فالتَّأْوِيلُ فِي كِتابِ اللَّهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ: هُوَ الحَقِيقَةُ الَّتِي يَئُولُ إلَيْها الكَلامُ.
فَتَأْوِيلُ الخَبَرِ: هُوَ عَيْنُ المُخْبَرِ بِهِ، وتَأْوِيلُ الأمْرِ نَفْسُ الفِعْلِ المَأْمُورِ بِهِ.
كَما قالَتْ عائِشَةُ : «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» يَتَأوَّلُ القُرْآنَ».
وقالَ تَعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ﴾، ومِنهُ تَأْوِيلُ الرُّؤْيا، وتَأْوِيلُ العَمَلِ، كَقَوْلِهِ: ﴿هَذا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِن قَبْلُ﴾ [...........]، فَمَن يُنْكِرُ وُقُوعَ مِثْلِ هَذا التَّأْوِيلِ، والعِلْمَ بِما تَعَلَّقَ بِالأمْرِ والنَّهْيِ مِنهُ؟ وأمّا ما كانَ خَبَرًا، كالإخْبارِ عَنِ اللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ، فَهَذا قَدْ لا يُعْلَمُ تَأْوِيلُهُ، الَّذِي هُوَ حَقِيقَتُهُ، إذْ كانَتْ لا تُعْلَمُ بِمُجَرَّدِ الإخْبارِ، فَإنَّ المُخْبَرَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَصَوَّرَ المُخْبَرَ بِهِ، أوْ ما يَعْرِفُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَتَهُ، الَّتِي هِيَ تَأْوِيلُهُ، بِمُجَرَّدِ الإخْبارِ.
وهَذا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ. لَكِنْ لا يَلْزَمُ مِن نَفْيِ العِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ نَفْيُ العِلْمِ بِالمَعْنى الَّذِي قَصَدَ المُخاطِبُ إفْهامَ المُخاطَبِ إيّاهُ، فَما فِي القُرْآنِ آيَةٌ إلّا وقَدْ أمَرَ اللَّهُ بِتَدَبُّرِها، وما أنْزَلَ آيَةً إلّا وهُوَ يُحِبُّ أنْ يُعْلَمَ ما عَنى بِها، وإنْ كانَ مِن تَأْوِيلِهِ ما لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ.
فَهَذا مَعْنى التَّأْوِيلِ فِي الكِتابِ والسُّنَّةِ وكَلامِ السَّلَفِ، وسَواءٌ كانَ هَذا التَّأْوِيلُ مُوافِقًا لِلظّاهِرِ أوْ مُخالِفًا لَهُ.
والتَّأْوِيلُ فِي كَلامِ كَثِيرٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ، كابْنِ جَرِيرٍ ونَحْوِهِ، يُرِيدُونَ بِهِ تَفْسِيرَ الكَلامِ وبَيانَ مَعْناهُ، سَواءٌ وافَقَ ظاهِرَهُ أوْ خالَفَ، وهَذا اصْطِلاحٌ مَعْرُوفٌ. وهَذا التَّأْوِيلُ كالتَّفْسِيرِ، يُحْمَدُ حَقُّهُ، ويُرَدُّ باطِلُهُ - وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ والرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ﴾، الآيَةَ - فِيها قِراءَتانِ. قِراءَةُ مَن يَقِفُ عَلى قَوْلِهِ ﴿إلّا اللَّهُ﴾، وقِراءَةُ مَن لا يَقِفُ عِنْدَها، وكِلْتا القِراءَتَيْنِ حَقٌّ. ويُرادُ بِالأُولى المُتَشابِهُ فِي نَفْسِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِ تَأْوِيلِهِ. ويُرادُ بِالثّانِيَةِ المُتَشابِهُ الإضافِيُّ الَّذِي يَعْرِفُ الرّاسِخُونَ تَفْسِيرَهُ، وهُوَ تَأْوِيلُهُ. ولا يُرِيدُ مَن وقَفَ عَلى قَوْلِهِ ﴿إلّا اللَّهُ﴾ أنْ يَكُونَ التَّأْوِيلُ بِمَعْنى التَّفْسِيرِ لِلْمَعْنى، فَإنَّ لازِمَ هَذا أنْ يَكُونَ اللَّهُ أنْزَلَ عَلى رَسُولِهِ كَلامًا لا يَعْلَمُ مَعْناهُ جَمِيعُ الأُمَّةِ ولا الرَّسُولُ، ويَكُونُ الرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ لا حَظَّ لَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ مَعْناها سِوى قَوْلِهِمْ: ﴿آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا﴾.
وهَذا القَدْرُ يَقُولُهُ غَيْرُ الرّاسِخِ فِي العِلْمِ مِنَ المُؤْمِنِينَ، والرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَجِبُ امْتِيازُهُمْ عَنْ عَوامِّ المُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ.
وقَدْ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ : أنا مِنَ الرّاسِخِينَ فِي العِلْمِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَه(¹). ولَقَدْ صَدَقَ، فَإنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَعا لَهُ وقالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ»، ودُعاؤُهُ ﷺ لا يُرَدُّ.
قالَ مُجاهِدٌ: عَرَضْتُ المُصْحَفَ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ، مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ، أقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وأسْألُهُ عَنْها.
وقَدْ تَواتَرَتِ النُّقُولُ عَنْهُ أنَّهُ تَكَلَّمَ فِي جَمِيعِ مَعانِي القُرْآنِ، ولَمْ يَقُلْ عَنْ آيَةٍ: إنَّها مِنَ المُتَشابِهِ الَّذِي لا يَعْلَمُ أحَدٌ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ.
- [شرح العقيدة الطحاوية📚 | ابن ابي العز الدمشقي]
(١).أثر ابن عباس صححه الشيخ أبو جعفر الخليفي في الصحيح المسند من آثار ابن عباس رضي الله عنه.
#عقيدة #التأويل
فَتَأْوِيلُ الخَبَرِ: هُوَ عَيْنُ المُخْبَرِ بِهِ، وتَأْوِيلُ الأمْرِ نَفْسُ الفِعْلِ المَأْمُورِ بِهِ.
كَما قالَتْ عائِشَةُ : «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» يَتَأوَّلُ القُرْآنَ».
وقالَ تَعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ﴾، ومِنهُ تَأْوِيلُ الرُّؤْيا، وتَأْوِيلُ العَمَلِ، كَقَوْلِهِ: ﴿هَذا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِن قَبْلُ﴾ [...........]، فَمَن يُنْكِرُ وُقُوعَ مِثْلِ هَذا التَّأْوِيلِ، والعِلْمَ بِما تَعَلَّقَ بِالأمْرِ والنَّهْيِ مِنهُ؟ وأمّا ما كانَ خَبَرًا، كالإخْبارِ عَنِ اللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ، فَهَذا قَدْ لا يُعْلَمُ تَأْوِيلُهُ، الَّذِي هُوَ حَقِيقَتُهُ، إذْ كانَتْ لا تُعْلَمُ بِمُجَرَّدِ الإخْبارِ، فَإنَّ المُخْبَرَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَصَوَّرَ المُخْبَرَ بِهِ، أوْ ما يَعْرِفُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَتَهُ، الَّتِي هِيَ تَأْوِيلُهُ، بِمُجَرَّدِ الإخْبارِ.
وهَذا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ. لَكِنْ لا يَلْزَمُ مِن نَفْيِ العِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ نَفْيُ العِلْمِ بِالمَعْنى الَّذِي قَصَدَ المُخاطِبُ إفْهامَ المُخاطَبِ إيّاهُ، فَما فِي القُرْآنِ آيَةٌ إلّا وقَدْ أمَرَ اللَّهُ بِتَدَبُّرِها، وما أنْزَلَ آيَةً إلّا وهُوَ يُحِبُّ أنْ يُعْلَمَ ما عَنى بِها، وإنْ كانَ مِن تَأْوِيلِهِ ما لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ.
فَهَذا مَعْنى التَّأْوِيلِ فِي الكِتابِ والسُّنَّةِ وكَلامِ السَّلَفِ، وسَواءٌ كانَ هَذا التَّأْوِيلُ مُوافِقًا لِلظّاهِرِ أوْ مُخالِفًا لَهُ.
والتَّأْوِيلُ فِي كَلامِ كَثِيرٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ، كابْنِ جَرِيرٍ ونَحْوِهِ، يُرِيدُونَ بِهِ تَفْسِيرَ الكَلامِ وبَيانَ مَعْناهُ، سَواءٌ وافَقَ ظاهِرَهُ أوْ خالَفَ، وهَذا اصْطِلاحٌ مَعْرُوفٌ. وهَذا التَّأْوِيلُ كالتَّفْسِيرِ، يُحْمَدُ حَقُّهُ، ويُرَدُّ باطِلُهُ - وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ والرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ﴾، الآيَةَ - فِيها قِراءَتانِ. قِراءَةُ مَن يَقِفُ عَلى قَوْلِهِ ﴿إلّا اللَّهُ﴾، وقِراءَةُ مَن لا يَقِفُ عِنْدَها، وكِلْتا القِراءَتَيْنِ حَقٌّ. ويُرادُ بِالأُولى المُتَشابِهُ فِي نَفْسِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِ تَأْوِيلِهِ. ويُرادُ بِالثّانِيَةِ المُتَشابِهُ الإضافِيُّ الَّذِي يَعْرِفُ الرّاسِخُونَ تَفْسِيرَهُ، وهُوَ تَأْوِيلُهُ. ولا يُرِيدُ مَن وقَفَ عَلى قَوْلِهِ ﴿إلّا اللَّهُ﴾ أنْ يَكُونَ التَّأْوِيلُ بِمَعْنى التَّفْسِيرِ لِلْمَعْنى، فَإنَّ لازِمَ هَذا أنْ يَكُونَ اللَّهُ أنْزَلَ عَلى رَسُولِهِ كَلامًا لا يَعْلَمُ مَعْناهُ جَمِيعُ الأُمَّةِ ولا الرَّسُولُ، ويَكُونُ الرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ لا حَظَّ لَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ مَعْناها سِوى قَوْلِهِمْ: ﴿آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا﴾.
وهَذا القَدْرُ يَقُولُهُ غَيْرُ الرّاسِخِ فِي العِلْمِ مِنَ المُؤْمِنِينَ، والرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَجِبُ امْتِيازُهُمْ عَنْ عَوامِّ المُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ.
وقَدْ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ : أنا مِنَ الرّاسِخِينَ فِي العِلْمِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَه(¹). ولَقَدْ صَدَقَ، فَإنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَعا لَهُ وقالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ»، ودُعاؤُهُ ﷺ لا يُرَدُّ.
قالَ مُجاهِدٌ: عَرَضْتُ المُصْحَفَ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ، مِن أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ، أقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وأسْألُهُ عَنْها.
وقَدْ تَواتَرَتِ النُّقُولُ عَنْهُ أنَّهُ تَكَلَّمَ فِي جَمِيعِ مَعانِي القُرْآنِ، ولَمْ يَقُلْ عَنْ آيَةٍ: إنَّها مِنَ المُتَشابِهِ الَّذِي لا يَعْلَمُ أحَدٌ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ.
- [شرح العقيدة الطحاوية📚 | ابن ابي العز الدمشقي]
(١).أثر ابن عباس صححه الشيخ أبو جعفر الخليفي في الصحيح المسند من آثار ابن عباس رضي الله عنه.
#عقيدة #التأويل