علي دريوسي : قطار آخن 2
#الحوار_المتمدن
#علي_دريوسي مضت أيام على لقائه الأول معها في القطار، كان يذهب كل يوم بعد انتهاء دوامه باتجاه مقر شركتها الكائن في بناية ضخمة وعالية، وفي كل مرة يعود خائباً إذ لم يجرؤ على دخول البناية والوصول إلى باب شركتها. عصر يوم جمعة حسم أمره أخيراً، طرق بابها، فُتح الباب، وجد نفسه في مكتبٍ فخم، اللون البني يغطي تفاصيل المكان: طاولة المكتب من الخشب البني، الكراسي، اللوحات، الديكورات والسجادة المفروشة في أرض المكتب. رائحة التبغ تضفي على المكان سحراً استثنائياً. خلف الطاولة جلست السيدة، ما إن رأته حتى نهضت، تقدمت باتجاهه لاستقباله، عانقته، شكرته للمجيء ودعته للجلوس. - أتشرب القهوة؟ - بكل سرور. - تستطيع أن تدخّن، فأنا أدخّن في مكتبي، لا أحد يمنعني.شكرها ومَدّ يده إلى جيب سترته، أوقفته، أوقفت حركة يده، قدّمت له علبة تبغها ماركة "غارغويل"، أشعلت له السيجارة، وذهبت تُعدّ القهوة، سحب أنفاساً متلاحقة من سيجارته ليغطي على قلقه، شعر بنشوة غريبة، شعر بارتياح، جاء فنجان القهوة، تحادثا عن أشياء لا معنى لها، بردت القهوة قليلاً، أخذ الرشفة الأولى، مذاقها غريبٌ طيب، استعذبها، أخذ الرشفة الثانية ولحقها بالثالثة، خفّ توتره حتى تلاشى، ودّ تدخين السّيجارة الثانية، سبقت يدها حركة يديه إلى جيبه وقدّمت له سّيجارة جديدة.ـ ليس من اللائق في عرف الضيافة أن أجلس خلف المكتب وأنت أمامه، سأعمل استثناءً لهذا اليوم وأجلس قربك، هل تُمانع؟جلست قبالته، رفعت فستانها إلى ما فوق ركبتيها وطوته على فخذيها وبينهما، أرخت ثقل ظهرها إلى مسند المقعد، باعدت ساقيها، أشعلت سيجارتها واسترخت.ـ هذا ما ينبغي أن نعمله بعد نهاية أسبوع عمل، علينا بالاسترخاء. صبّت له فنجان قهوة آخر، دخّنا كلاهما بتتابعٍ، اقترب منها، حذّرته: ـ لا تقترب، ستحترق!في ذاك المساء احترقا سويةً على السجّادة الممدودة في أرض مكتبها الذي يكتنفه الغموض. بعد الحريق غادرَ إلى غرفته الطلابية بابتسامة ورأس مملوء برائحة القهوة وطعم سجائر "غارغويل" والشهوة لحرائقَ قادمة.**مرّت عليه عطلة نهاية الأسبوع طويلةً وثقيلة، اشتاق للّون البنّيّ، ما أن عاد إلى عمله في أول أيام الأسبوع حتى حاول جاهداً الاتّصال بها دون جدوى، اتّصل في اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس دون جدوى، اتّصل عدة مرات في اليوم الواحد دون جدوى.عصر يوم الجمعة - وكأنه كلب بافلوف - توجّه إلى حيث مقر عملها، طرق الباب متردداً، فُتِحَ الباب، سمعَ صوتها مُرحِّباً: ـ خمَّنت أنّك ستأتي في هذا الوقت. قدّمت سجائرها وطلبت منه أن يهدأ قليلاً، كي تُكمل ما بين يديها من عمل. بعد بضع دقائق نهضت باتجاهه ويدها اليسرى تخلع سروالها الداخلي، حين اقتربت منه كان سروالها الأسود قد صار بين أصابعها. قرّبته من أنفه وقالت بصوت واثق: ـ سأكون لك الليل بأكمله إن أحببت، أين ستأخذني؟ كيف ستحرقني؟ وقبل أن يفتح فمه ليتفاعل مع سؤالها أردفت: ـ دقائق وأعود إليك. اختفت لوهلة في غرفةٍ جانبية لتخرج مرتديةً فستاناً مريحاً لنزهةٍ ليلية وعلّقت على كتفها حقيبة يدوية أنيقة.تنزّها في شوارع المدينة المضاءة، سألته إن كان يشعر بالجوع، كانا قد اقتربا في تلك اللحظة من أحد المطاعم اليونانية والتركية المنتشرة في المدينة التي تقدّم وجباتٍ مسائيةً سريعة وثقيلة، دخلا إلى المطعم، لحقهما الجرسون بكأسين من الشاي وتمنى لهما أمسيةً لطيفة.في ظُلمة شارع، تحت غطاء أشجاره، على الرصيف أشعلا سيجارتين وراحا يدخنان ويمشيان بهدوء، أخرجت من جزدانها قطعتي شوكولاتة وأع ......
#قطار
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768156
#الحوار_المتمدن
#علي_دريوسي مضت أيام على لقائه الأول معها في القطار، كان يذهب كل يوم بعد انتهاء دوامه باتجاه مقر شركتها الكائن في بناية ضخمة وعالية، وفي كل مرة يعود خائباً إذ لم يجرؤ على دخول البناية والوصول إلى باب شركتها. عصر يوم جمعة حسم أمره أخيراً، طرق بابها، فُتح الباب، وجد نفسه في مكتبٍ فخم، اللون البني يغطي تفاصيل المكان: طاولة المكتب من الخشب البني، الكراسي، اللوحات، الديكورات والسجادة المفروشة في أرض المكتب. رائحة التبغ تضفي على المكان سحراً استثنائياً. خلف الطاولة جلست السيدة، ما إن رأته حتى نهضت، تقدمت باتجاهه لاستقباله، عانقته، شكرته للمجيء ودعته للجلوس. - أتشرب القهوة؟ - بكل سرور. - تستطيع أن تدخّن، فأنا أدخّن في مكتبي، لا أحد يمنعني.شكرها ومَدّ يده إلى جيب سترته، أوقفته، أوقفت حركة يده، قدّمت له علبة تبغها ماركة "غارغويل"، أشعلت له السيجارة، وذهبت تُعدّ القهوة، سحب أنفاساً متلاحقة من سيجارته ليغطي على قلقه، شعر بنشوة غريبة، شعر بارتياح، جاء فنجان القهوة، تحادثا عن أشياء لا معنى لها، بردت القهوة قليلاً، أخذ الرشفة الأولى، مذاقها غريبٌ طيب، استعذبها، أخذ الرشفة الثانية ولحقها بالثالثة، خفّ توتره حتى تلاشى، ودّ تدخين السّيجارة الثانية، سبقت يدها حركة يديه إلى جيبه وقدّمت له سّيجارة جديدة.ـ ليس من اللائق في عرف الضيافة أن أجلس خلف المكتب وأنت أمامه، سأعمل استثناءً لهذا اليوم وأجلس قربك، هل تُمانع؟جلست قبالته، رفعت فستانها إلى ما فوق ركبتيها وطوته على فخذيها وبينهما، أرخت ثقل ظهرها إلى مسند المقعد، باعدت ساقيها، أشعلت سيجارتها واسترخت.ـ هذا ما ينبغي أن نعمله بعد نهاية أسبوع عمل، علينا بالاسترخاء. صبّت له فنجان قهوة آخر، دخّنا كلاهما بتتابعٍ، اقترب منها، حذّرته: ـ لا تقترب، ستحترق!في ذاك المساء احترقا سويةً على السجّادة الممدودة في أرض مكتبها الذي يكتنفه الغموض. بعد الحريق غادرَ إلى غرفته الطلابية بابتسامة ورأس مملوء برائحة القهوة وطعم سجائر "غارغويل" والشهوة لحرائقَ قادمة.**مرّت عليه عطلة نهاية الأسبوع طويلةً وثقيلة، اشتاق للّون البنّيّ، ما أن عاد إلى عمله في أول أيام الأسبوع حتى حاول جاهداً الاتّصال بها دون جدوى، اتّصل في اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس دون جدوى، اتّصل عدة مرات في اليوم الواحد دون جدوى.عصر يوم الجمعة - وكأنه كلب بافلوف - توجّه إلى حيث مقر عملها، طرق الباب متردداً، فُتِحَ الباب، سمعَ صوتها مُرحِّباً: ـ خمَّنت أنّك ستأتي في هذا الوقت. قدّمت سجائرها وطلبت منه أن يهدأ قليلاً، كي تُكمل ما بين يديها من عمل. بعد بضع دقائق نهضت باتجاهه ويدها اليسرى تخلع سروالها الداخلي، حين اقتربت منه كان سروالها الأسود قد صار بين أصابعها. قرّبته من أنفه وقالت بصوت واثق: ـ سأكون لك الليل بأكمله إن أحببت، أين ستأخذني؟ كيف ستحرقني؟ وقبل أن يفتح فمه ليتفاعل مع سؤالها أردفت: ـ دقائق وأعود إليك. اختفت لوهلة في غرفةٍ جانبية لتخرج مرتديةً فستاناً مريحاً لنزهةٍ ليلية وعلّقت على كتفها حقيبة يدوية أنيقة.تنزّها في شوارع المدينة المضاءة، سألته إن كان يشعر بالجوع، كانا قد اقتربا في تلك اللحظة من أحد المطاعم اليونانية والتركية المنتشرة في المدينة التي تقدّم وجباتٍ مسائيةً سريعة وثقيلة، دخلا إلى المطعم، لحقهما الجرسون بكأسين من الشاي وتمنى لهما أمسيةً لطيفة.في ظُلمة شارع، تحت غطاء أشجاره، على الرصيف أشعلا سيجارتين وراحا يدخنان ويمشيان بهدوء، أخرجت من جزدانها قطعتي شوكولاتة وأع ......
#قطار
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768156
الحوار المتمدن
علي دريوسي - قطار آخن 2
علي دريوسي : قطار آخن 3
#الحوار_المتمدن
#علي_دريوسي رجع إلى الغرفة وأقفل الباب، جلس قبالتها، رفعت ساقيها وأرختهما فوق فخذيه، مدّت يديها إلى حقيبتها، أخرجت منها علبة تبغٍ معدنية فاخرة بأناقتها وغليون تدخين أنثوي التصميم ماركة "غارغويل" وسألت: ـ أتأذن لي أن أدخّن في غرفتك؟ ودون أن تنتظر إجابته استأنفت: ـ الحياة قاسية، علينا أن نسترخي، الإنسان الطبيعي لا يعمل في المساء، بل يتمتع، الإنسان يكافئ نفسه في المساء على عملٍ قام به في النهار.كان كمن فقد النطق والقدرة على قول كلماتٍ بلغةٍ أجنبية، كان حائراً، لم يفهم سؤالها، فهو يدخّن في الغرف منذ بزوغ الشعر تحت إبطه، ارتبك قائلاً: ـ بالطبع تستطيعين، فأنا دخّنت في مكتبك أيضاً. فتحت غطاء العلبة الفاره، كانت مؤلفة من حجرتين، في الحجرة الأولى تبغ، وفي الثانية كمية قليلة من مسحوق أبيض اللون، حشرت قليلاً من التبغ في تجويف الغليون وفوقه رشّت بقايا الشيء الأبيض، حرقته، استنشقته، أخذته، فتحت ساقيها أكثر، نظرت إليه، سألت بعينيها الدائختين: ـ أترغب أن تجربه؟ إنه قرارك وحريتك، لا أنصحك به الليلة، لديك على الطاولة علبة سجائري، تستطيع أن تمد يدك وتأخذ منها ما ترغب، ليست ثقيلة.تحرك الشرقي العنيد فيه، كبّر رأسه وقال: ـ بل سأفعل مثلك، أتسمحين أن أجرّب غليونك؟ ـ تفضل، لا تسحب بشدة، خذ نَفَسَاً خفيفاً، هذا يكفي في المرة الأولى. غضب الشرقي في رأسه، سحب الدخان بكل طاقته إلى جوفه وكأنّه يتحدّاها.ابتسمت، نهضت، همست: ـ لست سهلاً أيّها الشرقيّ الخبيث. دفعته إلى السرير، انتفض الشيطان من جوفها، دخلت فيه، ليسقطا معاً في جنة الجسد. شارفت الساعة على الرابعة صباحاً، نظر إليها بعينين هائمتين مخدّرتين راجيتين رائحة تبغها مجدَّداً، دفّأته بجسدها وهمست بأذنه: ـ يكفي ما تناولتَه، انتهى ما كان في جعبتي لهذا اليوم من مخصصات.فجأةً بَرد جسدُه، تسارعت نبضات قلبه، ارتعد من هذا الإحساس المفاجئ، ضمّها أكثر: ـ دفئيني، لا تتركيني لوحدي، أحتاج هواءً ساخناً. نهض متوتراً، فتح النافذة على مصراعيها، استنشق هواءً بارداً. ـ كم أرغب بالصراخ في وجه القباحة، في وجه الدم والقتل والتشويه والفقر والتجويع والرعب والخوف والتهجير والقلق والترقب.ـ والآن ما العمل؟ ـ لا أعرف، اسألي فلاديمير لينين. ألسنا نهوي بشكلٍ مستمر؟ ـ فريدريش نيتشه. ومن بعدنا الطوفان.ـ مدام دي بومبادور. أتعلمين أنّ هذه المقولات الثلاث تُعتبر من أهم معالم ومميزات الدرب الأساسية التي يتسم بها هذا العصر الجديد الذي نعيشه عالمياً؟ مشت عاريةً باتجاه النافذة المفتوحة على سكن الطلاب وعنفوانهم، وضعت يديها على إفريز النافذة، نظرت للبعيد المعتم وهمهمت كمن يخاطب نفسه: ـ صدق مارميلادوف، لم يعد هناك طريق آخر يقصده العشّاق إلا الانتحار.ـ ما الذي تفكرُ به امرأة شابة تقفُ أمام نافذة بيضاء مفتوحة على مصراعيها في بناية طلابية عالية؟ـ ربّما ستطير مثل فراشات غارسيا ماركيز الصفراء، ربّما ستحلِّق عالياً جداً جداً كإمرأة تنشر غسيل غارسيا على سطح بيت العائلة في يومٍ غائم. ـ لعلّها تتكلم مع طالبٍ وسيمٍ على الرصيف المقابل من النافذة، شابٌ تعتريه الحيرة، يقفُ أمام الخمّارة الطلابية الليلية، ولا أحد يراهُ سواها. ـ بل لعلّها ترغب أنْ تسمعَ روّاد الخمّارة أسفل النافذة يهمسون: ثمة امرأة مشطورة شطرين بالنافذة. ـ كأني قرأت شيئاً مشابهاً، في إشارة لزواج الوعي من اللاوعي. ـ قد يكون الفرنسي أندريه بريتون!ـ لعلّ الواقفة خلف النافذة مجرد اِمرأة شرقيّة من ......
#قطار
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768440
#الحوار_المتمدن
#علي_دريوسي رجع إلى الغرفة وأقفل الباب، جلس قبالتها، رفعت ساقيها وأرختهما فوق فخذيه، مدّت يديها إلى حقيبتها، أخرجت منها علبة تبغٍ معدنية فاخرة بأناقتها وغليون تدخين أنثوي التصميم ماركة "غارغويل" وسألت: ـ أتأذن لي أن أدخّن في غرفتك؟ ودون أن تنتظر إجابته استأنفت: ـ الحياة قاسية، علينا أن نسترخي، الإنسان الطبيعي لا يعمل في المساء، بل يتمتع، الإنسان يكافئ نفسه في المساء على عملٍ قام به في النهار.كان كمن فقد النطق والقدرة على قول كلماتٍ بلغةٍ أجنبية، كان حائراً، لم يفهم سؤالها، فهو يدخّن في الغرف منذ بزوغ الشعر تحت إبطه، ارتبك قائلاً: ـ بالطبع تستطيعين، فأنا دخّنت في مكتبك أيضاً. فتحت غطاء العلبة الفاره، كانت مؤلفة من حجرتين، في الحجرة الأولى تبغ، وفي الثانية كمية قليلة من مسحوق أبيض اللون، حشرت قليلاً من التبغ في تجويف الغليون وفوقه رشّت بقايا الشيء الأبيض، حرقته، استنشقته، أخذته، فتحت ساقيها أكثر، نظرت إليه، سألت بعينيها الدائختين: ـ أترغب أن تجربه؟ إنه قرارك وحريتك، لا أنصحك به الليلة، لديك على الطاولة علبة سجائري، تستطيع أن تمد يدك وتأخذ منها ما ترغب، ليست ثقيلة.تحرك الشرقي العنيد فيه، كبّر رأسه وقال: ـ بل سأفعل مثلك، أتسمحين أن أجرّب غليونك؟ ـ تفضل، لا تسحب بشدة، خذ نَفَسَاً خفيفاً، هذا يكفي في المرة الأولى. غضب الشرقي في رأسه، سحب الدخان بكل طاقته إلى جوفه وكأنّه يتحدّاها.ابتسمت، نهضت، همست: ـ لست سهلاً أيّها الشرقيّ الخبيث. دفعته إلى السرير، انتفض الشيطان من جوفها، دخلت فيه، ليسقطا معاً في جنة الجسد. شارفت الساعة على الرابعة صباحاً، نظر إليها بعينين هائمتين مخدّرتين راجيتين رائحة تبغها مجدَّداً، دفّأته بجسدها وهمست بأذنه: ـ يكفي ما تناولتَه، انتهى ما كان في جعبتي لهذا اليوم من مخصصات.فجأةً بَرد جسدُه، تسارعت نبضات قلبه، ارتعد من هذا الإحساس المفاجئ، ضمّها أكثر: ـ دفئيني، لا تتركيني لوحدي، أحتاج هواءً ساخناً. نهض متوتراً، فتح النافذة على مصراعيها، استنشق هواءً بارداً. ـ كم أرغب بالصراخ في وجه القباحة، في وجه الدم والقتل والتشويه والفقر والتجويع والرعب والخوف والتهجير والقلق والترقب.ـ والآن ما العمل؟ ـ لا أعرف، اسألي فلاديمير لينين. ألسنا نهوي بشكلٍ مستمر؟ ـ فريدريش نيتشه. ومن بعدنا الطوفان.ـ مدام دي بومبادور. أتعلمين أنّ هذه المقولات الثلاث تُعتبر من أهم معالم ومميزات الدرب الأساسية التي يتسم بها هذا العصر الجديد الذي نعيشه عالمياً؟ مشت عاريةً باتجاه النافذة المفتوحة على سكن الطلاب وعنفوانهم، وضعت يديها على إفريز النافذة، نظرت للبعيد المعتم وهمهمت كمن يخاطب نفسه: ـ صدق مارميلادوف، لم يعد هناك طريق آخر يقصده العشّاق إلا الانتحار.ـ ما الذي تفكرُ به امرأة شابة تقفُ أمام نافذة بيضاء مفتوحة على مصراعيها في بناية طلابية عالية؟ـ ربّما ستطير مثل فراشات غارسيا ماركيز الصفراء، ربّما ستحلِّق عالياً جداً جداً كإمرأة تنشر غسيل غارسيا على سطح بيت العائلة في يومٍ غائم. ـ لعلّها تتكلم مع طالبٍ وسيمٍ على الرصيف المقابل من النافذة، شابٌ تعتريه الحيرة، يقفُ أمام الخمّارة الطلابية الليلية، ولا أحد يراهُ سواها. ـ بل لعلّها ترغب أنْ تسمعَ روّاد الخمّارة أسفل النافذة يهمسون: ثمة امرأة مشطورة شطرين بالنافذة. ـ كأني قرأت شيئاً مشابهاً، في إشارة لزواج الوعي من اللاوعي. ـ قد يكون الفرنسي أندريه بريتون!ـ لعلّ الواقفة خلف النافذة مجرد اِمرأة شرقيّة من ......
#قطار
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768440
الحوار المتمدن
علي دريوسي - قطار آخن 3
علي دريوسي : قطار آخن 4
#الحوار_المتمدن
#علي_دريوسي عادَ للنوم وحيداً، حلم في ذاك الليل بتفاصيل المكان والزمان في رواية الجريمة والعقاب التي كان قد أنهى قراءتها منذ يومين، حلم بالقوة الغريبة للشاب الجامعي الموهوب رسكولينكوف مرهف المشاعر، المغامر والراغب بالانتحار، القادر على ارتكابِ الجريمة وقتل المرابية العجوز وشقيقتها.أفاق متأخراً، لم ينهض، جلس على حافة السرير، استرجعَ تفاصيل الليل وأحلامه، ابتسم لفكرةٍ راودته بأنَّ المرأة الواقفة أمام نافذة بيضاء ترغب منه أن ينشغل بمفهوم المسافة وذاكرة الشم أو أن يَعُدّ مثلاً خطوات أقدامه الفاصلة بين نافذتها وأقرب محطة توصله إلى موقع عملها، قبل أن تُلّوح له بيدها اليمنى مودّعةً، بينما تسترخي سيجارة غارغويل بين أصابع يدها اليسرى، لتلاحقه غمائم دخانها وتستوطن بين ثنايا ذاكرته الشّمّيّة. أفاقَ من أحلام يقظته، اِستحمَّ، ارتدى أجمل ما عنده وغادر سَكَّ العقرب إلى الجامعة، شعر بنفسه مثل مراهقٍ يتيم، هجّره العنف وضاع في زحمة شوارع المدينة، هكذا بدأ يومه الأول بعد أن غادرته دون أن تلحظ الخوف في عينيه والشوق ليبقى معلّقاً بطيات فستانها الأزرق، تركته ينام وحيداً ليستيقظ متلهِّفاً لرائحة سجائرها ومذاق قطعة الشوكولاتة.بحث بعينيه عن كُشْك الجرائد الذي اعتاد أن يشتري منه علب سجائره، اندفع إليه مسرعاً وطلب من البائع دون تفكير علبة سجائر غارغويل، أعطاه البائع علبة سجائر مالبورو خفيفة.قال بصوتٍ عالٍ: أرغب بشراء سجائر غارغويل. نظر البائع إليه متحشراً: لكنّك لا تدخن إلا سجائر مالبورو الخفيفة.ردّ بعصبية: واعتباراً من هذه اللحظة سأدخن سجائر غارغويل، هل تمانع؟ رائحتها ومذاقها ينعشاني. هزّ البائع رأسه وأعطاه ما يرغب. وبسرعة البرق أشعل السيجارة الأولى، سحبها بعمق، نظر إلى السماء، إلى السُحب، إلى الأشجار، إلى الناس، لم يشعر بما شعر به ليلة البارحة، أو ليلة الأسبوع الفائت، أشعل السيجارة الثانية، وراح يتمشّى في طريقه إلى مكتبه في الجامعة، خطر له أن يتّصل بها ليسألها عن سر السعادة في الشوكولاتة وفي سجائرها. أراد أن يعاتبها لأنها نسيت قبل فرارها أن تهدهد له في المهد لينام، عساه يستريح من ذكرياته البائسة، من ثرثراته ومن أحلامه صعبة المنال في أن يصبح روائياً مرموقاً تنشغل أقلام النقاد بكتبه ومهندساً لامعاً تنشغل المجلات والمؤتمرات العلمية بنتائج بحوثه الباهرة. أراد أن يخبرها بإنّ الشّغف قد وصل به لدرجة أن قاس بخطوات أقدامه المسافة الفاصلة بين مكتبه ومدخل شركتها عدة مرات، بلغت قرابة 969 خطوة تروح وتجيء في قلبه الصغير.وصل إلى مكتبه في الجامعة، خطّ على ورقة بيضاء مفردات الجمل التي سيستخدمها كي يقلل من أغلاطه اللغوية في حضرتها، أدار رقمها، الهاتف أخرس، أعاد الكرّة وبقي الهاتف مشلولاً.فقد القدرة على التركيز، أضاع الرغبة بالعمل، ذاكرته منهمكة في البحث عن روائح مشابهة لروائح الأمس، نظر إلى التقويم على طاولة مكتبه، اكتشف أنّ اليوم هو يوم العطلة الأسبوعية، خرج من مكتبه متوجِّهاً إلى أقرب مطعم تركي، طلب بيتزا، أكل ثم عاد إلى سكنه الطّلّابيّ. **مضت الأيام التالية بطيئة، حاول فيها الابتعاد عن سجائر غارغويل وطعم الشوكولاتة واشتياقه للمرأة ذات الفستان الأزرق، مضى عليه أسبوع من الزمن، لم يصله منها مهاتفة ولا بريد إلكتروني، جاء يوم الجمعة، تمّشى كلب بافلوف الجائع باتجاه شركتها، كلّ النوافذ معتمة، لا أثر لأحد في الشركة، قَرع الجرس، ما من مجيب. عاد أدراجه جارّاً أذيال الخيبة. ليس في جعبته إلا رقم تلفون مكتبها.مضى الأسبوع الثاني والثالث، كاد الشوق يقت ......
#قطار
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768654
#الحوار_المتمدن
#علي_دريوسي عادَ للنوم وحيداً، حلم في ذاك الليل بتفاصيل المكان والزمان في رواية الجريمة والعقاب التي كان قد أنهى قراءتها منذ يومين، حلم بالقوة الغريبة للشاب الجامعي الموهوب رسكولينكوف مرهف المشاعر، المغامر والراغب بالانتحار، القادر على ارتكابِ الجريمة وقتل المرابية العجوز وشقيقتها.أفاق متأخراً، لم ينهض، جلس على حافة السرير، استرجعَ تفاصيل الليل وأحلامه، ابتسم لفكرةٍ راودته بأنَّ المرأة الواقفة أمام نافذة بيضاء ترغب منه أن ينشغل بمفهوم المسافة وذاكرة الشم أو أن يَعُدّ مثلاً خطوات أقدامه الفاصلة بين نافذتها وأقرب محطة توصله إلى موقع عملها، قبل أن تُلّوح له بيدها اليمنى مودّعةً، بينما تسترخي سيجارة غارغويل بين أصابع يدها اليسرى، لتلاحقه غمائم دخانها وتستوطن بين ثنايا ذاكرته الشّمّيّة. أفاقَ من أحلام يقظته، اِستحمَّ، ارتدى أجمل ما عنده وغادر سَكَّ العقرب إلى الجامعة، شعر بنفسه مثل مراهقٍ يتيم، هجّره العنف وضاع في زحمة شوارع المدينة، هكذا بدأ يومه الأول بعد أن غادرته دون أن تلحظ الخوف في عينيه والشوق ليبقى معلّقاً بطيات فستانها الأزرق، تركته ينام وحيداً ليستيقظ متلهِّفاً لرائحة سجائرها ومذاق قطعة الشوكولاتة.بحث بعينيه عن كُشْك الجرائد الذي اعتاد أن يشتري منه علب سجائره، اندفع إليه مسرعاً وطلب من البائع دون تفكير علبة سجائر غارغويل، أعطاه البائع علبة سجائر مالبورو خفيفة.قال بصوتٍ عالٍ: أرغب بشراء سجائر غارغويل. نظر البائع إليه متحشراً: لكنّك لا تدخن إلا سجائر مالبورو الخفيفة.ردّ بعصبية: واعتباراً من هذه اللحظة سأدخن سجائر غارغويل، هل تمانع؟ رائحتها ومذاقها ينعشاني. هزّ البائع رأسه وأعطاه ما يرغب. وبسرعة البرق أشعل السيجارة الأولى، سحبها بعمق، نظر إلى السماء، إلى السُحب، إلى الأشجار، إلى الناس، لم يشعر بما شعر به ليلة البارحة، أو ليلة الأسبوع الفائت، أشعل السيجارة الثانية، وراح يتمشّى في طريقه إلى مكتبه في الجامعة، خطر له أن يتّصل بها ليسألها عن سر السعادة في الشوكولاتة وفي سجائرها. أراد أن يعاتبها لأنها نسيت قبل فرارها أن تهدهد له في المهد لينام، عساه يستريح من ذكرياته البائسة، من ثرثراته ومن أحلامه صعبة المنال في أن يصبح روائياً مرموقاً تنشغل أقلام النقاد بكتبه ومهندساً لامعاً تنشغل المجلات والمؤتمرات العلمية بنتائج بحوثه الباهرة. أراد أن يخبرها بإنّ الشّغف قد وصل به لدرجة أن قاس بخطوات أقدامه المسافة الفاصلة بين مكتبه ومدخل شركتها عدة مرات، بلغت قرابة 969 خطوة تروح وتجيء في قلبه الصغير.وصل إلى مكتبه في الجامعة، خطّ على ورقة بيضاء مفردات الجمل التي سيستخدمها كي يقلل من أغلاطه اللغوية في حضرتها، أدار رقمها، الهاتف أخرس، أعاد الكرّة وبقي الهاتف مشلولاً.فقد القدرة على التركيز، أضاع الرغبة بالعمل، ذاكرته منهمكة في البحث عن روائح مشابهة لروائح الأمس، نظر إلى التقويم على طاولة مكتبه، اكتشف أنّ اليوم هو يوم العطلة الأسبوعية، خرج من مكتبه متوجِّهاً إلى أقرب مطعم تركي، طلب بيتزا، أكل ثم عاد إلى سكنه الطّلّابيّ. **مضت الأيام التالية بطيئة، حاول فيها الابتعاد عن سجائر غارغويل وطعم الشوكولاتة واشتياقه للمرأة ذات الفستان الأزرق، مضى عليه أسبوع من الزمن، لم يصله منها مهاتفة ولا بريد إلكتروني، جاء يوم الجمعة، تمّشى كلب بافلوف الجائع باتجاه شركتها، كلّ النوافذ معتمة، لا أثر لأحد في الشركة، قَرع الجرس، ما من مجيب. عاد أدراجه جارّاً أذيال الخيبة. ليس في جعبته إلا رقم تلفون مكتبها.مضى الأسبوع الثاني والثالث، كاد الشوق يقت ......
#قطار
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768654
الحوار المتمدن
علي دريوسي - قطار آخن 4
علي دريوسي : قطار آخن 5
#الحوار_المتمدن
#علي_دريوسي انتظر إبراهيم في اليوم التالي رسالةً منها توضّح فيها تفاصيل اللقاء، لم يصله شيء، ظهر يوم الجمعة وضّب حقيبة سفره وقرَّر المرور بمكتبها ومتابعة سفره إلى مدينة دورتموند القريبة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أصدقائه هناك.اِلْتَقاها في مكتبها بأجمل حلّتها، سحرته رائحتها، نظر بعينيه إلى علبة سجائرها، رمقته بحنان، أخرجت السيجارة الوحيدة المتبقية في علبتها، أشعلتها وقالت: لم يتبقَّ شيءٌ من سجائري لهذا اليوم. اقترب منها، حاول أن يشمّ رائحة أنفاسها، رمت عليه من جديد نظرةَ رأفة ممزوجة بتسلّطٍ غريب، أعطته نصف السيجارة المتبقية ليدخنها. تناولها شاكراً، دخّنها ثم سألها: ماذا قرَّرت لهذا المساء؟ ردّت على سؤاله بسؤال: وأنت؟ أين تعتزم الذهاب؟ أراك وقد جلبت معك حقيبتك.ـ أردتُ أن ألتقيكِ وأتابع طريقي إلى أصدقائي في دورتموند.ـ تستطيع فعل ذلك لكنّك ستمضي المساء في شقّتي، أليس كذلك؟ هناك من ينتظرك، سنتناول عشاءنا سويةً ثمّ تتابع سفرتك حيث تريد إن أحببت وإذا ما تأخرنا في السهرة وكنت راضياً تستطيع النوم في شقتي، لدي غرفة خاصة للضيوف.أطفأت سابينه النور في مكتبها، أحكمت إغلاق أبواب شركتها وخرجت معه، مشيا صوب محطة قطار آخن. **بهيّة هي محطات قطارات الغرب. لها سحرها، أصالتها، غرابتها وظلمتها. هي محرك الانفعالات الاجتماعية والعاطفية النفسية في كل مدينة. حركة القطارات تعني الحياة والتواصل، التطوُّر والتقدُّم، الربط والارتباط بين المدن في البلد الواحد ومع البلدان اﻷخرى، حركة القطارات تعني احترام الشعوب لبعضها وتبادلها للثقافات. محطات القطارات هي من الأماكن الحميمة للتأمُّل والكتابة، للعشق والتّشرّد، للانتظار والنشوة. كان بإمكان الكاتب النمساوي جوزيف روت ـ كما يقول ـ أنْ يبقى في منزله بكامل الرضى وطيب الخاطر لسنواتٍ عديدة يقرأ ويكتب فيه دون أن يغادره لو لم يوجد هذا الاختراع المسمى محطة قطار التي أبت أن تحرمه متعة مراقبة البشر. كل أدباء الغرب عرفوا ولمسوا هذه الحقيقة وعلى رأسهم ليو تولستوي.لمحطات القطارات أفلامها، قصائدها، حكاياتها، رواياتها، أقلامها، رومانسيتها، أحقادها، ذاكرتها، حوادثها، حنينها، أسرارها، خياناتها، عربداتها، أحزانها، أفراحها، دموعها، مخاوفها، فصولها، ثلجها، شمسها، مواعيد رحلاتها، جداولها، أرقام أرصفتها، مواقف دراجاتها، أغراضها، أعمارها، هياكلها المعدنية، وصلات براشيمها وبراغيها، أشكالها، سقوفها القرميدية، تصاميمها، أحجامها، أرصفتها، سككها، صرير حديدها، سلالمها، ألوانها، مقاعدها، حقائبها، أبوابها، نوافذها، إضاءاتها، لوحات إعلاناتها، قاطعو تذاكرها، مفتشوها، مسافروها، عابروها، جنودها، عشّاقها، مجانينها، عمالها، متسكعيها، حشَّاشيها، سجائرها، دورات مياهها، مخابزها، رائحة خبزها، خمّاراتها، رائحة خمّرها، مقاهيها، رائحة قهوتها، باقات زهورها وجنونها ... ولمحطات القطارات ساعات جدرانها المستديرة بمينائها الأبيض، بعقرب ثوانيها باللّون الأحمر وعقربي ساعاتها ودقائقها بالأسوّد.**في الطريق دمدم إبراهيم: لا أذكر أنَّنا تعلمنا في المدارس شيئاً عن معجزة بناء سكة حديد قطار بغداد-إسطنبول ولا عن سكة حديد الحجاز، كل ما حفظناه هو كلمات ثلاث: قطار الشرق السريع، لا لشيء إلا لأنّ جريمة أغاثا كريستي قد وقعت فيه. حكايات محطات القطارات في الشرق العربي حزينة جداً كحكايات الناس هناك. قطاراتنا متخلفة، فقيرة، بائسة، قذرة بشكل مرعب لا يصدّقه حتى الخيال! كل شيء يشير إلى التوقُّف والانفكاك والعزلة والموت. لم يفعل أولاد الحلال شيئاً لتحديثها، ل ......
#قطار
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768948
#الحوار_المتمدن
#علي_دريوسي انتظر إبراهيم في اليوم التالي رسالةً منها توضّح فيها تفاصيل اللقاء، لم يصله شيء، ظهر يوم الجمعة وضّب حقيبة سفره وقرَّر المرور بمكتبها ومتابعة سفره إلى مدينة دورتموند القريبة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أصدقائه هناك.اِلْتَقاها في مكتبها بأجمل حلّتها، سحرته رائحتها، نظر بعينيه إلى علبة سجائرها، رمقته بحنان، أخرجت السيجارة الوحيدة المتبقية في علبتها، أشعلتها وقالت: لم يتبقَّ شيءٌ من سجائري لهذا اليوم. اقترب منها، حاول أن يشمّ رائحة أنفاسها، رمت عليه من جديد نظرةَ رأفة ممزوجة بتسلّطٍ غريب، أعطته نصف السيجارة المتبقية ليدخنها. تناولها شاكراً، دخّنها ثم سألها: ماذا قرَّرت لهذا المساء؟ ردّت على سؤاله بسؤال: وأنت؟ أين تعتزم الذهاب؟ أراك وقد جلبت معك حقيبتك.ـ أردتُ أن ألتقيكِ وأتابع طريقي إلى أصدقائي في دورتموند.ـ تستطيع فعل ذلك لكنّك ستمضي المساء في شقّتي، أليس كذلك؟ هناك من ينتظرك، سنتناول عشاءنا سويةً ثمّ تتابع سفرتك حيث تريد إن أحببت وإذا ما تأخرنا في السهرة وكنت راضياً تستطيع النوم في شقتي، لدي غرفة خاصة للضيوف.أطفأت سابينه النور في مكتبها، أحكمت إغلاق أبواب شركتها وخرجت معه، مشيا صوب محطة قطار آخن. **بهيّة هي محطات قطارات الغرب. لها سحرها، أصالتها، غرابتها وظلمتها. هي محرك الانفعالات الاجتماعية والعاطفية النفسية في كل مدينة. حركة القطارات تعني الحياة والتواصل، التطوُّر والتقدُّم، الربط والارتباط بين المدن في البلد الواحد ومع البلدان اﻷخرى، حركة القطارات تعني احترام الشعوب لبعضها وتبادلها للثقافات. محطات القطارات هي من الأماكن الحميمة للتأمُّل والكتابة، للعشق والتّشرّد، للانتظار والنشوة. كان بإمكان الكاتب النمساوي جوزيف روت ـ كما يقول ـ أنْ يبقى في منزله بكامل الرضى وطيب الخاطر لسنواتٍ عديدة يقرأ ويكتب فيه دون أن يغادره لو لم يوجد هذا الاختراع المسمى محطة قطار التي أبت أن تحرمه متعة مراقبة البشر. كل أدباء الغرب عرفوا ولمسوا هذه الحقيقة وعلى رأسهم ليو تولستوي.لمحطات القطارات أفلامها، قصائدها، حكاياتها، رواياتها، أقلامها، رومانسيتها، أحقادها، ذاكرتها، حوادثها، حنينها، أسرارها، خياناتها، عربداتها، أحزانها، أفراحها، دموعها، مخاوفها، فصولها، ثلجها، شمسها، مواعيد رحلاتها، جداولها، أرقام أرصفتها، مواقف دراجاتها، أغراضها، أعمارها، هياكلها المعدنية، وصلات براشيمها وبراغيها، أشكالها، سقوفها القرميدية، تصاميمها، أحجامها، أرصفتها، سككها، صرير حديدها، سلالمها، ألوانها، مقاعدها، حقائبها، أبوابها، نوافذها، إضاءاتها، لوحات إعلاناتها، قاطعو تذاكرها، مفتشوها، مسافروها، عابروها، جنودها، عشّاقها، مجانينها، عمالها، متسكعيها، حشَّاشيها، سجائرها، دورات مياهها، مخابزها، رائحة خبزها، خمّاراتها، رائحة خمّرها، مقاهيها، رائحة قهوتها، باقات زهورها وجنونها ... ولمحطات القطارات ساعات جدرانها المستديرة بمينائها الأبيض، بعقرب ثوانيها باللّون الأحمر وعقربي ساعاتها ودقائقها بالأسوّد.**في الطريق دمدم إبراهيم: لا أذكر أنَّنا تعلمنا في المدارس شيئاً عن معجزة بناء سكة حديد قطار بغداد-إسطنبول ولا عن سكة حديد الحجاز، كل ما حفظناه هو كلمات ثلاث: قطار الشرق السريع، لا لشيء إلا لأنّ جريمة أغاثا كريستي قد وقعت فيه. حكايات محطات القطارات في الشرق العربي حزينة جداً كحكايات الناس هناك. قطاراتنا متخلفة، فقيرة، بائسة، قذرة بشكل مرعب لا يصدّقه حتى الخيال! كل شيء يشير إلى التوقُّف والانفكاك والعزلة والموت. لم يفعل أولاد الحلال شيئاً لتحديثها، ل ......
#قطار
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=768948
الحوار المتمدن
علي دريوسي - قطار آخن 5
علي دريوسي : قطار آخن 6
#الحوار_المتمدن
#علي_دريوسي وصل القطار إلى محطة مدينة "مورس"، كان الجو عاصفاً، نزلا من القطار، أحاطت ذراعه اليسرى بيدها اليمنى، ضغطت عليها برفق، شعر بالخوف من القادم. خرجا من المحطة وتوجها إلى محطة الباص، وقفا يحتميان من شراهة السماء، نظرت إلى مواعيد رحلات الباص، قالت: سيأتي الباص بعد بضع دقائق، أسند إبراهيم حقيبة ملابسه وكيس المشتريات على مقعد الانتظار، فتحت سابينة حقيبتها اليدوية، حقيبة أسرارها، أخرجت شيئاً وحشرته في جيب سترته، همست: الطقس بارد، أشعلْ لنا سيجارتين. مدّ يده إلى جيبه وأخرج ما وضعته فيه، لم تدهشه علبة غارغويل الأنيقة بلونها البني الممزوج باللون الخمري. فتحها بهدوء، وضع سيجارتين بين شفتيه وأشعلهما، احترقتا جزئياً، من طرفٍ واحد، سحب منهما نفساً ثم قدّم لها نصيبها من العشق. شعر بأنفاسها الساخنة تقترب من وجنتيه، نفخت دخان سيجارتها بوجهه ثم قبضت على شفتيه.همست بأُذنه: لشهوة الرجال رائحة لا تخطئها النساء، سأطبخكَ هذه الليلة، سأحيلك أشلاء. ثم أضافت وهي تغمزه بعينيها الجميلتين: ستفرح ضيفتي في البيت لرؤياك.**لم يقل شيئاً إنما خاطب نفسه: هل يعقل أن تأكلانني الليلة هاتين المرأتين! أتراهما من آكلةِ لحوم البشر؟وجدَ نفسه يحمل رأسه في يده اليسرى وينظر إليه، شعر كمن يذهب للفناء بقدميه وكامل طواعيته، تخيّل نفسه بجسدٍ مقطّع، شاهدهما تطبخانه، تتذوقانه، سمعهما تشكرانه لتبرعه بطعام المساء. رغبتهما بتقطيعه وطبخه ليست مستبعدة، يحدث في هذا العالم أن يطبخ الصديق صديقه من شدة الوفاء للصداقة أو حتى الحبيبة حبييها من شدة الوفاء للحب. كان إبراهيم قد قرأ قبل بضعة أيام في إحدى المجلات الألمانية أن رجلاً قارب الستين من العمر، سبق له أن كان متزوجاً ولديه طفلة في العشرين من عمرها، يعيش في مدينة درسدن، عقد اتفاقاً غريباً مع رجل من مدينة هانوفر لتقطيع جسده وطبخ الرأس في طنجرة وتركه يغلي في المرق ثم ليأكله لاحقاً، وقد وافق الرجل الهانوفري على الاتفاق طواعية. هذا حدث ويحدث وسيحدث في الشرق والغرب على حد سواء. ألم تُغتصب ـ على سبيل المثال ـ "ليلى بنت سنان" بينما كان رأس زوجها الشاعر "مالك بن نويرة التميمي" يغلي في طنجرة أمام عينيها!أعادته سابينه من يَمّ خيالاته: أين رحلتَ!؟ اِقترب مني أكثر، أرغب بشمك، لك رائحة لا تتكرر، لا تدع النساء تقربك لدائرة قطرها عشرة أمتار، ولا تثر غيرتي، لأنني كلي غيرة عليك، ها أنا اُحذرك. بقي إبراهيم صامتاً حائراً، هبت ريح باردة، اِقشَعَرَّ بدنه، دنا بجسده منها، عانقها، ضمها بقوة كمن يريد الدخول إلى أحشائها، بلغ اللذة في سرواله، وصل الباص، تنهد مرتاحاً ودمدم: أخيراً وصل الباص. **صعدا إلى الباص من الباب الأمامي، ابتسم لها السائق، قال لها شيئاً، ابتسمت له وأجابته على الشيء الذي قاله بشيء مشابه، لم يفهم عليهما، لعل الكلمات لم تصله واضحة، أغاظته الابتسامات المتبادلة، والكلمات التي لم يفهمها، يبدو أنها تعرف هذا السائق الغليظ جيداً، دفعت له نقوداً واشترت بطاقتي سفر، جلسا في مقعدين متقابلين، كجلستهما في اللقاء الأول في قطار آخن.همس بخجل: متشوق لرؤية منزلك.أجابت بطريقة لا تدعه يسأل ثانية: أنا إمرأة بسيطة، لا مال لي، وشقتي متواضعة، بالكاد تكفيني.نظر أسفلاً، إلى قدميها، إلى حذائها الشتوي المسطح، أمعن النظر كأنه يكتشف بين قدميها زهرة برية، سألها ليداري إحراجه: لماذا لم تكن الأحذية المسطحة قضية في عالم الموضة حتى الآن؟أجابت ضاحكة، وكأنها تضحك للسائق وتتآمر معه على مرافقها الضائع في حذائها، أجابته وكأنها الإيطالية فيرا جوستي مصم ......
#قطار
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=769147
#الحوار_المتمدن
#علي_دريوسي وصل القطار إلى محطة مدينة "مورس"، كان الجو عاصفاً، نزلا من القطار، أحاطت ذراعه اليسرى بيدها اليمنى، ضغطت عليها برفق، شعر بالخوف من القادم. خرجا من المحطة وتوجها إلى محطة الباص، وقفا يحتميان من شراهة السماء، نظرت إلى مواعيد رحلات الباص، قالت: سيأتي الباص بعد بضع دقائق، أسند إبراهيم حقيبة ملابسه وكيس المشتريات على مقعد الانتظار، فتحت سابينة حقيبتها اليدوية، حقيبة أسرارها، أخرجت شيئاً وحشرته في جيب سترته، همست: الطقس بارد، أشعلْ لنا سيجارتين. مدّ يده إلى جيبه وأخرج ما وضعته فيه، لم تدهشه علبة غارغويل الأنيقة بلونها البني الممزوج باللون الخمري. فتحها بهدوء، وضع سيجارتين بين شفتيه وأشعلهما، احترقتا جزئياً، من طرفٍ واحد، سحب منهما نفساً ثم قدّم لها نصيبها من العشق. شعر بأنفاسها الساخنة تقترب من وجنتيه، نفخت دخان سيجارتها بوجهه ثم قبضت على شفتيه.همست بأُذنه: لشهوة الرجال رائحة لا تخطئها النساء، سأطبخكَ هذه الليلة، سأحيلك أشلاء. ثم أضافت وهي تغمزه بعينيها الجميلتين: ستفرح ضيفتي في البيت لرؤياك.**لم يقل شيئاً إنما خاطب نفسه: هل يعقل أن تأكلانني الليلة هاتين المرأتين! أتراهما من آكلةِ لحوم البشر؟وجدَ نفسه يحمل رأسه في يده اليسرى وينظر إليه، شعر كمن يذهب للفناء بقدميه وكامل طواعيته، تخيّل نفسه بجسدٍ مقطّع، شاهدهما تطبخانه، تتذوقانه، سمعهما تشكرانه لتبرعه بطعام المساء. رغبتهما بتقطيعه وطبخه ليست مستبعدة، يحدث في هذا العالم أن يطبخ الصديق صديقه من شدة الوفاء للصداقة أو حتى الحبيبة حبييها من شدة الوفاء للحب. كان إبراهيم قد قرأ قبل بضعة أيام في إحدى المجلات الألمانية أن رجلاً قارب الستين من العمر، سبق له أن كان متزوجاً ولديه طفلة في العشرين من عمرها، يعيش في مدينة درسدن، عقد اتفاقاً غريباً مع رجل من مدينة هانوفر لتقطيع جسده وطبخ الرأس في طنجرة وتركه يغلي في المرق ثم ليأكله لاحقاً، وقد وافق الرجل الهانوفري على الاتفاق طواعية. هذا حدث ويحدث وسيحدث في الشرق والغرب على حد سواء. ألم تُغتصب ـ على سبيل المثال ـ "ليلى بنت سنان" بينما كان رأس زوجها الشاعر "مالك بن نويرة التميمي" يغلي في طنجرة أمام عينيها!أعادته سابينه من يَمّ خيالاته: أين رحلتَ!؟ اِقترب مني أكثر، أرغب بشمك، لك رائحة لا تتكرر، لا تدع النساء تقربك لدائرة قطرها عشرة أمتار، ولا تثر غيرتي، لأنني كلي غيرة عليك، ها أنا اُحذرك. بقي إبراهيم صامتاً حائراً، هبت ريح باردة، اِقشَعَرَّ بدنه، دنا بجسده منها، عانقها، ضمها بقوة كمن يريد الدخول إلى أحشائها، بلغ اللذة في سرواله، وصل الباص، تنهد مرتاحاً ودمدم: أخيراً وصل الباص. **صعدا إلى الباص من الباب الأمامي، ابتسم لها السائق، قال لها شيئاً، ابتسمت له وأجابته على الشيء الذي قاله بشيء مشابه، لم يفهم عليهما، لعل الكلمات لم تصله واضحة، أغاظته الابتسامات المتبادلة، والكلمات التي لم يفهمها، يبدو أنها تعرف هذا السائق الغليظ جيداً، دفعت له نقوداً واشترت بطاقتي سفر، جلسا في مقعدين متقابلين، كجلستهما في اللقاء الأول في قطار آخن.همس بخجل: متشوق لرؤية منزلك.أجابت بطريقة لا تدعه يسأل ثانية: أنا إمرأة بسيطة، لا مال لي، وشقتي متواضعة، بالكاد تكفيني.نظر أسفلاً، إلى قدميها، إلى حذائها الشتوي المسطح، أمعن النظر كأنه يكتشف بين قدميها زهرة برية، سألها ليداري إحراجه: لماذا لم تكن الأحذية المسطحة قضية في عالم الموضة حتى الآن؟أجابت ضاحكة، وكأنها تضحك للسائق وتتآمر معه على مرافقها الضائع في حذائها، أجابته وكأنها الإيطالية فيرا جوستي مصم ......
#قطار
لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=769147
الحوار المتمدن
علي دريوسي - قطار آخن 6