ضمير العالم أماته المال والمصالح
احمد سيف حاشد
هنا سكان لا يجدون حماية، ولا التفاتة سلام، طالما الحرب تسير كما هو مخطط لها، وطالما هي محكومة من قبل المجرمون الكبار، وتجري تحت سيطرتهم، ولا تخرج عن النص، ولا تهدد الأمن والسلم الدوليين بمفهوم الدول الكبرى، لا بمفهوم الضحايا الذين لا يجدون لهم نصير، في عالم بلع ضميره ولسانه، حيال الضحايا والمنكوبين بالحرب والأطماع والمتحاربين..
لا تصريحات رؤساء ولا وزراء خارجية ولا إعلام يكترث بهول الكارثة طالما هناك من يدفع المال وهناك من يقبضه ويصمت، وهناك شعب ضحية يدفع الثمن دما يسجل مؤشرات ومنجزات في عالم المال والحكومات البشعة التي تستثمر الدم ونكبات الشعوب..
الصمت المطبق هو من يسود حيال الضحايا، حتى وإن كانوا بقوام مجتمع وشعب مهدور الدم والكرامة من قبل من يملك النفط والمال..
جميعهم يسترزقون ويحصدون الثمن مالا وفيرا وثروة غادقة بالوفره..
دول تبيع الطائرات والصواريخ والذخائر لتجعل ميزانيتها عامرة من دمنا وأرواحنا المزهوقة والمغرية للمجرمين والطامعين في كل مكان، في وطن نكبته الأطماع وشهوات السلطة المجنونة..
لا مأمن لنا حتى في طرق ومخيمات النزوح البائسة..
دول نفط ثرية تشتري الدمار والجحيم لتصبه على رؤوسنا..
وسلطات وقوى سياسية محلية تستفيد، ولا تريد لهذه الحرب الإنتهاء أو الوقوف.. وتستفز إن قلت كفى، وطالبت المتحاربين بوقف الحرب ووضع أوزارها..
تجار حروب وفاسدون وأمراء حرب، يستفيدون من هذه الحرب الغشوم .. حرب تدر المال عليهم أضعاف مضاعفة ووفرة، وبزمن قياسي يضاعف الطمع والجشع، وعلى نحو لا يجدون لها مثيل..
منظمات إغاثة تستفيد أيضا باسمنا وتقاسم السلطات النهب والفساد..
منظمات حقوقية تعد تقارير حقوقية، ليست من أجل الضغط لوقف الحرب، وإنما من أجل توثيق ما أمكن، لتستخدمها الدول الكبرى، كملفات ابتزاز في المستقبل، للحصول على مزيد من الأموال والمواقف من دول النفط الثرية، التي تقتل شعبنا وتدمر كل البنى التحتية، بل وأيضا تدمرنا وتدمر الحياة والوجدان في يمن كان اسمها ذات يوم “السعيدة”..
ضمير العالم أماته المال، وشعبنا يموت في مسعى منهم لاجتثاثه، واحتلال أراضيه البكر، ونهب ثراوتة المخزونة في أرضه، وذلك على المدى المتوسط والبعيد..
هذا اليوم في الحديدة طيران الاحتلال يقصف حافلتين ركابها كلهم نازحين في مديرية جبل راس والحصيلة 17 قتيلا وعشرات الجرحى .
http://yemenat.net/2018/10/335320/
احمد سيف حاشد
هنا سكان لا يجدون حماية، ولا التفاتة سلام، طالما الحرب تسير كما هو مخطط لها، وطالما هي محكومة من قبل المجرمون الكبار، وتجري تحت سيطرتهم، ولا تخرج عن النص، ولا تهدد الأمن والسلم الدوليين بمفهوم الدول الكبرى، لا بمفهوم الضحايا الذين لا يجدون لهم نصير، في عالم بلع ضميره ولسانه، حيال الضحايا والمنكوبين بالحرب والأطماع والمتحاربين..
لا تصريحات رؤساء ولا وزراء خارجية ولا إعلام يكترث بهول الكارثة طالما هناك من يدفع المال وهناك من يقبضه ويصمت، وهناك شعب ضحية يدفع الثمن دما يسجل مؤشرات ومنجزات في عالم المال والحكومات البشعة التي تستثمر الدم ونكبات الشعوب..
الصمت المطبق هو من يسود حيال الضحايا، حتى وإن كانوا بقوام مجتمع وشعب مهدور الدم والكرامة من قبل من يملك النفط والمال..
جميعهم يسترزقون ويحصدون الثمن مالا وفيرا وثروة غادقة بالوفره..
دول تبيع الطائرات والصواريخ والذخائر لتجعل ميزانيتها عامرة من دمنا وأرواحنا المزهوقة والمغرية للمجرمين والطامعين في كل مكان، في وطن نكبته الأطماع وشهوات السلطة المجنونة..
لا مأمن لنا حتى في طرق ومخيمات النزوح البائسة..
دول نفط ثرية تشتري الدمار والجحيم لتصبه على رؤوسنا..
وسلطات وقوى سياسية محلية تستفيد، ولا تريد لهذه الحرب الإنتهاء أو الوقوف.. وتستفز إن قلت كفى، وطالبت المتحاربين بوقف الحرب ووضع أوزارها..
تجار حروب وفاسدون وأمراء حرب، يستفيدون من هذه الحرب الغشوم .. حرب تدر المال عليهم أضعاف مضاعفة ووفرة، وبزمن قياسي يضاعف الطمع والجشع، وعلى نحو لا يجدون لها مثيل..
منظمات إغاثة تستفيد أيضا باسمنا وتقاسم السلطات النهب والفساد..
منظمات حقوقية تعد تقارير حقوقية، ليست من أجل الضغط لوقف الحرب، وإنما من أجل توثيق ما أمكن، لتستخدمها الدول الكبرى، كملفات ابتزاز في المستقبل، للحصول على مزيد من الأموال والمواقف من دول النفط الثرية، التي تقتل شعبنا وتدمر كل البنى التحتية، بل وأيضا تدمرنا وتدمر الحياة والوجدان في يمن كان اسمها ذات يوم “السعيدة”..
ضمير العالم أماته المال، وشعبنا يموت في مسعى منهم لاجتثاثه، واحتلال أراضيه البكر، ونهب ثراوتة المخزونة في أرضه، وذلك على المدى المتوسط والبعيد..
هذا اليوم في الحديدة طيران الاحتلال يقصف حافلتين ركابها كلهم نازحين في مديرية جبل راس والحصيلة 17 قتيلا وعشرات الجرحى .
http://yemenat.net/2018/10/335320/
موقع يمنات الأخباري
ضمير العالم أماته المال والمصالح - موقع يمنات الأخباري
يمنات احمد سيف حاشد هنا سكان لا يجدون حماية، ولا التفاتة سلام، طالما الحرب تسير كما هو مخطط لها، وطالما هي محكومة من قبل المجرمون الكبار، وتجري تحت سيطرتهم، ولا تخرج عن النص، ولا تهدد الأمن والسلم الدوليين بمفهوم الدول الكبرى، لا بمفهوم الضحايا الذين…
من أرشيف الذاكرة .. خجلي وانطوائي ورهابي
أحمد سيف حاشد
(1)
عندما عرفت نفسي
– كنت خجولا جدا، وانطوائي أيضا إلى حد بعيد، وأعاني من الرُهاب الاجتماعي على نحو فضيع .. هكذا عرفت نفسي في مستهل وعيي بها .. صحيح إنني كنت شقيا، و لكن هذا لم ينل من خجلي و انطوائي البالغ الذي كنت أشعر به ثقيلا جدا على حياتي التي أعيشها، و كنت متيقنا أن الخجل سيكون أكثر ثقلا و إعاقة لمستقبلي..
– كنت مستغرقا بإحساس كثيف أنني معاقا بخجلي، و أنني لا أصلح لشيء في هذه الحياة، و أن مستقبل حياتي سيكون مضروبا بتلك الإعاقة التي لا أستطيع تجاوزها أو التحرر منها .. و عندما قرأت لاحقا رواية “أحدب نوتردام” للروائي و الأديب الفرنسي فكتور هيجو، أحسست إن تلك الحدبة التي يحملها بطل الرواية، لطالما حملتها أنا على ظهري .. ذكرتني تلك الحدبة بانطوائي و خجلي اللذان لطالما أثقلا كاهلي، و منعاني من فرص عديدة، و حرماني من أشياء كثيرة..
– صحيح أنني كنت أقدم على أفعال في بعض الأحيان تبدو جريئة و متمردة و شقية، و لكن في معظم الأحيان كان يرافقني خجلي كظلي، و أحيانا يجتاحني طغيانه، و لا يترك لي منفسا أو حيزا أتزحزح إليه..
– هذا الانطواء و الخجل كلفاني كثيرا في حياتي، و ربما عرضاني في أوقات أخرى إلى مخاطر جمة، و صعوبات كثيرة، و مواقف محرجة لا عد لها و لا حصر، و أحيانا شعورا كثيفا بالفشل و الخيبة و النقص.
– كانوا يقولون أن الملائكة لهم دور في تخليق الجنين و تسويته في بطن أمه، و كنت أسأل أمي بما معناه: لماذا فلانة مخرومة الشفاه. فتجيب: إن الملائكة نسوا اتمام هذا الخُرم .. ثم تزجرني و تمنعني من تنقيصها، حتى لا يأتي لي أبناء مثلها، عندما أشب و أتزوج، و يكون لي في الحياة بنين..
– ثم تجوس في نفسي الأسئلة، و أشعر أنني مملوء بالنواقص و الاختلال، و ألوم في قرارة نفسي الملائكة الذين أصاب اهمالهم كثيرا منِّي .. عيوني، و وجهي، و دماغي، و نفسي، و ما خجلي و انطوائي و شعوري بالرُهاب و الحرج، إلا إهمال و تقصير كبير منهم، يستحق الحزن و العتب، و أكثر من هذا إن تأتَّى..
يتبع..
http://yemenat.net/2018/10/335609/
أحمد سيف حاشد
(1)
عندما عرفت نفسي
– كنت خجولا جدا، وانطوائي أيضا إلى حد بعيد، وأعاني من الرُهاب الاجتماعي على نحو فضيع .. هكذا عرفت نفسي في مستهل وعيي بها .. صحيح إنني كنت شقيا، و لكن هذا لم ينل من خجلي و انطوائي البالغ الذي كنت أشعر به ثقيلا جدا على حياتي التي أعيشها، و كنت متيقنا أن الخجل سيكون أكثر ثقلا و إعاقة لمستقبلي..
– كنت مستغرقا بإحساس كثيف أنني معاقا بخجلي، و أنني لا أصلح لشيء في هذه الحياة، و أن مستقبل حياتي سيكون مضروبا بتلك الإعاقة التي لا أستطيع تجاوزها أو التحرر منها .. و عندما قرأت لاحقا رواية “أحدب نوتردام” للروائي و الأديب الفرنسي فكتور هيجو، أحسست إن تلك الحدبة التي يحملها بطل الرواية، لطالما حملتها أنا على ظهري .. ذكرتني تلك الحدبة بانطوائي و خجلي اللذان لطالما أثقلا كاهلي، و منعاني من فرص عديدة، و حرماني من أشياء كثيرة..
– صحيح أنني كنت أقدم على أفعال في بعض الأحيان تبدو جريئة و متمردة و شقية، و لكن في معظم الأحيان كان يرافقني خجلي كظلي، و أحيانا يجتاحني طغيانه، و لا يترك لي منفسا أو حيزا أتزحزح إليه..
– هذا الانطواء و الخجل كلفاني كثيرا في حياتي، و ربما عرضاني في أوقات أخرى إلى مخاطر جمة، و صعوبات كثيرة، و مواقف محرجة لا عد لها و لا حصر، و أحيانا شعورا كثيفا بالفشل و الخيبة و النقص.
– كانوا يقولون أن الملائكة لهم دور في تخليق الجنين و تسويته في بطن أمه، و كنت أسأل أمي بما معناه: لماذا فلانة مخرومة الشفاه. فتجيب: إن الملائكة نسوا اتمام هذا الخُرم .. ثم تزجرني و تمنعني من تنقيصها، حتى لا يأتي لي أبناء مثلها، عندما أشب و أتزوج، و يكون لي في الحياة بنين..
– ثم تجوس في نفسي الأسئلة، و أشعر أنني مملوء بالنواقص و الاختلال، و ألوم في قرارة نفسي الملائكة الذين أصاب اهمالهم كثيرا منِّي .. عيوني، و وجهي، و دماغي، و نفسي، و ما خجلي و انطوائي و شعوري بالرُهاب و الحرج، إلا إهمال و تقصير كبير منهم، يستحق الحزن و العتب، و أكثر من هذا إن تأتَّى..
يتبع..
http://yemenat.net/2018/10/335609/
موقع يمنات الأخباري
من أرشيف الذاكرة .. خجلي وانطوائي ورهابي - موقع يمنات الأخباري
يمنات أحمد سيف حاشد (1) عندما عرفت نفسي – كنت خجولا جدا، وانطوائي أيضا إلى حد بعيد، وأعاني من الرُهاب الاجتماعي على نحو فضيع .. هكذا عرفت نفسي في مستهل وعيي بها .. صحيح إنني كنت شقيا، و لكن هذا لم ينل من خجلي و انطوائي البالغ الذي كنت أشعر به ثقيلا جدا على…
من أرشيف الذاكرة .. عندما يتملكك الرهاب والخجل وتقفز من السيارة وهي مسرعة
أحمد سيف حاشد
(2)
– كان خجلي و رهابي أحيانا يخرس صوتي، و يبتلع لساني من جذرها المغروس في عمق فمي الملجوم بالخجل و الحياء و الرهاب.. كان خجلي و رهابي يمارسان طغيانهما على حياتي الأولى، بقسوة أشعر بكثافتها و سطوتها اللاسعة كالنار..
– طغيان و قسوة الرهاب و الخجل على من لا زال حديث السن، يتلمس أعتاب الحياة، فيما الحياة صاخبة و ضاجة، تتطلب كثير من الجُرأة و الصراخ و ممارسة الوجود .. كنت أشعر بالخيبة و المرارة، و قلة الحيلة فيما لا يحتاج أصلا إلى حيلة أو دوران..
– كنت مأسورا بالانطواء الشديد، و الحياء المطبق بكلتا يديه على فمي المكتوم و الملجوم، بل و الممتنع أيضا عن محاولة المقاومة، أو طلب النجاة، أو فعل ما تمليه عليه الفطرة و الغريرة و البديهة..
– يستطيع المرء أن يتصور مدى خجلي بمفارقة اللامعقول .. يستطيع المرء إن يتصور مدى خجلي بصورة من يأثر هلاكه بسبب خجله على النطق ببنت شفة لا تكلف شيئا حتى مما لا يستحق الذكر..
– كيف لإنسان أن يخجل من صوته و يشعر بالرهاب ممن حوله..؟! كيف لإنسان أن يأثر بسبب حياؤه و خجله، و ما يتملكه من رهاب، القفز من السيارة التي تقله و هي مسرعة، على أن يطلب من صاحب السيارة الوقوف للنزول منها..؟! كيف لإنسان أن يخاطر بحياته دون داعي أو لزوم أو توفر مبررا أو حتى سببا تافها لذلك..
– كان عمري يومها 15 عاما أو مقاربا لهذا .. توقف أبو شنب بسيارته اللاندروفر عندما أشرت له بالوقوف، و السماح لي بالصعود على سيارته، فيما كنا نسميه “تعبيرة” .. كان أبو شنب رجلا طيبا و معتادا على تعبير الطلاب الذين لا يملكون مالا، دون أن يأخذ منهم أجرة نقل، و لا سيما إن وجدك راجلا في الطريق و ترجوه بخجل أن يوصلك..
– كانت وجهة السائق و الركاب إلى منطقة “ضوكة”، فيما كنت أقصد “شعب الأعلى”، مجفلا إلى قريتي في القبيطة .. كانت السيارة مزدحمة بالركاب، و تسلقت على حدائدها، و ظفرت بمكان صغير في مؤخرتها .. و بعد قليل تفاجأت إن السيارة متجهة إلى غير وجهتي..
– كنت أظن وجود شخص أو أكثر ممن تقلهم السيارة، يطلب من السائق التوقف للنزول منها، لعل وجهته تماثل وجهتي، غير أن خيبة الظن أصابتني، فالجميع على غير وجهتي .. الجميع متجه إلى “ضوكه”.. و بسبب خجلي و ما يتملكني من رهاب، لم أتجاسر على أن أصرخ طالبا إيقاف السيارة .. كانت السيارة تسير بسرعة في وجهتها، و تبتلع المسافات بنهم و شراهة، فيما أنا آثرت القفز من السيارة على طلب إيقافها..
– قفزت من السيارة، و ارتطم جسدي على الأرض، و خلت جسدي في أول وهلة قد تطاير كالزجاج .. عندما أرتطم ذقني على الأرض بقوة، و اصطكت أسناني، و أرتطم الفكين ببعضهما، شاهدت شررا قادحا من عيوني يخر في كل اتجاه .. أحسست إن الارتطام قد صيرني حطاما و نثارا لا يُجمع و لا يجتمع، فيما كان ركاب السيارة يصرخون و قد شاهدوا بغتة وقوع أحد الركاب من السيارة دون أن يعلموا أنني فعلتها بمحض إرادة غير سوية .. أوقف السائق السيارة على إثر صراخ الركاب ليرى ما الذي حدث..؟
– تعددت الإصابات في جسدي، و كان الدم يهر من سحجات و خربشات الخدوش في أجزاء متفرقة من جسدي المنهك .. قميصي متسخ و سروالي مزقه الاحتكاك بالأرض، و دم يهر من الخدوش، و من أسفل ذقني دم يسيل..
– نزل السائق من كبينة السيارة ليرى ما حدث، فيما أنا غالبت وقع الارتطام، و شرر الألم، و دفعني الحرج و الخجل الأشد أن استجمع قواي، و نهضت بمكابرة لا يعرفها من هو حديث السن، لأنقل لمن كان في السيارة التي وقفت على بعد مئات الأمتار، أنني معافا و على ما يرام، فيما السائق بدا في سعادة الناجي، و كأنه هو الناجي لا أنا .. كانت مكابرتي و نهوضي السريع بدافع الخجل أيضا قوية و غالبة، و دون أن أتفوه ببنت شفة، و بديت في شكل من يتحمل مسؤولية ما حدث كاملا دون نقصان..
– و بعد مشقة و مغالبة للألم وصلت إلى بيتي، و أول ما شاهدت على المرآة، شاهدت ذقني الذي ارتطم بالأرض، و لاحظت في أسفل الذقن جانباً زائداً و جانباً ناقصاً في غير اتساق .. أختل النسق و الاستواء، و لا زال هذا الاختلال قائما إلى اليوم..
يتبع…
http://yemenat.net/2018/10/335669/
أحمد سيف حاشد
(2)
– كان خجلي و رهابي أحيانا يخرس صوتي، و يبتلع لساني من جذرها المغروس في عمق فمي الملجوم بالخجل و الحياء و الرهاب.. كان خجلي و رهابي يمارسان طغيانهما على حياتي الأولى، بقسوة أشعر بكثافتها و سطوتها اللاسعة كالنار..
– طغيان و قسوة الرهاب و الخجل على من لا زال حديث السن، يتلمس أعتاب الحياة، فيما الحياة صاخبة و ضاجة، تتطلب كثير من الجُرأة و الصراخ و ممارسة الوجود .. كنت أشعر بالخيبة و المرارة، و قلة الحيلة فيما لا يحتاج أصلا إلى حيلة أو دوران..
– كنت مأسورا بالانطواء الشديد، و الحياء المطبق بكلتا يديه على فمي المكتوم و الملجوم، بل و الممتنع أيضا عن محاولة المقاومة، أو طلب النجاة، أو فعل ما تمليه عليه الفطرة و الغريرة و البديهة..
– يستطيع المرء أن يتصور مدى خجلي بمفارقة اللامعقول .. يستطيع المرء إن يتصور مدى خجلي بصورة من يأثر هلاكه بسبب خجله على النطق ببنت شفة لا تكلف شيئا حتى مما لا يستحق الذكر..
– كيف لإنسان أن يخجل من صوته و يشعر بالرهاب ممن حوله..؟! كيف لإنسان أن يأثر بسبب حياؤه و خجله، و ما يتملكه من رهاب، القفز من السيارة التي تقله و هي مسرعة، على أن يطلب من صاحب السيارة الوقوف للنزول منها..؟! كيف لإنسان أن يخاطر بحياته دون داعي أو لزوم أو توفر مبررا أو حتى سببا تافها لذلك..
– كان عمري يومها 15 عاما أو مقاربا لهذا .. توقف أبو شنب بسيارته اللاندروفر عندما أشرت له بالوقوف، و السماح لي بالصعود على سيارته، فيما كنا نسميه “تعبيرة” .. كان أبو شنب رجلا طيبا و معتادا على تعبير الطلاب الذين لا يملكون مالا، دون أن يأخذ منهم أجرة نقل، و لا سيما إن وجدك راجلا في الطريق و ترجوه بخجل أن يوصلك..
– كانت وجهة السائق و الركاب إلى منطقة “ضوكة”، فيما كنت أقصد “شعب الأعلى”، مجفلا إلى قريتي في القبيطة .. كانت السيارة مزدحمة بالركاب، و تسلقت على حدائدها، و ظفرت بمكان صغير في مؤخرتها .. و بعد قليل تفاجأت إن السيارة متجهة إلى غير وجهتي..
– كنت أظن وجود شخص أو أكثر ممن تقلهم السيارة، يطلب من السائق التوقف للنزول منها، لعل وجهته تماثل وجهتي، غير أن خيبة الظن أصابتني، فالجميع على غير وجهتي .. الجميع متجه إلى “ضوكه”.. و بسبب خجلي و ما يتملكني من رهاب، لم أتجاسر على أن أصرخ طالبا إيقاف السيارة .. كانت السيارة تسير بسرعة في وجهتها، و تبتلع المسافات بنهم و شراهة، فيما أنا آثرت القفز من السيارة على طلب إيقافها..
– قفزت من السيارة، و ارتطم جسدي على الأرض، و خلت جسدي في أول وهلة قد تطاير كالزجاج .. عندما أرتطم ذقني على الأرض بقوة، و اصطكت أسناني، و أرتطم الفكين ببعضهما، شاهدت شررا قادحا من عيوني يخر في كل اتجاه .. أحسست إن الارتطام قد صيرني حطاما و نثارا لا يُجمع و لا يجتمع، فيما كان ركاب السيارة يصرخون و قد شاهدوا بغتة وقوع أحد الركاب من السيارة دون أن يعلموا أنني فعلتها بمحض إرادة غير سوية .. أوقف السائق السيارة على إثر صراخ الركاب ليرى ما الذي حدث..؟
– تعددت الإصابات في جسدي، و كان الدم يهر من سحجات و خربشات الخدوش في أجزاء متفرقة من جسدي المنهك .. قميصي متسخ و سروالي مزقه الاحتكاك بالأرض، و دم يهر من الخدوش، و من أسفل ذقني دم يسيل..
– نزل السائق من كبينة السيارة ليرى ما حدث، فيما أنا غالبت وقع الارتطام، و شرر الألم، و دفعني الحرج و الخجل الأشد أن استجمع قواي، و نهضت بمكابرة لا يعرفها من هو حديث السن، لأنقل لمن كان في السيارة التي وقفت على بعد مئات الأمتار، أنني معافا و على ما يرام، فيما السائق بدا في سعادة الناجي، و كأنه هو الناجي لا أنا .. كانت مكابرتي و نهوضي السريع بدافع الخجل أيضا قوية و غالبة، و دون أن أتفوه ببنت شفة، و بديت في شكل من يتحمل مسؤولية ما حدث كاملا دون نقصان..
– و بعد مشقة و مغالبة للألم وصلت إلى بيتي، و أول ما شاهدت على المرآة، شاهدت ذقني الذي ارتطم بالأرض، و لاحظت في أسفل الذقن جانباً زائداً و جانباً ناقصاً في غير اتساق .. أختل النسق و الاستواء، و لا زال هذا الاختلال قائما إلى اليوم..
يتبع…
http://yemenat.net/2018/10/335669/
موقع يمنات الأخباري
من أرشيف الذاكرة .. عندما يتملكك الرهاب والخجل وتقفز من السيارة وهي مسرعة - موقع يمنات الأخباري
يمنات أحمد سيف حاشد (2) – كان خجلي و رهابي أحيانا يخرس صوتي، و يبتلع لساني من جذرها المغروس في عمق فمي الملجوم بالخجل و الحياء و الرهاب.. كان خجلي و رهابي يمارسان طغيانهما على حياتي الأولى، بقسوة أشعر بكثافتها و سطوتها اللاسعة كالنار.. – طغيان و قسوة الرهاب…
من أرشيف الذاكرة .. عندما تخسر من تحب بسبب خجلك
أحمد سيف حاشد
(3)
– أحببتها ثلاث سنين دون أن تعرف أنني أحبها .. لم تعرف ولعي بها إلا قبل رحيلها بقليل، هذا إن كنت قد قاربت الفهم و أصاب الظن مرماه .. أحببتها حد الانتحار و الكفر و العصيان .. أحببتها حد التمرد على الغيب و الغياب و الثورة على الأقدار التي عاندت هذا الحب، و وقفت في طريقه كمستحيل، و تحولت إلى قاطع طريق، مجدب و متصحر، لا يعرف حبا و لا ودا و لا رقة و لا عاطفة..
– ظلت الأقدار تتعسني بطغيان خجلي، و قلة حيلتي، و تتلذذ بعذابي و أوجاعي و خيبتي .. تصطليني نارا، و تصلبني في محراب من أحب، دون نتيجة أو حصاد أو حتى لقاءا عابرا للحظة في غفلة زمن تعيس .. كيف لا أثور عليها، و أحتج في وجهها، و قد استكثرت عليّ لقاء عابر يجمعني بها صدفة، في ممشى أو طريق، خلال ثلاث سنين من الحب و الغياب و العذاب؟!!
– ثلاث سنين، و حبي محبوسا في أعماقي، مسيجا بكتمان من الحديد و عوازل الصوت .. سر عميق في قاع بئر ردمته بالحجر، و أهلت عليه التراب و الحصى، حتى لا يكشفه تطفل، و لا يقتفيه فضول، و لا يعلم به أحد .. نعم .. إنها ثلاث سنين لا يعلم بحبي مخلوقا أو بشرا، بما فيهم للأسف من أحب!!
– كان هذا خلال دراستي الثانوية .. كنت أقطع قرابة 15 كيلو متر لأراها .. نعم لأراها فقط .. و مثلها أقطع من المسافة في الإياب .. 30 كيلو مترا ذهابا و إيابا، إنها المسافة من مدرسة البروليتاريا التابعة لمحافظة لحج، إلى حي القطيع في كريتر عدن، ذهابا و عودة .. كنت أحيانا أقطع بعضها أو جلها راجلا على الأقدام أو “تعبيرة” .. كنت انتظر الخميس و الجمعة كموعود ينتظر لقاء ربه .. أقطع هذه المسافة لأراها في “البلكون” .. انتظرها كثيرا حتى تتحبر شرفتي انتظارا، و أعاود الاطلال منها ألف مرة، لأقتنص فرصة و اختلس نظرة منها أظل أرقبها ساعات طوال..
– ثلاث سنوات لم أتجرأ أن أسأل حتى عن اسمها!! و عندما جمعت كل أشتات شجاعتي من الدنا و الأقاص، في وجه خجلي العرمرم؛ سألت بيت جارهم التي كنت أزورها، و أقيم فيها من ظهر الخميس و بعض مما يليها، أصابني المس و الزهيمر .. خجلي جعلني مضطرب كشجرة في وجه إعصار غاضب أو عاصفة مدمدمة .. لم أتيقن عمّا إذا كان اسمها ليندا أم رندا..؟!! و هل ينتهي اسمها بالألف أم بالياء المقصورة..؟!!
– أي قدر هذا الذي منعني أن أمسك باسمها مسكة حبيب مستميت .. ظلت حيرتي ترافقني إلى اليوم، فأوفيت لحب عرفته بحجم المجرّة؛ و لأنه من طرف واحد، كان نقصه أيضا بنفس الحجم؛ فأتممته بوفاء قل نظيره و المثيل..
– أسميت أحدى بناتي رندا، و الأخرى تحوطا اسميتها ليندا .. هكذا هو جنون الحب الذي لا نطوله .. نظل نبحث عنه بقية العمر و لا نجده، و لا يزيدنا في العمر إلا ندما و عذابا و أسى..
– غادر أهلها و غادرت هي حي “القطيع” إلى الشمال دون رجعة .. و في الشمال لم أجدها، لأنني ببساطة لا أملك أي معلومة عنها .. و إن كنت قد عرفت أنها على الأرجح من مكان غير بعيد، و لطالما كتبت تحت اسم “ليندا العريقي” كثيرا من بوح تمرداتي الأولى، و ثورتي في وجه الغياب .. قطع المستحيل كل رجاء في محفل حب كانت فيه أمنيتي كبيرة، فأضاعها خجلي الأكبر و المهول، و قدري المتعوس بالرهاب..
يتبع..
http://yemenat.net/2018/10/335734/
أحمد سيف حاشد
(3)
– أحببتها ثلاث سنين دون أن تعرف أنني أحبها .. لم تعرف ولعي بها إلا قبل رحيلها بقليل، هذا إن كنت قد قاربت الفهم و أصاب الظن مرماه .. أحببتها حد الانتحار و الكفر و العصيان .. أحببتها حد التمرد على الغيب و الغياب و الثورة على الأقدار التي عاندت هذا الحب، و وقفت في طريقه كمستحيل، و تحولت إلى قاطع طريق، مجدب و متصحر، لا يعرف حبا و لا ودا و لا رقة و لا عاطفة..
– ظلت الأقدار تتعسني بطغيان خجلي، و قلة حيلتي، و تتلذذ بعذابي و أوجاعي و خيبتي .. تصطليني نارا، و تصلبني في محراب من أحب، دون نتيجة أو حصاد أو حتى لقاءا عابرا للحظة في غفلة زمن تعيس .. كيف لا أثور عليها، و أحتج في وجهها، و قد استكثرت عليّ لقاء عابر يجمعني بها صدفة، في ممشى أو طريق، خلال ثلاث سنين من الحب و الغياب و العذاب؟!!
– ثلاث سنين، و حبي محبوسا في أعماقي، مسيجا بكتمان من الحديد و عوازل الصوت .. سر عميق في قاع بئر ردمته بالحجر، و أهلت عليه التراب و الحصى، حتى لا يكشفه تطفل، و لا يقتفيه فضول، و لا يعلم به أحد .. نعم .. إنها ثلاث سنين لا يعلم بحبي مخلوقا أو بشرا، بما فيهم للأسف من أحب!!
– كان هذا خلال دراستي الثانوية .. كنت أقطع قرابة 15 كيلو متر لأراها .. نعم لأراها فقط .. و مثلها أقطع من المسافة في الإياب .. 30 كيلو مترا ذهابا و إيابا، إنها المسافة من مدرسة البروليتاريا التابعة لمحافظة لحج، إلى حي القطيع في كريتر عدن، ذهابا و عودة .. كنت أحيانا أقطع بعضها أو جلها راجلا على الأقدام أو “تعبيرة” .. كنت انتظر الخميس و الجمعة كموعود ينتظر لقاء ربه .. أقطع هذه المسافة لأراها في “البلكون” .. انتظرها كثيرا حتى تتحبر شرفتي انتظارا، و أعاود الاطلال منها ألف مرة، لأقتنص فرصة و اختلس نظرة منها أظل أرقبها ساعات طوال..
– ثلاث سنوات لم أتجرأ أن أسأل حتى عن اسمها!! و عندما جمعت كل أشتات شجاعتي من الدنا و الأقاص، في وجه خجلي العرمرم؛ سألت بيت جارهم التي كنت أزورها، و أقيم فيها من ظهر الخميس و بعض مما يليها، أصابني المس و الزهيمر .. خجلي جعلني مضطرب كشجرة في وجه إعصار غاضب أو عاصفة مدمدمة .. لم أتيقن عمّا إذا كان اسمها ليندا أم رندا..؟!! و هل ينتهي اسمها بالألف أم بالياء المقصورة..؟!!
– أي قدر هذا الذي منعني أن أمسك باسمها مسكة حبيب مستميت .. ظلت حيرتي ترافقني إلى اليوم، فأوفيت لحب عرفته بحجم المجرّة؛ و لأنه من طرف واحد، كان نقصه أيضا بنفس الحجم؛ فأتممته بوفاء قل نظيره و المثيل..
– أسميت أحدى بناتي رندا، و الأخرى تحوطا اسميتها ليندا .. هكذا هو جنون الحب الذي لا نطوله .. نظل نبحث عنه بقية العمر و لا نجده، و لا يزيدنا في العمر إلا ندما و عذابا و أسى..
– غادر أهلها و غادرت هي حي “القطيع” إلى الشمال دون رجعة .. و في الشمال لم أجدها، لأنني ببساطة لا أملك أي معلومة عنها .. و إن كنت قد عرفت أنها على الأرجح من مكان غير بعيد، و لطالما كتبت تحت اسم “ليندا العريقي” كثيرا من بوح تمرداتي الأولى، و ثورتي في وجه الغياب .. قطع المستحيل كل رجاء في محفل حب كانت فيه أمنيتي كبيرة، فأضاعها خجلي الأكبر و المهول، و قدري المتعوس بالرهاب..
يتبع..
http://yemenat.net/2018/10/335734/
موقع يمنات الأخباري
من أرشيف الذاكرة .. عندما تخسر من تحب بسبب خجلك - موقع يمنات الأخباري
يمنات أحمد سيف حاشد (3) – أحببتها ثلاث سنين دون أن تعرف أنني أحبها .. لم تعرف ولعي بها إلا قبل رحيلها بقليل، هذا إن كنت قد قاربت الفهم و أصاب الظن مرماه .. أحببتها حد الانتحار و الكفر و العصيان .. أحببتها حد التمرد على الغيب و الغياب و الثورة على الأقدار…
من أرشيف الذاكرة .. عندما يجتمع فيك الجوع والخجل
أحمد سيف حاشد
(4)
عندما يجتمع فيك الجوع والخجل
– جعت كثيرا.. وجالدت الفاقة والحاجة والعوَز.. ولطالما عانيتُ من الهزال والضعف والضنك المُنهك للجسد والروح.. عانيت من سوء التغذية و “فقر الدم” سنوات طوال في حياتي الأولى، وفي مطلع شبابي الأول المثقل بالفاقة، ومن الحاجة مسيسها..
– كانت بنيتي الضعيفة والمنهكة، جالبة لأمراض سوء التغذية، من الأنيميا إلى نقص اليود، إلى الإصابة بالأميبا والجارديا وغيرها.. وكانت الحمى تجتاحني بين حين وآخر، وكنت أستلذ بالبقاء تحت أشعة الشمس قبل وأثناء ما تعتريني.. كنت أشبه كثيرا ما يطلقون عليها في قريتي “شمس الميات” التي تودعنا بحمرتها قرب الغروب.. كانت هذه الشمس تذكرني بأخواتي الراحلات نور وسامية، وكنت أظن أن حياتي صارت محمرة وغاربة، وتذوي في الغياب كشمس الغروب.
– وفي مرحلة إعدادية القسم الداخلي بـ “طور الباحة” كانت وجبات القسم المقررة لا تكفيني، ولا تشبع جوعي، إلا في حده الأدنى، لنستمر في حياة ظنكة ومنهكة، جلها نقضيها في صراع مرير، ورغبة مستميته من أجل استمرار الحياة والبقاء، وإن كانت بمعاناة ومشقة بالغة..
– كانت أمي تواسيني ببعض النقود التي تجمعها لي بصعوبة ومحال، لتخفف عن كاهلي معاناة الجوع، وتحملني على البقاء والحياة من أجلي، ومن أجلها، ومن أجل الحياة في درب مستقبل، كان لا يزال مجهولا وغير آمن..
– وفي ثانوية القسم الداخلي في مدرسة البروليتاريا كان طلبة القسم الداخلي كثيرون، وكانت طوابير العشاء والغداء طويلة، وكان أحيانا ينفذ العشاء قبل أن أصل إليه، وأحيانا أدرك القليل منه، وقد أوشك على التلاشي والانتهاء..
– كنت مسكونا بالخجل والحياء الذي يمنعاني من المزاحمة، وتخطي من هم في الطابور قبلي، فيما كان كثيرون ممن هم بعدي في الطابور يتخطونني بجرأة وصفاقة، لأجد نفسي شيئا فشيئا في آخر الطابور ختاما بلا مسك ولا عشاء.. أصل إلى قرب نافذة الاستحقاق، فأتفاجأ إن العشاء قد نفذ أو أطول منه القليل من القليل؛ لذلك كنت في طليعة من خرج وتمرد من الطلاب واحتج في وجه الجوع، وطالبت مع المحتجين بكفايته وتحسينه، وقد سبق أن تناولت جانب من هذا في موضع آخر.
– لقد كنت أحيانا وبسبب خجلي أنام دون عشاء، أو أذهب أنا وصديقي محمد عبد الملك إلى أشجار “الديمن” التي تسيج جانبا من محيط المدرسة، لنقطف بعض ثمارها التي لم تنضج، بل لازالت بعيدة عن النضوج.. كان الجوع أحيانا يضيِّق علينا، وكنا نتجه نحوها مضطرين، ولم نسمح لها بسبب جوعنا أن تبلغ أدنى نضوج أثمارها.. كان سيف جوعنا أحد من نصلة السيف، وأسبق في القطاف من كل قاطف..
– كنا نأكل ثمارها باكرا في مواسمها التي لم تبلغ مشارفها، وكانت هي تنشب بحّتها الخانقة، وأظافرها المحتجة في حناجرنا الملجومة والمحاصرة بالجوع.. لقد فقدت عون أمي، بسبب البعد والدراسة وطول الغياب..
– أحيانا كنت أذهب مع آخرين متسللا تحت جناح الليل إلى المزرعة التي تبعد عنا بحدود 2 – 3 كيلو متر لأحصل على بعض حفن الجلجل اللذيذ، والمتجمع في أطراف سيقان أوراقها المعروشة بشكل خياما معدة للتيبيس والجني، ثم نعرّج أحيانا على أشجار الليمون، لنقطف بعض حباتها، لنأكلها بقشرتها، أو نستخدمها على وجباتنا لتحسينها وتحسين مذاقها، وربما لتجاوز خيال طعم “شجرب” أو صرصار قزز، وقع عن طريق الخطاء في دست الفاصوليا..
– والشيء بالشيء يذكر.. وعلى ذكر المبيت جوعا بسبب خجلي من اعتراض تجاوز الطابور، والتزامي بالطابور دون تجاوز أحد، وجدت نفسي كثيرا دون غداء أو عشاء أو الاكتفاء بعشاء أو غداء أقل أنا ومجموعتنا الصغيرة التي نشكل معا “حدرة” أو سفرة واحدة.. اجتمع معي الجوع والحياء والخجل إلى حد سكنوني ولازموني كثيرا في حياتي الأولى ومطلع شبابي الأول.
–حللت ضيفا في إحدى العطل السنوية عند قريبا لنا في عدن اسمه عبد الكريم هزاع.. أظن أن نزولي إلى عدن يومها كان لعلاج تضخم الغدة الدرقية التي يعود سببها لنقص مادة اليود في الطعام وأسباب أخرى لا يحضرني ذكرها الآن..
– كانت وجبة الغداء في عدن هي الوجبة الرئيسية.. كان قوامها الرز وسمك “الزينوب” والصانونة والعشار.. وجبة شهية جدا بمقياسي.. من يومها إلى اليوم وأنا أحب هذه الوجبة، واشتهيها بوحشة العاشق المدنف، أو المشتاق بعد فراق موحش وعذاب..
– المشكلة التي كنت أعاني منها يومها هو أنني خجولا واستحي كثيرا إلى حد لا يصدق.. كنت لا آكل غير نصف حاجتي وأحيانا أقل من النصف بكثير..
أحمد سيف حاشد
(4)
عندما يجتمع فيك الجوع والخجل
– جعت كثيرا.. وجالدت الفاقة والحاجة والعوَز.. ولطالما عانيتُ من الهزال والضعف والضنك المُنهك للجسد والروح.. عانيت من سوء التغذية و “فقر الدم” سنوات طوال في حياتي الأولى، وفي مطلع شبابي الأول المثقل بالفاقة، ومن الحاجة مسيسها..
– كانت بنيتي الضعيفة والمنهكة، جالبة لأمراض سوء التغذية، من الأنيميا إلى نقص اليود، إلى الإصابة بالأميبا والجارديا وغيرها.. وكانت الحمى تجتاحني بين حين وآخر، وكنت أستلذ بالبقاء تحت أشعة الشمس قبل وأثناء ما تعتريني.. كنت أشبه كثيرا ما يطلقون عليها في قريتي “شمس الميات” التي تودعنا بحمرتها قرب الغروب.. كانت هذه الشمس تذكرني بأخواتي الراحلات نور وسامية، وكنت أظن أن حياتي صارت محمرة وغاربة، وتذوي في الغياب كشمس الغروب.
– وفي مرحلة إعدادية القسم الداخلي بـ “طور الباحة” كانت وجبات القسم المقررة لا تكفيني، ولا تشبع جوعي، إلا في حده الأدنى، لنستمر في حياة ظنكة ومنهكة، جلها نقضيها في صراع مرير، ورغبة مستميته من أجل استمرار الحياة والبقاء، وإن كانت بمعاناة ومشقة بالغة..
– كانت أمي تواسيني ببعض النقود التي تجمعها لي بصعوبة ومحال، لتخفف عن كاهلي معاناة الجوع، وتحملني على البقاء والحياة من أجلي، ومن أجلها، ومن أجل الحياة في درب مستقبل، كان لا يزال مجهولا وغير آمن..
– وفي ثانوية القسم الداخلي في مدرسة البروليتاريا كان طلبة القسم الداخلي كثيرون، وكانت طوابير العشاء والغداء طويلة، وكان أحيانا ينفذ العشاء قبل أن أصل إليه، وأحيانا أدرك القليل منه، وقد أوشك على التلاشي والانتهاء..
– كنت مسكونا بالخجل والحياء الذي يمنعاني من المزاحمة، وتخطي من هم في الطابور قبلي، فيما كان كثيرون ممن هم بعدي في الطابور يتخطونني بجرأة وصفاقة، لأجد نفسي شيئا فشيئا في آخر الطابور ختاما بلا مسك ولا عشاء.. أصل إلى قرب نافذة الاستحقاق، فأتفاجأ إن العشاء قد نفذ أو أطول منه القليل من القليل؛ لذلك كنت في طليعة من خرج وتمرد من الطلاب واحتج في وجه الجوع، وطالبت مع المحتجين بكفايته وتحسينه، وقد سبق أن تناولت جانب من هذا في موضع آخر.
– لقد كنت أحيانا وبسبب خجلي أنام دون عشاء، أو أذهب أنا وصديقي محمد عبد الملك إلى أشجار “الديمن” التي تسيج جانبا من محيط المدرسة، لنقطف بعض ثمارها التي لم تنضج، بل لازالت بعيدة عن النضوج.. كان الجوع أحيانا يضيِّق علينا، وكنا نتجه نحوها مضطرين، ولم نسمح لها بسبب جوعنا أن تبلغ أدنى نضوج أثمارها.. كان سيف جوعنا أحد من نصلة السيف، وأسبق في القطاف من كل قاطف..
– كنا نأكل ثمارها باكرا في مواسمها التي لم تبلغ مشارفها، وكانت هي تنشب بحّتها الخانقة، وأظافرها المحتجة في حناجرنا الملجومة والمحاصرة بالجوع.. لقد فقدت عون أمي، بسبب البعد والدراسة وطول الغياب..
– أحيانا كنت أذهب مع آخرين متسللا تحت جناح الليل إلى المزرعة التي تبعد عنا بحدود 2 – 3 كيلو متر لأحصل على بعض حفن الجلجل اللذيذ، والمتجمع في أطراف سيقان أوراقها المعروشة بشكل خياما معدة للتيبيس والجني، ثم نعرّج أحيانا على أشجار الليمون، لنقطف بعض حباتها، لنأكلها بقشرتها، أو نستخدمها على وجباتنا لتحسينها وتحسين مذاقها، وربما لتجاوز خيال طعم “شجرب” أو صرصار قزز، وقع عن طريق الخطاء في دست الفاصوليا..
– والشيء بالشيء يذكر.. وعلى ذكر المبيت جوعا بسبب خجلي من اعتراض تجاوز الطابور، والتزامي بالطابور دون تجاوز أحد، وجدت نفسي كثيرا دون غداء أو عشاء أو الاكتفاء بعشاء أو غداء أقل أنا ومجموعتنا الصغيرة التي نشكل معا “حدرة” أو سفرة واحدة.. اجتمع معي الجوع والحياء والخجل إلى حد سكنوني ولازموني كثيرا في حياتي الأولى ومطلع شبابي الأول.
–حللت ضيفا في إحدى العطل السنوية عند قريبا لنا في عدن اسمه عبد الكريم هزاع.. أظن أن نزولي إلى عدن يومها كان لعلاج تضخم الغدة الدرقية التي يعود سببها لنقص مادة اليود في الطعام وأسباب أخرى لا يحضرني ذكرها الآن..
– كانت وجبة الغداء في عدن هي الوجبة الرئيسية.. كان قوامها الرز وسمك “الزينوب” والصانونة والعشار.. وجبة شهية جدا بمقياسي.. من يومها إلى اليوم وأنا أحب هذه الوجبة، واشتهيها بوحشة العاشق المدنف، أو المشتاق بعد فراق موحش وعذاب..
– المشكلة التي كنت أعاني منها يومها هو أنني خجولا واستحي كثيرا إلى حد لا يصدق.. كنت لا آكل غير نصف حاجتي وأحيانا أقل من النصف بكثير..
– في عدن معتادين، أو على الأقل مع الأسرة التي أقمت عندها، أن لا يتم تقديم الرز والسمك دفعة واحدة، حتى لا يرمون بفائض الوجبة الزائد عن الحاجة إلى كيس القمامة.. هي عادة حسنة ولكني يومها لم أفطن لها، ولم أكن أدرك سببها والحكمة منها.. كان كلما تم اكمال ما في الصحن أو قبل انتهاء ما تم غرفه أولا، أغادر المائدة مباشرة، قبل أن يتم غرف كمية إضافية من دست الرز الموجود جوارنا إلى الصحن التي نأكل منه.. كنت أغادر المائدة بمجرد الانتهاء من التهام ما تم غرفه في المرة الأولى أو حتى قبل الانتهاء من التهامها.. كان حرجي وخجلي هما من يحملاني على المغادرة وعدم الانتظار أو الالتفات إلى غَرفة ثانية.
– بسبب خجلي وحيائي الغير طبيعيين كنت أغادر المائدة بمجرد أن يتم استغراق كمية الرز الأولى.. أما السمك فلا آكل منه إلا قليلا جدا، محكوما أيضا بخجلي وحيائي الشديد.. كنت ما استهلكه من السمك في كل لقمة لا يزيد عن حجم حبة الذرة أو نصف عجرة التمر إن بالغت في جرأتي، رغم وفرته ، فضلا إن بعض لقيماتي كانت لا تصطحب سمكا لا بهذا الحجم ولا ذاك، فيما كانت شهيتي الحقيقية إن أطلقت عقالها وعنانها لا يكفيها وجبة خمستهم من الرز والسمك والعشار، أو هكذا أخال وأشعر.. ربما تلك الشهية المكبوتة والمقموعة بالحياء جعلتي أحب هذه الوجبة إلى اليوم واشتهيها بلهفة..
– لاحظ عبد الكريم هزاع، وهو رب البيت طغيان الحياء والخجل في يدي ووجهي وهيئتي، وبدلا من أن يلح على أن أرمي الحياء والخجل بعيدا عن مأكلي، عالج الأمر بطريقة “داويها بالتي هي الداء” .. كانت طريقته بديعة وعلى غير ما هو معهودا بين الناس.. فبدلا من أن يلح علي بأكل قطع السمك قال: أحمد لا يعجبه السمك.. تظاهرت بموافقة لما قاله وبديت تعففي تماما عن أكل السمك.. ولم آكل سمكا في الأيام التاليات بمبرر أنني لا آكل السمك.. صرت نباتيا حصريا في سفرة وحضرت السمك..
– وعندما طبخوا زربيان لحم، وقبل أن أمد يدي لتناول فرتيت من اللحم، بادر بقوله: أحمد لا يحب لحم الزربيان.. فقلت بحياء وخجل: أيوه .. أنا ما يعجبناش لحم الزربيان، وحرمت نفسي منه رغم رائحته التي كانت تشويني حيا، وتشرِّح شهيتي، وتصلبها في دواخلي وأعماقي، بصمت رهيب وخفية ملازمة..
– ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تكرر بعدها مع الدجاج؛ حيث قال قبل أن أمد يدي إليها: أحمد ما يأكلش لحم الدجاج.. فكابرت وأخبرتهم بالموافقة، وشهدت زورا على نفسي أنه لا يعجبني لحم الدجاج..
– وفي اليوم الذي يليه قال وقبل أن أمد يدي إلى الغداء: أحمد لا يعجبه الرز والصانونة والعشار .. ساعتها شعرت أنه حشرني في زاوية أنا وحيائي وخجلي ودفعني نحو الخيار المستحيل الذي لا استطيع أن أجاريه.. ضحك خمستهم بقهقة وكأنهم كانوا على موعد معها، إثر ما قال، وشعرت أن ما يفعله كان بدافع دفعي إلى مغادرة خجلي وحيائي، وأن احتفظ فقط بما هو مقدورا عليه ومعقول..
فرديت عليه هذه المرة بحسم: يعجبني كل شيء..
ومع الأيام تعلمت الكثير وتجاوزت ما هو أكثر..
http://yemenat.net/2018/10/335831/
– بسبب خجلي وحيائي الغير طبيعيين كنت أغادر المائدة بمجرد أن يتم استغراق كمية الرز الأولى.. أما السمك فلا آكل منه إلا قليلا جدا، محكوما أيضا بخجلي وحيائي الشديد.. كنت ما استهلكه من السمك في كل لقمة لا يزيد عن حجم حبة الذرة أو نصف عجرة التمر إن بالغت في جرأتي، رغم وفرته ، فضلا إن بعض لقيماتي كانت لا تصطحب سمكا لا بهذا الحجم ولا ذاك، فيما كانت شهيتي الحقيقية إن أطلقت عقالها وعنانها لا يكفيها وجبة خمستهم من الرز والسمك والعشار، أو هكذا أخال وأشعر.. ربما تلك الشهية المكبوتة والمقموعة بالحياء جعلتي أحب هذه الوجبة إلى اليوم واشتهيها بلهفة..
– لاحظ عبد الكريم هزاع، وهو رب البيت طغيان الحياء والخجل في يدي ووجهي وهيئتي، وبدلا من أن يلح على أن أرمي الحياء والخجل بعيدا عن مأكلي، عالج الأمر بطريقة “داويها بالتي هي الداء” .. كانت طريقته بديعة وعلى غير ما هو معهودا بين الناس.. فبدلا من أن يلح علي بأكل قطع السمك قال: أحمد لا يعجبه السمك.. تظاهرت بموافقة لما قاله وبديت تعففي تماما عن أكل السمك.. ولم آكل سمكا في الأيام التاليات بمبرر أنني لا آكل السمك.. صرت نباتيا حصريا في سفرة وحضرت السمك..
– وعندما طبخوا زربيان لحم، وقبل أن أمد يدي لتناول فرتيت من اللحم، بادر بقوله: أحمد لا يحب لحم الزربيان.. فقلت بحياء وخجل: أيوه .. أنا ما يعجبناش لحم الزربيان، وحرمت نفسي منه رغم رائحته التي كانت تشويني حيا، وتشرِّح شهيتي، وتصلبها في دواخلي وأعماقي، بصمت رهيب وخفية ملازمة..
– ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تكرر بعدها مع الدجاج؛ حيث قال قبل أن أمد يدي إليها: أحمد ما يأكلش لحم الدجاج.. فكابرت وأخبرتهم بالموافقة، وشهدت زورا على نفسي أنه لا يعجبني لحم الدجاج..
– وفي اليوم الذي يليه قال وقبل أن أمد يدي إلى الغداء: أحمد لا يعجبه الرز والصانونة والعشار .. ساعتها شعرت أنه حشرني في زاوية أنا وحيائي وخجلي ودفعني نحو الخيار المستحيل الذي لا استطيع أن أجاريه.. ضحك خمستهم بقهقة وكأنهم كانوا على موعد معها، إثر ما قال، وشعرت أن ما يفعله كان بدافع دفعي إلى مغادرة خجلي وحيائي، وأن احتفظ فقط بما هو مقدورا عليه ومعقول..
فرديت عليه هذه المرة بحسم: يعجبني كل شيء..
ومع الأيام تعلمت الكثير وتجاوزت ما هو أكثر..
http://yemenat.net/2018/10/335831/
موقع يمنات الأخباري
من أرشيف الذاكرة .. عندما يجتمع فيك الجوع والخجل - موقع يمنات الأخباري
يمنات أحمد سيف حاشد (4) عندما يجتمع فيك الجوع والخجل – جعت كثيرا.. وجالدت الفاقة والحاجة والعوَز.. ولطالما عانيتُ من الهزال والضعف والضنك المُنهك للجسد والروح.. عانيت من سوء التغذية و “فقر الدم” سنوات طوال في حياتي الأولى، وفي مطلع شبابي الأول المثقل بالفاقة،…
أتحدي الجهات المستلمة تنشر تفاصيل الصرف
نبيل الشرعبي:
638 مليون دولار
اجمالي منح البنك الدولي لليمن في مجال الصحة فقط، خلال الفترة 2016_ حتى أغسطس 2018، كالتالي:
233 مليون دولار للرعاية الصحية
250 مليون دولار مكافحة الكوليرا
155 مليون دولار الصحة
____________
المصدر البنك الدولي
#اوقفوا_الحرب
#stop_war_on_Yemen
نبيل الشرعبي:
638 مليون دولار
اجمالي منح البنك الدولي لليمن في مجال الصحة فقط، خلال الفترة 2016_ حتى أغسطس 2018، كالتالي:
233 مليون دولار للرعاية الصحية
250 مليون دولار مكافحة الكوليرا
155 مليون دولار الصحة
____________
المصدر البنك الدولي
#اوقفوا_الحرب
#stop_war_on_Yemen