الى وزير داخلية صنعاء مع التحية..
من قال إن صنعاء اكثر أمنا من عدن
عبد الرزاق الجمل:
رحت أمس أتعشى في مطعم حيران بشارع الرقاص. وصلت وهم مشغولون بمراجعة فيديوهات كاميرا المراقبة. 13 فاتورة قرحت جو. يعني 13 لصا دخلوا المطعم في يوم.
قبل هذه الحادثة بيومين نشرت امرأة مقطع فيديو للص تعقبها إلى العمارة التي تسكن فيها، قبل أن يهجم عليها وهي برفقة طفلتها وينتزع منها الجوال ويغادر. حدث هذا في الشارع ذاته، على بعد أمتار من قسم 22 مايو.
قبلها بثلاثة أيام، سرق لص عن طريق الإكراه جوال "آيفون" حديث لقريب لي في الشارع ذاته.
قبلها بأسبوع سرق لص، وعن طريق الإكراه، جوال جارنا ابن الآنسي. قد يكون اللص ذاته.
تروح قسم 22 مايو، يقول لك انتظر مجيء أبو طالب. وأبو طالب أذن من طين وأذن من عجين.. إلخ.
لن أبالغ إن قلت إن صنعاء تشهد عملية سرقة كل خمس دقائق. من قال إن صنعاء أكثر أمنا من عدن؟.
هناك اهتمام بجوانب أمنية معينة فقط، لا تعني المواطن في شيء، والإنجازات فيها بالخلايا.
من قال إن صنعاء اكثر أمنا من عدن
عبد الرزاق الجمل:
رحت أمس أتعشى في مطعم حيران بشارع الرقاص. وصلت وهم مشغولون بمراجعة فيديوهات كاميرا المراقبة. 13 فاتورة قرحت جو. يعني 13 لصا دخلوا المطعم في يوم.
قبل هذه الحادثة بيومين نشرت امرأة مقطع فيديو للص تعقبها إلى العمارة التي تسكن فيها، قبل أن يهجم عليها وهي برفقة طفلتها وينتزع منها الجوال ويغادر. حدث هذا في الشارع ذاته، على بعد أمتار من قسم 22 مايو.
قبلها بثلاثة أيام، سرق لص عن طريق الإكراه جوال "آيفون" حديث لقريب لي في الشارع ذاته.
قبلها بأسبوع سرق لص، وعن طريق الإكراه، جوال جارنا ابن الآنسي. قد يكون اللص ذاته.
تروح قسم 22 مايو، يقول لك انتظر مجيء أبو طالب. وأبو طالب أذن من طين وأذن من عجين.. إلخ.
لن أبالغ إن قلت إن صنعاء تشهد عملية سرقة كل خمس دقائق. من قال إن صنعاء أكثر أمنا من عدن؟.
هناك اهتمام بجوانب أمنية معينة فقط، لا تعني المواطن في شيء، والإنجازات فيها بالخلايا.
بعض من تفاصيل حياتي
(2)
ورطة تمرد
كنت على الدوام أشعر بقلق ورعب شديد من العقاب.. الخوف كان يتملكني.. سلطة الخوف كانت لها وطأتها على نفسيتي.. لم يكن هناك مكان لصنع القناعات الذي يؤسسها الوعي لا في البيت ولا في المدرسة.. مدرسة العقاب كانت هي من تحكمنا ولها الكلمة العليا.. كانت أو تكاد تكون مدرسة بصلاحية عقاب مطلقة.. لا يمكن للأب أن يقول للأستاذ أرفق بابني عند العقاب، بل كان الأب هو من يحث ويشجع الأستاذ على عقاب ابنه، وأكثر من ذلك يفوضه بمزيد من الشدة والحزم.. كان الأب يستريح ويشعر بالامتنان للمعلم إذا أنزل بابنه عقوبة مهما كانت شديدة ومؤلمة.. وضع ربما يشعرك وكأن سادية نحوك قد اجتمعت من الطرفين.. تجد نفسك محشورا بينهما في زاوية ضيقة، لا مهرب أمامك ولا مفر..
كنّا محكومين بسلطة الخوف من الأب ومن الاستاذ.. كنت نحيلا ومنهك الجسد.. كان وجهي غارقا في الشحوب.. لازلت أذكر أن بعض التقاطيع التي يفترض أن تأتي في وقت متأخر من العمر كانت قد غزت وجهي في طفولتي الباكرة.. لازلت أذكر الخطوط العمودية بين العينين وهي تفترس وجه الطفولة بوحشية.. كنت أحس إن عقوبات الأستاذ قاسية ومنفرة وغير إنسانية، ومؤلمة للجسد والروح!
في إحدى الأيام تأخرت عن طابور الصباح، وخشية من العقوبة ذهبت إلى حجرة مهجور فوق اصطبل بقرة جارنا مانع سعيد بدلاً من أن أذهب إلى المدرسة..
كانت الحُجرة بمثابة نُزُل مخصص لاستقبال الغرباء عند اللزوم والذين يقضون فيها يوما واحدا أو يومين إن طال المقام، فيما كانت أغلب الأحيان تظل فارغة لأسابيع دون نزيل أو أنيس.
ولكي لا أتعرض للعقاب في اليوم التالي نظراً لتغيبي عن حضور اليوم السابق اضطررت لتكرار خطئي، ذهبتُ إلى نفس الحُجرة، وتكرر الأمر في اليوم الثالث والرابع.. إنه الهروب إلى الإمام.. إنه هروب يشبه ذلك الهروب الذي ذهبت إليه الجماعات والاحزاب والقوى السياسية التي نكبت الوطن.. قياس مع الفارق..
أنا شعرت أن ورطتي تتعاظم وتتسع، فكلّما زاد تغيُّبي كلما اعترتني خشية أكبر من عقوبة أشد إيلاماً حتى تبدت لي في اليوم الرابع أنها ستفوق التوقع والخيال، وبالتالي أحسست ألا حيلة سوى المواجهة إذا ما أنكشف أمري.. فيما القوى السياسية والأحزاب الدينية وإلى اليوم لازالت تمعن في جلب مزيد من الجحيم للوطن، رغم الكلفة والجحيم الذي يتبدّى لها كل يوم، والذي يهدد في الصميم الوطن، في وحدته واستقلاله وسلامة أراضيه ومستقبله..
كنت قرابة ست ساعات يوميا أقضيها في تلك الحُجرة المهجورة، مملة ورتيبة إلى أقصى الحدود، لكنها أقل وطأة من وجهة نظري من عقاب يفوق الاحتمال أشعر أنه نازل لا محالة.. كنت أحاول أن أخفف من وطأة رتابة تلك الساعات بالنظر من نافذة الغرفة إلى الفضاء المقابل .. الوادي والذاهبين والآيبين فيه، وكلما سمعت صوت في الجوار انتفض مرتاباً لأرقب من شقوق الباب ماذا يُدبر بالخارج وكلي توجس وقلق أحياناً، وفضول وشغف في أحايين أخرى.
في اليوم الخامس انكشف أمري وفضحني السؤال، حيث سمعت (الأستاذ) يسأل والدي عن سبب غيابي. فأجابه والدي أنني أذهب كل يوم للمدرسة، فهرعت إلى المدرسة وأدركت حينها أن الفأس قد أصاب الرأس وأن أمري انكشف، ولابد أن أستعد لدفع ثمن باهض ودفعة واحدة.
***
يتبع..
تعذيب في المدرسة
(2)
ورطة تمرد
كنت على الدوام أشعر بقلق ورعب شديد من العقاب.. الخوف كان يتملكني.. سلطة الخوف كانت لها وطأتها على نفسيتي.. لم يكن هناك مكان لصنع القناعات الذي يؤسسها الوعي لا في البيت ولا في المدرسة.. مدرسة العقاب كانت هي من تحكمنا ولها الكلمة العليا.. كانت أو تكاد تكون مدرسة بصلاحية عقاب مطلقة.. لا يمكن للأب أن يقول للأستاذ أرفق بابني عند العقاب، بل كان الأب هو من يحث ويشجع الأستاذ على عقاب ابنه، وأكثر من ذلك يفوضه بمزيد من الشدة والحزم.. كان الأب يستريح ويشعر بالامتنان للمعلم إذا أنزل بابنه عقوبة مهما كانت شديدة ومؤلمة.. وضع ربما يشعرك وكأن سادية نحوك قد اجتمعت من الطرفين.. تجد نفسك محشورا بينهما في زاوية ضيقة، لا مهرب أمامك ولا مفر..
كنّا محكومين بسلطة الخوف من الأب ومن الاستاذ.. كنت نحيلا ومنهك الجسد.. كان وجهي غارقا في الشحوب.. لازلت أذكر أن بعض التقاطيع التي يفترض أن تأتي في وقت متأخر من العمر كانت قد غزت وجهي في طفولتي الباكرة.. لازلت أذكر الخطوط العمودية بين العينين وهي تفترس وجه الطفولة بوحشية.. كنت أحس إن عقوبات الأستاذ قاسية ومنفرة وغير إنسانية، ومؤلمة للجسد والروح!
في إحدى الأيام تأخرت عن طابور الصباح، وخشية من العقوبة ذهبت إلى حجرة مهجور فوق اصطبل بقرة جارنا مانع سعيد بدلاً من أن أذهب إلى المدرسة..
كانت الحُجرة بمثابة نُزُل مخصص لاستقبال الغرباء عند اللزوم والذين يقضون فيها يوما واحدا أو يومين إن طال المقام، فيما كانت أغلب الأحيان تظل فارغة لأسابيع دون نزيل أو أنيس.
ولكي لا أتعرض للعقاب في اليوم التالي نظراً لتغيبي عن حضور اليوم السابق اضطررت لتكرار خطئي، ذهبتُ إلى نفس الحُجرة، وتكرر الأمر في اليوم الثالث والرابع.. إنه الهروب إلى الإمام.. إنه هروب يشبه ذلك الهروب الذي ذهبت إليه الجماعات والاحزاب والقوى السياسية التي نكبت الوطن.. قياس مع الفارق..
أنا شعرت أن ورطتي تتعاظم وتتسع، فكلّما زاد تغيُّبي كلما اعترتني خشية أكبر من عقوبة أشد إيلاماً حتى تبدت لي في اليوم الرابع أنها ستفوق التوقع والخيال، وبالتالي أحسست ألا حيلة سوى المواجهة إذا ما أنكشف أمري.. فيما القوى السياسية والأحزاب الدينية وإلى اليوم لازالت تمعن في جلب مزيد من الجحيم للوطن، رغم الكلفة والجحيم الذي يتبدّى لها كل يوم، والذي يهدد في الصميم الوطن، في وحدته واستقلاله وسلامة أراضيه ومستقبله..
كنت قرابة ست ساعات يوميا أقضيها في تلك الحُجرة المهجورة، مملة ورتيبة إلى أقصى الحدود، لكنها أقل وطأة من وجهة نظري من عقاب يفوق الاحتمال أشعر أنه نازل لا محالة.. كنت أحاول أن أخفف من وطأة رتابة تلك الساعات بالنظر من نافذة الغرفة إلى الفضاء المقابل .. الوادي والذاهبين والآيبين فيه، وكلما سمعت صوت في الجوار انتفض مرتاباً لأرقب من شقوق الباب ماذا يُدبر بالخارج وكلي توجس وقلق أحياناً، وفضول وشغف في أحايين أخرى.
في اليوم الخامس انكشف أمري وفضحني السؤال، حيث سمعت (الأستاذ) يسأل والدي عن سبب غيابي. فأجابه والدي أنني أذهب كل يوم للمدرسة، فهرعت إلى المدرسة وأدركت حينها أن الفأس قد أصاب الرأس وأن أمري انكشف، ولابد أن أستعد لدفع ثمن باهض ودفعة واحدة.
***
يتبع..
تعذيب في المدرسة
بعض من طغيان أنصار الله في تعز..
أزهار ابنت أخت اقبال الحكيمي أخذوها عنوة على الطقم من منزلها في الأحكوم هي وجدتها كفاية عبده محمد وخالتها فادية والزج بهن في السجن التابع للبحث الجنائي في الحوبان والتي يشرف عليه عبد الحفيظ السراجي مدير البحث الجنائي..
تم استخدام أساليب الترهيب والترغيب على أزهار من قبل عبد الحفيظ السراجي وإسماعيل الفقيه، لحملها على الشهادة على جدتها أنها قتلت بنتها أم أزهار قبل عشر سنوات ودفنها في منزلهم بالأحكوم..
وعندما رفضت أزهار وأكدت لهم أن أمها ماتت أمامها هي واختها نشوى، وكانت حاضرة في الموقف وتم تغسيلها في المستشفى أمامهن ، وأنه تم قبرها في تعز ولاصحة أنها مقبوره في منزلهم بالأحكوم الذي هُجّرت منه الأسرة وظل تحت سلطة أنصار الله أكثر من ثلاثة أشهر..
استمروا في حبس أزهار مع جدتها مدة عشرين يوم، ثم تم اسعافها من السجن إلى المستشفى بعد أن أصيبت باللوق كما هو موضح بالصورة والتقرير الطبي الذي تم استخرجه من صنعاء بعد ثلاث أيام من إصابتها باللوق..
لقد حكت أزهار تفاصيل قصتها للنائب العام وتفاصيل سجنها وإكراهها وعرضت عليه التقرير بحالتها ولم يتم اتخاذ أي إجراء ضد أي شخص أو سلطة تسببت في ذلك..
الآن الجدة البالغة من العمر قرابة السبعين عاما لازالت مسجونة هي وابنتها فادية.. وحالة الجدة الصحية تتدهور والسلطات في تعز أو صنعاء لم تتخذ أي إجراء ضد المشرفين ولا ضد من استغلوا سلطتهم أو أساءوا استخدام السلطة ولم يتم التحقيق من قبل النيابة مع ما نسب للمشرفين من انتهاكات بل حتى أحد المتهمين من المشرفين تم اطلاقه من قبل النيابة بضمانة رئيس البحث الجنائي عبد الحفيظ السراجي..
لقد سبق وأن تحديت النيابة والبحث الجنائي في تعز أن يقدموا سبب قانوني واحد بحجم خرم إبرة لاعتقال أزهار ومثلها أيضا فادية أخت أقبال..
إن ما يحدث هو محاولة لتغطية جرائم المشرفين في الأحكوم والأعبوس من قبل السلطات في تعز وصنعاء..
أزهار ابنت أخت اقبال الحكيمي أخذوها عنوة على الطقم من منزلها في الأحكوم هي وجدتها كفاية عبده محمد وخالتها فادية والزج بهن في السجن التابع للبحث الجنائي في الحوبان والتي يشرف عليه عبد الحفيظ السراجي مدير البحث الجنائي..
تم استخدام أساليب الترهيب والترغيب على أزهار من قبل عبد الحفيظ السراجي وإسماعيل الفقيه، لحملها على الشهادة على جدتها أنها قتلت بنتها أم أزهار قبل عشر سنوات ودفنها في منزلهم بالأحكوم..
وعندما رفضت أزهار وأكدت لهم أن أمها ماتت أمامها هي واختها نشوى، وكانت حاضرة في الموقف وتم تغسيلها في المستشفى أمامهن ، وأنه تم قبرها في تعز ولاصحة أنها مقبوره في منزلهم بالأحكوم الذي هُجّرت منه الأسرة وظل تحت سلطة أنصار الله أكثر من ثلاثة أشهر..
استمروا في حبس أزهار مع جدتها مدة عشرين يوم، ثم تم اسعافها من السجن إلى المستشفى بعد أن أصيبت باللوق كما هو موضح بالصورة والتقرير الطبي الذي تم استخرجه من صنعاء بعد ثلاث أيام من إصابتها باللوق..
لقد حكت أزهار تفاصيل قصتها للنائب العام وتفاصيل سجنها وإكراهها وعرضت عليه التقرير بحالتها ولم يتم اتخاذ أي إجراء ضد أي شخص أو سلطة تسببت في ذلك..
الآن الجدة البالغة من العمر قرابة السبعين عاما لازالت مسجونة هي وابنتها فادية.. وحالة الجدة الصحية تتدهور والسلطات في تعز أو صنعاء لم تتخذ أي إجراء ضد المشرفين ولا ضد من استغلوا سلطتهم أو أساءوا استخدام السلطة ولم يتم التحقيق من قبل النيابة مع ما نسب للمشرفين من انتهاكات بل حتى أحد المتهمين من المشرفين تم اطلاقه من قبل النيابة بضمانة رئيس البحث الجنائي عبد الحفيظ السراجي..
لقد سبق وأن تحديت النيابة والبحث الجنائي في تعز أن يقدموا سبب قانوني واحد بحجم خرم إبرة لاعتقال أزهار ومثلها أيضا فادية أخت أقبال..
إن ما يحدث هو محاولة لتغطية جرائم المشرفين في الأحكوم والأعبوس من قبل السلطات في تعز وصنعاء..
بعض من تفاصيل حياتي
(3)
تعذيب في المدرسة
فور وصول (الأستاذ) للمدرسة استدعاني للحضور أمامه.. وقف على نحو استعراضي، ولكنني أحسست أن في داخلة مرجل يغتلي.. بدأ يحوم حولي وعصا الخيزران متحفزة لتنهش جلدي الذي يكسوا عظامي المنهكة بصعوبة..
كان يتحفز كضابط شرطة وجد من يبحث عنه بعد أن كد العمر في البحث.. ضابط أعيته الحيلة وخابت الوسيلة في القبض على من يبحث عنه، وعندما وجده أراد أن ينتقم لفشله الذريع وخيبته الكبيرة.. كان يهز الخيزران في وجهي كأنه ظفر بخصم لدود انتظره دهرا، وتحيَّن زمناً لمنازلته وسحقه..
كنت منهكا ونحيلا وخائر القوى.. لاحول لي ولا قوة أمام مجهول ينتظرني لا أدري قدره، وكيف سيكون!! كنت كلما أرجوه في سرّي وكتماني أن يكون أقل مما هو مُهلك ومميت، فيما (الاستاذ) كان يتبدى لي مكظوما بالغيظ الشديد، والغل الذي يأكل صاحبه.. كان متحفزا جدا، ولا يدري من أين يبدا بسحقي..
فكّر برهة، ثم أختار بعناية أربعة من أشد التلاميذ غلظة وقوة، وأمرهم أن يمسكوني ويسقطونني أرضاً ويرفعون قدماي مضمومتين إلى الأعلى ويمنعونني من الحراك..
قلعوني من الأرض كنبتة صغيرة منهكة.. صار رأسي مضغوطا عليه للأسفل، وقدماي مرفوعتين إلى الأعلى.. شعرت أن فارق الكتلة بيننا يكسر المقارنة.. أحسست إنهم يفرطون في استخدام القوة إلى حد لم أكن أتخيله.. إنه إفراط عبثي مغالى وساحق.. لا مقارنة بين ضآلتي وبين أربعة أعفاط بديت بينهم متلاشيا.. تلاشيت باكتظاظهم المزدحم.. كانوا يفعلوا ما يفعلوه وهم بذروة الانتشاء وبرهنة الولاء..
شلوا يداي وحركات جسدي بأيديهم الكثيرة، وثقلهم الذي أناخ على كاهلي الصغير والمنهك.. وضع بعضهم ركبهم الحجرية على بطني الخاوية وصدري المكظوم والمختنق.. كادوا أن يمنعوني من التنفس، وشعرت إن الهواء الذي أسرقه من زحامهم صعب وقليل.. ما أبخلهم حتى على الهواء الذي أتنفسه!! كأنهم مرابين يمنحوني الهواء مقسطا ومقترا وثقيل الضنك..
أحسست بلسعات الخيزران تهوى بشدة على قاع قدماي.. أحسست أن حمم من جهنم قد صبها (الأستاذ)على بطن أقدامي الدامية الأظافر.. إنها ليست عقوبة (الفلكة) المعتادة، ولكنها كانت (فلكة) من جحيم.. تعدَّت شدتها كل معقول، بل وأضعاف ما طال أكثر التلاميذ إهمالا وتقصيرا وغباء في المدرسة.. لقد اسميت ذلك اليوم بعد زمن "يوما في الجحيم"..
شاهدت بعد دقائق من انتهاء وليمتهم المرعبة على جسدي المنهك، تورم قدماي، ووجود احتقانات حمراء، ونفطا بيضاء في قاعهما وجوانبهما.. قدماي التي يفترض أن تحملني إلى البيت صرت أنا من يحملها، وكأنني أحمل جبل أثقل من أحد..
كنت أمشي عاثر الخطى.. وأحيانا أسحب جسدي كالكسيح.. أسير عشرين خطوة أو دونها ثم أستريح قليلا لأعاود السير لعشرين أخرى.. كانت رحلتي تلك أشبه برحلة في الجحيم.. كان المتر والاثنين له معنى في هذا المسير الثقيل.. عشرين بعشرين دواليك، إلى أن وصلت للبيت بعد طلوع الروح..
كنت أظن أن العقاب قد أنتهى عند هذا الحد وخصوصا أن (الأستاذ) قد أبلغ والدي أنه قد عاقبني بما أستحق وفيه الكفاية، غير أن والدي الذي كنت آمل أن يخفف عنِّي ما أوقعه الأستاذ من عقاب، وجدته أكثر أفراطا بالعقاب من الاستاذ.. بدا حالي واستجارتي بأبي (كالمستجير من الرمضاء بالنار).
***
يتبع..
عقاب أبي
(3)
تعذيب في المدرسة
فور وصول (الأستاذ) للمدرسة استدعاني للحضور أمامه.. وقف على نحو استعراضي، ولكنني أحسست أن في داخلة مرجل يغتلي.. بدأ يحوم حولي وعصا الخيزران متحفزة لتنهش جلدي الذي يكسوا عظامي المنهكة بصعوبة..
كان يتحفز كضابط شرطة وجد من يبحث عنه بعد أن كد العمر في البحث.. ضابط أعيته الحيلة وخابت الوسيلة في القبض على من يبحث عنه، وعندما وجده أراد أن ينتقم لفشله الذريع وخيبته الكبيرة.. كان يهز الخيزران في وجهي كأنه ظفر بخصم لدود انتظره دهرا، وتحيَّن زمناً لمنازلته وسحقه..
كنت منهكا ونحيلا وخائر القوى.. لاحول لي ولا قوة أمام مجهول ينتظرني لا أدري قدره، وكيف سيكون!! كنت كلما أرجوه في سرّي وكتماني أن يكون أقل مما هو مُهلك ومميت، فيما (الاستاذ) كان يتبدى لي مكظوما بالغيظ الشديد، والغل الذي يأكل صاحبه.. كان متحفزا جدا، ولا يدري من أين يبدا بسحقي..
فكّر برهة، ثم أختار بعناية أربعة من أشد التلاميذ غلظة وقوة، وأمرهم أن يمسكوني ويسقطونني أرضاً ويرفعون قدماي مضمومتين إلى الأعلى ويمنعونني من الحراك..
قلعوني من الأرض كنبتة صغيرة منهكة.. صار رأسي مضغوطا عليه للأسفل، وقدماي مرفوعتين إلى الأعلى.. شعرت أن فارق الكتلة بيننا يكسر المقارنة.. أحسست إنهم يفرطون في استخدام القوة إلى حد لم أكن أتخيله.. إنه إفراط عبثي مغالى وساحق.. لا مقارنة بين ضآلتي وبين أربعة أعفاط بديت بينهم متلاشيا.. تلاشيت باكتظاظهم المزدحم.. كانوا يفعلوا ما يفعلوه وهم بذروة الانتشاء وبرهنة الولاء..
شلوا يداي وحركات جسدي بأيديهم الكثيرة، وثقلهم الذي أناخ على كاهلي الصغير والمنهك.. وضع بعضهم ركبهم الحجرية على بطني الخاوية وصدري المكظوم والمختنق.. كادوا أن يمنعوني من التنفس، وشعرت إن الهواء الذي أسرقه من زحامهم صعب وقليل.. ما أبخلهم حتى على الهواء الذي أتنفسه!! كأنهم مرابين يمنحوني الهواء مقسطا ومقترا وثقيل الضنك..
أحسست بلسعات الخيزران تهوى بشدة على قاع قدماي.. أحسست أن حمم من جهنم قد صبها (الأستاذ)على بطن أقدامي الدامية الأظافر.. إنها ليست عقوبة (الفلكة) المعتادة، ولكنها كانت (فلكة) من جحيم.. تعدَّت شدتها كل معقول، بل وأضعاف ما طال أكثر التلاميذ إهمالا وتقصيرا وغباء في المدرسة.. لقد اسميت ذلك اليوم بعد زمن "يوما في الجحيم"..
شاهدت بعد دقائق من انتهاء وليمتهم المرعبة على جسدي المنهك، تورم قدماي، ووجود احتقانات حمراء، ونفطا بيضاء في قاعهما وجوانبهما.. قدماي التي يفترض أن تحملني إلى البيت صرت أنا من يحملها، وكأنني أحمل جبل أثقل من أحد..
كنت أمشي عاثر الخطى.. وأحيانا أسحب جسدي كالكسيح.. أسير عشرين خطوة أو دونها ثم أستريح قليلا لأعاود السير لعشرين أخرى.. كانت رحلتي تلك أشبه برحلة في الجحيم.. كان المتر والاثنين له معنى في هذا المسير الثقيل.. عشرين بعشرين دواليك، إلى أن وصلت للبيت بعد طلوع الروح..
كنت أظن أن العقاب قد أنتهى عند هذا الحد وخصوصا أن (الأستاذ) قد أبلغ والدي أنه قد عاقبني بما أستحق وفيه الكفاية، غير أن والدي الذي كنت آمل أن يخفف عنِّي ما أوقعه الأستاذ من عقاب، وجدته أكثر أفراطا بالعقاب من الاستاذ.. بدا حالي واستجارتي بأبي (كالمستجير من الرمضاء بالنار).
***
يتبع..
عقاب أبي
توقف مصنع سجائر كمران الموجود في نطاق سيطرة سلطة صنعاء..
تعازينا لألف وخمسمائة أسرة تقتات منه وفقدت مصدر رزقها..
تعازينا للقطاع العام والمختلط على ما لحقه من خسارة..
تعازينا للخزينة العامة التي فقدت أكثر من 25 مليار ريال سنويا كانت تتحصله من شركة كمران..
تعازينا للمعوقين ومرضى السرطان الذي فقدوا أهم مصدر ومورد من موارد صناديقهم..
مبروك للمهربين على نجاحهم هذا، وللأسواق المفتوحة لسلعهم ولهيئة التهريب غير المعلنة في سلطة صنعاء..
مبروك للساسة المتقامرين بأقوات الناس والرافضين تحييد الاقتصاد..
مبروك للمتهبشين على أموال كمران ومدخراتها..
مبروك للصوص والفاسدين..
مبروك للسجائر المهربة التي تعج في الأسواق من كل نوع وصنف..
مبروك لمقبرة القطاع العام والمختلط باضافة مؤسسة وطنية إلى قائمة موتاها..
مبروك لمحمد العماد على مكافحته التهريب في صحيفته الهوية الذي صدر منها بضعة أعداد تضمنت موضوعين أو ثلاثة لمكافحة التهريب بخمسة مليون ريال غير الإعلانات والاشتراكات السنوية..
تعازينا لألف وخمسمائة أسرة تقتات منه وفقدت مصدر رزقها..
تعازينا للقطاع العام والمختلط على ما لحقه من خسارة..
تعازينا للخزينة العامة التي فقدت أكثر من 25 مليار ريال سنويا كانت تتحصله من شركة كمران..
تعازينا للمعوقين ومرضى السرطان الذي فقدوا أهم مصدر ومورد من موارد صناديقهم..
مبروك للمهربين على نجاحهم هذا، وللأسواق المفتوحة لسلعهم ولهيئة التهريب غير المعلنة في سلطة صنعاء..
مبروك للساسة المتقامرين بأقوات الناس والرافضين تحييد الاقتصاد..
مبروك للمتهبشين على أموال كمران ومدخراتها..
مبروك للصوص والفاسدين..
مبروك للسجائر المهربة التي تعج في الأسواق من كل نوع وصنف..
مبروك لمقبرة القطاع العام والمختلط باضافة مؤسسة وطنية إلى قائمة موتاها..
مبروك لمحمد العماد على مكافحته التهريب في صحيفته الهوية الذي صدر منها بضعة أعداد تضمنت موضوعين أو ثلاثة لمكافحة التهريب بخمسة مليون ريال غير الإعلانات والاشتراكات السنوية..
١٥٠٠ أسرة تفقد مصدر دخلها
توقف مصنع سجائر كمران الموجود في نطاق سيطرة سلطة صنعاء..
تعازينا لألف وخمسمائة أسرة تقتات منه وفقدت مصدر رزقها..
تعازينا للقطاع العام والمختلط على ما لحقه من خسارة..
تعازينا للخزينة العامة التي فقدت أكثر من 25 مليار ريال سنويا كانت تتحصله من شركة كمران..
تعازينا للمعوقين ومرضى السرطان الذي فقدوا أهم مصدر ومورد من موارد صناديقهم..
مبروك للمهربين على نجاحهم هذا، وللأسواق المفتوحة لسلعهم ولهيئة التهريب غير المعلنة في سلطة صنعاء..
مبروك للساسة المتقامرين بأقوات الناس والرافضين تحييد الاقتصاد..
مبروك للمتهبشين على أموال كمران ومدخراتها..
مبروك للنهابة واللصوص والفاسدين..
مبروك للسجائر المهربة التي تعج في الأسواق من كل نوع وصنف..
مبروك لمقبرة القطاع العام والمختلط باضافة مؤسسة وطنية إلى قائمة موتاها..
شكرا للجنه الاقتصادية المعنيه بالدرجة الاولى في الحفاظ على شركات القطاع العام والمختلط
مبروك لمحمد العماد على مكافحته التهريب في صحيفته الهوية الذي صدر منها بضعة أعداد تضمنت موضوعين أو ثلاثة لمكافحة التهريب بخمسة مليون ريال غير الهبات السخية وما يمنح تحت عناوين الدعم والإعلانات والاشتراكات السنوية..
توقف مصنع سجائر كمران الموجود في نطاق سيطرة سلطة صنعاء..
تعازينا لألف وخمسمائة أسرة تقتات منه وفقدت مصدر رزقها..
تعازينا للقطاع العام والمختلط على ما لحقه من خسارة..
تعازينا للخزينة العامة التي فقدت أكثر من 25 مليار ريال سنويا كانت تتحصله من شركة كمران..
تعازينا للمعوقين ومرضى السرطان الذي فقدوا أهم مصدر ومورد من موارد صناديقهم..
مبروك للمهربين على نجاحهم هذا، وللأسواق المفتوحة لسلعهم ولهيئة التهريب غير المعلنة في سلطة صنعاء..
مبروك للساسة المتقامرين بأقوات الناس والرافضين تحييد الاقتصاد..
مبروك للمتهبشين على أموال كمران ومدخراتها..
مبروك للنهابة واللصوص والفاسدين..
مبروك للسجائر المهربة التي تعج في الأسواق من كل نوع وصنف..
مبروك لمقبرة القطاع العام والمختلط باضافة مؤسسة وطنية إلى قائمة موتاها..
شكرا للجنه الاقتصادية المعنيه بالدرجة الاولى في الحفاظ على شركات القطاع العام والمختلط
مبروك لمحمد العماد على مكافحته التهريب في صحيفته الهوية الذي صدر منها بضعة أعداد تضمنت موضوعين أو ثلاثة لمكافحة التهريب بخمسة مليون ريال غير الهبات السخية وما يمنح تحت عناوين الدعم والإعلانات والاشتراكات السنوية..
بعض من تفاصيل حياتي
(4)
تعذيب.. ضرب وتعليق
وصلت إلى باب دارنا، وكان أبي في الانتظار.. أقترب مني بخطوات متهادية.. ظننت أن الله رحمني، وساق في أبي معجزة تغاير ما أعتاد عليه، أو ربما ظننت أن شفقة ما قد اجتاحته أو تفجرت داخله، وخصوصا أنه شاهدني حسيرا، أو أسير متعثرا بخطواتي المعاقة، لا أقوى على حمل قدماي إلا بصعوبة ومشقة بالغه، ولكنه باغتني بحركة لم تكن ببالي وحسباني..
فرج رجليه وخفظها، وعطف قامته، ووضع كتفه الأيمن في أعلى منتصف قامتي، ونهض لأجد نفسي معتولا، ومعطوفا على ظهرة كحرف الواو المقلوب، ويداه ممسكتان بالساقين، وقدماي ترمح كعصفور مذبوح أمام وجهه، وهي مقلوبة ومرفوعة قليلا إلى أعلى من قامته، ورأسي متدلي على ظهره كخروف..
كانت حركة أبي بالنسبة لي مباغتة وصادمة.. اجتاحتني نوبة هلع، لاسيما أنني لا أدري ماذا سيفعل بي؟! وما عقد عليه العزم؟! زاوية الاستدارة التي شهدتها بدت لي استدراه كونية لكل ما هو حولي.. صرت أرى الأشياء من وضعي مقلوبة رأسا على عقب، ومغايرا لما أعتاد الناس رؤيته !! أدركت أن هناك عقوبة جديدة أكثر وحشية تنتظرني، ولكن لا أعرف ما هي!!
كنت أصرخ بهلع فاجع ومتعاقب دون فاصل، فيما أبي ذهب بي نحو شجرة السدر القريبة من باب دارنا، وكان الحبل عليها معدا وجاهزا لتعليقي.. ربط قدماي بالحبل، ورفعني إلى فرع الشجرة، ورأسي متدليا إلى الأسفل.. كانت هيئتي كشاة مذبوحة عُلِّقت للسلخ والخلس..
كنت أصرخ وأستغيث ببكاء صارخ يفلق الحجارة، لعل منجد قريب يهرع إلى أبي وينجدني مما أنا فيه، إلا أن لا منجد وجدت ولا مغيث جاء.. الكبار كانوا يشاهدوا ما يحدث من سطوح بيوتهم وأبوابها بصمت القبور، وربما طل البعض برؤوسهم من الطيقان والمفارج، فيما فاجئني أبي بالمزيد.. ضرب عنيف بعصا على ظهري وبطني وسيقاني، ولا من يهرع لإنقاذي.. كانت أمي في الجبل، وكان صراخي يشق السماء، ولسعات العصا تنهش في جسدي كذئب جائع ينهش في فريسته..
ربما بدا صراخي أشبه بإعلان مجاني، ودعوة للأطفال والنسوة ليشاهدوا المنظر الذي لم يألفوا ولم يعتادوا على مشاهدته حتى برأس العام أو العامين، بل لم يشاهدوا مثله في حياتهم من قبل.. بدا مشهدا عجيبا يسترعي المتابعة باهتمام والحرص على عدم الغفلة أو افلات عيونهم للحظة منه.. مشهد لم تعتاد عليه قرانا مهما كان الابن متمردا وعاقا أو حتى مجنونا..
هرع بعض الأطفال إلى مكان قريب ليروا تفاصيل أكثر عن هذا المشهد الغريب الذي يشاهدونه للمرة الأولى.. كان الأطفال يشاهدوا المشهد وكأنه سينما يحضرونها للمرة الأولى، وفلم يشاهدونه لأول مرة، ومجانا دون مقابل.. أما أنا فلا زال المشهد عالقا في ذاكرتي إلى اليوم، ولكن ومع ذلك لا أحمل لأبي اليوم إلا كثيرا من السماح والغفران..
بعد أن أفرغ ابي جام غضبه، ظللت معلقا على الشجرة حتى هرعت أمي من الجبل لنجدتي وفك وثاقي وجاءت بعد حين غير قصير..
***
يتبع..
ومع ذلك كان الاستاذ قديرا
(4)
تعذيب.. ضرب وتعليق
وصلت إلى باب دارنا، وكان أبي في الانتظار.. أقترب مني بخطوات متهادية.. ظننت أن الله رحمني، وساق في أبي معجزة تغاير ما أعتاد عليه، أو ربما ظننت أن شفقة ما قد اجتاحته أو تفجرت داخله، وخصوصا أنه شاهدني حسيرا، أو أسير متعثرا بخطواتي المعاقة، لا أقوى على حمل قدماي إلا بصعوبة ومشقة بالغه، ولكنه باغتني بحركة لم تكن ببالي وحسباني..
فرج رجليه وخفظها، وعطف قامته، ووضع كتفه الأيمن في أعلى منتصف قامتي، ونهض لأجد نفسي معتولا، ومعطوفا على ظهرة كحرف الواو المقلوب، ويداه ممسكتان بالساقين، وقدماي ترمح كعصفور مذبوح أمام وجهه، وهي مقلوبة ومرفوعة قليلا إلى أعلى من قامته، ورأسي متدلي على ظهره كخروف..
كانت حركة أبي بالنسبة لي مباغتة وصادمة.. اجتاحتني نوبة هلع، لاسيما أنني لا أدري ماذا سيفعل بي؟! وما عقد عليه العزم؟! زاوية الاستدارة التي شهدتها بدت لي استدراه كونية لكل ما هو حولي.. صرت أرى الأشياء من وضعي مقلوبة رأسا على عقب، ومغايرا لما أعتاد الناس رؤيته !! أدركت أن هناك عقوبة جديدة أكثر وحشية تنتظرني، ولكن لا أعرف ما هي!!
كنت أصرخ بهلع فاجع ومتعاقب دون فاصل، فيما أبي ذهب بي نحو شجرة السدر القريبة من باب دارنا، وكان الحبل عليها معدا وجاهزا لتعليقي.. ربط قدماي بالحبل، ورفعني إلى فرع الشجرة، ورأسي متدليا إلى الأسفل.. كانت هيئتي كشاة مذبوحة عُلِّقت للسلخ والخلس..
كنت أصرخ وأستغيث ببكاء صارخ يفلق الحجارة، لعل منجد قريب يهرع إلى أبي وينجدني مما أنا فيه، إلا أن لا منجد وجدت ولا مغيث جاء.. الكبار كانوا يشاهدوا ما يحدث من سطوح بيوتهم وأبوابها بصمت القبور، وربما طل البعض برؤوسهم من الطيقان والمفارج، فيما فاجئني أبي بالمزيد.. ضرب عنيف بعصا على ظهري وبطني وسيقاني، ولا من يهرع لإنقاذي.. كانت أمي في الجبل، وكان صراخي يشق السماء، ولسعات العصا تنهش في جسدي كذئب جائع ينهش في فريسته..
ربما بدا صراخي أشبه بإعلان مجاني، ودعوة للأطفال والنسوة ليشاهدوا المنظر الذي لم يألفوا ولم يعتادوا على مشاهدته حتى برأس العام أو العامين، بل لم يشاهدوا مثله في حياتهم من قبل.. بدا مشهدا عجيبا يسترعي المتابعة باهتمام والحرص على عدم الغفلة أو افلات عيونهم للحظة منه.. مشهد لم تعتاد عليه قرانا مهما كان الابن متمردا وعاقا أو حتى مجنونا..
هرع بعض الأطفال إلى مكان قريب ليروا تفاصيل أكثر عن هذا المشهد الغريب الذي يشاهدونه للمرة الأولى.. كان الأطفال يشاهدوا المشهد وكأنه سينما يحضرونها للمرة الأولى، وفلم يشاهدونه لأول مرة، ومجانا دون مقابل.. أما أنا فلا زال المشهد عالقا في ذاكرتي إلى اليوم، ولكن ومع ذلك لا أحمل لأبي اليوم إلا كثيرا من السماح والغفران..
بعد أن أفرغ ابي جام غضبه، ظللت معلقا على الشجرة حتى هرعت أمي من الجبل لنجدتي وفك وثاقي وجاءت بعد حين غير قصير..
***
يتبع..
ومع ذلك كان الاستاذ قديرا
بعض من تفاصيل حياتي
(4)
تعذيب.. ضرب وتعليق
وصلت إلى باب دارنا، وكان أبي في الانتظار.. أقترب مني بخطوات متهادية.. ظننت أن الله رحمني، وساق في أبي معجزة تغاير ما أعتاد عليه، أو ربما ظننت أن شفقة ما قد اجتاحته أو تفجرت داخله، وخصوصا أنه شاهدني حسيرا، أو أسير متعثرا بخطواتي المعاقة، لا أقوى على حمل قدماي إلا بصعوبة ومشقة بالغه، ولكنه باغتني بحركة لم تكن ببالي وحسباني..
فرج رجليه وخفظها، وعطف قامته، ووضع كتفه الأيمن في أعلى منتصف قامتي، ونهض لأجد نفسي معتولا، ومعطوفا على ظهرة كحرف الواو المقلوب، ويداه ممسكتان بالساقين، وقدماي ترمح كعصفور مذبوح أمام وجهه، وهي مقلوبة ومرفوعة قليلا إلى أعلى من قامته، ورأسي متدلي على ظهره كخروف..
كانت حركة أبي بالنسبة لي مباغتة وصادمة.. اجتاحتني نوبة هلع، لاسيما أنني لا أدري ماذا سيفعل بي؟! وما عقد عليه العزم؟! زاوية الاستدارة التي شهدتها بدت لي استدراه كونية لكل ما هو حولي.. صرت أرى الأشياء من وضعي مقلوبة رأسا على عقب، ومغايرا لما أعتاد الناس رؤيته !! أدركت أن هناك عقوبة جديدة أكثر وحشية تنتظرني، ولكن لا أعرف ما هي!!
كنت أصرخ بهلع فاجع ومتعاقب دون فاصل، فيما أبي ذهب بي نحو شجرة السدر القريبة من باب دارنا، وكان الحبل عليها معدا وجاهزا لتعليقي.. ربط قدماي بالحبل، ورفعني إلى فرع الشجرة، ورأسي متدليا إلى الأسفل.. كانت هيئتي كشاة مذبوحة عُلِّقت للسلخ والخلس..
كنت أصرخ وأستغيث ببكاء صارخ يفلق الحجارة، لعل منجد قريب يهرع إلى أبي وينجدني مما أنا فيه، إلا أن لا منجد وجدت ولا مغيث جاء.. الكبار كانوا يشاهدوا ما يحدث من سطوح بيوتهم وأبوابها بصمت القبور، وربما طل البعض برؤوسهم من الطيقان والمفارج، فيما فاجئني أبي بالمزيد.. ضرب عنيف بعصا على ظهري وبطني وسيقاني، ولا من يهرع لإنقاذي.. كانت أمي في الجبل، وكان صراخي يشق السماء، ولسعات العصا تنهش في جسدي كذئب جائع ينهش في فريسته..
ربما بدا صراخي أشبه بإعلان مجاني، ودعوة للأطفال والنسوة ليشاهدوا المنظر الذي لم يألفوا ولم يعتادوا على مشاهدته حتى برأس العام أو العامين، بل لم يشاهدوا مثله في حياتهم من قبل.. بدا مشهدا عجيبا يسترعي المتابعة باهتمام والحرص على عدم الغفلة أو افلات عيونهم للحظة منه.. مشهد لم تعتاد عليه قرانا مهما كان الابن متمردا وعاقا أو حتى مجنونا..
هرع بعض الأطفال إلى مكان قريب ليروا تفاصيل أكثر عن هذا المشهد الغريب الذي يشاهدونه للمرة الأولى.. كان الأطفال يشاهدوا المشهد وكأنه سينما يحضرونها للمرة الأولى، وفلم يشاهدونه لأول مرة، ومجانا دون مقابل.. أما أنا فلا زال المشهد عالقا في ذاكرتي إلى اليوم، ولكن ومع ذلك لا أحمل لأبي اليوم إلا كثيرا من السماح والغفران..
بعد أن أفرغ ابي جام غضبه، ظللت معلقا على الشجرة حتى هرعت أمي من الجبل لنجدتي وفك وثاقي وجاءت بعد حين غير قصير..
***
يتبع..
ومع ذلك كان الاستاذ قديرا
(4)
تعذيب.. ضرب وتعليق
وصلت إلى باب دارنا، وكان أبي في الانتظار.. أقترب مني بخطوات متهادية.. ظننت أن الله رحمني، وساق في أبي معجزة تغاير ما أعتاد عليه، أو ربما ظننت أن شفقة ما قد اجتاحته أو تفجرت داخله، وخصوصا أنه شاهدني حسيرا، أو أسير متعثرا بخطواتي المعاقة، لا أقوى على حمل قدماي إلا بصعوبة ومشقة بالغه، ولكنه باغتني بحركة لم تكن ببالي وحسباني..
فرج رجليه وخفظها، وعطف قامته، ووضع كتفه الأيمن في أعلى منتصف قامتي، ونهض لأجد نفسي معتولا، ومعطوفا على ظهرة كحرف الواو المقلوب، ويداه ممسكتان بالساقين، وقدماي ترمح كعصفور مذبوح أمام وجهه، وهي مقلوبة ومرفوعة قليلا إلى أعلى من قامته، ورأسي متدلي على ظهره كخروف..
كانت حركة أبي بالنسبة لي مباغتة وصادمة.. اجتاحتني نوبة هلع، لاسيما أنني لا أدري ماذا سيفعل بي؟! وما عقد عليه العزم؟! زاوية الاستدارة التي شهدتها بدت لي استدراه كونية لكل ما هو حولي.. صرت أرى الأشياء من وضعي مقلوبة رأسا على عقب، ومغايرا لما أعتاد الناس رؤيته !! أدركت أن هناك عقوبة جديدة أكثر وحشية تنتظرني، ولكن لا أعرف ما هي!!
كنت أصرخ بهلع فاجع ومتعاقب دون فاصل، فيما أبي ذهب بي نحو شجرة السدر القريبة من باب دارنا، وكان الحبل عليها معدا وجاهزا لتعليقي.. ربط قدماي بالحبل، ورفعني إلى فرع الشجرة، ورأسي متدليا إلى الأسفل.. كانت هيئتي كشاة مذبوحة عُلِّقت للسلخ والخلس..
كنت أصرخ وأستغيث ببكاء صارخ يفلق الحجارة، لعل منجد قريب يهرع إلى أبي وينجدني مما أنا فيه، إلا أن لا منجد وجدت ولا مغيث جاء.. الكبار كانوا يشاهدوا ما يحدث من سطوح بيوتهم وأبوابها بصمت القبور، وربما طل البعض برؤوسهم من الطيقان والمفارج، فيما فاجئني أبي بالمزيد.. ضرب عنيف بعصا على ظهري وبطني وسيقاني، ولا من يهرع لإنقاذي.. كانت أمي في الجبل، وكان صراخي يشق السماء، ولسعات العصا تنهش في جسدي كذئب جائع ينهش في فريسته..
ربما بدا صراخي أشبه بإعلان مجاني، ودعوة للأطفال والنسوة ليشاهدوا المنظر الذي لم يألفوا ولم يعتادوا على مشاهدته حتى برأس العام أو العامين، بل لم يشاهدوا مثله في حياتهم من قبل.. بدا مشهدا عجيبا يسترعي المتابعة باهتمام والحرص على عدم الغفلة أو افلات عيونهم للحظة منه.. مشهد لم تعتاد عليه قرانا مهما كان الابن متمردا وعاقا أو حتى مجنونا..
هرع بعض الأطفال إلى مكان قريب ليروا تفاصيل أكثر عن هذا المشهد الغريب الذي يشاهدونه للمرة الأولى.. كان الأطفال يشاهدوا المشهد وكأنه سينما يحضرونها للمرة الأولى، وفلم يشاهدونه لأول مرة، ومجانا دون مقابل.. أما أنا فلا زال المشهد عالقا في ذاكرتي إلى اليوم، ولكن ومع ذلك لا أحمل لأبي اليوم إلا كثيرا من السماح والغفران..
بعد أن أفرغ ابي جام غضبه، ظللت معلقا على الشجرة حتى هرعت أمي من الجبل لنجدتي وفك وثاقي وجاءت بعد حين غير قصير..
***
يتبع..
ومع ذلك كان الاستاذ قديرا
مرة أخرى عن مظلومية اقبال الحكيمي وأسرتها المنكوبة..
السلطات تبحث عن جرائم لتلفيقها لأنهم شكوا بالسلطات..
فيما جرائم السلطات حقيقية ولازالت بمنأى عن القضاء والتحقيق..
معادلة مختلة ومعتلة يتم تكريسها بظلمها الوخيم حد يصل مبلغ الطغيان..
عدالة يفلت منها المجرمون
وينكل فيها بالأبرياء الضحايا..
أزهار ابنة المجني عليها هالة، وفادية أخت اقبال الحكيمي لا جريمة ولا شبهة تحبسان من أجلها.. فلماذا تحبسان وبأي قانون؟!!
من يستطيع الرد من المعنيين؟! استطيع الجزم ..لا أحد..
السبب هو التنكيل بالأسرة لإخضاعها للتخلي عن أملاكها والتنازل عن طلب القصاص على مقتل هالة..
كفاية ام اقبال وهالة عمرها قرابة سبعون سنة محبوسة وصحتها تتدهور، ولازال جاري البحث عن تهمة لها من قبل السلطات، فيما أملاكها يتم بيعها والتصرف بها باستغلال حدث عمره 13 سنة.. الجناة هم من يدفعوا ويحثوا الحدث على بيع ممتلكات كفاية والتصرف فيها وهي في السجن.. الحدث مجرد أداة يتم استخدامه من قبل الجناة الحقيقيين التي تتغاضى عن جرائمهم السلطات..
أما هذه الوثيقة فتكشف أن المجرمين سبق لهم أن أرادوا الاستيلاء على أملاك كفاية أم إقبال، والمجني عليها هالة هي أخت إقبال وبنت كفاية .. فيما السلطات لا تريد أن تحقق بجرائم المشرفين الواردة في تقرير أبو علي العنسي المشرف الثقافي والمرفوع إلى الجهات العليا.,
وبحسب هذه الوثيقة ـ هالة ابنة كفاية ـ بعد زواجها المتأخر تذهب إلى القاضي وتقر أن ما هو باسمها من أملاك هو في الحقيقة ملك أمها كفاية..
ما يجب أن نعرفه هو أنه تم قتل هالة بعد أن جاء مولودها بأيام، وبعد عقد زواج عمره خمسة أشهر، والذي تم في مدينة الصالح بعد عشرة أيام من اختفائها، واختفاء سبعة مليون ريال، ومعها أوراق وأملاك خاصة بكفاية أم إقبال وأسرتها وذلك من بيتها بالأحكوم..
ما لم يحققه المجرمون في حياة المجني عليها هالة يتم تحقيقه اليوم بعد مقتلها وبعد سجن أمها صاحبة الأملاك وبتواطؤ السلطات..
لقد تابعت القضية بمجرد وصول اقبال إلى صنعاء قبل سبعة أشهر على الأرجح، ولو قيادة أنصار الله تعاطت بمسؤولية حيال شكوى إقبال، ما كان تم قتل أختها هالة، ولما لوقا فم أزهار ابنت اعتدال، ولما أهدرت ونهبت أملاك كفاية.. ولكن أختارت قيادة أنصار الله تغطيت جرائم المشرفين على حساب الضحايا اقبال وكفاية وفادية وأزهار ابنت اعتدال..
السلطات تبحث عن جرائم لتلفيقها لأنهم شكوا بالسلطات..
فيما جرائم السلطات حقيقية ولازالت بمنأى عن القضاء والتحقيق..
معادلة مختلة ومعتلة يتم تكريسها بظلمها الوخيم حد يصل مبلغ الطغيان..
عدالة يفلت منها المجرمون
وينكل فيها بالأبرياء الضحايا..
أزهار ابنة المجني عليها هالة، وفادية أخت اقبال الحكيمي لا جريمة ولا شبهة تحبسان من أجلها.. فلماذا تحبسان وبأي قانون؟!!
من يستطيع الرد من المعنيين؟! استطيع الجزم ..لا أحد..
السبب هو التنكيل بالأسرة لإخضاعها للتخلي عن أملاكها والتنازل عن طلب القصاص على مقتل هالة..
كفاية ام اقبال وهالة عمرها قرابة سبعون سنة محبوسة وصحتها تتدهور، ولازال جاري البحث عن تهمة لها من قبل السلطات، فيما أملاكها يتم بيعها والتصرف بها باستغلال حدث عمره 13 سنة.. الجناة هم من يدفعوا ويحثوا الحدث على بيع ممتلكات كفاية والتصرف فيها وهي في السجن.. الحدث مجرد أداة يتم استخدامه من قبل الجناة الحقيقيين التي تتغاضى عن جرائمهم السلطات..
أما هذه الوثيقة فتكشف أن المجرمين سبق لهم أن أرادوا الاستيلاء على أملاك كفاية أم إقبال، والمجني عليها هالة هي أخت إقبال وبنت كفاية .. فيما السلطات لا تريد أن تحقق بجرائم المشرفين الواردة في تقرير أبو علي العنسي المشرف الثقافي والمرفوع إلى الجهات العليا.,
وبحسب هذه الوثيقة ـ هالة ابنة كفاية ـ بعد زواجها المتأخر تذهب إلى القاضي وتقر أن ما هو باسمها من أملاك هو في الحقيقة ملك أمها كفاية..
ما يجب أن نعرفه هو أنه تم قتل هالة بعد أن جاء مولودها بأيام، وبعد عقد زواج عمره خمسة أشهر، والذي تم في مدينة الصالح بعد عشرة أيام من اختفائها، واختفاء سبعة مليون ريال، ومعها أوراق وأملاك خاصة بكفاية أم إقبال وأسرتها وذلك من بيتها بالأحكوم..
ما لم يحققه المجرمون في حياة المجني عليها هالة يتم تحقيقه اليوم بعد مقتلها وبعد سجن أمها صاحبة الأملاك وبتواطؤ السلطات..
لقد تابعت القضية بمجرد وصول اقبال إلى صنعاء قبل سبعة أشهر على الأرجح، ولو قيادة أنصار الله تعاطت بمسؤولية حيال شكوى إقبال، ما كان تم قتل أختها هالة، ولما لوقا فم أزهار ابنت اعتدال، ولما أهدرت ونهبت أملاك كفاية.. ولكن أختارت قيادة أنصار الله تغطيت جرائم المشرفين على حساب الضحايا اقبال وكفاية وفادية وأزهار ابنت اعتدال..
بعض من تفاصيل حياتي
المعلم والتعليم
(5)
استاذ الخيزران كان وكنّا
استاذي الأول هو علي أحمد سعد الذي فلكني بالخيزرانة حتى أدمت وتقرحت قدماي.. ربما نأخذ عليه أن أساليبه التربوية في عقاب تلاميذه كانت خاطئة أو مفرطة في الشدة والغلاظة، إلا أنه في الوجه الآخر نستطيع القول: "لو لم يكن هو، لن نكن نحن".. كان حازما وصارما.. يجيد التدريس والإفهام.. لا يساوم بالدرس ولا ينتقص منه.. كان هذا الاستاذ يعلمنا بمفرده كل المواد.. وأكثر من هذا أنه بدأ بتعليمنا قبل أن توجد المدرسة..
البدايات شاقة، وبمشقة أستطاع تأسيس مدماك لصرح تعليمي يكاد ان يكون قد اوجده من العدم.. له الفضل الأول في انقاذنا من جهل غشوم، ماكنا لنخرج من ديجوره وسراديبه لولاه.. جهل جثم على أهلنا وقرانا ردحا طويلا من الزمن.. لقد كان هذا الاستاذ بالنسبة لنا طالع السعد والحظ الحسن الذي أرانا النور، وهدانا إلى اعتاب بوابة العلم والمعرفة..
غادرنا بعد سنوات قليلة إلى مدينة تعز.. ترك فراغا كبيرا سدّ مسده بعض من طلابه الأذكياء الأوائل الذين تولوا تدريسنا من بعده.. جد وكد .. زرع وكان الحصاد المستحق..
غادرنا وترك لأغلبنا أيضا ألقابا طغت على أسماءنا لسنوات طوال، ولازلنا نذكر بعضها، بل ولازال بعضها حيا إلى اليوم.. الطنيز وحوفر والمعرد والكبريت والبلبل وقرادي والمتيت والزناط والنجاشي والمقرور والملحوس والطبيله والزيدي والدعري ومليط.. الحقيقة لا ندري ما سبب تلك التسميات وعلى أي أساس كان يختارها ويطلقها علينا..
على الرغم من قسوته كان له الفضل في تعليمنا الأول، وبالطريقة الحديثة التي كان عمادها الدفتر والقلم.. القراءة والإملاء والحساب والعلوم.. جاءنا في لحظة كنَّا فيها بأمس الحاجة للتعليم الغائب عنّا.. لولاه ربما كان الجهل قد عاث بنا، واستبد بالعمر كله.. لولاه ربما لما وصلت ومُجايلي لأبسط وظيفة عامة في الدولة.. لولاه لكان الكثيرون منا لا يجيدون أكثر من الشقاء الثقيل ورعي الغنم..
ذهب وترك لنا أساساً من معرفة نبنى عليها علما في قادم الأيام.. ذهب ولم يذهب علمه وتعليمه وجميل معروفه.. غادرنا وترك مكتبة صغيرة وصندوقاً أسوداً كان يجلس خلفه بعطاء المعلم والاستاذ الجليل..
ورثنا بعضاً من كتيبات كانت مخزونة في دولابه.. أتذكر أنني أخذت كتيباً عنوانه (ما بعد الثورة اليمنية) لعبد الرحمن البيضاني.. أذكر أنني حفظت حينها منه عدداً من الصفحات عن ظهر قلب رغم صغر سني، وعندما كنت أستعرض ما حفظت منه سمعني أحد المدرسين من اقرباء أمي اسمه عبده ردمان عبيد، الذي اندهش لسردي بعض فقرات صفحاته غيبا..
أوعدني أنه سيحضر لي قصة (النمر الأسود)، قصة خاصة بالأطفال وكنت متلهفاً لقراءتها أيما تلهف، حتى أحضرها لي في اليوم الثالث من وعده، كانت أول هدية أتلقاها في حياتي..
لم أكن اعرف أنه يجب علي أن أقرأها حتى النهاية لألم بوقائعها كقصة، واعتقدت أن المطلوب مني حفظها عن ظهر قلب كما فعلت في بعض صفحات كتيب البيضاني، فصعب عليّ حفظها، وفشلت بحفظ بعض من صفحاتها، وتحولت فرحتي إلى فشل وبعض تعاسة، وكنت أتهرب من الأستاذ الذي أهداني إياها حتى لا ابدو أنني غير جدير بما اهداني إياه، ولم أكن ادرك أن حفظها غير مطلوب.
***
يتبع..
المعلم والتعليم
(5)
استاذ الخيزران كان وكنّا
استاذي الأول هو علي أحمد سعد الذي فلكني بالخيزرانة حتى أدمت وتقرحت قدماي.. ربما نأخذ عليه أن أساليبه التربوية في عقاب تلاميذه كانت خاطئة أو مفرطة في الشدة والغلاظة، إلا أنه في الوجه الآخر نستطيع القول: "لو لم يكن هو، لن نكن نحن".. كان حازما وصارما.. يجيد التدريس والإفهام.. لا يساوم بالدرس ولا ينتقص منه.. كان هذا الاستاذ يعلمنا بمفرده كل المواد.. وأكثر من هذا أنه بدأ بتعليمنا قبل أن توجد المدرسة..
البدايات شاقة، وبمشقة أستطاع تأسيس مدماك لصرح تعليمي يكاد ان يكون قد اوجده من العدم.. له الفضل الأول في انقاذنا من جهل غشوم، ماكنا لنخرج من ديجوره وسراديبه لولاه.. جهل جثم على أهلنا وقرانا ردحا طويلا من الزمن.. لقد كان هذا الاستاذ بالنسبة لنا طالع السعد والحظ الحسن الذي أرانا النور، وهدانا إلى اعتاب بوابة العلم والمعرفة..
غادرنا بعد سنوات قليلة إلى مدينة تعز.. ترك فراغا كبيرا سدّ مسده بعض من طلابه الأذكياء الأوائل الذين تولوا تدريسنا من بعده.. جد وكد .. زرع وكان الحصاد المستحق..
غادرنا وترك لأغلبنا أيضا ألقابا طغت على أسماءنا لسنوات طوال، ولازلنا نذكر بعضها، بل ولازال بعضها حيا إلى اليوم.. الطنيز وحوفر والمعرد والكبريت والبلبل وقرادي والمتيت والزناط والنجاشي والمقرور والملحوس والطبيله والزيدي والدعري ومليط.. الحقيقة لا ندري ما سبب تلك التسميات وعلى أي أساس كان يختارها ويطلقها علينا..
على الرغم من قسوته كان له الفضل في تعليمنا الأول، وبالطريقة الحديثة التي كان عمادها الدفتر والقلم.. القراءة والإملاء والحساب والعلوم.. جاءنا في لحظة كنَّا فيها بأمس الحاجة للتعليم الغائب عنّا.. لولاه ربما كان الجهل قد عاث بنا، واستبد بالعمر كله.. لولاه ربما لما وصلت ومُجايلي لأبسط وظيفة عامة في الدولة.. لولاه لكان الكثيرون منا لا يجيدون أكثر من الشقاء الثقيل ورعي الغنم..
ذهب وترك لنا أساساً من معرفة نبنى عليها علما في قادم الأيام.. ذهب ولم يذهب علمه وتعليمه وجميل معروفه.. غادرنا وترك مكتبة صغيرة وصندوقاً أسوداً كان يجلس خلفه بعطاء المعلم والاستاذ الجليل..
ورثنا بعضاً من كتيبات كانت مخزونة في دولابه.. أتذكر أنني أخذت كتيباً عنوانه (ما بعد الثورة اليمنية) لعبد الرحمن البيضاني.. أذكر أنني حفظت حينها منه عدداً من الصفحات عن ظهر قلب رغم صغر سني، وعندما كنت أستعرض ما حفظت منه سمعني أحد المدرسين من اقرباء أمي اسمه عبده ردمان عبيد، الذي اندهش لسردي بعض فقرات صفحاته غيبا..
أوعدني أنه سيحضر لي قصة (النمر الأسود)، قصة خاصة بالأطفال وكنت متلهفاً لقراءتها أيما تلهف، حتى أحضرها لي في اليوم الثالث من وعده، كانت أول هدية أتلقاها في حياتي..
لم أكن اعرف أنه يجب علي أن أقرأها حتى النهاية لألم بوقائعها كقصة، واعتقدت أن المطلوب مني حفظها عن ظهر قلب كما فعلت في بعض صفحات كتيب البيضاني، فصعب عليّ حفظها، وفشلت بحفظ بعض من صفحاتها، وتحولت فرحتي إلى فشل وبعض تعاسة، وكنت أتهرب من الأستاذ الذي أهداني إياها حتى لا ابدو أنني غير جدير بما اهداني إياه، ولم أكن ادرك أن حفظها غير مطلوب.
***
يتبع..