الحوار المتمدن
3.07K subscribers
12 photos
94.8K links
الموقع الرسمي لمؤسسة الحوار المتمدن في التلغرام
Download Telegram
صفوت فوزى : للموتى أجنحة بيضاء
#الحوار_المتمدن
#صفوت_فوزى وكنت، حين يأتيني نشيجُها المخنوق، في صباحاتٍ بعيدة. أرفس الغطاء، أتسلل خارجًا، أتعثر في طريقي، والدار من حولي ساكنة إلا من حركة خفيفة. ألمحها في ظل الجدار الخشن تجرد شعرها الفاحم الطويل بفلَّاية خشبية لها أسنان رفيعة حادة. تهمس بعديدها الذي لا أفهمه، وأنا أرتجف كعصفورٍ بردان. تُربِكني الحيرةُ والقلق. أتكوَّر في ركن بعيد، متقرفصًا دافنًا رأسي بين ركبتيَّ أطوقهما بذراعيَّ، وأنا أجترُّ كلماتها العصيَّة على الفهم. يهبط الحزنُ في قلبي ويهاجمني الخوف، وأنا أقف على حافة البكاء. وفى نومي المتقطع القلق، تُهاجِمني الكوابيس وتمزِّقُ نومي. أرتجف بردًا ورعبًا، خائفًا على أمي التي خطفتها الجنّية، وتأتيني الآن متقمصةً شكلها. تخرج إليَّ، وأنا أحكم الغطاء حول جسدي الذي ينتفض، من ذؤابة ضوء اللمبة نمرة 10. يتماوج ظلُّها على الحائط الخشن. تمد إليَّ يدًا ناعمةً ملساء كحيَّةٍ مرقطة، تظهر منها مخالبُها الحادة تنغرز في جسدي. تحز في اللحم الحي. قلبي يرفُّ كطائرٍ مذبوحٍ. أسقط في بئرٍ تعجُّ بالغيلان. أصرخ بكلِّ قوتي. لا تجيبني سوى الريح، والرمل الذي يغطي وجهي، وهذا الليل الطويل الذي لا يريد أن ينتهي. اليوم، تفاجئُني جلستُها، والشمس تغزل خيوطَها الواهنة الرحيمة في صحن الدار. تفترش حصيرًا تهرأت أطرافُه ونُحِل نسيجُه الخشن، ملتحفةً بجلبابها باهت السواد، معصوبة الرأس بتربيعة سوداء تنسدل من خلفها ضفيرتا شعرها الناعم على الظهر. يسقط عليها الضوء من نافذةٍ قريبةٍ فيضيء جانبُ وجهها القمحي المدور، فيما تسبح آلاف من ذرات غبار نشطة في مخروط الضوء. تفرد ساقيها، يقبع بينهما حجرُ الرحى ثقيلًا شديد الوطأة، تضع بين شقيه حبات الذرة، تجرشها لفراخها الصغيرة التي أطلقتها لشمس الصباح، تلقط الحَبَّ وبقايا المأكولات، ولا تكف عن الصوصوة. تدير الحَجَرَ المكتوم، وتسكب عديدها بلوعةٍ تُشبه حزنَ الأبواب القديمة. يسري هسيسُه في الدار، ويتقطَّر الأسى من ملامح وجهها النحيل. عيناها العسليتان القبطيتان يخبو بريقُهما، وتظل تحدِّقُ ساهمةً شاردةً، فيما يأتيني هديلُ الحمام في أخنانه شفيفًا أسيانًا. أسألها فتجيب: أصل افتكرت أبويا اللي مات – جدك -.تأخذني في حضنها. راحتاها مفتوحتا الأصابع، مخضلتان بالدمع، تتخللان خصلات شعري المجعَّد. أزاحت عن جبهتي شعراتٍ نافرةً. تضمُّ رأسي بين يديها. رسمت علامة الصليب بكثير من التقى والورع. تُطيل النظرَ في عينيَّ وتهمس -ماسحة عينيها بطرف جلبابها- أني أشبهه. أغادر حضنها الدافئ لأسألها: يعنى إيه مات؟ تنساب الدموع، تغسل الوجهَ الممرور، ولا أسمع ردًّا سوى نهنهة خافتة لا تبين. أمضي، وفي داخلي يعشِّشُ حزنٌ شفيفٌ وأسئلةٌ مراوغةٌ ليست لها إجابات. ***ريحٌ عاصفةٌ جموح، كنست قعرَ الدار، طوحت بعيدانِ الحطب الجافة من فوق أسطح الدور. صنعت دواماتٍ من الغبار وبقايا الورق الجاف. هاص العيال وزاطوا مرددين: "فسية العفريت". نهق حمارٌ. أقعى كلبٌ أسود على قائمتيه الخلفيتين شاخصًا نحو السماء، وعوى عواءً ممطوطًا مرتجفًا. جاوبته كلابٌ بعيدةٌ. السماء تبهت زرقتها وتكتسي لونًا رماديًّا. زحف الخوفُ من الزوايا والأركان المظلمة المسكونة بالأشباح وتحول في داخلي إلى انتظارٍ مفجعٍ، وأنا أدخل في الرعدة. تنطلق الصرخة الأولى من بيت الجار الطيب. صرخة مرعبة، تصدر عن قلب مفجوع. تسقط بغتةً كلصٍّ متربصٍّ خلف جدار. دوَّت في فضاء البيت، وارتفعت كدخان حريق فوق سطوح المنازل القريبة. تجاوزتها مرتفعة إلى عنان السماء. ارتجفت أطراف الحارة. فزعت حماماتُ الدار وطارت مبتعدةً. خوفٌ غامضٌ أمسك بعنقي. يه ......
#للموتى
#أجنحة
#بيضاء

لقراءة المزيد من الموضوع انقر على الرابط ادناه:
https://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=764232