أحمد سيف حاشد
341 subscribers
2.77K photos
6 videos
5 files
2.86K links
عضو برلمان
Download Telegram
بوا وأعدموا معه..

أنا من تسكنه تحدي ذلك الإسكافي العظيم (ماسح الأحذية) الذي صار رئيسا لأكثر من مائتين مليون نسمة في البرازيل خامس أكبر دولة في العالم، سواء من حيث المساحة الجغرافية أو عدد السكان.

*

أنا من يجد إلهامه في غاندي ذلك العظيم الذي أسس مدرسة عظيمة في النضال السلمي، وجعل من الهند متعددة الأعراق والقوميات والأديان والطوائف والثقافات بلاد متعايشة ومتنوعة .. الهند أمة المليار نسمة الثانية في العالم من حيث عدد السكان والسابعة من حيث المساحة والاقتصاد.

*

أنا من جُبلت على التسامح، ووجدت في ذلك العظيم نلسون منديلا المناضل الأفريقي الأسود قدوة ومثالا وملهما.. مانديلا الذي ناهض سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ومكث في سجون نظامه أكثر من 27 عاما وخرج منها غير حاقد أو منتقم..

منديلا الذي منح عفوا فرديا لكل من يدلي بشهادته حول الجرائم التي ارتكبت وبجلسات سماع استمرت عامين حول عمليات الاغتصاب والتعذيب والتفجيرات والاغتيالات، وهو ما ساعد خروج جنوب أفريقيا من ماضيها الثقيل، والابتعاد عنه والتركيز على الحاضر والمستقبل.

أنا من أجد نفسي في كل إنسان..

أنا إنسان.

***
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
أنا ابن الدباغ .. الإنسان
احمد سيف حاشد
• بعد ما قاله لي صديقي حسين، وما كشفه لي رفيقي عبدالوهاب قطران عن معنى انتمائي وأمثالي في المخيال الشعبي، لدى بعض قبائل ومناطق اليمن، أو بعض المجتمعات المحلية فيها، وما يلحق صاحبها من الانتقاص والنظرة الدونية، لم أخجل ولم أتخفِ ولم أحاول جبر ما بدا مكسورا، أو ستر ما أنكشف، بل على العكس، دافعت عما أعتقد باعتزاز يليق، ولم أخش من معايرة، ولم أتحرج من عمل والدي، أو من المهن التي أرتادها خلال تاريخ حياته، بل اعتزيت بنفسي كثيرا، وبأبي الذي حفر بالصخر من أجلنا لنعيش بكرامة، واعتززت بانتمائي الذي استطاع أن يحجز له مكانا في الصخر الصلد، وبتحدي مضاعف، ليكون وأكون كما يجب..

• غير أن الأهم أنني لم أنجر إلى البحث عن عصبية صغيرة مقابلة، تقتل أو تشوّه الإنسان الكبير الذي يملاني، ويسكن وعيي، ويدأب إلى تحصيني من أي هشاشة تعتريني، ولم أتنازل عن الضابط الاخلاقي المنسجم مع هذا الإنسان الذي يسكنني، والإنسان الذي أبحث عنه خارجي، وخارج انتمائي..

• ولا يعني هذا أنني لا أقاوم، ولا أهاجم الاستصغار الذي يحيط بي، أو يحاول أن ينال منّا كشرائح وفئات مجتمعية، من حقها أن تحظى بحقوقها كاملة، وأولها حق المواطنة.. ولم ابحث يوما عن انتماء آخر لا يليق بي كإنسان أولا.. وفي هذا السياق وإطار ما أشرت، كتبت تحت عنوان "أنا إنسان" التالي:

أنا لست ابن السماء .. أنا ابن الدباغ الذي يثور على واقعه كل يوم دون أن يكل أو يمل أو يستسلم لغلبة..

أنا ابن الدباغ الذي لا يستسلم لأقداره، ولا ينوخ، وإن كانت البلايا بثقل الجبال الثقال.. ابن الدباغ المجالد الذي يعترك مع ما يبتليه، ويقاوم حتى النزع الأخير..

ابن الدباغ الذي يتمرد على مجتمع لازال يقدس مستبديه.. ابن الدباغ الذي يقاوم نظام لا يستحي عندما يدّعي.. نظام يدعي العدل، وهو يتعالى على الوطن الكبير.. يخصخص المواطنة، ويغيب المساواة، وينشر الفقر كالظلام الكثيف، ويحبس الحرية في محبس من حديد..

أنا الحر الذي يجرّم القتل ولا يستسهله، ولا يشرب الدم ولا يسفكه، ولكنه متهما بشرب الكحول..

أنا ابن لأب لا يبيع الموت ولا يهديه ولا يجعله مقاسا للرجولة أو معبرا للبطولة..

أنا ابن صانع الحلوى والبائع لها، يأكل من كده وعرق الجبين .. أنا ابن أب يصنع الحلوى ويهديها للأصدقاء والفقراء المعدمين..

أنا ابن صانع الحلوى .. ابن الحياة.. أرفض الحرب والمآسي العراض، ولن أكون يوما من صّناعها أو تجّارها، ولم أعش يوما عليها، ولم ابنِ مجدا على جماجمها الكثيرة، ولم أحتفِ يوما باتساع المقابر، أو بطوابير النعوش الطويلة، ولم أطرب لركام الضحايا الكبير، ولم أضخ الكراهية، وغلائل الحقد التي لا تنتهي.

*
وفي مناسبة وتاريخ آخر كتبت:

أنا لم أقِم الحزن يوما في مبيتٍ
لا أبيع الوهم والأفيون للمرضى
لا ادفع الناس أفواجا للمهالك
أنا لا أنشر الموت بين الناس وعدا
في حياة أخرى ودار ثانية..
وأداري تحت العمامة ألف جزار وجلاد وليل..
إن شربت الكيف خلسه، فإلى الله أسافر..
لا أنافق.. لا أزايد..
ولا آم القوم ثملا في صلاة كالوليد ابن عقبة
ولا أنام الليل فوق نهود العذارى
وحلمات الجواري كالخليفة هارون الرشيد

*
أنا لا أفاخر بهندِ ولا بمن تأكل الأكباد.. ولا أفاخر بنسب أو قبيلة أو بقاتل.. أنا بقابيل لا أكترث..

لا أتسول التاريخ زادي، ولا أدعي فيه سلطان وميراث.. ولا أدّعي حقا من قبل آدم وحواء، أو ما قبل الثريا..

أنا لست من ماء السماء، ولا سليل من علي و فاطمة.. أنا الفتى ابن أبي .. وأبي ذلك الدبّاغ الذي كابد الدهر، وعانا العناء، وأقتات من عرق الجبين..

*

وحتى لا تُفهم الأنا المكررة فيما سبق غرقا في النرجسية أو الأنانية أو العصبية المقابلة كتبت:

عندما أقول أنا، فليست هي الأنا المثقلة بالأنانية والاستحقاق الغير مشروع؛ لاسيما عندما تقذف بها في وجه الظالم المستبد، أو تحاول بها إزاحة الظلم الكبير الذي يثقل كاهلك..

انها الأنا المعتزة التي ترمي بها غرور من لا زال يراك دونه هوية ومواطنة، ويدّعي خيلاء ومكابرة في الألفية الثلاثة أنه من ماء السماء، و يراك مجرد كائنا يدب على أربع جاء من روث الحمير..

إنها "أنا" المقاومة التي تقذف بها وجه من يختزل الوطن بشخصه، أو يحصرها في نسل أو قبيلة أو جغرافية صغيرة..

المثقف العضوي يجب أن يكون في الطليعة من أجل الناس، وقد قالها يوما ممن ينتمي لهم رانيا لمستقبل نتطلع إليه، قالها بمعنى: طالما أنك تعبر عن حقوق ومستقبل الناس، وتعبر عن تطلعات شعبك، فأنت تصير الشعب مهما كنت قليلا..

أنا الحالم ابن كل هؤلاء الأحبة .. أنتمي للحلم الكبير كبر المجرة، بل كبر هذا الكون الفسيح الذي يكسر محبسه ويسافر للبعيد دون حدود أو منتهى.

*
وكشفا لمن أراهم ملهمين لي وأشعر بانتمائي لهم كتبت:

أنا من تسكنه روح قائد ثورة العبيد “سبارتاكوس” الذي ثار ضد الاسترقاق في عهد العبودية الثقيل، له المجد والخلود ولمن قتلوا وصل
بعض تفاصيل حياتي
احمد سيف حاشد
من طفولتي الأولى
(2)
مغالبة “الحصبة”
أراد أبي أن يلم شملنا تحت سقف واحد في عدن.. أراد أن يلملم أشتات أسرتنا الصغيرة والبعيدة، بمسكن صغير في أطراف ضواحي المدينة بـ "دار سعد" يأوينا إليه، محاطين بقدر من السكينة والدعة التي نبحث عنها.. أسرتنا كانت خمستنا دون دخيل.. ولكن دخلت علينا الحصبة بدمامتها وقُبحها، وما تحمله من بشاعة وافتراس..

في عدن مرضتُ بالحصبة .. كان مرض الحصبة ينتشر ويفتك بالأطفال.. الحصبة فيروس انتقالي حاد ومعدي يصيب الأطفال، ويسبب لهم مضاعفات خطيرة في بعض الأحيان.

كان مرض الحصبة أكثر الأمراض انتشارا في سن الطفولة بصفه خاصة، ومن أعراضه ارتفاع في درجة الحرارة مصحوب برشح وسعال ورمد وطفح جلدي على جميع أجزاء الجسم.. ورغم اكتشاف لقاح الحصبة في ستينات القرن الماضي، إلا أنه لم يقوض هذا المرض ويصيره نادرا إلا في بداية التسعينات من القرن الماضي.

أول معركة ربما خضتها وأنا طفل في عدن مع هذا الفيروس القاتل للأطفال.. كان نذير موت يتهدد حياتي، ويتربص بي بإصرار واشتهاء.. كل يوم يمُرُّ وأنا لازلت على قيد الحياة كان يعني لأبي وأمي معجزة من الصمود العنيد في مواجهة الموت، وربما كان يعني مرور اليوم بالنسبة لي، اجتراح بطولة خارقة على مرض يتسع وينتشر.. يفتك بالطفولة دون أن يراعي أو يكترث.. فيروس موت لا يعود من بيت فقير إلا وقد نهب من أطفالها روح من يشتهي..

غالبتُ مرض الحصبة، وقويت على المقاومة والصمود، بفضل بعض النصائح التي أسدتها جارتنا لأمي التي كانت لاتزال قليلة التجربة، أو معدومة الخبرة والمعرفة في أمور كتلك.. استفادت أمي من نصائح جارتها التي كان لديها بعض الدراية بكيفية التعاطي مع هكذا حالة، ومعرفة بالوسائل التي باستطاعتها أن تخفف من وحشية وآثار هذا المرض، فالجهل يمكن أن يضاعف الحالة ويفاقمها، وهو المساند الأول للمرض، وربما يلعب دور السبب الأول للوفاة قبل المرض إن لم يحتاط له.. تضافرت أسباب الحياة وسندت بعضها، وانتصرت على فيروس الموت، وتعافيت منه، واكتسبت مناعة منه مدى الحياة.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

(3)
سقم وهزال
وبعد شهور مرضت بمرض لا أعرفه.. أصابني هزال وفقدان شهية.. هزل جسمي إلى درجة جعلني أشبه بأطفال مجاعة إفريقيا الذين نشاهدهم في الصور وشاشات التلفزة.. طفولتنا كانت بائسة، نعيش فيها صراع مع الموت من أجل البقاء.. أمّا أن تغلب المرض أو يغلبك.. الموت يحوم عليك ويتربص بك في كل يوم وساعة..

جارنا عبد الكريم فاضل كان صديقاً لوالدي، عندما شاهدني قال لأبي بذهول ودون مقدمات: “ابنك سيموت ولن يعيش”. جملة صغيرة ربما نزلت على رأس أبي مثل ضرب المطرقة.. أثارت مخاوفه واستنفرت اهتمامه.. ربما هذه الجملة الصغيرة والصادمة، كانت سببا لأن أتجاوز الموت وأعيش.. هذه الجملة المشبعة بالمخاوف، بدت صاعقة لأبي، وجعلته يهرع توا وعلى الفور إلى مشفى في عدن، غير أن الطبيب أخبره أن حالتي صعبة، والأمل في أن أعيش ضعيف.

شار جارنا لوالدي أن يذهب بي إلى طبيب ماهر في لحج، لربما هناك وجد بصيص أمل.. أبي الباحث عن أمل يذوي ويخفت في سواد كثيف ووخيم من اليأس العميم، ينتابه هلع شديد.. أستطيع أن أتخيل هلع أبي وأنا في حضنه أو مسنودا بيده إلى ضلعه الحنون.. اسمع خافقه.. قلبه يدق كالطبل، صعود وهبوط أنفاسه ككير حداد.. ودمدمة هلعه تهز وجدانه وكيانه..

هذا ما شعرت به يوما أنا أيضا، عندما كنت أسابق الموت، وأحاول إنقاذ أبني فادي، عندما كان أيضا بسني تقريبا أو أكبر قليلا.. كان والدي يحاول إنقاذي، وهو مصحوبا بالهلع.. الشعور إنك تسابق الموت وتمنعه عن انتزاع طفلك من بين يديك، شعور كثيف الحضور، ولا يمكن نسيانه مهما طال بك العمر.. لقد عشت مثل هذه اللحظة الكثيفة طفلا كما عشتها أبا.. سارع والدي لإنقاذي من موت محقق بات يثقل جفوني المسبلة..

و في لحج قال الطبيب لوالدي بأن حالتي سيئة جداً، وأنني لم أعد أحتمل الإبر، ولن استطيع أن أتحمَّل المرض أكثر، ولكن “لعل وعسى” قرر لي وصفة علاج دون إبر..

استجاب جسمي للعلاج وأخذت حالتي تتحسن ببطء، بدأت أقبل على الطعام بنهم يزداد كل يوم، ومن أجلي كان أبي يجلب لنا رطل من اللحم في اليوم الواحد أتناوله كله لوحدي، ولا أترك لأهلي شيئا منه يأكلونه. هذا ما كانت تحكيه لي أمي.. كانوا إذا أعطوني قطعة منه، ما ألبث أن أعود أطلب أخرى، حتى أنتهي من آخر قطعة اشتراها والدي.. استطيع أن أتخيل سعادة أبي وأمي.. أستطيع أن أتخيل لحظتها قلب أمي صرة فرح، يكاد أن يطير من بين جوانحها.. أستطيع أن أتخيل أبي والسعادة تغمره، وتتفتح أسارير وجهه كزنابق على شرفات عريس.. يا له من شعور أخاذ وآسر..

نجوت وتعافيت، بل وصرت مشاغباً وشقياً.. كنت أخرِّب الجدران وأخربشها.. أكسر زير الماء.. أرمي بمجالس الأكل على أي شيء.. اكسر الزجاج .. أرمي بأواني الطعام.. ارتكب كل الحماقات وأرمي كل ما تطاله يدي على ما تقع عليه عيني.. فيما كانت أمي تبكي من أفعالي أحيانا،
وتغضب أحيانا أخرى، وتعاقبني بقسوة في معظم الأحيان, كان بكائي الصارخ والضجيج يملأ البيت كل ساعة، حتى شكا الجيران ومؤجر البيت إلى أبي بسبب إزعاجي وبكائي.. كنت مزعجا لأهلي وللجيران والمؤجر .. لم أكف عن الشقاوة والبكاء والضجيج والصراخ.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

(4)
بؤس وشقاوة
كان أبي يقضي بحدود العشر ساعات في العمل المضنى والجهيد، من أجل إبقاءنا على قيد الحياة، وسد لقمة عيشنا المتواضعة، وكذا عيش أسرته الأخرى التي يعيلها في القرية، والتي تنتظر بفارغ الصبر ما يأتيها من والدي المثقل بمسؤولية إعاشتنا جميعا..

كانت الحياة صعبة، وصراعنا كان هو من أجل البقاء، فالستر واستمرارنا بالحياة هي أقصى ما نحلم به ونريد.

كانت أمي تطلب من أبي أن يغلق علينا الباب من الخارج، خوفاً من أن يطالها قول أو شائعة، فهي ابنة “شيخ” كما كانت تصف نفسها وتعتز، وكان أبي لا يرفض طلبها، ويغلق الباب علينا من الخارج حتى يعود من العمل آخر النهار.

كانت أمي شديدة الحياء والمحافظة والتوجس إلى درجة حبس نفسها بين الجدران.. لا تفتح نافذة ولا باب.. أبي هو وحده من يفتح الباب ومن يغلقه، فيما كانت أمي تشغل وقتها بالتنظيف، وغسل الملابس والطبخ والقيام بجميع أعمال البيت..

ولكن لماذا أنا أيضا يتم حبسي ولا يُسمح لي أن أخرج للشارع لألعب مع الاطفال أو أطل عليهم من نافذة.. أريد أن أرى ماذا يحدث خارج جدران البيت.. أريد أرى الوجوه والناس والحركة وصخب الحياة..

كل ساعات النهار والليل ـ عدا النوم ـ نظري يرتطم بالجدران وسقف البيت.. لا يوجد شق في نافذة ولا خرم مفتاح في باب..

أسمع بعض ما يحدث خارج البيت ولكنني لا أراه.. فضولي مقموعا بجدران من اسمنت، وخشب من ساج، ولا مجال ولا أمل أن أرى ماذا يحدث في الشارع من ضوضاء وعراك وقهقهه..

أريد أن اعرف العالم خارج حيطان بيتنا.. أريد أن أرى أبناء الجيران و(شمس) المجنونة على سريرها في الشارع، والمحوطة بالصرر والقراطيس والأشياء الفارغة التي رأيتها ذات مرة عندما خرجت مع أبي مريضا من أجل العلاج..

أريد أن أرى كل التفاصيل خارج حيطان البيت المتواضع الذي نستأجره.. ليس أمامي من طريق أن أرى العالم خارج جدران بيتنا.. كل شيء ضيق في البيت كصدري الضيق، وجمجمتي الصغيرة.. أشعر أنني أقضي أيامي في قمقم صغير مغلق بالحديد، يحصرني ويحاصرني ويكتم أنفاسي.. فكان طبيعيا أن أكون شقيا، وأن يجد هذا الحرمان والمعاناة انعكاسه في سلوكي الشقي والمتمرد بين جدران البيت وسقفه وحصاره.

***
يتبع..

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تغاريد غير مشفرة (300) .. لـ”الحوثيين” مرة أخرى عن شبكات الواي فاي

يمنات

أحمد سيف حاشد

(1)

عندما تكون لديكم أو عندكم مشكلة حقيقية و في عقر داركم أو في العاصمة التي تحكموا منها، كان يجب أن تحلوها أنتم بدلا من أن تقوموا بتعقيدها و تصعيدها من جهتكم، إلى حد المطل في تنفيذ الحلول التي أرتضيمتوها أصلا أنتم، بل و الاستمرار بنهب ممتلكات مواطنيكم من أصحاب الشبكات خلافا للدستور و القانون، و الأسوأ أن تعاندوا بصبيانية فجة في تعقيدها و تصعيدها، و محاولة فرض باطلكم على مواطنيكم باستخدام ما بأيدكم من سلطة و سطوة و نفوذ و مقدرات شعب و دولة..

(2)

عندما تمنعون قنواتكم الفضائية، و القنوات الملحقة التابعة لكم، من سؤال مواطنيكم المتضررين من إجراءات و تعسف سلطتكم، بل و تستخدموا منظومة إعلامكم في إرهابهم بتخوينهم و نسب لهم ما ليس فيهم، و فرض باطلكم عليهم باستخدام جور السلطة لقمعهم لمجرد رفضهم أو مقاومتهم السلمية الحذرة و المحدودة لتعسف إجراءاتكم الظالمة و الفادحة، و التي ألحقت الضرر البالغ بهم و بحقوقهم و عوائلهم، من الطبيعي جدا أن تعرفوا أن إعلام خصومكم السياسيين بل و حتى إعلام أعداءكم أن يستغلوا ما فشلتمم به، و يوجهون إعلامهم بالتقاط ما لم تستطيعون التقاطه .. إن لم تدركوا هذا، فهو من فرط غباؤكم و أخطاؤكم و فقدان حكمتكم و صبيانية عنادكم..

(3)

في البداية بدأت بعض وسائل إعلامكم تنشر بعض وجهة نظر أصحاب الشبكات، و لم يكن الإعلام الخارجي أو حتى إعلام خصومكم يتعاطى أو يتحدث عن موضوع الشبكات، و كانوا يرددوا مثل: “ناب كلب في رأس كلب”..

و عندما أغلقتم كل منافسكم الإعلامية المحدودة عليهم، و أوصدتم جميع وسائلكم الإعلامية و الملحقة في وجوههم، بل و بدأتم بتحويل جل وسائلكم الإعلامية و جيشكم الإلكتروني الذي يشرف عليه رئيس الرئيس أحمد حامد، و رئيس الدائرة الإعلامية في مكتب رئاستكم محمد الوريث بتوجيه حملة ضارية و ظالمة على مواطنيكم أصحاب الشبكات لإكراههم على الاستسلام لباطلكم، و لكنهم لم يستسلموا، و ظلت نقابتهم تقارع ظلمكم إلى اليوم..

و لكن أنتم من خدمتم بأفعالكم و ظلمكم وسائل إعلام خصومكم، و إعلام العدوان أيضا، بل أنكم تنفذون ما يريدوه منكم خصومكم على نحو يثير الحيرة و التساؤل، حتى بدأ الأمر أن ما تفعلوه بأنفسكم أكثر ضررا مما يفعله العدو بكم، و ينطبق هذا عليكم إذا فسرنا ما تفعلوه بالغباء المفرط و المدفوع بحسن النية، و أن لديكم دببه انبتموهم بالدفاع عنكم فأضروكم أكثر مما أحسنوا إليكم .. إن الجهل عدو صاحبه .. فإن كان جهلا فأنتم مسؤولين عنه، و إن كان بعلم فقد سرى السم و بات الداء فيكم .. إنه الاختراق، أو أكثر منه..

(4)

عندما تنقلب أنت و تمنع أي وسيلة إعلامية محلية من تناول المشكلة من وجهة نظر من تعتقد من مواطنيك أنهم خصومك، بل و تسخر قنواتك الفضائية و التابعة لها مثل قناة “الساحات” و “معجبها” الذي ليس فيه من العجب إلا ما يصنعه من السقوط الإعلامي المريع و قلة الأدب .. فاعلم أن خصومك سيتناولون مظلمتك التي قدمتها لهم أنت على طبق من ذهب .. أنتم من تصنعون الظلم، و عليكم أن ترفعوه عن المظلومين أصحاب الشبكات .. أنتم من تقدمون المادة الإعلامية بجوركم الفادح و تجبركم و تكبركم، و ليس غيركم من أصحاب الشبكات .. “رمتني بداءها و أنسلت”..

عندما تترك مثل “معجب” يهاجم بعض من مواطنيك الذين تحت سلطتك، و يمارس التحريض عليهم و إرهاب السلطة، و يشكك بولائهم، و يطعن في وطنيتهم، و ينسب لهم تهم الفساد الغلاظ، و يخونهم؛ فهو إرهاب سنقاومه و لن نستسلم له..

أن يصرف “معجب” صكوك الوطنية و التخوين لمواطنين تحت سلطتك و في العاصمة صنعاء و ليس الرياض أو الإمارات أو حتى في بيروت، فهذا ما يجعلنا نقول: “ربي أقم الساعة” إن “معجب” هو بعض من انحطاط عهدكم..

أما أنا فقد تنصلت مرارا من هذه القناة و سياستها الإعلامية التي لم يعد يجمعني بها جامع، و من يعتقد إنها زلتي التي لن أنجوا منها، كما يطرح الفاسد المحمي بسلطة الغلبة محمد العماد، فيجب أن يعرف، و يعرف الجميع أن لدي عقد قانوني مع قناة الساحات و القائمين عليها، يحميني أمام أي جهة قضائية و قانونية، و موثق لدى الجهات الرسمية في اليمن و لبنان..

لم يعد يربطني بهذه القناة رابط من قبل الحرب و ليس من اليوم، لإخلال الإدارة بالعقد المبرم و هو إخلال من طرف واحد، و التحلل من التزاماتها الذي يتضمنها العقد، و سأضطر لنشر العقد التي بيني و بين إدارة القناة، إن لزم الأمر لقاهر .. أما العماد فلن ينجو و الأيام دول..

(5)

تخوّنوننا نحن و أصحاب الشبكات، و جميعنا أبرياء من تهمكم الابتزازية .. و بخفة تطلقون علينا تهم الخيانة لتمارسون علينا إرهاب السلطة .. ـ فقط لأننا نساند مظلومية .. و لمجرد إنهم يئنون من ظلمكم، و يحاولون مقاومة هذا الظلم بوسائل سلمية محدودة جدا .. فيما (أنتم) تعقدون مع الخصوم و الأعداء الاتفاقيات و الصفقات السرية، و منها على سبيل المثل لا ال
تغاريد غير مشفرة (300) .. لـ”الحوثيين” مرة أخرى عن شبكات الواي فاي

يمنات

أحمد سيف حاشد

(1)

عندما تكون لديكم أو عندكم مشكلة حقيقية و في عقر داركم أو في العاصمة التي تحكموا منها، كان يجب أن تحلوها أنتم بدلا من أن تقوموا بتعقيدها و تصعيدها من جهتكم، إلى حد المطل في تنفيذ الحلول التي أرتضيمتوها أصلا أنتم، بل و الاستمرار بنهب ممتلكات مواطنيكم من أصحاب الشبكات خلافا للدستور و القانون، و الأسوأ أن تعاندوا بصبيانية فجة في تعقيدها و تصعيدها، و محاولة فرض باطلكم على مواطنيكم باستخدام ما بأيدكم من سلطة و سطوة و نفوذ و مقدرات شعب و دولة..

(2)

عندما تمنعون قنواتكم الفضائية، و القنوات الملحقة التابعة لكم، من سؤال مواطنيكم المتضررين من إجراءات و تعسف سلطتكم، بل و تستخدموا منظومة إعلامكم في إرهابهم بتخوينهم و نسب لهم ما ليس فيهم، و فرض باطلكم عليهم باستخدام جور السلطة لقمعهم لمجرد رفضهم أو مقاومتهم السلمية الحذرة و المحدودة لتعسف إجراءاتكم الظالمة و الفادحة، و التي ألحقت الضرر البالغ بهم و بحقوقهم و عوائلهم، من الطبيعي جدا أن تعرفوا أن إعلام خصومكم السياسيين بل و حتى إعلام أعداءكم أن يستغلوا ما فشلتمم به، و يوجهون إعلامهم بالتقاط ما لم تستطيعون التقاطه .. إن لم تدركوا هذا، فهو من فرط غباؤكم و أخطاؤكم و فقدان حكمتكم و صبيانية عنادكم..

(3)

في البداية بدأت بعض وسائل إعلامكم تنشر بعض وجهة نظر أصحاب الشبكات، و لم يكن الإعلام الخارجي أو حتى إعلام خصومكم يتعاطى أو يتحدث عن موضوع الشبكات، و كانوا يرددوا مثل: “ناب كلب في رأس كلب”..

و عندما أغلقتم كل منافسكم الإعلامية المحدودة عليهم، و أوصدتم جميع وسائلكم الإعلامية و الملحقة في وجوههم، بل و بدأتم بتحويل جل وسائلكم الإعلامية و جيشكم الإلكتروني الذي يشرف عليه رئيس الرئيس أحمد حامد، و رئيس الدائرة الإعلامية في مكتب رئاستكم محمد الوريث بتوجيه حملة ضارية و ظالمة على مواطنيكم أصحاب الشبكات لإكراههم على الاستسلام لباطلكم، و لكنهم لم يستسلموا، و ظلت نقابتهم تقارع ظلمكم إلى اليوم..

و لكن أنتم من خدمتم بأفعالكم و ظلمكم وسائل إعلام خصومكم، و إعلام العدوان أيضا، بل أنكم تنفذون ما يريدوه منكم خصومكم على نحو يثير الحيرة و التساؤل، حتى بدأ الأمر أن ما تفعلوه بأنفسكم أكثر ضررا مما يفعله العدو بكم، و ينطبق هذا عليكم إذا فسرنا ما تفعلوه بالغباء المفرط و المدفوع بحسن النية، و أن لديكم دببه انبتموهم بالدفاع عنكم فأضروكم أكثر مما أحسنوا إليكم .. إن الجهل عدو صاحبه .. فإن كان جهلا فأنتم مسؤولين عنه، و إن كان بعلم فقد سرى السم و بات الداء فيكم .. إنه الاختراق، أو أكثر منه..

(4)

عندما تنقلب أنت و تمنع أي وسيلة إعلامية محلية من تناول المشكلة من وجهة نظر من تعتقد من مواطنيك أنهم خصومك، بل و تسخر قنواتك الفضائية و التابعة لها مثل قناة “الساحات” و “معجبها” الذي ليس فيه من العجب إلا ما يصنعه من السقوط الإعلامي المريع و قلة الأدب .. فاعلم أن خصومك سيتناولون مظلمتك التي قدمتها لهم أنت على طبق من ذهب .. أنتم من تصنعون الظلم، و عليكم أن ترفعوه عن المظلومين أصحاب الشبكات .. أنتم من تقدمون المادة الإعلامية بجوركم الفادح و تجبركم و تكبركم، و ليس غيركم من أصحاب الشبكات .. “رمتني بداءها و أنسلت”..

عندما تترك مثل “معجب” يهاجم بعض من مواطنيك الذين تحت سلطتك، و يمارس التحريض عليهم و إرهاب السلطة، و يشكك بولائهم، و يطعن في وطنيتهم، و ينسب لهم تهم الفساد الغلاظ، و يخونهم؛ فهو إرهاب سنقاومه و لن نستسلم له..

أن يصرف “معجب” صكوك الوطنية و التخوين لمواطنين تحت سلطتك و في العاصمة صنعاء و ليس الرياض أو الإمارات أو حتى في بيروت، فهذا ما يجعلنا نقول: “ربي أقم الساعة” إن “معجب” هو بعض من انحطاط عهدكم..

أما أنا فقد تنصلت مرارا من هذه القناة و سياستها الإعلامية التي لم يعد يجمعني بها جامع، و من يعتقد إنها زلتي التي لن أنجوا منها، كما يطرح الفاسد المحمي بسلطة الغلبة محمد العماد، فيجب أن يعرف، و يعرف الجميع أن لدي عقد قانوني مع قناة الساحات و القائمين عليها، يحميني أمام أي جهة قضائية و قانونية، و موثق لدى الجهات الرسمية في اليمن و لبنان..

لم يعد يربطني بهذه القناة رابط من قبل الحرب و ليس من اليوم، لإخلال الإدارة بالعقد المبرم و هو إخلال من طرف واحد، و التحلل من التزاماتها الذي يتضمنها العقد، و سأضطر لنشر العقد التي بيني و بين إدارة القناة، إن لزم الأمر لقاهر .. أما العماد فلن ينجو و الأيام دول..

(5)

تخوّنوننا نحن و أصحاب الشبكات، و جميعنا أبرياء من تهمكم الابتزازية .. و بخفة تطلقون علينا تهم الخيانة لتمارسون علينا إرهاب السلطة .. ـ فقط لأننا نساند مظلومية .. و لمجرد إنهم يئنون من ظلمكم، و يحاولون مقاومة هذا الظلم بوسائل سلمية محدودة جدا .. فيما (أنتم) تعقدون مع الخصوم و الأعداء الاتفاقيات و الصفقات السرية، و منها على سبيل المثل لا ال
تغاريد غير مشفرة (300) .. لـ”الحوثيين” مرة أخرى عن شبكات الواي فاي

يمنات

أحمد سيف حاشد

(1)

عندما تكون لديكم أو عندكم مشكلة حقيقية و في عقر داركم أو في العاصمة التي تحكموا منها، كان يجب أن تحلوها أنتم بدلا من أن تقوموا بتعقيدها و تصعيدها من جهتكم، إلى حد المطل في تنفيذ الحلول التي أرتضيمتوها أصلا أنتم، بل و الاستمرار بنهب ممتلكات مواطنيكم من أصحاب الشبكات خلافا للدستور و القانون، و الأسوأ أن تعاندوا بصبيانية فجة في تعقيدها و تصعيدها، و محاولة فرض باطلكم على مواطنيكم باستخدام ما بأيدكم من سلطة و سطوة و نفوذ و مقدرات شعب و دولة..

(2)

عندما تمنعون قنواتكم الفضائية، و القنوات الملحقة التابعة لكم، من سؤال مواطنيكم المتضررين من إجراءات و تعسف سلطتكم، بل و تستخدموا منظومة إعلامكم في إرهابهم بتخوينهم و نسب لهم ما ليس فيهم، و فرض باطلكم عليهم باستخدام جور السلطة لقمعهم لمجرد رفضهم أو مقاومتهم السلمية الحذرة و المحدودة لتعسف إجراءاتكم الظالمة و الفادحة، و التي ألحقت الضرر البالغ بهم و بحقوقهم و عوائلهم، من الطبيعي جدا أن تعرفوا أن إعلام خصومكم السياسيين بل و حتى إعلام أعداءكم أن يستغلوا ما فشلتمم به، و يوجهون إعلامهم بالتقاط ما لم تستطيعون التقاطه .. إن لم تدركوا هذا، فهو من فرط غباؤكم و أخطاؤكم و فقدان حكمتكم و صبيانية عنادكم..

(3)

في البداية بدأت بعض وسائل إعلامكم تنشر بعض وجهة نظر أصحاب الشبكات، و لم يكن الإعلام الخارجي أو حتى إعلام خصومكم يتعاطى أو يتحدث عن موضوع الشبكات، و كانوا يرددوا مثل: “ناب كلب في رأس كلب”..

و عندما أغلقتم كل منافسكم الإعلامية المحدودة عليهم، و أوصدتم جميع وسائلكم الإعلامية و الملحقة في وجوههم، بل و بدأتم بتحويل جل وسائلكم الإعلامية و جيشكم الإلكتروني الذي يشرف عليه رئيس الرئيس أحمد حامد، و رئيس الدائرة الإعلامية في مكتب رئاستكم محمد الوريث بتوجيه حملة ضارية و ظالمة على مواطنيكم أصحاب الشبكات لإكراههم على الاستسلام لباطلكم، و لكنهم لم يستسلموا، و ظلت نقابتهم تقارع ظلمكم إلى اليوم..

و لكن أنتم من خدمتم بأفعالكم و ظلمكم وسائل إعلام خصومكم، و إعلام العدوان أيضا، بل أنكم تنفذون ما يريدوه منكم خصومكم على نحو يثير الحيرة و التساؤل، حتى بدأ الأمر أن ما تفعلوه بأنفسكم أكثر ضررا مما يفعله العدو بكم، و ينطبق هذا عليكم إذا فسرنا ما تفعلوه بالغباء المفرط و المدفوع بحسن النية، و أن لديكم دببه انبتموهم بالدفاع عنكم فأضروكم أكثر مما أحسنوا إليكم .. إن الجهل عدو صاحبه .. فإن كان جهلا فأنتم مسؤولين عنه، و إن كان بعلم فقد سرى السم و بات الداء فيكم .. إنه الاختراق، أو أكثر منه..

(4)

عندما تنقلب أنت و تمنع أي وسيلة إعلامية محلية من تناول المشكلة من وجهة نظر من تعتقد من مواطنيك أنهم خصومك، بل و تسخر قنواتك الفضائية و التابعة لها مثل قناة “الساحات” و “معجبها” الذي ليس فيه من العجب إلا ما يصنعه من السقوط الإعلامي المريع و قلة الأدب .. فاعلم أن خصومك سيتناولون مظلمتك التي قدمتها لهم أنت على طبق من ذهب .. أنتم من تصنعون الظلم، و عليكم أن ترفعوه عن المظلومين أصحاب الشبكات .. أنتم من تقدمون المادة الإعلامية بجوركم الفادح و تجبركم و تكبركم، و ليس غيركم من أصحاب الشبكات .. “رمتني بداءها و أنسلت”..

عندما تترك مثل “معجب” يهاجم بعض من مواطنيك الذين تحت سلطتك، و يمارس التحريض عليهم و إرهاب السلطة، و يشكك بولائهم، و يطعن في وطنيتهم، و ينسب لهم تهم الفساد الغلاظ، و يخونهم؛ فهو إرهاب سنقاومه و لن نستسلم له..

أن يصرف “معجب” صكوك الوطنية و التخوين لمواطنين تحت سلطتك و في العاصمة صنعاء و ليس الرياض أو الإمارات أو حتى في بيروت، فهذا ما يجعلنا نقول: “ربي أقم الساعة” إن “معجب” هو بعض من انحطاط عهدكم..

أما أنا فقد تنصلت مرارا من هذه القناة و سياستها الإعلامية التي لم يعد يجمعني بها جامع، و من يعتقد إنها زلتي التي لن أنجوا منها، كما يطرح الفاسد المحمي بسلطة الغلبة محمد العماد، فيجب أن يعرف، و يعرف الجميع أن لدي عقد قانوني مع قناة الساحات و القائمين عليها، يحميني أمام أي جهة قضائية و قانونية، و موثق لدى الجهات الرسمية في اليمن و لبنان..

لم يعد يربطني بهذه القناة رابط من قبل الحرب و ليس من اليوم، لإخلال الإدارة بالعقد المبرم و هو إخلال من طرف واحد، و التحلل من التزاماتها الذي يتضمنها العقد، و سأضطر لنشر العقد التي بيني و بين إدارة القناة، إن لزم الأمر لقاهر .. أما العماد فلن ينجو و الأيام دول..

(5)

تخوّنوننا نحن و أصحاب الشبكات، و جميعنا أبرياء من تهمكم الابتزازية .. و بخفة تطلقون علينا تهم الخيانة لتمارسون علينا إرهاب السلطة .. ـ فقط لأننا نساند مظلومية .. و لمجرد إنهم يئنون من ظلمكم، و يحاولون مقاومة هذا الظلم بوسائل سلمية محدودة جدا .. فيما (أنتم) تعقدون مع الخصوم و الأعداء الاتفاقيات و الصفقات السرية، و منها على سبيل المثل لا ال
يبحثون عن جرائم ليطمسون بشاعة جرائمهم..
اتحدث عن محنة إقبال الحكيمي واسرتها..
حصر اتفاقية “ظهران الجنوب”..

قريبا أو في مدى غير بعيد ستظهر الخيانات بأصولها في اتفاقيات علنية و سرية، ستُنكشف بعد حين .. و سيكتب التاريخ من الذي باع .. و من الذي خان .. و من الذي عقد الصفقات السرية و مقابل ماذا..؟! و القادمات أكثر..
https://yemenat.net/2020/01/364395/
تغاريد غير مشفرة (300) .. لـ”الحوثيين” مرة أخرى عن شبكات الواي فاي

يمنات

أحمد سيف حاشد

(1)

عندما تكون لديكم أو عندكم مشكلة حقيقية و في عقر داركم أو في العاصمة التي تحكموا منها، كان يجب أن تحلوها أنتم بدلا من أن تقوموا بتعقيدها و تصعيدها من جهتكم، إلى حد المطل في تنفيذ الحلول التي أرتضيمتوها أصلا أنتم، بل و الاستمرار بنهب ممتلكات مواطنيكم من أصحاب الشبكات خلافا للدستور و القانون، و الأسوأ أن تعاندوا بصبيانية فجة في تعقيدها و تصعيدها، و محاولة فرض باطلكم على مواطنيكم باستخدام ما بأيدكم من سلطة و سطوة و نفوذ و مقدرات شعب و دولة..

(2)

عندما تمنعون قنواتكم الفضائية، و القنوات الملحقة التابعة لكم، من سؤال مواطنيكم المتضررين من إجراءات و تعسف سلطتكم، بل و تستخدموا منظومة إعلامكم في إرهابهم بتخوينهم و نسب لهم ما ليس فيهم، و فرض باطلكم عليهم باستخدام جور السلطة لقمعهم لمجرد رفضهم أو مقاومتهم السلمية الحذرة و المحدودة لتعسف إجراءاتكم الظالمة و الفادحة، و التي ألحقت الضرر البالغ بهم و بحقوقهم و عوائلهم، من الطبيعي جدا أن تعرفوا أن إعلام خصومكم السياسيين بل و حتى إعلام أعداءكم أن يستغلوا ما فشلتمم به، و يوجهون إعلامهم بالتقاط ما لم تستطيعون التقاطه .. إن لم تدركوا هذا، فهو من فرط غباؤكم و أخطاؤكم و فقدان حكمتكم و صبيانية عنادكم..

(3)

في البداية بدأت بعض وسائل إعلامكم تنشر بعض وجهة نظر أصحاب الشبكات، و لم يكن الإعلام الخارجي أو حتى إعلام خصومكم يتعاطى أو يتحدث عن موضوع الشبكات، و كانوا يرددوا مثل: “ناب كلب في رأس كلب”..

و عندما أغلقتم كل منافسكم الإعلامية المحدودة عليهم، و أوصدتم جميع وسائلكم الإعلامية و الملحقة في وجوههم، بل و بدأتم بتحويل جل وسائلكم الإعلامية و جيشكم الإلكتروني الذي يشرف عليه رئيس الرئيس أحمد حامد، و رئيس الدائرة الإعلامية في مكتب رئاستكم محمد الوريث بتوجيه حملة ضارية و ظالمة على مواطنيكم أصحاب الشبكات لإكراههم على الاستسلام لباطلكم، و لكنهم لم يستسلموا، و ظلت نقابتهم تقارع ظلمكم إلى اليوم..

و لكن أنتم من خدمتم بأفعالكم و ظلمكم وسائل إعلام خصومكم، و إعلام العدوان أيضا، بل أنكم تنفذون ما يريدوه منكم خصومكم على نحو يثير الحيرة و التساؤل، حتى بدأ الأمر أن ما تفعلوه بأنفسكم أكثر ضررا مما يفعله العدو بكم، و ينطبق هذا عليكم إذا فسرنا ما تفعلوه بالغباء المفرط و المدفوع بحسن النية، و أن لديكم دببه انبتموهم بالدفاع عنكم فأضروكم أكثر مما أحسنوا إليكم .. إن الجهل عدو صاحبه .. فإن كان جهلا فأنتم مسؤولين عنه، و إن كان بعلم فقد سرى السم و بات الداء فيكم .. إنه الاختراق، أو أكثر منه..

(4)

عندما تنقلب أنت و تمنع أي وسيلة إعلامية محلية من تناول المشكلة من وجهة نظر من تعتقد من مواطنيك أنهم خصومك، بل و تسخر قنواتك الفضائية و التابعة لها مثل قناة “الساحات” و “معجبها” الذي ليس فيه من العجب إلا ما يصنعه من السقوط الإعلامي المريع و قلة الأدب .. فاعلم أن خصومك سيتناولون مظلمتك التي قدمتها لهم أنت على طبق من ذهب .. أنتم من تصنعون الظلم، و عليكم أن ترفعوه عن المظلومين أصحاب الشبكات .. أنتم من تقدمون المادة الإعلامية بجوركم الفادح و تجبركم و تكبركم، و ليس غيركم من أصحاب الشبكات .. “رمتني بداءها و أنسلت”..

عندما تترك مثل “معجب” يهاجم بعض من مواطنيك الذين تحت سلطتك، و يمارس التحريض عليهم و إرهاب السلطة، و يشكك بولائهم، و يطعن في وطنيتهم، و ينسب لهم تهم الفساد الغلاظ، و يخونهم؛ فهو إرهاب سنقاومه و لن نستسلم له..

أن يصرف “معجب” صكوك الوطنية و التخوين لمواطنين تحت سلطتك و في العاصمة صنعاء و ليس الرياض أو الإمارات أو حتى في بيروت، فهذا ما يجعلنا نقول: “ربي أقم الساعة” إن “معجب” هو بعض من انحطاط عهدكم..

أما أنا فقد تنصلت مرارا من هذه القناة و سياستها الإعلامية التي لم يعد يجمعني بها جامع، و من يعتقد إنها زلتي التي لن أنجوا منها، كما يطرح الفاسد المحمي بسلطة الغلبة محمد العماد، فيجب أن يعرف، و يعرف الجميع أن لدي عقد قانوني مع قناة الساحات و القائمين عليها، يحميني أمام أي جهة قضائية و قانونية، و موثق لدى الجهات الرسمية في اليمن و لبنان..

لم يعد يربطني بهذه القناة رابط من قبل الحرب و ليس من اليوم، لإخلال الإدارة بالعقد المبرم و هو إخلال من طرف واحد، و التحلل من التزاماتها الذي يتضمنها العقد، و سأضطر لنشر العقد التي بيني و بين إدارة القناة، إن لزم الأمر لقاهر .. أما العماد فلن ينجو و الأيام دول..

(5)

تخوّنوننا نحن و أصحاب الشبكات، و جميعنا أبرياء من تهمكم الابتزازية .. و بخفة تطلقون علينا تهم الخيانة لتمارسون علينا إرهاب السلطة .. ـ فقط لأننا نساند مظلومية .. و لمجرد إنهم يئنون من ظلمكم، و يحاولون مقاومة هذا الظلم بوسائل سلمية محدودة جدا .. فيما (أنتم) تعقدون مع الخصوم و الأعداء الاتفاقيات و الصفقات السرية، و منها على سبيل المثل لا ال
بعض من تفاصيل حياتي..
احمد سيف حاشد
من طفولتي الأولى
(5)
الموت يداهمنا.. تساؤل ..
لماذا الموت يا إلهي؟! أعلم أنك حكيم، ولكن السؤال أيضا يبحث عن الحكمة والبيان؟! نحن شغوفون بالمعرفة، وربما جُبلنا على هذا، وربما في المعرفة تحدي وجودي للإنسان.. إننا نحاول فهم ما لا يتأتى فهمه، وإماطة اللثام عنه، وكشف ألغازه ومجاهله، ومعرفة ما لا نعرفه، حتى وإن كان عصيا عن الفهم والمعرفة منذ البداية، أو تحتاج الإجابة على الأسئلة إلى مداها الزمني المستحق، إلا أن شرف المحاولة فيه ممارسة وجودية، تجعلنا نستحق هذا الوجود الذي نعيشه..

المعرفة ربما لا تأتي بالتسليم، أو بتجاهل مالا ينبغي تجاهله، ولكنها تأتي من اعتمال العقل والتجربة، واثارت الأسئلة، ومناقشة الفرضيات والنظريات، أو استبدالها أو تصحيحها.. فالخواء لا يقدم علم أو معرفة أو فهم.. ينبغي للأسئلة لتفعل فعلها، أن تنفذ إلى الدخل وتغوص في العمق، ويجري البحث عن الإجابة عليها، وبذل ما في الوسع والاستطاعة من الجهد؛ لاكتشاف ما هو مجهول وغامض، وإزالة كل لبس أو غبش.. سلطان العلم هو ما نحتاجه لننفذ به إلى أقطار السموات العُلا، والأشياء الكبيرة كما قالوا تبدأ بسؤال صغير".. وقيل "إنما شفاء العي السؤال".

الأسئلة هي بوابات المعرفة، وهي السبيل إلى ما نسعى إليه من يقين، أو هي وسيلة تدلنا من أجل الوصول إليه.. نحن هنا نسأل أو نتسأل لنبدد حيرة، تجلي شيئا من معرفة، أو ناصية من علم، أو دليل أو وسيلة، في خدمة الإنسان ومستقبله..

ما كان في دروب الأمس عصيا على الفهم والعلم، أو مستحيلا عليه، صار اليوم معلوما أو واقعا مفهوما وماثلا أمام العيون، ويغدو المستحيل ممكنا، وما كان اليوم عصيا على الفهم والعلم، ربما يصير غدا بديهية معرفية، وما لا نطول جوابه اليوم، سنطوله غدا، وغدا لا ينفذ ولا ينتهي في درب الزمن الطويل أو السرمدي..

المستقبل الذي نروم ونعمل لأجله، سيفكك كثير من أسرار الكون وغموضه.. فالكون مكنوز بالأسرار الهائلة التي لا تنتهي، وربما تفوق كل تصور وخيال.. والمعرفة لا حدود لها.. وطالما بقي إنسان في وجوده، سيظل يحتار ويسأل ويتسأل حتى يصل ويطمئن إلى ما يمكن الوصول إليه، أو يظل يعدل فيما كان يظنه يقين، حتى يصل إليه، أو الحد الأدنى منه، ويستمر تراكم العلم لاكتشاف المزيد، ويستمر الإنسان في حصاد المعرفة، وفي مدى ربما لا ينتهي..

يتسأل البعض: إن كان الموت ضرورة والحياة ضرورة فأنت يا الله على كل شيء قدير.. ماذا كان سيحدث إن عُدمت الضرورات، ولم يخلق الله الخلائق، ولم تشهد الأكوان والعوالم حياة ولا موت؟!
ثم يجيب: ربما لو حدث هذا لانعدم الحزن الوخيم الذي يملئ هذا الوجود على اتساع ما نتخيله..
هكذا أحيانا يجوس ويتمرد علينا السؤال في محبسه، ولاسيما عندما تصير كلفة السؤال أو الإجابة عليه حياة صاحبه..

أنا أكره الموت يا الله، عندما يخطف منا من نعزّهم ونحبّهم.. البقاء غريزة قوية فينا أو جاءت معنا عندما جئنا، لا دخل لنا فيها، ولا حولا ولا قوة.. أكره الموت عندما يخطف منا حبيبا أو عزيزا أو كريما..

الموت رهيب جدا.. الموت سكونا موحشا.. ربما عدما وفراغا يدوم.. ربما الموت فراق للأبد، ورحيل بلا نهاية.. الموت خراب وحزن ثقيل جدا على بني البشر.. هذا ما أشعر به عند رحيل كل عزيز وحبيب، فيما الموت عند الميت ربما شيء مغاير ومختلف..

الموت حالة ربما تتأخر، ولكن مجيئها في حكم الأكيد.. كبار المسلَّمات ربما تكون محل ظن وشك، وأما الموت فحقيقة ويقين.. هو ناموس كما قيل، لا يقبل الشك ولا التفاوض.. ولكن لا يدري الجميع أو الكثير أو البعض بيقين ماذا يحدث لنا بعد الموت والغياب الطويل..

***

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

(6)
موت الأختين

أسرتنا الصغيرة في عدن ـ كما قلت سالفا ـ كانت تتكون من أبي وأمي وأنا وأختين توأم، نور وسامية.. أسرة صغيرة وبسيطة تربص بها الموت مليا حتى ظفر بالزهرتين..

جاء الموت على نحو غريب وغامض، لا زلت أجهل سببه وتفسيره إلى اليوم. شيء أخذ من أسرتنا الصغيرة الأختين (نور، وسامية) وكدت أكون أنا الثالث لولا اللطائف.

أختي نور ماتت، وكان عمرها لا يتجاوز العام .. كانت تصرخ فجأة صراخ طافح وقوي، وما أن يتم حملها تسكت، وعندما يتم وضعها على الأرض تعود بنفس الصراخ، حتى يكاد ينقطع نفسها، فيتم المسارعة لحملها من قبل أبي أو أمي، فتكف عن الصراخ، ويستمر هذا الحال فترة طويلة إلى أن تنام محمولة.. وفجأة صرخت ولم تستعد أنفاسها، وماتت في الحال.

أختي (سامية) عندما كان عمرها أكثر من عام، تكرر معها نفس الحال والأعراض.. تصرخ فجأة دون سبب معروف، ثم يتم المسارعة لحملها من قبل أبي أو أمي فتسكت، وعندما يتم إنزالها إلى القاع أو الفراش، تصرخ مجددا وبصوت قارح، فيتم حملها بسرعة، وينتهي الأمر إلى أن تنام محمولة..

وفي يوم صرخت أختي سامية، فسارع أبي لحملها، ولكن أنقطع نفَسها، ولم تعد، ولم نعرف سببا لموتها إلى اليوم.. قال البعض هراء: ماتت لأن البيت التي نحن فيها مسك
ونة بالجن، وقال آخرون ماتت "فرحة".. وأي فرحة إذاً وصرخة موتها يشق الجدار.

كنت أحب أختي سامية، كانت جميلة وبهية.. كانت حياتها خاطفة وسريعة.. حياة قصيرة كلحظة عاشق.. كحلم عَجول.. أما أختي نور فكانت حياتها أقصر وأسرع وتفاصيلها عصية على الذاكرة، بعد خمسين عاماً من طفولة باكرة.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

(7)
فقدان موحش وغياب لا ينتهي
لازلت أذكر سامية وهي مسجاة على الفراش.. كانت الرغبة تستبد بي لأعرف ماذا حدث!! كان الغموض عندي بكثافة مجرة مملوءة بالأسرار العصية على الفهم..

كنت أنظر إليها مشدوها كأنني أشاهدها واكتشفها لأول مرة.. رغم الموت كان وجهها نابضا بالنور، وعيونها مشرقة رغم السكون، كانت تلبس ثوبا بلون دم الغزال.. لا زال هذا اللون أثيرا لنفسي وإن كان يذكرني بفراق طويل..

لم أكن أدرك حينها إن الموت خطفها وغيبها للأبد.. لم استوعب أنها لم تعد بيننا وإنها لن تعود..

كنت ابحث عنها على الدوام وابكي وأقول لأمي ابحثي عنها في مكان نومها، أريد أختي، أريد ألعب معها.. لم تحتمل أمي كلماتي الموجعة التي تنز دما وحرقة.. كانت تحاول تبلع غصصها وتداري حسرتها البالغة، فيفضحها انهمار دموعها، فتنفجر بالبكاء وأبكي معها دون أن أعرف السبب..

كرهت الموت من حينها، غير أن أمي كانت تعزيني، وتخفف من وجعي ووجعها، وتقول إنها في السماء، وإنها مرتاحة هناك، وسعيدة بين بنات الحور، وإنها تأكل التفاح واللحم وكل أنواع الفاكهة.. كل ما أنا محروم منه في الدنيا الفانية هي تأكله، وتنعم به في الحياة الثانية..

ربما بعد حين هممت بمغادرة هذا الدنيا الفانية إلى دار الآخرة، لاستمتع بتلك الحياة الرغيدة، وأعوض كل حرمان عشته في هذه الدنيا، ولكن شق علي أن أترك أمي وحدها تنتحب بقية عمرها.. رأيت أن المغادرة بمفردي دونها أنانية تبتليني، ورأيت إن البقاء عذاب لا ينتهي إلا برحيلي.. هكذا بات الأمر سيان، وكأنني أدور في مدار من عذاب لا يريد أن ينتهي.

أخبرتني أمي أنني سألتقي بأختي نور وسامية يوم القيامة.. ومتى ستأتي يوم القيامة؟! إنني أكره الموت والفراق الطويل؟! العجيب إن أمي بعد حين، كانت تقول لي أن الإخوة لا يلتقون في الدار الثانية إلا يوم القيامة، أما بعد القيامة، فلا وصل ولا لقاء بين الإخوة، بنينا أو بنات.. ربما كانت أمي أو من جلب لها هذا القول، يقصد تعميق أواصر الأخوة وتوثيق المحبة بين الإخوة في هذه الدنيا، ولكن كان الأمر بالنسبة لي يعني حزن عميق على فراق لازال بعيد، وحسرة طويلة من الفراق الأبدي البعيد يأتي بعد يوم القيامة..

من فرط تعلقي بأختي سامية، جاءت مولودة لاحقا، فأسموها سامية، تعويضا وتخفيفا من فراغ موحش تركه هذا الموت الذي يغيِّب عنّا من نحب.. هذا الموت القاسي والخالي من الرحمة والمشاعر.. سامية أختي الجديدة جاءت شفيفة ومرهفة وحميمة، ومسكونة بالسمو والنبل الجميل.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

(8)
كدت أموت
ماتت نور وسامية وكدت أكون ثالثهما.. مررت بنفس الحال والأعراض.. كنت أصرخ فجأة كزمجرة رعد على حين غرة، فيما يسارع أبي أو أمي في حملي من الأرض أو قاع المكان، وما أن أعود للأرض مرة أخرى حتى يعود الصراخ.. وأظل محمولا حتى أنام، وأحياناً أقوم من نومي صارخا، ويتكرر المشهد، وتزداد مخاوف أبي وأمي وتوجسهما أنني للحياة مفارق.

لماذا أصرخ ؟! لا زلت أذكر.. لا أستطيع أنسى ما كنت أشاهده.. ما زال المشهد عالقا بالذاكرة، حافرا فيها، وما زال تفسيره وكنهه غامضا وعصيّا على فهمي إلى اليوم.

كنت أشاهد ثعبان أبيض يخرج من القاع.. طوله بحدود المتر.. له أرجل.. أرجله منتشرة على حافتيه ورأسه مربعا متناسق مع جسمه باستثناء أنه مميز بعينين مدورتين، وعرض رأسه أكبر بقليل من عرض جسمه، ولديه شعرتان في مقدمة رأسه وكأنها للاستشعار..

أشاهده بغته يخرج من القاع يجري؛ فأصرخ بهلع بالغ، كما كانت تصرخ الأختان (نور، سامية) صراخ قارح وناري يشق الجدار.. كزمجرة رعد يأتي بغته على نحو صادم في لحظة شرود وتيه.. صراخ ليس له موعدا يشق الليل أو النهار.. ينم عن مشاهدة أمر صادم، مرعب وفظيع.. شيء ما يجعل الفزع والجزع يشقني نصفين.

وعندما كانا يحملاني أبي أو أمي يختفي هذا الثعبان بالقاع، لا أدري كيف يختفي، ولكنه يختفي، وعندما يطرحاني على الأرض، أراه من جديد يخرج من الإسمنت، ويزحف بسرعة في قاع الغرفة، ويتكرر هذا المشهد، ومعه يتكرر الصراخ.. أبي وأمي لا يرونه، أنا كنت الوحيد الذي أراه، ولذلك لم يستطيعا اكتشاف سبب الصراخ وما أشاهده، إن كان لما أشاهده وجود.

في إحدى المرات، تكرر مشهد الصراخ وعندما لمح أبي على يدي خربشات قلم، قام بمسحها، فانتهى صراخي ولم أعد أراه.. فهم الأمر على ما كان سائدا من وعي وثقافة، وتبّدا له الأمر أنني كتبت على يدي اسم شيطان.. ولكن هذا التفسير غير مقنع، ولا يستقيم، لأن حالات كثيرة تكررت معي ومع سامية ونور، دون أن تكون هناك كتابة أو شخابيط .. كم أخشى من ظُلمنا للشيطان، وربما الشيطان بنا كان رحيم.
***
يتبع..

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بعض من تفاصيل حياتي
(9)
احمد سيف حاشد
العودة من عدن إلى القرية
بعد سنتين من إقامتنا في عدن استغنت شركة "البس" التي كان يعمل فيها والدي عن عدد من العمال، وكان أبي من ضمنهم.. مصاب جلل، وقدر بات أكبر منّا.. أي نكبة أصابتنا يا الله؟! يا لسوء الطالع وعاثر الحظ، وخوفنا مما هو قادم ومجهول!! أبي فقد عمله، ولا بديل يعوضه، ولا من يسد لنا هذا القدر الذي بدا أمامنا ثقبا أسودا، وفراغا كونيا يريد ابتلاعنا وتغييبنا في جحيم مجاهله..

لا رجاء سعفنا، ولا بارقة أمل تلوح في الأفق.. وجوم في السماء، وكلح في الأرض، ويأس يتمطى في الشرايين.. لم يعد هنالك من مصدر دخل لنا.. ظروفنا ازدادت سوءًا وانحدارا، وزدنا نحن عوزا وفاقة.. لم يكن أمام أبي من خيار إلا أن يعود بنا إلى قريتنا التي يهرسها بؤسا وشقاء شديدا، ومعاناة تطول، ولا نور في نهاية النفق..

ما أسود الحياة عندما تفقد عملك، وتُقطع أسباب رزقك.. فادح أصابنا، وفادح مضاعف أصاب أبي.. مأساة أسرة فقد فيها ربها دخله المحدود، وأسرة أخرى في القرية تتضور جوعا، لا دخل لها من غير أبي، ولا عوض.. حكم إعدام أنزله علينا القدر دون إمهال أو إنذار..

أبي يهيم على وجهه، يبحث عن وجه الله لعله يجده.. كان الشعور بالضياع وفقدان الأمل قاسيا وساحقا.. أتخيل الحال أن صخرة بحجم مجرة، قذفتها السماء على رأس أبي، وأصابتنا معه في مقتل أطاح بالجميع.. الخيارات محدودة وصعبة، بل في الحقيقة ليس أمامنا من خيار.. لا عمل ولا فرصة عمل أخرى، وكل ما يمكن أن تفكر به من مساعدة غائب ومعدوم.. أنت مبلوع في لجة البحر، بلا يد ولا مجذاف ولا لوح ولا وسيلة خلاص.. لا قشة ترجوها أو تمسك بها مسكت غريق.. جميعنا يغرق في التيه والمجهول وأصقاع الضياع..

عاد بنا أبي إلى القرية.. وباتت المصاب والألم مضاعف.. اسرتين تعاني الجوع، وكل شيء هناك عزيز، ولا أمل في الانتظار ينقذنا من حالنا البائس، ولم تبق أمام أبي إلا المغامرة والرحيل إلى الغربة، يبحث فيها عن فرصة عمل أخرى تسعفنا من حالة البؤس والموت البطيء..

ما حدث لنا ولليمن اليوم، تجعل مأساتنا في الأمس رغم كبرها وفداحتها بالنسبة لنا تبدو بحجم رأس الدبوس، مقارنة بما نشهده اليوم، وهو محيط من العذاب والموت والبشاعة.. نحن اليوم في زمن تعاظمت فيه مصائبه وبشاعاته.. وما كان في الأمس مصابا مقدور عليه بممكن أو بمعركة مستحيل، بات اليوم كوارث تفوق ما تحتمله الجبال، بل ولا تقوى عليه اليمن كلها، وقد جمع لنا العالم وصب فوق رؤوسنا، كل بشاعته وفساده وإنحطاطه وقذارته..

الفارق بين مصائب الأمس وازدحام كوارث اليوم بات خرافيا وغير معقول.. خمس سنوات حرب ضروس، وحروب متعددة تشب وتنشب هنا وهناك.. خمس سنوات عجاف أكل فيها شعبنا دواخله، وأكل المجتمع الواحد بعضه بعض، وأكلت النار معظمه.. خمس سنوات حروب بشعة ودميمة، سحقت شعبنا طولا وعرضا.. مـأساة بعمق سحيق، وطول وعرض تبدّى لنا محيط دون أطراف ولا خلجان ولا منتهى..

كيف لك أن تتخيل حجم الكارثة، وأنت ترى اليوم مليون ونصف المليون موظف ومتقاعد ومستفيد قد قطعت رواتبهم، وقطعت معها أسباب رزقهم.. وتكايدت أطراف الحرب مع بعضها لتتخلى عن المسؤولية حيال رواتب مليون ونصف عامل وموظف ومتقاعد، يعيلون ما لا يقل عن عشرة مليون إنسان، باتوا مفقرين ومعدمين، تفتك بهم الأمراض والأوبئة والمجاعة والتشرد، كما تفتك بهم الحرب منذ خمس سنوات طوال، وفي محيطنا عالم متوحش، غارق بالبشاعة والدمامة والإجرام..

أكثر من مليون مواطن يقتل بعضه بعضا في الخنادق والجبهات، بل وحماية الحدود الأجنبية أيضا.. سلطات مُغتصِبة وأرض مُغتصَبه، وقيم إنسانية مُهدرة، وحقوق شعب مستباح، ونهب وانهيار، وجهلة وأمراء حرب يحكمون ويتسلطون.. وأكثر من هذا عدوان كبير، واحتلال همجي بشع وغير مسبوق في تاريخ اليمن من أوله إلى يوم بدأت هذه الحروب اللعينة قبل خمس سنوات، ولا تزال.. ما حدث كان أكبر من أن يوصف، ولم يكن يخطر من قبل ببال ولا حسبان..

أعود إلى الماضي ومحنة والدي الذي فقد عمله.. وكان هذا قبل استقلال الجنوب من الاحتلال البريطاني.. وبعد أن ضاقت الدنيا في وجه أبي ودلهمت.. وبعد أن فقدنا مصدر رزقنا وما نقتات في عدن.. عدنا إلى القرية التي جئنا منها، كأسماك السليمون التي تعود من مهجرها لتموت في مسقط رأسها، أما أبي فعليه أن يواصل البحث والهيام في فرصة عمل ولا عذر ليتخلى عن مسؤولياته وإن كان مصابنا وقدرنا أكبر من الجميع.. فكانت وجهته هذه المرة إلى "بربرة" الصومال الشقيق.

في طريق عودتنا إلى القرية ومغادرتنا لعدن كنت أشاهد عساكر الإنجليز في النقاط والحواجز العسكرية.. كانوا يلبسون القميص الكاكي والسروال القصير وطاقية الرأس العسكرية.. الغريب أنهم كانوا يودعوننا بتعظيم سلام.. يضع العسكري يده على محيّاه ويحيِّنا بتحية تَكرِم وتليق..

يحيِّنا وهو بوضع الاستعداد والانتباه بتحية عسكرية مملوءة بالمهابة والتقدير.. وكان رأسي الصغير وأنا أشاهدهم يعج بالأسئلة..

كنت أسأل
نفسي ببراءة طفل: هل يتحركون؟! هل يستمرون بهذه الهيئة ليل ونهار؟! كنت أتمنى أن تتوقف سيارة (اللاندروفر) التي تقلّنا وقت طويل أمام كل واحد منهم لأراهم كم يستمرون على (تعظيم سلام)، كنتُ أريد أن أملئ عيوني من كل واحد منهم ساعات طوال.. اليوم بدا لي أنهم يريدون بهذا الوداع الجميل أن يتركوا انطباعاً حسناً لدى المغادرين إلى أرض الشمال.. وبين أمس واليوم عوالم وتحوّلات لم تكن تخطر ببال.

عدنا من عدن إلى قريتنا (شرار) في (القبيطة) مثقلين بالحزن، والفراق الطويل.. عدنا نمضغ بؤسنا كماضغ الملح والصديد.. عدنا وجراحنا عميقة وغائرة في النفوس.. عدنا وقد نقصنا عن عدد مجيئنا اثنين "نور وسامية"، وكدت أكون ثالثهما.. مؤسف أن نعود وقد نقص من عدد أسرتنا الصغيرة اثنين.. يا لهول الخسارة.. عدنا ونحن نحمل حزنا ثقيلا وقليلا من المتاع.. عدنا وقد تركنا فيها ذكريات أليمة، وقبرين صغيرين، حصيلة غربة بدت لنا فادحة ومكلفة.

***
يتبع
دأ بالسير والصعود نحو مقام "الشيخ حي" في تلة الجبل.. يتحرك الجمع رويدا رويدا وهم ينبضون ويفيضون بالنور، والجمع أبهى من ألف عريس.. وما يفعله المجاذيب يأسرون طفولتك بما لا يُنسى من العجب..

لازلت أذكر المجذوب هنا، وهو يبدأ في الارتعاش.. أخرج جنبيته من غمدها، وبدأ يضع رأسها في راحة يده اليسرى ويمناه قابضة على مقبضها.. مايلها ومايل يديه مرتين وثلاث على زاوية من عينيه، وكأنه يبحث في لمعانها عن شفرة أو سر ينتظر موعده أو تدفقه..

قالوا إنه يبحث وينتظر الشارة التي تأذن له في الدخول إلى غمرة الجذب.. بدأ يهتز كغصن في وجه الريح، أو شجرة كافور في وجه عاصفة.. ثم يجثوا على ركبتيه، ويضرب بحد الجنبية كتفيه ايمنا وأيسرا، دون أن نرى دما أو أثرا.. يعيد وضعية جثيه على أطراف أصابع قدميه متحفزا، ويهيل الضربات على سرفتيه.. يطعن بطنه بضربات متلاحقة، ولا يترك أثر على جسمه رغم كل ما فعل.. لم يترك أثر غير حيرة ودهشة تكسي وجوه طفولتنا الباكرة.. ثم يعود ويفوق من غمرته، ويخرج من نوبة حالته، ويعود إلى طبيعته ولا كأن أمر خارق قد حدث..

ما أجمل تلك الأيام القلائل، وما أجمل الطفولة فيها، وكلاهما قطعا لن تعود..
***
يتبع
طفولتنا في مناطقنا وقرانا..
احمد سيف حاشد
(1)
"الشيخ حي" والشيخ أحمد
قرانا متناثرة حول الوديان وعلى ظهور الجبال العالية.. قرانا متعبة مثل رجالها ونساءها وأطفالها.. كيف جئنا إلى هنا؟! ومن أين جئنا؟! وكيف وصلها أجدادنا الأوائل، قبل مئات السنين؟!

قالوا أن جدَّنا الأول جاء من حضرموت إلى هذه المناطق من "القبيطة" قبل أكثر من ثلاثمائة عام تقريبا، ويدعونه بـ "الشيخ حي"، وبرفقته عمه "الشيخ أحمد" ومعهما عبدا أو أكثر، ولا ندري إن وجد في صحبتهم رجالا آخرين، ولا نعلم إن كانت لحواء معهم وجود، أو كانت هي من ضمن الوافدين..

اقترن الاسمان بلقب الشيخ، ويبدو أن سببه يرجع إلى المكانة الاجتماعية والدينية الخاصة بهما.. وكانت أمي تنتسب إلى "الشيخ حي"، فيما كان أبي ينتسب إلى الشيخ أحمد.. وكان الاهتمام بمزار "الشيخ حي" أكثر من الاهتمام بمزار "الشيخ أحمد" وقد ألفحتني أمي من تراب قبر جدها، ولم ألفح أنا من تراب قبر جدي من أبي.، ولنا في المقام لاحق وتفصيل..

غير أن السؤال: ما لذي دفع أولئك الأجداد أن يتركوا عز حضرموت وأهلها الطيبين، ويأتون إلى هذه المنطقة النائية البعيدة، صعبة المراس، والتي لا تخلوا من وعورة بادية للعيان، وربما أيضا خالية أو قليلة السكان؟!
كيف يتركون حضرموت، ويتجاوزون مئات الأمكنة، في طريق يمتد قرابة الألف كيلو متر، ليستقر بهم الحال والترحال في منطقة نائية قصيه ومجهولة، ليس فيها ما يجذب أو يغري أو يستحق المغامرة..؟!

ما لذي دفع أولئك الأجداد أن يتركون حضرموت أرضا وبحرا وسهولا وشواطئا وسكانا، ويعبرون في رحلتهم الطويلة تنوعات بيئية وسكانية كثيرة ومتعددة، دون أن يحطوا الرحال في واحد منها؟! كيف يعبرون مسافة ربما يستغرق قطعها على الراحلة شهورا طويلة، لينتهي بهم المطاف في مناطق نائية بعيدة جدا عن أهلهم وذويهم، وتكون هي المستقر الذي حطوا رحالهم فيها، وبنوا مساكنهم على ظهور جبالها العالية؟!

سألتُ أمي يوما عن السبب؟! فأجابتني بسماعها أنهم جاءوا من حضرموت إلى هذه المنطقة، يبحثون عن فتوى!! فزادني قولها عجب على عجب!! بلادنا ليس فيها شيوخ، ولم تشتهر بعلم أو بفتوى، وليس فيها كثير من الناس، بل أن عدد قرودها كانوا أكثر عددا من ناسها، أو الساكنين فيها..


الأقرب إلى المعقول، أو أغلب الظن، أن هناك أسباب سياسية واجتماعية، أو أعمال قمع وملاحقة سلطات، أو وجود اضطرابات وعدم استقرار، أو ما شابه ذلك من الأسباب، التي حملتهم على مغادرة حضرموت، والتوجه بعيدا إلى مناطق قصية وحصينة، أو عصية على من كان يفكر بالملاحقة أو فرض سلطته عليها.. أغلب الظن أن وراء اختيار هذه المناطق لتكون موطن للقادمين إليها، لما توفره لهم من أمن وسلامة وحماية.. ربما هذا هو السبب الحقيقي في اختيار الهاربين إليها، ومن حطوا الرحال فيها..

"الشيخ حي" أو الشيخ "يحيى" يوجد له ضريح على جبل صغير في وادي صبيح، والضريح محروس بغرفة وقبة يجري طليها بالنورة البيضاء قبل موعد المولد بأيام، ويتم تجديد طلاء قبة وغرفة الضريح في الموعد المقرر بالعام الذي يليه، وكان طلاء النورة يجعل للمكان جلالا وهيبة، وتستطيع نصاعة بياضها أن تأنسك وتشعرك إنك لست وحدك.. تتطلع إلى المقام بناطريك، فيبدو المقام مهابا وآسرا في ليل كان أو نهار.. تشعر أن هناك من يقول لبصرك: قف قليلا..

وعندما يقترب موعد المولد يتم النداء إليه، ويسمى "التطريب" وهو إعلان موعده والذي يجري في يوم وسوق الخميس، ويتم من مكان مرتفع نسبيا في السوق، ويستهل الإعلان بعبارة "الحاضر يعلم الغائب..".

ما أتذكره من زمان طفولتي أنني كنت انتظر مرور العام طولا.. أشتاق لحضور هذا المولد بحرارة كل جوارحي.. شوق طفولتي يتأجج على نحو لا نظير له ولا منافس.. حضوري إلى ما أشتاق إليه يغمرني بشلال من سعادة لا وصف لها ولا مثيل..

كان المولد أشبه بكرنفال بهيج، يحضره جمع غفير من الناس، وكانت السعادة تحجز للأطفال المكان الذي يليق بسعادة وذكريات عصية على النسيان..

في المولد كان يبدو لي الجبل الذي فيه الولي أو المقام زهيا مثل شجرة ميلاد تلونها الأضواء الزاهية.. ترى الجبل وكأنه مغطى بمحار وأصداف ونجوم البحر.. زاهي بالحضور والأطفال والقمصان الملونة.. وترى البيارق ترفرف عاليا في أكثر من تجمع ومكان، وبعضها يتم حملها عند صعود الزاوية إلى ردهة المكان في الجبل.. وبيارق تغطي الضريح، فيبدو مكللا بالمهابة والوقار، كملك يوم اعتراش وتتويج مُلكه.. وترى المسرات تغمر وجوه كل من حضر..

اسفل الجبل يجتمع القوم، وشجرة "الحُمر" الضخمة والوارفة تنشر ظلها على الجميع.. وهناك ضريح الشيخ أحمد في الجوار القريب، وصخب الحياة والبيع والشراء في أعنته.. الحياة هنا مشرقة ودافقة وصاخبة بعد عام من سكون.. تشعر أن هذا اليوم الجميع يحتفل به أحياء وأموت.. تذبح الذبائح، ويتناول الناس وجبة الغذاء، ولا يغادرون قبل أن ينفض الجمع للمغادرة..

وفي عصر اليوم أو قبله بقليل يحتشد الجمع في أسفل الجبل، ليقيموا الزاوية، ويب
(2)
"شرار" وادى وقرى ومسقط رأسي
احمد سيف حاشد
قريتنا واحدة من تلك القرى.. قريتنا في وادي "شرار" كانت تمضغ فقرها كل يوم وعلى مدار الليل والنهار.. كان الخبز أو العصيد و"الوزف" الوجبة الأساسية التي تبقينا على قيد الحياة.. نعم نحن نحمل لـ"الوزف" جميلاً ومعروفاً كبيراً لا ينكره إلى جاحد، ومدانين له بالبقاء والحياة..

(شرار) قُرى متعبة، ووادي شقي يبحث عن مجد وسط الحزن والسياسة والخراب.. شرار مملوء بالصراع والتمرد والفقر..

شرار كالشرق الذي يبحث عن شروق، ولا زال الشروق عنه نائي وبعيد.. لا أدري لماذا كان اسم الوادي (شرار)، ولكن حكاية تروى أنه عاثر الحظ وكثير القنوع..

حكايته تقول عندما قسَّم الله البساتين والحدائق على الوديان سأل (وادي شرار) عما إذا كان يريد بستان أو حديقة، فأجابه إجابة قنوعة: (إن زاد وإلا ما أشتيش) فلم يزد لوادي شرار حديقة أو بستان.. * "سمعت هذا الحكاية من خالتي سعيدة وهي "أمي الثانية" التي توفت في تسعينات القرن المنصرم"

"شرار" كثير الصخر والحجر والحرمان، وبهذا يفسرون بؤس هذا الوادي وبؤس قراه، لافتقاره لبستان أو حديقة واحدة على غير مناطق محيطه، ولاسيما "صبيح" و"الركب" و"السحر" و"الرماء" التي كان فيها ما ليس في شرار..

يبدو أن (شرار) القنوع الذي يرى البعض أنه خذل رجاءنا قبل مجيئنا لا زال قنوعا إلى اليوم، ولا زلنا نحن مسكونين بلعنة قناعته التي عشقناها ولم نترك عشقها حتى وإن طوانا الجوع وبراء عظمنا وسقم الجسد. لا زلنا بالقناعة نعتز ولم تجفل هي عنّا ولم تنتهِ وما زلنا مسكونين بالمثل: القناعة كنزا يدوم ولا يفنى.

"شرار" وادى وقرى، ومسقط رأسي الذي لا أقوى على حمله..

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

يتبع..
أحمد سيف حاشد:
(3)
عناد وسلطة..
في صغري كنت مغرماً بأكل التراب.. يا إلهي كم كان التراب شهي ولذيذ المذاق.. والأكثر لذاذة أن أفعل هذا في السر والخفية، بعيدا أن أعين أمي.. كانت أمي ما أن تكتشف الأمر، فتسارع بضربي حتى قبل أن تخرج التراب من فمي، ولكن ما أن أجد الفرصة ثانية حتى أكرر الفعل المشبوب بالعناد.. ويتكرر الضرب، ويتكرر العناد ولا أتوب..

"السلطة" لا تشبه أمي بكل تأكيد.. فما فعلته أمي كان دون شك بدافع الحب الجم لضناها التي تحبه أكثر من نفسها، وبدافع الخوف الهلع على صحته التي تأثرها قطعا على صحتها..

ما تفعله "السلطة" لا علاقة له بأي حب، ولا صلة له بالصحة، أو بما هو حميد غيرها، بل يتم بدوافع الإخضاع والتدجين، وربما الاستعباد.. إن المقارنة أحيانا تكون ظالمة، وربما تبدو في عتهها إهدارا للعقل، ولاسيما عندما يكون فارق المقارنة بينهما خرافي، وبأرقام مهولة..

ربما يبدو المتشابه بين أمي و"السلطة"، في استخدام القمع.. أمي تقمعني، والسلطة تقمع الشعب.. كل منهما تقمع في إطار ولايتها.. ولكن "السلطة" فاقدة للمشروعية، وجاءت بالغلبة والاغتصاب، أو بالمخاتلة والتحايل.. أما أمي فمشروعيتها من مشروعية وجودي.. غير أن السؤال الأهم: لماذا نتمرد على الأم، وهي الأحق بالطاعة والإذعان، ولا نتمرد على "السلطة" رغم أن "السلطة" الظالمة والمستبدة أولى بالتمرد والثورة؟!!

أمي و"السلطة" تشتركان في الجهل، ولكن جهل أمي له ما يبرره، وهو جزء من واقع، تقع مسؤولية تغييره على "السلطة" أولا؛ لأن المسؤول عن جهل أمي في المقام الأول، هي "السلطة" التي لم تناهض الجهل، بل وتعمد إلى تكريسه، ليس في الحضانة والتنشئة الأولى فحسب، ولكن أيضا في المدارس والجامعات، وتعول عليه في سياساتها..

"السلطة" تعتقد أن القمع هو الخيار الوحيد، أو الخيار الأول، للحصول على نتائج فورية، ولكن كثيرا ما تأتي النتائج صادمة، أو مخيبة للآمال، والأسوأ أن "السلطة" تعاند وتوغل في عنادها حيال شعبها، ولا تعترف ولا تقر بما تقترفه من أخطاء، إلا بعد أن تكون قد دفعت كلفة أكبر من الخطأ بفعل عنادها، ويكون قد أوقع الفادح ما هو أفدح منه..

وتبالغ "السلطة" وجماعتها الدينية الموغل ذهنها في الماضي بتعصبها لصالح المجتمع المغلق الصارم في عاداته وتقاليده وثقافته.. بل وتستعرض اعتزازها بهذا الانغلاق، وتعمد إلى تكريسه، وتحت عنوان الحفاظ على العادات والتقاليد الأصيلة للمجتمع، وباسم الأصالة يجري التحصين والتأكيد على الماضي، وعلى كل ما هو بائد ومتخلف ومهتري، ويكون ذلك على حساب المستقبل الذي نروم..

وتعيش "السلطة" وجماعتها الدينية حالة تناقض وانفصام تام، وعدم تصالح فج مع ذاتها، حيث تتزمت في اخلاقها، وتمارس عُقدها على المجتمع، وتتشدد حيال التفاصيل الصغيرة، فتقمع ارتداء حزام الخصر للمرأة، وتعتدي على إعلانات الكوافير، وتعتبره انفلات سحيق، وسقوط اخلاقي مريع، وبالتالي تتحول إلى شرطة آداب حازمة حيال القضايا التي يتبناها تزمتها، مثل موقفها من حقوق المرأة، وحرياتها، والاختلاط، والموضة، وملابس الشباب، وحلاقة رؤوسهم، وتضيف إلى ذلك ما هو فضفاض، مثل "الحرب الناعمة" التي تدرج فيها كلما يروق لها، أو تريد قمعه وتحريمه وتجريمه تحت ذلك العنوان الغير منضبط.. وفي المقابل تتخلي تلك "السلطة"، وعلى نحو صارخ، عن مسؤولياتها حيال مواطنيها، مثل التخلي عن مسؤولية دفع رواتب الموظفين، وعدم توفير الصحة لمواطنيها، والتخلي عن التزاماتها حيال معظم الخدمات، وحيال التعليم فضلا عن الرقي به، بعد أن تكون قد أفسدت معظمه..

الاحتشام لدى سلطة الجماعة الدينية ليس صناعة وعي، ولكنها شكليات تكرسها وتتعاطي معها بصرامة.. خيمة سوداء ثقيلة وعمياء، وعُقد اجتماعية شتّى، وكبت وتضييق، وإعادة انتاج نفايات الفكر، والتصورات البالية، وطباعة الكتب والمنشورات الصفراء، وغيرها من الأحمال والأثقال التي يجري إلقاءها على كاهل المرأة ومحاصرتها بها.. وتعتبر السلطة المأزورة بالواقع الظلامي الثقيل، إن الوصاية على اخلاق المجتمع، والتضييق على الحريات الشخصية والعامة من أولوياتها، فيما هي تتخلى في المقابل وبالتقسيط أو نظام الدُفع، عن كل المسؤوليات التي كان يتعين عليها النهوض بها، وهي من صميم عملها وواجباتها.. وهكذا تجد "السلطة" وجماعتها تتحول إلى شرطة آداب، تحمي "الاخلاق" وتفرض وصايتها على الناس باسم المقدس، بدلا من خدمة شعبها، وتحسين مستواه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي..

الواقع مشوّه وموبوء بأمراضنا وعُقدنا وعنادنا المدمر للآخر وللذات.. عناد بدأ معنا من نعومة أظفارنا، وكبر معنا، وربما يظل عالقا في أعماقنا حتى أرذل العمر إن بلغناه.. كما أن التربية الغير سوية في مجتمعنا، تبدأ معنا من الحضانة، وتستمر رعاية التشوُّهات في فترة التنشئة والمراهقة حتى تبلغ العظم والصميم، ويتعدى أذاها من الشخص إلى المجتمع.. سلطة جماعة تحتقر الأغنية والشعر إن تصالح فيهما الإنسان مع نفسه
، وتحوله إلى شيطان في ثوب زاهد..

توغل "السلطة" في عنادها عندما تحتشد كلها، وما لديها من أجهزة ومال ونفوذ وإعلام ووسائل قمع في ممارسة اخضاع أسرة بسيطة مثل أسرة إقبال الحكيمي، لمجرد إن إقبال وأسرتها قرروا يوما المطالبة بوقف الجرائم التي ترتكب ضدهم من قبل رجال السلطة، وفضح ما تمارسه "السلطة" من طغيان، ومطالبتهم بوقف تلك الجرائم، ومقاومة الظلم الواقع عليهم وعلى الناس.. وتوغل السلطة بمزيد من العناد وتلفيق التهم ضد أسرة إقبال وتزج بها في سجونها؛ لتداري جرائمها الفجاج، والحيلولة دون كشفها، وهو عناد أخرق منها، وغير مسؤول، سيتكفل الزمن ورجاله يوما بكشفها مليا، وإسقاطها وإسقاط عنادها، وسياسات التدجين والإخضاع التي تمارسها بعنفوان..


إن العناد الذي نكتسبه أو الذي نتطبع فيه، يمكن أن يتحول إلى قوة تدميرية تهلك المعاند نفسه، وتهلك من حوله، وربما تمتد آثاره إلى المجتمع.. الانحراف بالعناد يدمر الآخر ويدمر الذات.. يدمر المجتمع ويدمر صاحبه أيضا..

كما أن الاعتماد على سياسة القمع والإيغال والعناد فيها، لن يأتي إلا بكل ما هو بائت ومشوّه وغير سوي.. إن أخطأت في البيت تُضرب، وإن أخطأت في المدرسة تُضرب، بل إن الضرب هو إحدى العقوبات المهمة حتى في تشريعاتنا، وأكثر من هذا أن السياسة العقابية في تشريعاتنا المثقلة بالوجع والركام، لا تقوم على أساس إصلاح الجاني، وإعادة تأهيله ليندمج في المجتمع، بل تقوم على أساس الانتقام بالعقوبة من الجاني.

من الأجدى والأنفع أن نحول عنادنا إلى تحدّي ينتج طاقه خلاقة كبيرة ومبدعة، تثري العلم والمعرفة، بما يخدم الناس والعالم خيراً وفضيلة ورخاء..

كثيرا من العلماء المخترعين والمكتشفين وعظماء التاريخ عملوا على تطويع عنادهم وتوجيهه على نحو خلاق في خدمة الناس والبشرية؛ فاكتسبوا العظمة والخلود، فيما هناك كثير من مجرمي التاريخ وسفاحيه بسبب عنادهم وتصلب رأيهم أهلكوا النسل والضرع بحروبهم .. وأهلكوا أنفسهم وشعوبهم..

أما أنا فأحاول أن احوّل الابتلاء بالعناد الذي يسجل لدي بعض حضوره، إلى طاقة خلاقة وموقف مساند للمظلومين، والدفاع عن حقوقهم المنتهكة، والتصدي للسلطة التي تعمد إلى قهرهم واذلاهم وتدجينهم وإخضاعهم لها ولجبروتها.. أو هكذا أزعم.

***
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع..