابحة ومؤسفة..
• “غربان يا نظيره” صارت مسرحية لعنوان بداية تختصر مستهل المشهد الدامي، وتتناوله على نحو ساخر ومؤلم.. محاولة لكسب الوقت والاستفادة من الدقائق واللحظات لتغطية وإنجاز مستهل المأساة المتفجرة.. تأجيل ما أمكن من علم الناس بما يُرتكب من قتل وفظاعة ومؤامرة.. بداية تضع كل شيء أمام مستقبل مخيف ومجهول.. إنجاز مهمة تخلص بعض الرفاق من بعض.. كل دقيقة كانت تمر إنما تعني إيغال الحماقة بحق الوطن والرفاق والمستقبل..
• مسرحية "غربان يا نظيره" تعود إلى ثمانينات القرن الماضي بعد أحداث يناير، وتحكي عن "نظيره" المرأة البسيطة البريئة التلقائية التي كانت تعد الشاي لزوجها عوض، وعند سماعها لعلعة الرصاص أصيبت بخضة هلع، فيما زوجها عوض يحاول تهدئة روعها وتطمينها بأن ما يحدث مجرد حملة أمنية تستهدف الغربان الذين يزعجون سكان المدينة، ويريد أن تكمل له اعداد فنجال الشاي الذي كان ينتظره، فيقول لها "غربان يا نظيره"، فيما حقيقة ما يحدث كان اقتتال دامي شرس..
• "غربان يا نظره" مسرحية لا تنطبق فقط على أحداث 13 يناير 1986، ولكن تنطبق على بداية كل مرحلة شهدت فيها اليمن مؤامرة وحرب ومأساة.. كل مرحلة كانت تؤسس لمرحلة أكثر قبحا وانحطاطا وخرابا من التي قبلها.. مراحل من القتل والدمار والخراب والنصر المزعوم.. ويستمر وهم القوة والانتصار بالدم..
• جراح عميقة عقب كل مرحلة دامية تُترك مفتوحة، حتى تمتلئ بالقيح والصديد، ثم تمعن الجراح في التعفن لتنتهي ببتر عضو في الجسد الدامي والمثخن بالجراح.. حرب الشركاء في عام 1994 ثم الحروب التي أسقطت ما بقي لنا من بقايا وحدة ودولة.. ثم عدوان وحرب مارس 2015 والتي لا زلنا نصطلي بجحيمها للعام السادس على التوالي، وما يُفرض خلالها من أجندات غير وطنية، فيها الاحتلال والوصاية والتقسيم والحدود لتنتهي بتدمير ما بقي لنا من بقايا يمن ووطن وإنسان ومستقبل..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
أحداث 13 يناير
(1)
“غربان يا نظيره”
• في نصف العام الدراسي الأول بكلية الحقوق كنّا على موعد وشيك لامتحان القانون الروماني.. ذهبت أنا وزميلي يحيي الشعيبي للمذاكرة على البحر في صيرة وحُقّات.. كلانا كان يسكن في "القلوعة" أو ما كان يُطلق عليه "حي الثورة".. زميلي يحيى منتدب ومفرّغ للدراسة من وزارة الداخلية، ويحمل رتبة نقيب، وكان يعمل في مصلحة الهجرة والجوازات في عدن قبل انتدابه وتفرغه للدراسة.. عرفته متزنا وغير متحمسا لأحد أطراف الصراع، وكنت أسمع بعض زملائنا المتشددين من خلفه لا يروق لهم رأيه، لأنه كان حذرا وحصيفا وعقلانيا..
• ذلك اليوم هو تاريخ 13 يناير.. كان موعدنا مع البحر والقانون الروماني الذي سنرتاد امتحانه بعد يوم، أو يومين على الأرجح.. شعرنا بانقباض ما.. شيء غير طبيعي يحدث.. بدت لنا السماء وكأنها مكتئبة.. إحساس بأمر ما غير معتاد.. زميلي يحيى كان إحساسه أكثف.. استعجلني للعودة بعد ساعة من وجودنا في الشاطئ، فيما كنت ضد فكرة العودة المبكرة، ولكني اضطررت أسيفا لمطاوعته، حيث يستصعب عليّ أن أذاكر بمفردي، وقد جرت عادتي أن لا أذاكر وحدي، وكانت تلك المادة جافة، ويزيد من جفافها كثرة مصطلحاتها، وقِدم قوانين المرحلة التي تتناولها تلك المادة، ومدرّسها "القعيطي" الذي يطلب الدقة في الإجابة على أسئلته، وكان حافظا لمادته "ظهر قلب"، وكأنه شربها على الريق ذات صباح..
• كان التوتر السياسي حينها على أشده.. وبعد مسافة قصيرة من طريق عودتنا راجلين سمعنا من العابرين بلبلة وأخبار متضاربة.. كانت هناك حركة ما.. نساء ورجال يطلون من بعض الشرفات والسطوح.. قلق يتبدى على وجوه العابرين، وحركات مريبة تحدث، وشيئا ما يحدث ولا نراه ولا زال لدينا غير مفهوم..
• سمعنا أولا عن اطلاق رصاص في التواهي.. ثم سمعنا أن اطلاق الرصاص الذي يحدث هو في منطقة الفتح.. وسمعنا فوج ثالث من الأقاويل، أهمها إن الرصاص يأتي في سياق حملة تستهدف قتل الغربان.. هكذا كان بداية مدارات وتغطية ما يجري من حقيقه ذابحة ومؤسفة..
• “غربان يا نظيره” صارت مسرحية لعنوان بداية تختصر مستهل المشهد الدامي، وتتناوله على نحو ساخر ومؤلم.. محاولة لكسب الوقت والاستفادة من الدقائق واللحظات لتغطية وإنجاز مستهل المأساة المتفجرة.. تأجيل ما أمكن من علم الناس بما يُرتكب من قتل وفظاعة ومؤامرة.. بداية تضع كل شيء أمام مستقبل مخيف ومجهول.. إنجاز مهمة تخلص بعض الرفاق من بعض.. كل دقيقة كانت تمر إنما تعني إيغال الحماقة بحق الوطن والرفاق والمستقبل..
• مسرحية "غربان يا نظيره" تعود إلى ثمانينات القرن الماضي بعد أحداث يناير، وتحكي عن "نظيره" المرأة البسيطة البريئة التلقائية التي كانت تعد الشاي لزوجها عوض، وعند سماعها لعلعة الرصاص أصيبت بخضة هلع، فيما زوجها عوض يحاول تهدئة روعها وتطمينها بأن ما يحدث مجرد حملة أمنية تستهدف الغربان الذين يزعجون سكان المدينة، ويريد أن تكمل له اعداد فنجال الشاي الذي كان ينتظره، فيقول لها "غربان يا نظيره"، فيما حقيقة ما يحدث كان اقتتال دامي شرس..
• "غربان يا نظره" مسرحية لا تنطبق فقط على أحداث 13 يناير 1986، ولكن تنطبق على بداية كل مرحلة شهدت فيها اليمن مؤامرة وحرب ومأساة.. كل مرحلة كانت تؤسس لمرحلة أكثر قبحا وانحطاطا وخرابا من التي قبلها.. مراحل من القتل والدمار والخراب والنصر المزعوم.. ويستمر وهم القوة والانتصار بالدم..
• جراح عميقة عقب كل مرحلة دامية تُترك مفتوحة، حتى تمتلئ بالقيح والصديد، ثم تمعن الجراح في التعفن لتنتهي ببتر عضو في الجسد الدامي والمثخن بالجراح.. حرب الشركاء في عام 1994 ثم الحروب التي أسقطت ما بقي لنا من بقايا وحدة ودولة.. ثم عدوان وحرب مارس 2015 والتي لا زلنا نصطلي بجحيمها للعام السادس على التوالي، وما يُفرض خلالها من أجندات غير وطنية، فيها الاحتلال والوصاية والتقسيم والحدود لتنتهي بتدمير ما بقي لنا من بقايا يمن ووطن وإنسان ومستقبل..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
(1)
“غربان يا نظيره”
• في نصف العام الدراسي الأول بكلية الحقوق كنّا على موعد وشيك لامتحان القانون الروماني.. ذهبت أنا وزميلي يحيي الشعيبي للمذاكرة على البحر في صيرة وحُقّات.. كلانا كان يسكن في "القلوعة" أو ما كان يُطلق عليه "حي الثورة".. زميلي يحيى منتدب ومفرّغ للدراسة من وزارة الداخلية، ويحمل رتبة نقيب، وكان يعمل في مصلحة الهجرة والجوازات في عدن قبل انتدابه وتفرغه للدراسة.. عرفته متزنا وغير متحمسا لأحد أطراف الصراع، وكنت أسمع بعض زملائنا المتشددين من خلفه لا يروق لهم رأيه، لأنه كان حذرا وحصيفا وعقلانيا..
• ذلك اليوم هو تاريخ 13 يناير.. كان موعدنا مع البحر والقانون الروماني الذي سنرتاد امتحانه بعد يوم، أو يومين على الأرجح.. شعرنا بانقباض ما.. شيء غير طبيعي يحدث.. بدت لنا السماء وكأنها مكتئبة.. إحساس بأمر ما غير معتاد.. زميلي يحيى كان إحساسه أكثف.. استعجلني للعودة بعد ساعة من وجودنا في الشاطئ، فيما كنت ضد فكرة العودة المبكرة، ولكني اضطررت أسيفا لمطاوعته، حيث يستصعب عليّ أن أذاكر بمفردي، وقد جرت عادتي أن لا أذاكر وحدي، وكانت تلك المادة جافة، ويزيد من جفافها كثرة مصطلحاتها، وقِدم قوانين المرحلة التي تتناولها تلك المادة، ومدرّسها "القعيطي" الذي يطلب الدقة في الإجابة على أسئلته، وكان حافظا لمادته "ظهر قلب"، وكأنه شربها على الريق ذات صباح..
• كان التوتر السياسي حينها على أشده.. وبعد مسافة قصيرة من طريق عودتنا راجلين سمعنا من العابرين بلبلة وأخبار متضاربة.. كانت هناك حركة ما.. نساء ورجال يطلون من بعض الشرفات والسطوح.. قلق يتبدى على وجوه العابرين، وحركات مريبة تحدث، وشيئا ما يحدث ولا نراه ولا زال لدينا غير مفهوم..
• سمعنا أولا عن اطلاق رصاص في التواهي.. ثم سمعنا أن اطلاق الرصاص الذي يحدث هو في منطقة الفتح.. وسمعنا فوج ثالث من الأقاويل، أهمها إن الرصاص يأتي في سياق حملة تستهدف قتل الغربان.. هكذا كان بداية مدارات وتغطية ما يجري من حقيقه ذابحة ومؤسفة..
• “غربان يا نظيره” صارت مسرحية لعنوان بداية تختصر مستهل المشهد الدامي، وتتناوله على نحو ساخر ومؤلم.. محاولة لكسب الوقت والاستفادة من الدقائق واللحظات لتغطية وإنجاز مستهل المأساة المتفجرة.. تأجيل ما أمكن من علم الناس بما يُرتكب من قتل وفظاعة ومؤامرة.. بداية تضع كل شيء أمام مستقبل مخيف ومجهول.. إنجاز مهمة تخلص بعض الرفاق من بعض.. كل دقيقة كانت تمر إنما تعني إيغال الحماقة بحق الوطن والرفاق والمستقبل..
• مسرحية "غربان يا نظيره" تعود إلى ثمانينات القرن الماضي بعد أحداث يناير، وتحكي عن "نظيره" المرأة البسيطة البريئة التلقائية التي كانت تعد الشاي لزوجها عوض، وعند سماعها لعلعة الرصاص أصيبت بخضة هلع، فيما زوجها عوض يحاول تهدئة روعها وتطمينها بأن ما يحدث مجرد حملة أمنية تستهدف الغربان الذين يزعجون سكان المدينة، ويريد أن تكمل له اعداد فنجال الشاي الذي كان ينتظره، فيقول لها "غربان يا نظيره"، فيما حقيقة ما يحدث كان اقتتال دامي شرس..
• "غربان يا نظره" مسرحية لا تنطبق فقط على أحداث 13 يناير 1986، ولكن تنطبق على بداية كل مرحلة شهدت فيها اليمن مؤامرة وحرب ومأساة.. كل مرحلة كانت تؤسس لمرحلة أكثر قبحا وانحطاطا وخرابا من التي قبلها.. مراحل من القتل والدمار والخراب والنصر المزعوم.. ويستمر وهم القوة والانتصار بالدم..
• جراح عميقة عقب كل مرحلة دامية تُترك مفتوحة، حتى تمتلئ بالقيح والصديد، ثم تمعن الجراح في التعفن لتنتهي ببتر عضو في الجسد الدامي والمثخن بالجراح.. حرب الشركاء في عام 1994 ثم الحروب التي أسقطت ما بقي لنا من بقايا وحدة ودولة.. ثم عدوان وحرب مارس 2015 والتي لا زلنا نصطلي بجحيمها للعام السادس على التوالي، وما يُفرض خلالها من أجندات غير وطنية، فيها الاحتلال والوصاية والتقسيم والحدود لتنتهي بتدمير ما بقي لنا من بقايا يمن ووطن وإنسان ومستقبل..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
أحداث 13 يناير
(2)
انقسامات
احمد سيف حاشد
• بين الأمس واليوم مدى من التشظي، وتغييب العقل عن الفعل، واطلاق العنان للحماقة لتفعل ما تشتهي وتريد، ثم يتنافس الحمقى على البيع والارتهان، ليتحول بعضهم إلى بيادق سكوتة صمّا، والبعض الآخر إلى حوامل سياسية مرتهنة لأجندات غير وطنية، ينفّذ بهم الأجنبي ما يشتهي ويريد، ويدفع الشعب الثمن دما ودموعا ومآسي عراض.. إنه الحصاد المُر والخيبة القاتلة..
• تزداد المعاناة، ويستمر التيه والضياع، وتستمر الحروب وآلام الانقسام والتشظي وتفتيت الوطن، فيما يحصد الحمقى فتات الفتات، ومعه مزيد من السقوط المريع، فيما الأجنبي يتمكن من الوصاية على شعبنا واحتلال أراضيه، وينفذ ما يريد من الأجندات على حساب يمن يضيع، ويتلاشى إلى الأبد، إن لم توجد في الأفق معجزة..
• وعودة إلى الأمس وأحداث 13 يناير 1986، وفيما كنّا مجفلين من البحر، وقبل أن نصل إلى مبنى "بريد كريتر" بدأنا نسمع انفجارات بعيدة.. ثم شاهدنا أناس يتوافدون ويتسلحون من مبنى يقع خلف البريد.. شاهدنا الطابور يزداد ويزدحم أمام المبنى.. أردنا أن نتسلح دون أن نعلم هذا التسليح يتبع أي جهة!! رأينا أنه لابأس أن نتسلح أولا لحماية أنفسنا، وبعدها سيكون لنا موقف وكلام.
• وفي الطابور شاهدت الأستاذ جعفر المعيد في كلية الحقوق يستلم سلاحاً وذخيرة.. تصافحنا.. ثم شاهدت أيضا أحد أقاربي في الطابور المزدحم.. فهمت أن هذا المركز يتبع أنصار فتاح وعنتر.. فيما كان معسكر عشرين المركز الرئيس للمليشيا الشعبية في نفس المدينة "كريتر" التابع في ولائه لعلي ناصر، ومحمد علي أحمد، ويبعد بحدود كيلو متر من المركز الذي نستلم نحن السلاح منه، والتابع للطرف الآخر.
• أستلم كل منّا سلاح آلي وذخيره 120 طلقة، واتجهنا إلى عزبه فيها أصدقاء قريبة من نفس المكان، وبعد قليل صعقنا البيان من الاذاعة وخلاصته أنه تمت محاكمة وإعدام عبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر وصالح مصلح وعلي شائع بتهمة الخيانة العظمى.
• أغاضنا هذا البيان، وكانت الصدمة كبيره.. تسألت: متى كانت الخيانة؟! ومتى تمت المحاكمة؟! ومتى تم تنفيذ أحكام الاعدام؟! وكان السؤال الأهم من بدأ بإشعال الحريق؟!
• ما كنت أعرفه أن هناك ما يشبه العهد بين الفريقين في المكتب السياسي للحزب، وأهم ما يتضمنه العهد أن من يبدأ باستخدام السلاح في حسم الخلاف يعتبر خائنا.. والآن يمكن للمرء أن يستخلص بسهولة أن في الأمر خدعة، وأن الحديث عن المحاكمة هراء، ومزعوم حكم وتنفيذ الإعدام ما هو إلا استباق أحمق وتنفيذ لمؤامرة يفوح منها نتانة الخيانة من الطرف الذي قرر الاحتكام للسلاح، والبادئ أظلم.
• ويستمر الانكشاف.. رباه!! "كريتر" فوهة البركان.. المدينة الصغيرة صارت مقسومة بين فريقين باتا معسكرين!! ثم عرفت أن “الباخشي” قائد المليشيا الشعبية في معسكر عشرين ولاؤه لفريق، فيما الأركان باسلوم وهو نائبه ولاؤه للفريق الآخر.. يا إلهي ماذا يحدث!! ليست "كريتر" وحدها مقسومة قسمين، ولكن أيضا المعسكر الواحد.. قائد المعسكر موالي لاتجاه، والأركان ضده، ومع الاتجاه الآخر.. وهكذا بات المستقبل مجهولا، والمجهول ينتظر الجميع وأولهم الوطن..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
(2)
انقسامات
احمد سيف حاشد
• بين الأمس واليوم مدى من التشظي، وتغييب العقل عن الفعل، واطلاق العنان للحماقة لتفعل ما تشتهي وتريد، ثم يتنافس الحمقى على البيع والارتهان، ليتحول بعضهم إلى بيادق سكوتة صمّا، والبعض الآخر إلى حوامل سياسية مرتهنة لأجندات غير وطنية، ينفّذ بهم الأجنبي ما يشتهي ويريد، ويدفع الشعب الثمن دما ودموعا ومآسي عراض.. إنه الحصاد المُر والخيبة القاتلة..
• تزداد المعاناة، ويستمر التيه والضياع، وتستمر الحروب وآلام الانقسام والتشظي وتفتيت الوطن، فيما يحصد الحمقى فتات الفتات، ومعه مزيد من السقوط المريع، فيما الأجنبي يتمكن من الوصاية على شعبنا واحتلال أراضيه، وينفذ ما يريد من الأجندات على حساب يمن يضيع، ويتلاشى إلى الأبد، إن لم توجد في الأفق معجزة..
• وعودة إلى الأمس وأحداث 13 يناير 1986، وفيما كنّا مجفلين من البحر، وقبل أن نصل إلى مبنى "بريد كريتر" بدأنا نسمع انفجارات بعيدة.. ثم شاهدنا أناس يتوافدون ويتسلحون من مبنى يقع خلف البريد.. شاهدنا الطابور يزداد ويزدحم أمام المبنى.. أردنا أن نتسلح دون أن نعلم هذا التسليح يتبع أي جهة!! رأينا أنه لابأس أن نتسلح أولا لحماية أنفسنا، وبعدها سيكون لنا موقف وكلام.
• وفي الطابور شاهدت الأستاذ جعفر المعيد في كلية الحقوق يستلم سلاحاً وذخيرة.. تصافحنا.. ثم شاهدت أيضا أحد أقاربي في الطابور المزدحم.. فهمت أن هذا المركز يتبع أنصار فتاح وعنتر.. فيما كان معسكر عشرين المركز الرئيس للمليشيا الشعبية في نفس المدينة "كريتر" التابع في ولائه لعلي ناصر، ومحمد علي أحمد، ويبعد بحدود كيلو متر من المركز الذي نستلم نحن السلاح منه، والتابع للطرف الآخر.
• أستلم كل منّا سلاح آلي وذخيره 120 طلقة، واتجهنا إلى عزبه فيها أصدقاء قريبة من نفس المكان، وبعد قليل صعقنا البيان من الاذاعة وخلاصته أنه تمت محاكمة وإعدام عبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر وصالح مصلح وعلي شائع بتهمة الخيانة العظمى.
• أغاضنا هذا البيان، وكانت الصدمة كبيره.. تسألت: متى كانت الخيانة؟! ومتى تمت المحاكمة؟! ومتى تم تنفيذ أحكام الاعدام؟! وكان السؤال الأهم من بدأ بإشعال الحريق؟!
• ما كنت أعرفه أن هناك ما يشبه العهد بين الفريقين في المكتب السياسي للحزب، وأهم ما يتضمنه العهد أن من يبدأ باستخدام السلاح في حسم الخلاف يعتبر خائنا.. والآن يمكن للمرء أن يستخلص بسهولة أن في الأمر خدعة، وأن الحديث عن المحاكمة هراء، ومزعوم حكم وتنفيذ الإعدام ما هو إلا استباق أحمق وتنفيذ لمؤامرة يفوح منها نتانة الخيانة من الطرف الذي قرر الاحتكام للسلاح، والبادئ أظلم.
• ويستمر الانكشاف.. رباه!! "كريتر" فوهة البركان.. المدينة الصغيرة صارت مقسومة بين فريقين باتا معسكرين!! ثم عرفت أن “الباخشي” قائد المليشيا الشعبية في معسكر عشرين ولاؤه لفريق، فيما الأركان باسلوم وهو نائبه ولاؤه للفريق الآخر.. يا إلهي ماذا يحدث!! ليست "كريتر" وحدها مقسومة قسمين، ولكن أيضا المعسكر الواحد.. قائد المعسكر موالي لاتجاه، والأركان ضده، ومع الاتجاه الآخر.. وهكذا بات المستقبل مجهولا، والمجهول ينتظر الجميع وأولهم الوطن..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
أحداث يناير 1986
(3)
“آه يا عيالي”
احمد سيف حاشد
• كانت كريتر أقل المناطق صداما ومواجهة في أحداث يناير1986مقارنة بغيرها، حيث لم تشهد مصادمات واشتباكات عنيفة إلا على نحو محدود ومتقطع.. كان توزيعنا الأول جوار حماية البريد وما يقاربه.. تحوّل مبنى البريد على ما يبدو إلى نقطة قيادة تدار منه العمليات في "كريتر" للفريق التابع لأنصار عنتر وفتاح..
• لا أدري أو لم أعد أتذكر أين غاب زميلي يحيى الشعبي، فلم أعلم أين كانت وجهته، وعلى الأرجح أنه تمكن من العودة إلى منزله في "القلوعة".. اظن أنه عرض فكرة كتلك، ولكن كانت تعتريني مخاوف الاعتراض في الطريق قبل الوصول إلى البيت فآثرت البقاء.. وفي نفسي أيضا فتاة أعجبت بها منذ شهور، كانت تقيم على مقربة من البريد، خلف عزبة الرفاق التي لذت إليها في البداية، وكنت أكتم ما بنفسي عنهم، وأتحاشى كثيرا أن ألفت نظرهم إلى هكذا أمر..
• تذكرت تلك الرواية التي كنت قد قرأتها في إجازة إحدى سنوات الثانوية العامة.. إنها رواية خان الخليلي لنجيب محفوظ، وفيها جانب من الحب في حضرة الحرب، ولي وقفة بصدد من أعجبت بها لعلي أتتطرق إليها في موضع لاحق..
• تم تكليف الجندي الردفاني الذي كان معنا، والمرتدي زيا عسكريا، بمهمة اعتلاء قمة منارة عدن كنقطة مراقبة، والتنبيه عليه أن يحذر من القنص الذي يمكن أن يستهدفه من الطرف الآخر.. فيما تم تحويل تمركزي أنا وقريبي إلى عمارة مطلة على البريد ومنارة عدن وجانبا من سور ميدان الحبيشي.. عمارة على الشارع العام الذي يفصلنا عن مبنى البريد.. اعتلينا سطوح العمارة وبقينا عليها، وتناوبنا على حراسة بوابتها في الشارع..
• في ليلة اليوم الثالث من الأحداث على الأرجح، وفيما كنت أحرس بوابة العمارة، صرخ قريبي من السطح يخبرني أن هناك محاولة تسلل لاقتحامها من الخلف، فيما كنت حينها في بوابة العمارة، وتحركت بسرعة إلى زقاق المدخل الذي يؤدي إلى فتحة "الجلىّ" خلف العمارة “، وبدأت بإطلاق دفعات من الرصاص، محتملا وجود تسلل أو اقتحام، فيما كان قريبي ومن معه في سطح العمارة يطلقون الرصاص إلى الأسفل من فوق الجدار المطل على خلف العمارة، وفي الصباح لم نجد أثرا لأحد، فبدا لنا الأمر أنه كان محاولة تسلل أو استطلاع أو مجرد جساً للنبض.
• بعدها طُلب مني أن أتجه إلى منطقة متقدمة من خط التماس، وتحديدا إلى شقة "سالم معروف" وهي قريبة من المصرف اليمني وسط "كريتر" على إثر قنص شخص من فريقنا، وهو من أبناء منطقة الجليلة ـ الضالع ـ وطُلب منّا رفع جثمانه إلى السيارة المعدة لنقله، ومن ثم المرابطة بالشقة التي انتقلنا إليها.. شعرت بحجم المخاطرة في مهمة نقل الجثة، ولاسيما من قناصة الطرف الآخر، أو حتى من المرابطين في المواقع من الجهة الأخرى، ولكن لا مجال للتردد أو للتنصل من مهمة كتلك..
• وجدنا المقتول ممددا، وفي جزء منه منحنيا في بوابة العمارة التي فيها شقة "سالم معروف"، ووجدنا بمقربة الجثة ذلك الجندي الردفاني الشجاع الذي كان قد سبق وتموضع رأس المنارة، ويبدو أنه أسندت له مهمة الانتقال إلى تلك العمارة..
• أخبرنا الجندي الردفاني أنه كان موجودا جوار هذا الرجل لحظة قنصه من قبل الفريق الآخر.. قال لنا أنه سمع زميله المقتول وهو يتآوه قبل أن يفارق الحياة ويقول: ”آه يا عيالي”
• ”آه يا عيالي” .. هذه الجملة الصغيرة أحسست أنها أشبه برصاصة قناص قد أصابتني في مكان مكين.. أحسست أن فأسا ضرب رأسي حتى شجه نصفين .. شعرت أن عمود خرساني قسم ظهري.. تمردت دموعي وساحت غصبا عني.. من حق الدموع أن تتمرد علينا عندما نريد قمعها في حضرت مشهد مأساوي كهذا.. أحسست لحظتها بفظاعة الحرب وبشاعتها.. حملنا الضحية إلى السيارة، التي غادرت مسرعة، وعدنا نحن لشقة الوالد "سالم معروف"، والتي كانت عائلته قد غادرتها في وقت سابق..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
(3)
“آه يا عيالي”
احمد سيف حاشد
• كانت كريتر أقل المناطق صداما ومواجهة في أحداث يناير1986مقارنة بغيرها، حيث لم تشهد مصادمات واشتباكات عنيفة إلا على نحو محدود ومتقطع.. كان توزيعنا الأول جوار حماية البريد وما يقاربه.. تحوّل مبنى البريد على ما يبدو إلى نقطة قيادة تدار منه العمليات في "كريتر" للفريق التابع لأنصار عنتر وفتاح..
• لا أدري أو لم أعد أتذكر أين غاب زميلي يحيى الشعبي، فلم أعلم أين كانت وجهته، وعلى الأرجح أنه تمكن من العودة إلى منزله في "القلوعة".. اظن أنه عرض فكرة كتلك، ولكن كانت تعتريني مخاوف الاعتراض في الطريق قبل الوصول إلى البيت فآثرت البقاء.. وفي نفسي أيضا فتاة أعجبت بها منذ شهور، كانت تقيم على مقربة من البريد، خلف عزبة الرفاق التي لذت إليها في البداية، وكنت أكتم ما بنفسي عنهم، وأتحاشى كثيرا أن ألفت نظرهم إلى هكذا أمر..
• تذكرت تلك الرواية التي كنت قد قرأتها في إجازة إحدى سنوات الثانوية العامة.. إنها رواية خان الخليلي لنجيب محفوظ، وفيها جانب من الحب في حضرة الحرب، ولي وقفة بصدد من أعجبت بها لعلي أتتطرق إليها في موضع لاحق..
• تم تكليف الجندي الردفاني الذي كان معنا، والمرتدي زيا عسكريا، بمهمة اعتلاء قمة منارة عدن كنقطة مراقبة، والتنبيه عليه أن يحذر من القنص الذي يمكن أن يستهدفه من الطرف الآخر.. فيما تم تحويل تمركزي أنا وقريبي إلى عمارة مطلة على البريد ومنارة عدن وجانبا من سور ميدان الحبيشي.. عمارة على الشارع العام الذي يفصلنا عن مبنى البريد.. اعتلينا سطوح العمارة وبقينا عليها، وتناوبنا على حراسة بوابتها في الشارع..
• في ليلة اليوم الثالث من الأحداث على الأرجح، وفيما كنت أحرس بوابة العمارة، صرخ قريبي من السطح يخبرني أن هناك محاولة تسلل لاقتحامها من الخلف، فيما كنت حينها في بوابة العمارة، وتحركت بسرعة إلى زقاق المدخل الذي يؤدي إلى فتحة "الجلىّ" خلف العمارة “، وبدأت بإطلاق دفعات من الرصاص، محتملا وجود تسلل أو اقتحام، فيما كان قريبي ومن معه في سطح العمارة يطلقون الرصاص إلى الأسفل من فوق الجدار المطل على خلف العمارة، وفي الصباح لم نجد أثرا لأحد، فبدا لنا الأمر أنه كان محاولة تسلل أو استطلاع أو مجرد جساً للنبض.
• بعدها طُلب مني أن أتجه إلى منطقة متقدمة من خط التماس، وتحديدا إلى شقة "سالم معروف" وهي قريبة من المصرف اليمني وسط "كريتر" على إثر قنص شخص من فريقنا، وهو من أبناء منطقة الجليلة ـ الضالع ـ وطُلب منّا رفع جثمانه إلى السيارة المعدة لنقله، ومن ثم المرابطة بالشقة التي انتقلنا إليها.. شعرت بحجم المخاطرة في مهمة نقل الجثة، ولاسيما من قناصة الطرف الآخر، أو حتى من المرابطين في المواقع من الجهة الأخرى، ولكن لا مجال للتردد أو للتنصل من مهمة كتلك..
• وجدنا المقتول ممددا، وفي جزء منه منحنيا في بوابة العمارة التي فيها شقة "سالم معروف"، ووجدنا بمقربة الجثة ذلك الجندي الردفاني الشجاع الذي كان قد سبق وتموضع رأس المنارة، ويبدو أنه أسندت له مهمة الانتقال إلى تلك العمارة..
• أخبرنا الجندي الردفاني أنه كان موجودا جوار هذا الرجل لحظة قنصه من قبل الفريق الآخر.. قال لنا أنه سمع زميله المقتول وهو يتآوه قبل أن يفارق الحياة ويقول: ”آه يا عيالي”
• ”آه يا عيالي” .. هذه الجملة الصغيرة أحسست أنها أشبه برصاصة قناص قد أصابتني في مكان مكين.. أحسست أن فأسا ضرب رأسي حتى شجه نصفين .. شعرت أن عمود خرساني قسم ظهري.. تمردت دموعي وساحت غصبا عني.. من حق الدموع أن تتمرد علينا عندما نريد قمعها في حضرت مشهد مأساوي كهذا.. أحسست لحظتها بفظاعة الحرب وبشاعتها.. حملنا الضحية إلى السيارة، التي غادرت مسرعة، وعدنا نحن لشقة الوالد "سالم معروف"، والتي كانت عائلته قد غادرتها في وقت سابق..
***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
اصداء ..
حسن الدوله:
نحن في انتظار الدفع بمذكراتك إلى المطبعة فانت من اصدق من كتب عن سيرته الذاتية بطريقة اعترافات جان جاك روسو والبردوني في سيرته الموسومة (سيرة مواطن التي لم تر النور إلا حلقات منها نشرت عبر صحيفة 26 سبتمبر ..انت يا أستاذ احمد كاتب تمتلك ناصية اللغة وتقنية السرد السلس الذي يسلب الألباب ويأخذ بشغاف القارئ ويجبره على مواصلة الراؤة حتى اخر كلمة سلمت اناملك ايها الرائع والمتاضل الجسور
حسن الدوله:
نحن في انتظار الدفع بمذكراتك إلى المطبعة فانت من اصدق من كتب عن سيرته الذاتية بطريقة اعترافات جان جاك روسو والبردوني في سيرته الموسومة (سيرة مواطن التي لم تر النور إلا حلقات منها نشرت عبر صحيفة 26 سبتمبر ..انت يا أستاذ احمد كاتب تمتلك ناصية اللغة وتقنية السرد السلس الذي يسلب الألباب ويأخذ بشغاف القارئ ويجبره على مواصلة الراؤة حتى اخر كلمة سلمت اناملك ايها الرائع والمتاضل الجسور
أحداث يناير 1986
(4)
هل أنا جاني.. هذا هو السؤال؟!
• أطللت من نافذة الشقة.. رأيت أطفال يحملون أوعية مملوءة بالماء أثقل من أوزانهم.. أجسامهم نحيلة منهكة، وكأنهم يجالدون أقدارهم الثقيلة التي لا ترحم ولا تشفق لطفل..
• شاهدت طفلة تحمل ما هو أثقل من وزنها مرتين.. سطل من الماء لا تقوى على حمله فوق رأسها، ولا تقدر على العتل بيديها إلا بحدود العشر خطوات، وكأنها تسحب عمرها التعيس المأسوف عليه.. تستريح قليلا لتسترد أنفاسها التي تكاد تنقطع.. ثم تواصل إيابها إلى بيتها بالماء على مائة مرحلة وألف خطوة لتنتصر.. هنا للخطوة قيمة حياة إنسان يريد أن يعيش محترم.. العودة بجلب الماء ربما ينقذ أسرة من الموت عطشا.. كانت تعاود بذل جهدها وتتعثر خطواتها وتقل في كل مرحلة.. عودتها بالماء إلى بيتها معجزة!! كنت أسأل نفسي: متى ستصل بيتها؟! وهل بالفعل ستصل؟! ثم يتبدى أمامي السؤال: هل نحن جناة؟!!
• شاهدت النساء وهن يجلبن الماء، ويتزاحمن على مورده في المكان المقابل.. شاهدت معاناة حرب لا تكترث بما تجلبه من ويلات على الناس المسالمين والطيبين.. نساء وأطفال ومسنون يخاطرون بحياتهم لمواجهة العطش الذي أشتد عليهم بعد أيام من الانقطاع.. يخوضون معركتهم حتى لا يفنيهم الموت في بيوتهم مستسلمين.. رأيت المواطنين العزل الطيبين يشقّون بصعوبة في زحام الحرب طريقا للبقاء والحياة..
• داهمني السؤال: كيف للضمير أن يتنصل من مسؤوليته في ظرف كهذا؟! ثم أدافع عن نفسي كمتهم!: لست من صنع هذا الواقع المؤلم!! ثم ماذا الذي بيدي لأغيّر من واقع الحال، أو أقلب فيه المعادلة لصالح هؤلاء الطيبين؟! إن الواقع الآن يفرض معطياته على الجميع، وأنا صرت أعيش جحيمي أيضا، وحياتي بكف عفريت، والمستقبل إن نجوت فهو مجهول ومرهون بمن ينتصر.. الواقع بات أكبر مني بكثير، بل بما لا يُقارن ولا يُقاس، فما عساي أن أفعل؟! وماذا بيدي أن أفعله؟! وهل ما سأفعله سيغير واقع الحال؟!
• ورغم دفاعي هذا أستمر وجع ضميري حاضرا يرفض الذهاب أو المغادرة.. ظل الوجع يشتد ويلسعني بالألم كسوط جلاد؟! وظل السؤال يلح: هل أنا جاني؟! وبقي هذا السؤال يقرع مسمعي، وعالقا في ذهني المكتظ بما يراه ويسمع، ووعيي المُرهق بكل ما يحدث ويمور.
• الاتصالات مقطوعة، والماء لازال مقطوع ولا أمل قريب بعودته، والمجهول يتربص في كل شارع ومنعطف.. ولكن ما ذنب المواطنين العزل الذين ليس لهم علاقة بالحرب لا من قريب ولا من بعيد؟! بل هم مجنيا عليهم فيها بامتياز.. يخوضون معركتهم الأصيلة من أجل البقاء على قيد الحياة.. يستبسلون في مواجهة الموت والمخاوف الكثيرة والمتعددة.. كم هي عادلة وإنسانية معركتهم تلك أيتها الحياة!!
• تحدّيهم للموت كان على أوجه، وهم يخوضون غمار تلك المعركة الهامة بين الطرفين المتحاربين الساعي كل منهما للفوز والانتصار.. المواطنون العزل هم الأكثرية الذين لم يشاركوا في صناعة هذه الحرب، ولكنهم أول من يتحملون أوزارها، ونتائجها الكارثية، وويلاتها ومآسيها التي تدوم.. إنهم أكثر استحقاقا للحياة من الجميع..
• إن لم تتحد الموت وتخرج لمنازلته، سيأتي يخمد أنفاسك لتموت في جحرك الذي لم تغادره.. في ظروف كهذه إن لم تخرج لمنازلة الموت، وتنال حظك من الحياة، ستموت عطشا وجوعا وكمدا.. سيأتي الموت إليك حتما، وأنت مختبئ ذليل مرتعد..
• كنت مُرهقا ذلك اليوم، حيث لم أنم الليلة السابقة، ولا نهار ذلك اليوم.. وضعت يدي على رأسي ووجدت نتف من شعر رأسي يتساقط على نحو سهل وكأنه ليس بعض مني.. حاولت تفقده فوجدته يتساقط نتفا بمجرد تمرير راحة يدي عليه، دون أن أشعر أنه كان نابتا في فروة رأسي.. قررت أن أتركه ولا أحاول مرة أخرى حتى لا أجد نفسي فجأة دون شعر ولا فروة.. ظننت أن مرضا خصني وأعطب فروة الرأس!! سألت الجندي الردفاني الذي معي عمّا إذا كان هو أيضا يعاني ما أعانيه، فوجدته أنه عانى هو من هذا الحال قبل أن أعانيه..
أستمريت بمعركة الصمود مع الحرب.. واستمرت معركتي مع ضميري على نحو شرس.. صرت في مواجهة على جبهتين.. وكانت المعركة مع ضميري هي الأشد.. ضميري الذي رفض أن ينام..
***
يتبع..
من تفاصيل حياتي..
(4)
هل أنا جاني.. هذا هو السؤال؟!
• أطللت من نافذة الشقة.. رأيت أطفال يحملون أوعية مملوءة بالماء أثقل من أوزانهم.. أجسامهم نحيلة منهكة، وكأنهم يجالدون أقدارهم الثقيلة التي لا ترحم ولا تشفق لطفل..
• شاهدت طفلة تحمل ما هو أثقل من وزنها مرتين.. سطل من الماء لا تقوى على حمله فوق رأسها، ولا تقدر على العتل بيديها إلا بحدود العشر خطوات، وكأنها تسحب عمرها التعيس المأسوف عليه.. تستريح قليلا لتسترد أنفاسها التي تكاد تنقطع.. ثم تواصل إيابها إلى بيتها بالماء على مائة مرحلة وألف خطوة لتنتصر.. هنا للخطوة قيمة حياة إنسان يريد أن يعيش محترم.. العودة بجلب الماء ربما ينقذ أسرة من الموت عطشا.. كانت تعاود بذل جهدها وتتعثر خطواتها وتقل في كل مرحلة.. عودتها بالماء إلى بيتها معجزة!! كنت أسأل نفسي: متى ستصل بيتها؟! وهل بالفعل ستصل؟! ثم يتبدى أمامي السؤال: هل نحن جناة؟!!
• شاهدت النساء وهن يجلبن الماء، ويتزاحمن على مورده في المكان المقابل.. شاهدت معاناة حرب لا تكترث بما تجلبه من ويلات على الناس المسالمين والطيبين.. نساء وأطفال ومسنون يخاطرون بحياتهم لمواجهة العطش الذي أشتد عليهم بعد أيام من الانقطاع.. يخوضون معركتهم حتى لا يفنيهم الموت في بيوتهم مستسلمين.. رأيت المواطنين العزل الطيبين يشقّون بصعوبة في زحام الحرب طريقا للبقاء والحياة..
• داهمني السؤال: كيف للضمير أن يتنصل من مسؤوليته في ظرف كهذا؟! ثم أدافع عن نفسي كمتهم!: لست من صنع هذا الواقع المؤلم!! ثم ماذا الذي بيدي لأغيّر من واقع الحال، أو أقلب فيه المعادلة لصالح هؤلاء الطيبين؟! إن الواقع الآن يفرض معطياته على الجميع، وأنا صرت أعيش جحيمي أيضا، وحياتي بكف عفريت، والمستقبل إن نجوت فهو مجهول ومرهون بمن ينتصر.. الواقع بات أكبر مني بكثير، بل بما لا يُقارن ولا يُقاس، فما عساي أن أفعل؟! وماذا بيدي أن أفعله؟! وهل ما سأفعله سيغير واقع الحال؟!
• ورغم دفاعي هذا أستمر وجع ضميري حاضرا يرفض الذهاب أو المغادرة.. ظل الوجع يشتد ويلسعني بالألم كسوط جلاد؟! وظل السؤال يلح: هل أنا جاني؟! وبقي هذا السؤال يقرع مسمعي، وعالقا في ذهني المكتظ بما يراه ويسمع، ووعيي المُرهق بكل ما يحدث ويمور.
• الاتصالات مقطوعة، والماء لازال مقطوع ولا أمل قريب بعودته، والمجهول يتربص في كل شارع ومنعطف.. ولكن ما ذنب المواطنين العزل الذين ليس لهم علاقة بالحرب لا من قريب ولا من بعيد؟! بل هم مجنيا عليهم فيها بامتياز.. يخوضون معركتهم الأصيلة من أجل البقاء على قيد الحياة.. يستبسلون في مواجهة الموت والمخاوف الكثيرة والمتعددة.. كم هي عادلة وإنسانية معركتهم تلك أيتها الحياة!!
• تحدّيهم للموت كان على أوجه، وهم يخوضون غمار تلك المعركة الهامة بين الطرفين المتحاربين الساعي كل منهما للفوز والانتصار.. المواطنون العزل هم الأكثرية الذين لم يشاركوا في صناعة هذه الحرب، ولكنهم أول من يتحملون أوزارها، ونتائجها الكارثية، وويلاتها ومآسيها التي تدوم.. إنهم أكثر استحقاقا للحياة من الجميع..
• إن لم تتحد الموت وتخرج لمنازلته، سيأتي يخمد أنفاسك لتموت في جحرك الذي لم تغادره.. في ظروف كهذه إن لم تخرج لمنازلة الموت، وتنال حظك من الحياة، ستموت عطشا وجوعا وكمدا.. سيأتي الموت إليك حتما، وأنت مختبئ ذليل مرتعد..
• كنت مُرهقا ذلك اليوم، حيث لم أنم الليلة السابقة، ولا نهار ذلك اليوم.. وضعت يدي على رأسي ووجدت نتف من شعر رأسي يتساقط على نحو سهل وكأنه ليس بعض مني.. حاولت تفقده فوجدته يتساقط نتفا بمجرد تمرير راحة يدي عليه، دون أن أشعر أنه كان نابتا في فروة رأسي.. قررت أن أتركه ولا أحاول مرة أخرى حتى لا أجد نفسي فجأة دون شعر ولا فروة.. ظننت أن مرضا خصني وأعطب فروة الرأس!! سألت الجندي الردفاني الذي معي عمّا إذا كان هو أيضا يعاني ما أعانيه، فوجدته أنه عانى هو من هذا الحال قبل أن أعانيه..
أستمريت بمعركة الصمود مع الحرب.. واستمرت معركتي مع ضميري على نحو شرس.. صرت في مواجهة على جبهتين.. وكانت المعركة مع ضميري هي الأشد.. ضميري الذي رفض أن ينام..
***
يتبع..
من تفاصيل حياتي..
رفضنا أن نقوم بالمهمة حتى لا نكون أدوات بيد أي جناح من الأجنحة المتصارعة في جماعة أنصار الله..
مراكز القوى للجماعة عبر إعلاميها تتفاضح بكشف فساد بعض.
بلاغ الفاسد أسامة ساري وما يكتبه الوريث وجل ما تقرؤونه اليوم بأقلام بعض إعلاميي ونشطاء أنصار الله من مكاشفات بالفساد يندرج في إطار صراع الأجنحة في الجماعة وليس انحيازا للمواطن أو مكافحة للفساد أو شعورا بالوطنية والانتماء..
الأهم أن المواطن يفهم هذا..
والبقية تفاصيل..
قولوا لهم:
"حارس البن في وادي سبا غير غافل ,,, ذاهن العقل والعين"
مراكز القوى للجماعة عبر إعلاميها تتفاضح بكشف فساد بعض.
بلاغ الفاسد أسامة ساري وما يكتبه الوريث وجل ما تقرؤونه اليوم بأقلام بعض إعلاميي ونشطاء أنصار الله من مكاشفات بالفساد يندرج في إطار صراع الأجنحة في الجماعة وليس انحيازا للمواطن أو مكافحة للفساد أو شعورا بالوطنية والانتماء..
الأهم أن المواطن يفهم هذا..
والبقية تفاصيل..
قولوا لهم:
"حارس البن في وادي سبا غير غافل ,,, ذاهن العقل والعين"