تبدل الحال بعده.. ظلت الفجوة بيننا تكبر وتتسع بصمت وتجاهل، فيما كنت أعتب على نفسي: يا لعجلي الذي داهمني كطوفان أجتاح تريّثي، وأودى بي إلى ما صرت فيه!!
داهمني السؤال وقد أدركني الندم: ماذا دهاني لأفعل ما فعلت؟!! هل هو تعويضا لما عشته في الحب من فشل وإخفاق؟! أم بسبب إضاعتي للفرص؟! أم هو استجابة لضغط فراغي وفقداني لمن أحب؟! أو هو ظني إن العجل سيلتقطها قبل فوات الأوان حتى لا آتي متأخرا وأندم على ما فات؟! أو هو التوكل وخدعة المثل: "خير البر عاجله"؟! أم هو كل هذا وذاك؟!!،
كان حالي أشبه بمن يلاحق كرة الحظ الصغيرة في يوم مطير على أرض زلقة، فانزلق بعدها إلى المنحدر.. كنت أحمق عجول يطلق وعد الوصول دون أن يفكر بعثرات الطريق ووسيلة النقل والمسافة بين البداية والنهاية.. كنت أحمق أضع العربة قبل الحصان، وألسع الحصان بسوط العجل.. فقدنا التوازن وانقلب الجميع، ووجدت عجلي مجرورا بعجلات الندم.. حاولت إصلاح مدار أقدارنا المتعاكسة، فجاءت الأقدار على غير ما نريد..
حاولت أن أمنح لها في قلبي الفرص لعلِّي أحبها، فأدركني الفشل المؤكد، وأدركت هي فتوري وترددي الذي ظل يكبر.. تخاتلت كقطة.. مشت بأطراف الأصابع.. أدارت المفتاح في مغلق باب الخروج باحتراف لا تسمع منه تدويرا أو طقطقة.. فتحت الباب بخفة دونما أسمع للباب صرير أو رجوع.. انسلت بهدوء كنسمة هواء.. غابت بعيدا في غروب لا يعود..
بلعت جرحها النازف بصمت صبور، ومضت دون رجعة.. وبدلا من أن أساعدها هي من ساعدتني على تجاوز ما كنت فيه.. أخرجتني من حيرتي التي كنت أغرق في قاعها.. أنقذتني من ورطتي التي تشبه حفرة عميقة كلما حاولت الخروج منها انهال على رأسي التراب.. رأسي المثقل بالحياء..
وفّرت عليّ كثير من الحرج الذي يشبه الموت.. غادرت دون حقيبة أو وداع.. لم تحاول طرق بابي ثانية، ولم تلقِ في وجهي كلمة من عتب، أو حتى سؤال عابر سبيل.. غادرت إلى الأبد، وبقيت ألتمس عفوها والمغفرة..
حبي لم يكن بيدي ولم يكن رهن ما أرغب.. الحب في قبضة الأقدار ليس لنا فيها ولاية.. لا نملك إصلاح مسارات أقدارنا المتناقضة.. وعلى قول شاعرنا المتنبي "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن".. كم أنا أسف وكل الأسف إن كنت يوما قد كسرت قلبها.. لقد تعلمت واكتشفت كثيرا أن ثمة خلل موجود في مسارات الحب وكيمياء النفوس، وفي أقدار البشر، وربما ما هو أكثر وأكبر.. لك كل اعتذاري يا أطيب البشر..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
داهمني السؤال وقد أدركني الندم: ماذا دهاني لأفعل ما فعلت؟!! هل هو تعويضا لما عشته في الحب من فشل وإخفاق؟! أم بسبب إضاعتي للفرص؟! أم هو استجابة لضغط فراغي وفقداني لمن أحب؟! أو هو ظني إن العجل سيلتقطها قبل فوات الأوان حتى لا آتي متأخرا وأندم على ما فات؟! أو هو التوكل وخدعة المثل: "خير البر عاجله"؟! أم هو كل هذا وذاك؟!!،
كان حالي أشبه بمن يلاحق كرة الحظ الصغيرة في يوم مطير على أرض زلقة، فانزلق بعدها إلى المنحدر.. كنت أحمق عجول يطلق وعد الوصول دون أن يفكر بعثرات الطريق ووسيلة النقل والمسافة بين البداية والنهاية.. كنت أحمق أضع العربة قبل الحصان، وألسع الحصان بسوط العجل.. فقدنا التوازن وانقلب الجميع، ووجدت عجلي مجرورا بعجلات الندم.. حاولت إصلاح مدار أقدارنا المتعاكسة، فجاءت الأقدار على غير ما نريد..
حاولت أن أمنح لها في قلبي الفرص لعلِّي أحبها، فأدركني الفشل المؤكد، وأدركت هي فتوري وترددي الذي ظل يكبر.. تخاتلت كقطة.. مشت بأطراف الأصابع.. أدارت المفتاح في مغلق باب الخروج باحتراف لا تسمع منه تدويرا أو طقطقة.. فتحت الباب بخفة دونما أسمع للباب صرير أو رجوع.. انسلت بهدوء كنسمة هواء.. غابت بعيدا في غروب لا يعود..
بلعت جرحها النازف بصمت صبور، ومضت دون رجعة.. وبدلا من أن أساعدها هي من ساعدتني على تجاوز ما كنت فيه.. أخرجتني من حيرتي التي كنت أغرق في قاعها.. أنقذتني من ورطتي التي تشبه حفرة عميقة كلما حاولت الخروج منها انهال على رأسي التراب.. رأسي المثقل بالحياء..
وفّرت عليّ كثير من الحرج الذي يشبه الموت.. غادرت دون حقيبة أو وداع.. لم تحاول طرق بابي ثانية، ولم تلقِ في وجهي كلمة من عتب، أو حتى سؤال عابر سبيل.. غادرت إلى الأبد، وبقيت ألتمس عفوها والمغفرة..
حبي لم يكن بيدي ولم يكن رهن ما أرغب.. الحب في قبضة الأقدار ليس لنا فيها ولاية.. لا نملك إصلاح مسارات أقدارنا المتناقضة.. وعلى قول شاعرنا المتنبي "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن".. كم أنا أسف وكل الأسف إن كنت يوما قد كسرت قلبها.. لقد تعلمت واكتشفت كثيرا أن ثمة خلل موجود في مسارات الحب وكيمياء النفوس، وفي أقدار البشر، وربما ما هو أكثر وأكبر.. لك كل اعتذاري يا أطيب البشر..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
ونحن في العشرين عام من الألفية الثالثة لا توجد لدى السلطة التشريعية في اليمن وهي السلطة الرقابية الأولى نظام محاسبي، بل حتى سجلات محاسبية على النحو الذي يجب..
علما أن (النظام المحاسبي ) في اليمن يعود إلى مايزيد عن 2500 عام
اليمنيون أبتكروا الدورة المستندية المحاسبية في ذلك التاريخ..
فيما مجلسنا التشريعي اليوم لازال يشكو عدم وجود نظام محاسبي..
إنه الفساد والتخلف الذي ينيخ بثقله على كاهل هذا المجلس، واستمرار تكريسه من قبل سلطة الأمر الواقع..
علما أن (النظام المحاسبي ) في اليمن يعود إلى مايزيد عن 2500 عام
اليمنيون أبتكروا الدورة المستندية المحاسبية في ذلك التاريخ..
فيما مجلسنا التشريعي اليوم لازال يشكو عدم وجود نظام محاسبي..
إنه الفساد والتخلف الذي ينيخ بثقله على كاهل هذا المجلس، واستمرار تكريسه من قبل سلطة الأمر الواقع..
https://www.facebook.com/275542873178837/posts/701121550620965/
ارشيف الذاكرة .. عندما تتعاكس أقدار المحبين
أحمد سيف حاشد
ارشيف الذاكرة .. عندما تتعاكس أقدار المحبين
أحمد سيف حاشد
“أمل” والحب الذي تصحّر بالحرب
احمد سيف حاشد
• أمل فتاة لازالت دون الـ 18 عام بقليل.. هي الزهر والربيع.. الخيول والفرسان.. الأحلام والذكريات.. ممشوقة القوام كرمح إذا انتصبت، وخيزرانة إذا أنحت.. قوامها يناديك فتتمنى أن تكون نبتة لبلاب تتسلق وتستدير على القوام من القدمين إلى الخصر حتى تبلغ عنقها الذي يناديك لصلاة القبل وغمرة الحب العميق.. تطوف عليه ناسكا متعبدا حتى تدوخ في عوالمه التي تسلب منك لبابك، وتسافر في الروح من الشفتين إلى الأقاصِ والآماد البعيدة.. ما أجمل أن تسكر في الحب حتى تثمل، وتعرج بالروح إلى السموات العُلا!!
• أمل فتاة يافعيه حميرية من اليمن.. حسنها لا يتلاشى ولا يزول.. الجمال مهما غمر واكتمل يظل ناقصا دونها.. لا يكتمل ولا يتم مهما بذخ إلا بفيضها الوافر سحرا وفتنة.. رشاقتها تشغفك حتى تتمني أن تكون خاصرتها مدارك الذي لا تشرد منه ولا تتوه عنه حتى آخر العمر.. عمرك مهما أمتد وأوغل في السنين يظل معها فوّارا بعنفوان الشباب الذي لا يبلى ولا يكهل ولا يشيخ..
• سمرتها الخفيفة تجلي صفاء وبهاء وجاذبية.. بهية تنفذ للقلب كغيمة يملاها المطر.. شعرها من شدة سواده ولمعان زيته تريد أن تكون في شباكه أسيرا، وحنينا تتنفس عبقه وعطره عند السدول.. تشتم رائحة الطين والمطر بين جدائله.. لو كان الليل مثل شعرها لكنت أول ساكنيه إلى الأبد، ولو كان السواد مثل شعرها لكان الأسود يُعبد من زمن بعيد..
• كل يوم تكتشف في روحها وجمالها ما كنت تجهله.. معرفة بلا حدود، وعمق بلا قرار يجعلك دوما تكتشف كم أنت في الحب قاصر وجاهل.. جميلة الروح وآسرة الطلعة وجاذبة كالمغناطيس.. مسكونة بثورة أنثى تتمنى أن تلج إليها، وتشتعل في أوارها، وتنصهر فيها كسبيكة ذهب..
• كنت ولوعا برؤيتها كلما أمكن.. أمعن النظر فيها وأغرف ما أستطيع خزنُه في الوجدان والذاكرة.. استزيد منها مددا لخيالي الذي لا يخبو ولا يخفت ولا ينطفئ.. يمنح الروح نشوة وتجددا وحياة.. أستلذ من شهدها المخزون في دوح خيالي حتى أدوخ وأغرق في العميق، وألقي عن كاهلي أحمالي الثقال.. أعوّض ما فات أو استحال أو كان عصيا على التحقيق أو صعب المنال..
• كنت أهيم فيها وأتي إليها من بعيد لأراها، ولواعجي بين الضلوع تشتاق وتشتعل، ولهفتي تسابق أنفاسي المربكة.. خطواتي تتمرد على موانعها الكديدة.. كتبت لها بما فيني من شوق ولوعة، وبحت بما في شفاف روحي يصطلي.. وبعد ألف امتناع وألف محاولة استقدمتها، ولكني كبرتُ على ذاتي، وتعاليتُ في شأنها، ولم أسقط أو أنزلق في محذور المنحدر.. لقد كانت لنا قصة وإن لم تكتمل، ورغم أن الأرض رخوة، والانهيارات كبيرة، وخطواتي تمشي على ممشى زلق، إلا أنني لم أنزلق، ولم أقع في مهاوي السقوط..
***
• زرت عزبة صديقي عبدالكريم سعيد علوان وأصدقائه في "كريتر" والتي تبعد جنوب غرب البريد بعشرات الأمتار.. كان هذا قبل أحداث يناير 1986بعام أو أقل بقليل.. كنت أقرأ أحدى الصحف، فسمعت ضوضاء!! شاهدتها من النافذة مسرعة تركض خلف أطفال صغار.. مرقت كحلم ندي.. رفّت كنسمة بحر أنعشت روحي الباحثة عن أمل وسط وجوم اليأس وسنوات التصحّر.. أحسست وكأن القدر رضا عني، وفي وجهي أشرق وأبتسم.. بدت أمامي لحظة زاهية كبشارة ولادة حب جديد تعوضني عن حبي الذي خاب، أو الذي فات ولم يعده الندم..!!
• كنت أعرّج على العزبة كلما سمحت لي الفرصة وتأتت الظروف.. أحاول أن أداري شوقي ولهفتي أمام أصدقائي في العزبة حتى لا يقطع الخجل مجيئي، أو يتم إفساد ما بيننا على أي نحو كان.. في كل زيارة كنت أريد فقط أن أراها.. أن أتأكد من وجودها.. كانت هي رجائي والهدف من مجيئي، ولكني كنت أعود في كل مرة أحمل خيبتي لا سواها.. كاد اليأس أن يدركني في أن أراها مرة أخرى، غير أن صدفة أنقذتني من خيبتي التي أثقلت كاهلي وانتظاري الذي طال..
• وفي يوم كان لي سعد من الحظ وصدفة من السماء.. خرجتُ من عزبة أصدقائي في حدود الساعة الخامسة بعد العصر.. شاهدتها على الحائط التابع لمنزلهم تطل على الخارج.. وجهها يميل إلى استطالة متناسقة، ينضح بالوسامة الأخاذة في إجماله وتفاصيله.. بدأ لي وجهها الجميل كآية خالدة، وبرهان أكيد أن للكون خالق جميل ومحترف..
• اعترتني حالة من الإرباك.. تملكتني الدهشة من أول وهلة.. توقفتُ برهة وكأن البله قد شل حركتي، فيما عيوني تسمرت نحوها.. أمعنت فيما أنا فيه.. أردت أن يكون وقوفي ملفت لها، ومروري على غير كل من يمر أمامها.. تمكنتُ أن أشد انتباهها على النحو الذي أردت.. عيونها ترمقني بنظرات كلها دهشة وعجب! فيما ضحكة كتومة كانت تكتظ في صدرها الناهد، وتتبدى بحياء على وجهها الخجول، ومبسمها الآسر للنظر..
• قطعت إلى الشارع العام بخطوات ثقيلة، وكأن أقدامي مربوطة بحبال تُشدها بيديها.. بديت مأسورا وخطواتي طوع اليدين.. أمشي ببطء وكأن سيقاني غارقة في بلل الطين الرخو، فيما وجهي يستدير إلى الوراء نحوها، وعلى نحو لافت ومتتابع.. أرمقها بنظراتي التي أبدو فيها وكأنني نسيت لديها رأسي، أ
احمد سيف حاشد
• أمل فتاة لازالت دون الـ 18 عام بقليل.. هي الزهر والربيع.. الخيول والفرسان.. الأحلام والذكريات.. ممشوقة القوام كرمح إذا انتصبت، وخيزرانة إذا أنحت.. قوامها يناديك فتتمنى أن تكون نبتة لبلاب تتسلق وتستدير على القوام من القدمين إلى الخصر حتى تبلغ عنقها الذي يناديك لصلاة القبل وغمرة الحب العميق.. تطوف عليه ناسكا متعبدا حتى تدوخ في عوالمه التي تسلب منك لبابك، وتسافر في الروح من الشفتين إلى الأقاصِ والآماد البعيدة.. ما أجمل أن تسكر في الحب حتى تثمل، وتعرج بالروح إلى السموات العُلا!!
• أمل فتاة يافعيه حميرية من اليمن.. حسنها لا يتلاشى ولا يزول.. الجمال مهما غمر واكتمل يظل ناقصا دونها.. لا يكتمل ولا يتم مهما بذخ إلا بفيضها الوافر سحرا وفتنة.. رشاقتها تشغفك حتى تتمني أن تكون خاصرتها مدارك الذي لا تشرد منه ولا تتوه عنه حتى آخر العمر.. عمرك مهما أمتد وأوغل في السنين يظل معها فوّارا بعنفوان الشباب الذي لا يبلى ولا يكهل ولا يشيخ..
• سمرتها الخفيفة تجلي صفاء وبهاء وجاذبية.. بهية تنفذ للقلب كغيمة يملاها المطر.. شعرها من شدة سواده ولمعان زيته تريد أن تكون في شباكه أسيرا، وحنينا تتنفس عبقه وعطره عند السدول.. تشتم رائحة الطين والمطر بين جدائله.. لو كان الليل مثل شعرها لكنت أول ساكنيه إلى الأبد، ولو كان السواد مثل شعرها لكان الأسود يُعبد من زمن بعيد..
• كل يوم تكتشف في روحها وجمالها ما كنت تجهله.. معرفة بلا حدود، وعمق بلا قرار يجعلك دوما تكتشف كم أنت في الحب قاصر وجاهل.. جميلة الروح وآسرة الطلعة وجاذبة كالمغناطيس.. مسكونة بثورة أنثى تتمنى أن تلج إليها، وتشتعل في أوارها، وتنصهر فيها كسبيكة ذهب..
• كنت ولوعا برؤيتها كلما أمكن.. أمعن النظر فيها وأغرف ما أستطيع خزنُه في الوجدان والذاكرة.. استزيد منها مددا لخيالي الذي لا يخبو ولا يخفت ولا ينطفئ.. يمنح الروح نشوة وتجددا وحياة.. أستلذ من شهدها المخزون في دوح خيالي حتى أدوخ وأغرق في العميق، وألقي عن كاهلي أحمالي الثقال.. أعوّض ما فات أو استحال أو كان عصيا على التحقيق أو صعب المنال..
• كنت أهيم فيها وأتي إليها من بعيد لأراها، ولواعجي بين الضلوع تشتاق وتشتعل، ولهفتي تسابق أنفاسي المربكة.. خطواتي تتمرد على موانعها الكديدة.. كتبت لها بما فيني من شوق ولوعة، وبحت بما في شفاف روحي يصطلي.. وبعد ألف امتناع وألف محاولة استقدمتها، ولكني كبرتُ على ذاتي، وتعاليتُ في شأنها، ولم أسقط أو أنزلق في محذور المنحدر.. لقد كانت لنا قصة وإن لم تكتمل، ورغم أن الأرض رخوة، والانهيارات كبيرة، وخطواتي تمشي على ممشى زلق، إلا أنني لم أنزلق، ولم أقع في مهاوي السقوط..
***
• زرت عزبة صديقي عبدالكريم سعيد علوان وأصدقائه في "كريتر" والتي تبعد جنوب غرب البريد بعشرات الأمتار.. كان هذا قبل أحداث يناير 1986بعام أو أقل بقليل.. كنت أقرأ أحدى الصحف، فسمعت ضوضاء!! شاهدتها من النافذة مسرعة تركض خلف أطفال صغار.. مرقت كحلم ندي.. رفّت كنسمة بحر أنعشت روحي الباحثة عن أمل وسط وجوم اليأس وسنوات التصحّر.. أحسست وكأن القدر رضا عني، وفي وجهي أشرق وأبتسم.. بدت أمامي لحظة زاهية كبشارة ولادة حب جديد تعوضني عن حبي الذي خاب، أو الذي فات ولم يعده الندم..!!
• كنت أعرّج على العزبة كلما سمحت لي الفرصة وتأتت الظروف.. أحاول أن أداري شوقي ولهفتي أمام أصدقائي في العزبة حتى لا يقطع الخجل مجيئي، أو يتم إفساد ما بيننا على أي نحو كان.. في كل زيارة كنت أريد فقط أن أراها.. أن أتأكد من وجودها.. كانت هي رجائي والهدف من مجيئي، ولكني كنت أعود في كل مرة أحمل خيبتي لا سواها.. كاد اليأس أن يدركني في أن أراها مرة أخرى، غير أن صدفة أنقذتني من خيبتي التي أثقلت كاهلي وانتظاري الذي طال..
• وفي يوم كان لي سعد من الحظ وصدفة من السماء.. خرجتُ من عزبة أصدقائي في حدود الساعة الخامسة بعد العصر.. شاهدتها على الحائط التابع لمنزلهم تطل على الخارج.. وجهها يميل إلى استطالة متناسقة، ينضح بالوسامة الأخاذة في إجماله وتفاصيله.. بدأ لي وجهها الجميل كآية خالدة، وبرهان أكيد أن للكون خالق جميل ومحترف..
• اعترتني حالة من الإرباك.. تملكتني الدهشة من أول وهلة.. توقفتُ برهة وكأن البله قد شل حركتي، فيما عيوني تسمرت نحوها.. أمعنت فيما أنا فيه.. أردت أن يكون وقوفي ملفت لها، ومروري على غير كل من يمر أمامها.. تمكنتُ أن أشد انتباهها على النحو الذي أردت.. عيونها ترمقني بنظرات كلها دهشة وعجب! فيما ضحكة كتومة كانت تكتظ في صدرها الناهد، وتتبدى بحياء على وجهها الخجول، ومبسمها الآسر للنظر..
• قطعت إلى الشارع العام بخطوات ثقيلة، وكأن أقدامي مربوطة بحبال تُشدها بيديها.. بديت مأسورا وخطواتي طوع اليدين.. أمشي ببطء وكأن سيقاني غارقة في بلل الطين الرخو، فيما وجهي يستدير إلى الوراء نحوها، وعلى نحو لافت ومتتابع.. أرمقها بنظراتي التي أبدو فيها وكأنني نسيت لديها رأسي، أ
و استودعتها قلبي الذي أريد أن أطمئن عليه قبل الوداع..
• أحسست إن الصدفة أحيتني بعد أن كاد اليأس يستولي على كل شيء فيني.. مسحت كدري وما علق في وجهي من ملل وسأم الانتظار خلال زياراتي المتفرقة التي أخفقت وأدركها عاثر الحظ والفشل.. طلّتها بددت خيبتي وأنستني ما كان بي من ضيق وضنك وكآبة.. أحيت فيني غابة من الأحلام الجميلة والآمال العراض.. خامرني إحساس أن ثمة تشجيعا منها يدعوني إلى ما هو أجمل وأعمق، أو هذا ما توهمتُ أو كان فيه الوهم لذيذا وجالبا لكثير من السعادة..
• مررت في اليوم الثاني، وفي نفس الساعة التي كنت قد صادفتها على السور في اليوم الذي قبله، ولكن كان مجيئي من الشارع البعيد المقابل، متمنيا أن أراها مرة أخرى.. نطقت روحي: يا إلهي.. لقد أصاب مناي وحصحص الحق في حب أروم.. شاهدتها مطلة على نفس الحائط والمكان، وكأن القدر أراد أن يجعل للصدفة قصة تبتدئ منها وتزهر فيها الأيام القادمات..
• داهمتُ نفسي بالأسئلة: هل هو حدسها الذي دلها أنني سأعود؟! هل كانت تنتظر مجيئي في ذلك الوقت بالذات؟! هل حدسنا المختبئ فينا هو من حدد الموعد؟! أم هو موعد تنادت إليه أرواحنا الشفيفة المشتاقة إلى لقاء، وإن كان في حدود الاقتراب والنظر؟!!
• أحسست أن قصة حب جديدة تبتدئي وتمضي على ما يرام في طريقها الصحيح.. شعرت بلحظة سعادة تغمرني بفيضها الجميل.. أحسست إن القادم سيكون أجمل.. عامر بالمسرات وحافل بالفرح واللقاءات الجميلة.. هرعت إليها بعجل لافت وبخُطى تسابق بعضها.. بديت مهرولا في بعض الطريق، وهي ترمق مجيئي بذهول ودهشة.. فيما كنت أحدث نفسي: يجب أن لا أترك الخجل والحياء يخيّبان رجائي هذه المرّة..
• خطواتي المتسابقة بدت على نحو تلفت نظر بعض المارة.. بديت أمامها وكأنني منقضا عليها كصقر يريد أن ينشب أظافره في لحمها الطري، وأخذها إلى البعيد.. تملّكها الفزع واستحوذ عليها الهلع.. اختفت هي وأختها من على السور بسرعة مستعد يقظ أو خائف جزع.. لاذت بالفرار ذعرا، والاختباء في جحرها كأرنبة.. انتظرت نصف ساعة لعلها تعاود الطلول فلم تطل.. عدتُ أحمل رأسي المثقوب بخيبة، وظهري المكسور بهزيمة.. أتهمتُ نفسي بالغباء الفاحش والعجل الأحمق وفقدان البصيرة..
• عدت اليوم الثالث في نفس الساعة التي رأيتها في اليوم الذي سبق.. رأيتها في نفس المكان الذي تطل منه على السور.. دق نياط قلبي بما شجى.. زقزقت عصافير قلبي بالفرح.. حاولت أن أتجنب الخطأ الذي سبق وجلب لها الذعر والفزع.. حاولت أهدئ نفسي وأتوازن قدر ما أستطيع، وفي قبضة يدي قصاصة صغيرة كنت قد كتبت فيها كلمة واحدة هي: "احبك".. عطّفتها حتى صارت كبرشام صغير، وعندما صرت على مقربة منها، ملت إليها قليلا ورميت بها إلى خلف السور الذي تطل عليه.. تفاجأت هي بما بدى مني، واختفت.. توقعتُ أنها ذهبت لالتقاطها، وأن خجلها منعها من أن تعود وتطل ثانية..
• وصلت رسالتي إليها كما يجب.. أحسست إن طلبي وقصدي قد بلغها على ذلك النحو الذي أريد.. لابأس من انتظار قبول الطلب اللاعج باللهفة والشوق.. وكان فعلها في اليوم الذي تلاه قبول مؤكد للطلب، لا يحتمل التفسير سواه، وقد رأيتها تطل من نفس المكان وتنتظر في أول دقيقة من الوقت الذي أعتدنا عليه.. أحسست أن فضولها سيظل يبحث ويتطلع إلى معرفة التفاصيل..
• كانت الساعة ما بين الخامسة والسادسة موعدنا الذي اختارته لنا أقدارنا لننطلق منه.. بدأت أومي لها بيدي وأحثها بالإشارة على الخروج.. خروجها الأول كان مع أخيها الصغير إلى مكان قريب.. تبعتهم ولكني لم اتمكن من الكلام، واكتفينا بتبادل النظرات والابتسامات وملامح الفرح..
• في المرة الثانية أطمئنت لي وتشجعت بالخروج بمفردها إلى مكان غير بعيد.. اقتفيت أثرها، وعندما صرت بموازاتها تحدثت معها دون أن ألتفت إليها، ولكنني حاولت أن اطمئنها أكثر، وأحثها على الخروج معي إلى مكان أبعد لنتمكن من الحديث بحرية وروية.. نجحنا في تحديد المكان.. مقهى ـ "بوفية" ـ تجمع بين المشروبات والوجبات الخفيفة.. اتفقنا أن انتظر الغد فيها الساعة الثالثة عصرا حتّى تمر، ثم أتبعها إلى ما تقودنا إليه أقدامنا.. وفي الموعد المحدد تم الوفاء والتغلب على مصاعب الخروج.. مر البهاء كعروس.. أنقدتُ بعدها كمسحور إلى شارع فرعي ثم إلى زقاق.. تحدثنا قليلا بحذر ورهبة.. تحدثنا بقليل من البوح وكثيرا من الخوف والقلق والاضطراب..
• كان والدها شديدا وقاسيا.. وكانت أعذارها للخروج قليلة ومحدودة تنجح بعسر، وأحيانا تتم بمغامرة يقابلها عند اكتشافها جزاء ثقيل ومنع يشبه الحجر.. كانت أكثر وعودنا تخيب بسبب منعها، أو ارغامها على أن يرافقها أحد من أهلها.. أخفقت كثير من اللقاءات، وخابت كثير من المواعيد، وبعض المواعيد انتظرها أضعاف الوقت الذي اتفقنا عليه.. كنا نتصرف في لقاءاتنا كما يتصرف العشاق المحاصرين بعيون الوشاة والمحاذير وصرامة الممنوع، وعندما نتيه عن بعض أو يتقطع وصالنا لهذا السبب أو ذاك؛ نرجع إلى الحائط والمكان لنجمع شملنا مرة أخرى، ثم ن
• أحسست إن الصدفة أحيتني بعد أن كاد اليأس يستولي على كل شيء فيني.. مسحت كدري وما علق في وجهي من ملل وسأم الانتظار خلال زياراتي المتفرقة التي أخفقت وأدركها عاثر الحظ والفشل.. طلّتها بددت خيبتي وأنستني ما كان بي من ضيق وضنك وكآبة.. أحيت فيني غابة من الأحلام الجميلة والآمال العراض.. خامرني إحساس أن ثمة تشجيعا منها يدعوني إلى ما هو أجمل وأعمق، أو هذا ما توهمتُ أو كان فيه الوهم لذيذا وجالبا لكثير من السعادة..
• مررت في اليوم الثاني، وفي نفس الساعة التي كنت قد صادفتها على السور في اليوم الذي قبله، ولكن كان مجيئي من الشارع البعيد المقابل، متمنيا أن أراها مرة أخرى.. نطقت روحي: يا إلهي.. لقد أصاب مناي وحصحص الحق في حب أروم.. شاهدتها مطلة على نفس الحائط والمكان، وكأن القدر أراد أن يجعل للصدفة قصة تبتدئ منها وتزهر فيها الأيام القادمات..
• داهمتُ نفسي بالأسئلة: هل هو حدسها الذي دلها أنني سأعود؟! هل كانت تنتظر مجيئي في ذلك الوقت بالذات؟! هل حدسنا المختبئ فينا هو من حدد الموعد؟! أم هو موعد تنادت إليه أرواحنا الشفيفة المشتاقة إلى لقاء، وإن كان في حدود الاقتراب والنظر؟!!
• أحسست أن قصة حب جديدة تبتدئي وتمضي على ما يرام في طريقها الصحيح.. شعرت بلحظة سعادة تغمرني بفيضها الجميل.. أحسست إن القادم سيكون أجمل.. عامر بالمسرات وحافل بالفرح واللقاءات الجميلة.. هرعت إليها بعجل لافت وبخُطى تسابق بعضها.. بديت مهرولا في بعض الطريق، وهي ترمق مجيئي بذهول ودهشة.. فيما كنت أحدث نفسي: يجب أن لا أترك الخجل والحياء يخيّبان رجائي هذه المرّة..
• خطواتي المتسابقة بدت على نحو تلفت نظر بعض المارة.. بديت أمامها وكأنني منقضا عليها كصقر يريد أن ينشب أظافره في لحمها الطري، وأخذها إلى البعيد.. تملّكها الفزع واستحوذ عليها الهلع.. اختفت هي وأختها من على السور بسرعة مستعد يقظ أو خائف جزع.. لاذت بالفرار ذعرا، والاختباء في جحرها كأرنبة.. انتظرت نصف ساعة لعلها تعاود الطلول فلم تطل.. عدتُ أحمل رأسي المثقوب بخيبة، وظهري المكسور بهزيمة.. أتهمتُ نفسي بالغباء الفاحش والعجل الأحمق وفقدان البصيرة..
• عدت اليوم الثالث في نفس الساعة التي رأيتها في اليوم الذي سبق.. رأيتها في نفس المكان الذي تطل منه على السور.. دق نياط قلبي بما شجى.. زقزقت عصافير قلبي بالفرح.. حاولت أن أتجنب الخطأ الذي سبق وجلب لها الذعر والفزع.. حاولت أهدئ نفسي وأتوازن قدر ما أستطيع، وفي قبضة يدي قصاصة صغيرة كنت قد كتبت فيها كلمة واحدة هي: "احبك".. عطّفتها حتى صارت كبرشام صغير، وعندما صرت على مقربة منها، ملت إليها قليلا ورميت بها إلى خلف السور الذي تطل عليه.. تفاجأت هي بما بدى مني، واختفت.. توقعتُ أنها ذهبت لالتقاطها، وأن خجلها منعها من أن تعود وتطل ثانية..
• وصلت رسالتي إليها كما يجب.. أحسست إن طلبي وقصدي قد بلغها على ذلك النحو الذي أريد.. لابأس من انتظار قبول الطلب اللاعج باللهفة والشوق.. وكان فعلها في اليوم الذي تلاه قبول مؤكد للطلب، لا يحتمل التفسير سواه، وقد رأيتها تطل من نفس المكان وتنتظر في أول دقيقة من الوقت الذي أعتدنا عليه.. أحسست أن فضولها سيظل يبحث ويتطلع إلى معرفة التفاصيل..
• كانت الساعة ما بين الخامسة والسادسة موعدنا الذي اختارته لنا أقدارنا لننطلق منه.. بدأت أومي لها بيدي وأحثها بالإشارة على الخروج.. خروجها الأول كان مع أخيها الصغير إلى مكان قريب.. تبعتهم ولكني لم اتمكن من الكلام، واكتفينا بتبادل النظرات والابتسامات وملامح الفرح..
• في المرة الثانية أطمئنت لي وتشجعت بالخروج بمفردها إلى مكان غير بعيد.. اقتفيت أثرها، وعندما صرت بموازاتها تحدثت معها دون أن ألتفت إليها، ولكنني حاولت أن اطمئنها أكثر، وأحثها على الخروج معي إلى مكان أبعد لنتمكن من الحديث بحرية وروية.. نجحنا في تحديد المكان.. مقهى ـ "بوفية" ـ تجمع بين المشروبات والوجبات الخفيفة.. اتفقنا أن انتظر الغد فيها الساعة الثالثة عصرا حتّى تمر، ثم أتبعها إلى ما تقودنا إليه أقدامنا.. وفي الموعد المحدد تم الوفاء والتغلب على مصاعب الخروج.. مر البهاء كعروس.. أنقدتُ بعدها كمسحور إلى شارع فرعي ثم إلى زقاق.. تحدثنا قليلا بحذر ورهبة.. تحدثنا بقليل من البوح وكثيرا من الخوف والقلق والاضطراب..
• كان والدها شديدا وقاسيا.. وكانت أعذارها للخروج قليلة ومحدودة تنجح بعسر، وأحيانا تتم بمغامرة يقابلها عند اكتشافها جزاء ثقيل ومنع يشبه الحجر.. كانت أكثر وعودنا تخيب بسبب منعها، أو ارغامها على أن يرافقها أحد من أهلها.. أخفقت كثير من اللقاءات، وخابت كثير من المواعيد، وبعض المواعيد انتظرها أضعاف الوقت الذي اتفقنا عليه.. كنا نتصرف في لقاءاتنا كما يتصرف العشاق المحاصرين بعيون الوشاة والمحاذير وصرامة الممنوع، وعندما نتيه عن بعض أو يتقطع وصالنا لهذا السبب أو ذاك؛ نرجع إلى الحائط والمكان لنجمع شملنا مرة أخرى، ثم ن
بدأ من جديد..
• صرت أتردد كثيرا على ما أسميتها "بوفيه المحبة"، رغم أن أغلب الانتظار كان يمر دون جني أو حصاد.. تعرفت على كثير من الوجوه هناك.. اكتشفت أنني لست المحب الوحيد الذي ينتظر محبوبته هناك، بل وجدت كثيرين غيري ينتظرون فيها ويلتقون، ثم يغادرون لا أدري إلى أين!! كانا أشهرهم شاعر مرموق ومذيعه مشهورة..
• عندما تفجرت أحداث 13 يناير 1986 وجدت نفسي على مقربة مع من أحب.. جميل أن تجد نفسك في الحرب جوار الحبيب.. رائع أن تدير ظهرك للمتراس وتوجه وجهك إلى وجه من تحب.. لم أكترث بالحرب قدر اكتراثي بالحبيب.. الحب في الحرب سلام ودعة حد اليقين.. حياة جديرة أن نعيشها بسلام، غير أن أوامر المسؤول على المنطقة التي كنت متمركز فيها جاءت صارمة بالانتقال إلى مكان آخر.. انتقلت وأنا أمضغ خيبتي واستودعت قلبي عند الحبيب، ولم أنزلق إلى سفك قطرة دم واحدة..
• بعد أحداث يناير زرت "بوفية المحبين".. وجدت أبوابها مغلقة.. وجهها مجدور بالرصاص.. بدت كخرابة ينعق بها البوم.. تصحر الحب فيها وأجدب.. لا وعد فيها ولا لقاء ولا انتظار حبيب.. لم تعد الأيام كما كانت.. ذبل الورد ويبست الأزهار، وسُفك الدم العزيز، وأنهزم الوطن، ولازال مهزوما إلى اليوم.. تمزقت الروح وآلت الأحلام والآمال إلى بدد.. انتحر الشعر على بوابة الحلم الكبير، وغاب الشاعر عن حبيبته، ثم رحل وحيدا بداء عضال دون أن يجد من يساعده.. وأصاب المصاب الجلل حبيبته التي أُعدم أخيها، وتم زج الآخر في المعتقل..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
• صرت أتردد كثيرا على ما أسميتها "بوفيه المحبة"، رغم أن أغلب الانتظار كان يمر دون جني أو حصاد.. تعرفت على كثير من الوجوه هناك.. اكتشفت أنني لست المحب الوحيد الذي ينتظر محبوبته هناك، بل وجدت كثيرين غيري ينتظرون فيها ويلتقون، ثم يغادرون لا أدري إلى أين!! كانا أشهرهم شاعر مرموق ومذيعه مشهورة..
• عندما تفجرت أحداث 13 يناير 1986 وجدت نفسي على مقربة مع من أحب.. جميل أن تجد نفسك في الحرب جوار الحبيب.. رائع أن تدير ظهرك للمتراس وتوجه وجهك إلى وجه من تحب.. لم أكترث بالحرب قدر اكتراثي بالحبيب.. الحب في الحرب سلام ودعة حد اليقين.. حياة جديرة أن نعيشها بسلام، غير أن أوامر المسؤول على المنطقة التي كنت متمركز فيها جاءت صارمة بالانتقال إلى مكان آخر.. انتقلت وأنا أمضغ خيبتي واستودعت قلبي عند الحبيب، ولم أنزلق إلى سفك قطرة دم واحدة..
• بعد أحداث يناير زرت "بوفية المحبين".. وجدت أبوابها مغلقة.. وجهها مجدور بالرصاص.. بدت كخرابة ينعق بها البوم.. تصحر الحب فيها وأجدب.. لا وعد فيها ولا لقاء ولا انتظار حبيب.. لم تعد الأيام كما كانت.. ذبل الورد ويبست الأزهار، وسُفك الدم العزيز، وأنهزم الوطن، ولازال مهزوما إلى اليوم.. تمزقت الروح وآلت الأحلام والآمال إلى بدد.. انتحر الشعر على بوابة الحلم الكبير، وغاب الشاعر عن حبيبته، ثم رحل وحيدا بداء عضال دون أن يجد من يساعده.. وأصاب المصاب الجلل حبيبته التي أُعدم أخيها، وتم زج الآخر في المعتقل..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
عندما تتعاكس أقدار المحبين
احمد سيف حاشد
جل قصص حبي خائبة، غير أن قصة حب مغايرة خيبت فيني أمل المحب.. هي نقيض تلك القصص التي أعتدتها وألفتها.. في هذه القصة ربما كنت أنا الجاني.. ربما جنيت عليها حتى أحسست أني أحدثت في رأسها مقبرة.. حفرت فيه مغارة مظلمة تركض فيها أشباحي المزعجة.. سببت لها كثيرا من الألم والوجع، وإن كان دون قصد أو عمد..
كانت ذكية ومتفوقه.. عفيفة وطاهرة.. صبورة وكتومة.. حصيفة ومخلصة.. هادئة كبوذا، وعاقلة كحكيم الصين العظيم.. من أسرة شفيفة.. تملك من العقل رجاحته، ومن الروح سماءها المشبعة بالشفافة والجمال..
لستُ وحدي من حب وجلد نفسه في جحيم الحب الناقص نصفه.. لست الوحيد الذي بحث عن توأم روحه في متاهات وجودية خاسرة.. لطالما وجدت نفسي في معادلات حب أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها غير عادلة.. لطالما حالت الأقدار دون أن يكتمل الحب المنقوص بحظه العاثر، وقلّة الحيلة المهدودة بتكرار الخسران، وفداحة الخيبات المتعاقبة..
لست وحدي من فقد حيزه الوجودي لصالح الفراغ الذي ألتهم ذلك الحيز الذي كان يبحث عن نصفه المفقود، فاجتاحه الفراغ، وتمزق تحت دواليبه المجنزرة، وأنتهى حبه إلى خسران موجع، وذكريات اليمة، وبقايا إنسان يندب بقاياه المتلاشية، ويرثيها بحزن عميق..
مثل قصتي مع “هيفاء”، كانت لهذه الفتاة قصتها معي.. كان للحب مسارات متعاكسة لما كنّا نتمنى ونرتجي.. عتبتُ على أقدارنا التي وضعت قلب كل منّا في مكان قصي، أو على مدار مختلف..
كنت شاردا عنها في البعيد، موغلا في التيه، غير مبالٍ ولا مكترث إلا بما كنت أعيشه من خسران الحب المستمر الذي ألقى على عيني العمى، وسد مسامعي بالشمع الأحمر، وكتب على جدار القلب مُغلق من قبل المحكمة.. وعند علمي بحبها تمردت.. حاولت أن أساعدها وأساعد روحي المهشمة من خيبة الحب الكفيف..
كنت لازلت أعاني من فقدان هيفاء وفراغها الملول، ومن خيبة تلاحقني وتقتفي أثري أينما ولّيت.. لم أفطن لحب الفتاة إلا في الأشهر الأخيرة من سنتي الرابعة في الكلية.. السنة التي يتجاوز فيه المحب ما أهدره من الزمن الذي فات، محاولا اللحاق بالفرصة الأخيرة.. فرصة تغتنم ما بقي من وقتها الضائع، والرجاء الأخير للمحب الكتوم..
حاولت التأكد من حبها حتى لا أجد نفسي متوهما على غير الحقيقة.. طرحت كل الاحتمالات في مبحثي حتى لا أكرر خيبتي.. اختبرت كل فرضية أتت.. أجبت على كل الأسئلة.. وجدت الخلاصة كلها.. إنه الحب منها لا سواه..
لا أدري متى بدأ إعجابها أو صرت محلا له!! لا أعرف متى بدأت تفكر أن نكون معا!! لا أعلم إلى أي مدى كانت تحبني؟! لم نتحدث عن هذا، واكتفينا بالإيجاب والقبول.. تركنا بحث التفاصيل إلى المستقبل الذي غادرنا هو، أو نحن من تركناه..
كل ما فعلته من جهتي حيالها كان يشبه قفزة الكنغر، ولكن إلى مكان أحسست أني محاطا بما هو مجهول ومستصعب.. لم أستطع المضي فيه إلى مستقبل مجهول، واستصعبت العودة إلى المكان الذي أتيت منه.. خياران بين ذهاب وإياب.. وجدت نفسي على صخرة محشورا في وعر أحاط بي من كل اتجاه..
نقبل على الحب حيث تدبر حظوظنا فيه.. نلوذ بمن ليس لنا فيه ملاذ أو أمان.. نعبر فتعترضنا نتوءات الخيبة التي لا تلبث أن تكبر وتصير أكبر منّا.. عقبات كأداء تعترض طريقنا وتستنزف أرواحنا قبل الوصول.. نحتشر في المأزق الذي يضيق حتى يُطبق علينا من كل الجهات.. تتكوم الموانع في وجوهنا.. تعترض النحوس أقدامنا المنهكة وخطواتنا المتعثرة.. ننزف في الانتظار الطويل ولا يأتي الحبيب.. نصير أنقاضا تحت أقدامنا المثقلة بالحديد، لا نستطيع المضي نحو الأمام، ولا نقدر على العودة من حيث أتينا، وقد صرنا ركاما من حطام..
تتحول فسحة الكون الفسيح في وجوهنا إلى أضيق من زقاق مملوء بالمخانق.. أحلامنا الكبيرة تتحول إلى كوابيس مرعبة ترفض الرحيل عن بقايانا المبعثرة.. آمالنا العراض تتلاشى في التيه وتنتهي إلى وهم على وهم، وسراب في سراب، وما كان لنا متسع في الأمس يتم خنقنا فيه بقبضات ثقال تجهز على أنفاسنا اللاهثة والباحثة عن نصفنا الآخر، أو نصف الحب المفقود منّا إلى الأبد..
حاولتُ الخروج من مأزقي المحشور فيه، وأصنع ممكنا في وجه استحالتي التي رجوتها متوسلا أن تطاوعني لأجل من تحبني.. تمردت على حكم المحكمة.. حاولت أن أفتح لها في جدار قلبي شرفات للحب والفرح؛ فأدركني الفشل الذريع.. أصبتها بجرح عميق دون أن أدري كم ظل ينزف!! يا لنبلها الآسر وكبرياءها الأبي وكرامتها التي شمخت في وجه جرحها ونزيفها وحزنها الوخيم..
حاولت أن أفتح لها شغاف قلبي.. فرشت لها سجاجيدي.. حاولت أن أفتح لها أبوابي وشرفاتي.. دعوتُ الحمام إلى نوافذي المحبّرة بالهيام.. حاولت أن أجد لفرصتها في قلبي مسار متسع.. لم أتريث ولم أطلب منها فُسح أو مُهل..
عرضت عليها الزواج فوافقت.. شرحت لها ظروفي فلم تعترض، ولم تبدِ حيالها أي مانع.. أرجينا بحث التفاصيل فأدركنا المحاق ولم نلحق بحثها.. بين بدايتي معها وطلبي الزواج منها ضيق لم يتسع غير أس
احمد سيف حاشد
جل قصص حبي خائبة، غير أن قصة حب مغايرة خيبت فيني أمل المحب.. هي نقيض تلك القصص التي أعتدتها وألفتها.. في هذه القصة ربما كنت أنا الجاني.. ربما جنيت عليها حتى أحسست أني أحدثت في رأسها مقبرة.. حفرت فيه مغارة مظلمة تركض فيها أشباحي المزعجة.. سببت لها كثيرا من الألم والوجع، وإن كان دون قصد أو عمد..
كانت ذكية ومتفوقه.. عفيفة وطاهرة.. صبورة وكتومة.. حصيفة ومخلصة.. هادئة كبوذا، وعاقلة كحكيم الصين العظيم.. من أسرة شفيفة.. تملك من العقل رجاحته، ومن الروح سماءها المشبعة بالشفافة والجمال..
لستُ وحدي من حب وجلد نفسه في جحيم الحب الناقص نصفه.. لست الوحيد الذي بحث عن توأم روحه في متاهات وجودية خاسرة.. لطالما وجدت نفسي في معادلات حب أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها غير عادلة.. لطالما حالت الأقدار دون أن يكتمل الحب المنقوص بحظه العاثر، وقلّة الحيلة المهدودة بتكرار الخسران، وفداحة الخيبات المتعاقبة..
لست وحدي من فقد حيزه الوجودي لصالح الفراغ الذي ألتهم ذلك الحيز الذي كان يبحث عن نصفه المفقود، فاجتاحه الفراغ، وتمزق تحت دواليبه المجنزرة، وأنتهى حبه إلى خسران موجع، وذكريات اليمة، وبقايا إنسان يندب بقاياه المتلاشية، ويرثيها بحزن عميق..
مثل قصتي مع “هيفاء”، كانت لهذه الفتاة قصتها معي.. كان للحب مسارات متعاكسة لما كنّا نتمنى ونرتجي.. عتبتُ على أقدارنا التي وضعت قلب كل منّا في مكان قصي، أو على مدار مختلف..
كنت شاردا عنها في البعيد، موغلا في التيه، غير مبالٍ ولا مكترث إلا بما كنت أعيشه من خسران الحب المستمر الذي ألقى على عيني العمى، وسد مسامعي بالشمع الأحمر، وكتب على جدار القلب مُغلق من قبل المحكمة.. وعند علمي بحبها تمردت.. حاولت أن أساعدها وأساعد روحي المهشمة من خيبة الحب الكفيف..
كنت لازلت أعاني من فقدان هيفاء وفراغها الملول، ومن خيبة تلاحقني وتقتفي أثري أينما ولّيت.. لم أفطن لحب الفتاة إلا في الأشهر الأخيرة من سنتي الرابعة في الكلية.. السنة التي يتجاوز فيه المحب ما أهدره من الزمن الذي فات، محاولا اللحاق بالفرصة الأخيرة.. فرصة تغتنم ما بقي من وقتها الضائع، والرجاء الأخير للمحب الكتوم..
حاولت التأكد من حبها حتى لا أجد نفسي متوهما على غير الحقيقة.. طرحت كل الاحتمالات في مبحثي حتى لا أكرر خيبتي.. اختبرت كل فرضية أتت.. أجبت على كل الأسئلة.. وجدت الخلاصة كلها.. إنه الحب منها لا سواه..
لا أدري متى بدأ إعجابها أو صرت محلا له!! لا أعرف متى بدأت تفكر أن نكون معا!! لا أعلم إلى أي مدى كانت تحبني؟! لم نتحدث عن هذا، واكتفينا بالإيجاب والقبول.. تركنا بحث التفاصيل إلى المستقبل الذي غادرنا هو، أو نحن من تركناه..
كل ما فعلته من جهتي حيالها كان يشبه قفزة الكنغر، ولكن إلى مكان أحسست أني محاطا بما هو مجهول ومستصعب.. لم أستطع المضي فيه إلى مستقبل مجهول، واستصعبت العودة إلى المكان الذي أتيت منه.. خياران بين ذهاب وإياب.. وجدت نفسي على صخرة محشورا في وعر أحاط بي من كل اتجاه..
نقبل على الحب حيث تدبر حظوظنا فيه.. نلوذ بمن ليس لنا فيه ملاذ أو أمان.. نعبر فتعترضنا نتوءات الخيبة التي لا تلبث أن تكبر وتصير أكبر منّا.. عقبات كأداء تعترض طريقنا وتستنزف أرواحنا قبل الوصول.. نحتشر في المأزق الذي يضيق حتى يُطبق علينا من كل الجهات.. تتكوم الموانع في وجوهنا.. تعترض النحوس أقدامنا المنهكة وخطواتنا المتعثرة.. ننزف في الانتظار الطويل ولا يأتي الحبيب.. نصير أنقاضا تحت أقدامنا المثقلة بالحديد، لا نستطيع المضي نحو الأمام، ولا نقدر على العودة من حيث أتينا، وقد صرنا ركاما من حطام..
تتحول فسحة الكون الفسيح في وجوهنا إلى أضيق من زقاق مملوء بالمخانق.. أحلامنا الكبيرة تتحول إلى كوابيس مرعبة ترفض الرحيل عن بقايانا المبعثرة.. آمالنا العراض تتلاشى في التيه وتنتهي إلى وهم على وهم، وسراب في سراب، وما كان لنا متسع في الأمس يتم خنقنا فيه بقبضات ثقال تجهز على أنفاسنا اللاهثة والباحثة عن نصفنا الآخر، أو نصف الحب المفقود منّا إلى الأبد..
حاولتُ الخروج من مأزقي المحشور فيه، وأصنع ممكنا في وجه استحالتي التي رجوتها متوسلا أن تطاوعني لأجل من تحبني.. تمردت على حكم المحكمة.. حاولت أن أفتح لها في جدار قلبي شرفات للحب والفرح؛ فأدركني الفشل الذريع.. أصبتها بجرح عميق دون أن أدري كم ظل ينزف!! يا لنبلها الآسر وكبرياءها الأبي وكرامتها التي شمخت في وجه جرحها ونزيفها وحزنها الوخيم..
حاولت أن أفتح لها شغاف قلبي.. فرشت لها سجاجيدي.. حاولت أن أفتح لها أبوابي وشرفاتي.. دعوتُ الحمام إلى نوافذي المحبّرة بالهيام.. حاولت أن أجد لفرصتها في قلبي مسار متسع.. لم أتريث ولم أطلب منها فُسح أو مُهل..
عرضت عليها الزواج فوافقت.. شرحت لها ظروفي فلم تعترض، ولم تبدِ حيالها أي مانع.. أرجينا بحث التفاصيل فأدركنا المحاق ولم نلحق بحثها.. بين بدايتي معها وطلبي الزواج منها ضيق لم يتسع غير أس
ابيع قليلة.. ثم تبدل الحال بعده.. ظلت الفجوة بيننا تكبر وتتسع بصمت وتجاهل، فيما كنت أعتب على نفسي: يا لعجلي الذي داهمني كطوفان أجتاح تريّثي، وأودى بي إلى ما صرت فيه!!
داهمني السؤال وقد أدركني الندم: ماذا دهاني لأفعل ما فعلت؟!! هل هو تعويضا لما عشته في الحب من فشل وإخفاق؟! أم بسبب إضاعتي للفرص؟! أم هو استجابة لضغط فراغي وفقداني لمن أحب؟! أو هو ظني إن العجل سيلتقطها قبل فوات الأوان حتى لا آتي متأخرا وأندم على ما فات؟! أو هو التوكل وخدعة المثل: "خير البر عاجله"؟! أم هو كل هذا وذاك؟!!،
كان حالي أشبه بمن يلاحق كرة الحظ الصغيرة في يوم مطير على أرض زلقة، فانزلق بعدها إلى المنحدر.. كنت أحمق عجول يطلق وعد الوصول دون أن يفكر بعثرات الطريق ووسيلة النقل والمسافة بين البداية والنهاية.. كنت أحمق أضع العربة قبل الحصان، وألسع الحصان بسوط العجل.. فقدنا التوازن وانقلب الجميع، ووجدت عجلي مجرورا بعجلات الندم.. حاولت إصلاح مدار أقدارنا المتعاكسة، فجاءت الأقدار على غير ما نريد..
حاولت أن أمنح لها في قلبي الفرص لعلِّي أحبها، فأدركني الفشل المؤكد، وأدركت هي فتوري وترددي الذي ظل يكبر.. تخاتلت كقطة.. مشت بأطراف الأصابع.. أدارت المفتاح في مغلق باب الخروج باحتراف لا تسمع منه تدويرا أو طقطقة.. فتحت الباب بخفة دونما أسمع للباب صرير أو رجوع.. انسلت بهدوء كنسمة هواء.. غابت بعيدا في غروب لا يعود..
بلعت جرحها النازف بصمت صبور، ومضت دون رجعة.. وبدلا من أن أساعدها هي من ساعدتني على تجاوز ما كنت فيه.. أخرجتني من حيرتي التي كنت أغرق في قاعها.. أنقذتني من ورطتي التي تشبه حفرة عميقة كلما حاولت الخروج منها انهال على رأسي التراب.. رأسي المثقل بالحياء..
وفّرت عليّ كثير من الحرج الذي يشبه الموت.. غادرت دون حقيبة أو وداع.. لم تحاول طرق بابي ثانية، ولم تلقِ في وجهي كلمة من عتب، أو حتى سؤال عابر سبيل.. غادرت إلى الأبد، وبقيت ألتمس عفوها والمغفرة..
حبي لم يكن بيدي ولم يكن رهن ما أرغب.. الحب في قبضة الأقدار ليس لنا فيها ولاية.. لا نملك إصلاح مسارات أقدارنا المتناقضة.. وعلى قول شاعرنا المتنبي "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن".. كم أنا أسف وكل الأسف إن كنت يوما قد كسرت قلبها.. لقد تعلمت واكتشفت كثيرا أن ثمة خلل موجود في مسارات الحب وكيمياء النفوس، وفي أقدار البشر، وربما ما هو أكثر وأكبر.. لك كل اعتذاري يا أطيب البشر..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
داهمني السؤال وقد أدركني الندم: ماذا دهاني لأفعل ما فعلت؟!! هل هو تعويضا لما عشته في الحب من فشل وإخفاق؟! أم بسبب إضاعتي للفرص؟! أم هو استجابة لضغط فراغي وفقداني لمن أحب؟! أو هو ظني إن العجل سيلتقطها قبل فوات الأوان حتى لا آتي متأخرا وأندم على ما فات؟! أو هو التوكل وخدعة المثل: "خير البر عاجله"؟! أم هو كل هذا وذاك؟!!،
كان حالي أشبه بمن يلاحق كرة الحظ الصغيرة في يوم مطير على أرض زلقة، فانزلق بعدها إلى المنحدر.. كنت أحمق عجول يطلق وعد الوصول دون أن يفكر بعثرات الطريق ووسيلة النقل والمسافة بين البداية والنهاية.. كنت أحمق أضع العربة قبل الحصان، وألسع الحصان بسوط العجل.. فقدنا التوازن وانقلب الجميع، ووجدت عجلي مجرورا بعجلات الندم.. حاولت إصلاح مدار أقدارنا المتعاكسة، فجاءت الأقدار على غير ما نريد..
حاولت أن أمنح لها في قلبي الفرص لعلِّي أحبها، فأدركني الفشل المؤكد، وأدركت هي فتوري وترددي الذي ظل يكبر.. تخاتلت كقطة.. مشت بأطراف الأصابع.. أدارت المفتاح في مغلق باب الخروج باحتراف لا تسمع منه تدويرا أو طقطقة.. فتحت الباب بخفة دونما أسمع للباب صرير أو رجوع.. انسلت بهدوء كنسمة هواء.. غابت بعيدا في غروب لا يعود..
بلعت جرحها النازف بصمت صبور، ومضت دون رجعة.. وبدلا من أن أساعدها هي من ساعدتني على تجاوز ما كنت فيه.. أخرجتني من حيرتي التي كنت أغرق في قاعها.. أنقذتني من ورطتي التي تشبه حفرة عميقة كلما حاولت الخروج منها انهال على رأسي التراب.. رأسي المثقل بالحياء..
وفّرت عليّ كثير من الحرج الذي يشبه الموت.. غادرت دون حقيبة أو وداع.. لم تحاول طرق بابي ثانية، ولم تلقِ في وجهي كلمة من عتب، أو حتى سؤال عابر سبيل.. غادرت إلى الأبد، وبقيت ألتمس عفوها والمغفرة..
حبي لم يكن بيدي ولم يكن رهن ما أرغب.. الحب في قبضة الأقدار ليس لنا فيها ولاية.. لا نملك إصلاح مسارات أقدارنا المتناقضة.. وعلى قول شاعرنا المتنبي "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن".. كم أنا أسف وكل الأسف إن كنت يوما قد كسرت قلبها.. لقد تعلمت واكتشفت كثيرا أن ثمة خلل موجود في مسارات الحب وكيمياء النفوس، وفي أقدار البشر، وربما ما هو أكثر وأكبر.. لك كل اعتذاري يا أطيب البشر..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
خيبة أخرى..
أحمد سيف حاشد
• أصابتني خيبات متلاحقة بعضها يفوق الاحتمال.. داهمني الفشل الذريع مرات عديدة.. رافقني الخذلان كثيرا.. مررت بانكسارات غير قليلة.. نزلت على رأسي ضربات موجعة.. جيوش من المخاوف ظلت تلاحقني.. مررتُ بلحظات ضعف، وأسئتُ التقدير في أحايين كثيرة.. لازمت حياتي نقاط ضعف اعتدتها، بل وجدتها بعض منّي وجزء من تكويني.. عشتُ هزائمي في الواقع، وتجرعتُ مرارات الحقيقة..
• وفي المقابل أظن أني احتفظتُ داخلي بما هو أهم.. لا أيأس.. أرفض أن أموت وأنا لازلت حيا.. لا أكف عن المحاولة.. أثابر من أجل الوصول.. أنهض واستمر بالسير عقب كل كبوة أو وقوع.. استعيد توازني عقب كل صدمة.. أغالب مخاوفي وأنانيتي.. أتجاوز نقاط ضعفي بتعويضها بنقاط قوة موازية.. في وجه الهزيمة أمارس وجودي رفضا وصمودا ومقاومة، أو على حد تعبير أحد المفكرين: "لستَ مهزومًا ما دُمْتَ تقاوِم"
• أستريح عندما أتعب.. أرمم روحي عقب كل تهالك أو تهشم أو انكسار.. استعيد نفسي دفعة واحدة، أو على مراحل إن أقتضى الحال.. أتعافى.. أعود وافر الروح، وبمعنوية دافقة.. أراجع بشجاعة.. أعيد التقييم والنظر بجُرأة.. أنتقل للبدائل والخيارات الأخرى كلما وجدت ذلك مناسبا، أو ضروريا وممكنا..
• كنت أحدث نفسي: يجب أن أتعافي مما أنا فيه، وأن لا يدركني اليأس.. ألم يقل أحدهم: "لا يأس مع الحياة".. الأمل وحده هو من يبقينا أحياء ولا يجعلنا نستسلم لموت مغلّظ وساحق.. فقدان فتاة أو أكثر ليست آخر العالم.. الفتيات كثار والأرض واسعة.. يجب أن لا أكف عن المحاولة.. يجب أن لا تنطفئ فيني جذوة الأمل وانتاج الحلم.. لزم عليّ السعي والمثابرة.. سأجد أبواب مشرعة، وشرفات مفتوحة، وقلوب تنتظر مجيئي على أحر من الجمر..
• الحياة خلاقة مهما أجهمت.. الأمل يتجدد.. تحويل الفشل إلى نجاح في متناول الإمكان.. تجربة الفشل تضيف لصاحبها معرفة جديدة، بل قال بعضهم: هي أول خطوة في طريق النجاح، وقال آخرون: تمنح الخبرة الواعية على هذه الطريق..
• ربما أيضا يبتسم الحظ في يوم قائض وتمطر السماء.. ربما هناك صدفة تتحين اللقاء، أو بشارة لطالما تم انتظارها.. لازال في الآتي ما هو أجمل.. ألم يقل أحد الشعراء "أجمل الأيام تلك التي لم تأتِ بعد".. هكذا كنت أحدث نفسي وأعيينها في مواجهة انكساراتها وما أصابها من نيل وخذلان..
***
• أريد فتاة فقيرة لا تملك قيمة حذاء.. فتاة كهذه ستكون على استعداد أن تعبر معي وادي الجحيم.. لن تتركني وحدي وسط الطريق.. لن تتخلى عني.. لن تخذلني.. أريد فتاة تلاحقني إن تخلت عنّي الحظوظ وتوحشت في وجهي الأقدار..
• لا أريد فتاة تقلب المجن من أول امتحان.. أريد فتاة أستطيع أن أساعدها.. أعيد صياغتها وأرتقي بها.. نرتقي معا إلى ما هو أسمى وأجمل.. أريد فتاة جميلة.. أليست أحياء الفقراء مسكونة بالجمال.. أليس في الغجر أجمل الفواتن.. أليس الفقراء حباهم الله بجمال آسر وأخاذ.. ألم يقل أحد الشعراء لربه: "انت جميل تحب الجمال"
• وجدتها في "ريف الجبل".. أمعنتُ في قولي: "وجدتها بعد إعياء وبحث".. العجز شل لساني!! "جميلة جدا" جملة أصبحت دونها وصفا وخيالا.. جملة لا تليق بما أشاهده أمامي بأبعاده وآماده وكثافته.. كأنها لؤلؤة جاءتني من قاع المحيط!! "لؤلؤة"؟!! هذا أيضا تشبيه لا يليق بوصفها.. هي هبة السماء.. درة كونية جاءتني من فضاء بعيد وعالم آخر.. من غير العدل أن ينتعل كل هذا الإبهار حذاء مهتري!!
• إشراقات الكون تجتاحني.. ما أراه فاق تصوّري وخيالي.. السماء تمطر فيني فرحة وبهجة.. تتلألأ في عيوني.. تشتعل في وجداني.. إيقاعات صوتها تجرفني إلى دلتا خصيبة.. نهداها أرجوحة سماوية.. حلمي يتمرجح بين المشارق والمغارب.. تناديني مفاتنها إلى أوطاني التي لطالما بحثت عنها في المتاهات البعيدة..
• احتشدت فيني ألف دهشة.. غمرتني بشلالات ضوؤها حتى غبت عن وعيي انبهارا ودهشة.. الألوان تتجاذبي من كل طرف واتجاه.. قوس قزح يكلل وجودنا بتيجان المحبة والفرح.. فيضها بات أكبر من عالمي.. يتمدد في مدى لا ينتهي..
• أحببتها من النظرة الأولى.. من الوهلة الأولى.. أصابتني بكل سهام العذارى.. اصطادتني بكل شباك الفاتنات الحسان.. أوقعتني المجنونة في حب مجنون مختلف.. أوقعتني من نظرة أولى.. من وهلة أولى.. من لحظة أولى.. تملكتني من أول مشهد وأول مشاهدة..
• هنا حط رحالي.. هنا كل المواسم والفصول.. هنا الفرص وكل الفسح.. الأعياد والهدايا.. الصوت والصداء.. الفطرة والنقاء.. الحقول والأغنيات.. هنا ملاذ ومستقر المحب الذي أعياه البحث والترحال والسفر..
• أفرط جمالها وبذخ.. تعدّى الكمال!! جلّت قدرتك يا الله.. كيف لألف معجزة أن تتكثف في واحدة؟!! أسرتني.. تملكتني.. خطفت قلبي من منبته.. قلعتني من الجذور.. صادرتي دون محضر أو استلام.. انتزعتني من وجودي.. ضمتني إلى وجودها دون خيار أو حوار..
• خطبتها من أبيها وأمها.. وقبل ذلك كانت موافقتها.. كان عيد للجميع.. عيد مكلل بالرضى.. مغمورا بالسعادة والفرح
أحمد سيف حاشد
• أصابتني خيبات متلاحقة بعضها يفوق الاحتمال.. داهمني الفشل الذريع مرات عديدة.. رافقني الخذلان كثيرا.. مررت بانكسارات غير قليلة.. نزلت على رأسي ضربات موجعة.. جيوش من المخاوف ظلت تلاحقني.. مررتُ بلحظات ضعف، وأسئتُ التقدير في أحايين كثيرة.. لازمت حياتي نقاط ضعف اعتدتها، بل وجدتها بعض منّي وجزء من تكويني.. عشتُ هزائمي في الواقع، وتجرعتُ مرارات الحقيقة..
• وفي المقابل أظن أني احتفظتُ داخلي بما هو أهم.. لا أيأس.. أرفض أن أموت وأنا لازلت حيا.. لا أكف عن المحاولة.. أثابر من أجل الوصول.. أنهض واستمر بالسير عقب كل كبوة أو وقوع.. استعيد توازني عقب كل صدمة.. أغالب مخاوفي وأنانيتي.. أتجاوز نقاط ضعفي بتعويضها بنقاط قوة موازية.. في وجه الهزيمة أمارس وجودي رفضا وصمودا ومقاومة، أو على حد تعبير أحد المفكرين: "لستَ مهزومًا ما دُمْتَ تقاوِم"
• أستريح عندما أتعب.. أرمم روحي عقب كل تهالك أو تهشم أو انكسار.. استعيد نفسي دفعة واحدة، أو على مراحل إن أقتضى الحال.. أتعافى.. أعود وافر الروح، وبمعنوية دافقة.. أراجع بشجاعة.. أعيد التقييم والنظر بجُرأة.. أنتقل للبدائل والخيارات الأخرى كلما وجدت ذلك مناسبا، أو ضروريا وممكنا..
• كنت أحدث نفسي: يجب أن أتعافي مما أنا فيه، وأن لا يدركني اليأس.. ألم يقل أحدهم: "لا يأس مع الحياة".. الأمل وحده هو من يبقينا أحياء ولا يجعلنا نستسلم لموت مغلّظ وساحق.. فقدان فتاة أو أكثر ليست آخر العالم.. الفتيات كثار والأرض واسعة.. يجب أن لا أكف عن المحاولة.. يجب أن لا تنطفئ فيني جذوة الأمل وانتاج الحلم.. لزم عليّ السعي والمثابرة.. سأجد أبواب مشرعة، وشرفات مفتوحة، وقلوب تنتظر مجيئي على أحر من الجمر..
• الحياة خلاقة مهما أجهمت.. الأمل يتجدد.. تحويل الفشل إلى نجاح في متناول الإمكان.. تجربة الفشل تضيف لصاحبها معرفة جديدة، بل قال بعضهم: هي أول خطوة في طريق النجاح، وقال آخرون: تمنح الخبرة الواعية على هذه الطريق..
• ربما أيضا يبتسم الحظ في يوم قائض وتمطر السماء.. ربما هناك صدفة تتحين اللقاء، أو بشارة لطالما تم انتظارها.. لازال في الآتي ما هو أجمل.. ألم يقل أحد الشعراء "أجمل الأيام تلك التي لم تأتِ بعد".. هكذا كنت أحدث نفسي وأعيينها في مواجهة انكساراتها وما أصابها من نيل وخذلان..
***
• أريد فتاة فقيرة لا تملك قيمة حذاء.. فتاة كهذه ستكون على استعداد أن تعبر معي وادي الجحيم.. لن تتركني وحدي وسط الطريق.. لن تتخلى عني.. لن تخذلني.. أريد فتاة تلاحقني إن تخلت عنّي الحظوظ وتوحشت في وجهي الأقدار..
• لا أريد فتاة تقلب المجن من أول امتحان.. أريد فتاة أستطيع أن أساعدها.. أعيد صياغتها وأرتقي بها.. نرتقي معا إلى ما هو أسمى وأجمل.. أريد فتاة جميلة.. أليست أحياء الفقراء مسكونة بالجمال.. أليس في الغجر أجمل الفواتن.. أليس الفقراء حباهم الله بجمال آسر وأخاذ.. ألم يقل أحد الشعراء لربه: "انت جميل تحب الجمال"
• وجدتها في "ريف الجبل".. أمعنتُ في قولي: "وجدتها بعد إعياء وبحث".. العجز شل لساني!! "جميلة جدا" جملة أصبحت دونها وصفا وخيالا.. جملة لا تليق بما أشاهده أمامي بأبعاده وآماده وكثافته.. كأنها لؤلؤة جاءتني من قاع المحيط!! "لؤلؤة"؟!! هذا أيضا تشبيه لا يليق بوصفها.. هي هبة السماء.. درة كونية جاءتني من فضاء بعيد وعالم آخر.. من غير العدل أن ينتعل كل هذا الإبهار حذاء مهتري!!
• إشراقات الكون تجتاحني.. ما أراه فاق تصوّري وخيالي.. السماء تمطر فيني فرحة وبهجة.. تتلألأ في عيوني.. تشتعل في وجداني.. إيقاعات صوتها تجرفني إلى دلتا خصيبة.. نهداها أرجوحة سماوية.. حلمي يتمرجح بين المشارق والمغارب.. تناديني مفاتنها إلى أوطاني التي لطالما بحثت عنها في المتاهات البعيدة..
• احتشدت فيني ألف دهشة.. غمرتني بشلالات ضوؤها حتى غبت عن وعيي انبهارا ودهشة.. الألوان تتجاذبي من كل طرف واتجاه.. قوس قزح يكلل وجودنا بتيجان المحبة والفرح.. فيضها بات أكبر من عالمي.. يتمدد في مدى لا ينتهي..
• أحببتها من النظرة الأولى.. من الوهلة الأولى.. أصابتني بكل سهام العذارى.. اصطادتني بكل شباك الفاتنات الحسان.. أوقعتني المجنونة في حب مجنون مختلف.. أوقعتني من نظرة أولى.. من وهلة أولى.. من لحظة أولى.. تملكتني من أول مشهد وأول مشاهدة..
• هنا حط رحالي.. هنا كل المواسم والفصول.. هنا الفرص وكل الفسح.. الأعياد والهدايا.. الصوت والصداء.. الفطرة والنقاء.. الحقول والأغنيات.. هنا ملاذ ومستقر المحب الذي أعياه البحث والترحال والسفر..
• أفرط جمالها وبذخ.. تعدّى الكمال!! جلّت قدرتك يا الله.. كيف لألف معجزة أن تتكثف في واحدة؟!! أسرتني.. تملكتني.. خطفت قلبي من منبته.. قلعتني من الجذور.. صادرتي دون محضر أو استلام.. انتزعتني من وجودي.. ضمتني إلى وجودها دون خيار أو حوار..
• خطبتها من أبيها وأمها.. وقبل ذلك كانت موافقتها.. كان عيد للجميع.. عيد مكلل بالرضى.. مغمورا بالسعادة والفرح
.. غير إن الحال لم يدم.. بعد أيام أو أسابيع قليلة أنقلب الحال إلى محال.. صدمني خبر بالغ السوء.. قطعوا أملي بصاعقة.. متطرفو حماة العقيدة وحراس معبدها أطاحوا بفرحي.. أجهزوا عليه.. ضغطوا على الأسرة البسيطة التي عادت وسحبت موافقتها.. منعوا ومانعوا وحالوا.. غم عليّ.. أكلحت السماء واسودت الدنيا في عيوني.. هبط الليل وأدلج في عز النهار.. وكان العذر أقبح من ذنب دميم.. قالوا أنني "شوعي وملحد"..
• عدت أدراجي منطويا على نفسي.. كسيرا ومتعبا ومثقلا بخيبة كبيرة لا تقوى على جرّها خيولي المنهكة.. عدت مكسور الظهر والخاطر والفؤاد.. أغالب الكآبة والألم والكمد.. عدت ألملم حطامي.. أشلائي المبعثرة.. روحي الممزقة.. حلمي المبدد بعاصفة.. أضافوا إلى معاناتي خيبة جديدة تشبه الجحيم.. قتلوني المتطرفون من كهنة الدين وحراس المعبد وحماة العقيدة..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
• عدت أدراجي منطويا على نفسي.. كسيرا ومتعبا ومثقلا بخيبة كبيرة لا تقوى على جرّها خيولي المنهكة.. عدت مكسور الظهر والخاطر والفؤاد.. أغالب الكآبة والألم والكمد.. عدت ألملم حطامي.. أشلائي المبعثرة.. روحي الممزقة.. حلمي المبدد بعاصفة.. أضافوا إلى معاناتي خيبة جديدة تشبه الجحيم.. قتلوني المتطرفون من كهنة الدين وحراس المعبد وحماة العقيدة..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع
بعض من تفاصيل حياتي
زواج خمس دقائق
احمد سيف حاشد
• يمضي الزمان إلى الأمام في وجهته ولا يعود.. لا يكتمل مساره ولا ينتهي.. يغادر ماضيه إلى الآتي على نحو مستمر دون توقف أو عودة أو انتظار.. أما أنا فلم أكن أبالي بما يمر من سنين عمري حتى خلتُ أن بمقدوري الاستيلاء على مقوده، والتحكم بفرامله، وتغيير وجهته؛ فاكتشفت أن أيامي تمضي بعجل دون مهل، وعمري ينفذ بسرعة، وما أنقضى منه لا يبقى ولا يعود..
• بدأت خيبتي على صفحة مشاعري كحبر يفيش عليها ويتسع.. بدأ خجلي يعرِّيني ويكشف قلة حيلتي.. بدأ هلعي يزداد، ويزيد في إيقاظ محاذيري المنسية، ويثير مخاوفي التي لطالما سخرت منها، ودفنتها في أعماقي البعيدة، فيما مضى من سنين عمري المهدرات..
• مرت السنون كما تمر السحاب.. سحاب صيف لا غيث فيها و لا رشة مطر.. أحسست أنني أدنو من "عنوسة" الرجال، وأنا أدخل عمر الثمان والعشرين عام، وما يمر من العمر لا يعود ثانية.. أحسست أن الانتظار الطويل وخجلي المسيطر سيسرقان سنين عمري الباقيات..
• كانت تذهب منّي جميلة، فأرفض أن تأتي دونها، وأذهب للبحث عمن هي أجمل منها، لا أدري إن كنت ما أعانيه مرضا أم سوية؟! تحدٍ أم اختلال؟! طبيعي ومعتاد أم اضطراب نفسي وسلوكي.. أم هو كل هذا؟!! ذهب الجمال إلى البعيد، وهبط الندم كقدر، وعشت جحيمي لوحدي..
• لم تقتصر شروطي على الجمال، بل تشددت أيضا في غيره حتى صارت المواصفات التي أبحث عنها في فتاة أحلامي بمقاس المستحيل، والتي لن أجدها حتى في بنات الحور، ولا في مخيال البداوة الندي.. فالأقدار الوفيرة لا تأتي إلا بين ندرة ومحال.. كما لا تجي زمرا، ولا تتكرر إلا بصدفة تشبه العصي من المستحيل.. وحتى إن وجدتها في معجزة للقدر، فمن يضمن أنها ترضى بأقداري البائسة..
• في لحظة اضطراب غير سوية تمنيت أن يكون هناك معرضا عالميا لطالبي الزواج، وفي جانب كل طلب "كاتلوجا" مرفقا به، يتضمن كل صفة ورغبة وتفصيل؛ غير أن صوتي صرخ من داخلي! وسخر مني صداه! : “ما هكذا يا سعد تورد الإبل”!!
- فقلت: أنا لا أقصد تسليع المرأة، وإنما أقصد إننا نحتاج إلى تحرير الوعي وتحرير أنفسنا من العُقد والموروثات التي تمنعنا من أن نتصالح مع أنفسنا، ونحسن اختيار من نحب في ظروف سوية.. ما أحوجنا إلى نقد وتفكيك وتعرية ثقافة العيب التي تثقل كواهلنا، وتجعلنا ننافق ونخاتل، ونرتدي ثياب الزيف، ونخفي دمامة وبشاعة الوجوه بالأقنعة المزيفة..
• أحسست أن عمري يمضي بإيقاع سريع، وما كنت أبحث عنه بدا لي خليط من المستحيل، مثقل بخجلي الكبير، وعُقدي المعلنة، وغير المعلنة المحبوسة في دهاليز أعماقي البعيدة، وتناقضاتي التي تحتدم داخلي، وضميري المقاوم لزيفي وعقدي التي أخفي وأداري بعضها في الزوايا البعيدة المظلمة التي لا تصل إليها شمس ولا ريح.. فضلا عن معاناتي من مجتمع مثقل كاهله بتخلفه، ومشروط بواقعه الثقيل..
• حدثت نفسي: يجب أن أهزم خجلي أولا.. هذا هو بداية الطريق.. لم أعد احتمل مرور الوقت عبثا وسدى دون طائل .. يجب أن أجد فتاة أحلامي بأسرع ما يمكن قبل أن يفوت قطار العمر الذي لا يعود.. كنت أعيش كثير من الضغوط فضلا عن شعور اللحظة التي أعيشها، ومدى احساسي بالأمل أو التحدّي أو التعاسة والضجر..
• وأنا أغادر منزل صديقي نصر في التواهي، خرجت حسناء من البيت التي في جوارهم، عائدة إلى بيتها القريب.. كانت فتاة جميلة ومشرقة ونابضة بالنور.. أسرعت في خطاي لأدرك السير في محاذاتها، ثم ملت إليها قليلا فيما كانت عيوني ونظراتي لازالت مصوبة نحو الطريق وقلت لها:
- هل تتزوجيني..؟؟
قلتها دون مقدمات وأنا أريد أن أسحق خجلي، وأختصر طريق الألف ميل بخطوة واحدة، وأقطع بها دابر العنوسة التي توقعت إن طالت ستتحول إلى عقد إضافية ورهاب لا يزول..
ألتفتت الفتاة إليّ بدهشة مُربَكة، و لم ترد على طلبي ببنت شفة، بل ركضت مهرولة ومسرعة إلى بيتها الذي كان بمحاذاة الطريق في مكان غير بعيد..
فتحت شرفتها، وأطلّت منها تحدج فيني بدهشة ولهاث وأنفاس متقطعة.. يبدو أنها لم تستوعب بعد ما حدث لغرابته.. صحيح إنها غرابة تثير فضول الحجار، ولكني كنت في الحقيقة، جادا وصادقا ومستعجلا حتى النفس الأخير..
• وفي "التواهي" أيضا وفيما كنت ذاهبا إلى منتزه نشوان أيام شهرته، شاهدت فتاة في وجهها مملكة من الحسن والجمال تستحق أن أسحق من أجلها خجلي الكبير.. راقت لي وعزمتُ على البوح لها بما أريد بسرعة واختصار لا يخلو من كثافة وعجل، أتمه بطلب الزواج منها..
لحقتُ بها، بعد أن عقدتُ العزم على الحديث معها خمس دقائق، ويكون مسك الختام طلب الزواج منها.. وعندما استوقفتها بجملة “لو سمحتي.. لو سمحتي” ركبني الإرباك، وخانتني اللسان والشجاعة، وبدلا من أن أقول لها: “ممكن أتكلم معك خمس دقائق” قلت لها: “ممكن أتزوجك خمس دقائق”.. وهي بدلا من أن تشيح بوجهها عني و تمضي إلى سبيلها؛ استدارت نحوي، تتفرس في وجهي الذي كان مكسو خجلا ونكسة، ثم قالت: “أني لا أتكلم مع مجانين” ومضت في طريقها، وتركتني خلفها أجر خيبتي كمذَنّ
احمد سيف حاشد
• يمضي الزمان إلى الأمام في وجهته ولا يعود.. لا يكتمل مساره ولا ينتهي.. يغادر ماضيه إلى الآتي على نحو مستمر دون توقف أو عودة أو انتظار.. أما أنا فلم أكن أبالي بما يمر من سنين عمري حتى خلتُ أن بمقدوري الاستيلاء على مقوده، والتحكم بفرامله، وتغيير وجهته؛ فاكتشفت أن أيامي تمضي بعجل دون مهل، وعمري ينفذ بسرعة، وما أنقضى منه لا يبقى ولا يعود..
• بدأت خيبتي على صفحة مشاعري كحبر يفيش عليها ويتسع.. بدأ خجلي يعرِّيني ويكشف قلة حيلتي.. بدأ هلعي يزداد، ويزيد في إيقاظ محاذيري المنسية، ويثير مخاوفي التي لطالما سخرت منها، ودفنتها في أعماقي البعيدة، فيما مضى من سنين عمري المهدرات..
• مرت السنون كما تمر السحاب.. سحاب صيف لا غيث فيها و لا رشة مطر.. أحسست أنني أدنو من "عنوسة" الرجال، وأنا أدخل عمر الثمان والعشرين عام، وما يمر من العمر لا يعود ثانية.. أحسست أن الانتظار الطويل وخجلي المسيطر سيسرقان سنين عمري الباقيات..
• كانت تذهب منّي جميلة، فأرفض أن تأتي دونها، وأذهب للبحث عمن هي أجمل منها، لا أدري إن كنت ما أعانيه مرضا أم سوية؟! تحدٍ أم اختلال؟! طبيعي ومعتاد أم اضطراب نفسي وسلوكي.. أم هو كل هذا؟!! ذهب الجمال إلى البعيد، وهبط الندم كقدر، وعشت جحيمي لوحدي..
• لم تقتصر شروطي على الجمال، بل تشددت أيضا في غيره حتى صارت المواصفات التي أبحث عنها في فتاة أحلامي بمقاس المستحيل، والتي لن أجدها حتى في بنات الحور، ولا في مخيال البداوة الندي.. فالأقدار الوفيرة لا تأتي إلا بين ندرة ومحال.. كما لا تجي زمرا، ولا تتكرر إلا بصدفة تشبه العصي من المستحيل.. وحتى إن وجدتها في معجزة للقدر، فمن يضمن أنها ترضى بأقداري البائسة..
• في لحظة اضطراب غير سوية تمنيت أن يكون هناك معرضا عالميا لطالبي الزواج، وفي جانب كل طلب "كاتلوجا" مرفقا به، يتضمن كل صفة ورغبة وتفصيل؛ غير أن صوتي صرخ من داخلي! وسخر مني صداه! : “ما هكذا يا سعد تورد الإبل”!!
- فقلت: أنا لا أقصد تسليع المرأة، وإنما أقصد إننا نحتاج إلى تحرير الوعي وتحرير أنفسنا من العُقد والموروثات التي تمنعنا من أن نتصالح مع أنفسنا، ونحسن اختيار من نحب في ظروف سوية.. ما أحوجنا إلى نقد وتفكيك وتعرية ثقافة العيب التي تثقل كواهلنا، وتجعلنا ننافق ونخاتل، ونرتدي ثياب الزيف، ونخفي دمامة وبشاعة الوجوه بالأقنعة المزيفة..
• أحسست أن عمري يمضي بإيقاع سريع، وما كنت أبحث عنه بدا لي خليط من المستحيل، مثقل بخجلي الكبير، وعُقدي المعلنة، وغير المعلنة المحبوسة في دهاليز أعماقي البعيدة، وتناقضاتي التي تحتدم داخلي، وضميري المقاوم لزيفي وعقدي التي أخفي وأداري بعضها في الزوايا البعيدة المظلمة التي لا تصل إليها شمس ولا ريح.. فضلا عن معاناتي من مجتمع مثقل كاهله بتخلفه، ومشروط بواقعه الثقيل..
• حدثت نفسي: يجب أن أهزم خجلي أولا.. هذا هو بداية الطريق.. لم أعد احتمل مرور الوقت عبثا وسدى دون طائل .. يجب أن أجد فتاة أحلامي بأسرع ما يمكن قبل أن يفوت قطار العمر الذي لا يعود.. كنت أعيش كثير من الضغوط فضلا عن شعور اللحظة التي أعيشها، ومدى احساسي بالأمل أو التحدّي أو التعاسة والضجر..
• وأنا أغادر منزل صديقي نصر في التواهي، خرجت حسناء من البيت التي في جوارهم، عائدة إلى بيتها القريب.. كانت فتاة جميلة ومشرقة ونابضة بالنور.. أسرعت في خطاي لأدرك السير في محاذاتها، ثم ملت إليها قليلا فيما كانت عيوني ونظراتي لازالت مصوبة نحو الطريق وقلت لها:
- هل تتزوجيني..؟؟
قلتها دون مقدمات وأنا أريد أن أسحق خجلي، وأختصر طريق الألف ميل بخطوة واحدة، وأقطع بها دابر العنوسة التي توقعت إن طالت ستتحول إلى عقد إضافية ورهاب لا يزول..
ألتفتت الفتاة إليّ بدهشة مُربَكة، و لم ترد على طلبي ببنت شفة، بل ركضت مهرولة ومسرعة إلى بيتها الذي كان بمحاذاة الطريق في مكان غير بعيد..
فتحت شرفتها، وأطلّت منها تحدج فيني بدهشة ولهاث وأنفاس متقطعة.. يبدو أنها لم تستوعب بعد ما حدث لغرابته.. صحيح إنها غرابة تثير فضول الحجار، ولكني كنت في الحقيقة، جادا وصادقا ومستعجلا حتى النفس الأخير..
• وفي "التواهي" أيضا وفيما كنت ذاهبا إلى منتزه نشوان أيام شهرته، شاهدت فتاة في وجهها مملكة من الحسن والجمال تستحق أن أسحق من أجلها خجلي الكبير.. راقت لي وعزمتُ على البوح لها بما أريد بسرعة واختصار لا يخلو من كثافة وعجل، أتمه بطلب الزواج منها..
لحقتُ بها، بعد أن عقدتُ العزم على الحديث معها خمس دقائق، ويكون مسك الختام طلب الزواج منها.. وعندما استوقفتها بجملة “لو سمحتي.. لو سمحتي” ركبني الإرباك، وخانتني اللسان والشجاعة، وبدلا من أن أقول لها: “ممكن أتكلم معك خمس دقائق” قلت لها: “ممكن أتزوجك خمس دقائق”.. وهي بدلا من أن تشيح بوجهها عني و تمضي إلى سبيلها؛ استدارت نحوي، تتفرس في وجهي الذي كان مكسو خجلا ونكسة، ثم قالت: “أني لا أتكلم مع مجانين” ومضت في طريقها، وتركتني خلفها أجر خيبتي كمذَنّ
بٍ منتحر ..
شعرت بإحباط شديد، ولعنتُ خيانة لساني وشجاعتي وحظي العاثر أيضا.. ومع ذلك أدرجته في إطار "الفشل بشكل أفضل" الذي تحدث عنه "صوميل بيكيت".. تجاربي السابقة كانت تهدر سنوات من حياتي، ثم يأتي عقبها الفشل والحصاد المر.. أما هذا الفشل فإنه يتفهم قيمة الوقت ولا يهدره..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
شعرت بإحباط شديد، ولعنتُ خيانة لساني وشجاعتي وحظي العاثر أيضا.. ومع ذلك أدرجته في إطار "الفشل بشكل أفضل" الذي تحدث عنه "صوميل بيكيت".. تجاربي السابقة كانت تهدر سنوات من حياتي، ثم يأتي عقبها الفشل والحصاد المر.. أما هذا الفشل فإنه يتفهم قيمة الوقت ولا يهدره..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
بعد شهر من الحظر الظالم أعود وأقول لكم:
الفيسبوك وسيلة تواصل اجتماعي غير مأمونة..
يجب أن تحفظوا ما تكتبونه في الفيس في مكان غيره حتى لا ينتهي ما تكتبوه بسنين طوال خلال لحظة شيطانية..
واعلموا أن الحسابات في الفيس مهددة بالإغلاق والمصادرة..
أقول هذا بعد أن تم إغلاق حسابي السابق ولي فيه أكثر من 58 ألف متابع مضى عليه أكثر من ست سنوات على الأرجح
وصفحة يمنات التي كان لديها أكثر من مليونين متابع ومليونين معجب عمرها اثناء عشر عام وفجأة وكأنها لم تكن.. تم اغلاقها للأبد..
الذباب الإلكتروني التابعة للسلطات أو الجهات والسلطات المموله للجيوش الإلكترونية هي من تتحكم بمن يبقى ومن يجب أن يرحل عنه.. من خلال البلاغات
كما أن هناك جهات أمنية للسلطات تستطيع اختراق وحذف الاصدقاء وتقليل عدد مشاهديه بوسائل شتّى.. وهذا ما علمته من إحدى المصادر الرفيعة..
تعلمت بكلفة وخسارة أظنها فادحة على شخص مثلي.. فتعلموا أنتم بكلفة أقل واستفيدوا مما مررت به..
لقد لجأت لتوثيق ما أنشر بوسائل التواصل الاجتماعي الأخرى وهي أفضل وفي الأسوأ هي أقل ضررا..
1- التويتر
2- الوتس
3- التلجرام
وكل عام وأنتم بألف خير
الفيسبوك وسيلة تواصل اجتماعي غير مأمونة..
يجب أن تحفظوا ما تكتبونه في الفيس في مكان غيره حتى لا ينتهي ما تكتبوه بسنين طوال خلال لحظة شيطانية..
واعلموا أن الحسابات في الفيس مهددة بالإغلاق والمصادرة..
أقول هذا بعد أن تم إغلاق حسابي السابق ولي فيه أكثر من 58 ألف متابع مضى عليه أكثر من ست سنوات على الأرجح
وصفحة يمنات التي كان لديها أكثر من مليونين متابع ومليونين معجب عمرها اثناء عشر عام وفجأة وكأنها لم تكن.. تم اغلاقها للأبد..
الذباب الإلكتروني التابعة للسلطات أو الجهات والسلطات المموله للجيوش الإلكترونية هي من تتحكم بمن يبقى ومن يجب أن يرحل عنه.. من خلال البلاغات
كما أن هناك جهات أمنية للسلطات تستطيع اختراق وحذف الاصدقاء وتقليل عدد مشاهديه بوسائل شتّى.. وهذا ما علمته من إحدى المصادر الرفيعة..
تعلمت بكلفة وخسارة أظنها فادحة على شخص مثلي.. فتعلموا أنتم بكلفة أقل واستفيدوا مما مررت به..
لقد لجأت لتوثيق ما أنشر بوسائل التواصل الاجتماعي الأخرى وهي أفضل وفي الأسوأ هي أقل ضررا..
1- التويتر
2- الوتس
3- التلجرام
وكل عام وأنتم بألف خير
(1)
البداية.. قات ونوم
لم أدخل عالم القات إلا في فترة متأخرة نسبيا من حياتي.. التجربة الأولى كانت بدافع مقاومة النعاس، ومغالبة الإرهاق، واستحضار التركيز، ولكنني لم أتعايش معه إلا بعد فترة طويلة من الصراع بين الرغبة والرفض، وفي الأخير أنتصر القات إلى حد أوصلني إلى توسد الحذاء عند النوم، حالما أنقطع أو أحاول الانقطاع عنه..
وبين البداية وما صار إليه الحال كثير من التفاصيل والقصص التي سآتي على ذكرها، غير أن الأهم، وما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن زراعة واعتلاف القات في اليمن باتا ظاهرة بحجم كارثة اجتماعية ليس فقط بحق أسرنا ومجتمعنا، ولكن بحق حاضر ومستقبل شعبنا..
المرة الأولى التي تعاطيتُ فيها القات كانت في إحدى سنوات دراستي الجامعية.. كنت أعاني سهر امتحاني مرهق من اليوم الذي قبله.. شعرت أنني لا أقوى على نهار مرهق وسهر ليلة أخرى.. أثقلني سهر على سهر وإرهاق على إرهاق.. إنها المرة الأولى التي حاولت أستعين بالقات في مواجهة النوم والشرود المتكرر أثناء مذاكرتي في امتحان نهاية العام..
زملائي الذين أعتدت المذاكرة معهم أو مع أحد منهم، تمردوا عليّ، ربما لأنانيتي المفرطة في طريقة المذاكرة، التي استبدُ بها عليهم، وأستحوذ فيها على مجريات القراءة والنقاش.. تركوني في فترة الامتحان، وتخلوا عن الاجتماع والمُذاكرة معي في فترة مهمة وفارقة مع جميعنا، ربما لأنهم لا يقوون فيها على تحمل تبعات مجاملتي في فترة كتلك، وموسم أوشك موعده على الحصاد.. لا وقت لإهدار قليلا من الوقت أو التراخي حياله.. وتبدو هنا وجاهة المثل: "الوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك".
طبعي كان قد ولع في القراءة المسموعة، وربما الصاخبة في بعض الأحيان.. استيعابي من خلال القراءة الصامتة كان ضئيلا ومحدودا.. وعندما يتمرد زملائي أو يملّوا المراجعة أو المذاكرة معي، أشعر أن المذاكرة الصموتة بالنسبة لي غربة مكتملة الأركان تستغرقني، واستيعابي لم يعد يعينني على التفوق..
خالتي الطيبة "سعيدة"، العجوزة الستينية على الأرجح، والتي كنت أتكي عليها، وألوذ إليها لتستمع لي وأنا أقرأ بصوت مسموع، قد صارت تملّني هي الأخرى، وتكسر لدي همة القراءة قبل أن أشرع فيها بعد سنوات من مجاملتي والاستماع لي في أحايين غير قليلة.. لكل كيل مقدار، ويبدو أن ما كان لدي من حيل وأساليب لجعلها تستمع أكثر قد نفذت، وطفح الكيل..
كنت ما أن أبدأ في القراءة تدخل خالتي في النعاس، بل وتجلب لي معها كثيرا منه، وإذا تماسكت لدقائق في مواجهة نعاسها، فإن تماسكها لا يطول مع النعاس، فتصبني الخيبة ويتملكني النعاس مثلها.. لا وقت لتضييعه في مرحلة الامتحانات.. أحاول أكرهها بلطف على الاستماع.. ولكن حتى مفعول الشاهي والجوز الذي كانت تفضّله لم يعد كافيا لحشد يقظتها، ومقاومتها لنعاسها الغزير، ومللها الذي تراكم.. أنا الآن على يوم الخميس، فيما السبت على موعد مع الامتحان.. وقد قالوا: "يوم الامتحان يكرّم المرء أو يهان" وقال الشاعر:
"بقدر الكد تُكتسب المعالي*** ومن طلب العلا سهر الليالي"
حاولت أعتمد على نفسي هذه المرة لأقرأ وحدي وبمفردي.. كنتُ كلما حاولت أن أقرأ يمر النعاس على عيوني لذيذا وناعما، مترعا بالمتعة، ومعبرا عن مدى شغفي وحاجتي له، ثم تمطرني اللحظة بالنوم الغزير والعميق جدا..
أحاول التركيز فأشرد إلى مكان بعيد، ولا أعود منه إلا نائم بعمق، أو مجفلا بحمل من النوم الثقيل.. أصحوا من عمق النوم، وأفزع وجودي بتذكير نفسي بامتحان يوم السبت، ولكن لا تستمر يقظتي لبعض دقائق، حتى يداهمني النعاس والنوم العميق كرّة أخرى..
انتفضت من عمق نومي متمردا على حاجتي له، هرعت بانفعال وعجل ـ كمن يحمل ثارا على نعاسه ـ ولكن إلى أين؟! إلى سوق القات في المعلا.. وكان يوم الخميس والجمعة تعاطي القات فيهما مسموحا على غير بقية الأيام..
اشتريت قاتي من أول بايع في السوق دون مُراجله، ودون أن تكون لدي أي معرفة أو أبجديات خبرة بالقات و أنواعه أو حتى أسماءه، فضلا عن جهلي بكل تفاصيله غير مقاومته للنعاس والعون على السهر.. أردت التعويض به عن فراغ الزملاء والاستعانة به على اليقظة، وشد الحيل ومقاومة الإرهاق، والقدرة على الصمود في مواجهة جحافل النوم وجيوشه..
عدت إلى البيت.. اتكأت على مسند، لا أذكر هل كان مضغوطا أو محشوا بنشارة الخشب!! على الأرجح كان محشوا بنشارة الخشب.. طلبت من خالتي تجهيز الشاي بالجوز والزر والنعناع.. بدأت بالتخزين، واحتسي معه الشاي المترع بكل منعش.. شعرت لبرهة بالسلطنة والفخامة، فتحت موضوع الدرس لأقرأ وأستذكر..
وجدت نفسي أكثر شرودا وشتاتا في التفكير من قبل.. لاحقني شرودي بزحام الوسوسة.. لعنت الوسوسة ونعتّها بـ ”بنت الكلب”.. صرت أقرأ دون أن أفقه شيئا، وكنت في كل دقيقة أحاول أن استجمع قواي العقلية، أو أستعيد بعض عقلي الشارد من مكان بعيد، أو ألملم ذهني المشتت من بُعد قصي، فأفشل فشلا ذريعا، وتصيبني الخيبة والفشل، ويتسرب إلى نفسي بعض الاكتئاب والأسف على إهدار الوقت دون فا
البداية.. قات ونوم
لم أدخل عالم القات إلا في فترة متأخرة نسبيا من حياتي.. التجربة الأولى كانت بدافع مقاومة النعاس، ومغالبة الإرهاق، واستحضار التركيز، ولكنني لم أتعايش معه إلا بعد فترة طويلة من الصراع بين الرغبة والرفض، وفي الأخير أنتصر القات إلى حد أوصلني إلى توسد الحذاء عند النوم، حالما أنقطع أو أحاول الانقطاع عنه..
وبين البداية وما صار إليه الحال كثير من التفاصيل والقصص التي سآتي على ذكرها، غير أن الأهم، وما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن زراعة واعتلاف القات في اليمن باتا ظاهرة بحجم كارثة اجتماعية ليس فقط بحق أسرنا ومجتمعنا، ولكن بحق حاضر ومستقبل شعبنا..
المرة الأولى التي تعاطيتُ فيها القات كانت في إحدى سنوات دراستي الجامعية.. كنت أعاني سهر امتحاني مرهق من اليوم الذي قبله.. شعرت أنني لا أقوى على نهار مرهق وسهر ليلة أخرى.. أثقلني سهر على سهر وإرهاق على إرهاق.. إنها المرة الأولى التي حاولت أستعين بالقات في مواجهة النوم والشرود المتكرر أثناء مذاكرتي في امتحان نهاية العام..
زملائي الذين أعتدت المذاكرة معهم أو مع أحد منهم، تمردوا عليّ، ربما لأنانيتي المفرطة في طريقة المذاكرة، التي استبدُ بها عليهم، وأستحوذ فيها على مجريات القراءة والنقاش.. تركوني في فترة الامتحان، وتخلوا عن الاجتماع والمُذاكرة معي في فترة مهمة وفارقة مع جميعنا، ربما لأنهم لا يقوون فيها على تحمل تبعات مجاملتي في فترة كتلك، وموسم أوشك موعده على الحصاد.. لا وقت لإهدار قليلا من الوقت أو التراخي حياله.. وتبدو هنا وجاهة المثل: "الوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك".
طبعي كان قد ولع في القراءة المسموعة، وربما الصاخبة في بعض الأحيان.. استيعابي من خلال القراءة الصامتة كان ضئيلا ومحدودا.. وعندما يتمرد زملائي أو يملّوا المراجعة أو المذاكرة معي، أشعر أن المذاكرة الصموتة بالنسبة لي غربة مكتملة الأركان تستغرقني، واستيعابي لم يعد يعينني على التفوق..
خالتي الطيبة "سعيدة"، العجوزة الستينية على الأرجح، والتي كنت أتكي عليها، وألوذ إليها لتستمع لي وأنا أقرأ بصوت مسموع، قد صارت تملّني هي الأخرى، وتكسر لدي همة القراءة قبل أن أشرع فيها بعد سنوات من مجاملتي والاستماع لي في أحايين غير قليلة.. لكل كيل مقدار، ويبدو أن ما كان لدي من حيل وأساليب لجعلها تستمع أكثر قد نفذت، وطفح الكيل..
كنت ما أن أبدأ في القراءة تدخل خالتي في النعاس، بل وتجلب لي معها كثيرا منه، وإذا تماسكت لدقائق في مواجهة نعاسها، فإن تماسكها لا يطول مع النعاس، فتصبني الخيبة ويتملكني النعاس مثلها.. لا وقت لتضييعه في مرحلة الامتحانات.. أحاول أكرهها بلطف على الاستماع.. ولكن حتى مفعول الشاهي والجوز الذي كانت تفضّله لم يعد كافيا لحشد يقظتها، ومقاومتها لنعاسها الغزير، ومللها الذي تراكم.. أنا الآن على يوم الخميس، فيما السبت على موعد مع الامتحان.. وقد قالوا: "يوم الامتحان يكرّم المرء أو يهان" وقال الشاعر:
"بقدر الكد تُكتسب المعالي*** ومن طلب العلا سهر الليالي"
حاولت أعتمد على نفسي هذه المرة لأقرأ وحدي وبمفردي.. كنتُ كلما حاولت أن أقرأ يمر النعاس على عيوني لذيذا وناعما، مترعا بالمتعة، ومعبرا عن مدى شغفي وحاجتي له، ثم تمطرني اللحظة بالنوم الغزير والعميق جدا..
أحاول التركيز فأشرد إلى مكان بعيد، ولا أعود منه إلا نائم بعمق، أو مجفلا بحمل من النوم الثقيل.. أصحوا من عمق النوم، وأفزع وجودي بتذكير نفسي بامتحان يوم السبت، ولكن لا تستمر يقظتي لبعض دقائق، حتى يداهمني النعاس والنوم العميق كرّة أخرى..
انتفضت من عمق نومي متمردا على حاجتي له، هرعت بانفعال وعجل ـ كمن يحمل ثارا على نعاسه ـ ولكن إلى أين؟! إلى سوق القات في المعلا.. وكان يوم الخميس والجمعة تعاطي القات فيهما مسموحا على غير بقية الأيام..
اشتريت قاتي من أول بايع في السوق دون مُراجله، ودون أن تكون لدي أي معرفة أو أبجديات خبرة بالقات و أنواعه أو حتى أسماءه، فضلا عن جهلي بكل تفاصيله غير مقاومته للنعاس والعون على السهر.. أردت التعويض به عن فراغ الزملاء والاستعانة به على اليقظة، وشد الحيل ومقاومة الإرهاق، والقدرة على الصمود في مواجهة جحافل النوم وجيوشه..
عدت إلى البيت.. اتكأت على مسند، لا أذكر هل كان مضغوطا أو محشوا بنشارة الخشب!! على الأرجح كان محشوا بنشارة الخشب.. طلبت من خالتي تجهيز الشاي بالجوز والزر والنعناع.. بدأت بالتخزين، واحتسي معه الشاي المترع بكل منعش.. شعرت لبرهة بالسلطنة والفخامة، فتحت موضوع الدرس لأقرأ وأستذكر..
وجدت نفسي أكثر شرودا وشتاتا في التفكير من قبل.. لاحقني شرودي بزحام الوسوسة.. لعنت الوسوسة ونعتّها بـ ”بنت الكلب”.. صرت أقرأ دون أن أفقه شيئا، وكنت في كل دقيقة أحاول أن استجمع قواي العقلية، أو أستعيد بعض عقلي الشارد من مكان بعيد، أو ألملم ذهني المشتت من بُعد قصي، فأفشل فشلا ذريعا، وتصيبني الخيبة والفشل، ويتسرب إلى نفسي بعض الاكتئاب والأسف على إهدار الوقت دون فا
ئدة.. لم يعد سيف الوقت هو من يقطعني، بل غدا السيف منشار يعذبني..
ظننت أن القراءة تحتاج مني في مقيلي هذا وقت أطول من الانتظار ليكون التركيز والاستيعاب على نحو أفضل.. تعاطيتُ المزيد من القات؛ وغالبتُ مرارته المقذعة، من خلال احتسائي مزيدا من الشاي، ولكن الشاي كان يعاجل القات لاصطحابه إلى معدتي..
حاولت أن أحشي بجمتي بمزيد من القات وأوراقه العريضة التي يفترض أن أرميها باعتبارها توالف.. وكلما حشيت فمي بالقات ومضغته، لا يستقر في بجمتي، بل يذهب سريعا إلى بلعومي ومعدتي.. شعرت أنني صرت أشبه بحيوان يعتلف.. وبعد أن خسفت بثلثي القات إلى بطني، شعرت أنني لم أفشل في القراءة فقط، بل فشلت أيضا في تكوير بجمتي..
أمضيت ساعتين في القراءة دون أن أفقه شيئا مما قرأت .. امكث في الصفحة الواحدة وقتا أطول يصل أضعاف الوقت المعتاد.. أعيد قراءة الصفحة مرتين، وما أن أحاول أن أستمع لنفسي؛ أكتشف أنني مشوش الذهن ومضطرب الشعور والفكرة.. اكتشفت خيبتي، وأنه لم يعلق في ذهني شيئا مما قرأت..
وقبل نهاية اعتلاف ما بقي من قات، بديت أشعر أنني شبعت، وأن معدتي صارت ممتلئة ومتخمة به، وأنني فشلت في تكوير بجمتي كما يجب، وفشلت في استيعاب أي شيء مما قرأت..
غير أن الأكثر سوءَ أن النوم داهمني بغته، فأنزحت قليلا وارتخيت، ومدد أبو حنيفة ساقيه ورجليه، وغمضت عيناي قليلا وقد أثقل النعاس جفوني وأسبلها، وغرقت في غفوة عميقة أمتدت على نحو لم أكن أتوقعه، فيما لا زال بعض القات الممضوغ في فمي..
صحيت صباح يوم الجمعة بعد نوم عميق، لأرمي بقايا قات الخميس الذي نام معي في فمي حتى صباح الجمعة.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(2)
درس صادم في أول مقيل قات في صنعاء
في عدن قبل عام 1990 أو بالأحرى قبل الوحدة، كان لا يتم تعاطى القات وبيعه إلا في الإجازات والعطل الرسمية، ويومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، أما في غير تلك الأيام فالعقوبة بمقتضى القانون زاجرة، وتنفيذها يتم بصرامة.. سمعتُ عن قصة ذلك الرجل الذي أبلغ به جاره أنه يتعاطى القات سرا في بيته بدار سعد، فتم القبض عليه، ومحاكمته، والحكم عليه بالحبس سنتين مع النفاذ..
بعد الوحدة تم نقلي من عدن للعمل في صنعاء، وخلال إقامتي فيها، شاهدت معظم المجتمع يتعاطى القات على مدار الأسبوع.. أكثر الأسواق المزدحمة، وأكثرها صخبا وضجيجا في صنعاء هي أسواق القات.. بعض الأشخاص يتعاطون القات مرة واحدة في اليوم، وبعضهم مرتين، أو ما يعرف بنظام "الشوطين"، والبعض يزيد عليها ما تُسمّى بـ "التفذيحة"..
شاهدتُ أطفال أعمارهم بين العاشرة والثامنة عشر سنة، يتعاطون القات، منفلتين ومتشردين وعاملين في مهن، وبعضهم يتعاطونه برعاية آبائهم وتشجيعهم، والبعض بعلم أسرهم.. وبعض الزوجات يتعاطين القات مع أزواجهن، أو برعايتهم ودرايتهم, وسمعت عن مجالس "تفرطه" النساء اللاتي يتعاطين فيها القات.. الحقيقة أن الذي يأتي من خارج بيئة القات، يستطيع أن يعرف حجم الكارثة المجتمعية ومدى خطورتها..
عرفت أصدقاء لا يهتموا بالغذاء الجيد، ولكنه يهتموا بالقات الجيد.. وآخرين نفقات تعاطيهم القات أكثر من نفقات غذائهم.. أصدقاء يعيشون على وجبة واحدة يومياُ، ولكنهم يتعاطون القات بانتظام على نحو يومي أو شبه يومي.. ينامون دون عشاء، ويواصلون نومهم الى وقت الظهيرة، ثم يتغدون ويشترون القات بقيمة تصل إلى ضعف قيمة وجبة غذائهم.. بعضهم يعمل ويهدر أجر عمله من أجل أن يتعاطى القات كل يوم، فيما يأكل على نحو يبقيه فقط على قيد الحياة والعمل بالكاد.. إنه مجتمع ينتحر..
كان يفترض وفق ما تم الاتفاق عليه بين قيادة الشطرين لقيام الوحدة اليمنية، أن يتم العمل بما هو إيجابي من قوانين الشطرين، ويفترض أن يتم التشريع بما هو أفضل من قوانين الشطرين، ولكن ما حدث في التشريع وما تم تكريسه في الواقع كان عكس هذا تماما.. ثم جاءت حرب 1994 والتي انتهت باستقواء المنتصر، ومن ثم سير الأمور من سيء إلى أسوأ، وتراكم على تراكم، وفساد على فساد، وحروب على حروب، ليصل الوضع إلى ما وصل إليه اليوم، حتى بات عصيا على التوصيف أو حتى على التسمية.. ولا يمكن لطرف سياسي أو قوى سياسية أن تتحلل من المسؤولية، أو تدّعي أنها لم تساهم بما حدث بنسبة وصيغة ما.. كل الأطراف والقوى السياسية ولاسيما الرئيسية منها قد ارتكبت الخطايا لا الأخطاء، بحق هذا الشعب والوطن..
كان القات في الوعي الجمعي أو السائد ينظر إليه باعتباره يستحث النشاط والجهد والتفكير، فضلا عن كونه وسيلة مهمة لجمع الأصدقاء والزملاء، بل والتعارف أيضا حتى مع الغرباء.. يوثق العلاقات، ويشرح النفوس، ويجلب النشاط والانتشاء، وينشِّط المجهود والذاكرة.. يثير الجدل السياسي، وغير السياسي.. يبعث مشاعر الدفء بين الحاضرين، وربما الحميمية في بعض الأحيان.. أما الأطفال فكانوا يشعرون بالندية والرجولة وهم يتعاطون القات.. غير أن الأكثر من كارثة أن أخطر القوانين والقرارات والسياسيات التي تمس الشعب أو بعض من فئاته، كان مصدرها مجالس ال
ظننت أن القراءة تحتاج مني في مقيلي هذا وقت أطول من الانتظار ليكون التركيز والاستيعاب على نحو أفضل.. تعاطيتُ المزيد من القات؛ وغالبتُ مرارته المقذعة، من خلال احتسائي مزيدا من الشاي، ولكن الشاي كان يعاجل القات لاصطحابه إلى معدتي..
حاولت أن أحشي بجمتي بمزيد من القات وأوراقه العريضة التي يفترض أن أرميها باعتبارها توالف.. وكلما حشيت فمي بالقات ومضغته، لا يستقر في بجمتي، بل يذهب سريعا إلى بلعومي ومعدتي.. شعرت أنني صرت أشبه بحيوان يعتلف.. وبعد أن خسفت بثلثي القات إلى بطني، شعرت أنني لم أفشل في القراءة فقط، بل فشلت أيضا في تكوير بجمتي..
أمضيت ساعتين في القراءة دون أن أفقه شيئا مما قرأت .. امكث في الصفحة الواحدة وقتا أطول يصل أضعاف الوقت المعتاد.. أعيد قراءة الصفحة مرتين، وما أن أحاول أن أستمع لنفسي؛ أكتشف أنني مشوش الذهن ومضطرب الشعور والفكرة.. اكتشفت خيبتي، وأنه لم يعلق في ذهني شيئا مما قرأت..
وقبل نهاية اعتلاف ما بقي من قات، بديت أشعر أنني شبعت، وأن معدتي صارت ممتلئة ومتخمة به، وأنني فشلت في تكوير بجمتي كما يجب، وفشلت في استيعاب أي شيء مما قرأت..
غير أن الأكثر سوءَ أن النوم داهمني بغته، فأنزحت قليلا وارتخيت، ومدد أبو حنيفة ساقيه ورجليه، وغمضت عيناي قليلا وقد أثقل النعاس جفوني وأسبلها، وغرقت في غفوة عميقة أمتدت على نحو لم أكن أتوقعه، فيما لا زال بعض القات الممضوغ في فمي..
صحيت صباح يوم الجمعة بعد نوم عميق، لأرمي بقايا قات الخميس الذي نام معي في فمي حتى صباح الجمعة.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(2)
درس صادم في أول مقيل قات في صنعاء
في عدن قبل عام 1990 أو بالأحرى قبل الوحدة، كان لا يتم تعاطى القات وبيعه إلا في الإجازات والعطل الرسمية، ويومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، أما في غير تلك الأيام فالعقوبة بمقتضى القانون زاجرة، وتنفيذها يتم بصرامة.. سمعتُ عن قصة ذلك الرجل الذي أبلغ به جاره أنه يتعاطى القات سرا في بيته بدار سعد، فتم القبض عليه، ومحاكمته، والحكم عليه بالحبس سنتين مع النفاذ..
بعد الوحدة تم نقلي من عدن للعمل في صنعاء، وخلال إقامتي فيها، شاهدت معظم المجتمع يتعاطى القات على مدار الأسبوع.. أكثر الأسواق المزدحمة، وأكثرها صخبا وضجيجا في صنعاء هي أسواق القات.. بعض الأشخاص يتعاطون القات مرة واحدة في اليوم، وبعضهم مرتين، أو ما يعرف بنظام "الشوطين"، والبعض يزيد عليها ما تُسمّى بـ "التفذيحة"..
شاهدتُ أطفال أعمارهم بين العاشرة والثامنة عشر سنة، يتعاطون القات، منفلتين ومتشردين وعاملين في مهن، وبعضهم يتعاطونه برعاية آبائهم وتشجيعهم، والبعض بعلم أسرهم.. وبعض الزوجات يتعاطين القات مع أزواجهن، أو برعايتهم ودرايتهم, وسمعت عن مجالس "تفرطه" النساء اللاتي يتعاطين فيها القات.. الحقيقة أن الذي يأتي من خارج بيئة القات، يستطيع أن يعرف حجم الكارثة المجتمعية ومدى خطورتها..
عرفت أصدقاء لا يهتموا بالغذاء الجيد، ولكنه يهتموا بالقات الجيد.. وآخرين نفقات تعاطيهم القات أكثر من نفقات غذائهم.. أصدقاء يعيشون على وجبة واحدة يومياُ، ولكنهم يتعاطون القات بانتظام على نحو يومي أو شبه يومي.. ينامون دون عشاء، ويواصلون نومهم الى وقت الظهيرة، ثم يتغدون ويشترون القات بقيمة تصل إلى ضعف قيمة وجبة غذائهم.. بعضهم يعمل ويهدر أجر عمله من أجل أن يتعاطى القات كل يوم، فيما يأكل على نحو يبقيه فقط على قيد الحياة والعمل بالكاد.. إنه مجتمع ينتحر..
كان يفترض وفق ما تم الاتفاق عليه بين قيادة الشطرين لقيام الوحدة اليمنية، أن يتم العمل بما هو إيجابي من قوانين الشطرين، ويفترض أن يتم التشريع بما هو أفضل من قوانين الشطرين، ولكن ما حدث في التشريع وما تم تكريسه في الواقع كان عكس هذا تماما.. ثم جاءت حرب 1994 والتي انتهت باستقواء المنتصر، ومن ثم سير الأمور من سيء إلى أسوأ، وتراكم على تراكم، وفساد على فساد، وحروب على حروب، ليصل الوضع إلى ما وصل إليه اليوم، حتى بات عصيا على التوصيف أو حتى على التسمية.. ولا يمكن لطرف سياسي أو قوى سياسية أن تتحلل من المسؤولية، أو تدّعي أنها لم تساهم بما حدث بنسبة وصيغة ما.. كل الأطراف والقوى السياسية ولاسيما الرئيسية منها قد ارتكبت الخطايا لا الأخطاء، بحق هذا الشعب والوطن..
كان القات في الوعي الجمعي أو السائد ينظر إليه باعتباره يستحث النشاط والجهد والتفكير، فضلا عن كونه وسيلة مهمة لجمع الأصدقاء والزملاء، بل والتعارف أيضا حتى مع الغرباء.. يوثق العلاقات، ويشرح النفوس، ويجلب النشاط والانتشاء، وينشِّط المجهود والذاكرة.. يثير الجدل السياسي، وغير السياسي.. يبعث مشاعر الدفء بين الحاضرين، وربما الحميمية في بعض الأحيان.. أما الأطفال فكانوا يشعرون بالندية والرجولة وهم يتعاطون القات.. غير أن الأكثر من كارثة أن أخطر القوانين والقرارات والسياسيات التي تمس الشعب أو بعض من فئاته، كان مصدرها مجالس ال
عليه؟!
- أجاب: قاتك
- سألته: وأنا منين خزنت؟!!
- أجاب: من قاتي.. ما يهمك.. الحال واحد..
- قلت له: قاتي قطل وقاتك مطول..
- أجاب : ولا يهمك .. نحن واحدين..
شعرت بحرج وخجل يجتاحني دون أن يمنع ذلك من شهقة دهشة مني، وخروج قهقهة..
في يوم آخر خزنت في بيت صديقي محمد عبد الغني، وكان أهم ما أردت معرفته منه ليس هو: كيف حدث ما حدث ؟!! وإنما بماذا كان يتحدث مع نفسه في طي سره وكتمانه، وهو يراني منهمك، أقتات من قاته بشراهة معزة؟! كيف استطاع يتمالك أعصابه ساعتين، وهو يراني أفعل ما أفعله؟! ما أنا متأكد منه أن شكلي والطريقة التي كنت اتعاطى فيها القات تثير عاصفة من الضحك؟! فكيف أستطاع أن يكتم ضحكته طيلة مدة ساعتين تستحق الضحك الطويل والكثير..
ولكن للأسف لم يجب صديقي محمد على سؤالي، وإنما عمد إلى التهوين مما حدث.. فعدت حاسرا دون جواب.. إلى اليوم لا زال مثل هذا السؤال عالق في ذاكرتي، ويثير ضحكي عندما أتذكره، وأتخيل ما فعلته..
لطالما تكررت مثل هذه القصة معي، وتعددت ردود أفعال أصحابها، وسآتي على ذكر بعضها، ولطالما أتهمت نفسي بالغباء، ولكن تبدد هذا الشعور بعد أن قرأت ما لا يصدق عن كبار أتوا بما هو أكبر، مثل ذلك الذي نسى اسمه، والآخر الذي صنع أربع فتحات تحت باب غرفته لتمر القطة وأبناءها منها، فيما كانت واحدة تكفي لمرور الأربع القطط..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(6)
عندما ضبطني متلبسا
كان مجلسي "ديواني" يكتظ بالرفاق والثوار والأصدقاء بل وبالمخبرين أيضا.. أسماه عبد الهادي العزعزي في الأيام الأولى من شهر يناير ومطلع فبراير 2011 بـ "دار الأمة" عندما كنا نجتمع أو نلتقي فيه، أو ننطلق منه أحيانا للتظاهر.. فيما الصحفي الجميل سامي غالب قال عنه: "مجلس أحمد سيف حاشد مسيرة مصغرة"
ثم صار مجلسي في عام 2012 – 2013 ملتقى لجرحى الاحتجاجات السلمية في عام 2011 وهم الجرحى الذين خانهم من تشاركوا بتقاسم السلطة، فيما سميت بـ "حكومة الوفاق"، وقلبوا للجرحى المجن، وتنكروا لتضحياتهم بقباحة، ولاسيما الذين رفضوا علاجهم أو اهملوهم حتى تعفنت جراحهم، وأكلت الجراح أعضائهم، أو جعلتهم ذو إعاقات وعاهات دائمة، تستمر معهم إلى آخر العمر، إن لم تضع تلك العاهات حدا لحياتهم قبل ذلك الأوان..
جلس إلى جانبي أحد الجرحى المعوزين.. يبدو إنه كان مُعدما، أو أن قدرته على شراء القات كانت محدودة للغاية.. كان واضحا إن الطفر يأكل عيونه ووجهه.. ملابسه وقاته وجسمه النحيل تحكي جانبا من طَفرِه وشدة حاجته، ومعاناته اليومية..
تركت قاتي على الجانب الأيسر بمحاذات المتكأ، وخرجت عن وعيي، ومددت يدي إلى علاقي ذلك الجريح الموجوع الموجود في يميني .. مددت يدي إلى كيس قاته، وأخذت بعض وريقاته، وبصورة يبدو إنها كانت صادمة لصاحبها.. ثم فعلتها مرة ثانية، وعلى نحو يبدو إنها كانت مستفزه، ربما بسبب ظنه إنها تنم عن استهتار أو عدم مبالاة أو خطاء فاحش يرتكب ضده ويكلّفه قاته ومقيله..
يبدو إن تكرار فعلي ونبش وريقات قات أكثر من المرة الأولى كان أمر أكثر استفزازا، غير أن صاحبنا "الضحية" حاول كتم غيضه، وكبح ردة فعله، وفضل أن يبعد علاقية قاته قليلا عني نحو الجهة الأخرى، غير أنني مددت يدي مدا، وسحبت العلاقي إلى جهتي، وغرزت يدي كغراف "الشيول" داخل الكيس؛ لأهبش وريقات أكثر، فيما كان قات "الضحية" قليل وحزين، ولا يحتمل غرافا، بل ولا يستحمل حتى "ملعقة"..
لم يتحمل صاحبنا الغلطة الثالثة، حيث سرعان ما تحرر من حيائه وحرجه، وقبض على يدي كما يقبض أحد رجال "الجندرمه" على لص.. قبض على يدي متلبسة، وقبل أن تخرج من علاقية قاته..
يده النحيلة وهي تقبض على يدي أحسست بها وكأنها قبضة من حديد.. لم أكن أعرف أن هذه اليد النحيلة لذلك الجسد النحيل والمنهك تستجمع كل هذه القوة الجريئة.. لحظتها لم أدرك حقيقة ما حدث، ولا سبب القبض على يدي إلا حالما قال:
- هذا قاتي بثلاثمائة ريال.. سامحتك بالأولى والثانية .. أين قاتك؟!!
عندها أدركت أن ما فعلته ليس بقليل، وخصوصا عندما لمحت أن قاته كان قليلا ويثير حزن من يراه.. قاته القليل لم يكن يستحمل التغاضي عن الهبش، ولا يتحمل دقائق قليلة من الفتك فيه.. تفهمت مشاعر صاحبه.. سحبت يدي من العلاقي ببطء ومن غير قات، بعد أن خفّت قبضة يده، وبعد أن أوصل رسالته كقذيفة مدفعية..
الواقع إن الموقف كان مربك.. وقهقهتي العفوية كانت ترفع عنّي كل مأخذ، وخصوصا بعد أن وجدت قاتي في الجانب الآخر هو من يبحث عني في غفلة عنه عشتها لدقائق.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(7)
فادحة في عزاء
• في مستهل عهدي في عضوية مجلس النواب، اشتريت تلفون، وكنت لازلت حديث عهد به.. وتعاملت معه ببدائية لفترة غير قصيرة.. لم أعد أذكر نوع و اسم ذلك التلفون.. كلّما أذكره أن أهم ميزة فيه هو صوت التنبيه العالي بوجود اتصال.. لم يكن مبرمج على رنة معتادة، بل كان مبرمجا على مطلع أغنية لم أختارها أنا، بل أختارها من برمج التلفون على تلك الأغنية..
• تقنية
- أجاب: قاتك
- سألته: وأنا منين خزنت؟!!
- أجاب: من قاتي.. ما يهمك.. الحال واحد..
- قلت له: قاتي قطل وقاتك مطول..
- أجاب : ولا يهمك .. نحن واحدين..
شعرت بحرج وخجل يجتاحني دون أن يمنع ذلك من شهقة دهشة مني، وخروج قهقهة..
في يوم آخر خزنت في بيت صديقي محمد عبد الغني، وكان أهم ما أردت معرفته منه ليس هو: كيف حدث ما حدث ؟!! وإنما بماذا كان يتحدث مع نفسه في طي سره وكتمانه، وهو يراني منهمك، أقتات من قاته بشراهة معزة؟! كيف استطاع يتمالك أعصابه ساعتين، وهو يراني أفعل ما أفعله؟! ما أنا متأكد منه أن شكلي والطريقة التي كنت اتعاطى فيها القات تثير عاصفة من الضحك؟! فكيف أستطاع أن يكتم ضحكته طيلة مدة ساعتين تستحق الضحك الطويل والكثير..
ولكن للأسف لم يجب صديقي محمد على سؤالي، وإنما عمد إلى التهوين مما حدث.. فعدت حاسرا دون جواب.. إلى اليوم لا زال مثل هذا السؤال عالق في ذاكرتي، ويثير ضحكي عندما أتذكره، وأتخيل ما فعلته..
لطالما تكررت مثل هذه القصة معي، وتعددت ردود أفعال أصحابها، وسآتي على ذكر بعضها، ولطالما أتهمت نفسي بالغباء، ولكن تبدد هذا الشعور بعد أن قرأت ما لا يصدق عن كبار أتوا بما هو أكبر، مثل ذلك الذي نسى اسمه، والآخر الذي صنع أربع فتحات تحت باب غرفته لتمر القطة وأبناءها منها، فيما كانت واحدة تكفي لمرور الأربع القطط..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(6)
عندما ضبطني متلبسا
كان مجلسي "ديواني" يكتظ بالرفاق والثوار والأصدقاء بل وبالمخبرين أيضا.. أسماه عبد الهادي العزعزي في الأيام الأولى من شهر يناير ومطلع فبراير 2011 بـ "دار الأمة" عندما كنا نجتمع أو نلتقي فيه، أو ننطلق منه أحيانا للتظاهر.. فيما الصحفي الجميل سامي غالب قال عنه: "مجلس أحمد سيف حاشد مسيرة مصغرة"
ثم صار مجلسي في عام 2012 – 2013 ملتقى لجرحى الاحتجاجات السلمية في عام 2011 وهم الجرحى الذين خانهم من تشاركوا بتقاسم السلطة، فيما سميت بـ "حكومة الوفاق"، وقلبوا للجرحى المجن، وتنكروا لتضحياتهم بقباحة، ولاسيما الذين رفضوا علاجهم أو اهملوهم حتى تعفنت جراحهم، وأكلت الجراح أعضائهم، أو جعلتهم ذو إعاقات وعاهات دائمة، تستمر معهم إلى آخر العمر، إن لم تضع تلك العاهات حدا لحياتهم قبل ذلك الأوان..
جلس إلى جانبي أحد الجرحى المعوزين.. يبدو إنه كان مُعدما، أو أن قدرته على شراء القات كانت محدودة للغاية.. كان واضحا إن الطفر يأكل عيونه ووجهه.. ملابسه وقاته وجسمه النحيل تحكي جانبا من طَفرِه وشدة حاجته، ومعاناته اليومية..
تركت قاتي على الجانب الأيسر بمحاذات المتكأ، وخرجت عن وعيي، ومددت يدي إلى علاقي ذلك الجريح الموجوع الموجود في يميني .. مددت يدي إلى كيس قاته، وأخذت بعض وريقاته، وبصورة يبدو إنها كانت صادمة لصاحبها.. ثم فعلتها مرة ثانية، وعلى نحو يبدو إنها كانت مستفزه، ربما بسبب ظنه إنها تنم عن استهتار أو عدم مبالاة أو خطاء فاحش يرتكب ضده ويكلّفه قاته ومقيله..
يبدو إن تكرار فعلي ونبش وريقات قات أكثر من المرة الأولى كان أمر أكثر استفزازا، غير أن صاحبنا "الضحية" حاول كتم غيضه، وكبح ردة فعله، وفضل أن يبعد علاقية قاته قليلا عني نحو الجهة الأخرى، غير أنني مددت يدي مدا، وسحبت العلاقي إلى جهتي، وغرزت يدي كغراف "الشيول" داخل الكيس؛ لأهبش وريقات أكثر، فيما كان قات "الضحية" قليل وحزين، ولا يحتمل غرافا، بل ولا يستحمل حتى "ملعقة"..
لم يتحمل صاحبنا الغلطة الثالثة، حيث سرعان ما تحرر من حيائه وحرجه، وقبض على يدي كما يقبض أحد رجال "الجندرمه" على لص.. قبض على يدي متلبسة، وقبل أن تخرج من علاقية قاته..
يده النحيلة وهي تقبض على يدي أحسست بها وكأنها قبضة من حديد.. لم أكن أعرف أن هذه اليد النحيلة لذلك الجسد النحيل والمنهك تستجمع كل هذه القوة الجريئة.. لحظتها لم أدرك حقيقة ما حدث، ولا سبب القبض على يدي إلا حالما قال:
- هذا قاتي بثلاثمائة ريال.. سامحتك بالأولى والثانية .. أين قاتك؟!!
عندها أدركت أن ما فعلته ليس بقليل، وخصوصا عندما لمحت أن قاته كان قليلا ويثير حزن من يراه.. قاته القليل لم يكن يستحمل التغاضي عن الهبش، ولا يتحمل دقائق قليلة من الفتك فيه.. تفهمت مشاعر صاحبه.. سحبت يدي من العلاقي ببطء ومن غير قات، بعد أن خفّت قبضة يده، وبعد أن أوصل رسالته كقذيفة مدفعية..
الواقع إن الموقف كان مربك.. وقهقهتي العفوية كانت ترفع عنّي كل مأخذ، وخصوصا بعد أن وجدت قاتي في الجانب الآخر هو من يبحث عني في غفلة عنه عشتها لدقائق.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(7)
فادحة في عزاء
• في مستهل عهدي في عضوية مجلس النواب، اشتريت تلفون، وكنت لازلت حديث عهد به.. وتعاملت معه ببدائية لفترة غير قصيرة.. لم أعد أذكر نوع و اسم ذلك التلفون.. كلّما أذكره أن أهم ميزة فيه هو صوت التنبيه العالي بوجود اتصال.. لم يكن مبرمج على رنة معتادة، بل كان مبرمجا على مطلع أغنية لم أختارها أنا، بل أختارها من برمج التلفون على تلك الأغنية..
• تقنية
قات، وغرف المقيل المغلقة، ولازال هذا قائما إلى اليوم، وربما على نحو أكبر، عند من بقي له قرار..
بعد قدومي إلى صنعاء ومضي فترة وجيزة أحسست إن لم أتعاط القات سأعيش منبوذا وحيدا معزولا منكفئا على الذات.. ومع ذلك خضت صراعا طويلا مع القات قبل أن أدمنه.. شعرت أنني في مجتمع مدمن ومخدر يجمعه القات، وفيه يبدو السوي شاذا، ويبدو الشاذ سوياً.. القاعدة تتحول إلى استثناء والاستثناء يتحول إلى قاعده.. الصحيح يبدو في نظر "المجتمع الخطأ" خطاء، والخطاء يبدو صحيحا في وعي هذا المجتمع .. لم أكن محل سلطة وليس بإمكاني أن أصدر قوانيني لأعممها على المجتمع، ولا قدرة أرغم فيها المجتمع على إنفاذها من غير سلطة.. لا بأس من الميل قليلا.. هكذا ربما فكرت..
اشتريت مساند ومداكي محشوة بنشارة الخشب وألياف أخرى لا أدري صنفها، وربما بعضها صنعناها نحن في البيت بعد أن حشيناها بأشياء أخرى مثل أقمشه قديمة، وذلك كاحتياط أو لسد النقص عند الاحتياج.. كان مقيلي الأول في صنعاء يظم لفيف من الأصدقاء والزملاء والأصهار، جميعهم يتعاطون القات، باستثناء اثنين، هما رفيقي جازم، وزميلي وصديقي وجاري منصر الواحدي.. أما أنا فهناك من حملني أن أقع "أعورا بين العوران" كما جاء في المثل الشعبي، ولاسيما أنني كنت المستضيف للمقيل، وأرغمتُ على التخزين فيه..
صهري محمد المطري "مبحشم" كبير، ومولعي قات من الدرجة الأولى، وبمثابرة يومية لا تنقطع إلا لظرف قاهر، كمرض شديد الوطأة ألزمه الفراش.. خبرته في القات والتخزين والكيف ضاربة جذورها في مدى أربعة أو خمسة عقود متوالية من عمره..
عزمت صهري محمد المطري إلى المقيل معي في أول يوم افتتاح ليشرّف مجلسي.. حضر بقاته وقاتي دون أن أطلب منه أن يشتري لي قات معه، بل لم أكن أعتزم التخزين، وإنما اعتزمت الجلوس مع المخزنين.. غير أن المطري أرغمني على التخزين بالأيمان الغلاظ، والحرام والطلاق..
صديقي ورفيقي ومسؤولي الحزبي جازم العريقي الذي أحببت أن أعرفه بأصهاري في صنعاء لا يتعاطى القات مطلقا، وأستعاض عنه بـ "الزعقة" فيما جاري وصديقي منصر الواحدي لا يتعاطى القات ولا الزعقة، وكلما مل ذهب إلى بيته في الجوار وعاد بعد ساعة, فيما رابع وخامس يتعاطون القات، ولكن لا أدري بأي قدر، ولم أخبرهما من قبل.
وجدت نفسي أمارس إكراه نفسي على التخزين.. كنت في بداية المقيل وأنا أتعاطي القات، في حال أشبه بحال المحكوم عليه بتعاطي السم.. كنت كلما حشيت ورقة في فمي، أجد مرارتها تلسع راسي، وتلدغ جمجمتي من الداخل كثعبان.. أشعر بالكلفة والإرغام وأنا أتعاطيه.. أحسست في المقيل أنني أتعذب لا أستمتع بمضغ القات..
طلبت شاي أسود بالنعناع والزر، أحسست وأنا أكرع الشاي في فمي إن المطري مستاء مما أفعل، وملذوع أكثر مني، سمعت منه همهمة وبركضة كلام غير مفهوم، ثم أستأنف الحديث في سياق آخر.. شعرت كأنني ارتكبت ثمة خطأ لا أعرف ما هو.. في عدن يتعاطون الشاي والمزغول مع القات.. أحسست أن ما أفعله لا يروق له، بل ربما يكسر كيفه دون أن أعلم، أو هذا ما عرفته منه لاحقا..
بدأ كيف المطري وكأن أصابه العطب، حاول أن يكظم غيضه مرارا حالما كان يشاهد الرفيق جازم في الوجه المقابل له، وهو يأكل الزعقة باحترافية مدهشة، وكان صوت فقص "الزعقة" لافتا، وأحيانا يبدو صوت بعضها صارخا ومستفزا لكيف المطري.. نفذ صبر المطري، وقد بدت له أصوات قصقصة الزعقة كانفجارات قنابل يقذفها رفيقنا في وجهه.. فأنفجر المطري بيننا كالغم.. صرخ بانفعال لم نتوقعه منه في وجه رفيقنا جازم: خزن وإلا قم أخرج.. اقلع.. قيص قيص قيص، من الساعة ثلاث ما خليتنا نخزن ولا خليتنا نطعم القات..
أحمر وأسود وجهي خجلا من حماقة المطري حيال رفيقنا جازم، الذي كان خجولا، وإنسانا من الطراز الرفيع.. جازم شخص مرهف الإحساس والمشاعر.. جازم بالنسبة لي مثالا وقدوة.. مثقف ممتلئ، وقيادي حزبي من الطراز الأول.. مرهف وحساس إلى حد بعيد..
اعتذرت للجميع واعتذرت للرفيق جازم الذي شعرت أن ما فعله المطري به لا يداوى حتى وإن فرشت على جرح جازم صفحة وجهي.. وكان هذا أول درس صادم تعلمته في أول مقيل في صنعاء..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(3)
في سوق قات الشيخ عبد الله
تواصلت بـ”محمد المطري”، و أبلغته أنه معزوم عندي غداء و قات يوم الخميس.. حاول أن يعتذر، و لكني حلفت عليه اليمين بـ”الحرام و الطلاق”، كما فعلها هو معي في المرة السابقة عندما أشترى لي القات و أرغمني على مضغه.. هكذا يفعلوا في صنعاء عندما يريدوا قطع سماع الأعذار، بل و رفض سماعها من الأساس.. إغلاق محكم في وجه سماع أي شيء .. لا خيار لك إلا الإذعان و الموافقة.. تجد نفسك مرغما على الاستجابة للطلب دون أن تتهرب أو تناقش.. إنها الصيغة المدنية التي تشبه المقولة العسكرية “نفذ ثم ناقش” .. قياس مع الفارق، حيث يُقصد بها هنا إكرامك، و توفير خجلك، و تطلق على سبيل المحبة و التقدير و الكرم .. كنت مع المطري حاسما منذ البداية .. لم أترك له فسحة تململ، أو محاو
بعد قدومي إلى صنعاء ومضي فترة وجيزة أحسست إن لم أتعاط القات سأعيش منبوذا وحيدا معزولا منكفئا على الذات.. ومع ذلك خضت صراعا طويلا مع القات قبل أن أدمنه.. شعرت أنني في مجتمع مدمن ومخدر يجمعه القات، وفيه يبدو السوي شاذا، ويبدو الشاذ سوياً.. القاعدة تتحول إلى استثناء والاستثناء يتحول إلى قاعده.. الصحيح يبدو في نظر "المجتمع الخطأ" خطاء، والخطاء يبدو صحيحا في وعي هذا المجتمع .. لم أكن محل سلطة وليس بإمكاني أن أصدر قوانيني لأعممها على المجتمع، ولا قدرة أرغم فيها المجتمع على إنفاذها من غير سلطة.. لا بأس من الميل قليلا.. هكذا ربما فكرت..
اشتريت مساند ومداكي محشوة بنشارة الخشب وألياف أخرى لا أدري صنفها، وربما بعضها صنعناها نحن في البيت بعد أن حشيناها بأشياء أخرى مثل أقمشه قديمة، وذلك كاحتياط أو لسد النقص عند الاحتياج.. كان مقيلي الأول في صنعاء يظم لفيف من الأصدقاء والزملاء والأصهار، جميعهم يتعاطون القات، باستثناء اثنين، هما رفيقي جازم، وزميلي وصديقي وجاري منصر الواحدي.. أما أنا فهناك من حملني أن أقع "أعورا بين العوران" كما جاء في المثل الشعبي، ولاسيما أنني كنت المستضيف للمقيل، وأرغمتُ على التخزين فيه..
صهري محمد المطري "مبحشم" كبير، ومولعي قات من الدرجة الأولى، وبمثابرة يومية لا تنقطع إلا لظرف قاهر، كمرض شديد الوطأة ألزمه الفراش.. خبرته في القات والتخزين والكيف ضاربة جذورها في مدى أربعة أو خمسة عقود متوالية من عمره..
عزمت صهري محمد المطري إلى المقيل معي في أول يوم افتتاح ليشرّف مجلسي.. حضر بقاته وقاتي دون أن أطلب منه أن يشتري لي قات معه، بل لم أكن أعتزم التخزين، وإنما اعتزمت الجلوس مع المخزنين.. غير أن المطري أرغمني على التخزين بالأيمان الغلاظ، والحرام والطلاق..
صديقي ورفيقي ومسؤولي الحزبي جازم العريقي الذي أحببت أن أعرفه بأصهاري في صنعاء لا يتعاطى القات مطلقا، وأستعاض عنه بـ "الزعقة" فيما جاري وصديقي منصر الواحدي لا يتعاطى القات ولا الزعقة، وكلما مل ذهب إلى بيته في الجوار وعاد بعد ساعة, فيما رابع وخامس يتعاطون القات، ولكن لا أدري بأي قدر، ولم أخبرهما من قبل.
وجدت نفسي أمارس إكراه نفسي على التخزين.. كنت في بداية المقيل وأنا أتعاطي القات، في حال أشبه بحال المحكوم عليه بتعاطي السم.. كنت كلما حشيت ورقة في فمي، أجد مرارتها تلسع راسي، وتلدغ جمجمتي من الداخل كثعبان.. أشعر بالكلفة والإرغام وأنا أتعاطيه.. أحسست في المقيل أنني أتعذب لا أستمتع بمضغ القات..
طلبت شاي أسود بالنعناع والزر، أحسست وأنا أكرع الشاي في فمي إن المطري مستاء مما أفعل، وملذوع أكثر مني، سمعت منه همهمة وبركضة كلام غير مفهوم، ثم أستأنف الحديث في سياق آخر.. شعرت كأنني ارتكبت ثمة خطأ لا أعرف ما هو.. في عدن يتعاطون الشاي والمزغول مع القات.. أحسست أن ما أفعله لا يروق له، بل ربما يكسر كيفه دون أن أعلم، أو هذا ما عرفته منه لاحقا..
بدأ كيف المطري وكأن أصابه العطب، حاول أن يكظم غيضه مرارا حالما كان يشاهد الرفيق جازم في الوجه المقابل له، وهو يأكل الزعقة باحترافية مدهشة، وكان صوت فقص "الزعقة" لافتا، وأحيانا يبدو صوت بعضها صارخا ومستفزا لكيف المطري.. نفذ صبر المطري، وقد بدت له أصوات قصقصة الزعقة كانفجارات قنابل يقذفها رفيقنا في وجهه.. فأنفجر المطري بيننا كالغم.. صرخ بانفعال لم نتوقعه منه في وجه رفيقنا جازم: خزن وإلا قم أخرج.. اقلع.. قيص قيص قيص، من الساعة ثلاث ما خليتنا نخزن ولا خليتنا نطعم القات..
أحمر وأسود وجهي خجلا من حماقة المطري حيال رفيقنا جازم، الذي كان خجولا، وإنسانا من الطراز الرفيع.. جازم شخص مرهف الإحساس والمشاعر.. جازم بالنسبة لي مثالا وقدوة.. مثقف ممتلئ، وقيادي حزبي من الطراز الأول.. مرهف وحساس إلى حد بعيد..
اعتذرت للجميع واعتذرت للرفيق جازم الذي شعرت أن ما فعله المطري به لا يداوى حتى وإن فرشت على جرح جازم صفحة وجهي.. وكان هذا أول درس صادم تعلمته في أول مقيل في صنعاء..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(3)
في سوق قات الشيخ عبد الله
تواصلت بـ”محمد المطري”، و أبلغته أنه معزوم عندي غداء و قات يوم الخميس.. حاول أن يعتذر، و لكني حلفت عليه اليمين بـ”الحرام و الطلاق”، كما فعلها هو معي في المرة السابقة عندما أشترى لي القات و أرغمني على مضغه.. هكذا يفعلوا في صنعاء عندما يريدوا قطع سماع الأعذار، بل و رفض سماعها من الأساس.. إغلاق محكم في وجه سماع أي شيء .. لا خيار لك إلا الإذعان و الموافقة.. تجد نفسك مرغما على الاستجابة للطلب دون أن تتهرب أو تناقش.. إنها الصيغة المدنية التي تشبه المقولة العسكرية “نفذ ثم ناقش” .. قياس مع الفارق، حيث يُقصد بها هنا إكرامك، و توفير خجلك، و تطلق على سبيل المحبة و التقدير و الكرم .. كنت مع المطري حاسما منذ البداية .. لم أترك له فسحة تململ، أو محاو
لة اختراع عذر يمر؛ فوافق، و سرتني موافقته..
قبل ظهر الخميس خرجت بغرض شراء القات .. و لكن خبرتي في شراء القات منعدمة تماما، بل هي صفر أكبر من حجم جرّة الفول .. كنت أعلم أن جهالتي في شراء القات هي أضعاف جهالتي في تعاطيه .. بدى لي الأمر أمام نفسي إنني ارتكبت حماقة، و أن حماقتي باتت جهلا على جهل..
زميلي و جاري الحميم منصر الواحدي الذي اعتمد عليه في غربة صنعاء لا يخزن القات، و لم يذقه في حياته .. خرجت من البيت كالهائم على وجهه .. لكن خطرت لي فكرة سمعتها من قبل، يبدو أنها ألقيت على سبيل التبجح من أحدهم، دون أن أعلم إنها كذلك .. “قات المشايخ” .. “سوق الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر” في الحصبة .. بديت و أنا أستذكرها كمكتشف، و بذاكرة لا تخذل صاحبها عند اللزوم .. اطلقتها وقلتها: “وجدتها .. وجدتها” .. أحسست لحظتها أنني مدعوما بقرين محب، لا يتركني فريسة جهلي عند الشدّة و الضيق..
دخلت سوق قات الشيخ عبد الله .. وجدت “المقاوته” يحتفون بي كطاؤوس أو هذا ما أحسسته منهم .. كل واحد منهم يدعيني و يناشدني أن أشتري منه .. كل ينادي من اتجاهه .. عروضهم تعترض وجهتي .. أحسست أنني جلبت إلى صخب السوق جلبة إضافية .. أحسست وكأن “المقاوتة” يعرفونني من زمن بعيد، بعد انقطاع عنهم دام طويلا، بل وجدت أحدهم يدعيني باسم محمد .. انتابني شعور أن لا أكسر خاطر أي بائع قات، طالما كلهم يرحبون بي، و يتوددوا و يتنافسوا من أجلي .. أحسست بحرارة حفاوتهم و ترحابهم أكثر من ترحاب حكام صنعاء بحكام الجنوب في الأيام الأولى من الوحدة..
رأيت أن من العدالة أن أعود إلى أول عارض للقات في مدخل السوق .. قلت لنفسي لا يجوز أن أتخطيه، و أكسر بخاطره، و قد سمعته يحلف الأيمان الغلاظ، و يثنيها بالحرام و الطلاق أن قاته “غيلي”، و أنه أحسن قات في السوق كله .. أنا لا أعرف “الغيلي” و لا السوطي و لا غيره، أنا أستصعب تمييز القات عن بعضه، بل و ربما تلتبس لدي أوراق القات عما يشابهها من أوراق الشجر التي تشابهه .. و لكن كان لأيمان البائع لدي مهابة، و “حرام يمين طلاق” أرغمتني على العودة إلى هذا البائع تحديدا .. أعطتني مزيد من الثقة أن هذا البائع لا يكذب، و أن قاته أحسن قات في السوق..
لمحت القات، و بدى لي من منظره الخارجي لامعا و لافت للنظر .. اكتفيت بتلك اللمحة، و لم أفتح صرة القات أو أفتشها، مكتفيا بالثقة المعززة بإيمانه الغليظة التي أطلقها .. أحدث نفسي: من غير الممكن أن يطلّق الرجل زوجته من أجل أن أشتري منه القات .. لا شك أن البائع صادق .. ثم سألت البائع عن سعره، فأجابني؛ و لكنني شعرت أن السعر غالي، غير أن وصفه للقات، و تكريس الأيمان المؤكدة لقوله، بل و خوضه في التفاصيل، من أن أشترى القات بقيمة كذا، و أن ربحه كذا؛ جعلتني أصدّقه، بل جلب تعاطفي معه، معلنا انحيازي إليه ضد نفسي .. تعب البائع يستحق أكثر مما قال، و دفعت له أكثر مما طلب، حيث تغاضيت عن أخذ الباقي إكراما لتعبه الذي كسب تعاطفي..
عدت من “المقوات” إلى البيت غبطا و مُنتشي .. بديت أمام نفسي أشبه بفارس كسب المعركة .. بدى القات و أنا متأبطه و مجفلا إلى البيت، أشبه بالجنرال الذي عاد من المعركة منتصرا يحمل إكليل الغار..
ضيفي المطري خبير في القات، و هو يستحق الغالي، و لن يكون في الغالي إلا ما يستحق .. يجب أن لا أكون أقل كرما منه .. إنه إكراما لكريم كان كرمه أسبق..
و في طريق عودتي اشتريت سمك و فاكهة .. استعجلت الغداء، و الاتصال بالمطري بسرعة الحضور .. و بعد ساعة حضر الضيف .. يا مرحبا بالضيف على العين و الرأس .. قدمنا الغداء رز و سمك و كان المسك فاكهة .. ظننت إن الغداء كان كافيا، و أن واجبي فيما يخص الغداء قد أنتهى لا سيما أنه فاض عن حاجتنا .. لم أكن أعلم إن “السلتة” أو “الفحسة” أو على الأقل “العصيد”، ضرورية ليطيب الضيف و مقيله و قاته .. اعتقدت بهذا الغداء العدني أني قد قمت بما هو واجب، فيما ضيفي بمجرد تقديم الفاكهة، بدا في حال لم استوعبه للتو..
بدأت أفرش القات لأعطيه قسمه، و لكن بمجرد أن لمح القات من بعد أمتار، نهض من مجلسه كزرافة، و هو يرمق للقات من علو؛ ثم أستأذن منّي للخروج مدة ربع ساعة ليذهب يحاسب صاحب المنجرة القريب من مكاننا؛ لأنه يوجد عنده حساب، و قد وعده إنه سوف يمر عليه بعد الظهر ليسدد الذي عليه .. فاستدركت بتوصيته أن لا يتأخر، و لكن ضيفنا تأخر أكثر من الساعة، و عاد متأبط قات مطول و معصوب في رديفه الذي كان و هو ذاهب معطوفا على كتفه و مسدولا على ظهره.
صرخت في وجهه: كيف تشتري قات و أنا قد اشتريت قات لي و لك؛ فرد قائلا:
– شفت النسوان اللي يبيعن اللحوح في الحصبة باب سوق الشيخ عبد الله..!
أجبته: نعم..
– قال: هن يخزنين من هذا القات الذي اشتريته أنت..
صدمتني فجاجة الضيف و مصارحته الصارخة، و حاولت أن التمست له العذر كونه متصالح مع نفسه .. و مع ذلك أحسست بالحرج الشديد و الخجل الأشد وطأة..
تفاجأت أكثر و هو يعلمني أنه تغدى أيضا في الخارج مرة
قبل ظهر الخميس خرجت بغرض شراء القات .. و لكن خبرتي في شراء القات منعدمة تماما، بل هي صفر أكبر من حجم جرّة الفول .. كنت أعلم أن جهالتي في شراء القات هي أضعاف جهالتي في تعاطيه .. بدى لي الأمر أمام نفسي إنني ارتكبت حماقة، و أن حماقتي باتت جهلا على جهل..
زميلي و جاري الحميم منصر الواحدي الذي اعتمد عليه في غربة صنعاء لا يخزن القات، و لم يذقه في حياته .. خرجت من البيت كالهائم على وجهه .. لكن خطرت لي فكرة سمعتها من قبل، يبدو أنها ألقيت على سبيل التبجح من أحدهم، دون أن أعلم إنها كذلك .. “قات المشايخ” .. “سوق الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر” في الحصبة .. بديت و أنا أستذكرها كمكتشف، و بذاكرة لا تخذل صاحبها عند اللزوم .. اطلقتها وقلتها: “وجدتها .. وجدتها” .. أحسست لحظتها أنني مدعوما بقرين محب، لا يتركني فريسة جهلي عند الشدّة و الضيق..
دخلت سوق قات الشيخ عبد الله .. وجدت “المقاوته” يحتفون بي كطاؤوس أو هذا ما أحسسته منهم .. كل واحد منهم يدعيني و يناشدني أن أشتري منه .. كل ينادي من اتجاهه .. عروضهم تعترض وجهتي .. أحسست أنني جلبت إلى صخب السوق جلبة إضافية .. أحسست وكأن “المقاوتة” يعرفونني من زمن بعيد، بعد انقطاع عنهم دام طويلا، بل وجدت أحدهم يدعيني باسم محمد .. انتابني شعور أن لا أكسر خاطر أي بائع قات، طالما كلهم يرحبون بي، و يتوددوا و يتنافسوا من أجلي .. أحسست بحرارة حفاوتهم و ترحابهم أكثر من ترحاب حكام صنعاء بحكام الجنوب في الأيام الأولى من الوحدة..
رأيت أن من العدالة أن أعود إلى أول عارض للقات في مدخل السوق .. قلت لنفسي لا يجوز أن أتخطيه، و أكسر بخاطره، و قد سمعته يحلف الأيمان الغلاظ، و يثنيها بالحرام و الطلاق أن قاته “غيلي”، و أنه أحسن قات في السوق كله .. أنا لا أعرف “الغيلي” و لا السوطي و لا غيره، أنا أستصعب تمييز القات عن بعضه، بل و ربما تلتبس لدي أوراق القات عما يشابهها من أوراق الشجر التي تشابهه .. و لكن كان لأيمان البائع لدي مهابة، و “حرام يمين طلاق” أرغمتني على العودة إلى هذا البائع تحديدا .. أعطتني مزيد من الثقة أن هذا البائع لا يكذب، و أن قاته أحسن قات في السوق..
لمحت القات، و بدى لي من منظره الخارجي لامعا و لافت للنظر .. اكتفيت بتلك اللمحة، و لم أفتح صرة القات أو أفتشها، مكتفيا بالثقة المعززة بإيمانه الغليظة التي أطلقها .. أحدث نفسي: من غير الممكن أن يطلّق الرجل زوجته من أجل أن أشتري منه القات .. لا شك أن البائع صادق .. ثم سألت البائع عن سعره، فأجابني؛ و لكنني شعرت أن السعر غالي، غير أن وصفه للقات، و تكريس الأيمان المؤكدة لقوله، بل و خوضه في التفاصيل، من أن أشترى القات بقيمة كذا، و أن ربحه كذا؛ جعلتني أصدّقه، بل جلب تعاطفي معه، معلنا انحيازي إليه ضد نفسي .. تعب البائع يستحق أكثر مما قال، و دفعت له أكثر مما طلب، حيث تغاضيت عن أخذ الباقي إكراما لتعبه الذي كسب تعاطفي..
عدت من “المقوات” إلى البيت غبطا و مُنتشي .. بديت أمام نفسي أشبه بفارس كسب المعركة .. بدى القات و أنا متأبطه و مجفلا إلى البيت، أشبه بالجنرال الذي عاد من المعركة منتصرا يحمل إكليل الغار..
ضيفي المطري خبير في القات، و هو يستحق الغالي، و لن يكون في الغالي إلا ما يستحق .. يجب أن لا أكون أقل كرما منه .. إنه إكراما لكريم كان كرمه أسبق..
و في طريق عودتي اشتريت سمك و فاكهة .. استعجلت الغداء، و الاتصال بالمطري بسرعة الحضور .. و بعد ساعة حضر الضيف .. يا مرحبا بالضيف على العين و الرأس .. قدمنا الغداء رز و سمك و كان المسك فاكهة .. ظننت إن الغداء كان كافيا، و أن واجبي فيما يخص الغداء قد أنتهى لا سيما أنه فاض عن حاجتنا .. لم أكن أعلم إن “السلتة” أو “الفحسة” أو على الأقل “العصيد”، ضرورية ليطيب الضيف و مقيله و قاته .. اعتقدت بهذا الغداء العدني أني قد قمت بما هو واجب، فيما ضيفي بمجرد تقديم الفاكهة، بدا في حال لم استوعبه للتو..
بدأت أفرش القات لأعطيه قسمه، و لكن بمجرد أن لمح القات من بعد أمتار، نهض من مجلسه كزرافة، و هو يرمق للقات من علو؛ ثم أستأذن منّي للخروج مدة ربع ساعة ليذهب يحاسب صاحب المنجرة القريب من مكاننا؛ لأنه يوجد عنده حساب، و قد وعده إنه سوف يمر عليه بعد الظهر ليسدد الذي عليه .. فاستدركت بتوصيته أن لا يتأخر، و لكن ضيفنا تأخر أكثر من الساعة، و عاد متأبط قات مطول و معصوب في رديفه الذي كان و هو ذاهب معطوفا على كتفه و مسدولا على ظهره.
صرخت في وجهه: كيف تشتري قات و أنا قد اشتريت قات لي و لك؛ فرد قائلا:
– شفت النسوان اللي يبيعن اللحوح في الحصبة باب سوق الشيخ عبد الله..!
أجبته: نعم..
– قال: هن يخزنين من هذا القات الذي اشتريته أنت..
صدمتني فجاجة الضيف و مصارحته الصارخة، و حاولت أن التمست له العذر كونه متصالح مع نفسه .. و مع ذلك أحسست بالحرج الشديد و الخجل الأشد وطأة..
تفاجأت أكثر و هو يعلمني أنه تغدى أيضا في الخارج مرة
كلب.. وأنا معرفش أغيرها..
• فمد القاضي يده وأخذ مني التلفون وبدأ يتعامل معه حتى غيرها إلى رنة قاضي بحق وحقيقة..
• الحقيقة لم أخرج من المجلس إلا بعد أن عرفت أن تلفوني اسمه "الرنان" وعرفت كيف أتعامل مع التلفون، وكيف أغير نغماته، وعرفت أيضا إن الأغنية جزائرية، واسم الأغنية (عبد القادر)، وأن الأغنية شبابية جدا، وأن الفنان اسمه الشاب خالد.. وعرفت أيضا بعض كلمات الأغنية التي تقول:
عبدالقادر يا بو علم ضاق الحال عليّ
داوي حالي يا بو علم سيدي ارؤف عليّ
دعوتي القلّيله... يانا... ذيك المبليه
خليتني في حيره... يانا... العشرة طويله
• الحقيقة كانت جلستنا رائعة و ودوده، وفيها فائدة ومعرفة لم أسبق إليها من قبل، ابتداء بالتلفون وانتهاء بكلمات الأغنية.. شغفت بالمعرفة وصرت أشبه بالعربي الذي يتوق لتعلم اللغة العبرية..
خرجت من المجلس بعد المقيل، وأنا أضحك على نفسي وأحدثها كمجنون: "بعض القضاة خطيرون.. يفهمون في كل شيء" وأنا لا أعرف حتى اسم تلفوني..
تعرفت خلال سنوات الحرب بقاضي جليل وعزيز هو أحمد الخبي.. إنه مرجع في القضاء وفي غيره.. ووجدت أن بعض القضاة متجاوزين لواقعهم بكثير.. ولهم اضطلاع ومعارف في كل الفنون، ولهم أيضا عالمهم الجميل الغير معلن عنه في الحب والغناء والشعر والحكايات التي لا تُنسي، ولدى بعضهم قلوب مرهفة، وبإمكانك أن تسمع منهم ما لا تعرفه ولا تسمع به من قبل.. فيما بعضهم لازالوا يعتقدوا إن النجم سهيل كان عشارا في اليمن فمسخه الله نجما ليكون عبرة..
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
(9)
قات وجوع..
كنت غالبا ما أصطبح في وقت متأخر، غير أن ذلك اليوم لم أصطبح، حيث كان برنامجي اليومي شديد الاكتظاظ إلى الحد الذي أنساني فطوري.. اشتريت قات وعدتُ لأجد ديوان مجلسي مكتظا بالرفاق والأصدقاء والأحبة.. كان الترحيب بي من قبل الحاضرين احتفاليا وبهيجا..
بمجرد طلتي عليهم، أفسحوا لي مجالا للجلوس.. وكما نسيتُ الفطور المتأخر للصباح، نسيت تناول وجبة الغذاء.. بدأت التخزين والحديث والاهتمام من حولي يدور جاذبا وآسر..
قبل الساعة السادسة بدأت أتعرّق، وبدأ الغثيان يزداد ويشتد.. بدأ وجهي يسود ويكفهر.. أحسست ببداية حمّى تعتريني وطعمها المر يلسع لساني.. ظننت إن سبب ذلك يرجع إلى أني خزنت دون أن أغسل القات..
اعتذرت للحاضرين منوها أنني لم أغسل القات، وأنني أشعر بغثيان وحمى.. دخلت لأتقيأ.. كنت أشعر بانقباض شديد، ومعدة أكاد أن أتقيئاها.. اكتشفت أن معدتي خاوية وفارغة ولا يوجد ما أتقيؤه.. تذكرت أنني خزنت دون فطورا أو غداء..
***
في حملتي الانتخابية وأنا أستقل السيارة في طريق (المداكشة ، النويحة) وهي طريق مكسّرة وصعبة، ولا تخلوا من وعورة أمام السيارات، إلى درجة تتنفس الصعداء حالما تصل نهايتها.. كنا نرتطم ببعضنا تارة، وبهيكل السيارة تارة أخرى.. تتصادم أجسادنا ببعض ونترادع أحيانا بالرؤوس.. نبدو في الطريق والسيارة التي تقلنا، وكأننا راكبين على ظهر حمار.. وفيما كنتُ مخزن شعرت بغته بالجوع يداهمني ويهد قواي.. كنت لا أريد أن أرمي بالقات من فمي، لأنه يعينني بقدر ما على منع الغثيان، أو على الأقل تأخيره بعض الوقت..
أردت أن أحتال على الجوع، وأحافظ على بقاء القات في فمي.. اشتريت حلوى لأسد بها رمق الجوع، وتفاجأ من كانوا معي في السيارة أنني أريد أن آكل الحلوى وفي نفس الوقت لا أخرج القات من فمي.. كنت اعتقد أن الأمر سهلا، فالقات الذي أمضغه في جانب واحد من فمي، فيما أنا سأستغل الجانب الآخر بأكل الحلوى.. سأفعل هذا بحذر وأجعل الحلوى تتسلل إلى معدتي الجائعة بسلاسة وخفة، دون أن أتعرض للقات في الجانب الآخر..
نصحني الجميع فيما عارضني بشدة صديقي ردمان النماري.. فلم أمتثل للنصيحة ولم استجب للاعتراض.. حشيت الجانب الفارغ من فمي بقطعة الحلوى، وبدأت أمضغ الحلوى في الجهة المقابلة للقات، وفجأة ساح القات بطريقة عجيبة وسريعة إلى معدتي، لم أكن أتوقعها، تسلل وأنساب القات إلى معدتي ربما قبل أن تصل قطعت الحلوى الممضوغة إليها..
قررت أن أكمل أكل الحلوى لأشبع جوع معدتي بعد أن خسرت قاتي.. لا أريد أن أخسر القات والحلوى معا ودفعة واحدة.. صرت العصفورين الذي أصابهما الحجر..
واصلنا السير بالسيارة.. وبعد قليل داهمني الغثيان.. بدأت جبهتي وصدغي يتفصد عرقا.. بدأت أشعر بالضيق والدوار.. بدأ فمي يمتلئ ماء ولعاب، حاولت الإمساك بما في فمي، وأمنع نفسي من أن أتقيأ، إلا أن اندفاع القيء من معدتي إلى أعلى كان أكبر وأقوى.. تقيأت، وأخرجت ما في معدتي.. كنت أشعر وأنا أشهق وأتقيأ إن معدتي هي الأخرى تريد أن تغادرني، أو تخرج من جوفي.. أحسست أنها تريد أن تطلقني بالثلاث، لولا أن العصمة كانت في يدي.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(10)
القات مع الحليب
• في فترة من الفترات كان القات يشعرني بالفخامة والرضى وأنا اتعاطاه مع الحليب.. كنت أحدث نفسي وأقول: أليس هناك من يفضل الشاي مع القات، وآخرون يستحسنون "المزغول"، والبعض يفضل "البيبسي" أو
• فمد القاضي يده وأخذ مني التلفون وبدأ يتعامل معه حتى غيرها إلى رنة قاضي بحق وحقيقة..
• الحقيقة لم أخرج من المجلس إلا بعد أن عرفت أن تلفوني اسمه "الرنان" وعرفت كيف أتعامل مع التلفون، وكيف أغير نغماته، وعرفت أيضا إن الأغنية جزائرية، واسم الأغنية (عبد القادر)، وأن الأغنية شبابية جدا، وأن الفنان اسمه الشاب خالد.. وعرفت أيضا بعض كلمات الأغنية التي تقول:
عبدالقادر يا بو علم ضاق الحال عليّ
داوي حالي يا بو علم سيدي ارؤف عليّ
دعوتي القلّيله... يانا... ذيك المبليه
خليتني في حيره... يانا... العشرة طويله
• الحقيقة كانت جلستنا رائعة و ودوده، وفيها فائدة ومعرفة لم أسبق إليها من قبل، ابتداء بالتلفون وانتهاء بكلمات الأغنية.. شغفت بالمعرفة وصرت أشبه بالعربي الذي يتوق لتعلم اللغة العبرية..
خرجت من المجلس بعد المقيل، وأنا أضحك على نفسي وأحدثها كمجنون: "بعض القضاة خطيرون.. يفهمون في كل شيء" وأنا لا أعرف حتى اسم تلفوني..
تعرفت خلال سنوات الحرب بقاضي جليل وعزيز هو أحمد الخبي.. إنه مرجع في القضاء وفي غيره.. ووجدت أن بعض القضاة متجاوزين لواقعهم بكثير.. ولهم اضطلاع ومعارف في كل الفنون، ولهم أيضا عالمهم الجميل الغير معلن عنه في الحب والغناء والشعر والحكايات التي لا تُنسي، ولدى بعضهم قلوب مرهفة، وبإمكانك أن تسمع منهم ما لا تعرفه ولا تسمع به من قبل.. فيما بعضهم لازالوا يعتقدوا إن النجم سهيل كان عشارا في اليمن فمسخه الله نجما ليكون عبرة..
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
(9)
قات وجوع..
كنت غالبا ما أصطبح في وقت متأخر، غير أن ذلك اليوم لم أصطبح، حيث كان برنامجي اليومي شديد الاكتظاظ إلى الحد الذي أنساني فطوري.. اشتريت قات وعدتُ لأجد ديوان مجلسي مكتظا بالرفاق والأصدقاء والأحبة.. كان الترحيب بي من قبل الحاضرين احتفاليا وبهيجا..
بمجرد طلتي عليهم، أفسحوا لي مجالا للجلوس.. وكما نسيتُ الفطور المتأخر للصباح، نسيت تناول وجبة الغذاء.. بدأت التخزين والحديث والاهتمام من حولي يدور جاذبا وآسر..
قبل الساعة السادسة بدأت أتعرّق، وبدأ الغثيان يزداد ويشتد.. بدأ وجهي يسود ويكفهر.. أحسست ببداية حمّى تعتريني وطعمها المر يلسع لساني.. ظننت إن سبب ذلك يرجع إلى أني خزنت دون أن أغسل القات..
اعتذرت للحاضرين منوها أنني لم أغسل القات، وأنني أشعر بغثيان وحمى.. دخلت لأتقيأ.. كنت أشعر بانقباض شديد، ومعدة أكاد أن أتقيئاها.. اكتشفت أن معدتي خاوية وفارغة ولا يوجد ما أتقيؤه.. تذكرت أنني خزنت دون فطورا أو غداء..
***
في حملتي الانتخابية وأنا أستقل السيارة في طريق (المداكشة ، النويحة) وهي طريق مكسّرة وصعبة، ولا تخلوا من وعورة أمام السيارات، إلى درجة تتنفس الصعداء حالما تصل نهايتها.. كنا نرتطم ببعضنا تارة، وبهيكل السيارة تارة أخرى.. تتصادم أجسادنا ببعض ونترادع أحيانا بالرؤوس.. نبدو في الطريق والسيارة التي تقلنا، وكأننا راكبين على ظهر حمار.. وفيما كنتُ مخزن شعرت بغته بالجوع يداهمني ويهد قواي.. كنت لا أريد أن أرمي بالقات من فمي، لأنه يعينني بقدر ما على منع الغثيان، أو على الأقل تأخيره بعض الوقت..
أردت أن أحتال على الجوع، وأحافظ على بقاء القات في فمي.. اشتريت حلوى لأسد بها رمق الجوع، وتفاجأ من كانوا معي في السيارة أنني أريد أن آكل الحلوى وفي نفس الوقت لا أخرج القات من فمي.. كنت اعتقد أن الأمر سهلا، فالقات الذي أمضغه في جانب واحد من فمي، فيما أنا سأستغل الجانب الآخر بأكل الحلوى.. سأفعل هذا بحذر وأجعل الحلوى تتسلل إلى معدتي الجائعة بسلاسة وخفة، دون أن أتعرض للقات في الجانب الآخر..
نصحني الجميع فيما عارضني بشدة صديقي ردمان النماري.. فلم أمتثل للنصيحة ولم استجب للاعتراض.. حشيت الجانب الفارغ من فمي بقطعة الحلوى، وبدأت أمضغ الحلوى في الجهة المقابلة للقات، وفجأة ساح القات بطريقة عجيبة وسريعة إلى معدتي، لم أكن أتوقعها، تسلل وأنساب القات إلى معدتي ربما قبل أن تصل قطعت الحلوى الممضوغة إليها..
قررت أن أكمل أكل الحلوى لأشبع جوع معدتي بعد أن خسرت قاتي.. لا أريد أن أخسر القات والحلوى معا ودفعة واحدة.. صرت العصفورين الذي أصابهما الحجر..
واصلنا السير بالسيارة.. وبعد قليل داهمني الغثيان.. بدأت جبهتي وصدغي يتفصد عرقا.. بدأت أشعر بالضيق والدوار.. بدأ فمي يمتلئ ماء ولعاب، حاولت الإمساك بما في فمي، وأمنع نفسي من أن أتقيأ، إلا أن اندفاع القيء من معدتي إلى أعلى كان أكبر وأقوى.. تقيأت، وأخرجت ما في معدتي.. كنت أشعر وأنا أشهق وأتقيأ إن معدتي هي الأخرى تريد أن تغادرني، أو تخرج من جوفي.. أحسست أنها تريد أن تطلقني بالثلاث، لولا أن العصمة كانت في يدي.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(10)
القات مع الحليب
• في فترة من الفترات كان القات يشعرني بالفخامة والرضى وأنا اتعاطاه مع الحليب.. كنت أحدث نفسي وأقول: أليس هناك من يفضل الشاي مع القات، وآخرون يستحسنون "المزغول"، والبعض يفضل "البيبسي" أو