أحمد سيف حاشد
341 subscribers
2.77K photos
6 videos
5 files
2.86K links
عضو برلمان
Download Telegram
(15)
امتحانات وفاجعة..
في سنة ثالث اعدادي تم تعيين (علي الخفيف) مديراً جديدا لمدرسة الشهيد نجيب في طور الباحة، وهو من أبناء الجنوب، وذلك بعد أن ذهب المدير السابق للعمل في الشمال.

كان المدير الجديد طيبا وودوداً، وحالما كنت أعيش اجواء الامتحانات الوزارية، ولازالت امتحانات ثلاث مقررات دراسية لم تتم، نقل إليّ المدير الخبر الصادم، ولكن بالتقسيط الذي يتجاوز عبور تلك الامتحانات، بكلفة نفسية أقل..

حاول المدير أن يبقي الأمل لديّ في أن أخي لا زال على قيد الحياة، متوخيا من ذلك أن أنهي الامتحان بسلام، أو بخسارة أقل، وبالتالي يهيئني أيضا وبنفس الوقت لتقبل الفاجعة لاحقا، والحيلولة دون أن يسبب لي ما حدث انهيار محتمل، أو تداعيات نفسية أكثر سوءا..

لقد كان مدير المدرسة محقا وهو يحاول أن يقلل من تأثير الحادث على نفسيتي، حتى أجتاز امتحاناتي، وفي نفس الوقت يهيئني لاحقا للتصالح مع الحقيقة الصاعقة..

كانت الحقيقة هي تعرض أخي لكمين، وتم اسعافه إلى طور الباحة، وتقرر إسعافه إلى عدن، ثم وافاه الأجل في الطريق قبل الوصول إليها، ووارى جثمانه في مقبرة العيدروس بكريتر.. ألم أقل أن نصف حزني في عدن يا عدن.. من هذا الذي يقتلعني منك، وأحزاني مثل فرحي مثل حبي ضارب في حناياك وأعماقك السحيقة يا عدن.

نجح مدير المدرسة في أن يجعلني أجتاز الامتحان بنجاح، ونجح أكثر في أن جعل ارتطامي بالحقيقة أقل وقعا وشدة من المعتاد أو مما هو مفترض..

اتممت امتحانات العام الأخير من المرحلة الإعدادية في طور الباحة، وتيقنت بعد حين وبالتدريج صحة خبر مقتل أخي، ومع ذلك ظل الوهم سلطان يساير ما ترغبه النفس وتهواه، وظل وهمي يرفض هذه الحقيقة الأكثر مرارة في حياتي..

كم كانت الفجيعة طامة؟! كيف لي أن أصدق الخبر؟!! من فرط التعلق لا نصدق الوقائع حتى وإن شهدناها بأم عيوننا.. إنه الحب والتعلق بمن نحب.

تجاوزت المرحلة الإعدادية، وأحرزت نتيجة السنة الثالثة فيها بنسبة نجاح 78% ورغم تواضع هذه النسبة إلا أنني كنت راضيا عنها، وبها انتقلت إلى دراسة المرحلة الثانوية في مدرسة "البروليتاريا" الواقعة في الطريق الممتدة من لحج إلى عدن..

***
بعض من تفاصل حياتي
المعلم والتعليم
يتبع..
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=512348686386729&id=100028348056925&sfnsn=mo
16
من مدرسة "البروليتاريا" إلى الكرامة المهدورة بالجوع

مدرسة "البروليتاريا" كانت مدرسة لأبناء البدو الرحل، تأسست في عهد الرئيس سالمين، والذي كان يهتم بتعليم أبناء البدو الرحل، ويتم جمع أشتاتهم من الصحاري والأقاصِ البعيدة؛ لكفالتهم، ونظمهم في سلك التعليم العام، ورعايتهم خلال دراستهم في مراحلها المختلفة..

وبعد عهد غير طويل تم تحويل هذه المدرسة إلى معسكر اسمه اللواء الخامس، وبعد أربعين عام من تلك الأيام، وخلال هذه الحرب البشعة والظالمة على شعبنا، تم تدمير كثير من المدارس الحكومية، وتم تحويل عدد غير قليل منها إلى ثكنات عسكرية وسجون ومعتقلات سرية، وبعضها يجري الهدم والتوسيع فيها لصالح مشاريع تجارية.. أما من حيث النوعية والجودة، فقد بات التعليم ضعيفا وهشا ومتخلفا ومشوها، وفوق ذلك يدفع أهالي الطلاب المال برسوم فاقت قدرات كثير من ولاة أمورهم، ويتسرب كثير من الطلاب من مدارسهم، ويجري تحشيد بعضهم من المدارس، وهم دون سن الرشد، كمحاطب حرب، وتتخلى سلطات الأمر الواقع على اختلاف مسمياتها عن وظيفة خدمة التعليم المجانية، لصالح التعليم الخاص الذي لا يخلوا هو الآخر من بؤس وهشاشة..

درست الثانوية في مدرسة "البروليتاريا".. وكان هذا المصطلح أو الاسم يستصعب على اللسان الذي لم يعتاد على استخدامه، ولكنه فيما بعد صرنا نحفظه كما نحفظ أسماءنا، وهو فضلا عن هذا مميزا ومحل اعتزاز، لاسيما أن معناه كان مرتبط بالطبقة العاملة التي كان ينظر إليها في الثقافة والتعاليم الماركسية، بأنها من أكثر طبقات المجتمع ثورية، والمناط بها قبل غيرها مهمة إسقاط النظام الرأسمالي..

عندما التحقت بهذه المدرسة في العام 1979 ربما شعرت ببعض من غربة، أو ربما حال يختلف عما أعتدت عليه، وتدريجيا تلاشى هذا الشعور.. كان أكثر طلابها أو يكاد يكون جميعهم من ريف محافظة لحج، من ردفان والضالع وطور الباحة ويافع.. فيما مدرسة النجمة الحمراء التي تبعد عن "البروليتاريا" كيلو مترات قليلة كانت تحتضن أعداد كبيرة من الطلاب من أبناء المناطق الوسطى، والمناطق الشمالية بوجه عام.. أما في مدرسة "البروليتاريا" فلا أذكر أحد من الشمال غيرى عدا محمد عبد الملك من مرابحة القبيطة، وعلي بادي من آنس ذمار، وربما آخرين خانتني الذاكرة في ذكر أسمائهم إن وجدوا، ولكنهم إجمالا يظلون أقل من القليل..

تقع مدرسة البروليتاريا في منطقة تتوسط الطريق الرابط بين محافظتي لحج وعدن، فيما كانت إداريا وتعليميا تابعة لمحافظة لحج، وكان ملحقا بهذه المدرسة قسم داخلي توفر فيه الدولة لجميع الطلاب السكن والغذاء مجاناً، ولكن كان الغذاء وقتها رديئا، ويفتقد للتحسين، بالإضافة إلى أنه كان قليلا، ولا يشبع بطوننا، وكان عدد الطلاب كثير، وبعضهم كان لا يلحق وجبته المقررة، بسبب نفاذ كمية الغذاء المطبوخة..

كان طابور الحصول على الوجبة طويلا، ويشهد أحيانا عراكا بين بعض الطلبة بسبب الزحام أو محاولة بعضهم التقدم بتجاوز مواقعهم في طوابير الغذاء.. كنت في بعض الأحيان عندما لا ألحق وجبة العشاء أضطر للذهاب لأشجار (الديمن) المحيطة بالمدرسة لأسُّد بها رمقي من الجوع وأحيانا كان معي صديقي الخلوق والمتصالح مع نفسه محمد عبد الملك حسين، الذي لدي معه ذكريات لا تنسى، ربما أتطرق لبعضها في موضع أخرى..

كنت أحيانا أذهب إلى مزرعة مجاورة تابعة للدولة، للمذاكرة تحت ظلال أشجارها الوارفة، وننتزع خلسة بعض حبات الليم لنستخدمها على الفاصوليا، وتعطينا شهية مضاعفة، فيما كان الأكل قليل، وكان القليل يصير بالليم لذيذ، نكمل الوجبة المقررة، ونجدها لا تسد نصف بطوننا..

في السنة الأولى جئنا في موسم زراعة أشجار الجلجل، وكنّا نجوع في الليل عندما تتطاول ساعاته الثقيلة علينا، وعلى بطوننا الخاوية التي يأكلها نهم الجوع المفترس.. كان ينفذ صبرنا ونحن لا نملك ما نخادع به بطوننا التي كانت تعرفنا تماما، وتحتج علينا، وتصرخ في وجوهنا بالجوع، فيما التصحر كان يحيط بنا، إلا من مزرعة تقع على مدى العشرين دقيقة، نقطعها سيرا على الأقدام..

كانت عروش السمسم المجفف تمتد لمساحات لم نعتاد نحن الصغار رؤية مثلها، وكنا أشبه بالعصافير التي تشبع حواصلها الصغيرة من جنيها الكثير، أو نقلل من فاقة تشتد علينا، وتسرق نومنا في الليل، وترهقنا طول النهار..

كانت المزرعة غير مشبكة، ولا محرزة، وكان الأمان أمان، وما نجنيه نحن لا يستحق الذكر، بل لا يزيد عما يرمق جوعنا، ويخفف من رعشة اليدين، وتمنح أرجلنا المخذولة بالجوع بعض الصمود والمقاومة؛ فهل كنّا يومها لصوص؟! أم كان بعض من تمرد مشروع ؟! أم هي ضرورة الجوع الملجئة؟!

بين السوية والإجرام شعرة دقيقة أحيانا تتماهى مع ما حولها، حتى نكاد لا نراها أو لا نميزها مع من حولها، وتلتبس علينا أحيانا كما التبست الجريمة مع غيرها كما في حال "راسكولينكوف" بطل رواية الجريمة والعقاب، للروائي الروسي العظيم ديستويفسكي، مع فارق أن دافعنا أشد، وجريمتنا أقل إن اعتبرناها جريمة.. ومع ذلك أسأل نفسي
بعد أربعين عام: هل كنّا أسويا أم مجرمين؟!

ما كنّا نفعله يشبه في الطريقة ما يفعله اللصوص، ولكن ما كنّا لنفعل إلا بدافع نراه بحجم الضرورة.. ثم ألم يقولوا إن "الجوع كافر".. ألم يقل بعضهم "لو كان الفقر رجلا لقتلته"، فماذا وقد اجتمعا علينا الاثنان..!

الجوع أشد وطأة من الكفر، ومن يعلم ربما الكفر في الواقع غير ما يرونه الكثير!! لازال في الكفر ما أسموه بعضهم بـ"الكفر الحلو" وكفر أسموه بـ "كفر النعمة" و"النعمة" لازال فيها نظر ومفاهيم، وهناك تعدد في الكفر دون الكفر البواح، والكفر البواح له رب يعاقب صاحبه..

لماذا قضايا الجوع والفقر رغم طغيانها واتساعها المستمر لا تحتل في وعي الذين يصنعونها نفس القدر والمستوى والاتساع من الاهتمام كما هي في الواقع؟! لماذا هذا الاختلال الفظيع الذي يصيب الوعي، فيتم التصدي لهذا الطغيان بمعونة قليلة ومهينة، يسترجعها أصحابها بأضعاف ثمنها؟!

لماذا نخب الدين والجماعات تزيف الوعي، وتحرف القضايا، وتزيف المفاهيم، وتنحرف عن مسار العدالة، وهي ترى بأم عيونها الفقر والجوع ومجاعات العالم وكل هذا الطغيان، والأكثر سوءا تريد أن تناهض وتكافح كل ذلك بما تسميه "صدقة" أو "زكاة" تطهرهم تطهيرا..

لماذا الجماعات الدينية والسياسية في اليمن تتخلى عن شعبها المنكوب بها وبالحرب؟! لماذا تتخلى عن مسؤولياتها الاخلاقية، والتزاماتها القانونية باعتبارها سلطات أمر واقع، تملي عليها واجب المسؤولية كل بحسب ما تحت سلطتها من سكان ومجتمع..

من أوجب الواجب دفع رواتب العاملين والموظفين في الجهاز الإداري للدولة، والمتقاعدين، والمستفيدين من الضمان الاجتماعي، وكل ممن تطولهم المجاعة والجوع في هذه الحرب البشعة والدميمة..

بيد أن الأكثر من كارثة أن تلك الجماعات كانت دينية أو سياسية أو كلاهما معا، باتت تتخلى عن وظائف الدولة إلا من وظيفة الجبايات، وفوق ذلك تمارس إذلال شعبها، وتهدر كل ما هو من صميم حقوقه..

وفوق هذا وذاك يتاجرون بالوطن والدم، ويعيثون في الأرض فسادا، ويتسولون العالم ومنظماته بكل مسمياتها بما فيها تلك التي يهاجمونها في شعاراتهم، ثم يحاولون التكسب والتربح والاستفادة من عطاياها.. والأمر أنهم ومن دون حياء نجدهم يتحدثون عن الكرامة والوطنية والاخلاق والقيم والشعب العظيم..

يتبع..
احتجاجات الجوع
بعض من تفاصيل حياتي
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=513127602975504&id=100028348056925&sfnsn=mo
👍1
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=513203909634540&id=100028348056925&sfnsn=mo
استثمار التربية والتعليم..
من أجل رواتب المعلمين..
ما أكذبكم..
الأولى مستفزة والثانية مستفزة أكثر..
احمد سيف حاشد:
(17)
أول عمل احتجاجي أشارك فيه.. احتجاج على الجوع

كثير ما يستفزني الفقر والجوع والظلم والفساد، والاستبداد بكل صنوفه حتى وإن لبس ثوب الأب أو المعلم أو القائد أو القديس أو الكاهن.. ويستفزني أكثر غرور السلطة وعنادها وخواء التعالي والاستكبار في وجه الحق، ولم اعتد الظلم لأهوّن منه، وأتصالح معه، مهما طالت سنينه، ولا أتسامح معه، وأنا المجبول على النسيان، حتى يتم كسره أو اسقاطه أو التحرر من ربقته..

روحي لا تهدأ ولا تستكين، وتظل دوما متحفزة للتململ والتمرد والثورة، مسكونا بعدم الرضى، حتى وإن لذت بالصمت، أو شعرت بخذلان، أو تعاميت مرغما عن الحق لبعض الوقت، أو حتى تواطأت لأسباب تخصني، فإنني أعيش صراع داخلي أقوى، وأكثر احتداما مع ضميري، وتأنيب الضمير، حتى أعود إلى الصواب والصحيح ما أمكن..

أشعر أحيانا بالتعب والضنك، ولكن ما أن أستريح قليلا أو استرجع الأنفاس حتى أعاود الكرّة مرتين وثلاث.. أعود إلى إعلان الرفض، وفعل التمرد، والمقاومة حتى تستقيم الأمور، أو تنتهي إلى الزوال، أو أظل أخوض معها صراعا كقدر.. وأحاول أن أوصل صوتي المضطهد إلى أقصى مدى ممكن، حتى وإن أكلته الدود، وأصطف مع المضطهدين في مقاومة من يصنع ذلك الاضطهاد والظلم الثقيل..

ربما أبدو قلقا على الدوام، وغير راضي على سير الأحوال، بل وربما ساخطا على هذا العالم الدامي، ونظامه المرتكز على الظلم والاستغلال، وثائرا في وجه الأقدار التي أشعر إنها غير عادلة.. كل ذلك أدركته اليوم مليا، وما كنت أدركه فيما خلا، وكانت البداية في أول احتجاج أشارك فيه..

في مدرسة "البروليتاريا" وبسبب الجوع، واحتجاجا على غياب التحسين في وجبات الغذاء، وانقطاع الكهرباء، أضرب عدد كبير من الطلاب عن الدراسة، وكنت واحدا منهم..

امتنعنا عن الدراسة، وخرجنا للرصيف نحتج على رداءة الغذاء والمطالبة بتحسينه.. قطعنا الطريق بين لحج وعدن بالحجارة ومنعنا عبور السيارات وهو عمل جريء في ذلك الوقت، وشديد الحساسية عند السياسيين؛ لأن أي عمل أو احتجاج من هذا القبيل، كان يصنّف باعتباره ثورة مضادة، ويذهب السياسيين إلى تفسير الاحتمالات والأسباب فوق ما نطيق ونحتمل، بل وفوق ما يطيقه ويحتمله الواقع، ولكن ربما وجود طلاب محتجين من الضالع وردفان والصبيحة درأ عنّا العواقب، وحد من المبالغة في تفسير احتمالات وأبعاد هذا الاحتجاج.

كثيرون هم الطلاب الذين التزموا الاحتجاج وامتنعوا عن الذهاب إلى الصفوف الدراسية، وبعضهم وهن بعد يوم أو بضع يوم، وبعضهم آثروا السلامة، وتحاشوا المشاركة في هذا العمل الاحتجاجي شديد الندرة والوقوع، إن لم يكن الغير مسبوق..

زميلي أحمد مسعد الشعيبي يصف ما حدث بأول انتفاضه طلابية عفوية ضد الحرمان من الحقوق الطبيعية المتمثلة بالمأكل والمسكن... وقد اطلق شررها انقطاع التيار الكهربائي بسبب عدم سداد إدارة التربية فاتورة استهلاك الواقعة، وقد انطلق الطلاب إلى الخط العام قاطعين للطريق العام التي تربط محافظة لحج بمحافظة عدن..

كان الطلاب من أبناء الضالع في المدرسة هم طليعة المحتجين.. كنت معجب بأولئك “المجانين” الذين رفضوا الظلام، ونازلوا الجوع، وتحدوا عواقبه..

كنت أنظر لغير المحتجين نظرة سخط وازدراء.. كنت أسأل نفسي لماذا هؤلاء يتلبسهم الخوف ويركبهم الخذلان، ولا يسخطون على الجوع والقائمين عليه؟!!

كنت معجبا بالطلاب الذين يجرؤون على الاحتجاج، ويحاولون أن يصلوا بصوت الجوع إلى أكبر مسؤول في البلاد..

كان المسؤولون في المحافظة ولاسيما في التربية والتعليم الذين تتبع المدرسة مسؤوليتهم هلعين من انعكاسات وتأثير تلك الاحتجاجات عليهم، وعلى مناصبهم ووظائفهم..

نزل المسؤولون عن التربية والتعليم في المحافظة ليجتمعوا بالطلاب ويسمعوا مطالب المحتجين ومناقشتهم فيها بعد فشلهم في إرعابهم وثنيهم عن مواصلة الاحتجاج، وإرجاعهم إلى فصولهم الدراسية.

لم نهدأ ولم نكف عن الاحتجاج الا بعد حضور علي عنتر والذي نجح في تهديتنا عندما قال: "تروحوا أسبوع وترجعوا على اكل حسين ونظيف" وأمر بتحضير “بوابير” لنقل الراغبين من المحتجين والمتذمرين كلاً الى مديريته والعودة إلى أسرهم في إجازة قصيرة، ريثما يتم تدبر الأمور، وتحقيق مطالب المحتجين..

العمل الاحتجاجي من هذا النوع وضد السلطة الثورية أو هكذا يفهم مثل هذا النوع من الاحتجاج وفي تلك الفترة شديدة الحساسية كان عمل جريء ومقدام بكل المقاييس..

أن يندلع عمل احتجاجي في مدرسة تحمل اسم عظيم في دولة تدعي أنها تتبني نظرية الاشتراكية العلمية وتعمل من أجل إقامة دولة "البروليتاريا" عمل ربما يكشف هشاشة بعض ذلك الادعاء.

أسفر هذا الاحتجاج عن نتائج تحسين ملحوظة في التغذية والنظافة والتنظيم واستعادة الكهرباء المقطوعة.. وكان هذا العمل هو أول احتجاجي أشارك فيه.

***
تبع..
قراءة خارج المناهج الدراسية
بعض من تفاصيل حياتي

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=513758669579064&id=100028348
056925&sfnsn=mo
احمد سيف حاشد:
التافه في كثير من الأحيان يتمثل في مخلوق منحط يستفيد من معرفته بالأخبار الداخلية والدسائس في أوساط ذوي السلطة لاستغلال كل موقف.

- د. آلان دونو ، نظام التفاهة
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=513850942903170&id=100028348056925&sfnsn=mo
أحدهم يصف صديقه التافه:

" آو ايتها التفاهة المنتنة , الشعر النفعي , ادب البيادق , الثرثرة الجمالية, القيء الاقتصادي, المونتاج المقزز لامة مستهلكة, إنني أكرهك بجميع قواي الروحية! إنك لست بالغرغرينا , بل أنت ضمور عضوي! إنك لست بالالتهاب الساخن الأحمر للأزمنة المحمومة, بل أنت الخُرّاج البارد ذو الأطراف الباهتة, الذي يقطر كما النبع الذي يجد مصدرة في تجويف تسوسٍ عميق!"

- نظام التفاهة
مثل ما يحدث في بلادنا بالضبط

- "إن الميل إلى إقصاء غير التافهين صار يتأكد بانتظام، ولكن الأمر قد وصل بنا اليوم إلى مرحلة تتعدّى ذلك؛ لقد صارت التفاهة مطلوبة بالفعل"
- "إن التافه هو من ينجو"
- "وللتفاهة فرصة أفضل في النجاح"

- د. آلان دونو ، نظام التفاهة
ليست المشكلة في الناشطين الذين يكتبون
المشكلة في الفساد والنهب والظلم
الذي وصل حمولته إلى حدوده القصوى
"تشجّعنا التفاهة، بكل طريقةٍ ممكنة، على الإغفاء بدلاً من التفكير، النّظر إلى ما هو غير مقبولٌ و كأنه حتميّ، و إلى ما هو مُقيتٌ و كأنه ضروري؛ إنها تُحيلنا إلى أغبياء".
د. آلان دونو ، نظام التفاهة
من نص مقدمة المترجم د. مشاعل عبدالعزيز الهاجري لكتاب نظام التفاهة:

"لقد أدى انخفاض المعايير و تغييب منظومات المبادئ الرفيعة والمفاهيم العليا إلى تسهيل صعود البسطاء فكرياً و الخليّين أخلاقياً، و وصولهم الى مفاصل القرار في الحكومات و الإدارة و التجارة و الأكاديميا و تمكّنهم منها جميعاً، في سابقةٍ تاريخيةٍ لم تشهدها أية مرحلةٍ حضاريةٍ أخرى."
(18)
خارج المقرر المدرسي

في الصف الثاني ثانوي سنة تم تخصيص عشرة دينار شهريا مساعدة لأبناء الشمال (الجبهة الوطنية) وكنت انتظرها بفارغ الصبر نهاية كل شهر، وأصرف منها عندما أجوع، بشراء البسكويت والشاي من محمد حيدرة الذي كان لديه حانوت صغير في بوابة المدرسة من الداخل..

كانت وجبة الشاي والبسكويت وجبة لذيذة وشهية تخفف من وطأة الجوع، حتى صرنا رفقة في غلس الليل نواجه فيه الجوع.. لازلت إلى اليوم أشتهيها في بعض الأحيان، وأتذكر من خلالها أيام خلت وانقضت، ويفعلها اليوم رفيقي نبيل الحسام حين يجوع أو يخفف من وطأة الجوع، ويعزمني عليها وأنا أكابر، والحنين جارف، وأحيانا يكون الصدق.. حبة السمسم باتت تحن علينا من جوع يحمل أصحابها أنفس هنيئة وأثقال كبار.. ما أجمل الفقراء، وما أهناهم وأغناهم وأنبلهم.. ما أجمل صحبتهم ورفقتهم وهم يشمخون برؤوسهم في العنان رافضين الاستكانة والخضوع.. ينازلون الجوع بالكبرياء المعهود، وبعزة نفس تبلغ السماء طولا.. يقاومون الإذلال والتفاهة والانحطاط، بتفان فذ، واستبسال المنتحر..

في مدرسة "البروليتاريا" كانت لدي إذاعة صغيرة أتابع من خلالها الأخبار ليلا والسماع أقل وشيش.. كنت حريصا على سماع نشرة وتقارير إذاعة "مونتي كارلو" الساعة الثامنة مساء، والتي كانت تستمر لنصف ساعة، ثم اتابع ما يليها حتى إذا جاءت الساعة التاسعة، انتقل إلى متابعة نشرة إذاعة bbc من لندن، ثم برنامج مقتطفات من أقوال الصحف، ولا أنتهي من إذاعة لندن حتى أسمع برنامج "السياسية بين السائل والمجيب" الذي كان ينتهي في تمام الساعة العاشرة..

ساعتان يوميا دون انقطاع كنت أقضيها في ردهات الأخبار والتقارير وأقوال الصحف، والسياسية عموما، فإن حدث مستجد مهم قضيت وقت أطول في المتابعة، وسماع محطات أخرى متنوعة مهتمة بذلك الشأن أو الحدث.. لا أذكر إن ليلة فاتتني دون أن أقضي أقل من ساعتين في سماع الإذاعة باشتياق وشغف سياسي ومعرفي.. لقد كان هذا جزء من برنامجي اليومي المعتاد، والحريص عليه أثناء دراستي الثانوية، في مدرسة "البروليتاريا".. كانت تلك المتابعة تشعرني بزخم الحياة، وتطورات الأحداث، وما للشأن العام من أهمية في حياتنا..

كنت أتطلع للمعرفة وأشغف بها، وأقرأ الصحف عندما أجدها، وكذا بعض الكُتب، حتى ما كان منها عصيا على الفهم بالنسبة لمستواي المعرفي المتواضع، ولكنني كنت أحاول فهمها، وكأنها جزء من المقرر الدراسي.

اذكر أنني في صف الثاني ثانوي فاجئني وثار في وجهي أحد الاساتذة لمجرد أنه شاهدني أقرأ كتاب لإنجلس (أصل العائلة) عند بوابة المدرسة، وعنَّفني كون هذا يصعب فهمه حتى على خريجي الجامعة، وأن مطالعتي لهذا يأتي على حساب مذاكرة دروسي.. كان واضح أن هذا الاستاذ متخفف من الايدلوجيا، واعتقد ان اصوله هندية أو باكستانية كما هو واضح من سحنته وملامحه.

هذا الزجر لم يمنعنِ من القراءة خارج المقرر الدراسي، بل جعلني اقرأ أكثر من خارج المناهج والمساقات الدراسية، دون أن يؤثر ذلك سلبيا على الاهتمام بدروسي التي كنت اعطيها القدر الأوفر من الوقت والاهتمام، ولكن أحيانا كانت معاناتي وشغف المعرفة يحملاني على القراءة خارج المقرر الدراسي، أو ربما كان هذا بعض من قبيل التمرد على الرتابة والملل..

إجمالا كانت القراءة خارج المناهج الدراسية الأساس لتوسيع مداركي المعرفية، بل والتفوق لاحقا في الدراسة، ومغادرة دائرة الفشل المدرسي..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
اصداء..
محمد علي اللوزي:
تفاصيل تكشف عن الانسان بتطلعاته وشغفه الى عالم يريد أن يراه ويكتشفه ويلقي بالا للقادم من ذات المعاناة الفقر والجوع وندرة الحاجة وفضاء القادم في كتاب أو مذياع أو لحظة تفكر.

هكذا انت غزير التداعيات مرهف الحس يقظ التفكير ونبش الماضي بكل مافيه من زاوية أخرى من أنت في هذا الزمن المتلعثم المتثائب المقلق.

العودة هنا الى سنوات الشباب هو أشبه بمن يمسك بتلابيب حلم أجمل اللحظات هنا هي تلك المعاناة والفرار من اليومي هذا المنغلق الى عالم البروليتاريا الى اصل الجنس لأنجلز وإذا مانكهة هذا الزمان؟ بأي معنى نفسر الحاضر من خلال الماضي بمفارقاته الهائلة من بروليتاريا الى تميز طبقي وبطريركية من نوع آخر اسمه اصطفاء.

ثمة تداعيات توشك ان تقلع بنا الى مستوى الرفض مافينا من عالق يومي ليس كما الامس رغم العوز والحاجة ولكنه مشبع بالفضول بالتعلم بالرؤية. بارع انت ياقاضي حد الدهشة في استحضار الأمس لتصبه فينا في هذا اليومي سلام لقلبك النقي الجميل.

...............................

اجد في كلماتك ماء وزاد وراحلة لكتابة رحلة خابت وصابت واريد ان اخرجها للناس بكل ما فيها من حزن ووجع وامل وفرح وتمرد ورفض ومقاومة وحياة..
ممتن لك.. وممتن مرتين لمرورك.. وعشرا لتعليقك ايها الكاتب والناقد البهي..
قراءتي صاخبة..
احمد سيف حاشد
(19)
كنت أذاكر دروسي بصوت عالي.. القراءة الصامتة أو حتى بصوت منخفض لا تروقني، فضلا أن حصادها شحيح ومتلاشي وقليل الأثر.. مزاجي الصاحب لا تناسبه القراءة الصامتة التي لم يألفها، ولم يعتاد عليها، بل أجد أن القراءة الصموتة تتعس ذاكرتي وترهقها، وتحتاج مني إلى نكز مستمر يفقد أهميته بعد قراءة صفحة أو اثنتين، فيدب في أوصالي الملل والسأم، وفي أحوال أخرى يطيّر الصمت ذاكرتي في كل اتجاه، وأبدو كطفل صغير عديم التمييز، يلاحق ظل نحل تحوم على الأزهار، فلا يظفر بها، ولا يطول الزهر..

عندما أقرأ بصمت أجد نفسي كثير الشرود والشوارد، وأحيانا يداهمني النعاس بعد ساعة إن طاب المقام، وفي أخرى أشعر بملل يتمطى أوصالي، وتيه يجرفني بعيدا إلى حيث لا أريد.. أجد نفسي بعيدا عمّا أنا فيه، وبعيدا جدا عمّا أكون بصدد قراءته..

لا أدري كيف لازمني أسلوب القراءة بصوت عالي من الإعدادية، ثم وجدت نفسي في المرحلة الثانوية أكثر تعلقا به، ولا أجيد ما يناسبني غيره.. وفي الجامعة، ثم في المعهد العالي للقضاء صارت طبيعة أو تحول إلى طبع لي في القراءة، لا أستطيع مفارقته، إلا لضرورة أو حتمية ملحة..

كانت نسبة استيعابي وأنا أقرأ بصوت عال أكثر بكثير مما لو قرأت بصوت منخفض، وكان تركيزي وأنا أقرأ بالصوت العالي أكثر بأضعاف من تركيزي وأنا أقرأ على نحو صموت.. والأسوأ أن قراءتي الصموتة تجعلني أهدر كثير من الوقت، مقابل قليل من الفائدة، وأجد جل هذا التبديد أقضيه في ملاحقة شوارد ذهني التي تتطاير في كل صوب واتجاه..

كنت أخرج من القسم الداخلي إلى الصحراء، وأذرعها طولا وعرضا وأنا أُذاكر دروسي بصوت عال، بل وأشير بالأيدي والأرجل دون أرادة، وأسير بعض خطوات وأتوقف، وأكرر العبارات حتى أفهمها، وأحاول حفظها، وما أن أنتهي من درس اكتب على كثبان الرمل (ربي زدني علما) وأحيانا أضيف (من المهد إلى اللحد) افعل ذلك بدافع وساوس محض يأخذ هو الأخر قسطه من وقتي المهدور، وبات من يراني عن بعد، ويشاهد حركاتي يظن إن بي مس من الجن، أو أنني بالفعل مجنون .. كنت أقرأ بفمي ويداي وقدماي وكل حركات جسمي وعضلات وجهي الشحوب الذي تلفحه الشمس والريح، فتتحول قراءتي إلى ما يشبه القراءة الصاخبة المشبعة بالحركات والنشاط المقوي للذاكرة..

إنه جانب من اجتهاد وجدت نفسي فيه أفضل من أي وقت مضى اهتماما ومثابرة وبذل مجهود.. شعرت بأهمية التفوق، وتعاطيت مع طموحي، وما أروم بمسؤولية أكبر..

في مدرسة "البروليتاريا" صرت أقدر أهمية التعليم، وأهمية الاطلاع والمعرفة.. وبدت الثقة بنفسي تزداد والمعرفة تطيب وتلذ كلما أمعنت في الدراسة وغرفت من المعرفة المزيد.

***
يتبع ..
تحول معرفي جديد
بعض من تفاصيل حياتي
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=515152639439667&id=100028348056925&sfnsn=mo
رد لأحدهم وأمثاله..
أحكي قصة حياة كفاحي ومستقبل أجيال سرقتموها ونهبتموها.. أحكي قصة حياة مملوءة بالكفاح الذي أعتز به، ولا أستعار منه.. وفي كل حال حياتي أشرف ألف مرة من حياة قادتكم الطغاة والمستبدين والقتلة والفاسدين والنهابة واللصوص وقطاع الطرق.. صفحات حياتي أنصع وأشرف من صفحات قادتكم بمختلف مسمياتهم الذين دمروا اليمن ودمروا الحياة والإنسان والمستقبل، فيما أنتم تنقادون بعدهم كالعبيد المستلذين بعبوديتهم، كالمغتصبين المستمتعين باغتصابهم، وفضلا عن ذلك تضربون لهم كل صباح تعظيم سلام وموالاة وعبودية..
(20)
تحوّل معرفي جديد:
في المرحلة الثانوية كنت أقرأ وأتأمل وأنا أجوب الصحراء في عصر كل يوم.. أوزع الاتجاهات على الأيام وأذرع كل يوم اتجاها، وأحيانا أقصد وجهة في الاتجاه بزاوية معينة في الصحراء ذات الامتداد العريض، ثم أعود دون أن أسلك بالضرورة نفس الطريق.. أولغ فيها أقصى ما يمكنني بلوغه، مع مراعاة وقت العودة والغروب، حتى لا يهبط الظلام قبل عودتي إلى مكان السكن في القسم الداخلي.. كنت أشعر وكأنني أول بشر يجوب تلك الصحراء التي تبدو من ناحية الغرب بكرا، ولا أثر لافت لفعل الإنسان فيها، وعلى امتداد عريض.. كنت ابدو كأول رحالة على ظهرها يطويها بقدميه..

مثلما كنت اطلق في الصحراء صوتي العالي، كنت أيضا أطلق العنان لعقلي المتسائل، وأمام الشك كنت أفتح الباب على مصرعيه.. كانت الحيرة المتسائلة تستحوذ على كثيرا من تفكيري.. كان التناقض يحتدم بين التصورات التي تنشأت عليها، وما تعلمته في مادة التربية الإسلامية، وبين ما أتعلمه في الجغرافيا والأحياء والفلسفة وبقية العلوم.. كانت الأسئلة تحفّز عقلي ووعيي الذي لازال طريا وقليل المعرفة، ويحب أن يعرف كل جديد..

عرفت أن التسليم لا يصنع وعيا ولا معرفة ولا تراكم مفيد، بل يصنع تخلفا وبلادة وخمولا.. الجدل والتناقض والإجابة على الاسئلة التي تعتمل في الوعي ـ حتى ما كان بسيطا منها ـ هي من تخلِّق المعرفة وتضيف إليها، وتراجع مع علق في الذهن من وعي زائف أو فهم خاطئ.. كانت الأسئلة المشككة تفتح ذهني لمعرفة أكثر، ومنها بعض تلك الأسئلة العصية على الجواب، والتي كانت تغضب منها أمي في عهد طفولتي البريئة والمتسائلة..

كنت أتأمل الصحراء وأوغل فيها أكثر رغم هجيرها، ولفح الريح والرمال المتحركة الساخنة.. كنت أسأل نفسي: هل كانت هذه الصحراء على هذا الحال منذ خلق الله البسيطة؟!

كنت أتوقف على قطع من الأحجار الصغيرة السوداء المجدرة وخفيفة الوزن، والغير متجانسة مع الصحراء، والواضح أنها قادمة من مكان ووسط يختلف تماما عنها، وكان أغلبها بحجم قبضة الكف أو أكبر منها قليلا، وأسأل نفسي: هل هذه القطع كانت يوما ما أجرام سماوية تسبح بالفضاء؟! هل هذه بعض من النيازك والشهب التي يرمي بها الله الشياطين؟!

وحالما أشاهد القواقع المتنوعة في الصحراء كنت أسأل: هل كان البحر يغطي كل هذه اليابسة؟! متى صعد البحر إلى هنا أم كان البحر هنا ثم أنحسر؟! وهل كانت القواقع درجة في سلّم تطور هذه الحياة؟!

أعجبني استاذ الأحياء الفلسطيني وهو يشرح نظرية “داروين” في النشؤ والارتقاء.. كنت أتابعه باندهاش وذهول، وأنا أحدث نفسي بالقول: تبدو معقولة ومنطقية إلى حد بعيد أو على الأقل بعض منها، ولاسيما المؤيدة بالأدلة أو التي أيدها العلم لاحقا..

ما أسمعه من أستاذ الأحياء لم يسبق أن سمعت مثله من قبل.. كان كلام لافت وجدير بالاهتمام، وهو يتحدث عن سُلم التطور والارتقاء وكثير من التفاصيل.. ووجدت بعض من مشترك أو مقاربة عن أصل الإنسان بين نظرية التطور والارتقاء لداروين، وبعض ما أورده إنجلز في كتابه أصل العائلة..

ربما أحسست بمنطقية النظرية أو جلها، وهي في الحال الأسوأ لا تخلو من صحيح ومفيد.. استمتعت بطريقة عرضها، وبعض المؤيدات لبعض وجوهها.. ربما زعزعت بعض قناعاتي بكثير من الشكوك، أو صدّعت بعض من مسلماتي الراسخة والضاربة الجذور في وعيي، فضلا عن كونها تبحث للممكن عن آفاق عريضة..

أعجبتُ بمادة الفلسفة ومواد العلوم والاجتماعيات إجمالا وشعرت أنها تشكل وعي، وتصنع فرقا في معارفي المدرسية والعامة.. كانت تطرح على عقلي كثير من الأسئلة التي تقود إلى معرفة جديدة أو أكثر إشراقا.. تبدلت أشياء كثيرة في ذهني الصغير مما كنت أظن واعتقد.. كنت أشعر أنها تضيف لي شيئا جديدا لم أعهده ولم أعرفه من قبل.

وفي صف ثالث ثانوي بدأت المسافة بيني وبين ما كنت أعتقد تنزاح لصالح الشك أو بعضه.. استحضرت تلك الأسئلة التي كنت أطلقها وأنا صغير بتلقائية وعفوية وبراءة.. بدأت قناعات جديدة تتشكل وهي قناعات أكثر منطقية ومعقولية وبعضها مدعوما بالأدلة.. شعرت أن مفاهيم جديدة تتبلور وتتشكل في عقلي بعيدة عن العواطف والوجدان والخزعبلات..

***
يتبع..
غصة وأسف..
بعض من تفاصيل حياتي
احمد سيف حاشد:
رد لأحدهم وأمثاله..

أحكي قصة حياة كفاحي ومستقبل أجيال سرقتموها ونهبتموها.. أحكي قصة حياة مملوءة بالكفاح الذي أعتز به، ولا أستعار منه.. وفي كل حال حياتي أشرف ألف مرة من حياة قادتكم الطغاة والمستبدين والقتلة والفاسدين والنهابة واللصوص وقطاع الطرق.. صفحات حياتي أنصع وأشرف من صفحات قادتكم بمختلف مسمياتهم الذين دمروا اليمن ودمروا الحياة والإنسان والمستقبل، فيما أنتم تنقادون بعدهم كالعبيد المستلذين بعبوديتهم.. كالمغتصبين المستمتعين باغتصابهم.. وفضلا عن ذلك تضربون لهم كل صباح تعظيم سلام وموالاة وعبودية..
........................................

(20)
تحوّل معرفي جديد
احمد سيف حاشد
في المرحلة الثانوية كنت أقرأ وأتأمل وأنا أجوب الصحراء في عصر كل يوم.. أوزع الاتجاهات على الأيام وأذرع كل يوم اتجاها، وأحيانا أقصد وجهة في الاتجاه بزاوية معينة في الصحراء ذات الامتداد العريض، ثم أعود دون أن أسلك بالضرورة نفس الطريق.. أولغ فيها أقصى ما يمكنني بلوغه، مع مراعاة وقت العودة والغروب، حتى لا يهبط الظلام قبل عودتي إلى مكان السكن في القسم الداخلي.. كنت أشعر وكأنني أول بشر يجوب تلك الصحراء التي تبدو من ناحية الغرب بكرا، ولا أثر لافت لفعل الإنسان فيها، وعلى امتداد عريض.. كنت ابدو كأول رحالة على ظهرها يطويها بقدميه..

مثلما كنت اطلق في الصحراء صوتي العالي، كنت أيضا أطلق العنان لعقلي المتسائل، وأمام الشك كنت أفتح الباب على مصرعيه.. كانت الحيرة المتسائلة تستحوذ على كثيرا من تفكيري.. كان التناقض يحتدم بين التصورات التي تنشأت عليها، وما تعلمته في مادة التربية الإسلامية، وبين ما أتعلمه في الجغرافيا والأحياء والفلسفة وبقية العلوم.. كانت الأسئلة تحفّز عقلي ووعيي الذي لازال طريا وقليل المعرفة، ويحب أن يعرف كل جديد..

عرفت أن التسليم لا يصنع وعيا ولا معرفة ولا تراكم مفيد، بل يصنع تخلفا وبلادة وخمولا.. الجدل والتناقض والإجابة على الاسئلة التي تعتمل في الوعي ـ حتى ما كان بسيطا منها ـ هي من تخلِّق المعرفة وتضيف إليها، وتراجع مع علق في الذهن من وعي زائف أو فهم خاطئ.. كانت الأسئلة المشككة تفتح ذهني لمعرفة أكثر، ومنها بعض تلك الأسئلة العصية على الجواب، والتي كانت تغضب منها أمي في عهد طفولتي البريئة والمتسائلة..

كنت أتأمل الصحراء وأوغل فيها أكثر رغم هجيرها، ولفح الريح والرمال المتحركة الساخنة.. كنت أسأل نفسي: هل كانت هذه الصحراء على هذا الحال منذ خلق الله البسيطة؟!

كنت أتوقف على قطع من الأحجار الصغيرة السوداء المجدرة وخفيفة الوزن، والغير متجانسة مع الصحراء، والواضح أنها قادمة من مكان ووسط يختلف تماما عنها، وكان أغلبها بحجم قبضة الكف أو أكبر منها قليلا، وأسأل نفسي: هل هذه القطع كانت يوما ما أجرام سماوية تسبح بالفضاء؟! هل هذه بعض من النيازك والشهب التي يرمي بها الله الشياطين؟!

وحالما أشاهد القواقع المتنوعة في الصحراء كنت أسأل: هل كان البحر يغطي كل هذه اليابسة؟! متى صعد البحر إلى هنا أم كان البحر هنا ثم أنحسر؟! وهل كانت القواقع درجة في سلّم تطور هذه الحياة؟!

أعجبني استاذ الأحياء الفلسطيني وهو يشرح نظرية “داروين” في النشؤ والارتقاء.. كنت أتابعه باندهاش وذهول، وأنا أحدث نفسي بالقول: تبدو معقولة ومنطقية إلى حد بعيد أو على الأقل بعض منها، ولاسيما المؤيدة بالأدلة أو التي أيدها العلم لاحقا..

ما أسمعه من أستاذ الأحياء لم يسبق أن سمعت مثله من قبل.. كان كلام لافت وجدير بالاهتمام، وهو يتحدث عن سُلم التطور والارتقاء وكثير من التفاصيل.. ووجدت بعض من مشترك أو مقاربة عن أصل الإنسان بين نظرية التطور والارتقاء لداروين، وبعض ما أورده إنجلز في كتابه أصل العائلة..

ربما أحسست بمنطقية النظرية أو جلها، وهي في الحال الأسوأ لا تخلو من صحيح ومفيد.. استمتعت بطريقة عرضها، وبعض المؤيدات لبعض وجوهها.. ربما زعزعت بعض قناعاتي بكثير من الشكوك، أو صدّعت بعض من مسلماتي الراسخة والضاربة الجذور في وعيي، فضلا عن كونها تبحث للممكن عن آفاق عريضة..

أعجبتُ بمادة الفلسفة ومواد العلوم والاجتماعيات إجمالا وشعرت أنها تشكل وعي، وتصنع فرقا في معارفي المدرسية والعامة.. كانت تطرح على عقلي كثير من الأسئلة التي تقود إلى معرفة جديدة أو أكثر إشراقا.. تبدلت أشياء كثيرة في ذهني الصغير مما كنت أظن واعتقد.. كنت أشعر أنها تضيف لي شيئا جديدا لم أعهده ولم أعرفه من قبل.

وفي صف ثالث ثانوي بدأت المسافة بيني وبين ما كنت أعتقد تنزاح لصالح الشك أو بعضه.. استحضرت تلك الأسئلة التي كنت أطلقها وأنا صغير بتلقائية وعفوية وبراءة.. بدأت قناعات جديدة تتشكل وهي قناعات أكثر منطقية ومعقولية وبعضها مدعوما بالأدلة.. شعرت أن مفاهيم جديدة تتبلور وتتشكل في عقلي بعيدة عن العواطف والوجدان والخزعبلات..

***
يتبع..
غصة وأسف..
بعض من تفاصيل حياتي
في السلك العسكري
الالتحاق بالكلية العسكرية
احمد سيف حاشد

لأول مرة يظهر اسمي في لائحة الشرف على بوابة الكلية العسكرية بعد أن أحرزت المركز الأول في الدفعة.. لأول مرة استلم جائزة من رئيس يمني.. المرة الأولى التي أسافر فيها إلى خارج اليمن.. المرة الأولى التي أركب فيها طائرة.. لأول مرة أشاهد العالم من علو مرتفع.. أول مرة أعرف "المترو" والتنقل في أنفاق طويلة تحت الأرض في عاصمة عظيمة.. لأول مرة أشاهد رجال يقبّلون حبيباتهم وزوجاتهم في أمكنة عامة.. لأول مرة أدخل "سيرك".. لأول مرة أشاهد بأم عيني حضارة أخرى، وعالم مختلف عمّا أعتدته وألفته..
***
(١)
اختيار وعيب وفحص

ما أن أتممت الثانوية العامة عام 1981حتى كان عليّ أن أحسن اختيار الجواب على سؤال: ماذا بعد؟؟! كنت أشــعر أن الجواب مهم، وعليّ أن أجيد الاختيار؛ لأن مستقبلي سيكون محكوما به.. كنت أشعر إن الإجــابة تحتاج لبعض من التريث والاستغراق.. شعرت في بعض الأحايين حيال ذلك بالحيرة والأرق.. وجدت أنني على مفترق طرق، وأنني سأدفع ثمن أي خطأ في الاختيار، وربما ترافقني الخيبة ما بقي من العمر إن لم أحسن الاختيار أو يسيء تقديري فيه.. وقد داهمتني في حياتي الماضية خيبات عديدة جعلتني أردد قول الشاعر:
”مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ... تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ”.

تمنيت أن أحصل على منحة دراسية بعد الثانوية العامة في الخارج شأني شأن عدد غير قليل من أقراني، ومن هم دون مستواي؛ حيث كانت محصلة نتيجتي في الثانوية العامة جيد جداً.. كنت أريد أن أحصل على منحة دراسة في الإعلام أو الآداب أو العلاقات الدولية أو العلوم السياسية أو الفلسفة أو علم الاجتماع أو نحو ذلك.. لكن على ما يبدو كنت عاثر الحظ، وقليل الحيلة، ولم أتلقِ دعم من أي جهة أو شخصية حتى في حدود ما يسمح لي بالوصول إلى المنافسة التي تتيح لي فرصة السباق والمفاضلة للفوز بمنحة دراسية..

وبعد هذا الإخفاق لا بأس الآن .. سألتحق بالكلية العسكرية.. كان هذا الاختيار يعني أنني سأختصر الطريق.. اختصار من عمر لا أريد أن أبدد منه سنتين في الخدمة العسكرية، وفيما بعدها ينتظرني المجهول، لماذا لا ألتحق بالكلية العسكرية الآن طالما يمكنني الالتحاق بها، وأتقاضى منها راتبا، وأتخرج منها برتبة ملازم ثاني؟! هكذا فكرت أو دارت الأفكار في خلدي على ذلك النحو..

بدا لي هذا الاختيار متاحا وممكنا ولاسيما أنه يختصر مشوار السنتين التي يقف المجهول عند نهايتها، ودون أن تضيفا شيئا إلى مستقبل انشده.. فيما سأجد في الكلية معارف عسكرية أهم وأكثر، ربما احتاجها في نضالي القادم في الشمال..

كما أن أخي علي سيف حاشد كان هو الآخر خريجاً من الكلية الحربية بصنعاء في مطلع الستينات، وكان له دور نضالي في حماية الجمهورية، وكسر حصار السبعين يوم على صنعاء مع زملائه الأفذاذ، عبد الرقيب عبد الوهاب والوحش وصالح سرحان وغيرهم..

لقد كنت بالفعل فخورا بما أنجزه أخي في الحياة العسكرية دفاعاً عن الثورة والنظام الجمهوري.. أردت أن أكون مثله أو أكثر منه إن استطعت رغم تغير الظروف وتبدل الأحوال.. كان أخي شجاعا ومقداما ومحبوبا ويحمل صفات قيادية كثيرة ومتعددة.. كنت أريد أن أسلك مسلكاً يحاكي تجربته في الحياة، أو على الأقل أختط خطاً مقارباً له.. كان ضابطا مشهوداً له بالشجاعة والبسالة، وكان يسارياً ثورياً ومنتمي تنظيميا للحزب الديمقراطي الثوري، ومتمرداً على النظام في الشمال، ويرى في قضايا الناس والتقدم قضيته الأولى.

كان يتوقف قبولي في الكلية العسكرية على اجتياز الفحص الطبي.. كنت أظن أن القبول يتوقف فقط على اللياقة البدنية، وربما فحص طبي، ولكن لم يتبادر إلى ذهني أنه سيشمل الأعضاء التناسلية..

قبل المعاينة الطبية كنت أشعر بالخجل من معاينة الطبيب لأعضائي التناسلية.. كنت أسأل نفسي: كيف يتجرأ الطبيب أن يفعل هذا؟! وأين سأدس وجهي من الخجل حين يفعل؟! وكيف سيكون هذا الفعل؟!

ما حدث لم أكن أتوقعه قبل أن أقرر انضمامي للكلية العسكرية، ولو كنت أعلم هذا ما كنت أختار هذا الانضمام؟! لم أتصور أن شيئا من هذا القبيل سيحدث في هذا العبور الذي فاجئني ولم يكن بحسباني، وقد شعرتُ عند المعاينة أن الخجل يبلعني من قمة رأسي إلى أخمس قدماي..

غالبت نفسي، وقمعتُ عقد الممانعة، واجتزت الفحص الطبي بنجاح، وكذا اللياقة البدنية، وكانت خشيتي كبيرة ألا أجتاز الفحص الطبي بسبب وجود دوالي خفيفة في الخصيتين، غير أن الأمر كان بسيطا وغير ملحوظ، ولم يشكل أي مانع من الالتحاق بالكلية العسكرية..

حصلت على مقعد من المقاعد المخصصة لما كانت تُعرف بالجبهة الوطنية الديمقراطية (جودي) التي تم تخصيص حوالي 12 مقعداً لها في تلك الدفعة وهي الدفعة العاشرة، وكانت هنالك مقاعد أخرى تمنح أيضا لما يعرف بحركة التحرر الوطني، مخصصة لفلسطينيين وأكراد وشيوعيين عراقيين وعمانيين..

تذكرت “علوان” في قريتنا.. الرجل الحساس والخجول والقبيلي المعتز بقيم العيب ومفهوم الر
جولة المطبوعة في تصوره الأخلاقي، والذي لم يفرط باقلّها هونا، حتى وإن قتل نفسه، بل وآثر الانتحار على أن يمس بعيب حتى من قبل الطبيب، لن يساوم فيما يراه من عيب وإن بات ما يعانيه خطرا يتهدد حياته..

"علوان" الذي آثر الموت على معاينة الطبيب للباسور الذي كان على ما يبدو قد بلغ حد لا يحتمل من التضخم والنزيف والألم البالغ، وهو ما أدّى به إلى اتخاذ قرار الانتحار، وتنفيذ هذا القرار؛ للخلاص من الألم الذي يعذبه بكتمان، والعيب الذي يثقله، والحيلولة دون أن يرى الطبيب فتحت شرجه.. كم نحن مثقلين بالعيب والحياء والحرج والخجل إلى حد ربما يفوق التصور في بعض الأحيان!!

كيف لنا أن نفكك تلك العاهات التي تنشّأنا عليها منذ سنوات الحضانة، وتجذرت في سنوات الطفولة الأولى، ثم السنوات التي تليها، وما بعدها؟! ما أحوجنا أن نعيد صياغة الوعي المعطوب، أو المشوه بالعيب الشائه؟! كم هي الحاجة ملحة لتفكيك العُقد المستحكمة والمتحكمة في حياتنا ومستقبلنا، والتي تظل تلازمنا من الحضانة حتى أزيف العمر؟!

ما أحوجنا أن نبدد الظلام الكثيف الذي أستولي على براءة طفولتنا الأولى، ويريد أن يثقل كواهلنا حتى آخر العمر بالتصورات المختلة للأخلاق، والقيم المختلة والمشوهة للوعي والتربية؟!! كم نحن بحاجة أن نتصالح مع أنفسنا لنتعايش مع حقيقتنا بدون أقنعة، وبدون تزييف أو تزوير أو مساحيق تجميل؟!!

كم نحن بحاجة لأن نتعلم التصالح مع أنفسنا في الطفولة ومقتبل العمر لنقبل على الحياة متعافين بسوية، وحياة خالية من العاهات والعقد والتشوهات الأخرى التي تدمر الوعي أو تعطبه، أو تجعله كسيحا ومثقلا بالإعاقة والكلفة البالغة وفادح قد يصل إلى انتزاع الروح؟!..

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي