محمود شقير : ظل آخر للمدينة33
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير أعود بعد هذا الغياب، إلى مقهى "منى" الواقع في أول طريق الواد.أجلس في الفسحة الضيقة المحاذية لبلاط السوق. هنا في هذا المقهى كان آخر لقاءاتنا.يظهر عمر فجأة في المقهى دون أن نعرف من أين جاء. نجلس في زاوية المقهى القصية كي لا يراه أحد المخبرين. كان يتدفق حماسة، ويعلن أنه لن يسلم نفسه لهم، وسوف يتدبر أمره للبقاء في هذه المدينة. يسألنا عن آخر أخبار اتحاد المعلمين، بل إنه كان يجازف بحضور بعض الاجتماعات معنا. يقطع أزقة فرعية كثيرة لكي يصل إلى البيت الذي كنا نعقد اجتماعاتنا فيه، قرب باب الخليل. ثم راح في الآونة الأخيرة يستشعر خطر الاعتقال، وكان ذلك يثير أعصابه، لأنه كان يدرك أن ثمة الكثير الذي عليه أن ينجزه. لذلك، اختار أن يقطع النهر شرقاً لكي يعود من جديد. وهكذا فعل عمر، قطع النهر ولم يمكث هناك إلا بمقدار ما احتاجه من وقت لكي يتدرب على المهمة التي نذر نفسه من أجلها، ثم عاد محملاً بالأمل وبالإصرار، لكنهم كانوا له بالمرصاد، فلم يتمكن من البقاء طليقاً أي وقت يذكر. أعود إلى المقهى الذي كنا نجلس فيه. عمر لم يعد موجوداً بيننا. وعلى مسافة عدة أمتار، مقابل المقهى تماماً، يقع حانوت العم عايد، ذلك الرجل المسالم، بالضحكة الخافتة التي لا تزعج طفلاً أو فراشة. وأنظر إلى داخل المقهى حيث يحتشد لاعبو الورق، ومدخنو النراجيل، وأتذكر كوكبة من رجالات قريتنا، الذين كانوا يمضون وقتاً غير قليل في هذا المقهى. لقد طواهم الموت، فلم يعد المقهى يحتضن ضحكاتهم المجلجلة، وأصواتهم الصاخبة، كلما دفعتهم إلى ذلك مشكلة مفاجئة، تحتاج إلى تدخل مباشر منهم، قبل أن يستفحل مداها ويتفاقم الشر بين المتخاصمين. أعود إلى المقهى. أغادره، بعد أن تتشابك في ذهني صور الذين غابوا، وتركوا المقهى يعاني من نقصان.يتبع.. ......
#للمدينة33
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=717156
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير أعود بعد هذا الغياب، إلى مقهى "منى" الواقع في أول طريق الواد.أجلس في الفسحة الضيقة المحاذية لبلاط السوق. هنا في هذا المقهى كان آخر لقاءاتنا.يظهر عمر فجأة في المقهى دون أن نعرف من أين جاء. نجلس في زاوية المقهى القصية كي لا يراه أحد المخبرين. كان يتدفق حماسة، ويعلن أنه لن يسلم نفسه لهم، وسوف يتدبر أمره للبقاء في هذه المدينة. يسألنا عن آخر أخبار اتحاد المعلمين، بل إنه كان يجازف بحضور بعض الاجتماعات معنا. يقطع أزقة فرعية كثيرة لكي يصل إلى البيت الذي كنا نعقد اجتماعاتنا فيه، قرب باب الخليل. ثم راح في الآونة الأخيرة يستشعر خطر الاعتقال، وكان ذلك يثير أعصابه، لأنه كان يدرك أن ثمة الكثير الذي عليه أن ينجزه. لذلك، اختار أن يقطع النهر شرقاً لكي يعود من جديد. وهكذا فعل عمر، قطع النهر ولم يمكث هناك إلا بمقدار ما احتاجه من وقت لكي يتدرب على المهمة التي نذر نفسه من أجلها، ثم عاد محملاً بالأمل وبالإصرار، لكنهم كانوا له بالمرصاد، فلم يتمكن من البقاء طليقاً أي وقت يذكر. أعود إلى المقهى الذي كنا نجلس فيه. عمر لم يعد موجوداً بيننا. وعلى مسافة عدة أمتار، مقابل المقهى تماماً، يقع حانوت العم عايد، ذلك الرجل المسالم، بالضحكة الخافتة التي لا تزعج طفلاً أو فراشة. وأنظر إلى داخل المقهى حيث يحتشد لاعبو الورق، ومدخنو النراجيل، وأتذكر كوكبة من رجالات قريتنا، الذين كانوا يمضون وقتاً غير قليل في هذا المقهى. لقد طواهم الموت، فلم يعد المقهى يحتضن ضحكاتهم المجلجلة، وأصواتهم الصاخبة، كلما دفعتهم إلى ذلك مشكلة مفاجئة، تحتاج إلى تدخل مباشر منهم، قبل أن يستفحل مداها ويتفاقم الشر بين المتخاصمين. أعود إلى المقهى. أغادره، بعد أن تتشابك في ذهني صور الذين غابوا، وتركوا المقهى يعاني من نقصان.يتبع.. ......
#للمدينة33
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=717156
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة33
محمود شقير : ظل آخر للمدينة 34
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير كانت لدي رغبة في السفر إلى مصر للدراسة في إحدى جامعاتها (مصر حيث عبد الناصر هناك وحيث ممثلو السينما المصرية وممثلاتها الجميلات، والروائيون وكتاب القصة القصيرة الذين أصبحت من المعجبين بكتاباتهم)، ولم تسمح لي أحوال أبي المادية بذلك. قدمت طلباً للحصول على وظيفة، ولم تواجهني أية تعقيدات في ذلك. صدر قرار بتعييني مدرّساً في مدرسة قرية خربثا بني حارث. ذهبت إليها وعملت فيها أربع سنوات (سوف أعمل في مهنة التدريس سنوات طويلة، أحقق نجاحاً فيها، ومع ذلك لا يفارقني الخوف من الإخفاق، سوف تكون نماذج بعض المدرسين الذين درّسوني حاضرة في ذهني، أقتدي بالمعلمين الناجحين، أحرص على علاقات طيبة مع الطلبة. سوف يسكنني الرعب من معاناة بعض المدرسين: مدرس التاريخ في المدرسة الرشيدية، كانت حصته مليئة بالفوضى، لا أحد من الطلاب يصغي إليه، والصف يبدو مثل منحلة، وأحياناً يضطر مدير المدرسة إلى قرع باب الصف، والدخول إلى الحصة، لمعرفة أسباب هذا الضجيج. تنقلب سحنة المدرس من شدة الحرج، يهدر بصوت أجش، متوعداً الطلبة المشاغبين بعد خروج المدير، ولكن دون جدوى. مدرس الرياضيات النحيف ذو الصوت الرفيع، يعلق له الطلبة ذيلا طويلاً من ورق فيما هو يتجول بين المقاعد، دون أن يشعر بذلك، ودون أن يعرف سبباً للضحكات الساخرة والتلميحات الخبيثة، ثم يتمادون أكثر، فيرشقون الحبر الأزرق السائل من أقلامهم على ملابسه. وسوف تكون نماذج بعض المدرسين الذين عملوا معي في مدارس مختلفة، حاضرة في ذهني: ذلك المدرس الذي كان يرتدي بدلة مترهلة، ما إن يقترب من ملعب المدرسة، حتى يتجمع من حوله الطلبة، بعضهم يشاغله بأسئلة سخيفة، فيما يقوم بعضهم الآخر بملء جيوبه بالحصى، يدخل مبنى المدرسة، ثم ينتبه إلى ما يثقل جيوبه، فيقوم بتفريغها لكي تمتلئ بالحصى من جديد، فيما هو متجه عبر الملعب إلى بيته بعد انتهاء الدوام. ذلك المدرس الذي كان يستفزه أحد الطلبة عن قصد، يشتبك المدرس معه قاصداً معاقبته، يتدخل طلبة آخرون، بحجة فض الاشتباك بين المدرس وزميلهم الطالب، يتعقد الاشتباك، فلا يدري المدرس فيما إذا كان الطلبة يقومون بفض الاشتباك، أم إنهم يمعنون في محاصرته وجره من زاوية إلى أخرى في غرفة الصف، وهو مرتبك حائر لا يعرف ماذا يفعل أو ماذا يقول!). كانت الوظيفة سبباً محفزاً لأسرتي لكي تلح علي بضرورة التفكير في الزواج، فهي مدخل إلى الاستقرار وتحصيل دخل ثابت. ولم أكن كارهاً لذلك. ربما خطر ببالي في فترة ما تأجيل هذا الأمر إلى حين الانتهاء من دراستي الجامعية في مصر. وحينما شعرت بأن ذهابي إلى مصر لم يعد ممكناً، وجدت أنه لا داعي لتأجيل فكرة الزواج، وبخاصة أن الغالبية العظمى من أبناء جيلي في ذلك الزمن كانوا يتزوجون في سن مبكرة، ما يعني أنني سأبقى مدرساً طوال حياتي، وأنني سأبني أسرة مثل غيري من صغار الموظفين. ولم يكن ذلك سيئاً بالنسبة لي في لحظة معينة، بل إنني كنت أرسم لنفسي أحلاماً وردية في ظل حياة اجتماعية هادئة، يزيدها هدوءاً دخل ثابت وتطلعات بسيطة مشتقة من وعي بسيط وعلاقات اجتماعية عادية (تعرفت إلى فتاة قروية نحيلة، دعوتها ذات مرة لكي تذهب معي إلى القدس، وافقت بعد أن اختلقت حيلة ما تبرر لأهلها هذا الذهاب. مشت إلى جواري بثوبها الفلاحي المطرز بخيوط حمراء وزرقاء وخضراء. كانت مثل حمامة وديعة وكنت مسكوناً بالخجل. جلسنا في كافتيريا اكسبرس خضر في أول طلعة حارة النصارى، ولم يكن في الصالة أحد سوانا، شربنا عصير البرتقال ودار بيننا حوار حميم لم يتكرر مثله كثيراً بسبب صعوبات اللقاء. ثم تعرفت إلى فتاة من المدينة. كانت متوسطة الجمال، ولها نهدان ضامران. ......
#للمدينة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=720237
#الحوار_المتمدن
#محمود_شقير كانت لدي رغبة في السفر إلى مصر للدراسة في إحدى جامعاتها (مصر حيث عبد الناصر هناك وحيث ممثلو السينما المصرية وممثلاتها الجميلات، والروائيون وكتاب القصة القصيرة الذين أصبحت من المعجبين بكتاباتهم)، ولم تسمح لي أحوال أبي المادية بذلك. قدمت طلباً للحصول على وظيفة، ولم تواجهني أية تعقيدات في ذلك. صدر قرار بتعييني مدرّساً في مدرسة قرية خربثا بني حارث. ذهبت إليها وعملت فيها أربع سنوات (سوف أعمل في مهنة التدريس سنوات طويلة، أحقق نجاحاً فيها، ومع ذلك لا يفارقني الخوف من الإخفاق، سوف تكون نماذج بعض المدرسين الذين درّسوني حاضرة في ذهني، أقتدي بالمعلمين الناجحين، أحرص على علاقات طيبة مع الطلبة. سوف يسكنني الرعب من معاناة بعض المدرسين: مدرس التاريخ في المدرسة الرشيدية، كانت حصته مليئة بالفوضى، لا أحد من الطلاب يصغي إليه، والصف يبدو مثل منحلة، وأحياناً يضطر مدير المدرسة إلى قرع باب الصف، والدخول إلى الحصة، لمعرفة أسباب هذا الضجيج. تنقلب سحنة المدرس من شدة الحرج، يهدر بصوت أجش، متوعداً الطلبة المشاغبين بعد خروج المدير، ولكن دون جدوى. مدرس الرياضيات النحيف ذو الصوت الرفيع، يعلق له الطلبة ذيلا طويلاً من ورق فيما هو يتجول بين المقاعد، دون أن يشعر بذلك، ودون أن يعرف سبباً للضحكات الساخرة والتلميحات الخبيثة، ثم يتمادون أكثر، فيرشقون الحبر الأزرق السائل من أقلامهم على ملابسه. وسوف تكون نماذج بعض المدرسين الذين عملوا معي في مدارس مختلفة، حاضرة في ذهني: ذلك المدرس الذي كان يرتدي بدلة مترهلة، ما إن يقترب من ملعب المدرسة، حتى يتجمع من حوله الطلبة، بعضهم يشاغله بأسئلة سخيفة، فيما يقوم بعضهم الآخر بملء جيوبه بالحصى، يدخل مبنى المدرسة، ثم ينتبه إلى ما يثقل جيوبه، فيقوم بتفريغها لكي تمتلئ بالحصى من جديد، فيما هو متجه عبر الملعب إلى بيته بعد انتهاء الدوام. ذلك المدرس الذي كان يستفزه أحد الطلبة عن قصد، يشتبك المدرس معه قاصداً معاقبته، يتدخل طلبة آخرون، بحجة فض الاشتباك بين المدرس وزميلهم الطالب، يتعقد الاشتباك، فلا يدري المدرس فيما إذا كان الطلبة يقومون بفض الاشتباك، أم إنهم يمعنون في محاصرته وجره من زاوية إلى أخرى في غرفة الصف، وهو مرتبك حائر لا يعرف ماذا يفعل أو ماذا يقول!). كانت الوظيفة سبباً محفزاً لأسرتي لكي تلح علي بضرورة التفكير في الزواج، فهي مدخل إلى الاستقرار وتحصيل دخل ثابت. ولم أكن كارهاً لذلك. ربما خطر ببالي في فترة ما تأجيل هذا الأمر إلى حين الانتهاء من دراستي الجامعية في مصر. وحينما شعرت بأن ذهابي إلى مصر لم يعد ممكناً، وجدت أنه لا داعي لتأجيل فكرة الزواج، وبخاصة أن الغالبية العظمى من أبناء جيلي في ذلك الزمن كانوا يتزوجون في سن مبكرة، ما يعني أنني سأبقى مدرساً طوال حياتي، وأنني سأبني أسرة مثل غيري من صغار الموظفين. ولم يكن ذلك سيئاً بالنسبة لي في لحظة معينة، بل إنني كنت أرسم لنفسي أحلاماً وردية في ظل حياة اجتماعية هادئة، يزيدها هدوءاً دخل ثابت وتطلعات بسيطة مشتقة من وعي بسيط وعلاقات اجتماعية عادية (تعرفت إلى فتاة قروية نحيلة، دعوتها ذات مرة لكي تذهب معي إلى القدس، وافقت بعد أن اختلقت حيلة ما تبرر لأهلها هذا الذهاب. مشت إلى جواري بثوبها الفلاحي المطرز بخيوط حمراء وزرقاء وخضراء. كانت مثل حمامة وديعة وكنت مسكوناً بالخجل. جلسنا في كافتيريا اكسبرس خضر في أول طلعة حارة النصارى، ولم يكن في الصالة أحد سوانا، شربنا عصير البرتقال ودار بيننا حوار حميم لم يتكرر مثله كثيراً بسبب صعوبات اللقاء. ثم تعرفت إلى فتاة من المدينة. كانت متوسطة الجمال، ولها نهدان ضامران. ......
#للمدينة
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=720237
الحوار المتمدن
محمود شقير - ظل آخر للمدينة 34