الحوار المتمدن
3.14K subscribers
12 photos
94.8K links
الموقع الرسمي لمؤسسة الحوار المتمدن في التلغرام
Download Telegram
حامد تركي هيكل : ذكرى قديمة جدا
#الحوار_المتمدن
#حامد_تركي_هيكل آشتي 1 نيسان 2020يجلس حارث مرزوق الذي يبلغ من العمر بضعاً وستين عاماً على الرصيف أمام بيته المستأجر في حي (آشتي 1) في أربيل وحيداً هذه الساعة من عصر يومٍ من أيام رمضان. يخيِّمُ الهدوءُ على الشارع والحيِّ بأكمله بسبب حظر التجوال الذي فرضته الحكومة هذه الأيام للحدِ من إنتشار فايروس كورونا. كان حارث قد جاء مع أسرته إلى أربيل من البصرة قبل خمسة عشر سنة عندما اضطربت الأحوالُ وفُقِدَ الأمنُ، وصار الكثيرون يخشون على حياتهم من القتل. كانت عصاباتٌ مجهولةٌ تقتلُ الناسَ لأسبابٍ مجهولة. وكثُرَ اللغطُ حول أسبابِ القتلِ ودوافعِه. ولكن حارثاً إختصرَ الطريقَ، فتركَ البصرةَ وكلَّ شيءٍ وراءَه، وقَدِمَ للعيش في أربيل.على أية حال، فلم تكنْ البصرة مسقط َ رأسه، ولا بلدةَ آبائه وأجداده. فقد نزحَ أبوه مرزوق مع عائلته في أواخر الخمسينات من باب الشيخ ببغداد واستوطن البصرة التي أعجبته كثرةُ الخيرِ فيها. فسكنَ في حيِّ العشّار، وراح يجوبُ القرى هو ومساعدُهُ الأسمرُ الصامتُ دوماً (سَتْوري)، يبني كورته الناريّة، وينصب كيرَه، يُصلِحُ الأواني النحاسيَّة العتيقة، ويبيع الجديدَ منها مما تصنعه يداه المبدعتان في مهنة الصفّارين التي ورثها عن أسلافه البغداديين، ويبيّض القديم منها بعد أن يجلو عنه صدأه. حارث رجلٌ عمليٌّ جداً. فهو يستطيع أن يشتغلَ بكلِّ مهنةٍ تدرُّ عليه مالاً. فقد عمل صفّارا وحدّادا ومصلِّحَ سيارات ومركِّب أنابيب وتنكجي وكلَّ ما يخطرُ على بالِ أحدٍ من تلك المهن التي تتطلب بنيةً قويةً، وفكراً ثاقباً في التعامل مع المعادن. يجلس هذه الساعة وحيداً، ليس لديه ما يقوم به، فالحظر أوقف الأعمال. وحيث لا وجود للعمل، فذلك يترك البابَ مفتوحاً للذكريات كي تطفو. يساعدُ هذا الهدوءُ الغريب على ذلك ، هذا الصمتُ الذي ذكَّر حارثاً بهدوءِ خضابوه ليلاً، وسكونِ خضابوه فجراً، قبل أن تضج بحركةِ الناسِ من جميعِ الألوانِ، ومن جميعِ الوجهات. هذا الصمت الذي حاول حارث تفاديه والهرب منه ملتجئاً الى أصواتِ المطارقِ والمثاقبِ والمناشيروالمقاصّ عقوداً من الزمن، هارباً منه إلى ضجيج الناس في الشوارع والأسواق والمعامل والورش خوفَ أن يحاصرَهُ وحيداً ليعيده الى ذكرى قرية خضابوه. تلك القرية التي ظلَّ طيلة تلك السنوات الخمسين يتحاشى إنبعاث ذكراها في رأسه. ولكنَّها هذه الساعة إنتصرت عليه، وإستبدت به، وحاصرته، فما عاد قادراً على الفرار منها، فاستسلم لها. إستسلم لذكرى خضابوه صيف عام 1970. خضابوه التي تقع على الجهة الغربية من شط العرب بين القرنة والبصرة، أو على وجه الدقّة بين كرمة علي والدير.خضابوه تموز 1970وخضابوه صيفاً ليست مجرد قرية صغيرة تتألفُ من بضع عشرات من البيوت تقع على نهرٍ صغير، بل هي عالمٌ كبير متنوع ينبضُ بالحياة.الصيفُ موسمُ التمرفي البصرة. ويا لتمر خضابوه، ما أكثَرَه، وما أطيبَه. حِملُهُ الذي ينوءُ بجذوعِ النخلِ ورؤوسِها شهيٌّ طريٌّ متنوعٌ الألوان والأشكال. ونخلُ خضابوه غابةٌ كثيفةٌ بالكاد ترى السماءَ خلالها . تضجُّ أرجاؤها بالحركة والصخب، إذ تُنشأُ الجواخين1 بسرعة حيث تُجَّمَعُ أرواطُ 2 التمر، وتُصنَّفُ وتُنقى وتُعبأُ وتُسوَّق بأيدي الفتيات الجميلات. تفِدُ إلى خضابوه عشراتُ العائلاتِ بل ربما المئاتُ من نواحي العمارة للعمل في جمع التمر، فينصبون خيامَهم البسيطة في الجوبات3 والمناطق الخالية من النخيل. تتقاضى النسوةُ العاملاتُ المُجدّاتُ تمراً لقاء جهدِهنّ. فتغدو الواحدةُ خفيفةً نشطةً، وتروحُ محملةً بوزنةٍ4 من أوسطِ أنواعِ التمر قبيلَ الغروب. وما إن ينتهي الموسمُ حتى ت ......
#ذكرى
#قديمة

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
http://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=676491