أحمد سيف حاشد
337 subscribers
2.77K photos
6 videos
5 files
2.86K links
عضو برلمان
Download Telegram
هنا يرملوهن ويقطعون عيشهن
ويضيقون عليهن حقوقهن
وهناك يختطفونهن ويسلموهن للمملكة
طفل مُرهف ووطن أصغر من قبر!
كنت صغيرا مُرهف الحس والحواس.. جياش العواطف والمشاعر.. كثير من التصرفات التي تبّدت منّي في تلك المرحلة ربما كانت طبيعية بفعل كثافة وتدافع تلك الأحاسيس والمشاعر في عهد الطفولة المتـأججة بها، أمّا أن ترافقني بعضها في كِبري، بل وأنا متجها نحو ستينات عمري، فربما بدت للكثيرين غير سوية، إن لم تكن بلهاء وساذجة..

لازلت أتذكّر وأنا أضع الحبوب على أبوب بيوت نوع من النمل لتقتات منها، وربما رمتُ أن تعيش برخاء ونعمة، أو أخفف عنها تعب وإملاق، أو أجنبها خطر أشد.. أحيانا أفيض عليها بالكرم إن توقعتُ تأخر مجيئي إليها.. كنت لا أريدها أن تذهب بعيدا عن بيوتها، حتى لا تذهب بعيدا، وتتعرض للدوس تحت أقدام البشر، أو السحق تحت حوافر واظلاف الماشية..

أساعدها في بناء بيوت لها غائرة في الطين، وأحصّنها بالحجارة والصفيح حتى أقيئها من خراب السيل، وغمر المطر، وحتّى تظل بيوتها عامرة لا يطولها هدم أو خراب.. هكذا كنتُ أفكر، وأكثر منه أحاول التحدث إليها في خلوتي معها لإفهامها بما أفعله، وما أريده منها، وما أحاول أن أجنّبه إياه من المخاطر التي أراها وشيكة أو مُحدقة عليها..

كنت أحيانا أجمع بعض النمل الشارد والتائه، وأبني لها مستوطنة، داخل صفيح عُلبة اللبن “النيدو” الفارغة، بعد أن أملاؤها بعجين الطين، وابني لها غرف ومخازن أقوم بتعبئتها بأنواع الحبوب، حتى لا تموت ولا تجوع، ولا تهجر ديارها..

حرستُ النمل ورعيتها أياما وأسابيعا، وعند سفري ذهبت بعلبة الصفيح إلى مكان آمن وقصي، وغرستها في أرض أبي، ووفرت لها كثيرا من الحبوب لتقتات وتعيش أطول فترة ممكنة، رغم ضجيج الخالة، ومعارضتها لما أفعله، حتى بديت أمامها كطفل مختل ومعتوه وهي تسترق السمع، وأنا أتحدث إلى النمل في خلوتي معها..

*
وفي واقعة أخرى وضعتُ مصيدة للفئران.. وفي الصباح وجدت الفأرة هامدة، وقد وقعت في قبضة المصيدة الضارب حديدها على عنقها المخنوق، والمسنود من الأسفل بنتوءات وأسنان حداد وقد صارت ناشبة في أسفل عنقها، وقد فاض روحها، وفارقت الحياة، ربما منذ ساعات..

شاهدت فأرا صغيرا بجوارها، يكاد يكون لصيقا بها في مشهد مؤثر ومُحزن.. شاهدته وكأن الحسرة تتملكه وتشل قواه.. رأيته يتنفس بسرعة، ومثقلا بحزن وحيرة.. توقعتُ أن يهرب لمجرد أن يرى قدومي إليه وأنا أقترب منه، ولكنه لم يهرب ولم يحاول.. حاولتُ أن أستثير نفوره وأثير فيه غريزة البقاء أو النجاة، لكنه بدأ لي غير مبال ولا مكترث.. رفض الهروب أو مبارحة المكان.. تسألت مع نفسي: هل هو قليل الخبرة بالموت أم أنه لا يدرك أفعال البشر..؟! أم أنه لم يأنس إلا بالبقاء جوار أمه المخنوقة، واستحال عليه فراقها، حتى وإن لحق بها؟!

تأثرت بالمشهد، وساحت من عيوني دموع مالحة.. رجوتُ الصفح من ضحية فارقتها الحياة، غير أنها لم تعد تقوى على الصفح والغفران، وقد ذهبت روحها إلى باريها في السماء.. حاولت أن أكفّر عن جريرتي بإطعام صغيرها، وتحريره بنقله إلى مكان يقتات منه، وتشتد فيه قواه، ويعيش حرا طليقا، ودعوت له بالعمر المديد..

ربما تمنيت أن أرثي الأم القتيلة، ولكن من يلهمني القصيدة؟!! ندمت على فعلتي أشد الندم.. حزنتُ كثيرا لهذا القدر.. دعوتُ الله، وطلبت منه المغفرة، وقرأت لروحها ما حفظتُ من سور قصار من القرآن، وشيعتها بمراسيم دفن بدت مهيبة.. رحلت روحها إلى باريها، وبقي السؤال إلى اليوم ينهش رأسي المنبوش، وينقر ذاكرتي المنهكة؛ لماذا يحدث كل هذا..؟! الحقيقة أنه كان أكثر من سؤال.. أكبر من حيرة، وألغز من لغز لم أجب عليه حتى يومنا هذا، وأنا أدنو من عمر الستين..!!

*
في العام 2005 إن لم يكن في العام الذي يليه، حدثت حالة مماثلة، في عمارة “الفاقوس” بصنعاء التي كنت أقيم فيها، بعد أن وضع أحد أبنائي دون علمي مصيدة للفئران؛ فأمسكت بيد أحد الفئران، والعجيب أن عدد من الفئران ظلوا يحومون حوله.. ربما يحاولون فعل شيء ليس بمقدورهم فعله، وربما حتّى فهمه.. كانوا يتوجعون لما أصاب رفيقهم، وربما يحاولون إنقاذه، أو هذا ما كانوا يرجونه في لحظة قاسية كتلك..

عندما رأيت هذا المشهد، هرعت لإطلاق الفأر الواقع يده في قبضة شرك المصيدة، وفضلا عن ذلك حرصتُ على منح النجاة لجميع الفئران الذين كانوا يحومون حوله، وعلى مقربة منه.. إنهم يستحقون النجاة على الأقل لوفائهم لرفقيهم.. هذا لم يمنع أن أتذكر أيضا ما قرأته يوما، وأُطلق عليها حكمة الحياة تقول: “خُلقت القطط لتأكل الفئران، وخُلقت الفئران لتأكلها القطط” وربما إن رآني صاحبها لاستنكر فعلتي، وأضاف إنها خُلقت لنقوم نحن أيضا بقتلها.

***
كنت وأنا صغيرا أمنع أمي أن تذبح دجاجة لتعينني على المرض.. معالجة المرض بمرق الدجاج ولحمها، كان لدي غير مستساغ ولا مستلطف، إن لم يكن أشبه بمعالجة المريض بالكي وشواء الجلد بالنار..
كنت أشعر بسعادة غامرة، وأنا أطيل في عمر دجاجنا، وأكتفي ببيضها.. كنت أشعر براحة عميقة، وأنا أرى الدجاج تعيش، وقد أنقذتها من مصير ذابح وأليم.. وتغمرني السعادة وأنا أسمع صوتها طربة في الأيام التي تلي يوم إنقاذها، وأراها مشرقة وعاشقة للحياة.. أشعر مليا أن الحياة أولى وأحق من الموت والمرض.. ولكن واقع اليوم صادم ومُراغم فرض علينا شروطه وقسوته، والعالم مُحيّر عظيم، والحيرة صارت كبيرة، وطغيانها علينا صارت أشد وأثقل.

*
تملكتُ يوما أنثى قرد صغيرة أهدتني إياها إحدى العجائز، أو ربما اشترتها لي أمي بعد أن لاحظت تعلقي بها من النظرة الأولى كعاشق لهوف.. الحقيقة لم أعد أذكر كيف تملكتها، ولكن أذكر إن السعادة كانت تغمرني إلى حد يفوق الوصف والتصور..

كانت هذه “القردة” تلاطفني وتبادلني مشاعر الود والبراءة.. كانت تملأ فراغي وتجلب لي كثير من الفرح والسعادة والعجب.. كانت تملأ حياتي بهجة، وربما أعوّضها وتعوضني كثير من حنان فقده كلانا.. كنت أحبها بجنون.. تأسرني وآسرها بحميمية تغمرنا وتفيض.. أهتم بها إلى حد بعيد، وهي أيضا تهتم بي على نحو لا يصدق..

جاء والدي من عدن، وأول ما رآني معها وكأن تدرّعه ألف شيطان.. ضربني وضربها بشدة على نحو لا يعرف الرحمة.. كنت جلدا وقادرا على احتمال الضرب، غير أنني غير قادرا على فراقها.. ولكنه أرغمني مكرها على تركها للجبل، ومصيرها المجهول..

كانت الفكرة لديّ والتي سمعتها من إحدى العمّات بما معناه أن قطيع القرود في الجبل لا يقبلون بـ”قردة” من خارج القطيع.. إن قطيع القرود سيأكلونها، لأنها غريبة عنهم، ولأنها من خارج القطيع، ولأن رائحة البشر تظل عالقة فيها ولن تفارقها.. لذلك كنت أتخيل مصيرها فاجعا و مؤلما ووحشيا..

عشتُ ألما بالغا ربما أضعاف الألم الذي كنتُ أتخيلها فيه.. عشت كآبة تشبه كآبة الحِداد.. حسرة بدت لي لا حدود لها.. كان حالي أشبه بمن فقد عزيز حميم لا يستطيع العيش دونه.. حميم غيب الموت صاحبه، أو حبيب غيب الموت محبه إلى الأبد..

كنت أتخيّلها وهي في الجبل تعاني الجوع والعطش, ويعصرها ألم الفراق، وكثير مما لا تطيق من تيه وفقدان، ومصير بات مجهولا، واحتمالاته مفُزعة.. أغلب الظن إن نهايتها ستكون فاجعة وأليمة..

صرتُ لوقت أعاني أكثر مما أحتمل .. أشعر أن جسمي النحيل بات محطما ومهدودا لا حيل له.. خيالي يسرح بعيدا مستقصيا معاناتها المريرة.. مصابنا جلل، ومعاناة كلانا أكبر من مهولة..
كنت أتخيل وهي تلوذ إلى قطيع القردة تسترحمهم وترجوهم، فيما القردة تهاجمها ببشاعة، وتنهشها بشراهة.. تمزق جلدها، وتغرس أنيابها في جسدها النحيل، وتتنازع أوصالها وأشلاءها.. عشت ألم وحسرة فاق يومها ذاكرتي المنهكة..

*
رهافتي لازالت ترافقني على الكِبر، وترفض أن تغادرني حتّى وإن سخرت منّي الرجولة.. لازال ضميري يعاتبني حالما أتجاهله.. لازالت احتجاجات الوجود تضج داخلي وتملئني بالضجيج.. لازال داخلي إنسان يصرخ ويستنطق الضمير في كل موقف ومأساة..

في هذه الحرب البشعة والمرعبة باتت مأساتنا أجل وأكبر من هذا الكون الكبير، ومن هذه الحرب الضروس التي طال آمادها.. هذه الحرب التي صبت على رؤوسنا جحيما وويلات كبار، ولم تعد تميّز بين الحجارة والبشر.. كبرتُ وخبرتُ الحياة أكثر، ولازالت رهافتي تتسع، واحتجاجي لازال يكبر..

لازلتُ إلى اليوم في كثير منّي مسكونا بذلك الطفل الصغير، وقد صرتُ أوغل في المشيب، وأدنو من كهولة تقترب.. باتت السنة الواحدة في هذه الحرب الضروس أكبر من سبع سنوات عجاف، وصارت الحرب بطولها على باب سنة سابعة.. ما هذا الجحيم أيها الرب؟!..

نفي النفي ينتظرني على حواف قبر ليهيل على جسدي التراب، والمجهول بات يسارع خطاه في المجيء نحونا دون كفن ولا قبر.. القبور تزاحمت.. ضاقت بنا المقابر.. المقابر باتت بلا شُرفات أو منافس في وطن بات أصغر من قبر يجهل صاحبه..

***
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
اصداء:
محمد اللوزي:
ليس اروع من الحب والسلام والإلفة والتوحد مع العالم بصفاء ورغبة في التعايش. هكذا أنت تشكل عالما نريده ونسعى إليه ولا يجيء. تقدم لنا مايجب أن يستقر فينا كبشر لنكون أقدر على فهم الآخر أياكان مادام وهو يبحث عن حياة طمأنينة.

بهذا المعنى تذهب الى حد التوحد مع الكوني من خلال المفرد الرمز وتقبل به يشاطرك ذات المشاعر وتعيش قلق العبور الى ما يحقق قدرا من الإنساني الذي قد يعكر صفوه اقرب الناس اليك. تلك الكائنات التي تآلفت معها هي التي خلقت فضاؤك الجميل وتساؤلاتك عن الحياة والموت في آن من خلال نزوع عدائي قد يكون في حالة صحو ضمير معنى كبيرا لما يجب ان نعيشه بيننا سلام واستقرار بعيدا عن النزوع الى العنف وإلى جراحات قد لاتطيب.

إنها طفولة تشكل إنسان اليوم المنافح عن الحقوق والحريات الرافض للاستلاب والتدجين والقهر. سلام الى عنان السماء لك
بحرنة الانتقالي
على الطريقة الإماراتية
كل النخب السياسية تتعرّى كل يوم
وتظهر الأيام مع مرورها
كم هي تافهة ودميمة بل ومستعدة لفعل أي شيء تافه أو حقير أو مدوي في السقوط
كل السقط والتافهون اعتلوا وصاروا يحكموا
ولكنهم للأسف استمروا يسقوطوا
سقوط في السحيق بلا قاع ولا قرار
التطبيع لن يخدم الانتقالي
وإنما يخدم الإصلاح والحوثي
إنه الغباء السياسي والتعلُّم بكلفة وطن
حرب ضروس هي تلك التي نعيشها اليوم، بل وقد باتت حروب باذخة ومتعددة، تهاجمنا من كل حدب وصوب، وتسحقنا كل يوم بتكرار ثقيل.. نهلك فيها ونجوع منذ ست سنوات طوال، وصمت العالم المتحضر يتواطأ مع الحرب لتطول أكبر فترة ممكنة، وضمير العالم مُلجوم بمال النفط، ومصالح الدول التي تعيش على الحروب والضحايا..
بتنا ضحايا محاصرين ومقموعين.. تتزاحم علينا أسباب الفناء من كل صوب واتجاه.. محارق ومهالك وأوبئة.. جوع ومجاعات ومخافة.. سجون ومعتقلات وزنازين.. جبايات لا سقف لها تزيد في العام مرتين.. وأسواق سوداء تزيد سعر الضعف ضعفين، وقد باتت تنتشر كالفطر وتنهشنا كالضباع..
احتلال يتمدد، ونفوذ يتم تقاسمه، وسلطات أمر واقع بالغلبة تفرض نفسها.. لا هم لها غير اخضاعنا إلى أجل غير مسمّى، وكل ما مرت الأيام غلظت سُلطة الإخضاع، وأوغلت في طغيانها، وأمعنت في إفقارنا، وحمت فسادها الذي تغوّل، وأسواقها السوداء التي بات لا يفوقها في الدمامة غير وجه السلطة نفسها، والتي تبذل كدها وكديدها لحماية نفسها منّا نحن الضحايا والجياع..
كل يوم نعيش الجحيم من أوله.. نغتلي في مرجله.. نتكور على تكوره.. نكرره ونكرره حتى يتلاشى الفرق بيننا.. أبناءنا باتوا وقودا لهذه الحرب الدميمة.. ولساسة العالم مفرجة.. وحيدون نحن في محرقة لا يريد مُشعلوها أن يخمدوها، حتى يكتمل ما للطغاة من ولاية، وما للبغايا من مغازي.. الموت يطوق أعناقنا، وتجار الحرب يتفيدون موتنا.. أرصدة على أرصدة.. حصاد الموت سيستمر .. تلك الحروب اللعينة ليست حربنا، إنما هي حروب مشعليها.. تلك الحروب ما كانت يوما حربنا..
عذابنا لا ينتهي حتى تصير رفاتنا رمادنا.. كل يوم في الجحيم نشتوي.. حشودنا لا تنقطع ومواقده لا تنطفي.. نحن زيت نارها.. أبناءنا أفواجها.. وتستمر المحرقة.. تجارها يحتفوا بفنائنا.. يتفيدون نزيفنا.. يتخمون أرصدة.. أرصدة في أرصدة.. شعبنا يحتشر في مقتلة.. تلك الحروب ليست حربنا.. نخن المطايا والوقود والضحايا.. اوقفوا حربكم..
وحيدون وفقراء نحن نحترق، ونار النفط تذكي ما خمد.. العالم حولنا يمارس حربه ضدنا لأننا فقراء ويسحقنا العوز.. ولأن عدونا يملك المال والنفط والعمالة التي لا تعترض.. كل المسوخ توالدت حتى صارت كالأحذية في المستنقعات الموحلة..
احتلال يتمدد، ونفوذ يتم تقاسمه، وسلطات أمر واقع بالغلبة تفرض نفسها.. لا هم لها غير اخضاعنا إلى أجل غير مسمّى، وكل ما مرت الأيام غلظت سُلطة الإخضاع، وأوغلت في طغيانها، وأمعنت في إفقارنا، وحمت فسادها الذي تغوّل، وأسواقها السوداء التي بات لا يفوقها في الدمامة غير وجه السلطة نفسها، والتي تبذل كدها وكديدها لحماية نفسها منّا نحن الضحايا والجياع..
وحيدون وفقراء نحن نحترق، ونار النفط تذكي ما خمد.. العالم حولنا يمارس حربه ضدنا لأننا فقراء ويسحقنا العوز.. ولأن عدونا يملك المال والنفط والعمالة التي لا تعترض.. كل المسوخ توالدت حتى صارت كالأحذية في المستنقعات الموحلة..
عذابنا لا ينتهي حتى تصير رفاتنا رمادنا.. كل يوم في الجحيم نشتوي.. حشودنا لا تنقطع ومواقده لا تنطفي.. نحن زيت نارها.. أبناءنا أفواجها.. وتستمر المحرقة.. تجارها يحتفوا بفنائنا.. يتفيدون نزيفنا.. يتخمون أرصدة.. أرصدة في أرصدة.. شعبنا يحتشر في مقتلة.. تلك الحروب ليست حربنا.. نخن المطايا والوقود والضحايا.. اوقفوا حربكم..
نحن كنّا ولازلنا ضحايا حروبكم.. ضحايا الخبُثاء الذين اشعلوها.. ضحايا داعموها.. حروبكم التي أطلتموها كل هذه السنين اللعينة.. أطماعكم باتت أثقل علينا من جهنم وجحيمها.. مشهد أكثر من مريع.. موت أكبر من المقابر.. خراب وفساد بلا حدود.. كراهية لا يتسع لها الكون.. احتلال أكثر وحشية وهمجية.. وأدوات وحوامل أكثر رخصا وابتذالا وسفالة.. كائنات مستعدة أن تفعل بشعبنا كل شيء.. تتنافس على لعناته لتنال رضى أسيادها.. تافهون بلا حدود.. واقع مرعب خلّفوه لنا من هنا مرّوا، وهنا كانت يمن..
إنها الحرب التي قال عنها الفيلسوف الوجودي سارتر يشنها الأغنياء ليموت فيها الفقراء، وهي الحرب ذاتها التي قال عن مأساتها "سوفوكليس" أعظم ثلاثة كتاب التراجيديا الإغريق بأنها تنال من الخبيث بالصدفة، أما الطيب فدائما ما تنال منه.. نحن الطيبين الذين نالت الحرب منا مقتلا ومكين.. نلنا من الحرب وبالها ومآسيها العراض.. إنها الحرب التي تنتهي كما قال جبران خليل جبران بتصافح القادة, وتبقى تلك المرأة تنتظر ولدها الشهيد..
تم قطع أسباب عيشنا ورزقنا.. سدوا كل أبواب العيش الكريم.. فتحوا أبواب الفساد على مصرعيها.. وجعلوا الارتزاق مفتوحا بلا أبواب.. فتحوا أبواب الجحيم كلها لنكون المحاطب والوقود.. ونكون فُرجة مترفيها.. ست سنوات من الفناء والسابعة لازالت قادمة.. من لم يمت بالحرب مات من الجوع والحزن والكمد.. افترست شعبنا هذه الحروب المُهلكة..