قوانين أكبر منّا ومنها.. حيوانات الغابة تفترس بعضها البعض، بدافع الغريزة والجوع، أو الضرورة الملجئه ؟! ولكن نحن البشر يمكن أن نقتل بعضنا بدوافع غير الضرورة.. نحن نقتل بعضنا حمقا أو طمعا أو بدافع الانتقام.. وفوق قتل بعضنا، نقتل المخلوقات دوننا، لنأكل لحمها ونُتخم..
بدا لي كطفل موجوع بالسؤال، وببراءة غير ملوثة، إن هذا العالم مؤلم جدا، والحكمة في فوضى هذا العالم المفترس تحتاج إلى بحث وإعادة نظر.. الحياة ستكون أفضل بدون قتل، وبدون دم، وبدون إزهاق للنفوس.. لندع المهمة إلى عزرائيل يتولاها، ولكن من دون دم..
ربما وأنا طفل أردت أن أقول كل هذا وغيره على لسان محامي عنّا وعن المخلوقات دوننا.. ولكن لا محامي للنفوس المظلومة، وكبش العيد بات أضحية في تاريخنا كله، قدر لابد منه، من يوم فدى اسماعيل ابن نبي الله إبراهيم.. وعندما كبرت عرفت أشياء كثيرة، ووجدت ما هو أكبر وأكثر..
كنت أتمزق من الألم والحزن وكبشنا يُذبح، بل شعرتُ أنني أنا من يُذبح أكثر منه.. ثم ألوذ بالهرب وهم يذبحونه، وأنا مسكونا بالرفض والامتعاض المُر، من أن يكون العالم بشع بذلك القدر..
كنت طفلا، وما كنت أظن أن عمري سيمتد إلى ما بعد الخمسين، وأشاهد ما هو أكثر من فادح ومرعب وبشع.. ناس يجزون رؤوس ناس تقربا إلى الله وطلبا لغفرانه ورضوانه.. ناس يرتكبون كل حماقات الدنيا وفظائعها من أجل دخول الجنة ومضاجعة حور العين.. حروب وقتل وظلم فادح لا تحتمله الجبال.. سفه ما بعده سفه.. مجرمون يستهوون القتل، ويمعنون فيه حد الغرق في الدم، دون أن يشعرون بذنب أو تأنيب ضمير..
ما كنت أدرك أن أرباب المال في العالم، وتجار الحروب والحرائق يصنعون كل تلك البشاعات التي فاقت كل مهول ومرعب.. ما كنت أظن إن جوع الجنس أكبر من كل جوع.. ماكنت أدري إن هناك اكتظاظا على أبواب الجنة من أجل الحور العين، والجنس الذي يمتد ويعمّر إلى الأبد، دون انتقاص أو ضعف انتصاب.. ما كنت أظن أن مستقبلنا سيُخطف ويُغتصب، وأن أحلامنا ستصلب بهذا القدر من الجُرأة والبشاعة والدموية المُغرقة..
لم أكن أعرف أن أوطاننا سَتَعلَق أو ستُغرق بكل هذه الدماء، وأن حضارة وعمران أكثر من خمسة آلاف عام سيطوله كل هذا الدمار والخراب، وأن الموت سيعبث فينا بهذا القدر من الجنون، ويُعاث في الأرض كل هذا الفساد القادم من البشر لا من الشياطين..
ما كنت أظن أننا سنشهد حروب مثل هذه الحروب القذرة التي تشهدها اليمن اليوم.. ماكنت أظن إنني سأعيش وأرى كل هذا الموت والدمار والخراب يقتات منه حفنة من المجرمين.. أرباب العالم وتجار الحروب وصناع المآسي لهذا العالم المثقل بهم..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(11)
عيدي غير سعيد
الأطفال والصبية يفرحون بالعيد إلا أنا، أنا المنكوب بعاثر الحظ، لا يسلم فرحي بالعيد من قدر يفسده ويسِّود صفحته. عيدي هذا العام موجوع بأمي الهاربة عند أهلها من نكد تعاظم وشجار أستمر وزاد عما يحتمل..
عيدي بعيد عن أمي لا طعم له ولا لون، أشعر أن الوحشة والغربة والحزن قد سكنوني مجتمعين في أيام يفترض أن تكون بهجة وسروراً وفرحا..
في العيد يتسربل الصبية بالسعادة ولباس العيد؛ ترى الفرح في وجوههم كالعصافير ومحياهم نور على نور.
وجوم ليالي العام أو جلّها، ظلمتها، وحشتها، تجهُّمها، رتابتها، وحدها التي تكسره بهجة العيد، تمزقه فرقعات “الطماش” ووميضها.. السرور يغمر المُهج والقلوب.. أما أنا فشأني مُختلف.. لم يفسد هذا العيد غياب أمي فقط ولكن أفسدته أيضا وشاية ابن جارنا..
سبب صغير وبحجم أصغر من حبة فول، كان لدى والدي يكفي أن يشعل حيالي حربا عالمية.. وما يستفزه أكثر من ذلك أن لا يراني مستجديا لرحمته..
عدم استجداء رحمته كانت تعني بالنسبة له أنني أستفزه وأنتقص من هيبته وهو المهاب..
عدم مناجاة عطفه يعني أنني أتحداه وأثير غيضه وحفيظته.. أمر كهذا لديه بالغ في الجسامة وموغل في التحدي لسلطته وداعي مثير لإعادة اعتباره ومهابته..
إذا ما داعاني لأمر وتوانيت فقط في إجابته؛ تجد وكأن الجن تلبسوه، وركب فوق رأسه ألف عفريت..
حاول قتلي طعنا بـ “الجنبية”، وحال المتواجدون من نسوة ورجال وفتية دون قتلي وأخطأتني الطعنة لتصيب ابن عمي عبده في يده، بينما كان يحاول منعها من أن تخترق جسدي المُنهك والمثقل بالتعب..
تحول العيد في وجهي إلى احلك من ليل وأكثف من ظلام سرداب سحيق..
هربت من سطوته مائة متر، فيما هو يحاول قتلي بالرصاص تداريت بجذع شجرة “السُقم”، كنت أختلس النظر من محاذاتها فيما كان الاختلاس يستفز أبي ويثير حماقته وحميته كما يثير المصارع الاسباني هيجان ثور خرج للتو من محبسه إلى حلبة مصارعة الثيران وقد أصابه المصارع في طعنة سيف..
العراك على أشده؛ نسوة ورجال يحاولون انتزاع البندقية من أكف أبي فيما هو يصر على محاولة قتلي؛ كنت أسائل نفسي بهلع عما إذا كان بمقدور الرصاص أن ينفذ من جذع الشجرة فيطالني، أعود لأطمئن نفسي إن الجذع قادر على أن يتولى مهمة صد الرصاص! غير أنني وجدت أن القرار الأفض
بدا لي كطفل موجوع بالسؤال، وببراءة غير ملوثة، إن هذا العالم مؤلم جدا، والحكمة في فوضى هذا العالم المفترس تحتاج إلى بحث وإعادة نظر.. الحياة ستكون أفضل بدون قتل، وبدون دم، وبدون إزهاق للنفوس.. لندع المهمة إلى عزرائيل يتولاها، ولكن من دون دم..
ربما وأنا طفل أردت أن أقول كل هذا وغيره على لسان محامي عنّا وعن المخلوقات دوننا.. ولكن لا محامي للنفوس المظلومة، وكبش العيد بات أضحية في تاريخنا كله، قدر لابد منه، من يوم فدى اسماعيل ابن نبي الله إبراهيم.. وعندما كبرت عرفت أشياء كثيرة، ووجدت ما هو أكبر وأكثر..
كنت أتمزق من الألم والحزن وكبشنا يُذبح، بل شعرتُ أنني أنا من يُذبح أكثر منه.. ثم ألوذ بالهرب وهم يذبحونه، وأنا مسكونا بالرفض والامتعاض المُر، من أن يكون العالم بشع بذلك القدر..
كنت طفلا، وما كنت أظن أن عمري سيمتد إلى ما بعد الخمسين، وأشاهد ما هو أكثر من فادح ومرعب وبشع.. ناس يجزون رؤوس ناس تقربا إلى الله وطلبا لغفرانه ورضوانه.. ناس يرتكبون كل حماقات الدنيا وفظائعها من أجل دخول الجنة ومضاجعة حور العين.. حروب وقتل وظلم فادح لا تحتمله الجبال.. سفه ما بعده سفه.. مجرمون يستهوون القتل، ويمعنون فيه حد الغرق في الدم، دون أن يشعرون بذنب أو تأنيب ضمير..
ما كنت أدرك أن أرباب المال في العالم، وتجار الحروب والحرائق يصنعون كل تلك البشاعات التي فاقت كل مهول ومرعب.. ما كنت أظن إن جوع الجنس أكبر من كل جوع.. ماكنت أدري إن هناك اكتظاظا على أبواب الجنة من أجل الحور العين، والجنس الذي يمتد ويعمّر إلى الأبد، دون انتقاص أو ضعف انتصاب.. ما كنت أظن أن مستقبلنا سيُخطف ويُغتصب، وأن أحلامنا ستصلب بهذا القدر من الجُرأة والبشاعة والدموية المُغرقة..
لم أكن أعرف أن أوطاننا سَتَعلَق أو ستُغرق بكل هذه الدماء، وأن حضارة وعمران أكثر من خمسة آلاف عام سيطوله كل هذا الدمار والخراب، وأن الموت سيعبث فينا بهذا القدر من الجنون، ويُعاث في الأرض كل هذا الفساد القادم من البشر لا من الشياطين..
ما كنت أظن أننا سنشهد حروب مثل هذه الحروب القذرة التي تشهدها اليمن اليوم.. ماكنت أظن إنني سأعيش وأرى كل هذا الموت والدمار والخراب يقتات منه حفنة من المجرمين.. أرباب العالم وتجار الحروب وصناع المآسي لهذا العالم المثقل بهم..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(11)
عيدي غير سعيد
الأطفال والصبية يفرحون بالعيد إلا أنا، أنا المنكوب بعاثر الحظ، لا يسلم فرحي بالعيد من قدر يفسده ويسِّود صفحته. عيدي هذا العام موجوع بأمي الهاربة عند أهلها من نكد تعاظم وشجار أستمر وزاد عما يحتمل..
عيدي بعيد عن أمي لا طعم له ولا لون، أشعر أن الوحشة والغربة والحزن قد سكنوني مجتمعين في أيام يفترض أن تكون بهجة وسروراً وفرحا..
في العيد يتسربل الصبية بالسعادة ولباس العيد؛ ترى الفرح في وجوههم كالعصافير ومحياهم نور على نور.
وجوم ليالي العام أو جلّها، ظلمتها، وحشتها، تجهُّمها، رتابتها، وحدها التي تكسره بهجة العيد، تمزقه فرقعات “الطماش” ووميضها.. السرور يغمر المُهج والقلوب.. أما أنا فشأني مُختلف.. لم يفسد هذا العيد غياب أمي فقط ولكن أفسدته أيضا وشاية ابن جارنا..
سبب صغير وبحجم أصغر من حبة فول، كان لدى والدي يكفي أن يشعل حيالي حربا عالمية.. وما يستفزه أكثر من ذلك أن لا يراني مستجديا لرحمته..
عدم استجداء رحمته كانت تعني بالنسبة له أنني أستفزه وأنتقص من هيبته وهو المهاب..
عدم مناجاة عطفه يعني أنني أتحداه وأثير غيضه وحفيظته.. أمر كهذا لديه بالغ في الجسامة وموغل في التحدي لسلطته وداعي مثير لإعادة اعتباره ومهابته..
إذا ما داعاني لأمر وتوانيت فقط في إجابته؛ تجد وكأن الجن تلبسوه، وركب فوق رأسه ألف عفريت..
حاول قتلي طعنا بـ “الجنبية”، وحال المتواجدون من نسوة ورجال وفتية دون قتلي وأخطأتني الطعنة لتصيب ابن عمي عبده في يده، بينما كان يحاول منعها من أن تخترق جسدي المُنهك والمثقل بالتعب..
تحول العيد في وجهي إلى احلك من ليل وأكثف من ظلام سرداب سحيق..
هربت من سطوته مائة متر، فيما هو يحاول قتلي بالرصاص تداريت بجذع شجرة “السُقم”، كنت أختلس النظر من محاذاتها فيما كان الاختلاس يستفز أبي ويثير حماقته وحميته كما يثير المصارع الاسباني هيجان ثور خرج للتو من محبسه إلى حلبة مصارعة الثيران وقد أصابه المصارع في طعنة سيف..
العراك على أشده؛ نسوة ورجال يحاولون انتزاع البندقية من أكف أبي فيما هو يصر على محاولة قتلي؛ كنت أسائل نفسي بهلع عما إذا كان بمقدور الرصاص أن ينفذ من جذع الشجرة فيطالني، أعود لأطمئن نفسي إن الجذع قادر على أن يتولى مهمة صد الرصاص! غير أنني وجدت أن القرار الأفض
ل والأكثر أماناً أن استفيد من لحظة العراك وأطلق أرجلي للريح، وأنجو بهروب سريع.. هربت والذعر يضاعف سرعتي، كتب الله نجاتي، كما كتب أيضا مزيدا من العذاب والخيبات..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(12)
هروب وعودة
هربت إلى دار “الشناغب” دار جدي ـ والد أمي ـ الذي يبعد عن منزل أبي بحدود خمسة كيلو مترات، يقع في منطقة محاذية لحدود دولة الجنوب.. وهو دار حربي في أعلى أحدى الجبال متوسط الارتفاع، ولا توجد منازل في ذلك الجبل غيره، أو قريبة منه، ولكن توجد منازل في بعض الجهات المقابلة..
في الجوار الملاصق للمنزل خزان ماء أرضي، وفي الدار كواو، وشقوق طولية ضيقة، يمكن استخدامها في المراقبة، واطلاق النار من البندقية إلى الخارج حيث تسمح بمرور ماسورة البندقية إلى الخارج بقطاع وزاوية معنية.. ويبدو إن هذا الدار قد شهد شيئا مما خصص له في زمن خلاء.
أما جدي سالم مانع الذي يملك دار أخر، وكان يقطن أيضا هذا الدار في عهد طفولتي، وسكنت أمي قبل مجيئي فترة فيه.. جدي سالم رجل فاضل، مسالم، طيب القلب، نقي السريرة، يقضي كثيراً من وقته في قراءة القرآن والحديث في تفاسيره، كان تقيا، ورعا، محبا، لا يحمل ضغينة، ولا يضمر شرا، ولم يعر بالا أو اكتراثا للسياسة، ومع ذلك دفع حياته لاحقا ثمنا لأفعال الساسة.
أقبل أبي بعد سويعات من هروبي، رأيته من دار "الشناغب" دون أن يراني، رأيته يمتطي حماره الأبيض، كان حمار أبي يشبه الحصان، وكان والدي يهتم به.. رأيت بندقية أبي مسطوحا أمامه، يبدو مستعدا لاستخدامها في أول وهلة يراني فيها، رأيت في مَقدمه شرا ونارا، أنخلع قلب أمي الهاربة في بيت جدي.. خرجت مذعورا من الدار إلى الجبل في الاتجاه المعاكس لمقدمه متجها نحو حدود دولة الجنوب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.. هنالك دولة ونظام لعله يتولَّى حمايتي، ولجم حماقة أبي.. هذا ما حدثتُ به نفسي وانا أهم بالتوجه إلى الحدود عبر مسلك وعر..
خالتي أخت أمي أبلغت والدي أنني خرجت من الدار وهربت؛ كانت خالتي قوية الشخصية.. كانت صارمة وحازمة، تجيد الاستبسال، والمواجهة، والتحريض أيضا، وقراءة كتاب الرمل وفك طلاسمه والتعاطي معه بما ترجوه أو يرجوه الكتاب..
أدرك أبي وجهتي، واستطاع الإسراع بحماره إلى المكان الغربي من الوادي، والذي بإمكانه أن يحول دون وصولي إلى الحدود، وأشهر بندقيته نحو الجبل، فيما أنا كنت قد أخبئت نفسي خلف نتوء في كنف الجبل، وبعد طول تفاوض مع خالتي مريم، ورجال خيريين من عابري السبيل، التزم أبي بأن لا يؤذيني، مقابل أن أعود إلى بيته؛ طمئنني الجميع أن الأحوال ستكون على ما يرام، ولن يحدث لي أي مكروه؛ والدي تعهد أمام من شهد الموقف ألا يلحق بي أذى أو انتقام، نزلت من الجبل بعد ما يشبه عملية التفاوض الذي قادته خالتي من جهتي، وعاد أبي وهو يبلع غيظه شاعراً بعدم الرضا؛ لأنه لم يشبع حماقته، ولم يشفِ غليله الفوار..
عدت بموكب يحيطني، كانت بعض النسوة وأختي من أمي هناء إلى جواري يرافقن عودتي وخمسمائة متر تفصلنا عن مسير أبي وحماره، كان أبي ينتظرنا في كل منعطف حتى نقترب منه.. بدأت المسافة مع السير تضيق وتضيق.. وعندما بلغنا منطقة تسمى بـ: “سوق الخميس”، لم يحتمل أبي أن أسجل عليه ما بدا له انتصاراً، استفزه منظري الذي بديت فيه المنتصر، وساورته الريبة بأنني أُشمت به، وأنال من سلطته وسلطانه، لم يحتمل ما جاس في صدره، ثارت حماقته مرة أخرى، تمتم بالسباب الحمق، وصوّب بندقيته بانفعال نحوي، حمتني النسوة بأجسادهن؛ تعالى الصراخ والذعر، تدخل المارة، وكل من كان على مقربة منّا؛ انتهت الجلبة حينما قطع أبي على مضض عهدا آخر للناس بألا يُلحق بي سوءاً أو ضررا، وبر هذه المرة بوعده، ولكن على كره ومرارة ومضض.. لم يطق ابي أن يشاهد ما تصوره انتصاري المستمر عليه، وحتى لا ينكث عهدا قطعه مرتين أمام مشهد من الناس؛ أعادني مباشرة إلى منزل أخي علي في نفس القرية..
عاد أبي بعد أيام ليتصالح مع أمي وأهلها، ثم عدت إلى بيت أبي من جديد في حضرة أمي التي ندمت أشـد الندم على ما حدث، وعلى تركها لي أياماً كنت خلالها أحوج ما أكون إليها بجانبي.. ومر العيد بسلام بعد أن كاد يتحول إلى ميتم أو مجهول.. وكنت أنا السبب الأهم في استمرار زواج أبي وأمي، رغم الخطوب المتعددة، وما شاب له الدهر..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(13)
خذلني القدر بعد مائة صلاة
الآباء يحنون على أولادهم.. يغمرونهم بالعطف والمحبة، ويحيطونهم بالرعاية والاهتمام.. لا يردوا لهم رجاء أو طلب إن تأتّى، أو كان تحقيقه في الوسع والمقدرة، فإن أستحال وتعذّر التمسوا منهم السماح والعذر المؤكد.. أبي هو الوحيد الذي من بين ألف طلب لا يستجيب لي بنصف طلب، لا رجاء يجدي معه ولا توسل.. أبي لا يرتخي طبعه حتى في يوم العيد.. أبي صعب المراس كالفولاذ، وقلبه من حجر الصوان.. هذه هي الصورة التي علقت في ذهني عن أبي، ولكن ما أن كبرت ونضجت فهمت أشياء كثيرة..
الآباء لا يمنعون أولادهم من الذهاب للموالد البعيدة، وأفر
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(12)
هروب وعودة
هربت إلى دار “الشناغب” دار جدي ـ والد أمي ـ الذي يبعد عن منزل أبي بحدود خمسة كيلو مترات، يقع في منطقة محاذية لحدود دولة الجنوب.. وهو دار حربي في أعلى أحدى الجبال متوسط الارتفاع، ولا توجد منازل في ذلك الجبل غيره، أو قريبة منه، ولكن توجد منازل في بعض الجهات المقابلة..
في الجوار الملاصق للمنزل خزان ماء أرضي، وفي الدار كواو، وشقوق طولية ضيقة، يمكن استخدامها في المراقبة، واطلاق النار من البندقية إلى الخارج حيث تسمح بمرور ماسورة البندقية إلى الخارج بقطاع وزاوية معنية.. ويبدو إن هذا الدار قد شهد شيئا مما خصص له في زمن خلاء.
أما جدي سالم مانع الذي يملك دار أخر، وكان يقطن أيضا هذا الدار في عهد طفولتي، وسكنت أمي قبل مجيئي فترة فيه.. جدي سالم رجل فاضل، مسالم، طيب القلب، نقي السريرة، يقضي كثيراً من وقته في قراءة القرآن والحديث في تفاسيره، كان تقيا، ورعا، محبا، لا يحمل ضغينة، ولا يضمر شرا، ولم يعر بالا أو اكتراثا للسياسة، ومع ذلك دفع حياته لاحقا ثمنا لأفعال الساسة.
أقبل أبي بعد سويعات من هروبي، رأيته من دار "الشناغب" دون أن يراني، رأيته يمتطي حماره الأبيض، كان حمار أبي يشبه الحصان، وكان والدي يهتم به.. رأيت بندقية أبي مسطوحا أمامه، يبدو مستعدا لاستخدامها في أول وهلة يراني فيها، رأيت في مَقدمه شرا ونارا، أنخلع قلب أمي الهاربة في بيت جدي.. خرجت مذعورا من الدار إلى الجبل في الاتجاه المعاكس لمقدمه متجها نحو حدود دولة الجنوب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.. هنالك دولة ونظام لعله يتولَّى حمايتي، ولجم حماقة أبي.. هذا ما حدثتُ به نفسي وانا أهم بالتوجه إلى الحدود عبر مسلك وعر..
خالتي أخت أمي أبلغت والدي أنني خرجت من الدار وهربت؛ كانت خالتي قوية الشخصية.. كانت صارمة وحازمة، تجيد الاستبسال، والمواجهة، والتحريض أيضا، وقراءة كتاب الرمل وفك طلاسمه والتعاطي معه بما ترجوه أو يرجوه الكتاب..
أدرك أبي وجهتي، واستطاع الإسراع بحماره إلى المكان الغربي من الوادي، والذي بإمكانه أن يحول دون وصولي إلى الحدود، وأشهر بندقيته نحو الجبل، فيما أنا كنت قد أخبئت نفسي خلف نتوء في كنف الجبل، وبعد طول تفاوض مع خالتي مريم، ورجال خيريين من عابري السبيل، التزم أبي بأن لا يؤذيني، مقابل أن أعود إلى بيته؛ طمئنني الجميع أن الأحوال ستكون على ما يرام، ولن يحدث لي أي مكروه؛ والدي تعهد أمام من شهد الموقف ألا يلحق بي أذى أو انتقام، نزلت من الجبل بعد ما يشبه عملية التفاوض الذي قادته خالتي من جهتي، وعاد أبي وهو يبلع غيظه شاعراً بعدم الرضا؛ لأنه لم يشبع حماقته، ولم يشفِ غليله الفوار..
عدت بموكب يحيطني، كانت بعض النسوة وأختي من أمي هناء إلى جواري يرافقن عودتي وخمسمائة متر تفصلنا عن مسير أبي وحماره، كان أبي ينتظرنا في كل منعطف حتى نقترب منه.. بدأت المسافة مع السير تضيق وتضيق.. وعندما بلغنا منطقة تسمى بـ: “سوق الخميس”، لم يحتمل أبي أن أسجل عليه ما بدا له انتصاراً، استفزه منظري الذي بديت فيه المنتصر، وساورته الريبة بأنني أُشمت به، وأنال من سلطته وسلطانه، لم يحتمل ما جاس في صدره، ثارت حماقته مرة أخرى، تمتم بالسباب الحمق، وصوّب بندقيته بانفعال نحوي، حمتني النسوة بأجسادهن؛ تعالى الصراخ والذعر، تدخل المارة، وكل من كان على مقربة منّا؛ انتهت الجلبة حينما قطع أبي على مضض عهدا آخر للناس بألا يُلحق بي سوءاً أو ضررا، وبر هذه المرة بوعده، ولكن على كره ومرارة ومضض.. لم يطق ابي أن يشاهد ما تصوره انتصاري المستمر عليه، وحتى لا ينكث عهدا قطعه مرتين أمام مشهد من الناس؛ أعادني مباشرة إلى منزل أخي علي في نفس القرية..
عاد أبي بعد أيام ليتصالح مع أمي وأهلها، ثم عدت إلى بيت أبي من جديد في حضرة أمي التي ندمت أشـد الندم على ما حدث، وعلى تركها لي أياماً كنت خلالها أحوج ما أكون إليها بجانبي.. ومر العيد بسلام بعد أن كاد يتحول إلى ميتم أو مجهول.. وكنت أنا السبب الأهم في استمرار زواج أبي وأمي، رغم الخطوب المتعددة، وما شاب له الدهر..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(13)
خذلني القدر بعد مائة صلاة
الآباء يحنون على أولادهم.. يغمرونهم بالعطف والمحبة، ويحيطونهم بالرعاية والاهتمام.. لا يردوا لهم رجاء أو طلب إن تأتّى، أو كان تحقيقه في الوسع والمقدرة، فإن أستحال وتعذّر التمسوا منهم السماح والعذر المؤكد.. أبي هو الوحيد الذي من بين ألف طلب لا يستجيب لي بنصف طلب، لا رجاء يجدي معه ولا توسل.. أبي لا يرتخي طبعه حتى في يوم العيد.. أبي صعب المراس كالفولاذ، وقلبه من حجر الصوان.. هذه هي الصورة التي علقت في ذهني عن أبي، ولكن ما أن كبرت ونضجت فهمت أشياء كثيرة..
الآباء لا يمنعون أولادهم من الذهاب للموالد البعيدة، وأفر
اح الأعراس، ومجالس العزاء.. أبي لا يمانع فقط، بل ومستعد أن يرتكب أي حماقة إن فعلتها عنوة، أو تجاوزتُ قرار المنع.. أبي يستثيره التحدّي كثور إسباني، ولاسيما إن كان هذا التحدّي صادرا مني أنا.. يكفيه أن يظن ولا حاجة إلى تقصي أو إثبات ما يخالف ظنه..
“الخضر”، ولي صالح لم يسبق أن حضرت “مولده”، أو قمت بزيارة مزاره.. كنت اسمع من الأطفال والصبية عندما يعودون من “مولده” كثيراً من الحكايات والمشاهد التي يعودون بها كل عام، ويسردونها بغبطة تموج، وفرح يكاد يطير صاحبه، وكأنهم ارتادوا كوكب آخر، أو زاروا سطح القمر..
عندما يسردون الحكايات ويتنافسون في ذكر التفاصيل أنا الوحيد الذي أجد الألم يعصرني والمرارة تذبحني لأنني ممنوعا ومقموعا، وزيارته أمل بظهر الغيب المخيب للآمال..
في “المولد” يأتي الناس من كل حدب وصوب.. وجوه الصبية تشع بالنور ابتهاجاً وفرحاً.. كل الوجوه تلتقي بالأعياد والموالد.. البيع والشراء في الموالد على أوجُّه.. أشياء للبيع لا تجدها إلاّ بمثل هذه المناسبة.. مشاهد لا تتكرر إلا بعد عام..
البيارق وألوانها الفاقعة تأسر اللب والنظر، وتشعر بالبهجة عارمة في نفوس الحاضرين، وتضفي على المناسبة تميزا وجلالة قدر.. روحانية تغمرك في بعض الأماكن والمشاهد.. حتى المبالغات في الموالد جاذبة وتأنس إليها.. والكرامات التي تسمع بحدوثها في الموالد أحيانا تفوق الخيال..
المجاذيب ترى منهم ما يدهش ويذهل.. هنالك ترى من يغرس رأسه بالساطور، وهنالك ترى من يخرج عينه من مكانها إلى يده برأس السيف ثم يعيدها إلى مكانها دون أن ترى توجع أو أثر.. حكايات كثيرة تجعلك تجن شوقا لأن تراها ألف مرة دون أن تمل، وتحضر دهشتها وتفاصيلها بكل روحك وحواسك.
من أجل أن أحضر هذه المشاهد دعيت الله أسبوعا أن يلين قلب أبي لأتمكن من حضور هذا المولد البهيج.. وبدلا من الصلاة للرب ركعتين صليت مائة، وبدلا من أن أحمُد الله وأستغفره وأسبّح لملكوته مائة فعلتها آلاف وضاعفتها على أمل أن يجعل الله قلب أبي رقيقا حتى يسمح لي بحضور “مولد” الخضر هذا العام وهو حضور لطالما حلمت به وانتظرته، وتأجل من عام إلى عام.
ولكن رغم صلواتي واستغفاري وتسبيحي خذلني القدر، وكانت خيبتي بطول وعرض السماء، وظل قلب أبي صعباً، لم يرق ولم يلين..
أمي أيضا تبذل مساعيها من قبل أسبوع، ولكنها أخفقت وأصابتها الخيبة من انتزاع رضى وموافقة أبي؛ فأبي عندما يمعن في الإصرار والعناد، وتتصلب مواقفه، يحتاج لتغييرها قضاء وقدر.. أو هذا ما أتخيله، إن لم أكن قد عشته بالفعل.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(14)
محاولة انتحار..
حاولت التحدِّي وأذهب عنوة مولد الخضر، ولكن أبي كتَّفني وربطني إلى عمود خشبي مغروسا في قاع الدكان، وضربني بعنف وقسوة لا أنساها ولا تنساها السنين الطوال، ولكنني أسامح ومعتاد على التسامح، غير أن التسامح لا يعني النسيان، وإنما يعني السمو والحب والغفران..
استمريت مربوطا على عمود الخشب عدة ساعات، حتى فات موعد الذهاب، وأجفل الناس والصبية، وعادوا من “المولد” إلى البيوت.. ذهب أبي وفكت أمي وثاقي، وانتابتني نوبة سخط واستنفار جنوني..
وبعد أن خرج الجميع من الدار، صعدت إلى حجرة والدي، ووجدت السلاح في متناول يدي.. أخذت بندقيته الآلية، وعمرتها وتمددت، ووضعتُ فوهتها بين عنقي ورأسي، ووضعتُ أصبعي على الزناد، وأخذت بالعد ثلاثة لأبدأ بإطلاق النار.. واحد.. اثنان، وقبل أن أتم إطلاق الرصاص بالرقم ثلاثة، سمعت خوار بقرة أمي، وكأنها تريد مني نظرة وداع أحتاجها أنا أيضا، أو ربما تريدني أن أكف عما أنتوي فعله، وربما غريزة البقاء كانت أقوى مني..
ذهبت لأراها وألقي عليها نظرة وداع أخيرة، وأول ما رأيتها شعرت أنها تترجى وتتوسل بألا أفعل.. هذا ما خلته في خاطرة مرت على بالي القلق.. أحسست أنها مسكونة بي ولا تريد لي بعدا أو فراقا.. قبّلت ناصيتها، ومسحت ظهرها، وراحت أكفي تداعب عنقها وضممته بحرارة مفارق.. كانت تصرفاتي معها أشبه بتصرفات الهنود مع البقر، كأنها إلهاً أو معبوداً مقدس..
شعرت بحبها الجارف، وبادلتها محبة غامرة.. شعرت أنها تبادلني حميمية لم أشعر بها من قبل.. غالبتُ دموعي، ولكنها كانت تنهمر سخينة.. رأيتها تشتمَّني بلهفة، وكأنها تريد أن تحتفظ بتذكار.. أحسست أنها هي أيضا تغالب دموعها.. بقرتنا المحروسة من العين بحرز معلق على رقبتها كمصد يصد العين والحسد.. وأنا المحروس أيضا بحرز السبعة العهود من الجن والشياطين، ولكن من يحرسني من قسوة أبي؟!!
ذهبت لأسرق لها الطحين، وأصب عليه الماء، وأقدمه لها كحساء وداع أخير..
امطرتها بقبل بدت لي إنها قبلات الوداع الأخير. وفيما أنا ذاهب عنها، رأيتها ممعنة بالنظر نحوي، وأحسست أنها تتوسل وترتجي ألا أفعل وألا أرحل.. كنت أفسر الحميمية التي بيننا على مقاس تلك اللحظة التي أحس بها، أو بما ينسجم معها.. كانت مناجاة ومحاكاة لها عمق في نفسي، وتفيض بمشاعر وعواطف جياشة بدت لي حقيقية، لا وهم فيها ولا سراب..
تطلعت صوب الجبل و
“الخضر”، ولي صالح لم يسبق أن حضرت “مولده”، أو قمت بزيارة مزاره.. كنت اسمع من الأطفال والصبية عندما يعودون من “مولده” كثيراً من الحكايات والمشاهد التي يعودون بها كل عام، ويسردونها بغبطة تموج، وفرح يكاد يطير صاحبه، وكأنهم ارتادوا كوكب آخر، أو زاروا سطح القمر..
عندما يسردون الحكايات ويتنافسون في ذكر التفاصيل أنا الوحيد الذي أجد الألم يعصرني والمرارة تذبحني لأنني ممنوعا ومقموعا، وزيارته أمل بظهر الغيب المخيب للآمال..
في “المولد” يأتي الناس من كل حدب وصوب.. وجوه الصبية تشع بالنور ابتهاجاً وفرحاً.. كل الوجوه تلتقي بالأعياد والموالد.. البيع والشراء في الموالد على أوجُّه.. أشياء للبيع لا تجدها إلاّ بمثل هذه المناسبة.. مشاهد لا تتكرر إلا بعد عام..
البيارق وألوانها الفاقعة تأسر اللب والنظر، وتشعر بالبهجة عارمة في نفوس الحاضرين، وتضفي على المناسبة تميزا وجلالة قدر.. روحانية تغمرك في بعض الأماكن والمشاهد.. حتى المبالغات في الموالد جاذبة وتأنس إليها.. والكرامات التي تسمع بحدوثها في الموالد أحيانا تفوق الخيال..
المجاذيب ترى منهم ما يدهش ويذهل.. هنالك ترى من يغرس رأسه بالساطور، وهنالك ترى من يخرج عينه من مكانها إلى يده برأس السيف ثم يعيدها إلى مكانها دون أن ترى توجع أو أثر.. حكايات كثيرة تجعلك تجن شوقا لأن تراها ألف مرة دون أن تمل، وتحضر دهشتها وتفاصيلها بكل روحك وحواسك.
من أجل أن أحضر هذه المشاهد دعيت الله أسبوعا أن يلين قلب أبي لأتمكن من حضور هذا المولد البهيج.. وبدلا من الصلاة للرب ركعتين صليت مائة، وبدلا من أن أحمُد الله وأستغفره وأسبّح لملكوته مائة فعلتها آلاف وضاعفتها على أمل أن يجعل الله قلب أبي رقيقا حتى يسمح لي بحضور “مولد” الخضر هذا العام وهو حضور لطالما حلمت به وانتظرته، وتأجل من عام إلى عام.
ولكن رغم صلواتي واستغفاري وتسبيحي خذلني القدر، وكانت خيبتي بطول وعرض السماء، وظل قلب أبي صعباً، لم يرق ولم يلين..
أمي أيضا تبذل مساعيها من قبل أسبوع، ولكنها أخفقت وأصابتها الخيبة من انتزاع رضى وموافقة أبي؛ فأبي عندما يمعن في الإصرار والعناد، وتتصلب مواقفه، يحتاج لتغييرها قضاء وقدر.. أو هذا ما أتخيله، إن لم أكن قد عشته بالفعل.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(14)
محاولة انتحار..
حاولت التحدِّي وأذهب عنوة مولد الخضر، ولكن أبي كتَّفني وربطني إلى عمود خشبي مغروسا في قاع الدكان، وضربني بعنف وقسوة لا أنساها ولا تنساها السنين الطوال، ولكنني أسامح ومعتاد على التسامح، غير أن التسامح لا يعني النسيان، وإنما يعني السمو والحب والغفران..
استمريت مربوطا على عمود الخشب عدة ساعات، حتى فات موعد الذهاب، وأجفل الناس والصبية، وعادوا من “المولد” إلى البيوت.. ذهب أبي وفكت أمي وثاقي، وانتابتني نوبة سخط واستنفار جنوني..
وبعد أن خرج الجميع من الدار، صعدت إلى حجرة والدي، ووجدت السلاح في متناول يدي.. أخذت بندقيته الآلية، وعمرتها وتمددت، ووضعتُ فوهتها بين عنقي ورأسي، ووضعتُ أصبعي على الزناد، وأخذت بالعد ثلاثة لأبدأ بإطلاق النار.. واحد.. اثنان، وقبل أن أتم إطلاق الرصاص بالرقم ثلاثة، سمعت خوار بقرة أمي، وكأنها تريد مني نظرة وداع أحتاجها أنا أيضا، أو ربما تريدني أن أكف عما أنتوي فعله، وربما غريزة البقاء كانت أقوى مني..
ذهبت لأراها وألقي عليها نظرة وداع أخيرة، وأول ما رأيتها شعرت أنها تترجى وتتوسل بألا أفعل.. هذا ما خلته في خاطرة مرت على بالي القلق.. أحسست أنها مسكونة بي ولا تريد لي بعدا أو فراقا.. قبّلت ناصيتها، ومسحت ظهرها، وراحت أكفي تداعب عنقها وضممته بحرارة مفارق.. كانت تصرفاتي معها أشبه بتصرفات الهنود مع البقر، كأنها إلهاً أو معبوداً مقدس..
شعرت بحبها الجارف، وبادلتها محبة غامرة.. شعرت أنها تبادلني حميمية لم أشعر بها من قبل.. غالبتُ دموعي، ولكنها كانت تنهمر سخينة.. رأيتها تشتمَّني بلهفة، وكأنها تريد أن تحتفظ بتذكار.. أحسست أنها هي أيضا تغالب دموعها.. بقرتنا المحروسة من العين بحرز معلق على رقبتها كمصد يصد العين والحسد.. وأنا المحروس أيضا بحرز السبعة العهود من الجن والشياطين، ولكن من يحرسني من قسوة أبي؟!!
ذهبت لأسرق لها الطحين، وأصب عليه الماء، وأقدمه لها كحساء وداع أخير..
امطرتها بقبل بدت لي إنها قبلات الوداع الأخير. وفيما أنا ذاهب عنها، رأيتها ممعنة بالنظر نحوي، وأحسست أنها تتوسل وترتجي ألا أفعل وألا أرحل.. كنت أفسر الحميمية التي بيننا على مقاس تلك اللحظة التي أحس بها، أو بما ينسجم معها.. كانت مناجاة ومحاكاة لها عمق في نفسي، وتفيض بمشاعر وعواطف جياشة بدت لي حقيقية، لا وهم فيها ولا سراب..
تطلعت صوب الجبل و
ساوم.. ولا تنازل عن حقوقك.. ولا تستمرئ الظلم يوما، حتى وإن حُشي بالعسل..
.......................
يابع..
بعض من تفاصيل حياتي
.......................
يابع..
بعض من تفاصيل حياتي
الشجر والحجر أودع الجميع.. شعور وداع الأبد ليس مثله وداع.. الوداع الأبدي يجعلك ترى كثير من تفاصيل الأشياء قبل الرحيل لن تراها في أحوالك العادية أو الطبيعية.. وجدت نفسي أودع كل شيء بما فيها التفاصيل التي لا تخطر على بال، فأنا على موعد مع الموت واستيفاء الأجل.. كنت أتفرس في كل الأشياء التي يقع عليها نظري وكأنني أراها للمرة الأولى.. الجدران والخشب والأواني وملابس أمي..
تذكرت أمي وحب أمي.. أمي التي ضحت بأشياء كثيرة من أجلي.. أمي التي تشربت ألف عذاب، وصبرت لأجلي وإخوتي على حمل ما لا تحتمله الجبال.. عاشت صراعاً لا تحتمله أرض ولا سماء.. كنت أشعر ببكاء السماء في كل مكروه يصيبها..
لم أكن في تلك اللحظة أتخيل أن ثمة شيء يثنيني عن الانتحار والذهاب إلى جهنم، ولا حتى بقرتنا الطيبة، لكن ربما غريزة البقاء غلبتني، وربما حب أمي هو من غلبني، فلا يوجد شخص أحبني أكثر من أمي.. تذكرتها وهي تكرر لي فيما مضى: “إن حدث لك مكروه سأموت كمدا وقهراً”.
لا أستطيع أن أتخيل أمي وهي تراني منتحراً ومضرجاً بدمائي.. كنت أتصور أن مشهدا كهذا سيكون صادماً وصاعقاً وفاجعاً للإنسان الوحيد الذي أهتم له؛ مشهد لا استطيع تخيُّل مأساته الثقيلة على أمي التي تحملت الكثير من أجلي.. مشهد لن يحس بمدى فاجعته غير أمي التي لا شك سيكمدها الحدث..
بسبب أمي وحبها وأخواتي أحجمت عن الحماقة لتنتصر الحياة على الموت؛ ولا بأس من احتجاج أخف ضرراً وأقل كلفة، وهو ما سأقدم عليه الآن بدلا من الانتحار..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(15)
بديلا عن الانتحار!!
أحجمت عن الانتحار، ولكني أريد أن أقوم بفعل أقل كلفة منه.. أريد ضجيج أعبر فيه عن رفضي وتمردي ضد القمع الذي مارسه عليّ أبي.. لن يكون هذا إلا بمزيد من الشقاوة والتمرد.. أريد أبي أن يندم على فعله.. أريده أن يسمع بعض من جنوني، احتجاجا على قمعه لي، وأرد له بعض من جنونه بالقدر المتاح..
لا أستطيع أن أبلع قهري وأصمت.. لا بد من أن أفعل شيء.. أريد أن أعاقب أبي واسمعه بعض من احتجاجي.. يجب أن يسمع أبي مظلمتي ويسمعها كل الناس.. أريد أبي أن يندم لما فعله بي.. كان لا زال الغضب والانفعال يتراكض في رأسي، ويفعل فعله في عروقي..
نزلت من الحجرة إلى الديوان بعد أن أغلقت باب الدار بالمزلاج والمرزح، وضعت "صحارة" - ألواح خشبية تستخدم لنقل صفائح الجاز، وتحميلها على الجمال عند نقلها ـ انبطحت خلفها، وحاولت تشبيك البندقية عليها مع يدي لتقلل من الارتداد أثناء إطلاق النار، ووضعت أصبعي على الزناد، وأنا في وضعية الاستعداد والبندقية جاهزة لإطلاق النار الكثيف بمجرد الضغط على الزناد بأصبعي المتحفزة للضغط حتى إفراغ ما فيه من الرصاص.. تبدأ حالة تشبه نوبة ”هسترية” وأنا أضغط على الزناد وافرغ ما في مخزن البندقية من الرصاص..
لم أكن أعرف إن كل ذلك الغبار سيكتظ من الداخل على ذلك النحو الكثيف، ولفترة بدت لي غير وجيزة.. لم أعرف أن الرصاص الراجع سيفعل بالجدران ما فعل!! الحقيقة لا أدري كيف نجوت؟!! وكيف وجدت للمستحيل طريقاً؟! لعل الخضر كان حاضرا معي.. لم أكن أعرف أن صوت الرصاص والغبار الكثيف سيكون بذلك القدر الذي يجعل من يرى الدار من الخارج ويسمع لعلعة الرصاص في داخل الدار، يعتقد أن ثمة زلزال قد حل فيه.. صارت الجدران مخرّمة كوجوه عبث بها الجدري.. فيما كانت رائحة البارود نفاذة تملأ المكان..
النسوة والرجال والأطفال هرعوا إلى الدار ليرون ماذا حدث!! باب الدار مغلق، وأنا اطمئنهم من مفرج الديوان إنه لم يحدث شيء.. الأسئلة تتزاحم عمّا حدث، والدهشة تستبد بوجوه الحاضرين على عجل.. وبعضهم يدقوا باب الدار بقوة ويهمّون بكسره، وأمي تهرع وتتصرف كمجنونة.. تصرخ وتبكي وتنوح؛ بقلب مخلوع، ومفطور بالفجيعة.. نزلت وفتحت الباب وامي تفتش جسمي وملابسي لترى ماذا صنعت بنفسي. وعندما تأكدت من سلامتي ذهبت لتخفيني من أبي بديوان آخر في الدار مظلم ومملوء بحزم الزرع اليابس.. أما أبي فقد هرع من رأس "شرار" لينتقم مني أشد انتقام، ولكنه لم يجدنِ وأبلغته أمي أنني قد هربت الجبل..
مكثت أياماً في مخبئي السري لا تواسيني غير أمي، وحنانها وخبزها. ومع ذلك لم أنجُ من عقاب تأجّل، ولم تنج أمي من ألف سؤال ومشكلة..
مللت مخبئي وملّني هو الآخر.. طلبت من أمي أن تترك لي فسحة بين أخوتي النيام لأنام بينهم ثم توقظني قبل حلول الفجر لأعود إلى مخبئي خلسة دون أن يراني أبي.. ولكن أنكشف أمري بعد ساعة زمن.. يا لخيبة حيلتي وحيلة أمي!!
مر أبي على أخوتي النيام قرابة الساعة العاشرة ليلاً وهم يغطون بالنوم. أنا الوحيد بينهم من كنت متوجساً ويقضاً أسمع دبيب النمل.. سمعته يعد أخوتي ويقول لأمي هناك واحد زائد في العدد، وهي تشكك وتناور وتحاول أن توهمه وتصرفه إلى موضوع آخر؛ لكن أبي جثي على ركبتيه بيننا، وبدأ يتحسس ويعد الرؤوس ويسميها لأمي، وأمي مرتعدة الفرائص تحاول أن تقرأ بكتمانها سورة ياسين، فيما أبي يعد ويتحسس الرؤوس، وما أن وصل إلى رأسي عرفني حتى أخ
تذكرت أمي وحب أمي.. أمي التي ضحت بأشياء كثيرة من أجلي.. أمي التي تشربت ألف عذاب، وصبرت لأجلي وإخوتي على حمل ما لا تحتمله الجبال.. عاشت صراعاً لا تحتمله أرض ولا سماء.. كنت أشعر ببكاء السماء في كل مكروه يصيبها..
لم أكن في تلك اللحظة أتخيل أن ثمة شيء يثنيني عن الانتحار والذهاب إلى جهنم، ولا حتى بقرتنا الطيبة، لكن ربما غريزة البقاء غلبتني، وربما حب أمي هو من غلبني، فلا يوجد شخص أحبني أكثر من أمي.. تذكرتها وهي تكرر لي فيما مضى: “إن حدث لك مكروه سأموت كمدا وقهراً”.
لا أستطيع أن أتخيل أمي وهي تراني منتحراً ومضرجاً بدمائي.. كنت أتصور أن مشهدا كهذا سيكون صادماً وصاعقاً وفاجعاً للإنسان الوحيد الذي أهتم له؛ مشهد لا استطيع تخيُّل مأساته الثقيلة على أمي التي تحملت الكثير من أجلي.. مشهد لن يحس بمدى فاجعته غير أمي التي لا شك سيكمدها الحدث..
بسبب أمي وحبها وأخواتي أحجمت عن الحماقة لتنتصر الحياة على الموت؛ ولا بأس من احتجاج أخف ضرراً وأقل كلفة، وهو ما سأقدم عليه الآن بدلا من الانتحار..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(15)
بديلا عن الانتحار!!
أحجمت عن الانتحار، ولكني أريد أن أقوم بفعل أقل كلفة منه.. أريد ضجيج أعبر فيه عن رفضي وتمردي ضد القمع الذي مارسه عليّ أبي.. لن يكون هذا إلا بمزيد من الشقاوة والتمرد.. أريد أبي أن يندم على فعله.. أريده أن يسمع بعض من جنوني، احتجاجا على قمعه لي، وأرد له بعض من جنونه بالقدر المتاح..
لا أستطيع أن أبلع قهري وأصمت.. لا بد من أن أفعل شيء.. أريد أن أعاقب أبي واسمعه بعض من احتجاجي.. يجب أن يسمع أبي مظلمتي ويسمعها كل الناس.. أريد أبي أن يندم لما فعله بي.. كان لا زال الغضب والانفعال يتراكض في رأسي، ويفعل فعله في عروقي..
نزلت من الحجرة إلى الديوان بعد أن أغلقت باب الدار بالمزلاج والمرزح، وضعت "صحارة" - ألواح خشبية تستخدم لنقل صفائح الجاز، وتحميلها على الجمال عند نقلها ـ انبطحت خلفها، وحاولت تشبيك البندقية عليها مع يدي لتقلل من الارتداد أثناء إطلاق النار، ووضعت أصبعي على الزناد، وأنا في وضعية الاستعداد والبندقية جاهزة لإطلاق النار الكثيف بمجرد الضغط على الزناد بأصبعي المتحفزة للضغط حتى إفراغ ما فيه من الرصاص.. تبدأ حالة تشبه نوبة ”هسترية” وأنا أضغط على الزناد وافرغ ما في مخزن البندقية من الرصاص..
لم أكن أعرف إن كل ذلك الغبار سيكتظ من الداخل على ذلك النحو الكثيف، ولفترة بدت لي غير وجيزة.. لم أعرف أن الرصاص الراجع سيفعل بالجدران ما فعل!! الحقيقة لا أدري كيف نجوت؟!! وكيف وجدت للمستحيل طريقاً؟! لعل الخضر كان حاضرا معي.. لم أكن أعرف أن صوت الرصاص والغبار الكثيف سيكون بذلك القدر الذي يجعل من يرى الدار من الخارج ويسمع لعلعة الرصاص في داخل الدار، يعتقد أن ثمة زلزال قد حل فيه.. صارت الجدران مخرّمة كوجوه عبث بها الجدري.. فيما كانت رائحة البارود نفاذة تملأ المكان..
النسوة والرجال والأطفال هرعوا إلى الدار ليرون ماذا حدث!! باب الدار مغلق، وأنا اطمئنهم من مفرج الديوان إنه لم يحدث شيء.. الأسئلة تتزاحم عمّا حدث، والدهشة تستبد بوجوه الحاضرين على عجل.. وبعضهم يدقوا باب الدار بقوة ويهمّون بكسره، وأمي تهرع وتتصرف كمجنونة.. تصرخ وتبكي وتنوح؛ بقلب مخلوع، ومفطور بالفجيعة.. نزلت وفتحت الباب وامي تفتش جسمي وملابسي لترى ماذا صنعت بنفسي. وعندما تأكدت من سلامتي ذهبت لتخفيني من أبي بديوان آخر في الدار مظلم ومملوء بحزم الزرع اليابس.. أما أبي فقد هرع من رأس "شرار" لينتقم مني أشد انتقام، ولكنه لم يجدنِ وأبلغته أمي أنني قد هربت الجبل..
مكثت أياماً في مخبئي السري لا تواسيني غير أمي، وحنانها وخبزها. ومع ذلك لم أنجُ من عقاب تأجّل، ولم تنج أمي من ألف سؤال ومشكلة..
مللت مخبئي وملّني هو الآخر.. طلبت من أمي أن تترك لي فسحة بين أخوتي النيام لأنام بينهم ثم توقظني قبل حلول الفجر لأعود إلى مخبئي خلسة دون أن يراني أبي.. ولكن أنكشف أمري بعد ساعة زمن.. يا لخيبة حيلتي وحيلة أمي!!
مر أبي على أخوتي النيام قرابة الساعة العاشرة ليلاً وهم يغطون بالنوم. أنا الوحيد بينهم من كنت متوجساً ويقضاً أسمع دبيب النمل.. سمعته يعد أخوتي ويقول لأمي هناك واحد زائد في العدد، وهي تشكك وتناور وتحاول أن توهمه وتصرفه إلى موضوع آخر؛ لكن أبي جثي على ركبتيه بيننا، وبدأ يتحسس ويعد الرؤوس ويسميها لأمي، وأمي مرتعدة الفرائص تحاول أن تقرأ بكتمانها سورة ياسين، فيما أبي يعد ويتحسس الرؤوس، وما أن وصل إلى رأسي عرفني حتى أخ
ذ يدقه بالأرض، فانقَّضت أمي على أبي كذئبه، وراحا يتشاجران وصوتي وصوت إخوتي المذعورين وصوت الشجار يملأ فضاء القرية وجوارها، يمزق سكينة ليل أناخ واستتب، ويصيب أهل قريتنا وما حولها بالحيرة والأسئلة والفزع..
استفدت من لحظة الشجار بين أبي وأمي ونفذت بجلدي. قفزت من فوق الدار.. كانت مجازفة غير أن الخوف والهلع صنع المعجزة، وربما مادة الأدرينالين التي تفرزها الغدد الكظرية في الجسم في مثل هكذا حالة تجنبنا ما قد يلحق بنا من ضرر محتمل..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(16)
ما أجمل الفقراء..
هربت إلى مكان قريب.. ثم تسللت إلى مقبرة صغيرة في عرض الجبل ”إجت الجفيف”، شعرت بالوحشة ولم اهدأ ولم يأتني نوم ولم اطمئن.. كنت أتوجس أن يخرج الأموات من قبورهم.. اسمع حكايات كثيرة عن حياة الأموات في القبور.. أردت أن أجد مكانا أكثر أماناً حتى إذا ما داهمني "طاهش" أو ضبع مفترس أجد من يسارع في نجدتي.. لقد سمعت عن رجال كبار أكلهم "الطاهش" والضباع، ولم يبقَ منهم سوى بقايا من عظام وأطراف..
لجأت إلى مكان قريب من منزل شخص كان يطحنه الفقر، شخص اسمه ثابت صالح.. كان يكدح من الصباح إلى المساء بإيجار قليل.. يحرث ويحمل الحجار على ظهره طول النهار .. يبني الناس بيوتهم، فيما كان بيته متواضعاً جدا، ولكن قلبه كان أكبر من قصر ملك، وأخلاقه عظيمةً، أعظم من أصحاب كل القصور.
سمع “ثابت” خطواتي في الجبل، والليل في ريفنا له أذان.. سمع حصى تتساقط بسب تسلقي بعض الجدران ونتوءات الجبل، أيقن أن هناك أمرا ما.. وجه الضوء نحو الصوت وبدأ ينادي من هناك؟! كرر الأمر مرتين وثلاث.. أزداد يقينا بوجود شيء يستدعي الاهتمام..
صعد إلى المكان الذي كنت فيه.. وجدني وعرفني وألح عليّ أن أنزل لأبيت عند أسرته.. نزلت معه.. رحبت بي زوجته وكانت صديقة أمي.. لم تصدق أنني من وجده زوجها في الجبل.. رحبت بي ترحيب الأم المحب.. أكرمتني وأشعرتني أن لدي أب حنون وأم ثانية.. سألتني عمّا حدث ولماذا كان كل ذاك الصراخ الذي سمعوه في بيتنا؟!
حكيت لها ما حدث.. اغرورقت عيناها بالدموع وسالت.. شعرت بعاطفة جارفة عندهم وحب كبير.. ما أجملكم أيها الفقراء.. قلوبكم بيضاء نقية دافقة بالحب والطيبة والحنان والمعروف..
وفي اليوم الثاني زفَّت زوجة ثابت الخبر لأمي المريضة بسبب ما حدث لها مني ومن أبي، وطمأنتها، وبعد ثلاثة أيام عدت للمنزل بعد مفاوضات بدت صعبة لكنها تمت على خير..
عدت إلى المنزل وكان أبي يشكو لأخي الأكبر ـ من أبي ـ “علي” والذي كان مسافراً عندما حدث ما حدث.. سمعت أبي وهو يقول له”: شوف أخوك أيش أشتغل”.. وكان يريه جدران الديوان المجدورة بالرصاص، وما لحق بها من ضرر.. ومن يومها أخذني أخي إلى بيته في القرية عند خالتي التي أغرقتني بحنانها وعطفها..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(17)
يوم أهداني أبي ساعة
كان ذلك اليوم بالنسبة لي يوما استثنائيا فريدا لا يشبهه أي يوم من أيام حياتي التي خلت وأجفلت.. كنت أشعر أن فرحتي يومها تكفي أن تغمر الكون كله، وتفيض على كل متسع في أطرافه وأرجائه البعيدة التي لا يعرفها علم ولا نظر.. كنت أشعر إنه فرح يعدل الحزن كله، بل ويميحه بغسيل ومسحوق يزيل الكلس والصدأ وما حجّره الزمن البعيد..
كانت فرحتي كبيرة وكثيرة لا يتسع لها حجم ولا عد ولا حصر.. كانت فرحتي أكبر وأكثر من فرحة تائب تاب إلى الأبد ونال الجنة مناة.. جنة عرضها السموات والارض، وبها ما لذ وطاب وفاق كل خيال..
كانت فرحتي أكبر من فرحة راهب ظفر بجنة الله التي لطالما حلم بها، وكابد من أجلها، وعاش في دنياه شظف العيش، وضنك الحال، وضيق اليد، وأنكر حقه في الحياة لينالها في الدار الثانية.. فرحة ذلك الذي صبر وجالد وعبد الله العمر كله حتى نالها..
يا إلهي .. أبي يهديني ساعته الصليب السويسرية، بعد أن أهداه صهره القادم من “إنجلترا” ساعة “أورنت”.. كان وقع هديته في النفس وقع الدهشة التي لا توصف، وأثرها في النفس والذاكرة حيا لا يزول إلا بزوالها..
بين ساعة أبي وساعتي التي أهداها لي أبي طفره تكنولوجية.. ساعتي تعمل يدويا بتدوير كمانها حتى يستغرق كل دورانه، فتركض وتدور عقاربها دون توقف يوما وليلة، فيما ساعة أبي تعتمد على حركة اليد والنبض، أو كما كان يقول أبي: “تمشي على الدم” وهو أمر لطالما كان يحيرني ويثير تساؤلاتي!!
يا إلهي.. أنا المعجون بالحرمان والتمني.. أنا الطفل الذي لطالما تمنى يوما ساعة من ورق أو بلاستيك، فخابت مناه، ولم ينل ما تمناه، وحصد مرارة وحسرة، فعوّض تمنيه أن رسم خربشة ساعة على معصمه، واكتفاء بها ليصنع منها سعادته، وإن كانت وهما وزيفا وسرابا..
يا إلهي.. كيف احتوي فرحتي، وقد وجدت ما هو أكثر من الحلم والتمني.. كانت ساعة الصليب في عمري ذاك، وفي ذاك الزمان، ليس حلم بعيد المنال، بل هي من أحلام المستحيل.. تأتي بها صدفة عجيبة لا تتكرر مرة في الالف.. شيء لا يصدّق.. مفاجأة فرح مهول لا يحتملها قلبي الصغير.. تحول قلبي إلى صرة فرح يطير إلى السموات البع
استفدت من لحظة الشجار بين أبي وأمي ونفذت بجلدي. قفزت من فوق الدار.. كانت مجازفة غير أن الخوف والهلع صنع المعجزة، وربما مادة الأدرينالين التي تفرزها الغدد الكظرية في الجسم في مثل هكذا حالة تجنبنا ما قد يلحق بنا من ضرر محتمل..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(16)
ما أجمل الفقراء..
هربت إلى مكان قريب.. ثم تسللت إلى مقبرة صغيرة في عرض الجبل ”إجت الجفيف”، شعرت بالوحشة ولم اهدأ ولم يأتني نوم ولم اطمئن.. كنت أتوجس أن يخرج الأموات من قبورهم.. اسمع حكايات كثيرة عن حياة الأموات في القبور.. أردت أن أجد مكانا أكثر أماناً حتى إذا ما داهمني "طاهش" أو ضبع مفترس أجد من يسارع في نجدتي.. لقد سمعت عن رجال كبار أكلهم "الطاهش" والضباع، ولم يبقَ منهم سوى بقايا من عظام وأطراف..
لجأت إلى مكان قريب من منزل شخص كان يطحنه الفقر، شخص اسمه ثابت صالح.. كان يكدح من الصباح إلى المساء بإيجار قليل.. يحرث ويحمل الحجار على ظهره طول النهار .. يبني الناس بيوتهم، فيما كان بيته متواضعاً جدا، ولكن قلبه كان أكبر من قصر ملك، وأخلاقه عظيمةً، أعظم من أصحاب كل القصور.
سمع “ثابت” خطواتي في الجبل، والليل في ريفنا له أذان.. سمع حصى تتساقط بسب تسلقي بعض الجدران ونتوءات الجبل، أيقن أن هناك أمرا ما.. وجه الضوء نحو الصوت وبدأ ينادي من هناك؟! كرر الأمر مرتين وثلاث.. أزداد يقينا بوجود شيء يستدعي الاهتمام..
صعد إلى المكان الذي كنت فيه.. وجدني وعرفني وألح عليّ أن أنزل لأبيت عند أسرته.. نزلت معه.. رحبت بي زوجته وكانت صديقة أمي.. لم تصدق أنني من وجده زوجها في الجبل.. رحبت بي ترحيب الأم المحب.. أكرمتني وأشعرتني أن لدي أب حنون وأم ثانية.. سألتني عمّا حدث ولماذا كان كل ذاك الصراخ الذي سمعوه في بيتنا؟!
حكيت لها ما حدث.. اغرورقت عيناها بالدموع وسالت.. شعرت بعاطفة جارفة عندهم وحب كبير.. ما أجملكم أيها الفقراء.. قلوبكم بيضاء نقية دافقة بالحب والطيبة والحنان والمعروف..
وفي اليوم الثاني زفَّت زوجة ثابت الخبر لأمي المريضة بسبب ما حدث لها مني ومن أبي، وطمأنتها، وبعد ثلاثة أيام عدت للمنزل بعد مفاوضات بدت صعبة لكنها تمت على خير..
عدت إلى المنزل وكان أبي يشكو لأخي الأكبر ـ من أبي ـ “علي” والذي كان مسافراً عندما حدث ما حدث.. سمعت أبي وهو يقول له”: شوف أخوك أيش أشتغل”.. وكان يريه جدران الديوان المجدورة بالرصاص، وما لحق بها من ضرر.. ومن يومها أخذني أخي إلى بيته في القرية عند خالتي التي أغرقتني بحنانها وعطفها..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(17)
يوم أهداني أبي ساعة
كان ذلك اليوم بالنسبة لي يوما استثنائيا فريدا لا يشبهه أي يوم من أيام حياتي التي خلت وأجفلت.. كنت أشعر أن فرحتي يومها تكفي أن تغمر الكون كله، وتفيض على كل متسع في أطرافه وأرجائه البعيدة التي لا يعرفها علم ولا نظر.. كنت أشعر إنه فرح يعدل الحزن كله، بل ويميحه بغسيل ومسحوق يزيل الكلس والصدأ وما حجّره الزمن البعيد..
كانت فرحتي كبيرة وكثيرة لا يتسع لها حجم ولا عد ولا حصر.. كانت فرحتي أكبر وأكثر من فرحة تائب تاب إلى الأبد ونال الجنة مناة.. جنة عرضها السموات والارض، وبها ما لذ وطاب وفاق كل خيال..
كانت فرحتي أكبر من فرحة راهب ظفر بجنة الله التي لطالما حلم بها، وكابد من أجلها، وعاش في دنياه شظف العيش، وضنك الحال، وضيق اليد، وأنكر حقه في الحياة لينالها في الدار الثانية.. فرحة ذلك الذي صبر وجالد وعبد الله العمر كله حتى نالها..
يا إلهي .. أبي يهديني ساعته الصليب السويسرية، بعد أن أهداه صهره القادم من “إنجلترا” ساعة “أورنت”.. كان وقع هديته في النفس وقع الدهشة التي لا توصف، وأثرها في النفس والذاكرة حيا لا يزول إلا بزوالها..
بين ساعة أبي وساعتي التي أهداها لي أبي طفره تكنولوجية.. ساعتي تعمل يدويا بتدوير كمانها حتى يستغرق كل دورانه، فتركض وتدور عقاربها دون توقف يوما وليلة، فيما ساعة أبي تعتمد على حركة اليد والنبض، أو كما كان يقول أبي: “تمشي على الدم” وهو أمر لطالما كان يحيرني ويثير تساؤلاتي!!
يا إلهي.. أنا المعجون بالحرمان والتمني.. أنا الطفل الذي لطالما تمنى يوما ساعة من ورق أو بلاستيك، فخابت مناه، ولم ينل ما تمناه، وحصد مرارة وحسرة، فعوّض تمنيه أن رسم خربشة ساعة على معصمه، واكتفاء بها ليصنع منها سعادته، وإن كانت وهما وزيفا وسرابا..
يا إلهي.. كيف احتوي فرحتي، وقد وجدت ما هو أكثر من الحلم والتمني.. كانت ساعة الصليب في عمري ذاك، وفي ذاك الزمان، ليس حلم بعيد المنال، بل هي من أحلام المستحيل.. تأتي بها صدفة عجيبة لا تتكرر مرة في الالف.. شيء لا يصدّق.. مفاجأة فرح مهول لا يحتملها قلبي الصغير.. تحول قلبي إلى صرة فرح يطير إلى السموات البع
اد.. تحول قلبي الصغير إلى منطاد ملون يحلِّق في البعيد.. يصعد للسماء بزهو وانتشاء منقطع النظير..
أنقصتُ من طول سلسها الفضي أكثر من نصفه لتمسك جيدا على معصمي المنهك والنحيل.. كنت أرى الكون كله معلقا في يدي.. يا إلهي.. كانت الفرحة لا تسعني، ولا تفارق عيني معصمي.. فرحة تبلغ حد البكاء فرحاً.. فرحة عابرة للخيال ولكل الحدود والمفاهيم وما هو معروف ومعتاد..
ليلتها لم أنام.. كنت ألتذ بها تارة كعاشق وأخرى كعريس.. أحتسي السعادة حتى الثمالة.. لم أشعر أن الحياة جميلة كذلك اليوم.. كانت عقاربها الفسفورية الخضراء تضيء في الظلام كجوهرة وتأسر العيون.. كانت جاذبة وأخاذه.. كانت تأخذني من معصمي بعلمي وحلمي إلى ما بين النجوم ، بل وتعبر بي إلى تخوم الكون..
كان صوتها يحييني ويشجيني.. يشعرني بسعادة غامرة لا حد لها ولا مدى.. كان صوتها يسري في رأسي كنشوة فارس منتصر على جيش عرمرم.. كان صوتها يشبه نبض جنين في بطن أمه.. كقيثارة فنان غجري يستعرض ابداعه أمام من يحب.. كنت مثل عاشق بلغ فيه العشق ذروته.. كنت اسمعها وأسمع خفقات قلبي، وأنا المتيم في حبها والمبهور بها حد الدهشة والذهول..
كيف لي أن أنام والسعادة تجرف النوم من عيوني المستمتعة بلون عقاربها الفسفوري الأخضر؟!! كيف أنام وخفقات قلبي تتداخل وتتماهى مع صوت نبضها الآسر، كمعزوفة نادرة لا تشبهها معزوفة أو وجود إلا من باب المجاز..
تقلبني الفرحة على فراشي يمنا ويسرى، وأنا استمتع بلونها الفسفوري كعاشق ولهان حين يلقي حبيبته في غلس الليل ودياجي العاشقين.. اتابع سحر عقاربها في الجريان كمن يتابع عشيقته في ضفاف النهر.. كل لحظة أسألها عن الوقت الذي يستغرقني حد التيه.. اجعل من الليل محطات ومواقف، وأسألها في كل فنية وأخرى عما بلغه الليل من مدى نحو الصباح الجلي.. لم أسمح للنوم ليلتها أن يأخذ مني فرحتي إلا غفوة قرب الصباح.. وكانت غفوة ناعمة وحالمة، تشبه غفوة نبي على أرجوحة السماء بين الأكوان البعيدة..
وفي الصباح استعجلت النهوض.. كنت شبيها للصباح والضياء، وكنت أرى العجب العجاب يحيط بمعصم يدي النحيلة المتوجة بتاج ملك، أجل من تاج هرقل وكسرى.. كنت أشعر أنني قد صرت مركز الكون وأن الكون كله يزف فرحتي..
تلك الفرحة النادرة غفرت لأبي سنوات قساوته الأولى، وجعلتني أشعر أن الحياة فيها ما يستحق البقاء، بل الفرح الكبير..
وفيما أنا اليوم أتخيل تلك الفرحة العريضة؛ أسأل بأثر رجعي: كم ستكون فرحتي في تلك الأيام لو كان أبي أهدا لي جهاز “إيباد” أو “لابتوب” أو تلفون مطور؟!! لو حدث هذا زمن أبي لكنت من يومها إلى اليوم عالقا في فرحتي دون ملل أو انقطاع أو فكاك.. كانت فرحتنا في تلك الأيام تختلف عن أفراح اليوم..
.......................
(18)
تمردي يليق بك..
ربما أهدأ قليلا في فسحة لا تطول.. ربما أنتزع استراحة محارب.. ربما أنحني للعاصفة حتى تمر.. ولكن لا استطيع أن أموت بصمت دون ضجيج.. عندما يريدون صمتي أمام المظالم، لا أستطيع أن أموت مكبودا أو مختنق..
لا أقبل أن يعترشني من يريد امتطائي كالحمار.. قلق التحدّي يجوس داخلي كالأسد في محبسه.. وإن غرقت بالصمت حينا، فالمدى داخلي مكتظ بالضجيج.. جلبة وصخب المعارك حامية تحتدم داخلي، وإن تغطت بوحشة الصمت، فوقت الصمت قصيرا لا يطول.. ولا يستريح ضميري حتى ينتصر..
وإن أصابتني حراب أوغاد، أو لداد الخصوم، فأنا الأسد الجريح.. لا أريد غابة لا أكون فيها الملك، ولا اريد أسد يموت في محبس الصمت المسيّج بالحديد.. وإن كان قضاء القدر قد قال فيك فصل الخطاب، فلابأس للأسد الجريح اطلاق وجعه المحبوس من أعلى العرين، وإن كان جور قد قضاء بأن تذرع المكان في كل وقت كالأسد الحبيس، فاطلق زئيرك في المدى.. ايقظ شعبك النائم بزئير أسد لا يضام.. اطلق صوتك الجلل المهاب.. أكد وجودك الذي لا ينطفئ، واشعل احتجاجك الذي لا يستكين، وابلغ العالم أنك لازلت حيا لم تمت..
لدي ضميرا من قلق، وقلقي لا يروق الطغاة.. ضميري ينتصر على الأنا مهما أوغلت.. ضميري ينحاز للحق العظيم.. معاركي حامية في أعماقي والمدى،، بين الأنا والضمير الحي الذي لا يستكين.. في المعارك التي خاض الضمير رحاها، لطالما أنتصر الضمير.. ضميري أولا قبل الجميع، حتى وإن كنتُ فيه أنا.. ضميري يستصعب الصمت الجبان، في وجه ظلم العتاة وطغيان الطغاة.. عالم يموج بالألم الوخيم، ويوغل في التوحش كل يوم..
أشرب الماء بنكهة القرنفل.. والحياة المملّحة بطعم التمرد.. والإنجاز الشهي بالتميز، والتفرد باللذاذة.. تمرد على سلطة الأب التي تلغي من الحياة وجود، أو تستبيح كينونتك كما تشتهي.. حرر معالي الوعي من جب الحضانة.. تمرد على وصفات الغباء الجاهزة في المدرسة والجامعة.. تمرد على الوهم الكبير، حتى لا تعيش مستلبا أو مقهورا ذليل..
إن وجدت الحق، أمسك به واستميت كالغريق.. اقبض عليه باليدين.. عض عليه بأسنانك والنواجذ.. لا تقبل إذعان وإرغام وطغيان.. لا تقبل من يلغي من الوجود وجودك .. لا تخاتل ..لا ت
أنقصتُ من طول سلسها الفضي أكثر من نصفه لتمسك جيدا على معصمي المنهك والنحيل.. كنت أرى الكون كله معلقا في يدي.. يا إلهي.. كانت الفرحة لا تسعني، ولا تفارق عيني معصمي.. فرحة تبلغ حد البكاء فرحاً.. فرحة عابرة للخيال ولكل الحدود والمفاهيم وما هو معروف ومعتاد..
ليلتها لم أنام.. كنت ألتذ بها تارة كعاشق وأخرى كعريس.. أحتسي السعادة حتى الثمالة.. لم أشعر أن الحياة جميلة كذلك اليوم.. كانت عقاربها الفسفورية الخضراء تضيء في الظلام كجوهرة وتأسر العيون.. كانت جاذبة وأخاذه.. كانت تأخذني من معصمي بعلمي وحلمي إلى ما بين النجوم ، بل وتعبر بي إلى تخوم الكون..
كان صوتها يحييني ويشجيني.. يشعرني بسعادة غامرة لا حد لها ولا مدى.. كان صوتها يسري في رأسي كنشوة فارس منتصر على جيش عرمرم.. كان صوتها يشبه نبض جنين في بطن أمه.. كقيثارة فنان غجري يستعرض ابداعه أمام من يحب.. كنت مثل عاشق بلغ فيه العشق ذروته.. كنت اسمعها وأسمع خفقات قلبي، وأنا المتيم في حبها والمبهور بها حد الدهشة والذهول..
كيف لي أن أنام والسعادة تجرف النوم من عيوني المستمتعة بلون عقاربها الفسفوري الأخضر؟!! كيف أنام وخفقات قلبي تتداخل وتتماهى مع صوت نبضها الآسر، كمعزوفة نادرة لا تشبهها معزوفة أو وجود إلا من باب المجاز..
تقلبني الفرحة على فراشي يمنا ويسرى، وأنا استمتع بلونها الفسفوري كعاشق ولهان حين يلقي حبيبته في غلس الليل ودياجي العاشقين.. اتابع سحر عقاربها في الجريان كمن يتابع عشيقته في ضفاف النهر.. كل لحظة أسألها عن الوقت الذي يستغرقني حد التيه.. اجعل من الليل محطات ومواقف، وأسألها في كل فنية وأخرى عما بلغه الليل من مدى نحو الصباح الجلي.. لم أسمح للنوم ليلتها أن يأخذ مني فرحتي إلا غفوة قرب الصباح.. وكانت غفوة ناعمة وحالمة، تشبه غفوة نبي على أرجوحة السماء بين الأكوان البعيدة..
وفي الصباح استعجلت النهوض.. كنت شبيها للصباح والضياء، وكنت أرى العجب العجاب يحيط بمعصم يدي النحيلة المتوجة بتاج ملك، أجل من تاج هرقل وكسرى.. كنت أشعر أنني قد صرت مركز الكون وأن الكون كله يزف فرحتي..
تلك الفرحة النادرة غفرت لأبي سنوات قساوته الأولى، وجعلتني أشعر أن الحياة فيها ما يستحق البقاء، بل الفرح الكبير..
وفيما أنا اليوم أتخيل تلك الفرحة العريضة؛ أسأل بأثر رجعي: كم ستكون فرحتي في تلك الأيام لو كان أبي أهدا لي جهاز “إيباد” أو “لابتوب” أو تلفون مطور؟!! لو حدث هذا زمن أبي لكنت من يومها إلى اليوم عالقا في فرحتي دون ملل أو انقطاع أو فكاك.. كانت فرحتنا في تلك الأيام تختلف عن أفراح اليوم..
.......................
(18)
تمردي يليق بك..
ربما أهدأ قليلا في فسحة لا تطول.. ربما أنتزع استراحة محارب.. ربما أنحني للعاصفة حتى تمر.. ولكن لا استطيع أن أموت بصمت دون ضجيج.. عندما يريدون صمتي أمام المظالم، لا أستطيع أن أموت مكبودا أو مختنق..
لا أقبل أن يعترشني من يريد امتطائي كالحمار.. قلق التحدّي يجوس داخلي كالأسد في محبسه.. وإن غرقت بالصمت حينا، فالمدى داخلي مكتظ بالضجيج.. جلبة وصخب المعارك حامية تحتدم داخلي، وإن تغطت بوحشة الصمت، فوقت الصمت قصيرا لا يطول.. ولا يستريح ضميري حتى ينتصر..
وإن أصابتني حراب أوغاد، أو لداد الخصوم، فأنا الأسد الجريح.. لا أريد غابة لا أكون فيها الملك، ولا اريد أسد يموت في محبس الصمت المسيّج بالحديد.. وإن كان قضاء القدر قد قال فيك فصل الخطاب، فلابأس للأسد الجريح اطلاق وجعه المحبوس من أعلى العرين، وإن كان جور قد قضاء بأن تذرع المكان في كل وقت كالأسد الحبيس، فاطلق زئيرك في المدى.. ايقظ شعبك النائم بزئير أسد لا يضام.. اطلق صوتك الجلل المهاب.. أكد وجودك الذي لا ينطفئ، واشعل احتجاجك الذي لا يستكين، وابلغ العالم أنك لازلت حيا لم تمت..
لدي ضميرا من قلق، وقلقي لا يروق الطغاة.. ضميري ينتصر على الأنا مهما أوغلت.. ضميري ينحاز للحق العظيم.. معاركي حامية في أعماقي والمدى،، بين الأنا والضمير الحي الذي لا يستكين.. في المعارك التي خاض الضمير رحاها، لطالما أنتصر الضمير.. ضميري أولا قبل الجميع، حتى وإن كنتُ فيه أنا.. ضميري يستصعب الصمت الجبان، في وجه ظلم العتاة وطغيان الطغاة.. عالم يموج بالألم الوخيم، ويوغل في التوحش كل يوم..
أشرب الماء بنكهة القرنفل.. والحياة المملّحة بطعم التمرد.. والإنجاز الشهي بالتميز، والتفرد باللذاذة.. تمرد على سلطة الأب التي تلغي من الحياة وجود، أو تستبيح كينونتك كما تشتهي.. حرر معالي الوعي من جب الحضانة.. تمرد على وصفات الغباء الجاهزة في المدرسة والجامعة.. تمرد على الوهم الكبير، حتى لا تعيش مستلبا أو مقهورا ذليل..
إن وجدت الحق، أمسك به واستميت كالغريق.. اقبض عليه باليدين.. عض عليه بأسنانك والنواجذ.. لا تقبل إذعان وإرغام وطغيان.. لا تقبل من يلغي من الوجود وجودك .. لا تخاتل ..لا ت
وباء أم مؤامرة.. ؟!
نبيل فاضل:
جامعه عدن تنعي 20 من منتسبيها هم :
1- د. زفر عبدالحبيب استاذ الفقه المقارن
2- د. صالح الصوفي استاذ. الاداره التربويه
3- د. عبدالرقيب بن عطيه
4- د. منى عبيد
5- د. ابو بكر سالم كلية الطب قسم اشعه
6- د. نجاه قسم الاحصاء كلية العلوم
7- د.نجيب مدلاه استاذ المناهج بقسم
8- أ. نزار عباس قسم التسجيل كلية العلوم
9.د. علوي عبدالله طاهر
10. د. فؤاد راشد
11- أ. وضاح علي الدوش
12- اسوان قشاش معدة بقسم التاريخ كلية التربية عدن
13- د. يونس أنيس بن طالب طبيب المخ والأعصاب
14- عماد عبدالله معيد بقسم الاتصالات كلية الهندسة
15- أنيسة بامطرف
16- دكتور جمال السقاف إخصائي عظام
17- دكتور عادل السراري طبيب أسنان
18- دكتوره انتصار حمود طبيبه نساء وتوليد مستشفى الصداقه
19- د. بحول أستاذ أمراض الصدر
20 د. نجيب ثابت
21 د صفية محمد عمر باطويل .
رحمهم الله واسكنهم فسيح جناته وشفى الله الدكاترة الذين هم بحاله حرجة في الانعاش..
نبيل فاضل:
جامعه عدن تنعي 20 من منتسبيها هم :
1- د. زفر عبدالحبيب استاذ الفقه المقارن
2- د. صالح الصوفي استاذ. الاداره التربويه
3- د. عبدالرقيب بن عطيه
4- د. منى عبيد
5- د. ابو بكر سالم كلية الطب قسم اشعه
6- د. نجاه قسم الاحصاء كلية العلوم
7- د.نجيب مدلاه استاذ المناهج بقسم
8- أ. نزار عباس قسم التسجيل كلية العلوم
9.د. علوي عبدالله طاهر
10. د. فؤاد راشد
11- أ. وضاح علي الدوش
12- اسوان قشاش معدة بقسم التاريخ كلية التربية عدن
13- د. يونس أنيس بن طالب طبيب المخ والأعصاب
14- عماد عبدالله معيد بقسم الاتصالات كلية الهندسة
15- أنيسة بامطرف
16- دكتور جمال السقاف إخصائي عظام
17- دكتور عادل السراري طبيب أسنان
18- دكتوره انتصار حمود طبيبه نساء وتوليد مستشفى الصداقه
19- د. بحول أستاذ أمراض الصدر
20 د. نجيب ثابت
21 د صفية محمد عمر باطويل .
رحمهم الله واسكنهم فسيح جناته وشفى الله الدكاترة الذين هم بحاله حرجة في الانعاش..
خلال أيام قليلة
ينتزع الموت 21 كادرا من جامعة عدن
السؤال: هل هذا وباء أم مؤامرة..؟!
ما يحدث في عدن شيء غامض جدا!!
ينتزع الموت 21 كادرا من جامعة عدن
السؤال: هل هذا وباء أم مؤامرة..؟!
ما يحدث في عدن شيء غامض جدا!!
ماذا يعني تفجير أو تعطيل مصنع الاكسجين في عدن.؟!
وفي هذا التوقيت تحديدا؟!
علما أن هذا المصنع كان يلبي احتياجات المرضى في مستشقى الجمهورية قسم العزل.
هناك شيء عامض يحدث في عدن!!!
وفي هذا التوقيت تحديدا؟!
علما أن هذا المصنع كان يلبي احتياجات المرضى في مستشقى الجمهورية قسم العزل.
هناك شيء عامض يحدث في عدن!!!
اصداء من الوتس:
مادة الإنجليزي هي عقدتي في دراستي
كنت أعرف أقراء الكلمات ولكن لا أعرف الترجمة
قصتك انت وصديقك مع هذة المادة جميلة وشيقة
مادة الإنجليزي هي عقدتي في دراستي
كنت أعرف أقراء الكلمات ولكن لا أعرف الترجمة
قصتك انت وصديقك مع هذة المادة جميلة وشيقة
مبروووووك من القلب
للاستاذة بشرى المقطري
حصولها على جائزة " بالم "
لحرية التعبير والصحافة.. تستحقها
للاستاذة بشرى المقطري
حصولها على جائزة " بالم "
لحرية التعبير والصحافة.. تستحقها
محمد احمد الفقيه (Mohamed Alfaqeeh):
نصت الماده ١٢ فقره ب من القانون رقم (4) لسنة 2009 م بشأن الصحة العامة الآتي
" على كل من أخفى عن قصدٍ مُصاباً بمرضٍ مُعدٍ أو عرّض شخصاً للعدوى بمرضٍ وبائي أو تسبّب عن قصدٍ بنقل العدوى للغير أو امتنع عن تنفيذ أي إجراء طُلب منه لمنع تفشي العدوى يُعتبر مرتكباً لجرمٍ يُعاقب عليه بمقتضى أحكام هذا القانون".
نصت الماده ١٢ فقره ب من القانون رقم (4) لسنة 2009 م بشأن الصحة العامة الآتي
" على كل من أخفى عن قصدٍ مُصاباً بمرضٍ مُعدٍ أو عرّض شخصاً للعدوى بمرضٍ وبائي أو تسبّب عن قصدٍ بنقل العدوى للغير أو امتنع عن تنفيذ أي إجراء طُلب منه لمنع تفشي العدوى يُعتبر مرتكباً لجرمٍ يُعاقب عليه بمقتضى أحكام هذا القانون".
اصداء من الوتس:
لا ملل ولا انتهاء لما يأخذنا اليه فكرك ..وتاريخ نضالك منذ الصغر ...مشكلتنا معك بالوقت برمضان بالكاد الان نقراء وبالليل نكتب ..لذا قد يحتاج من يحب الاطلاع على كافة تفاصيل كيانك ..ان ينعزل بجزيرة هادئه او غرفة بجوار البحر ..ففي سماع اصوات أمواج البحر شبه في تقلبات مدك وجزرك..وكان الوطن هو من كان عابر سبيل ضمن هذه الأمواج ..للان لم اكمل لاني احب أن أقف عند محطات الهروب..لتكون هي ما سيذهب بعضي لتأملة لعله هروب يليق بمن شب بعز الطفوله ليصبح جمال ورحال وغريب ..طاب صباحكم
ت ع خ ح
لا ملل ولا انتهاء لما يأخذنا اليه فكرك ..وتاريخ نضالك منذ الصغر ...مشكلتنا معك بالوقت برمضان بالكاد الان نقراء وبالليل نكتب ..لذا قد يحتاج من يحب الاطلاع على كافة تفاصيل كيانك ..ان ينعزل بجزيرة هادئه او غرفة بجوار البحر ..ففي سماع اصوات أمواج البحر شبه في تقلبات مدك وجزرك..وكان الوطن هو من كان عابر سبيل ضمن هذه الأمواج ..للان لم اكمل لاني احب أن أقف عند محطات الهروب..لتكون هي ما سيذهب بعضي لتأملة لعله هروب يليق بمن شب بعز الطفوله ليصبح جمال ورحال وغريب ..طاب صباحكم
ت ع خ ح
اصداء من الوتس..
الدكتور خالد عبدالكريم:
سيرة فيها من العبر الكثير ، يجد القارئ نفسه فيها ، أنا كنت شاهدا على قساوة عانى منها أصدقاء لي جراء طغيان الأب كانوا جيرانا لنا في منطقة الأكواخ في جبل التواهي، أبائهم لايختلفون عن والدكم.
إجابات والدتكم الله يرحمها، لاتختلف عن إجابات أمهاتنا وجداتنا بشأن من أين ولدنا وحكاية الركبة والسرة والفم ، إنما بعكسكم كنا نقتنع تماما بتلك الإجابات.
التحقيق في سويسرا لم تكملون لنا الحكاية؟؟
ليست سيرتكم بل سيرة معظم اليمنيين، لكنكم محظوظون أن هباكم الله قدرة التعبير عن ماتجيش به النفس.
أتمنى أن تجد هذه المذكرات طريقها للطباعة في كتاب . إنها تستحق ذلك 👍👍👍🌹🌹🌹🌷🌷🌷
الدكتور خالد عبدالكريم:
سيرة فيها من العبر الكثير ، يجد القارئ نفسه فيها ، أنا كنت شاهدا على قساوة عانى منها أصدقاء لي جراء طغيان الأب كانوا جيرانا لنا في منطقة الأكواخ في جبل التواهي، أبائهم لايختلفون عن والدكم.
إجابات والدتكم الله يرحمها، لاتختلف عن إجابات أمهاتنا وجداتنا بشأن من أين ولدنا وحكاية الركبة والسرة والفم ، إنما بعكسكم كنا نقتنع تماما بتلك الإجابات.
التحقيق في سويسرا لم تكملون لنا الحكاية؟؟
ليست سيرتكم بل سيرة معظم اليمنيين، لكنكم محظوظون أن هباكم الله قدرة التعبير عن ماتجيش به النفس.
أتمنى أن تجد هذه المذكرات طريقها للطباعة في كتاب . إنها تستحق ذلك 👍👍👍🌹🌹🌹🌷🌷🌷
اصداء من الوتس..
محمد علي محمد الحريشي:
قصة جميلة وممتعة توقفت عندها كثيرا
قصة معاملة الوالد
وقصة سفينة النجاة
اقسم لك بالله ان قصة طفولتي مشابهة لقصة طفولتك
من حيث شدة المعاملة من قبل الوالد والضرب المتكرر لاتفه الأسباب
ولقد أخذ لي أبي وانا صغير سفينة النجاة في الفقه وكذا متن الزبد
مرة وابي جالس في المكان وكان عنده ضيوف أمرني ان اقرا من القرآن في سورة الأنفال
اية واحدة لم أستطع قراءة بعض كلماتها
كان أبي منشغل بالحديث مع الضيوف وانا كنت استغل تلك اللحظات لامر من فوق بعض الكلمات كنت لا أقرأها تماديت فكنت اتعمد ان اتعدى بعض الأسطر بالكامل
بدا أبي يلاحظ ويشد الانتباه قال اقرا هذا السطر لم أستطع نطق الكلمة أخذ يده إلى طرف اذني أمسك بطرف اصبعيه السبابة والابهام المهم شد اصبعيه ولم يفكها وقال اقرا في تلك اللحظة لم أكد أستطع أشاهد اي حرف في كلمات تلك الآية أولا بسبب الخوف ولارباك ثانيا امتلأت عيوني بالدموع كان قلبي يرتجف وابي يشد عليا أكثر وأكثر المهم من نذالة ذلك الضيف لم يحاول يتدخل بل كان يتلذذ بالمشهد في النهاية بعد موقف عذاب قال خلاص اذهب
المهم بعد تلك الحادثة كنت لسنوات كلما اقرا القرآن وامر بتلك الآية أتذكر ذلك الموقف المهم عقدة نفسية مؤلمة حتى كنت أشاهد تلك الكلمة أو تلك الآية شكلها مختلف وحروفها أكبر من حروف الايات الأخرى
كذلك كان أبي (اطال الله في عمره ) يصحيني قبل صلاة الصبح بساعة على الأقل .. كان عندما يصلي بنا الفجر جماعة انا وهو فقط لاني أكبر اخوتي كان يقرأ في الركعة الأولى أحيانا سورة تبارك واحيا سورةوالفتح والواقعة
وكنت أحس بنوم وارهاق شديد
المهم نستمر على الأقل نصف ساعة في ركعتي الفجر وكان يطول في دعاء القنوت حتى أحيانا يكون وقت دعاء القنوت يوازي الوقت المنصرف في الركعتين
حتى أنني كرهت دعاء القنوت في صلاة الصبح الى يومنا هذا
كان لايصحيني في الصباح أحيانا بل يرش بماء بارد مباشرة
ذكرتني بأحداث الطفولة
لك تحياتي وعميق حبي الصادق
والله يحفظكم
محمد علي محمد الحريشي:
قصة جميلة وممتعة توقفت عندها كثيرا
قصة معاملة الوالد
وقصة سفينة النجاة
اقسم لك بالله ان قصة طفولتي مشابهة لقصة طفولتك
من حيث شدة المعاملة من قبل الوالد والضرب المتكرر لاتفه الأسباب
ولقد أخذ لي أبي وانا صغير سفينة النجاة في الفقه وكذا متن الزبد
مرة وابي جالس في المكان وكان عنده ضيوف أمرني ان اقرا من القرآن في سورة الأنفال
اية واحدة لم أستطع قراءة بعض كلماتها
كان أبي منشغل بالحديث مع الضيوف وانا كنت استغل تلك اللحظات لامر من فوق بعض الكلمات كنت لا أقرأها تماديت فكنت اتعمد ان اتعدى بعض الأسطر بالكامل
بدا أبي يلاحظ ويشد الانتباه قال اقرا هذا السطر لم أستطع نطق الكلمة أخذ يده إلى طرف اذني أمسك بطرف اصبعيه السبابة والابهام المهم شد اصبعيه ولم يفكها وقال اقرا في تلك اللحظة لم أكد أستطع أشاهد اي حرف في كلمات تلك الآية أولا بسبب الخوف ولارباك ثانيا امتلأت عيوني بالدموع كان قلبي يرتجف وابي يشد عليا أكثر وأكثر المهم من نذالة ذلك الضيف لم يحاول يتدخل بل كان يتلذذ بالمشهد في النهاية بعد موقف عذاب قال خلاص اذهب
المهم بعد تلك الحادثة كنت لسنوات كلما اقرا القرآن وامر بتلك الآية أتذكر ذلك الموقف المهم عقدة نفسية مؤلمة حتى كنت أشاهد تلك الكلمة أو تلك الآية شكلها مختلف وحروفها أكبر من حروف الايات الأخرى
كذلك كان أبي (اطال الله في عمره ) يصحيني قبل صلاة الصبح بساعة على الأقل .. كان عندما يصلي بنا الفجر جماعة انا وهو فقط لاني أكبر اخوتي كان يقرأ في الركعة الأولى أحيانا سورة تبارك واحيا سورةوالفتح والواقعة
وكنت أحس بنوم وارهاق شديد
المهم نستمر على الأقل نصف ساعة في ركعتي الفجر وكان يطول في دعاء القنوت حتى أحيانا يكون وقت دعاء القنوت يوازي الوقت المنصرف في الركعتين
حتى أنني كرهت دعاء القنوت في صلاة الصبح الى يومنا هذا
كان لايصحيني في الصباح أحيانا بل يرش بماء بارد مباشرة
ذكرتني بأحداث الطفولة
لك تحياتي وعميق حبي الصادق
والله يحفظكم
كلية الحقوق
(7)
الأيديولوجيا..
• في الأمس كنت مُستلب الوعي ومُغيب التفكير ربما إلى حد بعيد.. اليوم صرت أحزن وأرثي لكل المستلبين والمغيبين عن الوعي.. أشعر كم هم ضحايا ومغرر بهم.. أشفق عليهم.. أتمنى تحريرهم، وأعمل على مقاومة التدجين والاستلاب والانتماء للقطيع.. لقد أيقضني الواقع بصدماته المتكررة.. لم أعد ذلك الذي يسلّم عقله لغيره، ليشكّله أو يعيد صياغته على النحو الذي يريد..
• وفي الوقت الذي لازلت فخورا ومعتزا باستمرار انحيازي للفقراء، ومقاومة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ومع هدف تحقيق العدالة الاجتماعية، صرت أيضا حقوقيا، وصاحب رأي.. لا منتمي.. متمردا على واقعي.. مناهضا للفساد، ومقاوما للاستبداد والطغيان.. أقاوم التأطير الذي يكون على حساب حق التفكير ونقد الواقع.. منحازا للمستقبل.. أنشد الحرية الفكرية والاجتماعية إلى أقصى مدى ممكن، وأرفض قمعها.. كما أرفض الحروب وهذا النظام الدولي غير العادل، وضد فرض هذا الواقع الرأسمالي البشع، وأجنداته المتوحشة على العالم.. طوباوي، وحالم إلى حد بعيد.. هذا هو أنا أو ما أزعمه أو ما أتمنى وأروم أن أكون عليه..
• في الجامعة كانت تستهويني ما تسمى أيديولوجية الاشتراكية العلمية.. أشتاق لموادها الدراسية شوق المحب الغارق فيها من أخمس قدميه حتى شعر رأسه.. أحس بذاتي وأنا أحضر دروسها مع زملائي.. معارف جديدة شيقة أكتسبها وأضيفها إلى معارفي، وأشعر بنهم لمعرفة المزيد، فيما المزيد يجعلك تستمرئ الغرق وتتطلع إلى الإكثار من المعرفة، وتشعر في الآن نفسه، كم أنت أمام عالم المعرفة ضئيل ومعدوم!! معارف أحس بفائدتها وأستمتع بها، وأشعر برغبة تتوق إلى تحقيق المزيد، حتى بديت أحيانا أمام نفسي أشبه بتاجر جشع لا يرضى بالقليل، مقارنة مع فارق اختلاف صنف البضاعة.. أقرأ ما هو مقرر، وأقرأ خارجه، وأحرز في امتحانات موادها، أعلى الدرجات والمراتب..
• خلال دراستي في كلية الحقوق أحرزت أفضل النتائج والدرجات النهائية في مواد هذه الأيديولوجية، والمواد المرتبطة بها، أو المتكئ عليها، حيث حققت نسبة 96% في مادة الاشتراكية العلمية، 94% في الفلسفة، 90% علوم سياسية، 95% قضايا نظرية، 100% تاريخ الثورة اليمنية، 98% تاريخ الدولة والقانون، 88% نظرية الدولة والقانون..
• كانت تعجبني معرفة قوانين الفلسفة الماركسية ومقولاتها، ويسعدني أن أقارن ما هو نظري بما يُعتمل في الواقع.. أراقب تطبيقاتها على الطبيعة والمجتمع والوعي.. قانون وحدة وصراع الأضداد، وقانون تحول التراكمات الكمية إلى تغيرات نوعية، وقانون نفي النفي، ومقولات العام والخاص والصدفة والضرورة وغيرها.. أشعر أن تلك القوانين والمقولات تعمل عملها في كل شيء، وبنفس القدر أشعر إن الفلسفة عالم كوني متسع، وعلم حكيم ،ومُبهر ومُمتع في نفس الوقت..
• كنت متعصبا إلى حد ما، وربما أدّعي أن أيدولوجية الاشتراكية العلمية هي الأيديولوجيا الصحيحة بين كل أيديولوجيات العالم، وأنها تملك الحقيقة وحدها، وتجيب على كل الأسئلة، وأن أول سمات العصر هي الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، ولكن كنت أيضا أعتقد وبحسب الأيديولوجيا نفسها التي أعتنقها أو أميل إليها، إن معيار الحقيقة هو الواقع، وأشعر أن ثمة خلل موجود في النظرية، وأن هناك ما هو نظري يتعسف الواقع، ويتعارض مع كثير من الوقائع التي ينضحها هذا الواقع..
• وبدافع أيديولوجي وعاطفي، كنت أمارس القمع على بعض الشكوك التي تنتابني في بعض الأحيان، ولاسيما فيما له صلة بالواقع السياسي والاجتماعي، وكان تكرار بعض معطيات الواقع، والوقائع على نحو ما، واستقراءها، ومقارنة وقائع سابقة بأخرى لاحقة، وإسقاط ما هو نطري عليها، تجعلني أشعر بحجم التناقض والتنافر وتبيان الفجوة بين ما هو نظري وواقعي.. أشعر أحيانا أنه لمن الخلل الكبير تعسف الواقع بالنظرية، التي أُريد أن يكون الواقع بمقاسها.. وفي أحايين قليلة، ولكنها مؤثرة أحس بمطرقة كبيرة تضرب رأسي وتهشم النظرية المستقرة فيه..
• أقرأ عن الصراع الطبقي، والأحزاب الشيوعية، ودكتاتورية البروليتاريا، والبرجوازية الصغيرة، واليسار الطفولي، ويراودني الشك، وتأتي الوقائع لتنسف ما أعتقد.. أسأل نفسي: كيف لحزب اسمه حزب العمال البولندي (الشيوعي) الذي يدّعي أنه يمثل الطبقة العاملة، وكذا الحكومة البولندية التي يختارها هذا الحزب أن يجتمعا معا في التصدّي للحركة النقابية، أو نقابات العمال، بل ويفرضان في مواجهتها الأحكام العرفية.. كيف نسلب من النقابات حق تمثيل العمال، وعدد أعضاءها أكثر من عدد أعضاء الحزب الذي يدعي أنه يمثل العمال..
• وفي موضوع آخر أستغرب وأنا أرى الصراع السياسي المحتدم على أشده في الجنوب لا يسير على قوالب الصراع الطبقي الذي في النظرية، حيث لم يكن الصراع بين فقراء وأغنياء، وإنما كان بين الفقراء أنفسهم.. كان الرفاق يقتلون بعض بتهمة اليمين الانتهازي وتارة بتهمة اليسار الانتهازي، واليسار الطفولي، واليمين الرجعي، والبرجوازية الصغيرة، فيما جلهم إن لم
(7)
الأيديولوجيا..
• في الأمس كنت مُستلب الوعي ومُغيب التفكير ربما إلى حد بعيد.. اليوم صرت أحزن وأرثي لكل المستلبين والمغيبين عن الوعي.. أشعر كم هم ضحايا ومغرر بهم.. أشفق عليهم.. أتمنى تحريرهم، وأعمل على مقاومة التدجين والاستلاب والانتماء للقطيع.. لقد أيقضني الواقع بصدماته المتكررة.. لم أعد ذلك الذي يسلّم عقله لغيره، ليشكّله أو يعيد صياغته على النحو الذي يريد..
• وفي الوقت الذي لازلت فخورا ومعتزا باستمرار انحيازي للفقراء، ومقاومة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ومع هدف تحقيق العدالة الاجتماعية، صرت أيضا حقوقيا، وصاحب رأي.. لا منتمي.. متمردا على واقعي.. مناهضا للفساد، ومقاوما للاستبداد والطغيان.. أقاوم التأطير الذي يكون على حساب حق التفكير ونقد الواقع.. منحازا للمستقبل.. أنشد الحرية الفكرية والاجتماعية إلى أقصى مدى ممكن، وأرفض قمعها.. كما أرفض الحروب وهذا النظام الدولي غير العادل، وضد فرض هذا الواقع الرأسمالي البشع، وأجنداته المتوحشة على العالم.. طوباوي، وحالم إلى حد بعيد.. هذا هو أنا أو ما أزعمه أو ما أتمنى وأروم أن أكون عليه..
• في الجامعة كانت تستهويني ما تسمى أيديولوجية الاشتراكية العلمية.. أشتاق لموادها الدراسية شوق المحب الغارق فيها من أخمس قدميه حتى شعر رأسه.. أحس بذاتي وأنا أحضر دروسها مع زملائي.. معارف جديدة شيقة أكتسبها وأضيفها إلى معارفي، وأشعر بنهم لمعرفة المزيد، فيما المزيد يجعلك تستمرئ الغرق وتتطلع إلى الإكثار من المعرفة، وتشعر في الآن نفسه، كم أنت أمام عالم المعرفة ضئيل ومعدوم!! معارف أحس بفائدتها وأستمتع بها، وأشعر برغبة تتوق إلى تحقيق المزيد، حتى بديت أحيانا أمام نفسي أشبه بتاجر جشع لا يرضى بالقليل، مقارنة مع فارق اختلاف صنف البضاعة.. أقرأ ما هو مقرر، وأقرأ خارجه، وأحرز في امتحانات موادها، أعلى الدرجات والمراتب..
• خلال دراستي في كلية الحقوق أحرزت أفضل النتائج والدرجات النهائية في مواد هذه الأيديولوجية، والمواد المرتبطة بها، أو المتكئ عليها، حيث حققت نسبة 96% في مادة الاشتراكية العلمية، 94% في الفلسفة، 90% علوم سياسية، 95% قضايا نظرية، 100% تاريخ الثورة اليمنية، 98% تاريخ الدولة والقانون، 88% نظرية الدولة والقانون..
• كانت تعجبني معرفة قوانين الفلسفة الماركسية ومقولاتها، ويسعدني أن أقارن ما هو نظري بما يُعتمل في الواقع.. أراقب تطبيقاتها على الطبيعة والمجتمع والوعي.. قانون وحدة وصراع الأضداد، وقانون تحول التراكمات الكمية إلى تغيرات نوعية، وقانون نفي النفي، ومقولات العام والخاص والصدفة والضرورة وغيرها.. أشعر أن تلك القوانين والمقولات تعمل عملها في كل شيء، وبنفس القدر أشعر إن الفلسفة عالم كوني متسع، وعلم حكيم ،ومُبهر ومُمتع في نفس الوقت..
• كنت متعصبا إلى حد ما، وربما أدّعي أن أيدولوجية الاشتراكية العلمية هي الأيديولوجيا الصحيحة بين كل أيديولوجيات العالم، وأنها تملك الحقيقة وحدها، وتجيب على كل الأسئلة، وأن أول سمات العصر هي الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، ولكن كنت أيضا أعتقد وبحسب الأيديولوجيا نفسها التي أعتنقها أو أميل إليها، إن معيار الحقيقة هو الواقع، وأشعر أن ثمة خلل موجود في النظرية، وأن هناك ما هو نظري يتعسف الواقع، ويتعارض مع كثير من الوقائع التي ينضحها هذا الواقع..
• وبدافع أيديولوجي وعاطفي، كنت أمارس القمع على بعض الشكوك التي تنتابني في بعض الأحيان، ولاسيما فيما له صلة بالواقع السياسي والاجتماعي، وكان تكرار بعض معطيات الواقع، والوقائع على نحو ما، واستقراءها، ومقارنة وقائع سابقة بأخرى لاحقة، وإسقاط ما هو نطري عليها، تجعلني أشعر بحجم التناقض والتنافر وتبيان الفجوة بين ما هو نظري وواقعي.. أشعر أحيانا أنه لمن الخلل الكبير تعسف الواقع بالنظرية، التي أُريد أن يكون الواقع بمقاسها.. وفي أحايين قليلة، ولكنها مؤثرة أحس بمطرقة كبيرة تضرب رأسي وتهشم النظرية المستقرة فيه..
• أقرأ عن الصراع الطبقي، والأحزاب الشيوعية، ودكتاتورية البروليتاريا، والبرجوازية الصغيرة، واليسار الطفولي، ويراودني الشك، وتأتي الوقائع لتنسف ما أعتقد.. أسأل نفسي: كيف لحزب اسمه حزب العمال البولندي (الشيوعي) الذي يدّعي أنه يمثل الطبقة العاملة، وكذا الحكومة البولندية التي يختارها هذا الحزب أن يجتمعا معا في التصدّي للحركة النقابية، أو نقابات العمال، بل ويفرضان في مواجهتها الأحكام العرفية.. كيف نسلب من النقابات حق تمثيل العمال، وعدد أعضاءها أكثر من عدد أعضاء الحزب الذي يدعي أنه يمثل العمال..
• وفي موضوع آخر أستغرب وأنا أرى الصراع السياسي المحتدم على أشده في الجنوب لا يسير على قوالب الصراع الطبقي الذي في النظرية، حيث لم يكن الصراع بين فقراء وأغنياء، وإنما كان بين الفقراء أنفسهم.. كان الرفاق يقتلون بعض بتهمة اليمين الانتهازي وتارة بتهمة اليسار الانتهازي، واليسار الطفولي، واليمين الرجعي، والبرجوازية الصغيرة، فيما جلهم إن لم
يكن كلّهم مناضلين ضد الاحتلال، وفقراء ومعدمين، وأغلبهم جاء من ريف لطالما شهد الفاقة والجوع والعوز..
• كان يتبدّى لي إن الصراع السياسي الذي يشهده الجنوب ليس له علاقة بدكتاتورية البروليتاريا ولا بالصراع بين الطبقات، وأن أي تيار يصف خصومه بالبرجوازية الصغيرة وبالطفولية والانتهازية والفوضوية وغيرها من تلك الوصفات الجاهزة في الكتب، إنما هو مجرد مبرر أو ذريعة لا تسد، بل هي غطاء سياسي لتصفية طرف لخصومه أو اختلاف..
• أحببت عبد الفتاح اسماعيل، ولكن أيضا أتذكر أن سالمين فيه من المزايا ما يجعلني أحبه.. فهو رجل شعبي بسيط وكرازمي وحيوي ومنحاز للبسطاء ويعيش بساطتهم.. والحب هنا لا يعني بأي حال التقديس، وعدم ارتكاب الأخطاء، أو إنعدام النقد، والتخلي عن الموضوعية، وعدم كتابة التاريخ بحياد وزهد..
• أتذكر القاص محمد عبد الولي، وأسأل لماذا قتلوه وعشرات من رفاقه المناضلين الأفذاذ في الطائرة التي تم تفجيرها في الجو.. أحزن وأنا أسمع قصة قحطان الشعبي الذي طالت إقامته في السجن حتى مات.. أحزن لتصفية عبد اللطيف الشعبي، وأنا أسمع عنه كل خير.. وكثيرون هم غيرهم.. مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية كلها دامية وقاسية، انتهت بكارثة.. باتت الثورة كما قيل "تأكل عيالها" كلّما جاعت، حتى صارت شرهة ونهمة مع كل دورة عنف جديدة، لتنتهي بكارثة يناير 1986 المشؤومة..
• صرت اليوم أظن أنه من أجل أن يكون المرء حرا يلزمه ضمن ما يلزمه أن يتحرر أيضاً من القمع والأيديولوجيا أو على الأقل يتخفف من ثقلها وكوابحها وقوالبها الجامدة أو المتصادمة مع الواقع.. وأن محاولة تفصيل الواقع على النظرية فيه كثيرا من التعسف، إن لم يكن ذاك هو المستحيل، وإن الأيديولوجيات الإسلامية باتت وبمختلف مسمياتها، خطر على الحقوق والحريات، وعلى حاضر ومستقبل الشعوب، والواقع اليوم يؤكد هذا على نحو مستمر.. إن الحرية هي من تؤسس وتخلّق الإبداع والمعرفة والمستقبل الأفضل، وهي ما تحتاجه شعوبنا بدلا من فرض النظريات عليها بالقمع والقوة..
• بت على قناعة أن التشدد والتطرف والأيديولوجيا تعيق وتكبح العلم والمعرفة، بل التطور برمته، ولا سيما عندما تكف عن الحراك والتطور أو تستعيض عن حركتها وتطورها بالتصلب والجمود والرتابة ومحاولة فرضها بالقوة أو حتى بتزييف الوعي واستهداف المفكرين والنشطاء والمثقفين الذين يناضلوا من أجل الحرية، وتحسين أحوال الفقراء، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وليس على تخدير الناس بالأكاذيب وتزييف واستلاب العقول بما هو غير موجود، ومنع وقمع الأفكار الأخرى التي تناقضها أو لا تتفق معها، رغم سلميتها وعيا وواقعا وممارسة..
• وبين الأمس واليوم دم وندم .. صار اليوم أثقل من الأمس.. صار اليوم ثقيلاً ومثقلاً بتوحش الرأسمالية والأيديولوجيا الدينية والإسلام السياسي وبعض من يدعون برجال الدين الذي يريدون أن يفرضون على الشعوب أيديولوجياتهم وتصوراتهم للحاضر والمستقبل.. صار اليوم أكثر تعاسة من الأمس.. وصار استغلال الشعوب بأوجه، وصار القتل لله وباسم الله باذخا وعبثيا ولا طائل منه..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي
• كان يتبدّى لي إن الصراع السياسي الذي يشهده الجنوب ليس له علاقة بدكتاتورية البروليتاريا ولا بالصراع بين الطبقات، وأن أي تيار يصف خصومه بالبرجوازية الصغيرة وبالطفولية والانتهازية والفوضوية وغيرها من تلك الوصفات الجاهزة في الكتب، إنما هو مجرد مبرر أو ذريعة لا تسد، بل هي غطاء سياسي لتصفية طرف لخصومه أو اختلاف..
• أحببت عبد الفتاح اسماعيل، ولكن أيضا أتذكر أن سالمين فيه من المزايا ما يجعلني أحبه.. فهو رجل شعبي بسيط وكرازمي وحيوي ومنحاز للبسطاء ويعيش بساطتهم.. والحب هنا لا يعني بأي حال التقديس، وعدم ارتكاب الأخطاء، أو إنعدام النقد، والتخلي عن الموضوعية، وعدم كتابة التاريخ بحياد وزهد..
• أتذكر القاص محمد عبد الولي، وأسأل لماذا قتلوه وعشرات من رفاقه المناضلين الأفذاذ في الطائرة التي تم تفجيرها في الجو.. أحزن وأنا أسمع قصة قحطان الشعبي الذي طالت إقامته في السجن حتى مات.. أحزن لتصفية عبد اللطيف الشعبي، وأنا أسمع عنه كل خير.. وكثيرون هم غيرهم.. مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية كلها دامية وقاسية، انتهت بكارثة.. باتت الثورة كما قيل "تأكل عيالها" كلّما جاعت، حتى صارت شرهة ونهمة مع كل دورة عنف جديدة، لتنتهي بكارثة يناير 1986 المشؤومة..
• صرت اليوم أظن أنه من أجل أن يكون المرء حرا يلزمه ضمن ما يلزمه أن يتحرر أيضاً من القمع والأيديولوجيا أو على الأقل يتخفف من ثقلها وكوابحها وقوالبها الجامدة أو المتصادمة مع الواقع.. وأن محاولة تفصيل الواقع على النظرية فيه كثيرا من التعسف، إن لم يكن ذاك هو المستحيل، وإن الأيديولوجيات الإسلامية باتت وبمختلف مسمياتها، خطر على الحقوق والحريات، وعلى حاضر ومستقبل الشعوب، والواقع اليوم يؤكد هذا على نحو مستمر.. إن الحرية هي من تؤسس وتخلّق الإبداع والمعرفة والمستقبل الأفضل، وهي ما تحتاجه شعوبنا بدلا من فرض النظريات عليها بالقمع والقوة..
• بت على قناعة أن التشدد والتطرف والأيديولوجيا تعيق وتكبح العلم والمعرفة، بل التطور برمته، ولا سيما عندما تكف عن الحراك والتطور أو تستعيض عن حركتها وتطورها بالتصلب والجمود والرتابة ومحاولة فرضها بالقوة أو حتى بتزييف الوعي واستهداف المفكرين والنشطاء والمثقفين الذين يناضلوا من أجل الحرية، وتحسين أحوال الفقراء، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وليس على تخدير الناس بالأكاذيب وتزييف واستلاب العقول بما هو غير موجود، ومنع وقمع الأفكار الأخرى التي تناقضها أو لا تتفق معها، رغم سلميتها وعيا وواقعا وممارسة..
• وبين الأمس واليوم دم وندم .. صار اليوم أثقل من الأمس.. صار اليوم ثقيلاً ومثقلاً بتوحش الرأسمالية والأيديولوجيا الدينية والإسلام السياسي وبعض من يدعون برجال الدين الذي يريدون أن يفرضون على الشعوب أيديولوجياتهم وتصوراتهم للحاضر والمستقبل.. صار اليوم أكثر تعاسة من الأمس.. وصار استغلال الشعوب بأوجه، وصار القتل لله وباسم الله باذخا وعبثيا ولا طائل منه..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يتبع..
بعض من تفاصيل حياتي