قناة أحمد عبد المنعم
97.1K subscribers
326 photos
73 videos
52 files
380 links
خزانة شخصية أجمعها لوقت الحاجة
Download Telegram
﴿فإذا قرأت ٱلقرءان فٱستعذ بٱلله من ٱلشیطـٰن ٱلرجیم﴾ [النحل ٩٨]

ولما تقررت هذه الأحكام على هذه الوجوه الجليلة؛ وأشارت بحسن ألفاظها؛ وشرف سياقها إلى أغراض هي؛ مع جلالتها؛ غامضة دقيقة؛ فلاح بذلك أن القرآنَ تبيانٌ لكل شيء؛ في حق من سَلِم من غوائل الهوى وحبائل الشيطان؛ وختم ذلك بالحث على العمل الصالح؛ وكان القرآن تلاوة وتفكرا وعملا بما ضمن؛ أجل الأعمال الصالحة؛ تسبب عن ذلك الأمر بأنه إذا قرئ هذا القرآن المنزل على مثل تلك الأساليب الفائقة؛ يستعاذ من الشيطان؛ لئلا يحول بوساوسه بين القارئ وبين مثل تلك الأغراض والعمل بها؛ وحاصله الحث على التدبر؛ وصرف جميع الفكر إلى التفهم؛ والالتجاء إليه تعالى في كل عمل صالح؛ لئلا يفسده الشيطان بوساوسه؛ أو يحول بين الفهم وبينه؛ بيانا لقدر الأعمال الصالحة؛ وحثا على الإخلاص فيها وتشمير الذيل عند قصدها؛ لا سيما أفعال القلوب؛ التي هي أغلب ما تقدم هنا.

البقاعي
قال شيخ الإسلام في شرحه لحديث سيد الاستغفار:
(أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي)

قال بعض العارفين: ينبغي للعبد أن تكون أنفاسُه كلُّها نفسَيْن: نفسًا يَحمد فيه ربَّه، ونفسًا يستغفره من ذَنْبه.
ومتى شَهِدَ العبدُ هذين الأمرين استقامتْ له العبودية، وتَرقّى في درجاتِ المعرفةِ والإيمان، وتصاغرتْ إليه نفسُه، وتواضَعَ لربِّه.
وهذا هو كمالُ العبودية، وبه يَبرأُ من العُجْب والكِبْر وزينةِ العمل.
والمقصود هنا أن القرآن من تَدبّرَه تدبرا تامّا تبينَ له اشتمالُه على بيان الأحكام، وأنّ فيه من العلم مالا يُدرِكه أكثرُ الناس، وأنِّه يُبيّن المشكلاتِ ويَفصِل النزاع بكمالِ دلالتِه وبيانِه إذا أُعطِيَ حقَّه، ولم تُحرَّفْ كَلِمُهُ عن مواضعه.

شيخ الإسلام
قد يتساءل بعضنا عن حكمة بعض الابتلاءات والأقدار، ويتعجب من تقديرها.

لمّا تعجب الملائكة من خلق آدم وذريته ومعرفتهم بعض مآلات ذلك من سفك الدماء وإفساد الأرض= كانت الإجابة: إني أعلم ما لا تعلمون.

قال ابن كثير رحمه الله:
[قال الله تعالى مجيبا لهم عن هذا السؤال: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾ أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم؛ فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد فيهم الصديقون والشهداء، والصالحون والعباد، والزهاد والأولياء، والأبرار والمقربون، والعلماء العاملون والخاشعون، والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله، صلوات الله وسلامه عليهم] انتهى.

فقد يترّتب على بعض الأقدار المؤلمة عبودياتٌ عظيمة يحبّها الله ويتزيّن بها الكون لم تكن لتخرج من المؤمنين إلا بتقدير تلك الآلام.
فمن الحكَم التي أخبرتنا بها سورة آل عمران عن القرح الذي أصاب أهل الإيمان= (ويتّخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين).

فلا تحزن على تلك البقاع التي أصابها الضر والبلاء؛ فإنّها مصابيح الأرض ونجومها بما تُزهر من عبوديات يُباهي بها اللهُ ملائكتَه، ولا تغترّ بتقَلُّب أهل الترف والفساد في أرجاء الأرض والبلاد، متاع قليل ثم إلى الله يُرجعون.

فيا أيها الذين آمنوا: اصبروا وصابروا ورابطوا، ولا تُفتَنوا بمُتشابهات الأقدار، ورُدّوها إلى مُحكمات ما تعلمون من رحمة الله وحكمته ولطفه.

(ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهَب لنا من لدنّك رحمة)
﴿ذَلِكَ بِأنَّ الله يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ وأنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾

والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. أيْ لا عَجَبَ في النَّصْرِ المَوْعُودِ بِهِ المُسْلِمُونَ عَلى الكافِرِينَ مَعَ قِلَّةِ المُسْلِمِينَ، فَإنَّ القادِرَ عَلى تَغْلِيبِ النَّهارِ عَلى اللَّيْلِ حِينًا بَعْدَ أنْ كانَ أمْرُهُما عَلى العَكْسِ حِينًا آخَرَ قادِرٌ عَلى تَغْلِيبِ الضَّعِيفِ عَلى القَوِيِّ، فَصارَ حاصِلُ المَعْنى: ذَلِكَ بِأنَّ الله قادِرٌ عَلى نَصْرِهِمْ.

والجَمْعُ بَيْنَ ذِكْرِ إيلاجِ اللَّيْلِ في النَّهارِ وإيلاجِ النَّهارِ في اللَّيْلِ لِلْإيماءِ إلى تَقَلُّبِ أحْوالِ الزَّمانِ فَقَدْ يَصِيرُ المَغْلُوبُ غالِبًا ويَصِيرُ ذَلِكَ الغالِبُ مَغْلُوبًا.

مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ بِحَيْثُ تَتَعَلَّقُ بِالأفْعالِ المُتَضادَّةِ ولا تَلْزَمُ طَرِيقَةً واحِدَةً كَقُدْرَةِ الصُّنّاعِ مِنَ البَشَرِ.

وفِيهِ إدْماجُ التَّنْبِيهِ بِأنَّ العَذابَ الَّذِي اسْتَبْطَأهُ المُشْرِكُونَ مَنُوطٌ بِحُلُولِ أجَلِهِ، وما الأجَلُ إلّا إيلاجُ لَيْلٍ في نَهارٍ ونَهارٍ في لَيْلٍ.

وفِي ذِكْرِ اللَّيْلِ والنَّهارِ في هَذا المَقامِ إدْماجُ تَشْبِيهِ الكُفْرِ بِاللَّيْلِ والإسْلامِ بِالنَّهارِ؛ لِأنَّ الكُفْرَ ضَلالَةُ اعْتِقادٍ، فَصاحِبُهُ مِثْلُ الَّذِي يَمْشِي في ظُلْمَةٍ، ولِأنَّ الإيمانَ نُورٌ يَتَجَلّى بِهِ الحَقُّ والِاعْتِقادُ الصَّحِيحُ، فَصاحِبُهُ كالَّذِي يَمْشِي في النَّهارِ.

فَفي هَذا إيماءٌ إلى أنَّ الإيلاجَ المَقْصُودَ هو ظُهُورُ النَّهارِ بَعْدَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، أيْ ظُهُورُ الدِّينِ الحَقِّ بَعْدَ ظُلْمَةِ الإشْراكِ؛ ولِذَلِكَ ابْتُدِئَ في الآيَةِ بِإيلاجِ اللَّيْلِ في النَّهارِ، أيْ دُخُولِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ تَحْتَ ضَوْءِ النَّهارِ
.

وعَطْفُ ﴿وأنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ عَلى السَّبَبِ لِلْإشارَةِ إلى عِلْمِ اللَّهِ بِالأحْوالِ كُلِّها فَهو يَنْصُرُ مَن يَنْصُرُهُ بِعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ ويَعِدُ بِالنَّصْرِ مَن عَلِمَ أنَّهُ ناصِرُهُ لا مَحالَةَ، فَلا يَصْدُرُ مِنهُ شَيْءٌ إلّا عَنْ حِكْمَةٍ.

ابن عاشور
سورة الحج:
(أمر ختامي بعد رحلة عجيبة)

تطوف بك سورة الحج في مشاهد متنوعة، تبدأ ببيان مظاهر الفزع يوم القيامة، ثم مراحل خلق الإنسان، ثم أنواع الناس تجاه التعامل مع الحق، وبيان أن الكون كله يسجد لله، وتأكد لك الخصومة المستمرة بين أهل الحق وأهل الباطل حتى يذوق أهلُ الباطل مقامع الجحيم، وتذكرك بقصة إرساء قواعد التوحيد في الأرض وجهد إبراهيم عليه السلام في نفض تراب الشرك، وتزيدُ تقوى قلبك بتعظيم الحرمات والشعائر، وتكشف لك عن سنة التدافع حتى يأتي وعد الله، وتحذّر من الأمنيات التي يلقيها الشيطان في صدور أهل الحق، ثم تُبشّر بالرزق الحسن الذي ينتظر المجاهدين والمهاجرين مع التأكيد على قدرته تعالى على نصرهم وتأييدهم، ثم تفضح وتكشف عن كره أهل الباطل لسماع الآيات المتلوة من أهل الإيمان، ثم تُطمئنك بمثال واضح لقدرة الرب وضعف الخلق، وتوّدعك السورة بالحديث عن سنة الاصطفاء، ثم في الختام يأتي بعد هذا كله ذلك الأمر الذي يقع موقعه في قلوب أهل الإيمان؛ ذلك الأمر الذي يجعلهم يبذلون الغالي والنفيس بعدما تهيأت قلوبهم لتلقي ذلك الأمر وهو: (وجاهدوا في الله حق جهاده).
وإليك نسعى ونحفد (الاجتهاد في العشر الأواخر) | د. أحمد عبد المنعم
📌درس: وإليك نسعى ونحفد

عن الاجتهاد في العشر الأواخر.
اللهم بلغنا ليلة القدر..
اللهم أعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار
لا تنسونا من صالح دعائكم.❤️
▶️ youtu.be/W6B6ebGaMFU
🔁 t.me/itsquraan
وعبّر عن المشركين بــــ{المجرمين} لأن كفرهم بعد نزول القرآن إجرام.

ابن عاشور
انظر إلى خطاب العزة في سورة الأنبياء:

(لَا یُسۡـَٔلُ عَمَّا یَفۡعَلُ وَهُمۡ یُسۡـَٔلُونَ)

(وَمَن یَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّیۤ إِلَـٰهࣱ مِّن دُونِهِۦ فَذَ ٰ⁠لِكَ نَجۡزِیهِ جَهَنَّمَۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ نَجۡزِی ٱلظَّـٰلِمِینَ)

(قُلۡنَا یَـٰنَارُ كُونِی بَرۡدࣰا وَسَلَـٰمًا عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ)

(إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱلله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَ ٰ⁠رِدُونَ).

أشهد أن هذا الكلام لا يطيق صدرُ بشر أن يخترعه من عنده، ولكنه تنزيل من رب العالمين.

(وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن یُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱلله وَلَـٰكِن تَصۡدِیقَ ٱلَّذِی بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَتَفۡصِیلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا رَیۡبَ فِیهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)
﴿وما تنزلت به ٱلشیـٰطین ۝٢١٠ وما ینبغی لهم وما یستطیعون ۝٢١١ إنهم عن ٱلسمع لمعزولون ۝٢١٢﴾

يقول تعالى مخبرا عن كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد: أنه نزل به الروح الأمين المؤيد من الله، ﴿وما تنزلت به الشياطين﴾ .

ثم ذكر أنه يمتنع عليهم من ثلاثة أوجه،

أحدها: أنه ما ينبغي لهم، أي: ليس هو من بغيتهم ولا من طلبتهم؛ لأن من سجاياهم الفساد وإضلال العباد، وهذا فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونور وهدى وبرهان عظيم، فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وما ينبغي لهم﴾ .

وقوله: ﴿وما يستطيعون﴾ أي: ولو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك، قال الله تعالى: ﴿لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله﴾

ثم بين أنه لو انبغى لهم واستطاعوا حمله وتأديته، لما وصلوا إلى ذلك؛ لأنهم بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله؛ لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا في مدة إنزال القرآن على رسوله، فلم يخلص أحد من الشياطين إلى استماع حرف واحد منه، لئلا يشتبه الأمر.

وهذا من رحمة الله بعباده، وحفظه لشرعه، وتأييده لكتابه ولرسوله؛ ولهذا قال: ﴿إنهم عن السمع لمعزولون﴾.

ابن كثير
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم أوزعنا أن نشكر نعمك علينا.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.
هل تتخيل أن إبليس بكل طاقته الإغوائية وعلوّ همّته في الإفساد وطُول نفسه في الإضلال كان يوما ما طائعا لله عز وجل! وكان يُسخّر طاقته في تنفيذ أمر الله سبحانه وتعالى، ثم تحوّل من الطائعين إلى الغاوين المُغوين، وخرج من صفوف المُستجيبين إلى المُعترضين، بسبب كِبره وعُجبه وحسده، ورفضه للسجود بغيا وعُتوا.

نعوذ بالله من شرور أنفُسنا وسيئات أعمالنا.

اللهم يا مقلب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك.

الفترة بعد مواسم الطاعة أمر طبيعي؛ في هذه المحاضرة الموجزة تحدَّث الشيخ فريد الأنصاري -رحمه الله- عن المشكلة، وطرح بعض العلاجات النافعة؛ التي تُجدِّد عزم العبد، وتَجِدُّ به السير إلى الله تعالى:

https://youtu.be/gZKpy6cjMjo
﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ﴾ .
تَفْرِيعٌ عَلى ما تَقَرَّرَ مِنَ التَّذْكِيرِ بِاللُّطْفِ والعِنايَةِ ووَعْدِهِ بِتَيْسِيرِ ما هو عَسِيرٌ عَلَيْهِ في طاعَتِهِ الَّتِي أعْظَمُها تَبْلِيغُ الرِّسالَةِ دُونَ مَلَلٍ ولا ضَجَرٍ.

والفَراغُ: خُلُوُّ باطِنِ الظَّرْفِ أوِ الإناءِ؛ لِأنَّ شَأْنَهُ أنْ يُظْرَفَ فِيهِ.

وفِعْلُ (فَرَغَ) يُفِيدُ أنَّ فاعِلَهُ كانَ مَمْلُوءًا بِشَيْءٍ، وفَراغُ الإنْسانِ مَجازٌ في إتْمامِهِ ما شَأْنُهُ أنْ يَعْمَلَهُ.

ولَمْ يُذْكَرْ هُنا مُتَعَلَّقُ (﴿فَرَغْتَ﴾)، وسِياقُ الكَلامِ يَقْتَضِي أنَّهُ لازِمُ أعْمالٍ يَعْمَلُها الرَّسُولُ ﷺ كَما أنَّ مَساقَ السُّورَةِ في تَيْسِيرِ مَصاعِبِ الدَّعْوَةِ وما يَحُفُّ بِها، فالمَعْنى: إذا أتْمَمْتَ عَمَلًا مِن مَهامِّ الأعْمالِ فَأقْبِلْ عَلى عَمَلٍ آخَرَ بِحَيْثُ يَعْمُرُ أوْقاتَهُ كُلَّها بِالأعْمالِ العَظِيمَةِ.

وأمّا قَوْلُهُ: (﴿فَإذا فَرَغْتَ﴾) فَتَمْهِيدٌ وإفادَةٌ لِإيلاءِ العَمَلِ بِعَمَلٍ آخَرَ في تَقْرِيرِ الدِّينِ ونَفْعِ الأُمَّةِ. وهَذا مِن صِيَغِ الدَّلالَةِ عَلى تَعاقُبِ الأعْمالِ.

واخْتَلَفَتْ أقْوالُ المُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ في تَعْيِينِ المَفْرُوغِ مِنهُ، وإنَّما هو اخْتِلافٌ في الأمْثِلَةِ، فَحَذْفُ المُتَعَلَّقِ هُنا لِقَصْدِ العُمُومِ.

وتَقْدِيمُ (﴿فَإذا فَرَغْتَ﴾) عَلى (﴿فانْصَبْ﴾) لِلِاهْتِمامِ بِتَعْلِيقِ العَمَلِ بِوَقْتِ الفَراغِ مِن غَيْرِهِ لِتَتَعاقَبَ الأعْمالُ.

وهَذِهِ الآيَةُ مِن جَوامِعِ الكَلِمِ القُرْآنِيَّةِ لِما احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِن كَثْرَةِ المَعانِي
.

(ابن عاشور)
المسألة الثانية عشرة:
إن هذه الشريعة المباركة معصومة، كما أن صاحبها ﷺ معصوم، وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة..
ويتبين ذلك بوجهين:

أحدهما:
الأدلة الدالة على ذلك تصريحا وتلويحا، كقوله تعالى: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾
..... (ثم شرح الشاطبي رحمه الله هذا الوجه)
....

والثاني:
الاعتبار الوجودي الواقع من زمن رسول الله ﷺ إلى الآن، وذلك أن الله عز وجل وفّر دواعي الأمة للذب عن الشريعة والمناضلة عنها بحسب الجملة والتفصيل.

أما القرآن الكريم، فقد قيض الله له حفظة بحيث لو زيد فيه حرف واحد لأخرجه آلاف من الأطفال الأصاغر، فضلا عن القراء الأكابر.

وهكذا جرى الأمر في جملة الشريعة، فقيض الله لكل علم رجالا حفظه على أيديهم.

فكان منهم قوم يذهبون الأيام الكثيرة في حفظ اللغات والتسميات الموضوعة على لسان العرب، حتى قرروا لغات الشريعة من القرآن والحديث -وهو الباب الأول من أبواب فقه الشريعة، إذ أوحاها الله إلى رسوله على لسان العرب.

ثم قيض رجالا يبحثون يبحثون عن تصاريف هذه اللغات في النطق فيها رفعا ونصبا، وجرا وجزما، وتقديما وتأخيرا، وإبدالا وقلبا، وإتباعا وقطعا، وإفرادا وجمعا، إلى غير ذلك من وجوه تصاريفها في الإفراد والتركيب، واستنبطوا لذلك قواعد ضبطوا بها قوانين الكلام العربي على حسب الإمكان، فسهل الله بذلك الفهم عنه في كتابه، وعن رسول الله ﷺ في خطابه.

ثم قيض الحق سبحانه رجالا يبحثون عن الصحيح من حديث رسول الله ﷺ، وعن أهل الثقة والعدالة من النقلة، حتى ميزوا بين الصحيح والسقيم، وتعرفوا التواريخ وصحة الدعاوى في الأخذ لفلان عن فلان، حتى استقر الثابت المعمول به من أحاديث رسول الله ﷺ.

وكذلك جعل اللهُ العظيمُ لبيان السنة عن البدعة ناسا من عبيده بحثوا عن أغراض الشريعة كتابا وسنة، وعما كان عليه السلف الصالحون، وداومَ عليه الصحابةُ والتابعون، وردوا على أهل البدع والأهواء، حتى تميز أتباع الحق عن أتباع الهوى.

وبعث الله تعالى من عباده قراء أخذوا كتابه تلقيا من الصحابة، وعلموه لمن يأتي بعدهم حرصا على موافقة الجماعة في تأليفه في المصاحف، حتى يتوافق الجميع على شيء واحد، ولا يقع في القرآن اختلاف من أحد من الناس.

ثم قيض الله تعالى ناسا يناضلون عن دينه، ويدفعون الشبه ببراهينه، فنظروا في ملكوت السماوات والأرض، واستعملوا الأفكار، وأذهبوا عن أنفسهم ما يشغلهم عن ذلك ليلا ونهارا، واتخذوا الخلوة أنيسا، وفازوا بربهم جليسا، حتى نظروا إلى عجائب صنع الله في سماواته وأرضه، وهم العارفون من خلقه، والواقفون مع أداء حقه، فإن عارض دينَ الإسلام معارضٌ، أو جادل فيه خصم مناقض، غبّروا في وجه شبهاته بالأدلة القاطعة، فهم جند الإسلام وحماة الدين.

وبعث الله من هؤلاء سادة فهموا عن الله وعن رسول الله ﷺ، فاستنبطوا أحكاما فهموا معانيها من أغراض الشريعة في الكتاب والسنة، تارة من نفس القول، وتارة من معناه، وتارة من علة الحكم، حتى نزّلوا الوقائع التي لم تذكر على ما ذكر، وسهّلوا لمن جاء بعدهم طريق ذلك، وهكذا جرى الأمر في كل علم توقف فهم الشريعة عليه أو احتيج في إيضاحها إليه.

وهو عين الحفظ الذي تضمنته الأدلة المنقولة، وبالله التوفيق.

الموافقات
النفس أعقد مما يظن كثير من الناس، وطريقة الوحي في تزكيتها وتهذيبها والعروج بها من الظلمات لا يُطيقها عقول البشر وخبراتهم الحياتية.
جزء كبير من تعاسة الإنسان ناتج عن تضخيم الشيطان لمشاعر الطمع وبث الأماني في صدر الإنسان، وعن ضغط المجتمع ودفعه له بقوة في تحصيل أسباب الأمان والسعادة والاستقرار (المُتوهّم)، بالرغم من قدراته المحدودة ومواجهته لضغوط الحياة بمفرده وتقلّب الأيام بأقدار لم يتوقعها؛ فتزداد حسرته ويتقطع قلبه وتلهث نفسُه.

يزيح عنك القرآنُ كثيرا من هذه الأوهام، ويطرح عن كاهلك تلك الجبال الضاغطة، ويعرّفك بحقيقة وجودك وقيمتك العُليا، ويقلّل رغباتك، ويرتب أولوياتك، ويربطك بخالقك مالك الملك سبحانه وتعالى، فهو الواسع اللطيف الرحيم الحكيم سبحانه وتعالى.

(الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا، والله واسع عليم)
ٱلَّذِی یَرَاكَ حِینَ تَقُومُ ۝٢١٨ وَتَقَلُّبَكَ فِی ٱلسَّـٰجِدِینَ

والقِيامُ: الصَّلاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، غَلَبَ هَذا الِاسْمُ عَلَيْهِ في اصْطِلاحِ القُرْآنِ، والتَّقَلُّبُ في السّاجِدِينَ هو صَلاتُهُ في جَماعاتِ المُسْلِمِينَ في مَسْجِدِهِ.

وهَذا يَجْمَعُ مَعْنى العِنايَةِ بِالمُسْلِمِينَ تَبَعًا لِلْعِنايَةِ بِرَسُولِهِمْ، فَهَذا مِن بَرَكَتِهِ ﷺ وقَدْ جَمَعَها هَذا التَّرْكِيبُ العَجِيبُ الإيجازِ.

التحرير والتنوير
Forwarded from قناة د.فهد بن صالح العجلان (فهد العجلان)
هل يمكن أن نبني الأحكام والفتاوى على المقاصد فقط؟

هذا من أهم الأسئلة في البحث المقاصدي المعاصر، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، والجدل حول الجواب كبيرٌ واسعٌ بين اتجاهاتٍ مختلفة.

ويتبع هذا سؤالٌ مهمٌّ آخر، هو ثمرته ونتيجته، وهو: هل يمكن أن تتغيَّر الاحكام بتغيُّر مقاصدها؟

في المادة العلمية التي بين يديك جوابٌ تأصيلي لهذا السؤال المهم والملح، والذي من أجله جاء كتاب (بناء الأحكام على المقاصد)، وهذه المادة تسير في الجواب على مثل ما في هذا الكتاب.

لعل هذا يشفع لطول هذه المادة نسبيًا 😀

نفع الله بها، وبارك فيها.

https://youtu.be/sW_7qkHhAR4
وعلى هذا، فالتعمّق في البحث فيها وتطلّب ما لا يشترك الجمهور في فهمه= خروجٌ عن مُقتضى وضع الشريعة الأمية، فإنه رُبما جَمحت النفسُ إلى طلب ما لم يُطلب منها؛ فوقعت في ظُلمة لا انفكاك لها منها.

ومن طِماح النفوس إلى ما لم تكلّف به= نشأت الفِرَق كلها أو أكثرها.

الشاطبي