أحمد عبد المنصف 🔻
20K subscribers
47 photos
44 links
كاتبٌ، ومحاضرٌ، وباحثٌ في اللسانيات والعلوم العربية والإسلامية، ومصمم مناهج لغوية، ومهتم بشئون التربية والتعليم وبناء الإنسان، ومُحبٌ للعلم وأهله.
Download Telegram
هذه المرّة نلتقي على الأرض أخيرًا..

في أمسيات أدبية مؤنسة.. نستمع ونتحدث.. ونقرأ ونكتب.. بالعربية وفي ظلال العربية..

كثير من الأصدقاء، خاصة زملاء الدرس القديم سألوني:
مع احترامنا للأونلاين، ولكن متى نلتقي على الأرض من جديد؟

وها هو لقاؤنا الأسبوعيّ يبدأ من الجمعة القادمة يا رفاق، في أحد أزقة الدقي كالمعتاد.

أنتظركم ")

وألَذُّ من طيب الشرابِ على الظَّما .. لُقْيَا الأحبةِ بعد طولِ غيابِ!

دمتم بخير وعِزة..

رابط التسجيل والاستفسار:
https://wa.me/201023535502
أحمد عبد المنصف 🔻
Photo
أهلًا بك يا صديقي،

من أوليات تصميم المناهج وتقديم الاستشارات التعليمية الإلمامُ بحالِ السائل، لذلك يصعب أن أقدّم لك منهجًا تفصيليًا يناسبك.

لكني أشير عليك بأربعة أشياء هامة تصلح للبداية:

1️⃣ تذهب إلى أقرب مُعلّم رياضيات للإعدادية والثانوية يُعرف عنه أمران: حُبه لما يفعل، وإجادته له، واطلب منه أن تلتحق معه في درسه لدراسة الرياضيات من الإعدادية وحتى الثانوية.
الرياضيات من الروافد الأولى التي تُشكّل عقلك ومنطق تفكيرك، ثم هي لغة العلوم الطبيعية والتجريبية بوجه عام.
.
2️⃣ تذهب إلى أقرب مسجد أو معهد واطلب أن تبدأ بحفظ القرآن الكريم بالتجويد بشرط أن يكون على شيخٍ مُجاز، و(مجاز) أي أنه قد قرأ القرآن كاملا مشافهةً على من قرأه على من قرأه.. على من قرأه على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسند متصل.
.
3️⃣ تذهب إلى مُعلّم للعربية مشهور بنفس الأمرين، وتطلب منه:
✔️ أن يقرأ معك معجمًا من معاجم العربية المبسّطة كـ (مختار الصِّحَاح) مثلا، و(الألفاظ الكتابية) وما في مثلها، ويُعلّمك كيف تبحث فيها.
✔️ ويُعلّمك بعض قواعد الإملاء والترقيم، وكذا الخط العربي إن كان يحسنه.
✔️ ويختار لك بعض أشعار العرب من القديم أو الحديث ويقرأها عليك مع شرح ميسّر.. وتحفظها وتُسمّعها عليه.
✔️ وتكتب له موضوعات إنشاء/تعبير، وتُطلعه عليها ويُناقشك فيها شكلًا ومضمونًا.
✔️ وبعد مدة يُعلمك بعض مسائل بسيطة في النحو والصرف من كتاب مبتدئ يناسبك.
.
4️⃣ تذهب إلى شيخ أزهريّ معروف بالورع والأدب والعلم، وتطلب منه أن تدرس الفقه على يديه على مذهب من المذاهب السنّية الأربعة (التمذهب شرطٌ في الطلب المنهجيّ، فإن قال لك سأدرّسك إياه على الكتاب والسنة -بفهمه هو- دون تقيّد بمذهبٍ معتبر = فاهرب فورًا ولا تستمع له، وقُل له فهم مالك أو الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد للكتاب والسُنة أولى عندي وأضمن من فهمك أنت).

وأَرسِلْ لي على الخاص فضلًا أَزِدْك من بعض المقدمات والمواد التي تعينك على ذلك إن شاء الله.

سددكم الله ووفقكم لكل خير ")
أحمد عبد المنصف 🔻
Photo
سؤال جميل وكبير يا صديقي، فاضي أحكيلك كلمتين؟

باختصار، وحتى لا أطيل عليك، والأمر جلل:

لسببين؛ أحدهما عقليّ، والآخر قلبيّ.

أما العقلي فلأمرين:

لأني أردتُ أن أدرس ديني بعمق، أصولًا وفروعًا، وأجيب عن أسئلتي الوجودية والإنسانية الكُبرى والصغرى إجابات رصينة تُرضيني، وقد علمتُ أن علوم الشريعة -بل والحضارة العربية والإسلامية في بادئ أمرها-، قامت في الأساس على دراسة وخدمة وتحليل (نصٍّ لُغويّ) مقدس،
وأنني كلما تمكّنتُ من أدوات وعلوم اللغة عامةً واللغة العربية خاصة استطعتُ أن أسبر أغوار هذا النص الشرعيّ الشريف، وأُحْكِم صنعة هذه العلوم، وأضعف الإيمان أن أفهم أصول اختلافات علمائنا وأئمتنا في فهم هذا النص الشريف، وأفهم مِن أين يُؤتَى الإنسان إذا ما انحرف فهمُه لهذه الشريعة سواء بحسن نية أو سوء طوية.
.
📌 لذلك يقول الإمام الشاطبيّ في الموافقات (مجلد 5 باب الاجتهاد):
[الشريعة عربية، وإذا كانت عربية؛ فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم؛ لأنهما -يقصد القرآن والسنة- سيان في النمط ما عدا وجوه الإعجاز، فإذا فرضنا مبتدئا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطا؛ فهو متوسط في فهم الشريعة، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة؛ فكان فهمه فيها حُجة، كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة..].
.
ولأني مهتم بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، وبالتربية والتعليم خاصة، وكل ما يُسهِمُ في بناء الإنسان بوجه عام، وقد علمتُ أن غالب هذه العلوم تفريعٌ على قضايا فلسفية وعقدية بالدرجة الأولى، وفي كثير منها اتصال وثيق بقضايا فقهية وأصولية وتزكوية أيضًا.
.
📌 يعني قبل أن يحدّثونا في مدخل لعلم النفس بجامعة Yale، حدّثنا المحاضر عن (الفلسفة الوجودية والمعرفية والقيمية) التي سيبني عليها كلامه عن (النفس الإنسانية) ونظرته لها ولمكوناتها وخِلقتها، ومن ثمّ سينبني عليه اختياره للمنهج العلمي الذي سنحاول به (فهم) طبيعة هذه النفس، وعملياتها العقلية، وانفعالاتها ودوافعها، وأنماطها وفروقها الفردية وصحّتها ومرضها، والنموذج الأمثل والأحقر لها، ومن ثمّ سينبني على كل هذا اختيارنا للمنهج (التربوي) الذي (سـنقوّم) به هذه النفس لنصل بها إلى (الصورة الإنسانية الأفضل) التي قد أسسنا لها سابقًا.
.
📌 وقبل أن يحدّثنا المحاضر عن (الثقافة المالية وإدارة الأعمال)، أخذ يحدّثنا عن فلسفة المال وقيمته، وعن (عقلية) الغني والفقير، وعالم الأفكار والفلسفة، وكيف ينبغي أن تكون علاقتنا بالمال ونظرتنا له وتعاطينا معه (وهي أسئلة تشتبك بعمق مع النظرة الشرعية الفقهية والتزكوية عندنا سواء أدركنا ذلك أم لا).
وقس على هذا كل باب طرقته تقريبًا في هذا العالَم.

فعلمتُ حينها أنّ النزول في هذا الميدان لا بُد فيه من تسلّح بـ (أدوات المنهج) التي تُكسبك آلة التفكيك والتحليل والنظر والنقد.

وعلى رأس (أدوات المنهج) رافدان:
1️⃣(علوم الفلسفة والمنطق والرياضيات والمعقول)
2️⃣(علوم اللغة واللسانيات).
وتستطيع -بوجهٍ ما- أن تقول إنهما وجهان لعملة واحدة، وإنّ العلاقة بينهما جدلية شديدة التداخل والتعقيد،

📌 لذلك تجد جامعة MIT الشهيرة تقول في موقعها الرسميّ إن برنامج (اللسانيات) في بدايته كان يُدرَس ضمن قسم "اللغات والآداب الأجنبية"،
لكن ومع نمو الوعي بهذا التداخل العميق، وفي سنة 1976 م تم دمج (اللسانيات) مع برنامج (الفلسفة) في MIT، ليكوّنا معًا: (قسم اللسانيات والفلسفة) في ثوبه الجديد، منذ ذلك الحين وحتى يوم الناس هذا،
وتوضح الجامعة أنّ مقررات هذا القسم في البكالريوس أو الدراسات العليا تجمع وتمزج بين الجناحين معًا؛ جناح (الفلسفة والمنطق القديم والحديث والرياضيات وعلوم الإدراك وخلافه)، وجناح (اللسانيات النظرية والتطبيقية بمختلف فروعها الضخمة)، طبعًا مع مقررات في علوم الحاسب والبيانات وتعلم الآلة والذكاء الاصطناعيّ بما يخدم مقاصد القسم.
.
وأنا أدرس الفلسفة والعلوم العقلية الإسلامية وغيرها، ومازلتُ،
وكان لا بُد من تطوير المسار الدراسيّ لأمزج معها (اللسانيات) بعمق، لأني وجدتُ صداها في كل علمٍ أدرسه تقريبًا بدءًا من الشريعة مرورًا بالإنسانيات والاجتماعية وصولًا إلى شات جي بي الذي يُعدّ من أعظم تجليات ثورة هذا العصر في نضج الدراسات اللسانية واللُّغوية وكذا علوم الحاسب والآلة!
.
هامش: جرب أن تسأل (شات جي بي) عن علوم وفروع اللسانيات التي يعتمد عليها في معالجاته وتقديم خدماته المختلفة لك، وانبهر ")
--
هذا كلام موجز في بعض البواعث العقلية التي ألقتني على ساحل اللغة واللسانيات.
--
وأما السبب القلبيّ: فلأني أعشق العربية!

قد رُزقتُ منذ صغري بمُعلمين للغة العربية أضاؤوا حياتي.. وصنعوني صُنعًا مختلفًا!
هم من ربّوني بالأساس -وأخص منهم أبي وأستاذي الحبيب ياسر جاد حسيب- وعلموني أن أتذوق جمال الحرف صوتًا ورسمًا!
أحمد عبد المنصف 🔻
Photo
تعلمتُ منهم القراءة الصححية، وتلاوة القرآن الكريم وأحكام التجويد، وبدأتْ أذني تطرب للمقامات الصوتيّة لتلاوات الأكابر، وتواشيحهم، وللمطربين القدامى، وينتشي سمعي للجرس الموسيقيّ الساحر المبثوث في روح الكلام العربي وجسده،
.
وتعلمتُ منهم الخطّ العربيّ، -وأخص بالذّكر أستاذي الحبيب محمد الجزار- وقد سلب لُبي سحر الحرف العربيّ، وجمال خطّه وزخرفته الآسرة للعقول والقلوب! وكأن بابا قد فُتح في قلبي لأتذوق جانبًا من جوانب الجمال في هذا الوجود! ووجدتني واقفًا أمام الحروف أحدّثها وتحدثني، وأرى في تثّنيها وانحنائها رقةً وعذوبةً وبهاءً وجمالًا ينقلني من هذا العالَم إلى عالَم آخر من السحر!
.
وتعلمتُ منهم الكتابة والتعبير، وشجّعني أستاذ ياسر عليها، وكان يقول لي اكتب ما شئتَ وسأقرأ، وكان يفعل، ويناقشني فيما أكتب، ويُصحح أخطائي الإملائية والخطّية والنحويّة والفكرية!
.
وتعلمتُ منهم النحو، وكيف نقف مع الألفاظ وندققها، ونحلل النصوص ونفككها، ونربط أجزاء الكلام بعضها ببعض ليخرج من أفواهنا وأناملنا نصٌ رصين متماسك البُنيان، حتى صار النحو -مع الخط العربيّ- لذّتي وسُلواني وتسليتي في أوقات راحتي وفراغي.
.
وقرأتُ معهم الأدب شعرًا ونثرًا، وشرحوه لي وأعانوني على تذوقه، وتربيتُ في أحضان هذه النصوص، ولا أذكر الكثير من تلكم النصوص التي درسناها، لكنّي أذكر أني صرتُ بها إنسانًا أفضل!
.
وتعلمتُ منهم فنون الأداء والإلقاء، وكيف نلقي ونؤدّي النصّ إلقاء حيًا في الإذاعة وفي مسرح المدرسة، وكيف ننغم صوتنا ليليق الصوتُ بالمعنى، ونستعمل أعيننا وأيدينا ولغة جسدنا في إبراز المعنى، ففتحوا إليّ بابًا آخر للوعي اللُّغويّ، ولتذوّق النصّ وتقمصه ومعايشته.
.
وتعلمتُ منهم العزّة والانتماء إلينا!.. إلى هُويتنا وتاريخنا، وأمتنا وديننا، ولساننا وثقافتنا.
.
وتعلمتُ منهم الحُب، وعذوبة اللسان، ورقّة الطبع، ولين الجانب، في غير خور ولا ضعف ولا جبن، وما كنتُ أعلم حينها عبارة سيدنا الإمام الشافعيّ: من تعلّم العربيةَ رقّ طبعُه!
.
يقول شارل غرانت (اللغة الإنجليزية ليست مجرد وسيط للمعرفة والنور، بل هي أولًا وأخيرًا طريق الإيمان ببريطانيا).
.
وقد تعلمتُ منهم كيف أن اللغة العربية ليست مجرد وسيط للمعرفة والفهم والتعبير، بل هي أولًا وأخيرًا طريق الإيمان بالإسلام.. وتقليل الاغتراب، والعودة إلى الذات!

وللقصة فصولٌ أخرى تطول عزيزي القارئ، ولكن حسبُك من القلادة ما أحاط العُنق ")
كنت ديما أسمع وأقرأ إن أصعب فترة في الجواز هي أول تلاتة أشهر، وبعضهم قال: بل أول ستّة، وبعضهم: أوّل سنة، وبعضهم: أول 3 سنين، وهكذا دواليك.

ومما رأيتُ في تجربتي أنّ أمر السهولة والصعوبة هذا مرتبط بمدى مرونة أو جمود الشخصيتين لا أكثر.
.
لو واحد من طبعه المرونة في تعديل السلوك وقبول الاختلاف والاستماع بصدر رحب والتفهم والتماس العذر والتغافل والصبر على التغيير وغيره = أول شهر زي أول سنة زي أول عشرة سنين، من حيث "حدّة" المشاكل من عدمها غالبًا..
ويتبقى فقط إن نسبة (الاستغراب والإنكار الخفيف) في أول الأيام بتقّل كتير طبعًا مع الوقت، وحتى الوقت ده نسبي متوقف بردو على الشخصين.
.
أنا عاشرت ناس -في شقق السكن المشترك وغيره- فعلا طباعهم صعبة يا جماعة! مش بتكلم عن كونهم كويسين أو وحشين أخلاقين.. بتكلم عن الطباع!
والطباع دي تغييرها محتاج وقت كبير، وشغل كبير جدا جدا، مش بيعالجها مجرد المعارف النظرية، ولا الممارسات الشعائرية الدينية.
.
لذلك لما كنت بشوف ناس بهذه الطباع الحادّة والعنيفة والمزعجة بقول في نفسي: كان الله في عون الي هتكون زوجته يومًا ما!
.
ولو واحدة هتاخد رأيي في الارتباط به هخليها تفكر كتير وتستخير وتتريث، مش لأني بكره هذا الإنسان، ولكن لأني عارف إن مثل هذه الشخصيات ممكن تخلي حياة شريكها جحيم حرفيا كما جعلت حياتي معها جحيمًا!
.
لذلك أرجع وأقول: موضوع الجواز ده خلاصته الكبيرة إن شوف إنت شخصيتك وطباعك الإنسانية (مش أفكارك) قبل الزواج إيه، وعلى أساسها احكم وقيّم نفسك وغيرك.

والله يزوج الناس جميعًا يا رب زيجات تسعدهم ")
الطباع أهم من الأفكار.. في الزواج؟!

بعضهم دُهش إمبارح لما قلتُ العبارة دي في كلامي عن الزواج.

أيوا يا جماعة، أهم شيء يتوقف عليه استقرار أي بيت أو اضطرابه هو (الطباع) وليس مجرد (الفِكَر والقناعات).

وانظر في نفسك، كم الأفكار التي تقتنع بها عقلًا لكن لا تستطيع تفعيلها في حياتك سلوكًا لأن أهواءك وشهواتك وطبيعتك البيولوجية وشخصيتك وطباعك - ضدّها.
.
تعريف الطبع إنه: هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأقوال والأفعال دون تكلّف.
.
والطباع دي نتيجة تفاعل عوامل كثيرة، منها عوامل بيولوجية جينية، ومنها عوامل نفسية، وعوامل تربوية وثقافية، وغيره.
.
وبعض الطباع ممكن نقول إنها مش (سيئة) بالضرورة أخلاقيًا، لكن مش أي حد يتأقلم عليها، فدي مساحة ذوقية ونسبية ننظر فيما نتوافق فيه وفيما نتنافر، وكل فُولة وليها كيّال كما نقول.
.
لكن بعض الطباع فعلًا سيئة ومؤذية، وتغيير بعضها ممكن، لكن مش سهل!
عايز حد عنده قدرة نفسية على الاعتراف إن طبعه سيئ (ودي لوحدها قصة)، ثم عنده إرادة حقيقية إنه يصلّحها، ثم يحاول ياخد بالأسباب لذلك، سواء بفهم ومعالجة بعض الإشكالات النفسية أو البيولوجية، أو معالجة بعض الأمور الإيمانية القلبية التزكوية وصحبة المشايخ المربين، أو بهما معًا، أو غير ذلك مما يتكلم فيه أهل الاختصاص.
والأكيد: إنه محتاج وقت وصبر!
.
والطباع كلمة عامة تشمل كل أنماط عاداتك وتفاصيل سلوكك المتكررة في يومك:
- بتحب الأكل دلع ولا مالح، وسخن ولا بارد، وصابح ولا بايت ولا مش فارقة؟ وكم أكلة مش بتحبها؟
- بتحب الإضاءة عالية ولا خافتة تمامًا، والأصوات؟ والألوان؟ والروائح؟ والملمس؟
- بتحب تنام في ظلام دامس؟ ولا العكس؟ وعندك أرق نوم وبتصحى من أقل صوت أو حركة ولا نومك عميق؟
- وجسمك بيتحمل الحرارة العالية أو المنخفضة، ولا مش بيطيق نفسه في الحالين ومايقدرش يعيش من غير تكييف ودفاية؟
- بتحب يبقى كل شيء حولك مرتب ومنظم إلى أي درجة؟ (يعني لو خط السجادة لا يوازي خط البلاط، ده يزعجك إلى أي درجة؟)
- بتعبر إزاي عن فرحك وحزنك وضيقك وإحباطك وغضبك؟
- بتفكر في الكلام الي هتقوله قبل ما تقوله ولا بعده؟ وبنرمي دبش من بوقنا ولا بننتقي الألفاظ ونحط نفسنا مكان الي قدامنا وبنراعي مشاعره؟ ولا طز في مشاعره هو من باقية عيلتنا؟
- لما بنتعصب بنحرق الأخضر واليابس ولا بنتحكم في أعصابنا ونؤثر الصمت حتى نهدأ؟
- بنعرف نسكت ونكف لساننا عن فضول الكلام، ولا بنجيب في سيرة الناس وننقل كلام ونخلق خصومات ونعمل حوارات ونخرب بيوت؟
- لما بنشوف حاجة مش متعودين عليها بنبادر بالإنكار وإلقاء التهم، ولا بنهدأ ونسأل ونستفهم ونتناقش بهدوء وصدر رحب عشان نتفهم مش نحكم ونتصيد ونجلد؟
- مستوى نظافتنا عامل إزاي؟ وتصوراتنا إيه عن العادي والحنتفة والوسوسة الزايدة التي لا تُطاق؟
- مستوى إنفاقنا عامل إزاي؟ وتصوراتنا إيه عن الرخيص، والمعقول، والغالي والغالي أووي؟
- مستوى استعدادنا النفسي للاعتذار وسماع المخالف ومراجعة النفس؟ كلمة آسف ثقيلة على نفوسنا بنسبة قد إيه؟
- مستوى السهولة واللين والقدرة على التفاغل عن أمور معينة ليسير المركب.. ولا بنعمل من الحبة قُبة؟
- مستوى مرونتنا في تغيير أنفسنا وتمرينها على طباع وسلوكيات وعادات جديدة؟
- مستوى تقبلنا للضعف والنقص البشري عموما سواء في نفسي أو في غيري؟
- تقبلنا للنزول على رأي شريكنا دون دخول في مناكفات ونديات، عامل إزاي؟
- إيه تصورك عن اللبس العادي، وغير العادي، والعاري، والمحتشم؟
- مستوى إطلاق بصرك فيما في يدك غيرك؟ ومقارنة حالك بحالهم؟ وزوجك بزوجهم وبيتك ببيتهم؟
- إيه المساحات الي تحب ترفه بيها عن نفسك؟ وما مدى تقبلك لاختلاف هذه المساحات عند شريكك؟
- إيه مساحة تدخل الآخر في حياتنا وقراراتنا؟ (هل أنا ودني يعني ومش بحب أزعل حد مني، ولا لي شخصية مستقلة وممكن أزعل ناس في سبيل إني آخد موقف حق؟)
- إيه مدى رغبتي في التحكم في كل شيء بيحصل حواليا (هل أنا من الشخصيات الي عايزة كل حاجة تمشي على مزاجها ولو محصلش يبقى منغص عليها حياتها كلها؟)
- إيه مستوى قدرتي على المواجهة لا الهروب، وتحمل مسئولية قراراتي واختياراتي؟ ومستوى إلقاء اللوم على غيري ولعب دور الضحية؟
.
تفاصيل كثيرة جدا جدا، وهذه التفاصيل -بنسبة تتجاوز الـ 95%- هي التي يمكن أن تجعل بيتك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران!
.
نعم، التوافق الفِكري/النظري مطلوب ومهم جدًا، وتقارب القيم والاهتمامات محبّذ للغاية، لكن ما سبق هو المعركة الحقيقية والمرآة الكاشفة!
.
لذلك أرى من تضييع الأوقات الإسهابَ في فكرة (إيه الأسئلة الي أسألها لخطيبي أو في الرؤية الشرعية)، وكأنَّ مدار الأمر على "الإجابات النموذجية" التي ستنطق بها ألسنتنا، لا ما استقر في وجداننا ونفوسنا وطباعنا.
(هل صحبتَه في سفر؟) (فكانت بينك وبينه خصومة؟) (هل ائتمنته على شيء؟) (هل عاملتَه بالدرهم والدينار؟) هذه هي الأسئلة العُمرية الحقيقية التي تكشف لك معادن الناس!
.
ولما سُئل سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم عن معادن الناس قال:
خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا.

إذن قبل (الإسلام-الدين) هناك مستوى إنسانيّ خُلقيّ طَبعيّ اسمه (معادن الناس)، هناك تربة خصبة، إذا رُويت بماء الوحي أنبتت وأثمرت، وهناك تربة خبثية ميتة، لا يزيدها الدين إلا ضلالًا وغِيًا واتخذته مطيّة لإشباع شهواتها، إلا من رحم ربي وعصم!
.
فهل التدين يؤثر؟
إن قصدنا به التدين العملي السلوكي الحقيقيّ الذي فيه تزكية للقلب بصحبة المربّين، وبالعبادات ورياضات النفوس، وتطهير القلب من الأدران وغيره = فنعم يؤثّر إن شاء الله، ويحتاج إلى وقت.
وأما التدين الشكلي الذي هو اقتناع نظري أجوف ببعض القناعات الدينية، وممارسة بعض الشعائر الظاهرة المفرّغة من مضمونها القلبيّ الإيمانيّ - فأثره طفيف ضعيف للأسف.
.
وفي النهاية هي أرزاق يسوقها الله لمن يشاء كيف يشاء، وغايتنا أن نبذل ما في وسعنا ونسأل الله البصيرة والرزق الواسع الطيب والعافية.
بعد ثبوت الواقعة الأليمة التي أتابعها ويتابعها عامةَ الناس اليوم، وحكم القاضي بالمؤبَّد على المُجرم والحمد لله.. حابب أقول:

شكرًا للطفل البطل الي قرر يتكلم وماسكتش،
وشكرًا للأب والأم الي صدّقوا الطفل، ودعموه، وبلّغوا، ومخافوش من مباحث ولا أعضاء مجلس شيوخ ولا غيرهم، وكافحوا طوال سنة، وطالبوا بفتح التحقيق في القضية من جديد بعد أن أُغلقت لعدم كفاية الأدلة، واستحملوا تهديدات وإغراءات كثيرة للتنازل والصُلح والترضية، وأصرّوا يكملوا لأجل حق ابنهم، ودافعت الأم بنفسها عن ابنها في المحكمة.
وشكرًا للمحامين المحترمين الي دافعوا أو كانوا مستعدين لذلك،
وشكرًا للقاضي الي سمع للأم ومنع أي حد يقاطعها، وحكم بهذا الحكم.

على أد ما القصة الملحمية دي فيها مجرمين كتير غير المجرم الأساسي بشكل مُدهش ومُخيف، لكن فيها أبطال وجدعان كتير بردو يطمّنوا.

لكنْ، يخيّم على الأجواء السؤال الأهم: نعمل إيه؟

عندنا تطرفين بيحصلوا في رد فعل الناس أمام مثل هذه الأحداث: الهلع والإنكار.
ناس هيقولوا: كل شيء تمام يا شباب، وحالات فردية، والأمن مستتب، عشان يقدروا يكملوا حياتهم ويناموا بالليل مطمئنين، بل وفيه جزء خسيس منهم ممكن يدافع عن المجرمين كمان كما رأيناهم في الأيام السابقة.
لكن خوفي مش من دول.

وإنما من الطرف الآخر، وهم الناس الي هيسقطوا في وحل الوسوسة والهلع والشك من كل شيء، ويقرروا يعزلوا ولادهم في فقاعة طاهرة خوفًا عليهم من الأذى.. ولهؤلاء أحب أقول لم:

هتقعّدوهم من المدرسة؟ طيب ماشي، والشارع؟ والمستشفى؟ والنادي؟ وسوق العمل؟ والشاشات؟
هتقدر تحمي طفلك من الوحوش الضارية حولك لحد فين؟
هتقدر تتحكّم في البيئة المحيطة بطفلك لأي مدى؟
ولو فعلتَ، فإنت هتفضل عايش جنب ابنك لحد إمتى؟ (ربنا يديك طولة العمر)
وهل حمايته المطلقة من أي أذى ده صح أصلا؟ هل الجهاز المناعي للإنسان هيقوى بإني أحميه من صغره من أي نزلات برد حتى؟ ولا هتخليه أضعف وممكن نزلة برد بعدين تُهلكه بالفعل؟
.
أيوا محتاجين نفكّر في بيئة اجتماعية وتعليمية (أكثر) أمانًا وإنسانية، وأجدى من حيث الصنعة التعليمية والمهارية والفنية، و(أقل) أذى، قطعًا، ولا يجادل في هذا عاقل، وده نقاش تعليمي تربوي اجتماعيّ مهم إننا نفتحه وننظر في البدائل المتاحة.
.
لكن أخشى إن يكون الرغبة العميقة المحركة عند بعض الآباء والأمهات ليس البحث عن (نظام تعليمي/اجتماعي أفضل) وإنما (حماية ابني من أدنى درجات الألم) هم مش واعيين بيها.
.
لأن مهم جدًا إننا مانتخذش (الألم) عدوّ لينا، الألم جزء من طبيعة وتركيبة هذه الحياة، وجزء من صناعة مفهوم (السعادة) نفسه، وجزء مهم في إنضاجنا..
من حق الإنسان إنه يتألم، وإن روحه ونفسه وجسده يختبر هذا المعنى ويتدرب على معالجته ليقوى جهازه المناعي الجسدي والنفسي ويقدر يصمد أمام شدائد الحياة.. وكلام كثير عن فضيلة (الألم الصحّي) له حديث آخر.
.
فمهم وإحنا بنخوض رحلة البحث عن بيئات أفضل نكون واعيين ببواعثنا ودوافعنا الحقيقية، ونحترم محدوديتنا البشرية، ونحترم طبيعة الحياة التي نُختَبَر فيها بالخير والشرّ، بالألم واللّذة، كما أرادها خالقها سبحانه وأخبرنا بذلك في كتابه كثيرًا.
.
وأظن لو رسخ فينا هذا الوعي هنتحرك، ولكن بوعي أكبر بقدرتنا وبطبيعة الاختبار، وهنتحرك بسكينة وطمأنينة وتوكل وتسليم أكبر لأقدار الله لنا.
.
هناخد بالأسباب آه، وهنحاول ندرس الواقع ونفهمه عشان نقدر نتفاعل معاه، لكن قلوبنا مؤمنة ومصدّقة إن (لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا)، وأن (ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك)، و(لو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيءٍ لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفّت الصحف).
.
ناخد بالأسباب إزاي؟
1- بإننا نتعلم أكتر، ونرفع مستوى وعينا النفسي والديني والتربوي.
.
2- نقرّب من ولادنا أكتر، ونخلق مساحة (صحوبية) و(أمان) تسمح لهم إنهم لما يتعرضوا للأذى يعبّروا عن مشاعرهم دون خوف، وهم متطمنين إن أهلهم مصدّقينهم وفي ضهرهم مهما حصل، مش هيكونوا أول ناس يطعنوهم ويشككوا فيهم.
.
3- نتعلم ونعلمهم إزاي نفهم مشاعرنا وماننكرهاش ولا نهرب منها، خاصة مشاعر الألم والخزي، مش نكون إحنا سبب غرس مشاعر (الخزي) في أنفسنا وفيهم دون وعي.
.
4- نعلمهم فنون الدفاع عن النفس وإزاي يحموا أنفسهم بدنيًا،
.
5- ونعلمهم فقه العلاقات وإزاي يحموا نفسهم نفسيًا، ويضعوا حدود في علاقاتهم، وإزاي يفرّقوا بين مراتب العلاقات وحقوق كل مرتبة.
.
6- ونعلمهم حِيَل وطُرق المجرمين والمعتدين في النيل من ضحاياهم.. وإنهم مايسمعوش للتهديدات أو المخادعات دي ولا يصدّقوها ويتكلموا!
.
7- بأننا نعلمه إزاي يواجه المشاكل مايهربش، وإنه مايتنازلش عن حقه ضعفًا وخوفًا، عايز يعفو عن المسيئ؟ جيد وخُلق نبيل، لكنْ لما يكون عن قوة ومقدرة على الاقتصاص.. عشان لما يكبر نفسه تبقى عزيزة عليه، فلا يخضع لابتزازات وتهديدات ومُغريات الأخساء ممن سيقابلهم.
.
8- بإننا ننشر ثقافة الصحة النفسية والعلاج النفسي الحقيقي مش الشعبوي، عشان نفهم (المتحرش) ده بيتكون نفسيًا إزاي؟ وإزاي بيختار ضحاياه؟ وإزاي نتعامل معاه خاصةً لو في دوائر قريبة ومن المفترض أنها موثوقة؟ وإزاي يتعامل الضحية وأهله مع هذه الصدمة؟
.
9- بإننا نتريث ونتبين من الأخبار الي بنسمعها، فإذا تبيّنا نفضح المجرمين المعتدين ونحذّر منهم، مش نتستر عليهم ولا نلتمس لهم المسوّغات ونطبطب عليهم وهذا الورع السمج السخيف الذي ينزل في غير منزله.
.
10- بإننا ننشر الوعي القانوني والجنائي، وإيه الإجراءات القانونية الي نقدر نقوم بيها لو تعرضنا لمثل هذه الاعتداءات؟ وإيه الصعوبات الي هنواجهها عادةً وإزاي نتجاوزها؟
.
11- وإننا نفتح حوار مجتمعي واسع مع المختصين الاجتماعيين عشان نفهم هل الي بيحصل ده وصل لدرجة (الظاهرة)؟ وإن كانت فهل قديمة (كشفتها) السوشال ميديا؟ أم نسبتها قد زادت بشكل ملحوظ وغير طبيعي؟ وإن كان الثانية فما العوامل التي ساعدت على ذلك؟ وما نسب تأثيرها؟ وإيه طرق الوقاية والعلاج القريبة والبعيدة؟ وإزاي إعلاميًا ننشر أو نتفاعل مع الأحداث والأخبار دي دون أن نساعد في انتشارها وتطبيع المجتمع معها أكثر؟
.
12- وإننا نفتح حوار مجتمعي آخر مع المختصين التربويين حول بدائل التعليم المتاح، والتي تُخرج طالبًا معتدلًا نفسيًا، لا منه مفلس من المعارف والمهارات التي يحتاج إليها ولا منصهر مع المجتمع وثقافته التي لا نقبل الكثير منها، وفي نفس الوقت مايكونش عايش في فقاعته المعقَّمة وعالمه السبيستونيّ الموازي الذي سيعزله وجدانيا عن المجتمع أو يجعله في عداء وصدام معاه فلا يزيد حياته إلا شقاءً.
.
13- وإن وزارات الثقافة والإعلام والأوقاف والمصنفات الفنية وغيرها تبحث عن طُرق أكثر فعالية في نشر هذا الوعي على مستوى واسع.
.
14- وإن وزارة التعليم تبحث عن طرق تربوية وقانونية أجدى وأكثر صرامة لمعالجة مثل هذه الأحداث.
وغير ذلك من حلول وخطوات كثيرة.

وربنا يعلّمنا ويلطف بنا ويبصّرنا ويعافينا!
أحمد عبد المنصف 🔻
Photo
قد نكأت جرحًا يا صديق!
وأنا في الثانوية كنت أرجو أن أجد شيئًا كهذا!
طُلب مني وأنا ابن ثمانية عشر عامًا، رُبيت في بيئة ثقافية مُغلقة تمامًا، أن أجلس في (سايبر) وأكتب (قائمة رغباتي) بأسماء الكليات التي أريدها،
وأذكر أني كتبتها وطبعتها أكثر من مرة وأقطّعها وأذهب لأعدّلها في اليوم التالي.

طوفان أسئلة قد انفجر في رأسي حينها، من عينة:

- ما الفرق بين هندسة قسم حاسبات وعلوم قسم علوم حاسب، وكلية حاسبات ومعلومات؟!
- ما الفرق بين فنون جميلة وفنون تطبيقية؟ وتربية، وتربية نوعية؟
- ما الفرق بين آداب لغة عربية، وألسن لغة عربية، وتربية لغة عربية، ودار علوم؟! وما الفرق بين دار العلوم والكليات الشرعية بالأزهر؟
- ولماذا هناك أزهر وعام أصلا بمصر؟ ولماذا لا يُسمح لطلبة العام بالالتحاق بالكليات الأزهرية؟
- ولماذا لا يوجد (كلية كل شيء) أدرس بها كل العلوم؟!
- وهل هذه الكليات (لها مستقبل)؟ وكيف أحدد ذلك؟ وهل هذا ما يحدد قيمتها؟
- وهل تُحدد قيمة الكلية بناءً على: بتاخد من مجموع كام؟ وعلى أي أساس تُحدد كليات القمة وكليات الشعب؟
- وهل لأني أحب الرياضيات والفيزياء في الثانوية أدخل هندسة؟ طيب ومادخلش علوم ليه؟ وإيه علوم دي أصلا وبيطلعوا منها إيه؟!
- وليه الناس بيقولوا لي الحفّيظة يدخلوا أدبي، لكن الي بيحبوا التفكير وتشغيل العقل يدخلوا علمي؟ ثم علمي رياضيات؟
- وليه قالوا لي أكتب في التنسيق: هندسة، ثم حاسبات، ثم علوم، ثم أي حاجة مش هتفرق؟
- وليه غيرهم يقول لي: اتشعبط في الكليات العسكرية أولا، فإن لم تُقبل مش هتفرق بقى أي حاجة تاني؟
- وليه صاحبي الي مالحقش طب بشري، بيتشعبط في أسنان؟ والي مالحقش ممكن يتشعبط في علاج طبيعي أو صيدلة أو طب بيطري، بس المهم يبقى فيها (دكتور)؟! مالحقش يبقى علوم، ثم أي حاجة؟
- وليه بتوع أدبي بيفكروا في اقتصاد وعلوم سياسية أولا؟! وهيطلعوا يشتغلوا إيه في بلادنا؟ وليه بيتشعبطوا في إعلام بعدها؟ أو آداب؟ وإيه آداب دي أصلا وبيدرسوا فيها إيه؟
- وهل لازم أدخل كلية أصلا؟ وأكمل ليه لو أنا مش مقتنع بجدوى التعليم؟
- إزاي أقرر قرار مصيري زي ده وأنا بمستوى وعيي ده؟ وخاصة أني لم أدرّب على فكرة (الاختيار) المصيري من قبل؟
- وافرض أخطأت الاختيار واكتشفت أنه ليس الأنسب لي؟ هل يحق لي تغييره ولا أنا كده لبست طول عمري؟! وليه بشوف ناس بتتعذّب في كليتها بس معندهاش الشجاعة الكافية إنها تحوّل؟!
- أم هل الأفضل أشوف شلة صحابي هيدخلوا إيه وأدخل معاهم عشان أفضل في الشلة ونروح ونيجي مع بعض؟
- وبيقولوا لي شوف بتحب إيه، طيب أنا لو بحب كل حاجة؟ أو مش عارف أنا بحب إيه بدقة أعمل إيه؟!! وإزاي الإنسان هيحب حاجة هو مش عارفها أصلا ولم يُحدثه عنها أحد!
.
زحام أفكارٍ فتك برأسي ثم سرتُ إلى حيث قدّر الله لي..

كنت أرجو أن أجد مَن يطرح عليّ هذه الأسئلة بهذا الوضوح، ويناقشني فيها محترمًا عقلي وآدَميتي،
كنت آمُل أن أجد حينها من يؤسس وعيي بأبعاد هذه القضايا التي ستؤثر في مسار حياتي ولا ريب.
والحمد لله تعالى أن وجدته ولكن بعد حين ")
.
هي دعوةٌ للآباء أن افتحوا لأولادكم قلوبكم وعقولكم قبل آذانكم لمناقشة هذه الأسئلة، وإن عجزتم عنها، فأحيلوا أولادكم على مَن تظنّوه أهلا لها.. لكنْ أرجو ألا تحقِروا عقولهم، أو تحتكروا مستقبلهم، أو تزايدوا على إرادتهم وتبتزوا مشاعرهم.
أعطوهم فرصة للتفكير والبحث واستكشاف أنفسهم، وفرصة للعودة سريعًا إذا ركبوا القطار الخطأ.
.
وأما عن طلبك يا سيدي فهو مشروع ومهمّ، ومعروف في بلاد العالم باسم (التوجيه الأكاديمي - Academic Advising) أو (الإرشاد التعليمي - Educational Counseling)
والذي من مهامه أن يساعد الطلاب على اكتشاف أنفسهم وميولهم وتنمية قدراتهم ومهاراتهم ومعارفهم، واختيار مسارهم الدراسيّ والمِهَني الأنسب لهم، لكنه مجال لا يُكترث له هنا في مدارسنا، إلا من رحم ربي.
.
وأسأل الله سبحانه أن ييسره ويرزقني همةً وبيانًا أستعين به على قضاء حقوقٍ نام قاضيها، فأبشر ")
من القواعد الذهبية التي غيرت حياتي وتفكيري ١٨٠ درجة، ورسمت لي منهجا جديدا في حياتي وبحثي ودراستي وزواجي واجتماعياتي:

القصص المؤثرة ليست مصادر علمية!

مما رُبيت عليه في مِصر، ومازلتُ أعاني آثاره إلى اليوم، وأراه سببًا رئيسًا في الكثير من مشكلاتنا العلمية والمهنية والاجتماعية - ثقافة (القصص)، لا العلم.
.
* أحضر دورات في العلاقات وتأهيل المقبلين على الزواج وغيره من القضايا الاجتماعية، تسمع فيها قواعد ومبادئ، فتسأل ما الدليل على هذا؟
وخلاصة الجواب: أعرف فلان صاحبي عمل كذا وحصل معاه كذا.. وأسرتي وعائلتي فيها كذا وكذا.. وتجربتي الشخصية تقول كذا.
.
قصص جميلة ومؤثرة حقًا.. لكن ما دلالتها؟ هل يصح انتزاع قواعد عامة منها؟ لا جواب.
هل ثمة دراسات بحثت هذه المسألة؟ أبحاث؟ استطلاعات رأي؟ إحصائيات؟ أرقام؟
الجواب: اه طبعا.. هتلاقي كتير لو دوّرت!
.
* لما فكرت أن أُدرّس، حسبت جميع من حولي -ممن تصدروا للتدريس- درسوا شيئا عن التدريس والمواد التربوية،
والمفاجأة أن لا!.. الغالب يُدرّس بالطريقة التي درس بها ووجد عليها أستاذه وشيخه، أي بالطريقة التي نفعت معه في "قصته الشخصية".
أو حصّلوا الدبلوم التربوي لأجل الشهادة.. لكن لا يفهمون شيئا في محتواها.. وأهي الدنيا ماشية.. وماتحبكهاش يا منصف ")
.
* تريد أن تتعلم اللغات، تبحث فتجد لكلٍ منهجه الذي وضعه وفق تأملاته الخاصة وتجربته الشخصية في تعلم اللغة، قصتك جميلة لكن هل تصلح مع كل أحد؟ وهل الفرص والظروف التي توفرت لك تتوفر لغيرك؟ وإن حدث فهل سيتفاعل معها كتفاعلك؟ هل شخصيته مثلك؟ جيناته مثلك؟ ثقافته وأسرته وبيئته وتربيته مثلك؟
هل اعتمدت على دراسات في اللسانيات النفسية (psychologistics) عن كيفية تعلم اللغات؟
الجواب غالبا: لا، لكن جربتها ونفعت! وبعدين إيه اللسانيات دي أصلا؟
.
* تقرأ بوستات وتشاهد فيديوهات عن جرائم صارت "ظاهرة اجتماعية" في مصر، وأتساءل: كيف عرفت أنها ظاهرة؟ وتعرف مدلول هذه الكلمة علميا؟
فيحكي لك تلت أو أربع قصص حوله على كام خبر وتريند انتشروا! وبذلك يرى أنه أقام الحجة!
فتقول له: يا سيدي أنا مش هناقشك في هذه القصص.. هب أنك في السنوات الأخيرة سمعت عن (مليون) جريمة من هذا النوع... وأنا متأكد أن نسبة ما سمعت أقل من ذلك بكثير جدا.. لكن ولنفترض = ما دلالة ذلك؟
نسبة المليون في بلدنا كام؟ ١ على ١٢٠.. يعني ٠.٨٣ ٪.. يعني مكملوش ١٪!! وأنت جعلتها (ظاهرة)!
عملت إحصائية دالة؟ وجمعت فيها من أعمار مختلفة وأجناس مختلفة وأديان مختلفة ومناطق مختلفة وشرائح اجتماعية مختلفة؟
طيب بحثت عن وجود علاقة بين هذه المتغيرات؟
طيب قارنت الأرقام دي بنسب سابقة؟ ولو فيه زيادة فعلا.. هل عملت اختبارات إحصائية -كما هو معروف في علم الإحصاء الاجتماعي- تتأكد إن الزيادة دي ليست طبيعية وإنما تنم عن خلل وخطر جديد طرأ على المجتمع ويحتاج إلى وقفة؟ أو بلغة الإحصائيين تتأكد إن الفرضية مش صفرية ولكنها ترجح الفرضية البديلة؟
.
طبعا الجواب غالبا ما يكون: وه! والله كبرتوا الموضوع يا شباب.. و القصة واضحة ومش محتاجة كل الفزلكة والفلسفة الفارغة بتاعة العيال المثأفة دي.
فبتقول: تمام زي الفل.. ع وضعك.
.
حد علمنا في المدارس مبادئ في إدارة أموالنا الشخصية؟ أو أعمالنا ومشاريعنا الخاصة؟.. لا.. وعليه فنحن ننفق ونعمل كما رُبينا ورأينا، حتى لو كان خطأ.. لأن الرد السحري واضح وسهل: الناس كلها بتعمل كده والدنيا ماشية وماتكبرش الموضوع.
.
حد علمنا بعض مبادئ "علمية" في التربية؟
نفس الكلام غالبا، إحنا بنربي زي ما اتربينا وأهالينا ماحتاحوش كل الكلكعة بتاعتكم دي وأدينا عشنا وكبرنا وزي الفل")
إلا من رحم ربي وعصم وقرر يخرج عن التيار، ويقول أنا جاهل يا شباب ومحتاج أتعلم ودي أولوية عندي.. فعلموني، ليخوض بعد ذلك رحلة تعلمه وبحثه عن النموذج الأقوم.
.
العلم يحترم الخبرة والتجربة الشخصية بلا شك، لكن يضعها في موضعها المناسب دون تهوين أو تهويل،
.
وإن كان للعلم ثمرةٌ واحدة تكفيه شرفًا وعزًا: أن يعلّمك أن الحياة أوسع مني ومنك، وأن أعراف قريتي ليست قوانين الكون، وطبيعة شخصيتي ليست بالضرورة معيار "السواء النفسي" و"الفطرة السليمة"- آهٍ من كلمة الفطرة تلك التي انتُهك عرضُها في خطاباتنا اليومية من شدة غموضها في الأذهان واللسان.
.
حينها فقط صرت أقل قطعًا في الظنيات، وظنا في القطعيات، وأوسع صدرًا لاختلاف الناس، وأرجح عقلًا في تحليل القضايا، وأخف إنكارًا على غيري.. وأرحم بنفسي والناس.

ومازالت الرحلة طويلة وماتعة :")

فاللهم علمنا ما جهلنا وأخرجنا من ضيق أنفسنا إلى سعة رحمتك!
قال أحد الصالحين:
إني لأحب أن أشرب الماء البارد على الظمأ لأستخرج من قلبي "الحمد لله" ")

اللهم قنا عذاب النار واسقنا من يد حبيبك النبي شربة لا نظمأ بعدها أبدًا ")
في نقاشٍ مع صديقٍ عن قيمة العمل (الوظيفة) سألتُه:

- هَب أنّي رجل صاحب أملاك وعقارات، وأقتات منها ما يغنيني عن كل وظيفة وعمل، وتفرّغتُ بقية حياتي للصلاة والصيام والقرآن والذّكر وطلب العلم وصلة الأرحام والأنشطة الخيرية والسفر وغيرها، لكنّي لا أعمل، أو (عاطل) في رواية أحدهم، ولستُ مهتمًا بتوسيع مصدر دخلي عن هذا الحدّ = هل في ذلك مشكلة؟ هل يقدح هذا في رجولتي طيب؟ هل يخدش في قيمة وجودي وحياتي؟

فتردد كثيرًا، ثم قال: ولكنْ قيمة كل امرئ فيما يحسنه!

قلتُ له: نعم صحيح، هذه قيمة إضافية فوق قيمته الإنسانية، وقيمته الإيمانية، ثم هب أنّي أُحسن الصلاة وتلاوة القرآن والذّكر والدعاء والصيام ومراقبة نفسي وتهذيبها من أدرانها، هل هذا مما له قيمة؟

لو أنّي أعرّف نفسي على أني إنسان، وابن، وزوج، وأخٌ، ولي أسرة أحبها وأرعاها، ولي اهتمامات أقضي فيها وقت فراغي في استمتاع.. هل ثمة مشكلة؟ هل ثمة قطار ما سيفوتي وصوت صافرته يُدوّي في أذنك الآن؟

أم لا بُد أن أكون رائد أعمال وأتعلم اللغات وتحليل البيانات والتسويق الإلكتروني والذكاء الاصطناعي وأحسنَ شيئًا من هذا وأخوض معركة سوق العمل وآخذ لقبًا وظيفيًا ليكون لإحساني قيمة؟!
.
هنا سكتَ صديقي، وعنياه تفكّر في الكلام.
.
وأحب أن أطرح هذه الفرضية الذهنية على أصدقائي لسبب وحيد:
أن أقوم بعملية جراحية ذهنية أحاول أن أستأصل فيها ورمًا خبيثًا غُرس في عقول كثير منا بفعل السينما والإعلام وغيره من الروافد الثقافية التي تُموّلها وتُحرّكها الشركات العالمية وقواها الخشنة والناعمة.
.
هذا الورم اسمه: عدمية اللاوظيفة!
أي: لا قيمة لوجود الإنسان دون (Title) وظيفيّ.
.
نعم كتبتها بالإنجليزية لأن كلمة الـ (Title) تلك حُمّلت بخيالات ومشاعر ومعانٍ وآمال، وفي رحمها أفلامٌ ومسلسلات ومحاضرات تحفيزية ودورات سيرة ذاتية وسياقات كثيرة أريدك أن تستحضرها معي الآن.
.
إن استأصلنا هذا الورم العقديّ الخبيث = فلا إشكال عندي بعدها أن تكتب الشِّعر في حبك لوظيفتك، وأن تضع تعريفك الوظيفي في منصات التواصل لأغراض مِهنية، وأن تسعد بما تنجزه في مهنتك، وبما يفتح الله عليك فيه، ما دمتُ تعرف قيمتك الإنسانية باعتبارك مخلوقًا مُكرمًا من رب العزة سبحانه واصطفاه على سائر خلقه وسخر له البر والبحر وأرسل له خير خلق الله ليُخرجه من الظلمات إلى النور، وتُعظّم كلمة التوحيد التي تحملها في صدرك، وتعظّم ما عظّمه الله سبحانه من أقوالك وأفعالك، وتطلب الحوائج بعزّ الأنفس لأن الأمور تجري بالمقادير - وإن جُرِّدْتَ من جميع الـ (Titles) والرُتب.
.
ولا إشكال فيمن يعمل لا عشقًا في عمله، ولكن لأنه (بيأكّل لقمة حلال) يُطعمها بطنه وأهله آخر اليوم.. بل هو عمل شريف عظيم.. حتى وإن أخذت بأسباب التكسب ثم قدَر الله رزقَه عليك ولم يبسطه ابتلاءً لك أتصبر أم تجزع.
.
كما لا إشكالَ إن كنتَ لا تزال تبحث عن مجالك ومهنتك إلى الآن، أو غيّرتَ (كاريرك) غير مرة؛ لأنك حينها ستبحث عنه بقلب مطمئن ونفس ممتلئة، لا بقلب فارغ يهرع وراء أي (تاتيل) يستر به نفسه من أعين الناس التي تنهشه وتُشعره بعدمية قيمته! فتقع في الحالة التي أسميها (غُربة اللاوظيفة)، وهي الحالة التي يشعر فيها الإنسان أنه قد صار على هامش الحياة كأنه كائن شفاف يمرّ بين الناس دون أن يلحظه أحد؛ ينتظر إلهَ (التاتيل) ليُخرِجه من دائرة العدم إلى الوجود.
.
ولا إشكال عندي بعدها أن نتناقش في عمل المرأة؛ إذ الكلام حيئنذ سيكون من جنس نقاشنا في عمل الرجل أصلًا، وفي عمل الإنس والجان في عصرنا العجيب هذا، وفي بلادنا العزيزة وأسواق عملنا المشجّعة على كل خير.
.
وقديمًا، لما استصغر الخليفة عمر بن عبد العزيز غلامًا يتزعم قومَه ويتكلم باسمهم، وقال له: ارجع أنت، وليتقدم من هو أسنّ منك،

قال له الغلام:

أيَّد الله أميرَ المؤمنين، المرءُ بأصغريه، قلبِه ولسانه، فإذا منحَ اللهُ العبدَ لسانًا لافِظًا، وقلبًا حافظًا، فقد استحقّ الكلام، ولو أنَّ الأمرَ يا أميرَ المؤمنينَ بالسنّ، لكان في الأمة من هو أحقُّ منك بمجلسك هذا!
مع اختراع الآلة الحاسبة والارتكان إليها حصل ضمورٌ شديد عند عامة الناس في القدرة العقلية على حل أبسط العمليات الحسابية التي كان يُجريها أجدادنا بسهولة شديدة في المواصلات والأسواق، حتى لتجد الصبيّ التبّاع في ميكروباص (الذي يجمع الأُجرة)، أمهر في تلك العمليات من أستاذٍ بكلية الهندسة.
.
ومع اختراع الآلة الكاتبة، فقد كثير من الناس قدرتهم على إمساك القلم والكتابة به كتابةً صحيحةً لمدة طويلة دون أن تتألم أصابعه وتتعرق، ناهيك عن أن يكتب بخطٍ جميل، وفقدنا بذلك ملكات كثيرة مازالت الدراسات تبحث أثرها على المعرفة والتعلم إلى اليوم.
.
ومع اختراع الكمبيوتر، ثم الإنترنت، ثم جوجل وإخوته، فقدنا ملكات عقلية وعلمية الله بها عليم! ناهيك عما طرأ على مستوى الشعور والقلب.
.
أما الآن، في عصر الشات جي بي تي وإخوته، فالتقنية تسطّر فصلًا جديدًا ومختلفًا تمامًا عن كل ما سبق، فصل بعنوان (بلاهة الإنسان)!

الإنسان الذي كان يكسل أن يُجهِد عقله قليلًا في بعض العمليات الحسابية ارتكانًا للآلة، اليوم لن يُجهد عقله -تقريبًا- في أي شيء!
.
اليوم لن يقرأ منشوري هذا، وربما ينسخه على شات ويقول له اختصره لي في سطرين، ثم اشرحه لي، ثم انقده، ثم اكتب لي منشورًا مثله لأنشره على صفحتي، واجعله أكثر فصاحةً وبلاغةً، ثم صمم لي صورةً تناسب الموضوع، ثم ائتني بمصادر ودراسات علمية تتعلق بالفكرة أضعها في التعليقات، محلية وأجنبية، لأتزيا بزيّ الباحثين والعلماء، ثم اجمع لي أفكارًا مماثلة من أشهر الكتّاب والمنشورات والمقاطع الرائجة، واجعلها في كتابٍ، ودققه لُغويًا وعلميًا، ونسّقه ليكون صالحًا للنشر، وزِد عليه رسومات وصورًا توضيحية، وضع على الغلاف اسمي، مع تعريف جذاب لي وللكتاب في ظهر الكتاب، ثم ابحث عن دور نشرٍ تنشره، وتواصل معها، ثم قطّعه أجزاء، واجعل من كل جزء نصًا صوتيًا بأصوات متنوعة ذكورًا وإناثًا، كبارًا وصِغارًا، ثم صمم لي بهذه النصوص فيديوهات وأضف إليها بعض المؤثرات البصرية والصوتية والتحريك، لأصمم قناة يوتيوب لتعليم الناس الخير، وصفحات على مواقع التواصل لإعادة نشر هذه النصوص بالصياغة المطوّرة، ثم صمم لي هُوية ذهنية وبصرية وضع لي خطة تسويقية كاملة للترويج للكتاب والقناة والصفحات في مختلف المنصات، ثم تواصل مع العملاء وحصّل منهم الأموال في الحسابات الفلانية، ثم قُل لي كيف أنفق هذه الأموال وأستثمرها.. إلخ.

لاحظ عزيزي الإنسان أنّ كل ما سبق يمكن أن يحدث في دقائق أو سويعات محدودة من يومٍ واحد!
ولاحظ أن الذي كتب للشات كل هذا لم يستهلك من ذهنه وقدراته العقلية إلا بقدر ما يُحسن صياغة طلبه لا غير! أما هو فلم يُفكّر ولم يُجهِد عقله -بربع جنيه- في أيٍ مما سبق!

فهل تتخيل كم المهارات والملكات التي ستفقدها البشرية في هذا العصر؟ وهل يسعنا أن نتوقع الآن كم المِهَن والوظائف التي انقرضت بالفعل أو في طريقها إلى ذلك في المدى القريب؟

هذا العصر، عصر ذكاء الآلة وبلاهة الإنسان، سيكون الأصل فيما وفيمن حولنا هو الزيف! بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وسنبحث عن الحقيقة، وننقّب عن الصدق، ونفتّش عن الإنسان بحثَنا عن إبرة في عالَمٍ من قَش!

في هذا العصر، سنحتاج إلى إعادة تعريف الأبجديات، والمناقشة في البدهيات!
سنحتاج إلى أن نسأل من جديد: ما الوعي؟ وما التفكير؟ وما العلم؟ وما الإبداع؟ وما التعلم، والتعليم؟ وما العلاج النفسيّ؟ وما البحث؟ والترجمة؟ والكتابة؟ والأدب؟ والفنّ؟ والتربية...؟

وسنسأل هذه المرّة بمنتهى الشك والجدية:
ما الإنسان؟!
من أجمل ما أنت صانع في حياتك أن تقول كلمةً طيبة تنقذ إنسانًا من وحل جلده وظلمة شكه وهمه!
أرجوكم.. قولوا للناس الحلوة الي في حياتكم إنهم ناس حلوة.. وبيعملوا حاجة حلوة... خليكم إنتم الصوت الخارجي البديل الذي يقاوم صوتهم الداخلي الذي لا يحسن إلا التبكيت والتشكيك والاتهام والذم والهدم!

قولوا لهم إنتم كويسين.. إنهم كفاية.. إنهم مقبولين ومحبوبين كما هم.. إنهم بيسعوا وبيحاولوا.. وسعيهم متشاف ومتقدّر!

اعملوا لهم منشن.. أو مكالمة.. أو رسالة.. وقولوا لهم شكرا على كل حاجة حلوة شوفتوها فيهم.. وشكرا لكل موقف نبيل عملوه معاكم.. وفكروهم بمميزاتهم وبالحاجات الي حبيتوها فيهم.

الله ﷻ يقول: وقولوا للناس حُسنا!

وسيدنا النبي ﷺ يقول:
"لا تحقِرن شيئا من المعروف أن تأتيَه..[..] ولو أو تؤنس الوحشان بنفسك".

وقال سيدنا ﷺ:
"من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة".

الكلمة الطيبة قد تكون هي من تُدخل صاحبها الجنة، بل وترفع درجاته فيها، "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يكتب له بها درجات".

بالله ماتبخلوش بالكلمة.. الكلمة ياما أحيت نفوس!

"ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا".
يحتاج الإنسان إلى درجة من النضج النفسي تجعله يتخلى عن وهم إصلاح الكون واحتمال الجميع، ليرحّب بالعداوات عن طيب خاطر، لا يطلبها، ولكن إنْ فُرضت عليه رحّبَ بها وقلبه مسلّم لأقدار الله سبحانه،

هناك نفوس يحسُن بك أن تحتمل أذاهم وتغفر زلاتهم وتستبقي وُدهم، وإن ساءك عيبهم قلتَ لنفسك: مَن ذا الذي ما ساء قط ومَن له الحُسنى فقط؟!
.
وثمة نفوس يحسُن بك أن تقطع صلتك بهم اليوم قبل الغد؛ وكلما تأخرت أكثر في النزول من القطار الخاطئ زادت كُلفة العودة.
.
وهذا لتستبقي الحد الأدنى من الوُد تجاه أخيك في الإنسانية والإسلام.. ويقولون: الحُر من راعى وداد لحظة، وأحيانا يكون الفراق هو عين المراعاة وصيانة هذه اللحظة!

هنا يقتضي العقل أن تشرب الدواء المُر، أن تكف عن دور الشمعة التي تحترق لأجل الآخرين،
أن ترحب بالعداوات، وتقول بنفَس هادئ ونفْس راضية:

سأدعو لك بالخير يا عزيزي، لكنْ جاءت محطة نزولي؛ فلنفسي عليّ حق، وأتمنى لك رحلة سعيدة وبصيرة نافذة، إلى اللقاء.
.
فإن رأيتَ في مزيد الكلام فائدةً فجُد به، وإلا ففي الأيام كفاية للبيان،
كما يقول طرفة:
ستُبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلًا.. ويأتيكَ بالأخبارِ ما لم تُزوِّدِ