على منهاج النُّبُوَّة ١٠٣
هلَّا مع صاحب الحق كنتم!
جاء أعرابي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتقاضاه ديناً عليه، فأغلظَ القول، حتى أنه قال: أُحرِّجُ عليكَ إلا قضيتني!
فانتهره الصحابة وقالوا: ويحكَ أتدري من تُكلِّم؟!
فقال: إني أطلبُ حقي!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهم: هلَّا مع صاحب الحقِّ كُنتم!
ثم أرسلَ إلى خولة بنت قيس، فقال لها: إن كان عندكِ تمرٌ فأقرضينا حتى يأتينا تمركِ فنقضيكِ!
فقالت: نعم، بأبي أنتَ وأمي!
فأقرضته، فأعطى للأعرابي، وزاده عن حقه!
فقال الأعرابيُّ: أوفيتَ أوفى اللهُ لكَ
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أولئك خيار الناس، إنه لا قُدِّسَتْ أُمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع/من غير أن يُصيبه أذى!
الدُّنيا لا تلبثُ على حال، وقلما تستقيمُ لأحد، يوم عُسر ويوم يُسر، يوم صحة ويوم مرض، يوم سعادة ويوم كدر، وهي بأمر الله لا تكفُّ عن مفاجئتنا، يحسبُ الإنسان حساباً ثم يشاء الله آخر! وقد ينزلُ بالإنسان أمر يضطره أن يستدين، والناس لبعضها، ومن فرَّج عن مسلمٍ كربةً من كُرَبِ الدنيا، إلا فرَّج الله عنه كُربةً من كُرَبِ الآخرة، على أن المدين يجب أن يُقابل الدائن بالإحسان، يكفي أنه مدَّ له يد العون، فلا يُماطل إذا جاء وقت السداد، وإذا لم تتيسر أموره فمن النُبل أن لا يُطنش بل أن يُخبره بتعسُّرِ أمره ويطلب مهلة أخرى!
لا يُحتملُ من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُخلف وعده، والأعرابي جاء يطلبُ دينه لحاجةٍ وقعتْ به قبل أن يحين وقتُ السَّداد، فأغلظَ القول، وقال كلاماً بأسلوبٍ فظٍّ ما كان ينبغي أن يُقال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رفضَ تعنيف الصحابة للأعرابي على سوء أسلوبه، لأن سوء الأسلوب لا يُلغي أنه صاحب الحق، وأخبرهم أنهم كان يجب أن يقفوا مع صاحب الحق!
علينا أن نفهم أن صاحب الحق قد يطلبه بأسلوبٍ فظٍّ، ربما صاحب الدين قال كلاماً قاسياً، والزوجة المظلومة زادتْ في شكواها، والعامل الذي أُكِل حقه لجأ إلى التشهير، هذه الأساليب لا تُلغي أن لهم حقاً وعلى من يستطيع إعانتهم في نيل حقوقهم أن يُعينهم، ثم بعد ذلك نُصح وإرشاد عن أدب استيفاء الحقوق، أما أن نُعطي صاحب الحق درساً في التربية المدنية، وأدب التخاطب دون مساعدته لنيل حقه، أو إخباره أنه صاحب حق على الأقل فمثالية زائدة!
أما أن نأكل حق إنسان لسوء أسلوبه، فنجعل هذه مقابل تلك، فهذا ليس من الإسلام في شيء، أنتَ مطالب أن تدفع ما عليكَ ولستَ مطالباً أن تربي الناس!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
هلَّا مع صاحب الحق كنتم!
جاء أعرابي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتقاضاه ديناً عليه، فأغلظَ القول، حتى أنه قال: أُحرِّجُ عليكَ إلا قضيتني!
فانتهره الصحابة وقالوا: ويحكَ أتدري من تُكلِّم؟!
فقال: إني أطلبُ حقي!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهم: هلَّا مع صاحب الحقِّ كُنتم!
ثم أرسلَ إلى خولة بنت قيس، فقال لها: إن كان عندكِ تمرٌ فأقرضينا حتى يأتينا تمركِ فنقضيكِ!
فقالت: نعم، بأبي أنتَ وأمي!
فأقرضته، فأعطى للأعرابي، وزاده عن حقه!
فقال الأعرابيُّ: أوفيتَ أوفى اللهُ لكَ
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أولئك خيار الناس، إنه لا قُدِّسَتْ أُمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع/من غير أن يُصيبه أذى!
الدُّنيا لا تلبثُ على حال، وقلما تستقيمُ لأحد، يوم عُسر ويوم يُسر، يوم صحة ويوم مرض، يوم سعادة ويوم كدر، وهي بأمر الله لا تكفُّ عن مفاجئتنا، يحسبُ الإنسان حساباً ثم يشاء الله آخر! وقد ينزلُ بالإنسان أمر يضطره أن يستدين، والناس لبعضها، ومن فرَّج عن مسلمٍ كربةً من كُرَبِ الدنيا، إلا فرَّج الله عنه كُربةً من كُرَبِ الآخرة، على أن المدين يجب أن يُقابل الدائن بالإحسان، يكفي أنه مدَّ له يد العون، فلا يُماطل إذا جاء وقت السداد، وإذا لم تتيسر أموره فمن النُبل أن لا يُطنش بل أن يُخبره بتعسُّرِ أمره ويطلب مهلة أخرى!
لا يُحتملُ من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُخلف وعده، والأعرابي جاء يطلبُ دينه لحاجةٍ وقعتْ به قبل أن يحين وقتُ السَّداد، فأغلظَ القول، وقال كلاماً بأسلوبٍ فظٍّ ما كان ينبغي أن يُقال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رفضَ تعنيف الصحابة للأعرابي على سوء أسلوبه، لأن سوء الأسلوب لا يُلغي أنه صاحب الحق، وأخبرهم أنهم كان يجب أن يقفوا مع صاحب الحق!
علينا أن نفهم أن صاحب الحق قد يطلبه بأسلوبٍ فظٍّ، ربما صاحب الدين قال كلاماً قاسياً، والزوجة المظلومة زادتْ في شكواها، والعامل الذي أُكِل حقه لجأ إلى التشهير، هذه الأساليب لا تُلغي أن لهم حقاً وعلى من يستطيع إعانتهم في نيل حقوقهم أن يُعينهم، ثم بعد ذلك نُصح وإرشاد عن أدب استيفاء الحقوق، أما أن نُعطي صاحب الحق درساً في التربية المدنية، وأدب التخاطب دون مساعدته لنيل حقه، أو إخباره أنه صاحب حق على الأقل فمثالية زائدة!
أما أن نأكل حق إنسان لسوء أسلوبه، فنجعل هذه مقابل تلك، فهذا ليس من الإسلام في شيء، أنتَ مطالب أن تدفع ما عليكَ ولستَ مطالباً أن تربي الناس!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١٠٤
غيِّرْ عتبة بابك!
تركَ إبراهيم عليه السَّلام بأمرٍ من الله سبحانه زوجته هاجر وابنها الرَّضيع إسماعيل عليه السَّلام في مكة، ثم كانتْ حادثة ماء زمزم الشهيرة، وساقَ الله سبحانه قبيلة جرهم لتُؤنسهم، وشبَّ إسماعيل عليه السَّلام بينهم، وتعلَّمَ العربيَّة منهم، ثم زوَّجوه امرأة منهم، ثم ماتتْ أُمنا هاجر، وجاءَ إبراهيم عليه السَّلام ينظرُ ما حلَّ بهم، وذهبَ إلى بيتِ إسماعيل عليه السَّلام، فسألَ زوجته عنه، فقالت: خرجَ يبتغي لنا/يُحصِّل معيشتنا. ثم سألَها عن حالِهم ومعاشِهم، فقالتْ: نحن في شرٍّ، نحن في ضِيقٍ وشِدَّة، وأخذتْ تشكو إليه وهي لا تعلم من هو.
فقال لها: إذا جاءَ زوجكِ فاقرئي عليه السَّلام، وقولي له يُغيِّر عتبةَ بابه!
فلما جاء إسماعيل عليه السَّلام، كأنَّه شعرَ بشيءٍ فسأل زوجته: هل جاءكم من أحد؟
فقالتْ: نعم، جاءنا شيخٌ أوصافه كذا وكذا، فسألنا عنكَ فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرْتُهُ أننا في فقرٍ وشِدَّة!
فقال لها: وهل أوصاكِ بشيء؟
فقالت: نعم، أمرَني أن أقرأ عليكَ السَّلام، ويقول لكَ غيِّرْ عتبة بابكَ!
قال: ذاكَ أبي، وقد أمرَني أن أُطلِّقكِ، الحقي بأهلكِ!
لم يَعِبْ إبراهيم عليه السَّلام زوجة ابنه في عرضها، معاذ الله،ثم إنَّ بيوت الأنبياء معصومة من هذا وإن لم تُعْصَمْ من الكُفر! وخيانة زوجتي نوحٍ ولوطٍ عليهما السَّلام الواردة في القرآن هي خيانة العقيدة والكفر لا خيانة الفِراش! ولكنه عابَ عليها كثرة نقها وشكواها وقِلة رضاها، فالمرأة كثيرة الشكوى والتبرُّم من أمور الرزق نائبة من نوائب الدَّهر، والرجال كذلك!
إسماعيل عليه السَّلام لم يَدَّخِر جهداً لتأمين قوت أهله باعتراف زوجته التي قالتْ خرج يبتغي لنا، ولكنها امرأة شَغَلَها النظر إلى ما في أيدي الناس عن النظرِ إلى ما في يدها فأدى ذلك إلى كفران النعمة، لهذا أمره أن يُطلِّقها!
وكذلك أمرَ عُمر بن الخطاب ابنه أن يُطلِّقَ زوجته فامتثلَ لأمره.
وجاءَ رجلٌ إلى الإمام أحمد يسأله في أمر أبيه الذي أمره أن يُطلِّق زوجته، فسأله: هل تعيب عليها شيئاً في دينها؟
فقال: لا
فقال له: فلا تُطلِّقها!
فقال: ولكن إبراهيم عليه السَّلام، وعُمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرا ابنيهما بطلاق زوجتيهما ففعلا.
فقال له: إن كان أبوكَ كإبراهيم عليه السَّلام وعمر بن الخطاب فطلِّقها!
خُلاصة الكلام أن الابن ليس مأموراً بطلاقِ زوجته إن كان دينها حسناً، وليس من البِرِّ طاعة الأبوين في خراب البيوت، وخسارة امرأة صالحة، على أن بِرَّ الآباء والأمهات واجب وإن كرها الزوجة!
هذه الدنيا دار امتحان، والرزقُ من امتحانات الله في الدنيا، وعلينا أن نتأدَّب مع الله، ونرضى بأقداره، دون ترك أسباب الرزق، والإقبال على المِهن والأعمال، والرِّضا عن قسمة الله غنى، والسخط فقر آخر، وعلى الأهل أن يتقوا الله ولا يسعوا في خراب بيوت أبنائهم!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
غيِّرْ عتبة بابك!
تركَ إبراهيم عليه السَّلام بأمرٍ من الله سبحانه زوجته هاجر وابنها الرَّضيع إسماعيل عليه السَّلام في مكة، ثم كانتْ حادثة ماء زمزم الشهيرة، وساقَ الله سبحانه قبيلة جرهم لتُؤنسهم، وشبَّ إسماعيل عليه السَّلام بينهم، وتعلَّمَ العربيَّة منهم، ثم زوَّجوه امرأة منهم، ثم ماتتْ أُمنا هاجر، وجاءَ إبراهيم عليه السَّلام ينظرُ ما حلَّ بهم، وذهبَ إلى بيتِ إسماعيل عليه السَّلام، فسألَ زوجته عنه، فقالت: خرجَ يبتغي لنا/يُحصِّل معيشتنا. ثم سألَها عن حالِهم ومعاشِهم، فقالتْ: نحن في شرٍّ، نحن في ضِيقٍ وشِدَّة، وأخذتْ تشكو إليه وهي لا تعلم من هو.
فقال لها: إذا جاءَ زوجكِ فاقرئي عليه السَّلام، وقولي له يُغيِّر عتبةَ بابه!
فلما جاء إسماعيل عليه السَّلام، كأنَّه شعرَ بشيءٍ فسأل زوجته: هل جاءكم من أحد؟
فقالتْ: نعم، جاءنا شيخٌ أوصافه كذا وكذا، فسألنا عنكَ فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرْتُهُ أننا في فقرٍ وشِدَّة!
فقال لها: وهل أوصاكِ بشيء؟
فقالت: نعم، أمرَني أن أقرأ عليكَ السَّلام، ويقول لكَ غيِّرْ عتبة بابكَ!
قال: ذاكَ أبي، وقد أمرَني أن أُطلِّقكِ، الحقي بأهلكِ!
لم يَعِبْ إبراهيم عليه السَّلام زوجة ابنه في عرضها، معاذ الله،ثم إنَّ بيوت الأنبياء معصومة من هذا وإن لم تُعْصَمْ من الكُفر! وخيانة زوجتي نوحٍ ولوطٍ عليهما السَّلام الواردة في القرآن هي خيانة العقيدة والكفر لا خيانة الفِراش! ولكنه عابَ عليها كثرة نقها وشكواها وقِلة رضاها، فالمرأة كثيرة الشكوى والتبرُّم من أمور الرزق نائبة من نوائب الدَّهر، والرجال كذلك!
إسماعيل عليه السَّلام لم يَدَّخِر جهداً لتأمين قوت أهله باعتراف زوجته التي قالتْ خرج يبتغي لنا، ولكنها امرأة شَغَلَها النظر إلى ما في أيدي الناس عن النظرِ إلى ما في يدها فأدى ذلك إلى كفران النعمة، لهذا أمره أن يُطلِّقها!
وكذلك أمرَ عُمر بن الخطاب ابنه أن يُطلِّقَ زوجته فامتثلَ لأمره.
وجاءَ رجلٌ إلى الإمام أحمد يسأله في أمر أبيه الذي أمره أن يُطلِّق زوجته، فسأله: هل تعيب عليها شيئاً في دينها؟
فقال: لا
فقال له: فلا تُطلِّقها!
فقال: ولكن إبراهيم عليه السَّلام، وعُمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرا ابنيهما بطلاق زوجتيهما ففعلا.
فقال له: إن كان أبوكَ كإبراهيم عليه السَّلام وعمر بن الخطاب فطلِّقها!
خُلاصة الكلام أن الابن ليس مأموراً بطلاقِ زوجته إن كان دينها حسناً، وليس من البِرِّ طاعة الأبوين في خراب البيوت، وخسارة امرأة صالحة، على أن بِرَّ الآباء والأمهات واجب وإن كرها الزوجة!
هذه الدنيا دار امتحان، والرزقُ من امتحانات الله في الدنيا، وعلينا أن نتأدَّب مع الله، ونرضى بأقداره، دون ترك أسباب الرزق، والإقبال على المِهن والأعمال، والرِّضا عن قسمة الله غنى، والسخط فقر آخر، وعلى الأهل أن يتقوا الله ولا يسعوا في خراب بيوت أبنائهم!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
وذكّر 😍💪💗
على منهاج النُّبُوَّة ١٠٤ غيِّرْ عتبة بابك! تركَ إبراهيم عليه السَّلام بأمرٍ من الله سبحانه زوجته هاجر وابنها الرَّضيع إسماعيل عليه السَّلام في مكة، ثم كانتْ حادثة ماء زمزم الشهيرة، وساقَ الله سبحانه قبيلة جرهم لتُؤنسهم، وشبَّ إسماعيل عليه السَّلام بينهم،…
على منهاج النُّبُوَّة ١٠٥
ثبِّتْ عتبة بابك!
بعدما جاء إبراهيم عليه السَّلام لزيارة ابنه إسماعيل عليه السَّلام فلم يجده، ووجد زوجته، وسألَها عن حالِهم، فأكثرتْ من الشكوى من ضِيق الرزق، فأمرَه بطلاقِها، فامتثل لأمر أبيه كما تحدثنا المرة الماضية، عادَ إبراهيم عليه السَّلام مرةً أخرى لزيارةِ ابنه، فلم يجده أيضاً، ولكنه وجدَ زوجته الجديدة التي تزوَّجها بعد طلاق الأولى، فسألها عنه، فقالت: خرجَ يبتغي لنا/أي يبحث لنا عن رزق.
قال: كيف أنتم؟ وكيف عيشكم؟
فقالتْ: نحن بخيرٍ وسَعَة، وأثنتْ على اللهِ خيراً.
فقال: ما طعامكم؟
فقالت: اللحم
فقال: ما شرابكم؟
فقالت: الماء
فقال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء! ولم يكن لهم من طعام غيره وإلا لكان دعا لهم بالبركة فيه!
ثم قال لها: فإذا جاءَ زوجكِ فاقرئي عليه السَّلام وقولي له: ثبِّتْ عتبةَ بابكَ!
فلما جاء إسماعيل عليه السَّلام قال لها: هل أتاكم من أحد؟
فقالتْ: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنتْ عليه، وسألني عنكَ فأخبرته، وسألني عن عيشنا فأخبرته أننا بخير!
فقال: فهل أوصاكِ بشيء؟
قالتْ: نعم، هو يقرأ عليكَ السلام ويأمركَ أن تُثبِّت عتبة بابك!
فقال: ذاكَ أبي، وأنتِ العتبة، وقد أمرني أن أمسككِ!
إسماعيل عليه السَّلام هو إسماعيل عليه السلام مع زوجته الأولى والثانية، ليس له من طعام غير ما يصطاده بقوسه ونشابه، فقد كان من أمهر الناس بالرمي، وقد مرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أصحابه وهم يتدربون على الرمي فقال: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً! ولكن الفارق هو نظرة كل من الزوجتين إلى الرزق الذي يُحصِّله زوجها، الأولى مُتبرِّمة مُتسخِّطة، والثانية قانعة راضية، هذا لأن الغنى إنما مصدره ما في قلب المرء لا ما في جيبه!
والأولى امرأة فاضحة هاتكة للأسرار، تنشر أمور بيتها، وتشكو زوجها، والثانية امرأة ساترة حافظة للأسرار شاكرة للنعم، إن وجدتْ خيراً حمدت الله وإن وجدتْ ضيقاً صبرتْ وحمدت الله كذلك!
المرأةُ الصالحةُ القانعةُ كنزٌ من كنوزِ الدنيا فتمسَّك بها بأسنانك وأظفارك، واغفر لها ما يكون منها نظير صبرها ورضاها، فلا أحد يخلو من خطأ، وأنتَ لستَ كاملاً لتطلب فيها الكمال، ولكن ثمة صفات تغفر كل ما عداها، فلا تترك كثير خير لأجل قليل شر، فنحن لسنا أنبياء!
وعلى الأهل إن رأوا في كِنتهم صبراً ورضى، وحسن خُلُقٍ وعقل، أن يمدحوها أمام ابنهم، وأن يأمروه بالحفاظ عليها فهذا خلق الأنبياء، وما يُقال في الكِنة يُقال في الصهر أيضاً!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
ثبِّتْ عتبة بابك!
بعدما جاء إبراهيم عليه السَّلام لزيارة ابنه إسماعيل عليه السَّلام فلم يجده، ووجد زوجته، وسألَها عن حالِهم، فأكثرتْ من الشكوى من ضِيق الرزق، فأمرَه بطلاقِها، فامتثل لأمر أبيه كما تحدثنا المرة الماضية، عادَ إبراهيم عليه السَّلام مرةً أخرى لزيارةِ ابنه، فلم يجده أيضاً، ولكنه وجدَ زوجته الجديدة التي تزوَّجها بعد طلاق الأولى، فسألها عنه، فقالت: خرجَ يبتغي لنا/أي يبحث لنا عن رزق.
قال: كيف أنتم؟ وكيف عيشكم؟
فقالتْ: نحن بخيرٍ وسَعَة، وأثنتْ على اللهِ خيراً.
فقال: ما طعامكم؟
فقالت: اللحم
فقال: ما شرابكم؟
فقالت: الماء
فقال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء! ولم يكن لهم من طعام غيره وإلا لكان دعا لهم بالبركة فيه!
ثم قال لها: فإذا جاءَ زوجكِ فاقرئي عليه السَّلام وقولي له: ثبِّتْ عتبةَ بابكَ!
فلما جاء إسماعيل عليه السَّلام قال لها: هل أتاكم من أحد؟
فقالتْ: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنتْ عليه، وسألني عنكَ فأخبرته، وسألني عن عيشنا فأخبرته أننا بخير!
فقال: فهل أوصاكِ بشيء؟
قالتْ: نعم، هو يقرأ عليكَ السلام ويأمركَ أن تُثبِّت عتبة بابك!
فقال: ذاكَ أبي، وأنتِ العتبة، وقد أمرني أن أمسككِ!
إسماعيل عليه السَّلام هو إسماعيل عليه السلام مع زوجته الأولى والثانية، ليس له من طعام غير ما يصطاده بقوسه ونشابه، فقد كان من أمهر الناس بالرمي، وقد مرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أصحابه وهم يتدربون على الرمي فقال: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً! ولكن الفارق هو نظرة كل من الزوجتين إلى الرزق الذي يُحصِّله زوجها، الأولى مُتبرِّمة مُتسخِّطة، والثانية قانعة راضية، هذا لأن الغنى إنما مصدره ما في قلب المرء لا ما في جيبه!
والأولى امرأة فاضحة هاتكة للأسرار، تنشر أمور بيتها، وتشكو زوجها، والثانية امرأة ساترة حافظة للأسرار شاكرة للنعم، إن وجدتْ خيراً حمدت الله وإن وجدتْ ضيقاً صبرتْ وحمدت الله كذلك!
المرأةُ الصالحةُ القانعةُ كنزٌ من كنوزِ الدنيا فتمسَّك بها بأسنانك وأظفارك، واغفر لها ما يكون منها نظير صبرها ورضاها، فلا أحد يخلو من خطأ، وأنتَ لستَ كاملاً لتطلب فيها الكمال، ولكن ثمة صفات تغفر كل ما عداها، فلا تترك كثير خير لأجل قليل شر، فنحن لسنا أنبياء!
وعلى الأهل إن رأوا في كِنتهم صبراً ورضى، وحسن خُلُقٍ وعقل، أن يمدحوها أمام ابنهم، وأن يأمروه بالحفاظ عليها فهذا خلق الأنبياء، وما يُقال في الكِنة يُقال في الصهر أيضاً!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١٠٦
ولا تحقِرنَّ من المعروف شيئاً!
جاء سليم بن جابر الهجيمي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له: يا رسول الله أوصِني
فقال له: عليكَ باتقاء الله، ولا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تُفْرِغَ من دلوِكَ في إناءِ المُستقي، وتُكلِّمَ أخاكَ ووجهكَ منبسطٌ إليه، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المُخيلة ولا يُحبها الله.
وإن امرؤ عيَّركَ بشيءٍ يعلمه فيكَ فلا تُعيِّره بشيء تعلمه فيه، دعه يكون وباله عليه، وأجره لكَ. ولا تسُبَّنَّ شيئاً!
يقولُ جابر فما سببتُ بعده دابةً ولا إنساناً!
لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً، فإنكَ لا تدري أي حسنةٍ تُدخلكَ الجنَّة!
أن تُوقف سيارتكَ لتعبرَ قطة الطريق معروف، وأن تجرَّ قعيداً على كرسيه معروف، وأن تُعطيَ عاملاً قارورة ماءٍ معروف، وأن تحمل عن رجلٍ مسنٍ كيساً يُتعبه معروف، وأن تصلح بين زوجين معروف، وأن تتغاضى عن زوجتك معروف، وأن تصفح عن أولادك معروف، وأن تُهدي إلى جارك شيئاً معروف، وأن تُعين مريضاً في علاجه معروف، المعروف لا نهاية له، والطُّرُق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، فيا تعسَ من كثرتْ أمامه الطرق فلم يمشِ!
ولا تجعل الناس معياراً لأخلاقك إن أحسنوا أحسنتَ وإن أساؤوا أسأتَ، فلو قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة؟!
ثمة خُلقٌ نبيلٌ اسمه الترفُّع، أن لا تسمح لأحدٍ أن يُنزلكَ إلى مستوى أخلاقه، ليسَ عليكَ أن تخوضَ في كل جدالٍ تُدعى إليه، ولا أن تُشارك في كل معركةٍ تُفتح أمامك، أغلبُ معارك الحياة اليومية تافهة، ليس فيها لذة النصر وإن انتصرتَ، وفيها مرارة الهزيمة إن هُزِمتَ، عندما نتخلَّى عن أخلاقنا لنقابل الذي تخلَّى عن أخلاقه فبم نختلف نحن عنه غير أنه هو الذي كان البادئ؟!
العاقل لا يرى لنفسه ثمناً إلا الجنة، وكل قضية ليستْ طريقاً إلى الجَنَّةِ دعها، وأنتَ المُنتصر مهما كانت النتائج، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً!
والأيامُ تدورُ وصاحبُ الحقِّ مُنتصرٌ نهاية المطاف، وصاحبُ الباطلِ مغلوبٌ، هذه هي سُنة الله تعالى في الناس، الأيدي التي باعتْ يوسف عليه السَّلام بدراهم معدودة هي التي امتدَّتْ إليه تطلبُ الصدقة منه! والذين رموا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالجنون والكذب وقفوا نهاية المطاف يسترحمونه قائلين: أخ كريم، وابن أخٍ كريم!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
ولا تحقِرنَّ من المعروف شيئاً!
جاء سليم بن جابر الهجيمي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقال له: يا رسول الله أوصِني
فقال له: عليكَ باتقاء الله، ولا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تُفْرِغَ من دلوِكَ في إناءِ المُستقي، وتُكلِّمَ أخاكَ ووجهكَ منبسطٌ إليه، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المُخيلة ولا يُحبها الله.
وإن امرؤ عيَّركَ بشيءٍ يعلمه فيكَ فلا تُعيِّره بشيء تعلمه فيه، دعه يكون وباله عليه، وأجره لكَ. ولا تسُبَّنَّ شيئاً!
يقولُ جابر فما سببتُ بعده دابةً ولا إنساناً!
لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً، فإنكَ لا تدري أي حسنةٍ تُدخلكَ الجنَّة!
أن تُوقف سيارتكَ لتعبرَ قطة الطريق معروف، وأن تجرَّ قعيداً على كرسيه معروف، وأن تُعطيَ عاملاً قارورة ماءٍ معروف، وأن تحمل عن رجلٍ مسنٍ كيساً يُتعبه معروف، وأن تصلح بين زوجين معروف، وأن تتغاضى عن زوجتك معروف، وأن تصفح عن أولادك معروف، وأن تُهدي إلى جارك شيئاً معروف، وأن تُعين مريضاً في علاجه معروف، المعروف لا نهاية له، والطُّرُق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، فيا تعسَ من كثرتْ أمامه الطرق فلم يمشِ!
ولا تجعل الناس معياراً لأخلاقك إن أحسنوا أحسنتَ وإن أساؤوا أسأتَ، فلو قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة؟!
ثمة خُلقٌ نبيلٌ اسمه الترفُّع، أن لا تسمح لأحدٍ أن يُنزلكَ إلى مستوى أخلاقه، ليسَ عليكَ أن تخوضَ في كل جدالٍ تُدعى إليه، ولا أن تُشارك في كل معركةٍ تُفتح أمامك، أغلبُ معارك الحياة اليومية تافهة، ليس فيها لذة النصر وإن انتصرتَ، وفيها مرارة الهزيمة إن هُزِمتَ، عندما نتخلَّى عن أخلاقنا لنقابل الذي تخلَّى عن أخلاقه فبم نختلف نحن عنه غير أنه هو الذي كان البادئ؟!
العاقل لا يرى لنفسه ثمناً إلا الجنة، وكل قضية ليستْ طريقاً إلى الجَنَّةِ دعها، وأنتَ المُنتصر مهما كانت النتائج، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً!
والأيامُ تدورُ وصاحبُ الحقِّ مُنتصرٌ نهاية المطاف، وصاحبُ الباطلِ مغلوبٌ، هذه هي سُنة الله تعالى في الناس، الأيدي التي باعتْ يوسف عليه السَّلام بدراهم معدودة هي التي امتدَّتْ إليه تطلبُ الصدقة منه! والذين رموا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالجنون والكذب وقفوا نهاية المطاف يسترحمونه قائلين: أخ كريم، وابن أخٍ كريم!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاح النُّبُوَّة ١٠٧
اِمْحها يا عليَّ!
جاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للعُمرة قبل فتح مكة، فمنعَتْهُ قُريش من البيتِ الحرام، وبعد أخذٍ ورَدٍّ ومفاوضات، كان صُلح الحُديبية، وأرسلتْ قُريشُ سهيلَ بن عمرو سفيراً لها ليُوقِّع الصُلح نيابة عنها، وبعد الاتفاق على البنود، أمرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليَّ بن أبي طالب أن يكتبَ هذا الاتفاق ليتم التوقيع عليه. فكتبَ عليُّ بنودَ الاتفاق فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: لا نعرفُ هذا وإنما اُكتبْ باسمك اللهم، فأمرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم علياً أن يكتبَها هكذا. ثم أكملَ يقرأ هذا ما اتفقَ عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو.
فقال سهيل: لو نعلمُ أنكَ رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتبْ محمد بن عبد الله!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِعليٍّ: اِمحها يا علي واكتبْ محمد بن عبد الله
فقال عليُّ: واللهِ لا أمحوها أبداً يا رسول الله!
فطلبَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من عليٍّ أن يَدُلَّهُ عليها لأنه لا يقرأ، فدلَّه عليها فمحاها بيده الشريفة، وتمَّ الصُلح!
وهذه الحادثة إنما تُسجَّلُ في مناقب عليٍّ ولا تُعَدُّ عصياناً لأمرِ النُّبُوة، وحاشا عليُّ أن يعصيَ أمرَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنما هي الحرقة والغيرة على دين اللهِ!
ومثلُ هذا ما كان من أبي بكر يوم مرضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأمر أبا بكر أن يُصلِّيَ بالناس، وحين دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المسجد عندما شعر بتحسُّن وشقَّ الصفوف ليصل للصف الأول، واستشعرَ به أبو بكر، تراجعَ ليترك الإمامة للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمره أن يثبتَ مكانه إماماً، فأبى وتراجع، ولمّا سأله بعدها: ما منعكَ أن تثبتَ إذ أمرتك؟
فقال: ما كان لابن أبي قحافة أن يُصلي بين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم!
وفي الحياة العامة، قد يطلبُ الأبُ من ابنه الجُلوس في المقعد الأمامي، فيرفض الابن ويُصرُّ أن يركب أبوه فيه، وهذا ليس من رفض أمر الأب، على العكس هو من البِر، فهذا رفضٌ نابعٌ من الحُب والتبجيل، والمعنى واضح جلي لا يحتاج إلى مزيد توضيح!
في اِمحها يا علي دروس عظيمة يجب على الأُمَّة أن تتعلَّمَها:
1. فيها التجاوز عن الأمور الصغيرة والشكليات لحساب المضمون!
2. عدم إضاعة الوقت في الجدال العقيم والاهتمام بالنتائج!
3. لا بأس بخسارةٍ لحظِيَّةٍ لأجل فوزٍ استراتيجيٍّ!
4. التراجعُ إلى الوراء قد يكون أحياناً ضرورياً للقفز بعيداً إلى الأمام!
5. التجاهلُ والتجاوزُ من شِيَمِ العُظماء وما أحوجَنا لثقافة التجاوز مع الأقرباء والأصدقاء قبل الأعداء!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
اِمْحها يا عليَّ!
جاءَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للعُمرة قبل فتح مكة، فمنعَتْهُ قُريش من البيتِ الحرام، وبعد أخذٍ ورَدٍّ ومفاوضات، كان صُلح الحُديبية، وأرسلتْ قُريشُ سهيلَ بن عمرو سفيراً لها ليُوقِّع الصُلح نيابة عنها، وبعد الاتفاق على البنود، أمرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليَّ بن أبي طالب أن يكتبَ هذا الاتفاق ليتم التوقيع عليه. فكتبَ عليُّ بنودَ الاتفاق فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: لا نعرفُ هذا وإنما اُكتبْ باسمك اللهم، فأمرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم علياً أن يكتبَها هكذا. ثم أكملَ يقرأ هذا ما اتفقَ عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو.
فقال سهيل: لو نعلمُ أنكَ رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتبْ محمد بن عبد الله!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِعليٍّ: اِمحها يا علي واكتبْ محمد بن عبد الله
فقال عليُّ: واللهِ لا أمحوها أبداً يا رسول الله!
فطلبَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من عليٍّ أن يَدُلَّهُ عليها لأنه لا يقرأ، فدلَّه عليها فمحاها بيده الشريفة، وتمَّ الصُلح!
وهذه الحادثة إنما تُسجَّلُ في مناقب عليٍّ ولا تُعَدُّ عصياناً لأمرِ النُّبُوة، وحاشا عليُّ أن يعصيَ أمرَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنما هي الحرقة والغيرة على دين اللهِ!
ومثلُ هذا ما كان من أبي بكر يوم مرضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأمر أبا بكر أن يُصلِّيَ بالناس، وحين دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المسجد عندما شعر بتحسُّن وشقَّ الصفوف ليصل للصف الأول، واستشعرَ به أبو بكر، تراجعَ ليترك الإمامة للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمره أن يثبتَ مكانه إماماً، فأبى وتراجع، ولمّا سأله بعدها: ما منعكَ أن تثبتَ إذ أمرتك؟
فقال: ما كان لابن أبي قحافة أن يُصلي بين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم!
وفي الحياة العامة، قد يطلبُ الأبُ من ابنه الجُلوس في المقعد الأمامي، فيرفض الابن ويُصرُّ أن يركب أبوه فيه، وهذا ليس من رفض أمر الأب، على العكس هو من البِر، فهذا رفضٌ نابعٌ من الحُب والتبجيل، والمعنى واضح جلي لا يحتاج إلى مزيد توضيح!
في اِمحها يا علي دروس عظيمة يجب على الأُمَّة أن تتعلَّمَها:
1. فيها التجاوز عن الأمور الصغيرة والشكليات لحساب المضمون!
2. عدم إضاعة الوقت في الجدال العقيم والاهتمام بالنتائج!
3. لا بأس بخسارةٍ لحظِيَّةٍ لأجل فوزٍ استراتيجيٍّ!
4. التراجعُ إلى الوراء قد يكون أحياناً ضرورياً للقفز بعيداً إلى الأمام!
5. التجاهلُ والتجاوزُ من شِيَمِ العُظماء وما أحوجَنا لثقافة التجاوز مع الأقرباء والأصدقاء قبل الأعداء!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١٠٨
فشوبوا بيعكم بالصَّدقة!
مرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالسوق، فإذا الناس يتبايعون، فقال لهم: يا معشر التُّجار إن البيعَ يحضُرُه اللغو والحلفُ فشوبوا/اخلطوا بيعَكم بالصدقة!
الناسُ هم الناسُ في كل عصر، والأسواقُ هي الأسواق، هذا بائعٌ يحلِفُ ليُنفق سلعته، وهذا مُشترٍ يُفاصل ويُجادل، وهذه أمورٌ حياتية لا فكاك منها، فأرشدَهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ما فيه طهارة للمال وتنقية له ألا وهي الصَّدقة!
وحلفُ التجار المقصود به في الحديث هو الحلفُ الصَّادق، والصدقة تكون كفارةً عن استعمال اسم الله سبحانه في هذه المواضع، أما الحلف الكاذب فهو غشٌّ، ومن غشنا فليس منا!
إن كنتَ تاجراً فاجعلْ لكَ آخر النهار صدقةً يسيرةً تحتسبُها كفارةً عن لغوٍ ومُجادلةٍ حدثا وهذا شيء من الطبيعي أن يحدث، وإن أجريتَ صفقةً فاستلمْتَ ربحَها فاقتطعْ مبلغاً يسيراً للصدقة تحتسبه كفارةً وتطهيراً للمالِ لأيِّ شيءٍ حدثَ أثناء العرض والطلب، وحتى إن لم يحدثْ هذا ومن النادر أن لا يحدث فأخرِجْ صدقةً من باب الشُّكر، فبالشُّكرِ تدومُ النِّعم!
إن كنتَ موظفاً فأخرجْ صدقةً يسيرة عندما تستلم راتبك تحتسبها كفارةً عن أيِّ فُتورٍ كان منكَ أثناء أداء عملك، كلنا بشر ويحصلُ منا التقصير، ونقومُ ببعض الأشياء بجودةٍ أقل من المطلوب، أو نتأخرُ قليلاً في الحضور، أو نضطرُ للانصرافِ أبكر من المعتاد، فلتكُنْ صدقةٌ إذاً تنقية لما تبقَّى، وحتى إن كنتَ منضبطاً كالساعة، وتعمل بكفاءة كآلةٍ، وهذا قلَّما يحدث، فلتكُن الصدقة شُكراً أن لديكَ عمل ووظيفة وحولك أُناس كُثُر يشكون البطالة وقِلة الأعمال!
وإن كنتَ تستثمرُ في أسهمٍ مباحة، وجاءَ وقتُ قبضِ الأرباح، فاجعلْ لكَ صدقةً يسيرةً، ولا تقُلْ أنا لم أبِعْ ولم أحلِفْ، لعلَّ الذي باعَ واشترى لكَ قد حلف ولغا، ثم وإن فاتك مفهوم التطهير فلا يَفُتْكَ مفهوم الشُّكر!
من جميلِ قولِ عُمر بن الخطاب وفِقهه: إني لا أسأل الله الرزق فقد فرغ من قُسمته ولكني أسألُه البركة فيه!
ولا شيء أجلب للبركة من الصدقة، فبارِكوا أموالكم!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
فشوبوا بيعكم بالصَّدقة!
مرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالسوق، فإذا الناس يتبايعون، فقال لهم: يا معشر التُّجار إن البيعَ يحضُرُه اللغو والحلفُ فشوبوا/اخلطوا بيعَكم بالصدقة!
الناسُ هم الناسُ في كل عصر، والأسواقُ هي الأسواق، هذا بائعٌ يحلِفُ ليُنفق سلعته، وهذا مُشترٍ يُفاصل ويُجادل، وهذه أمورٌ حياتية لا فكاك منها، فأرشدَهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ما فيه طهارة للمال وتنقية له ألا وهي الصَّدقة!
وحلفُ التجار المقصود به في الحديث هو الحلفُ الصَّادق، والصدقة تكون كفارةً عن استعمال اسم الله سبحانه في هذه المواضع، أما الحلف الكاذب فهو غشٌّ، ومن غشنا فليس منا!
إن كنتَ تاجراً فاجعلْ لكَ آخر النهار صدقةً يسيرةً تحتسبُها كفارةً عن لغوٍ ومُجادلةٍ حدثا وهذا شيء من الطبيعي أن يحدث، وإن أجريتَ صفقةً فاستلمْتَ ربحَها فاقتطعْ مبلغاً يسيراً للصدقة تحتسبه كفارةً وتطهيراً للمالِ لأيِّ شيءٍ حدثَ أثناء العرض والطلب، وحتى إن لم يحدثْ هذا ومن النادر أن لا يحدث فأخرِجْ صدقةً من باب الشُّكر، فبالشُّكرِ تدومُ النِّعم!
إن كنتَ موظفاً فأخرجْ صدقةً يسيرة عندما تستلم راتبك تحتسبها كفارةً عن أيِّ فُتورٍ كان منكَ أثناء أداء عملك، كلنا بشر ويحصلُ منا التقصير، ونقومُ ببعض الأشياء بجودةٍ أقل من المطلوب، أو نتأخرُ قليلاً في الحضور، أو نضطرُ للانصرافِ أبكر من المعتاد، فلتكُنْ صدقةٌ إذاً تنقية لما تبقَّى، وحتى إن كنتَ منضبطاً كالساعة، وتعمل بكفاءة كآلةٍ، وهذا قلَّما يحدث، فلتكُن الصدقة شُكراً أن لديكَ عمل ووظيفة وحولك أُناس كُثُر يشكون البطالة وقِلة الأعمال!
وإن كنتَ تستثمرُ في أسهمٍ مباحة، وجاءَ وقتُ قبضِ الأرباح، فاجعلْ لكَ صدقةً يسيرةً، ولا تقُلْ أنا لم أبِعْ ولم أحلِفْ، لعلَّ الذي باعَ واشترى لكَ قد حلف ولغا، ثم وإن فاتك مفهوم التطهير فلا يَفُتْكَ مفهوم الشُّكر!
من جميلِ قولِ عُمر بن الخطاب وفِقهه: إني لا أسأل الله الرزق فقد فرغ من قُسمته ولكني أسألُه البركة فيه!
ولا شيء أجلب للبركة من الصدقة، فبارِكوا أموالكم!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١٠٩
قراءة ابن أم عبد!
جاءَ رجلٌ إلى عُمر بن الخطاب فقال: إني جئتكَ من عند رجلٍ يُملي المصاحف عن ظهر قلب!
ففزعَ عمر وغضبَ، وقال له: ويحكَ انظُرْ ما تقول!
فقال: ما جئتك إلا بالحقِّ
فقال له عمر: من هو؟
فقال: عبد الله بن مسعود
فقال: ما أعلمُ أحداً أحقّ بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك، إنّا سهرنا ليلةً في بيتِ أبي بكرٍ في بعض ما يكون من حاجة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم خرجنا ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يمشي بيني وبين أبي بكر، فلما وصلنا إلى المسجد إذا رجل يقرأ، فوقفَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يستمعُ إليه، فقلتُ له: يا رسول الله، أعتمتْ/أي تأخر الوقت فهيا نمضي، فغمزني بيده يعني اُسكُتْ.
فقرأَ، وركعَ، وسجدَ، وجلسَ يدعو ويستغفر، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: سَلْ تُعْطَ. ثم قال: من سرَّه أن يقرأ القرآن رطباً كما أُنزِلَ فليقرأ قراءة ابن أم عبد!
فعلمتُ أنا وأبو بكر أنه عبد الله بن مسعود، فلما أصبحتُ وذهبتُ إليه لأبشره، فقال لي: سبقكَ بها أبو بكر!
وما سابقتُ أبا بكرٍ إلى خيرٍ قط إلا سبقني!
الشَّاهد في القصة كيف كان الصحابة رضوان الله عليهم يُحبُّون الخير لبعضهم، ويرون في تفوق أحدهم في مجالٍ ما ثراءً لهم جميعاً، فالأمر عندهم تكامل لا تنافس، فلا يشعرون بالغيرة والحسد من نُبوغِ أحدهم، ولا تضيق صدروهم بثناء النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أحدهم، كانوا يُحبون الخير للناس كما يُحبونه لأنفسهم، كانتْ صدورهم سليمة، وقلوبهم طيبة، وها أبو بكر وعمر يتسابقان أيهما يُخبر ابن مسعود بالبُشرى!
نجاحُ الناس ليس فشلاً لكَ، وغناهُم ليس فقراً لكَ، وسعادتُهم ليستْ تعاسةً لكَ، نَقِّ قلبكَ، عوِّده الخير ومحبة الناس، علِّمه أن يفرحَ لفرحهم، ويحزن لحزنهم، سلامة الصدر أقصر طرق الجنة!
كُن رسول خير، كهُدهد سُليمان عليه السَّلام لا ينقل إلا الخبر الصحيح، وكحمامة نوح عليه السَّلام تزفُّ خبر انتهاء الطوفان، امشِ بين الناس بالخير، احمِلْ كلمة حلوة لإنسان قيلتْ عنه في غيابه، واكتمْ الكلام السيء، ولا تمشِ بالنميمة بين الناس، فتكون رسولاً لإبليس.
جاء رجلٌ إلى وهب بن منبه وقال له: إنَّ فلاناً شتمك
فقال له: أما وجدَ الشيطان رسولاً غيركَ!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
قراءة ابن أم عبد!
جاءَ رجلٌ إلى عُمر بن الخطاب فقال: إني جئتكَ من عند رجلٍ يُملي المصاحف عن ظهر قلب!
ففزعَ عمر وغضبَ، وقال له: ويحكَ انظُرْ ما تقول!
فقال: ما جئتك إلا بالحقِّ
فقال له عمر: من هو؟
فقال: عبد الله بن مسعود
فقال: ما أعلمُ أحداً أحقّ بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك، إنّا سهرنا ليلةً في بيتِ أبي بكرٍ في بعض ما يكون من حاجة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم خرجنا ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يمشي بيني وبين أبي بكر، فلما وصلنا إلى المسجد إذا رجل يقرأ، فوقفَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يستمعُ إليه، فقلتُ له: يا رسول الله، أعتمتْ/أي تأخر الوقت فهيا نمضي، فغمزني بيده يعني اُسكُتْ.
فقرأَ، وركعَ، وسجدَ، وجلسَ يدعو ويستغفر، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: سَلْ تُعْطَ. ثم قال: من سرَّه أن يقرأ القرآن رطباً كما أُنزِلَ فليقرأ قراءة ابن أم عبد!
فعلمتُ أنا وأبو بكر أنه عبد الله بن مسعود، فلما أصبحتُ وذهبتُ إليه لأبشره، فقال لي: سبقكَ بها أبو بكر!
وما سابقتُ أبا بكرٍ إلى خيرٍ قط إلا سبقني!
الشَّاهد في القصة كيف كان الصحابة رضوان الله عليهم يُحبُّون الخير لبعضهم، ويرون في تفوق أحدهم في مجالٍ ما ثراءً لهم جميعاً، فالأمر عندهم تكامل لا تنافس، فلا يشعرون بالغيرة والحسد من نُبوغِ أحدهم، ولا تضيق صدروهم بثناء النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أحدهم، كانوا يُحبون الخير للناس كما يُحبونه لأنفسهم، كانتْ صدورهم سليمة، وقلوبهم طيبة، وها أبو بكر وعمر يتسابقان أيهما يُخبر ابن مسعود بالبُشرى!
نجاحُ الناس ليس فشلاً لكَ، وغناهُم ليس فقراً لكَ، وسعادتُهم ليستْ تعاسةً لكَ، نَقِّ قلبكَ، عوِّده الخير ومحبة الناس، علِّمه أن يفرحَ لفرحهم، ويحزن لحزنهم، سلامة الصدر أقصر طرق الجنة!
كُن رسول خير، كهُدهد سُليمان عليه السَّلام لا ينقل إلا الخبر الصحيح، وكحمامة نوح عليه السَّلام تزفُّ خبر انتهاء الطوفان، امشِ بين الناس بالخير، احمِلْ كلمة حلوة لإنسان قيلتْ عنه في غيابه، واكتمْ الكلام السيء، ولا تمشِ بالنميمة بين الناس، فتكون رسولاً لإبليس.
جاء رجلٌ إلى وهب بن منبه وقال له: إنَّ فلاناً شتمك
فقال له: أما وجدَ الشيطان رسولاً غيركَ!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١١٠
معكَ ملكٌ يردُّ عنك!
شتمَ رجلٌ أبا بكرٍ الصديق والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جالس، فلم يرُدَّ أبو بكر على الرَّجُل بشيءٍ، فجعلَ ذلك النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعجبُ ويتبسَّمُ. فلما زاد الرَّجُلُ في الشتائمِ والوقاحةِ، ردَّ عليه أبو بكر بعضَ قوله، فغضِب النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقامَ، فلحقه أبو بكر فقال له: يا رسول الله كان يشتمني وأنتَ جالسٌ، فلمَّا رددتُ عليه بعضَ قوله، غضبتَ وقمتَ.
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنه كان معكَ ملكٌ يرُدُّ عنكَ، فلما رددتَ عليه بعضَ قوله، وقعَ الشيطانُ، ولم أكُنْ لأقعدَ مع الشيطان"!
ثم قال: "يا أبا بكر ثلاثٌ كُلُّهُنَّ حقُّ: ما من عبدٍ ظُلم بمظلمةٍ فيغضي عنها/يتجاهلها لله، إلا أعزَّ الله بها نصره، وما فتحَ رجلٌ باب عطِيَّةٍ يُريدُ بها صلةً إلا زاده الله بها كثرةً، وما فتحَ رجلٌ بابَ مسألةٍ يُريدُ بها كثرةً إلا زاده الله عزَّ وجلَّ بها قِلَّةً"!
إذا فشلتَ في رفعِ أحدٍ إلى مستوى أخلاقك فلا تدعْه ينجح في إنزالك إلى مستوى أخلاقه! عندما تُحاربُ خسيساً بسلاحه تتساوى معه، وإن ردَّ البذاءةِ بالبذاءةِ بذاءةٌ أيضاً، ولو أن كل صاحب فضلٍ نزل إلى مستوى سفيهٍ جاء يُباريه لم يبقَ على هذه الأرضِ صاحبُ فضل!
مما يُنسبُ إلى مارك توين قوله: إياكَ أن تُجادل السفهاء، سيُنزلونك إلى مُستواهم الدنيء، ثم يهزمونك بفارقِ الخِبرة!
ويقولُ الإنكليزُ في مثلهم الشعبي: لا تُصارع الخنزير في الوحل، فستتسخَ أنتَ، ويستمتعَ هو، لأن القذارة أسلوب حياته!
ليسَ عليكِ أن تخوضَ كل معركةٍ تُفتح أمامك، ولا أن تشترك في كل جدال تُدعى إليه، ثمة معارك النصر الوحيد فيها أن لا تخوضها منذ البداية! تجاهلْ وتغاضَ فإن التجاهل من خُلق الأنبياء "فأسرَّها يوسف في نفسه ولم يِبدها لهم"!
ويقولُ الإمام أحمد: تسعة أعشار العافية في التغافُل!
ويقول الإمام الشافعي: الكيِّس العاقل هو الفطن المُتغابي!
ومن قول الشافعي، استمدَّ أبو تمام بيته الشهير فقال:
ليسَ الغبيُّ بسيدٍ في قومه
لكنَّ سيِّد قومه المُتغابي!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
معكَ ملكٌ يردُّ عنك!
شتمَ رجلٌ أبا بكرٍ الصديق والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جالس، فلم يرُدَّ أبو بكر على الرَّجُل بشيءٍ، فجعلَ ذلك النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعجبُ ويتبسَّمُ. فلما زاد الرَّجُلُ في الشتائمِ والوقاحةِ، ردَّ عليه أبو بكر بعضَ قوله، فغضِب النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقامَ، فلحقه أبو بكر فقال له: يا رسول الله كان يشتمني وأنتَ جالسٌ، فلمَّا رددتُ عليه بعضَ قوله، غضبتَ وقمتَ.
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنه كان معكَ ملكٌ يرُدُّ عنكَ، فلما رددتَ عليه بعضَ قوله، وقعَ الشيطانُ، ولم أكُنْ لأقعدَ مع الشيطان"!
ثم قال: "يا أبا بكر ثلاثٌ كُلُّهُنَّ حقُّ: ما من عبدٍ ظُلم بمظلمةٍ فيغضي عنها/يتجاهلها لله، إلا أعزَّ الله بها نصره، وما فتحَ رجلٌ باب عطِيَّةٍ يُريدُ بها صلةً إلا زاده الله بها كثرةً، وما فتحَ رجلٌ بابَ مسألةٍ يُريدُ بها كثرةً إلا زاده الله عزَّ وجلَّ بها قِلَّةً"!
إذا فشلتَ في رفعِ أحدٍ إلى مستوى أخلاقك فلا تدعْه ينجح في إنزالك إلى مستوى أخلاقه! عندما تُحاربُ خسيساً بسلاحه تتساوى معه، وإن ردَّ البذاءةِ بالبذاءةِ بذاءةٌ أيضاً، ولو أن كل صاحب فضلٍ نزل إلى مستوى سفيهٍ جاء يُباريه لم يبقَ على هذه الأرضِ صاحبُ فضل!
مما يُنسبُ إلى مارك توين قوله: إياكَ أن تُجادل السفهاء، سيُنزلونك إلى مُستواهم الدنيء، ثم يهزمونك بفارقِ الخِبرة!
ويقولُ الإنكليزُ في مثلهم الشعبي: لا تُصارع الخنزير في الوحل، فستتسخَ أنتَ، ويستمتعَ هو، لأن القذارة أسلوب حياته!
ليسَ عليكِ أن تخوضَ كل معركةٍ تُفتح أمامك، ولا أن تشترك في كل جدال تُدعى إليه، ثمة معارك النصر الوحيد فيها أن لا تخوضها منذ البداية! تجاهلْ وتغاضَ فإن التجاهل من خُلق الأنبياء "فأسرَّها يوسف في نفسه ولم يِبدها لهم"!
ويقولُ الإمام أحمد: تسعة أعشار العافية في التغافُل!
ويقول الإمام الشافعي: الكيِّس العاقل هو الفطن المُتغابي!
ومن قول الشافعي، استمدَّ أبو تمام بيته الشهير فقال:
ليسَ الغبيُّ بسيدٍ في قومه
لكنَّ سيِّد قومه المُتغابي!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١١١
ما فعلَ النُغَيرُ؟!
كان لأنس بن مالك خادم النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أخٌ صغير يُكنَّى "أبو عمير"، وكان من عادة العرب أن تُكني أولادها منذ الصغر، ومنهم من كان يُكنِّي البنات أيضاً وهُنَّ صغيرات! وكان لأبي عُمير طائر صغير يُلاعبه اسمه النُغير. وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا جاء إلى بيتِ أبي طلحة ليزور أنسَ ابن مالكٍ في بيته، لاعبَ الطفلَ الصغيرَ قائلاً له: أبا عُمير ما فعلَ النُغَيرُ!
كان من عادةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يزورَ الصحابة في بيوتهم، وهذا من تواضعه، وحِرصه على الإلفة، وجبر الخواطر، وما زال التزاور بين الناس محموداً بضوابط، وهي ألا تزور الناس كثيراً حتى لا يَمَلُّوا منك وحديث "زُرْ غِباً تزدد حباً" فإن كان لا يصح عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فإنه صحيحٌ بالتجربةِ المُعاشةِ، فزُرْ أحبابك وأقرباءك وأصدقاءك ولكن لا تكُنْ لصقةً فللناسِ مشاغل وكثير الزيارة لا بُدَّ أن يُمَلَّ، على أنّ َالزيارة أجمل ما تكون من الأثرياء والمُتنفِّذين للفُقراء والمساكين في بيوتهم فهذا له أثر طيب على نفسيةِ الزائرِ حيث يُبقيه في دائرة التواضع ويُبعدُه عن الكِبر، وعلى نفسيةِ المُزارِ وما يَلحقُه من جبرِ خاطره، وجبر الخواطر عبادة!
ليسَ عليكَ أن تكون جدِّياً على الدوام، ثقافتك وعلمك ومركزك لا تنقص بتواضعك ولينك وملاطفتك، على العكس تماماً ما يُنقص منها هو أن تتعاملَ مع الجميع بعقلية واحدة، وانظُرْ لِلُطْفِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولينه كيف يُمازح صبياً صغيراً، ويُحدثه ببساطةٍ وبلغةٍ يفهمها، وعن أمرٍ يهتم به وهو أكثر الناس هماً ومسؤولية، وليس في تاريخ البشرية من وظيفة أصعب من وظائف الأنبياء!
قد تتحدث زوجتك معكَ بأمرٍ تراه تافهاً، ما لكَ أنتَ ولطبخةِ الغدِ، أو لمسحوقِ الغسيلِ الذي لا يُنظِّفُ جيداً، أو لمدى مناسبة لون الستائر للغرفة، ولكن عليكَ أن تُبدي اهتماماً وتُعطي رأيكَ كأن الأمر يعنيك، وكأنه قضية مفصلية من قضايا الأُمَّة الشائكة، وأي تصرُّف غير هذا هو حماقة!
أحياناً على الإنسان أن ينزلَ بإرادته إلى أدنى مستوياتِ العقلِ ليصلَ إلى أعلى مستويات القلب عند الآخرين!
الغِنى الذي لا يُزينه التواضع هو فقرٌ آخر، والعِلمُ الذي لا يجعلك قريباً من الناس هو جهلٌ آخر، شهادتك وثروتك ومركزك هذه أشياء لكَ وحدكَ أما أخلاقكَ فهي للناس!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
ما فعلَ النُغَيرُ؟!
كان لأنس بن مالك خادم النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أخٌ صغير يُكنَّى "أبو عمير"، وكان من عادة العرب أن تُكني أولادها منذ الصغر، ومنهم من كان يُكنِّي البنات أيضاً وهُنَّ صغيرات! وكان لأبي عُمير طائر صغير يُلاعبه اسمه النُغير. وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا جاء إلى بيتِ أبي طلحة ليزور أنسَ ابن مالكٍ في بيته، لاعبَ الطفلَ الصغيرَ قائلاً له: أبا عُمير ما فعلَ النُغَيرُ!
كان من عادةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يزورَ الصحابة في بيوتهم، وهذا من تواضعه، وحِرصه على الإلفة، وجبر الخواطر، وما زال التزاور بين الناس محموداً بضوابط، وهي ألا تزور الناس كثيراً حتى لا يَمَلُّوا منك وحديث "زُرْ غِباً تزدد حباً" فإن كان لا يصح عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فإنه صحيحٌ بالتجربةِ المُعاشةِ، فزُرْ أحبابك وأقرباءك وأصدقاءك ولكن لا تكُنْ لصقةً فللناسِ مشاغل وكثير الزيارة لا بُدَّ أن يُمَلَّ، على أنّ َالزيارة أجمل ما تكون من الأثرياء والمُتنفِّذين للفُقراء والمساكين في بيوتهم فهذا له أثر طيب على نفسيةِ الزائرِ حيث يُبقيه في دائرة التواضع ويُبعدُه عن الكِبر، وعلى نفسيةِ المُزارِ وما يَلحقُه من جبرِ خاطره، وجبر الخواطر عبادة!
ليسَ عليكَ أن تكون جدِّياً على الدوام، ثقافتك وعلمك ومركزك لا تنقص بتواضعك ولينك وملاطفتك، على العكس تماماً ما يُنقص منها هو أن تتعاملَ مع الجميع بعقلية واحدة، وانظُرْ لِلُطْفِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولينه كيف يُمازح صبياً صغيراً، ويُحدثه ببساطةٍ وبلغةٍ يفهمها، وعن أمرٍ يهتم به وهو أكثر الناس هماً ومسؤولية، وليس في تاريخ البشرية من وظيفة أصعب من وظائف الأنبياء!
قد تتحدث زوجتك معكَ بأمرٍ تراه تافهاً، ما لكَ أنتَ ولطبخةِ الغدِ، أو لمسحوقِ الغسيلِ الذي لا يُنظِّفُ جيداً، أو لمدى مناسبة لون الستائر للغرفة، ولكن عليكَ أن تُبدي اهتماماً وتُعطي رأيكَ كأن الأمر يعنيك، وكأنه قضية مفصلية من قضايا الأُمَّة الشائكة، وأي تصرُّف غير هذا هو حماقة!
أحياناً على الإنسان أن ينزلَ بإرادته إلى أدنى مستوياتِ العقلِ ليصلَ إلى أعلى مستويات القلب عند الآخرين!
الغِنى الذي لا يُزينه التواضع هو فقرٌ آخر، والعِلمُ الذي لا يجعلك قريباً من الناس هو جهلٌ آخر، شهادتك وثروتك ومركزك هذه أشياء لكَ وحدكَ أما أخلاقكَ فهي للناس!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١١٢
سِجْنُ المؤمن وجنَّةُ الكافر!
شغلَ الحافظُ ابن حجر المقدسي منصبَ قاضيَ القضاة، فمرَّ في طريقه إلى دار القضاء بالسوق في موكب عظيم، وهيئة جميلة، يقتضيها هذا المنصب الذي يُعتبر بمقياس زماننا جامعاً بين وزير العدل ورئيس المحكمة الدستورية العليا! فاقتحمَ موكبه بائع زيتٍ يهوديٍّ فقيرٍ، ثيابه مُلطخة بالزيت، وهيئته رثَّة، فأمسكَ بلجام فرس ابن حجر وقال له: يا شيخ الإسلام، تزعمُ أن نبيكم قال: "الدنيا سِجن المؤمن وجَنة الكافر" فأي سجن أنتَ فيه، وأي جنةٍ أنا فيها؟!
فقال له ابن حجر: أنا بالنسبة لما أعدَّه الله لي في الآخرة من نعيم كأني الآن في سِجن، وأنتَ بالنسبة لما أعدَّه الله لكَ في الآخرة من العذاب كأنك في جَنَّة!
فأسلمَ اليهودي من فوره، والقصة رواها المناوي في فيض القدير.
وقول ابن حجر هذا هو أحد التفسيرات الجميلة لهذا الحديث النبوي الشريف، على أننا لو نظرنا إلى حياة المؤمنين لوجدنا معنى آخر وهو أن حدود الله تُكبلهم، فالمؤمن يُقيده الحلال والحرام!
تتزين أمامه الشهوات التي يميل إليها بفطرته ونزعته الإنسانية فلا يُقدم عليها لأن روحه مكبلة بقيد التقوى!
ويسهلُ عليه جمعُ المال من الحرام، فيبحث عن الحلال الذي قد يكون أصعب بكثير من الحرام لأن يديه مُكبلتان بقيد خشية الله!
والعباداتُ قيدٌ كذلك وفيها مشقة، فصلاةُ الفجر شاقة، والصيامُ مُتعب، والحجُّ مُضنٍ، وكلمةُ الحق خطرة، والمالُ عزيز، والعِفةُ تحتاج إلى مُجاهدة، والأمانةُ أصعب من الخيانة، وغضُّ البصر خِلاف الهوى، والنفسُ أمَّارة بالسوء، وطريقُ الجنة شائكة بينما طريق النار مُعبَّدة!
على المقلب الآخر تجدُ الكافر حرٌّ طليق! لا آية تزجره عن الرِّبا، ولا سورة المطففين تضبط ميزانه، وآداب سورة الحجرات لا تدخل ضمن حساباته، لا وضوء بالماء البارد، ولا صلاة فجر تُوقظه من أحلى لحظات نومه، ولا صيام يقطع عليه طعامه وشهوته، أحاديث بِر الوالدين ليست في منظومته، والإحسان إلى الجار مُجرد عادة اجتماعية محمودة إن فعلها كان به وإن لم يفعلها فلا قانون يُحاسبه على تركها!
ويا لقيد الإيمان ما أجمله، ويا لانفلات الغرائز ما أتعسه، فهنيئاً لمن عاش سجنه برضى ربه، ويا تعسَ من حرَّرَ نفسه من قيد خالقه فقيّد نفسه بقيد شهوته!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
سِجْنُ المؤمن وجنَّةُ الكافر!
شغلَ الحافظُ ابن حجر المقدسي منصبَ قاضيَ القضاة، فمرَّ في طريقه إلى دار القضاء بالسوق في موكب عظيم، وهيئة جميلة، يقتضيها هذا المنصب الذي يُعتبر بمقياس زماننا جامعاً بين وزير العدل ورئيس المحكمة الدستورية العليا! فاقتحمَ موكبه بائع زيتٍ يهوديٍّ فقيرٍ، ثيابه مُلطخة بالزيت، وهيئته رثَّة، فأمسكَ بلجام فرس ابن حجر وقال له: يا شيخ الإسلام، تزعمُ أن نبيكم قال: "الدنيا سِجن المؤمن وجَنة الكافر" فأي سجن أنتَ فيه، وأي جنةٍ أنا فيها؟!
فقال له ابن حجر: أنا بالنسبة لما أعدَّه الله لي في الآخرة من نعيم كأني الآن في سِجن، وأنتَ بالنسبة لما أعدَّه الله لكَ في الآخرة من العذاب كأنك في جَنَّة!
فأسلمَ اليهودي من فوره، والقصة رواها المناوي في فيض القدير.
وقول ابن حجر هذا هو أحد التفسيرات الجميلة لهذا الحديث النبوي الشريف، على أننا لو نظرنا إلى حياة المؤمنين لوجدنا معنى آخر وهو أن حدود الله تُكبلهم، فالمؤمن يُقيده الحلال والحرام!
تتزين أمامه الشهوات التي يميل إليها بفطرته ونزعته الإنسانية فلا يُقدم عليها لأن روحه مكبلة بقيد التقوى!
ويسهلُ عليه جمعُ المال من الحرام، فيبحث عن الحلال الذي قد يكون أصعب بكثير من الحرام لأن يديه مُكبلتان بقيد خشية الله!
والعباداتُ قيدٌ كذلك وفيها مشقة، فصلاةُ الفجر شاقة، والصيامُ مُتعب، والحجُّ مُضنٍ، وكلمةُ الحق خطرة، والمالُ عزيز، والعِفةُ تحتاج إلى مُجاهدة، والأمانةُ أصعب من الخيانة، وغضُّ البصر خِلاف الهوى، والنفسُ أمَّارة بالسوء، وطريقُ الجنة شائكة بينما طريق النار مُعبَّدة!
على المقلب الآخر تجدُ الكافر حرٌّ طليق! لا آية تزجره عن الرِّبا، ولا سورة المطففين تضبط ميزانه، وآداب سورة الحجرات لا تدخل ضمن حساباته، لا وضوء بالماء البارد، ولا صلاة فجر تُوقظه من أحلى لحظات نومه، ولا صيام يقطع عليه طعامه وشهوته، أحاديث بِر الوالدين ليست في منظومته، والإحسان إلى الجار مُجرد عادة اجتماعية محمودة إن فعلها كان به وإن لم يفعلها فلا قانون يُحاسبه على تركها!
ويا لقيد الإيمان ما أجمله، ويا لانفلات الغرائز ما أتعسه، فهنيئاً لمن عاش سجنه برضى ربه، ويا تعسَ من حرَّرَ نفسه من قيد خالقه فقيّد نفسه بقيد شهوته!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١١٣
اللهمَّ إني أمسيتُ راضياً عنه!
كان عبد اللهِ بن عبد نهم المزني يتوقُ إلى الإسلام ولكنَّ قومه ضيَّقوا عليه ومنعوه، ولما علموا إصراره أخذوا منه كل شيءٍ إلا بجادٍ/كساء غليظ عليه ليضمنوا بقاءه عندهم، ولكن هذا لم يمنعه ممَّا يتوقُ له قلبه، فغافلَهم وخرجَ ليس عليه إلا بجاده، فلما اقتربَ من المدينة شقَّ بجاده فجعلَه قطعتين كملابس الإحرام، فاتَّزرَ بواحدة وارتدى الأخرى، ودخلَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُعلِناً إسلامه، ولُقِّبَ منذ تلك اللحظة بذي البجادين!
وجاءتْ غزوة تبوك، وخرجَ ذو البجادين مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أبعدِ وأصعبِ غزواته، وبقية القصة يرويها لنا عبد الله بن مسعود قال:
قمتُ في جوف الليل في غزوة تبوك، فرأيتُ شعلةً من نارٍ في ناحية العسكر، فذهبتُ أنظُرُ ما الخبر، فإذا ذو البجادين قد مات، وإذا هم قد حفروا له قبره، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حُفرته، وأبو بكر وعمر يُناولانه إياه ليضعه في قبره وهو يقول: أَدْنِيا إليَّ أخاكما!
فلما وضعَه في قبره بيديه الشَّريفتين قال: اللهمَّ إني أمسيتُ راضياً عنه، فارضَ عنه!
عندها قال ابن مسعود في نفسه: يا ليتني كنتُ صاحب الحُفرة!
من صَدَقَ مع اللهِ أبلَغَهُ الله مُراده! هذا قانونٌ سَنَّه ربُّ العزةِ يوم خلق السماوات والأرض لا يتغيَّر ولا يتبدَّل حتى قيام السَّاعة!
خرجَ ذو البجادين تاركاً الدنيا كلها وراءه لا يُريدُ إلا الله ورسوله، فكانت مُكافاة نهاية الخدمة على قدر النية! النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يضعُهُ في قبره بيديه ويُغلِقُ ملفَّ قضيته بشهادة ودعاء: اللهم إني أمسيتُ راضياً عنه، فارضَ عنه!
وأبو بكر وعمر هما اللذان ناولاه للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أي مكافأة هذه يا ذا البجادين أن تكون آخر الأيدي التي تلمسك في الدنيا أيدي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر؟!
الطريقُ إلى الله صعبٌ وشاقٌ وطويل، ليس المهم أن تصل، المهم أن تموت على الطريق، فهذا بحدِّ ذاتِهِ وصول!
لن تُسأَلَ عن عمومِ المُسلمين وإنما ستُسأل عن نفسِكَ، عن عبادتِكَ، عن ورعِكَ وتقواكَ، عن صدقاتِكَ، وأخلاقِكَ ومعاملاتِكَ، عن بيتِكَ، عن بناتِكَ وحجابِهن، وعن أولادِكِ وصلاتِهم، هذه هي قضيتك، وهذه هي طريقك، وإنَّ من عاشَ على شيءٍ ماتَ عليه!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
اللهمَّ إني أمسيتُ راضياً عنه!
كان عبد اللهِ بن عبد نهم المزني يتوقُ إلى الإسلام ولكنَّ قومه ضيَّقوا عليه ومنعوه، ولما علموا إصراره أخذوا منه كل شيءٍ إلا بجادٍ/كساء غليظ عليه ليضمنوا بقاءه عندهم، ولكن هذا لم يمنعه ممَّا يتوقُ له قلبه، فغافلَهم وخرجَ ليس عليه إلا بجاده، فلما اقتربَ من المدينة شقَّ بجاده فجعلَه قطعتين كملابس الإحرام، فاتَّزرَ بواحدة وارتدى الأخرى، ودخلَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُعلِناً إسلامه، ولُقِّبَ منذ تلك اللحظة بذي البجادين!
وجاءتْ غزوة تبوك، وخرجَ ذو البجادين مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أبعدِ وأصعبِ غزواته، وبقية القصة يرويها لنا عبد الله بن مسعود قال:
قمتُ في جوف الليل في غزوة تبوك، فرأيتُ شعلةً من نارٍ في ناحية العسكر، فذهبتُ أنظُرُ ما الخبر، فإذا ذو البجادين قد مات، وإذا هم قد حفروا له قبره، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حُفرته، وأبو بكر وعمر يُناولانه إياه ليضعه في قبره وهو يقول: أَدْنِيا إليَّ أخاكما!
فلما وضعَه في قبره بيديه الشَّريفتين قال: اللهمَّ إني أمسيتُ راضياً عنه، فارضَ عنه!
عندها قال ابن مسعود في نفسه: يا ليتني كنتُ صاحب الحُفرة!
من صَدَقَ مع اللهِ أبلَغَهُ الله مُراده! هذا قانونٌ سَنَّه ربُّ العزةِ يوم خلق السماوات والأرض لا يتغيَّر ولا يتبدَّل حتى قيام السَّاعة!
خرجَ ذو البجادين تاركاً الدنيا كلها وراءه لا يُريدُ إلا الله ورسوله، فكانت مُكافاة نهاية الخدمة على قدر النية! النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يضعُهُ في قبره بيديه ويُغلِقُ ملفَّ قضيته بشهادة ودعاء: اللهم إني أمسيتُ راضياً عنه، فارضَ عنه!
وأبو بكر وعمر هما اللذان ناولاه للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أي مكافأة هذه يا ذا البجادين أن تكون آخر الأيدي التي تلمسك في الدنيا أيدي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر؟!
الطريقُ إلى الله صعبٌ وشاقٌ وطويل، ليس المهم أن تصل، المهم أن تموت على الطريق، فهذا بحدِّ ذاتِهِ وصول!
لن تُسأَلَ عن عمومِ المُسلمين وإنما ستُسأل عن نفسِكَ، عن عبادتِكَ، عن ورعِكَ وتقواكَ، عن صدقاتِكَ، وأخلاقِكَ ومعاملاتِكَ، عن بيتِكَ، عن بناتِكَ وحجابِهن، وعن أولادِكِ وصلاتِهم، هذه هي قضيتك، وهذه هي طريقك، وإنَّ من عاشَ على شيءٍ ماتَ عليه!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١١٤
فغفرَ الله لها!
حدَّثَ مرةً أصحابَه مُحاولاً أن يُخبرَهم أن الجنَّةَ أقربُ إلى أحدهم من شِراك نعله، فقال: "إن امرأةً بَغياً رأتْ كلباً في يوم حار يطوفُ ببئرٍ، قد أدلعَ لسانه من العطش، فخلعتْ موقها/حذاءها فنزعتْ له به الماء فغفرَ الله لها"!
ما أرحم هذا الرَّب الذي يغفرُ لزانيةٍ بشربةِ ماءٍ سقتْها لكلبٍ قد أصابَه العطش! فاعملوا، ولا تستصغروا عملاً فلعلَّ به الجنَّة وأحدنا لا يدري!
ما كانتْ هذه المرأة الزانية تعلمُ أنَّ الجنَّة في شربةِ ماءٍ تُقدِّمُها لهذا الكلب الذي شارفَ على الهلاكِ من شدةِ العطش!
ولا كان الرجلُ الذي مرَّ بغصنِ شجرةٍ على جانبِ الطريق، فقال في نفسه لأُنحينَ هذا عن طريقِ المُسلمين لا يُؤذيهم، يَعلمُ أنَّ الله سيغفر له كل ذنوبه بقطعِه لهذا الغُصنِ خوفَ أن يُؤذيَ المُسلمين!
ولا كان الرجلُ الذي مرَّ بطريقٍ فوجدَ عند حافتِه غصنَ شوكٍ فأخَّره، يعرفُ أن الله سيغفر له ذنوبه بفعلتِه البسيطةِ تلك!
هذه النماذجُ الثلاثة حدَّثنا عنها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ليُخبرنا أنَّ الجنةَ قريبةٌ جداً، وأن اللهَ سُبحانه سريعُ الرضى واسعُ المغفرة، يكفي أن ينظرَ إلى قلبك فيرى الرحمةَ فيه، ويَطَّلِعَ على صدرِك فيراه خالياً من كل حقد، مليئاً بالمحبة وحُبِّ الخيرِ للناس!
ولو تأملنا هذه النماذج الثلاثة لوجدْنا أن المشتركَ بينها هو فعلُ الخيرِ لأجل وجه الله فقط، وفي غيابِ من يرى هذا الخير!
التي سقتْ كلباً أدخلها الله الجَنَّة، فكيف بالذي يسقي قلباً قد جفَّفَه الحزنُ، وأضناهُ الألمُ، ونخرَه الخذلانُ والوجع؟!
والذي أزال غصنَ شجرةٍ من طريق المُسلمين أدخله الله الجنة، فكيف بالذي يُزيلُ من أمامهم الأفكارَ السامةَ، والبِدَعَ، والعاداتِ البالية، والأعرافَ التي ما أنزل الله بها من سُلطان؟!
والذي أزالَ غصنَ شوكٍ كي لا يجرح أحد قدمه به أدخلَه الله الجنة، فكيف بالذي يُزيلُ أشواكَ الحاجةِ فيُساعدُ الفقير، وأشواك الألم فيمشي في علاجِ المريض، وأشواك الفقد فيُعزي ويُساهمُ في تكاليف الدفن، وأشواك الديون فيدفعُ عن مُعْسِرٍ، ويُقيمُ مُتعثِّراً؟!
قريبةٌ هي الجنة، قريبةٌ جداً، يكفي أن تعملَ وينظرَ اللهُ إلى قلبك فيرى أنك لا تُريدُ بهذا العمل سواه!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
فغفرَ الله لها!
حدَّثَ مرةً أصحابَه مُحاولاً أن يُخبرَهم أن الجنَّةَ أقربُ إلى أحدهم من شِراك نعله، فقال: "إن امرأةً بَغياً رأتْ كلباً في يوم حار يطوفُ ببئرٍ، قد أدلعَ لسانه من العطش، فخلعتْ موقها/حذاءها فنزعتْ له به الماء فغفرَ الله لها"!
ما أرحم هذا الرَّب الذي يغفرُ لزانيةٍ بشربةِ ماءٍ سقتْها لكلبٍ قد أصابَه العطش! فاعملوا، ولا تستصغروا عملاً فلعلَّ به الجنَّة وأحدنا لا يدري!
ما كانتْ هذه المرأة الزانية تعلمُ أنَّ الجنَّة في شربةِ ماءٍ تُقدِّمُها لهذا الكلب الذي شارفَ على الهلاكِ من شدةِ العطش!
ولا كان الرجلُ الذي مرَّ بغصنِ شجرةٍ على جانبِ الطريق، فقال في نفسه لأُنحينَ هذا عن طريقِ المُسلمين لا يُؤذيهم، يَعلمُ أنَّ الله سيغفر له كل ذنوبه بقطعِه لهذا الغُصنِ خوفَ أن يُؤذيَ المُسلمين!
ولا كان الرجلُ الذي مرَّ بطريقٍ فوجدَ عند حافتِه غصنَ شوكٍ فأخَّره، يعرفُ أن الله سيغفر له ذنوبه بفعلتِه البسيطةِ تلك!
هذه النماذجُ الثلاثة حدَّثنا عنها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ليُخبرنا أنَّ الجنةَ قريبةٌ جداً، وأن اللهَ سُبحانه سريعُ الرضى واسعُ المغفرة، يكفي أن ينظرَ إلى قلبك فيرى الرحمةَ فيه، ويَطَّلِعَ على صدرِك فيراه خالياً من كل حقد، مليئاً بالمحبة وحُبِّ الخيرِ للناس!
ولو تأملنا هذه النماذج الثلاثة لوجدْنا أن المشتركَ بينها هو فعلُ الخيرِ لأجل وجه الله فقط، وفي غيابِ من يرى هذا الخير!
التي سقتْ كلباً أدخلها الله الجَنَّة، فكيف بالذي يسقي قلباً قد جفَّفَه الحزنُ، وأضناهُ الألمُ، ونخرَه الخذلانُ والوجع؟!
والذي أزال غصنَ شجرةٍ من طريق المُسلمين أدخله الله الجنة، فكيف بالذي يُزيلُ من أمامهم الأفكارَ السامةَ، والبِدَعَ، والعاداتِ البالية، والأعرافَ التي ما أنزل الله بها من سُلطان؟!
والذي أزالَ غصنَ شوكٍ كي لا يجرح أحد قدمه به أدخلَه الله الجنة، فكيف بالذي يُزيلُ أشواكَ الحاجةِ فيُساعدُ الفقير، وأشواك الألم فيمشي في علاجِ المريض، وأشواك الفقد فيُعزي ويُساهمُ في تكاليف الدفن، وأشواك الديون فيدفعُ عن مُعْسِرٍ، ويُقيمُ مُتعثِّراً؟!
قريبةٌ هي الجنة، قريبةٌ جداً، يكفي أن تعملَ وينظرَ اللهُ إلى قلبك فيرى أنك لا تُريدُ بهذا العمل سواه!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١١٥
أخشى أن تكون من تمر الصَّدقة!
أخذَ الحسنُ بن علي رضي الله عنهما وهو طفل صغير تمرةً من تمر الصَّدقة فجعلها في فمه، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: كِخْ كِخْ، إرمِ بها، أما علمتَ أنَّا لا نأكلُ الصَّدقة!
وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يمرُّ بالطريق فيجدُ التمرة مُلقاة على الأرض، فيقول: لو أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها!
ومرَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بالطريق فوجدَ تمرةً فأخذها، ومسحها، وأكلها!
من أوصافِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في التوراة والإنجيل قبل تحريفهما أنه يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، وكان بعد بعثته إذا أُوتيَ بطعام سألَ عنه: أهدية أم صدقة؟
فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا! ولم يأكل معهم.
وإن قيل: هدية، جلسَ فأكل معهم.
فالصدقة إذاً لا يأكلها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا آل بيته الأطهار، حُكم خاص من دون المسلمين.
حرصَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على تربية الأولاد على أحكام الإسلام وهم صغار، حتى إذا كبروا صارتْ هذه الأحكام جزءاً من تركيبتهم وشخصيتهم، فها هو يُعلِّمُ الحسنَ حُكماً شرعياً أنَّا لا نأكل مال الصدقة، ويُعلِّمُ صبياً آخر: يا غلام سمِّ الله وكُلْ بيمينك وكُلْ مما يليك! ويُعلم صبياً آخر عقيدته: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك…
وما يقوله البعض من اتركوا الأطفال يعيشون حياتهم وطفولتهم، جهل بالتربية، ثم ألا يُعلِّمُ هؤلاء أولادهم أصوات الحيوانات، والحروف، والقراءة والكتابة في سن مبكرة، فلماذا لا يتركونهم يعيشون طفولتهم، أم أن الدين وحده ضدّ الطفولة؟!
يُعلِّمُنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم احترام النعمة، وفي رأس النِّعم الطعام! فلم يهُن عليه أن تُرمى تمرة ولولا خشيته من أن تكون من تمر الصدقة لأكلها، وعملاً بسُنته أكل عبد الله بن عمر التمرة المُلقاة على الأرض لأنه ليس من بيت النبوة ولا ضير إن كانت من تمر الصدقة.
فإن كان لم يهُنْ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن تذهب تمرةٌ هدراً فهل سيهون عليه ما نُلقيه من طعام في سلة المُهملات، اطبخوا على قدر حاجتكم فليس في الأمر بُخلاً أبداً، ثم وإن كانتْ الطبخة كبيرة فلم لا تُؤكل في اليوم الثاني، أو تُحفظ في الثلاجة ليوم آخر، أو أن تُعطى لفقير ومحتاج فبطون المساكين أولى بها من سلال القمامة!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
أخشى أن تكون من تمر الصَّدقة!
أخذَ الحسنُ بن علي رضي الله عنهما وهو طفل صغير تمرةً من تمر الصَّدقة فجعلها في فمه، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: كِخْ كِخْ، إرمِ بها، أما علمتَ أنَّا لا نأكلُ الصَّدقة!
وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يمرُّ بالطريق فيجدُ التمرة مُلقاة على الأرض، فيقول: لو أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها!
ومرَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بالطريق فوجدَ تمرةً فأخذها، ومسحها، وأكلها!
من أوصافِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في التوراة والإنجيل قبل تحريفهما أنه يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، وكان بعد بعثته إذا أُوتيَ بطعام سألَ عنه: أهدية أم صدقة؟
فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا! ولم يأكل معهم.
وإن قيل: هدية، جلسَ فأكل معهم.
فالصدقة إذاً لا يأكلها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا آل بيته الأطهار، حُكم خاص من دون المسلمين.
حرصَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على تربية الأولاد على أحكام الإسلام وهم صغار، حتى إذا كبروا صارتْ هذه الأحكام جزءاً من تركيبتهم وشخصيتهم، فها هو يُعلِّمُ الحسنَ حُكماً شرعياً أنَّا لا نأكل مال الصدقة، ويُعلِّمُ صبياً آخر: يا غلام سمِّ الله وكُلْ بيمينك وكُلْ مما يليك! ويُعلم صبياً آخر عقيدته: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك…
وما يقوله البعض من اتركوا الأطفال يعيشون حياتهم وطفولتهم، جهل بالتربية، ثم ألا يُعلِّمُ هؤلاء أولادهم أصوات الحيوانات، والحروف، والقراءة والكتابة في سن مبكرة، فلماذا لا يتركونهم يعيشون طفولتهم، أم أن الدين وحده ضدّ الطفولة؟!
يُعلِّمُنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم احترام النعمة، وفي رأس النِّعم الطعام! فلم يهُن عليه أن تُرمى تمرة ولولا خشيته من أن تكون من تمر الصدقة لأكلها، وعملاً بسُنته أكل عبد الله بن عمر التمرة المُلقاة على الأرض لأنه ليس من بيت النبوة ولا ضير إن كانت من تمر الصدقة.
فإن كان لم يهُنْ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن تذهب تمرةٌ هدراً فهل سيهون عليه ما نُلقيه من طعام في سلة المُهملات، اطبخوا على قدر حاجتكم فليس في الأمر بُخلاً أبداً، ثم وإن كانتْ الطبخة كبيرة فلم لا تُؤكل في اليوم الثاني، أو تُحفظ في الثلاجة ليوم آخر، أو أن تُعطى لفقير ومحتاج فبطون المساكين أولى بها من سلال القمامة!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١١٦
هذه رحمة!
أرسلتْ زينبُ ابنة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تطلبُ حضوره عندها لأنَّ ابنها الصغير يُحتضر.
فأرسلَ إليها يقول: إنَّ للهِ ما أخذ، وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجل مسمى، فلتصبري ولتحتسبي.
فأرسلتْ إليه مجدداً تُقسِمُ عليه أن يأتيَها، فقامَ ومعه جماعة من أصحابه، فجِيء له بالصبيِّ، وأنفاسه تتقطع، ففاضتْ عيناه بالبُكاء!
فقال له سعد بن عُبادة: يا رسول اللهِ ما هذا؟
فقال له: هذه رحمة جعلَها اللهُ في قلوبِ عباده، إنما يرحمُ الله من عباده الرُّحماء!
الأبُ من بعد اللهِ سند، والفتاةُ لا تستغني عن أبيها ولو صار لها زوج وأولاد، للأب نكهة أخرى ليستْ في أحد، فتفقَّدوا بناتِكم بعد الزواج، زوروهُنَّ في بيوتهن، شارِكوهُنَّ لحظات الفرح، ولا تُفوِّتوا أبداً لحظات الحُزن، إن البنت الصغيرة التي عندها صوت أبيها في البيت أكثر أمناً من كل أقفال العالم لا تستغني عن هذا الأمان حين تكبر، فتذكَّروا يا معشر الآباء نحن نُزوِّج بناتنا ولا نتخلَّص منهن!
البكاءُ عند الفقدِ لا يتعارض مع الرضى بقدرِ الله تعالى، على العكس تماماً فالمُؤمن عذبُ النفسِ، رقيقُ القلبِ، طيِّبُ المشاعرِ، ومن الطبيعي أن يبكي إذا ما فقدَ عزيزاً، وها هو النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يبكي لما رأى من احتضارِ ابن ابنته وهو سيد الرجال، وسيد الراضين بقدرِ الله، فلا تنظروا إلى البكاء على أنه ضعف، البكاء مريح للنفس عند المصائب، بعكس الكتمان الذي يخنقُ النفس، ويكبتُ على الروح، وهذا ليس من مواطن المكابرة!
وفي هذا يقول امرؤ القيس:
وإن شفائي عَبرةٌ مهراقة
فعل عند رسْمٍ دارسٍ من معول؟
وأجمل منه ما حكاه المُحدِّث والفقيه أبو بكر بن عياش، قال:
كنتُ وأنا شاب إذا أصابتني مُصيبة تصبَّرتُ لها، ورددتُ البكاء عن نفسي، فكان ذلك يُوجعُني ويزيدُني ألماً، حتى رأيتُ يوماً أعرابياً واقفاً وقد اجتمع الناس حوله يُنشِد:
خليليَّ عوجا من صدور الرَّواحلِ
بجمهور حُزوى وابكيا في المنازلِ
لعلَّ انحدارَ الدَّمعِ يُعْقِبُ راحةً
من الوجدِ أو يشفي نجيَّ البلابل
فسألتُ عنه فقيل: هذا هو الشاعر ذو الرمة.
فأصابتني بعد ذلك مصائب، فكنتُ أبكي منها فأجدُ راحة، وأقول في نفسي: سُبحان الله، ما أبصر هذا الأعرابي وما أعلمه!
على أن بكاء العين والقلب ممتلئ رضىً وتسليماً شيء، والنواح ورفع الصوت وشق الثياب وشد الشعر شيء آخر، فهذا وجه من وجوه السَّخط على قدر الله!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
هذه رحمة!
أرسلتْ زينبُ ابنة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تطلبُ حضوره عندها لأنَّ ابنها الصغير يُحتضر.
فأرسلَ إليها يقول: إنَّ للهِ ما أخذ، وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجل مسمى، فلتصبري ولتحتسبي.
فأرسلتْ إليه مجدداً تُقسِمُ عليه أن يأتيَها، فقامَ ومعه جماعة من أصحابه، فجِيء له بالصبيِّ، وأنفاسه تتقطع، ففاضتْ عيناه بالبُكاء!
فقال له سعد بن عُبادة: يا رسول اللهِ ما هذا؟
فقال له: هذه رحمة جعلَها اللهُ في قلوبِ عباده، إنما يرحمُ الله من عباده الرُّحماء!
الأبُ من بعد اللهِ سند، والفتاةُ لا تستغني عن أبيها ولو صار لها زوج وأولاد، للأب نكهة أخرى ليستْ في أحد، فتفقَّدوا بناتِكم بعد الزواج، زوروهُنَّ في بيوتهن، شارِكوهُنَّ لحظات الفرح، ولا تُفوِّتوا أبداً لحظات الحُزن، إن البنت الصغيرة التي عندها صوت أبيها في البيت أكثر أمناً من كل أقفال العالم لا تستغني عن هذا الأمان حين تكبر، فتذكَّروا يا معشر الآباء نحن نُزوِّج بناتنا ولا نتخلَّص منهن!
البكاءُ عند الفقدِ لا يتعارض مع الرضى بقدرِ الله تعالى، على العكس تماماً فالمُؤمن عذبُ النفسِ، رقيقُ القلبِ، طيِّبُ المشاعرِ، ومن الطبيعي أن يبكي إذا ما فقدَ عزيزاً، وها هو النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يبكي لما رأى من احتضارِ ابن ابنته وهو سيد الرجال، وسيد الراضين بقدرِ الله، فلا تنظروا إلى البكاء على أنه ضعف، البكاء مريح للنفس عند المصائب، بعكس الكتمان الذي يخنقُ النفس، ويكبتُ على الروح، وهذا ليس من مواطن المكابرة!
وفي هذا يقول امرؤ القيس:
وإن شفائي عَبرةٌ مهراقة
فعل عند رسْمٍ دارسٍ من معول؟
وأجمل منه ما حكاه المُحدِّث والفقيه أبو بكر بن عياش، قال:
كنتُ وأنا شاب إذا أصابتني مُصيبة تصبَّرتُ لها، ورددتُ البكاء عن نفسي، فكان ذلك يُوجعُني ويزيدُني ألماً، حتى رأيتُ يوماً أعرابياً واقفاً وقد اجتمع الناس حوله يُنشِد:
خليليَّ عوجا من صدور الرَّواحلِ
بجمهور حُزوى وابكيا في المنازلِ
لعلَّ انحدارَ الدَّمعِ يُعْقِبُ راحةً
من الوجدِ أو يشفي نجيَّ البلابل
فسألتُ عنه فقيل: هذا هو الشاعر ذو الرمة.
فأصابتني بعد ذلك مصائب، فكنتُ أبكي منها فأجدُ راحة، وأقول في نفسي: سُبحان الله، ما أبصر هذا الأعرابي وما أعلمه!
على أن بكاء العين والقلب ممتلئ رضىً وتسليماً شيء، والنواح ورفع الصوت وشق الثياب وشد الشعر شيء آخر، فهذا وجه من وجوه السَّخط على قدر الله!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١١٧
دَعِ النَّاقة!
المكان عرفة، والزمان حجَّة الوداع، أما الحدث فأعرابيٌّ يسألُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأُخبِرَ أنه ذاك الرجل على الناقة... ويتخطَّى الأعرابيُّ حشد الصحابة، ثم يحولُ بعضهم بينه وبين النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يخشون أن يُوقفه عن مسيره، ولكنه قال لهم: دعوا الرجل!
فدنا الأعرابي حتى أمسكَ بخطام الناقة، ونظرَ إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وليتَ عينيَّ في رأسه لأرى ما رأى! فقال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ما تُريد؟
فقال: يا رسول الله، شيئان أسألك عنهما: أخبرني بما يُقربني من الجنة وما يُباعدني من النار!
فنظر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أصحابه وقال: لقد وُفِقَ إلى الخير في سؤاله
ثم قال للأعرابي: أُعبدِ اللهَ ولا تشرك به شيئاً من الأوثان، وأَقمِ الصلاة المكتوبة وأدِّ الزكاة المفروضة، وصُمْ رمضان، وصِلْ رحمك.
فقال الأعرابي: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذه الأوامر شيئاً، ولا أنقصُ منها شيئاً.
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لقد استوفيتَ، دَعِ الناقة!
فلما مضى الأعرابي، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إن تمسَّك هذا الرجل بما أُمِرَ به دخلَ الجنة، ومن أحبَّ مسروراً أن يرى رجلاً من أهل الجنة يحرص على دخولها ويسعى من أجلها فلينظر إلى هذا!
اُنظرْ إلى تواضع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، لا حشم ولا خدم، ولا تاج ولا صولجان، ولا موكب ملكي، لدرجة أنه كان لا يتميَّز عن أصحابه بلباس أو علامة، وكان من لا يعرفه لا يعرف أنه هو إلا إذا دُلَّ عليه، وما عرفه الأعرابي إلا بعد أن سأل عن صفاته، ولقد تكرَّر كثيراً في السيرة أن يأتي الأعرابي من البادية والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم في أصحابه، فيدخل ويقول: أيكم محمد؟!
إنَّ هذا الدين ليس ضد التجمُّل ولا الثياب الحسنة، ولا ضد أن يُحسِّنَ المسلمُ موضع نظر الناس إليه، ولكنه قبل التجمُّل وتحسين الثياب وتحسين موضوع نظر الناس يُنادي بإصلاح القلب الذي هو موضع نظر الله تعالى!
هذا تواضع المظهر، أما الآن فانظُرْ إلى تواضع السلوك، إنه بالمفهوم الديني نبيُّ هذه الأمة، وبالمفهوم السياسي رئيس الدولة، ولكنه يقول: دعوا الرجل! ويسمحُ له بالاقتراب وإمساك زمام الناقة، ويُجيبه عما سأل، وبعضنا إذا جلس خلف مكتبه الفاخر تعالى على الناس كأنه مدير المجموعة الشمسية لا كوكب الأرض فحسب!
والآن اُنظرْ إلى تواضع المُعلم، لقد وُفِّقَ الرجل في سؤاله، فيُثني على السؤال خيراً، إنه حضٌّ خفِيٌ لأصحابه مفاده: "اهتموا بآخرتكم"!
ثمة حقيقة تغيب عنا اليوم، ألا وهي أن إصلاح الدين يُؤدي إلى إصلاح الدنيا، بينما نحن اليوم نريدُ أن نُصلح الدنيا ثم نلتفت لشأن الدين، نهتم بما وعدنا الله إياه، أكثر مما نهتم بما افترضه علينا! فعلى سبيل المثال إن الله فرضَ علينا العبادة وتكفَّل لنا بالرزق، ثم تجد من يسألك: لنفترض أني أغلقتُ دكاني وذهبتُ للمسجد وقت الصلاة، أليس من المُحتمل أن يأتي الزبون ولا يجدني فيذهب إلى غيري؟! وهذا سؤال مشروع لمن يعتقد أن الدكان ترزق، أما من يعتقد أن الله هو الرازق، وأن الدكان ليس إلا باباً للرزق، فيمضي إلى ما أُمر به وكله يقين أنه سيحصل على ما وُعد به!
ثم إن الجنّة قريبة سهلة، لا تُشرِك، صلِّ وصُمْ وتصدَّق، وصِلْ رحمكَ!
والسلام!
ليس تقليلاً من شأن الصَّدقة، ولا قيام الليل، ولا صيام النَّفل، على العكس تماماً، فما زال العبد يتقرَّب إلى الله بالنوافل حتى يُحبه، ولكن لا بُدَّ أن يُفهم أنه ما تقرَّب عبد إلى الله بمثل ما افترضه عليه، بمعنى أن قطرة عرق على جبينك في صلاة الظهر في نهار رمضان وأنتَ ذاهب إلى المسجد خير من دموعك في صلاة التراويح، لأن الأولى فريضة والثانية نافلة، ويا لحظ من جمع بين الحُسنيين!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
دَعِ النَّاقة!
المكان عرفة، والزمان حجَّة الوداع، أما الحدث فأعرابيٌّ يسألُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأُخبِرَ أنه ذاك الرجل على الناقة... ويتخطَّى الأعرابيُّ حشد الصحابة، ثم يحولُ بعضهم بينه وبين النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يخشون أن يُوقفه عن مسيره، ولكنه قال لهم: دعوا الرجل!
فدنا الأعرابي حتى أمسكَ بخطام الناقة، ونظرَ إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وليتَ عينيَّ في رأسه لأرى ما رأى! فقال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ما تُريد؟
فقال: يا رسول الله، شيئان أسألك عنهما: أخبرني بما يُقربني من الجنة وما يُباعدني من النار!
فنظر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أصحابه وقال: لقد وُفِقَ إلى الخير في سؤاله
ثم قال للأعرابي: أُعبدِ اللهَ ولا تشرك به شيئاً من الأوثان، وأَقمِ الصلاة المكتوبة وأدِّ الزكاة المفروضة، وصُمْ رمضان، وصِلْ رحمك.
فقال الأعرابي: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذه الأوامر شيئاً، ولا أنقصُ منها شيئاً.
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لقد استوفيتَ، دَعِ الناقة!
فلما مضى الأعرابي، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إن تمسَّك هذا الرجل بما أُمِرَ به دخلَ الجنة، ومن أحبَّ مسروراً أن يرى رجلاً من أهل الجنة يحرص على دخولها ويسعى من أجلها فلينظر إلى هذا!
اُنظرْ إلى تواضع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، لا حشم ولا خدم، ولا تاج ولا صولجان، ولا موكب ملكي، لدرجة أنه كان لا يتميَّز عن أصحابه بلباس أو علامة، وكان من لا يعرفه لا يعرف أنه هو إلا إذا دُلَّ عليه، وما عرفه الأعرابي إلا بعد أن سأل عن صفاته، ولقد تكرَّر كثيراً في السيرة أن يأتي الأعرابي من البادية والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم في أصحابه، فيدخل ويقول: أيكم محمد؟!
إنَّ هذا الدين ليس ضد التجمُّل ولا الثياب الحسنة، ولا ضد أن يُحسِّنَ المسلمُ موضع نظر الناس إليه، ولكنه قبل التجمُّل وتحسين الثياب وتحسين موضوع نظر الناس يُنادي بإصلاح القلب الذي هو موضع نظر الله تعالى!
هذا تواضع المظهر، أما الآن فانظُرْ إلى تواضع السلوك، إنه بالمفهوم الديني نبيُّ هذه الأمة، وبالمفهوم السياسي رئيس الدولة، ولكنه يقول: دعوا الرجل! ويسمحُ له بالاقتراب وإمساك زمام الناقة، ويُجيبه عما سأل، وبعضنا إذا جلس خلف مكتبه الفاخر تعالى على الناس كأنه مدير المجموعة الشمسية لا كوكب الأرض فحسب!
والآن اُنظرْ إلى تواضع المُعلم، لقد وُفِّقَ الرجل في سؤاله، فيُثني على السؤال خيراً، إنه حضٌّ خفِيٌ لأصحابه مفاده: "اهتموا بآخرتكم"!
ثمة حقيقة تغيب عنا اليوم، ألا وهي أن إصلاح الدين يُؤدي إلى إصلاح الدنيا، بينما نحن اليوم نريدُ أن نُصلح الدنيا ثم نلتفت لشأن الدين، نهتم بما وعدنا الله إياه، أكثر مما نهتم بما افترضه علينا! فعلى سبيل المثال إن الله فرضَ علينا العبادة وتكفَّل لنا بالرزق، ثم تجد من يسألك: لنفترض أني أغلقتُ دكاني وذهبتُ للمسجد وقت الصلاة، أليس من المُحتمل أن يأتي الزبون ولا يجدني فيذهب إلى غيري؟! وهذا سؤال مشروع لمن يعتقد أن الدكان ترزق، أما من يعتقد أن الله هو الرازق، وأن الدكان ليس إلا باباً للرزق، فيمضي إلى ما أُمر به وكله يقين أنه سيحصل على ما وُعد به!
ثم إن الجنّة قريبة سهلة، لا تُشرِك، صلِّ وصُمْ وتصدَّق، وصِلْ رحمكَ!
والسلام!
ليس تقليلاً من شأن الصَّدقة، ولا قيام الليل، ولا صيام النَّفل، على العكس تماماً، فما زال العبد يتقرَّب إلى الله بالنوافل حتى يُحبه، ولكن لا بُدَّ أن يُفهم أنه ما تقرَّب عبد إلى الله بمثل ما افترضه عليه، بمعنى أن قطرة عرق على جبينك في صلاة الظهر في نهار رمضان وأنتَ ذاهب إلى المسجد خير من دموعك في صلاة التراويح، لأن الأولى فريضة والثانية نافلة، ويا لحظ من جمع بين الحُسنيين!
أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة