جميلة شحادة : الخيار الصعب
#الحوار_المتمدن
#جميلة_شحادة نظرتْ ماجدة الى قصاصة الورق التي ناولها لها الحارس، رفعت حاجبيْها وقطّبت جبينها دلالة على عدم رضاها، لا لأن دوْرها بعيدا، بل لأنها تتشاءم من الرقم 48. كانت والدتها بعمر ال 48 عندما تجمّد الدم في عروقها، وكانت السنة 48 عندما حلّت النكبة بشعبها، وكانت قد أطفأت الشمعة ال 48 من عمرها عندما اكتشفت ان دربها مغاير لدرب شريكها، فافترقا في النقطة الفاصلة، وابتعدا ملوحيْن بالأيدي.أخذت ماجدة قصاصة الورق وابتعدت عن كتلة اللحم الكبيرة التي تكدستْ امام باب البنك، اتخذت لها مكانا قصيا وجلستْ على إحدى الكراسي البلاستيكية المبعثرة على رصيف الشارع، والتي وُضعت كما يبدو لزبائن البنك حتى ينتظروا ادوارهم في الهواء الطلق خارج جدران البنك، في زمن الكورونا. نظرتْ امامها حيث ساحة المدينة التي يفصلها عنها الشارع فقط، فلم تر غير اسراب الحمام تلتقط البذور وتحلق شاكرة خالقها على نعمه ثم تهبط الى ارض الساحة لتكرر الفِعل. سرّتها مشاهدة اسراب الحمام؛ لكن ضجيج صمت المكان أفزعها. مركز مدينة الناصرة في أوائل نيسان من كل سنة يرتدي حلة قشيبة احتفاءً بقدوم أحد الشعانين وبعده بعيد قيامة المسيح؛ أجراس كنيسة البشارة في هذا الوقت من كل سنة تملأ المكان وقلوب سامعيها بالروحانيات والبهجة، وتوقظ أجنة النباتات، فتخضرّ وتزهر وتنهض لتشارك المرتلين تراتيل الأعياد؛ كانت زهور المكان تبتسم لوفود السائحين من كل البلاد؛ تبتسم للكوري، والألماني والصيني والياباني والدنماركي والسويدي والأميركي والقبطي، ولا تبخل على ابن البلد مهما كانت ديانته؛ كانت تفهم كل اللغات، والجميع يفهم لغتها.- صار لي سيعتين بسْتنى والدور مش متزحزح، فهِّمني شو قاعد يصير؟ سمعت ماجدة امرأة قد تجاوزت الخمسين من العمر تسأل الحارس، فوجهت نظرها اليها حيث كتلة اللحم التي تكدست امام مدخل البنك. لم يجب الحارس عن سؤال المرأة، كان يستمع الى رجل مسن توجه له طالبا منه المساعدة لإخراج بطاقة اعتماده، التي بلعها الصراف الآلي الموضوع في الخارج بالقرب من مدخل البنك؛ هو الآخر لم يلبي طلبه، فقد تجاهله ليدخل مَن حان دوره الى البنك وبذات اللحظة ليسمح لمَن انهى مهمته داخل البنك بالخروج منه من ذات الباب؛ الباب الزجاجي. في تلك اللحظة، شاهدت ماجدة شابا قد اخترق صفوف المتجمعين، وصل الى الحارس وسلمه ورقة وبطاقة هوية، دخل بهما الحارس الى البنك، وما هي الا دقائق حتى عاد الى الشاب وأعاد له بطاقة الهوية وسلمه مغلفا.- حماتي عاملة عملية القلب المفتوح، يعني هي من الشرائح المعرضة لخطر العدوى بفيروس الكورونا، خليها تدخل، مش لازم تستنى وقت طويل هون.قالت احداهن للحارس بعد ان أجلست حماتها على كرسي بعيدا عن المتجمهرين امام مدخل البنك، قريب من مكان جلوس ماجدة.كيف يتشدق المسئولون ويصرّحون من كل منبر بأنهم يحرصون على تقيّد الجمهور بتعليمات وزارة الصحة؟ ها هم كثيرون لا يرتدون الكمامات ولا يحافظون على مسافة مترين بين الواحد والآخر. قالت ماجدة في نفسها وأبعدت كرسيها عن مكان جلوس المرأة القريب منها لتصبح أكثر بُعدا. في تلك اللحظة، مرت في المكان سيارة تابعة للبلدية تسير ببطء ويسمع عبر مكبر صوت فيها صوت الرئيس حاثا ومناشدا سكان الناصرة بأن يلتزموا بيوتهم للمحافظة على سلامتهم، الا أن منظر الجموع امام مدخل البنك فكان يبرهن على ان هذه المناشدة ما هي الا كلام في الهواء. المرأة بجانب ماجدة هي الأخرى راحت تحدث نفسها، ولكن بصوت مسموع؛ لربما قصدت بذلك ان تسمعها ماجدة، فتبادلها الحديث وتخفف عنها ضجر الانتظار.- راح النهار؛ وينتا رح اعمل الكعكات اليوم؟ قالت ......
#الخيار
#الصعب
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
http://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=676736
#الحوار_المتمدن
#جميلة_شحادة نظرتْ ماجدة الى قصاصة الورق التي ناولها لها الحارس، رفعت حاجبيْها وقطّبت جبينها دلالة على عدم رضاها، لا لأن دوْرها بعيدا، بل لأنها تتشاءم من الرقم 48. كانت والدتها بعمر ال 48 عندما تجمّد الدم في عروقها، وكانت السنة 48 عندما حلّت النكبة بشعبها، وكانت قد أطفأت الشمعة ال 48 من عمرها عندما اكتشفت ان دربها مغاير لدرب شريكها، فافترقا في النقطة الفاصلة، وابتعدا ملوحيْن بالأيدي.أخذت ماجدة قصاصة الورق وابتعدت عن كتلة اللحم الكبيرة التي تكدستْ امام باب البنك، اتخذت لها مكانا قصيا وجلستْ على إحدى الكراسي البلاستيكية المبعثرة على رصيف الشارع، والتي وُضعت كما يبدو لزبائن البنك حتى ينتظروا ادوارهم في الهواء الطلق خارج جدران البنك، في زمن الكورونا. نظرتْ امامها حيث ساحة المدينة التي يفصلها عنها الشارع فقط، فلم تر غير اسراب الحمام تلتقط البذور وتحلق شاكرة خالقها على نعمه ثم تهبط الى ارض الساحة لتكرر الفِعل. سرّتها مشاهدة اسراب الحمام؛ لكن ضجيج صمت المكان أفزعها. مركز مدينة الناصرة في أوائل نيسان من كل سنة يرتدي حلة قشيبة احتفاءً بقدوم أحد الشعانين وبعده بعيد قيامة المسيح؛ أجراس كنيسة البشارة في هذا الوقت من كل سنة تملأ المكان وقلوب سامعيها بالروحانيات والبهجة، وتوقظ أجنة النباتات، فتخضرّ وتزهر وتنهض لتشارك المرتلين تراتيل الأعياد؛ كانت زهور المكان تبتسم لوفود السائحين من كل البلاد؛ تبتسم للكوري، والألماني والصيني والياباني والدنماركي والسويدي والأميركي والقبطي، ولا تبخل على ابن البلد مهما كانت ديانته؛ كانت تفهم كل اللغات، والجميع يفهم لغتها.- صار لي سيعتين بسْتنى والدور مش متزحزح، فهِّمني شو قاعد يصير؟ سمعت ماجدة امرأة قد تجاوزت الخمسين من العمر تسأل الحارس، فوجهت نظرها اليها حيث كتلة اللحم التي تكدست امام مدخل البنك. لم يجب الحارس عن سؤال المرأة، كان يستمع الى رجل مسن توجه له طالبا منه المساعدة لإخراج بطاقة اعتماده، التي بلعها الصراف الآلي الموضوع في الخارج بالقرب من مدخل البنك؛ هو الآخر لم يلبي طلبه، فقد تجاهله ليدخل مَن حان دوره الى البنك وبذات اللحظة ليسمح لمَن انهى مهمته داخل البنك بالخروج منه من ذات الباب؛ الباب الزجاجي. في تلك اللحظة، شاهدت ماجدة شابا قد اخترق صفوف المتجمعين، وصل الى الحارس وسلمه ورقة وبطاقة هوية، دخل بهما الحارس الى البنك، وما هي الا دقائق حتى عاد الى الشاب وأعاد له بطاقة الهوية وسلمه مغلفا.- حماتي عاملة عملية القلب المفتوح، يعني هي من الشرائح المعرضة لخطر العدوى بفيروس الكورونا، خليها تدخل، مش لازم تستنى وقت طويل هون.قالت احداهن للحارس بعد ان أجلست حماتها على كرسي بعيدا عن المتجمهرين امام مدخل البنك، قريب من مكان جلوس ماجدة.كيف يتشدق المسئولون ويصرّحون من كل منبر بأنهم يحرصون على تقيّد الجمهور بتعليمات وزارة الصحة؟ ها هم كثيرون لا يرتدون الكمامات ولا يحافظون على مسافة مترين بين الواحد والآخر. قالت ماجدة في نفسها وأبعدت كرسيها عن مكان جلوس المرأة القريب منها لتصبح أكثر بُعدا. في تلك اللحظة، مرت في المكان سيارة تابعة للبلدية تسير ببطء ويسمع عبر مكبر صوت فيها صوت الرئيس حاثا ومناشدا سكان الناصرة بأن يلتزموا بيوتهم للمحافظة على سلامتهم، الا أن منظر الجموع امام مدخل البنك فكان يبرهن على ان هذه المناشدة ما هي الا كلام في الهواء. المرأة بجانب ماجدة هي الأخرى راحت تحدث نفسها، ولكن بصوت مسموع؛ لربما قصدت بذلك ان تسمعها ماجدة، فتبادلها الحديث وتخفف عنها ضجر الانتظار.- راح النهار؛ وينتا رح اعمل الكعكات اليوم؟ قالت ......
#الخيار
#الصعب
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
http://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=676736
الحوار المتمدن
جميلة شحادة - الخيار الصعب