وذكّر 😍💪💗
373 subscribers
2.41K photos
810 videos
114 files
1.21K links
رابط القناة: https://t.me/joinchat/TllC_jXltzQQ52h4


بوت التواصل: @Wazer44_bot
Download Telegram
على منهاج النُّبُوَّة ٩٥
أن يصِلَ الرَّجُلُ وَدَّ أبيه!

خرجَ عبدُ الله بن عُمر بن الخطاب من المدينة يُريدُ مكة، وكان يركبُ ناقته ومعه حمارٌ يتروَّحُ عليه إذا ملَّ من ركوب الناقة، وعلى رأسه عمامة يشدُّ بها رأسه وتحميه من الشَّمس، وعليه عباءة جميلة…
فلقيَ في الطريقِ أعرابياً من أهل البادية، فسأله: ألستَ فلاناً ابنَ فُلان؟
قال: بلى
فقال له عبد الله: خُذْ هذا الحمار اركبْ عليه، وهذه العمامة تشُدَّ بها رأسك، وهذه العباءة البسها!
فلمَّا مضى الأعرابيُّ، قال أصحاب ابن عمر له: أصلَحَكَ الله، إنهم الأعرابُ، وإنه يُرضيهم اليسير، فلو أعطيتَه مالاً أو طعاماً، وأبقيتَ على حمارك وعمامتكَ وعباءتك!
فقال: إنَّ أبا هذا كان وَدَّاً لعُمر بن الخطاب، وإني سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "إنَّ أبرَّ البِرِّ أن يَصِلَ الرَّجُلُ وَدَّ أبيه"!

يا له من دين، ويا لها من أخلاق، البِرُّ ليس فقط أن تُحسِنَ إلى أبيك وأمك في حياتهما، بل أن تصلَ أصدقاءهما، ومن كان يُحبُّهما بعد موتهما!

وٱنظُرْ لبِرِّ ابن عُمر لأبيه، فالشاب الذي لَقِيَهُ لم يكُن هو صديق أبيه، هذا ابن صديق أبيه، ومع هذا فعل معه الذي فعل، فكيف به لو لقيَ صديقَ أبيه فعلاً؟!
وعن أبي أُسيد الأنصاري أن رجلاً جاء إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال له: يا رسول الله: هل بقيَ من بِرِّ أبويَّ شيءٌ أبرهما به؟
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "نعم، الدُّعاءُ لهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدِهما، وإكرامُ صديقهما، وصلةُ الرَّحِم التي لا توصَلُ إلا بهما"!

لا تزهدوا بأبرِّ البِرِّ، انظروا إلى أصدقاء وأحباب الوالدين فَصِلُوهم، يا له من بِرٍّ إذا مرضتْ صديقة الأم فجئتَ لزيارتها، وكأنَّكَ تقول لها: ولأجلٍ عينٍ ألفُ عينٍ تكرمُ!

ويا له من برٍّ أن تُخصِّصَ صديق أبيكَ بزيارةٍ بين الفينة والأخرى، وإذا لقيته في الطريق أن تُصافحه وتنبسط له، وإذا علمتَ أنَّ له حاجة أن تُسارع على الفور لتقضيها له!

أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ٩٦
هلَّا تركتَ الشيخَ في بيته؟!

وأخيراً فُتِحتْ مكة، الرَّجُلُ الذي نزلَ يوماً وحيداً من الغار يرتجِفُ من هول الوحي صار أُمة، والذي خرجَ رفقةَ أبي بكرٍ مُهاجراً تحت جنح الظلام بعد أن قررتْ قُريش قتله ها هو اليوم يدخل مكة في وضح النهار ومن أبوابها الأربعة! وجلستْ قُريشُ بين يديه تنتظرُ القصاص، ما تُراه يَفعل بهم، هؤلاء الذين كذَّبوه في دعوتِه، وآذوه في نفسِه، الذين وضعوا على رأسه سلى الجزور وهو ساجد عند الكعبة، وحاصروه في الشِّعب، واتهموه بالكذبِ والسحرِ والجنونِ ثم توَّجُوا كل ذلك بأن جمعوا من كل قبيلةٍ رجلاً ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرَّق دمه بين القبائل! ولكنه لم يثأرْ لنفسِهِ أبداً، فلم يزِدْ على أن قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء!

ويذهبُ أبو بكر إلى بيته، ويأتي بأبيه أبي قُحافة الطاعن في السِّن الذي لا تكاد تحمله قدماه ولم يكُن قد أسلمَ بعد، رغبةً أن يدعو له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيُسلم، فلما رآه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأبي بكر: هلَّا تركتَ الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟!
فقال أبو بكر: يا رسول الله هو أحقُّ أن يمشيَ إليكَ من أن تمشيَ أنتَ إليه!
فأجلسَهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بين يديه، ومسحَ على صدره، وقال له: أَسْلِمْ!
فأسلم أبو قُحافة، وبكا أبو بكر، الرجل الذي أسلم على يديه كبار الصحابة، وجاءت بعظماء الإسلام لديه أكرمَه الله بإسلامِ أبيه، والجزاءُ من جنس العمل!

وانظُرْ لأدبِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يهُن عليه أن يُؤتى بأبي قُحافة لِكِبَرِ سِنه، ويُخبرُ أنه كان على استعدادٍ أن يذهبَ هو إليه بنفسه! وكان دائماً يُشفقُ على كبار السن ويُكرمُهم، وكان يقول: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المُسلم"!
وجاءَ شيخٌ كبيرٌ في السن يُريدُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلم يُوسِّعوا له ليصل إليه، فقال لهم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويُوقر كبيرنا"!

تعاملْ مع كل شيخٍ على أنه والد أو جد، ومع كل عجوزٍ على أنها والدة أو جدة، فالإنسان في آخر عمره ينظرُ في ضعفه ومرضه وعجزه ويتحسَّرُ على ما فاتَ من مجدِه وقوتِه، فيشعرُ بانكسارٍ في قلبه وإن لم يبُحْ به، ولا شيء يرحمُ هذا الانكسار سوى التَّوقير الذي يجده مِمّّن حوله! وجبرُ الخواطرِ عِبادة!

ويروي ابن كثير عن طلحة بن عُبيد الله قال: خرجَ عُمر بن الخطاب في سوادِ الليل فدخلَ بيتاً، فلمَّا أصبحتُ ذهبتُ إلى ذلك البيت، فإذا هو لعجوزٍ عمياء مُقعدة، فقلتُ لها: ما بال هذا الرجل يأتيكِ؟
فقالتْ: إنه يتعاهدني منذ زمن، فيكنسُ بيتي، ويُطعمني، ثم يذهب!

أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ٩٧
ما بقيَ منها؟!

ذُبحتْ شاةٌ في بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمرَ أهله أن يتصدَّقوا منها، وخرج من بيته لبعضِ شأنه، فلما عاد سأل عائشة رضي الله عنها: ما بقيَ منها؟
فقالتْ: ما بقيَ منها إلا كتفها
فقال لها: بقيتْ كلها إلا كتفها!

جوابٌ عظيمٌ من رجلٍ عظيمٍ كان يُخبر الناس دوماً أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأنه اليوم زراعة ولا حصاد، وأن الآخرة حصاد بلا زرع!
كان لا يترك مناسبة إلا استغلها ليُخبر أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، فها هو حوارٍ زوجي عادي يدور مثله في كل البيوت، زوج يسأل زوجته عن مصروف البيت وطعامه، ولكنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يجعل من الحوار العادي مُناسبة لدرسٍ غير عادي!
إنه يسأل عائشة سؤال الدنيا: ما بقيَ منها؟
فتُجيبه جواب الدنيا: ما بقيَ منها إلا كتفها!
فيُعقِّب على كلامها بدرسٍ من دروس الآخرة: بقيتْ كلها إلا كتفها!

المالُ الذي نحمله بين أيدينا ليس لنا! إنه للبقالة، ومحطة البنزين، وفاتورة الكهرباء، ولبائع الثياب، وفرن الخبز، ومحلات الأدوات المنزلية، ومن ثم للورثة، مالنا الحقيقي هو ما ندَّخره عند الله اليوم لنجده عنده هناك غداً!
كتفُ الشاة سيُؤكل ويذهب، ولكن ما خرج من لحم الشاة صدقة وحده سيبقى عند الله، هناك في بنك الآخرة الذي تعهَّده رب العزة بكرمه، وفيه يقول النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: من تصدَّق بعَدْلِ/مقدار تمرة من كسبٍ طيِّب، ولا يقبل اللهُ إلا الطيِّب، فإنَّ الله يقبلها بيمينه ثم يُربيها لصاحبها كما يُربِّي أحدكم فَلُوَّه/الحصان الصغير، حتى تكون مثل الجبل!
يا له من بنك، ويا له من ادخار، مقدار تمرة من حلال تتصدقُ بها تريدُ وجه الله، يأخذها الرحمن بيمينه، ويُنميها لكَ، فإذا وقفتَ بين يديه غداً وجدتها كالجبل!
عندما نام السلطان سليمان القانوني على فراش الموت قال لمن حوله: عندما أموتُ أخرجوا يديَّ من التابوت ليرى الناس أن حتى السلطان يخرج من الدنيا خاليَ اليدين!

تصدقوا فليس للأكفان جيوب!

أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ٩٨
باعوه، فأكلوا ثمنه!

لما كان فتح مكة، قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلّّم: "إنّ الله عزّ وجل ورسولَه حرَّم بيعَ الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام
فقيل له: يا رسول الله، أرأيتَ شحوم الميتة؟ فإنه يُطلى بها السُّفن، ويُدهَنُ بها الجلود، ويستصبحُ بها الناس/أي يتخذون زيوتها للإضاءة.
فقال: لا، هو حرام، قاتلَ الله اليهود، إنَّ الله عزَّ وجلَّ لمَّا حرَّم عليهم الشحوم جملوه/أذابوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه!

ولم تعرف البشرية قوماً تحايلوا على الله في الفتوى كما فعل اليهود! فإنه سبحانه لمَّا نهاهم عن الصيد يوم السبت، امتحنهم في هذا، فكانت الأسماك تندر بقية أيام الأسبوع وتكثر يوم السبت، فلم يُطيقوا صبراً، فكانوا إذا أتت الأسماك قرب الشاطئ يوم السبت نزلوا إلى البحر، وأحاطوها بالشباك وحبسوها، ثم يتركونها هكذا حتى صبيحة الأحد، ينزعون شباكهم وأسماكهم فيأكلونها، فمسخهم الله قردةً وخنازير!

وفي هذه الأيام للأسف كثر التحايل في الفتوى، وتمَّ ليّ أعناق النصوص لتُوافق الهوى، يحسبُ الأغبياء أن الله يُخدع، وتعالى عالِم الغيب والشهادة، المُطَّلِع على الأسرار والضمائر أن تفوته النوايا!

وعن التحايل حدثني مرةً الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله عن رجلٍ انتقلَ من مدينةٍ إلى أخرى له فيها بنت عمٍ عندها بنتٌ صغيرة لها من العمر ثلاث سنوات، وزوج هذه المرأة مُسافر، ولم يجد هذا الرجل مكاناً يسكن فيه غير بيت ابنة عمه، ولمَّا قيل لهم أنّ هذا لا يجوز، أخذوا يبحثون عمّن يجد لهم حلاً شرعياً للأمر حتى أفتاهم من لا ذمة ولا دين له أن يُزوِّجوا الطفلة للرجل، ثم يُطلقها فوراً، وبهذه الطريقة تُصبح أمها مُحرَّمة عليه حُرمة أبدية شأن أمهات الزوجات وبهذا يستطيعُ أن يسكن معها وتنكشف عليه ولا حرج!

وعلى طريقة بني إسرائيل في اللف والدوران في شأن الشحوم وصيد الأسماك، سمعتُ مرةً من يفتي بأنه ما دام أكل الربا حرام فلا بأس أن يجعل المرءُ المال الربوي في شيء لا يُؤكل كأن يملأ بها سيارته من المحطة، ويدفع فاتورة الكهرباء، وأقساط المدرسة، وثمن أثاث البيت، أما الأكل فيشتريه من المال الحلال!
يبدو أن اليهود ليسوا قوماً فحسب وإنما فكرة أيضاً!

أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ٩٩
المرءُ مع من أحبَّ!

خرجَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في سفرٍ، وبينما هو جالسٌ في أصحابه يستريحون إذ جاء أعرابي جهوريّ الصوتِ ونادى: يا محمد!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: هاؤمُ
فقال له الصحابة: ويحطكَ اغضُضْ من صوتكَ فإنك عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقد نُهينا أن نرفع أصواتنا عنده
فقال: واللهِ لا أَغضُض!
ثم قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: المرءُ يُحِبُّ القوم، ولمَّا يلحق بهم
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: المرءُ مع من أحبَّ يوم القيامة!
فلم يفرح الصحابة يومها بشيءٍ فرحهم بقوله: المرءُ مع من أحبَّ يوم القيامة!

اُنظروا لأدبِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفِقهه في مراعاة العادات والطبائع، فهذا أعرابيّ ابن بيئته، تركتْ فيه الصحراء شيئاً من قسوتها وخشونتها، طبعٌ فظٌّ اكتسبه من معارك النجاة التي يخوضها كل يوم للاستمرار على قيد الحياة في بيئةٍ جُغرافيةٍ تكاد تكون الأقسى على سطح الأرض، وصوت جهوريّ عالٍ لزمه منذ الصغر لاتساع المسافات وحاجتهم للنداء، ومن مهنة زجر الإبل والغنم، لهذا تغاضى عن ذلكَ كله لأنه يعرفُ أن مردّه الطبع والعادة وليست مسألة شخصية ولا تقليل احترام! بل وأجابه حين نادى عليه يا محمد هكذا مُجرَّداً من لقب النبوة بلهجته فقال له: هاؤمُ أي ها أنا، أو تفضل قُلْ فإني أسمعكَ!
درسٌ عظيم لنا في أن لا نأخذ كل تصرُّف تنقصه اللياقة بصفة شخصية، فليس الجميعُ تعلَّموا ما تعلَّمتَ، ولا تربوا كما تربيتَ، ولا لهم الطباع التي فيكَ، بعض الناس يُناقشُ أعقد المسائل الفكرية بهدوء واتزان كأنه يقرأ في مصحف، وبعض الناس يُناقشُ في كرة القدم بصوتٍ مرتفعٍ تعتقدُ أنه سيقوم ويقتلُ الشخص الذي يُناقشه!
تفهُّم طبائع الناس، وبيئاتهم، وظروف نشأتهم، ومستوياتهم الثقافية، يُعينُ كثيراً على الحياة!

إذا كان الصحابة قد فرحوا يومها بالمرءِ مع من أحبَّ يوم القيامة، فيجب أن نكون نحن بها أشدُّ فرحاً، فيا لحظنا ونحن نحبُّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأهل بيته، ونحبُّ عمرَ وأبا بكر وعثمان وخالد وأبا عبيدة وبقية الثلة المباركة التي اصطفاها الله سبحانه لنصرةِ نبيِّه!
وكل شخصٍ لا يسرك أن تكون معه يوم القيامة فأَخرِجْ حبه من قلبك فالحُبُّ عبادة أيضاً!

أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١٠٠
ثكلتك أُمك يا معاذ!

كان السَّيرُ معه غنيمة، وكان الصحابة لا يُفرِّطون بالغنائم، ويا لحظِّ مُعاذ بن جبل حين سار معه يوماً فقال له: يا رسول الله أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنَّة ويُباعدني من النار!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لقد سألتَ عن عظيم، وإنه ليسيرٍ على من يسَّره الله عليه: تعبدُ الله ولا تُشركُ به شيئاً، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجَّ البيت! ثم قال لمُعاذ: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصَّدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئُ الماءُ النارَ، وصلاةُ الرجل من جوف الليل، ثم تلا "تتجافى جنوبهم عن المضاجع… "

ثم قال لمُعاذ: ألا أُخبرك برأس الأمر كله، وعموده وذروة سنامه؟
رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله.
ثم قال له : يا معاذ ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟
فقال مُعاذ: بلى يا رسول الله!
فأخذَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بلسانه وقال: كُفَّ عليكَ هذا!
فقال له مُعاذ: يا نبيَّ الله وإنا لمُؤاخذون بما نتكلم به؟
فقال له: ثكلتكَ أمكَ يا معاذ، وهل يكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!

هذا اللسان ليسَ فيه عظم ولكنه يكسِرُ العظم!
كم شخصٍ لم ينمْ ليلةً بسبب كلمةٍ جارحةٍ قالها له أحدهم ربما على سبيل التندُّر، فانفضَّ المجلس، وبقيتْ تلك الكلمة مغروزة كالسكين في قلبه!
كم بنتٍ توقَّف زواجها بسبب كلمةٍ قالها شخص في عرضها وهي بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما السَّلام!
كم شخصٍ فقد وظيفته، وقُوت أسرته وعياله، بكلمةٍ واشيةٍ من شخصٍ مؤذٍ يُحِبُّ الوشاية، ويُجيد التسلُّق على أكتاف الناس!
كم ميراثٍ سُلِب، بكلمةٍ على هيئة شهادة زور، كانت نتيجتها أن يُحرم إنسان من حقه ويأخذ غيره ما ليس له حق فيه!
كم صداقةٍ جميلة انفرط عقدها بكلمة على هيئة نميمة قِيلت عبثاً وحسداً وحقداً، فأضرمتْ النار، وأحالتْ الصداقة إلى عداوة، وملأتْ القلوب حقداً، بعد أن كانتْ عامرةً حُباً
انظروا في كلامكم، أو أقلامكم، في منشوراتكم في مواقع التواصل، في ردودكم على الناس، وتذكَّروا أنكم تكتبون في صحائفكم أولاً، وأنه لا يكب الناس على وجوههم في النار يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم!

أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١٠١
سُبِقتِ العضباء!

كان للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ناقةٌ تُسمى العضباء، سريعة لا تكادُ تُسبق، وكان من عادة العرب أن يُروِّحوا عن أنفسهم بسباق الإبل، ونبيُّ القوم منهم فكان يُسابقُ معهم، وكان الصحابة يفرحون إذا حلَّتْ العضباءُ أولاً وسبقتْ بقيَّة النوق، وذات يوم جاء أعرابي على جملٍ له فسابقَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فسبقه، فحزنَ الصحابة لذلكَ، وقالوا سُبقتِ العضباءُ!
فلما رأى ذلك في وجوههم قال: "إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ" !

الترويحُ عن النفس بالمُباح أمرٌ مشروع، لا يُنقص من الإيمان، ولا يقدحُ في رزانة الشخصية، واعتزالُ الحياة بكل ما فيها ليس غرضَ هذا الدين، وإنما يُريدُ الله منا أن ننغمسَ في الحياة وفقَ شرعه، نتمازح، ونخرجُ في النزهات، ونتزاور، ونذهب إلى الأسواق، ونتاجر، والحياة في كنفِ اللهِ جنة من جنان الدنيا فعيشوها!
تواضعْ مهما بلغتَ من الإيمان لن تبلغَ ذرَّةً مما بلغه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وها هو يشتركُ في سباقات قومه، يربحُ ويخسرُ، بل ويتقبَّلُ الخسارة بصدرٍ رحبٍ، وينتهزُ الفُرصة لدرسٍ من دروس العقيدة!
ومهما بلغتَ من المُلكِ وأوتيتَ من المال والجاه لن تبلغَ ذرَّةً في مُلكِ سُليمان عليه السَّلام وها هو يقف ويستمع لخطاب نملة ويبتسم!
التقوى ليستْ في اعتزال الحياة وإنما في اعتزال الحرام!

يوم نزل قول الله تعالى "اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً" فرح الصحابة بها وحُقَّ لهم، ولكن أبا بكر بكى يومها وقال: ليس بعد التمام إلا النقصان!

فإذا كان هذا الدين الذي حكم أتباعه هذا الكوكب، وقادوا الحضارة البشرية قروناً بعظمةٍ واقتدارٍ دار عليهم الزمان بعد أن فرطوا بالحق الذي بين أيديهم فباتوا في موقع المتأخر، فهل سيبقى هذا الباطل الذي يسود الدنيا هذه الأيام، لا واللهِ لن يدوم، وما وصول الباطل قمته التي نراها اليوم إلا بشارة بقرب زواله، وإنَّ أحلكَ ساعات الليل هي تلك التي تسبقُ الفجر بقليل، تذكروا أن العضباء سُبقتْ لأنه كان حقاً على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه، هذا والعضباء دابة، أفلا يضعُ الله هذا الشر والفجور وقد بلغ ذروته؟!

أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١٠٢
بثمنِها يا أبا بكر!

كان من عادةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مكة قبل الهجرة أن يأتيَ بيتَ أبي بكرٍ إما صباحاً وإما مساءً، وفي أحد الأيام أتاهُ ظُهراً على غيرِ عادته، فقالَ أبو بكر بفراسته المعهودة: ما جاءَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه السَّاعة إلا لأمرٍ قد حدث!
فلما دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأبي بكر: أَخْرِجْ مَن عندكَ!
فقال أبو بكر: يا رسول الله إنما هما ابنتايَ أسماء وعائشة!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أُذِنَ لي في الخروج/الهجرة!
فقال أبو بكر: الصُّحبة يا رسول الله!
فقال له: الصُّحبة يا أبا بكر!
فقال أبو بكر: يا رسول الله عندي ناقتين أعددتُهُما للخروج، فخُذْ إحداهما!
فقال له: قد أخذتُها بالثمن، فلا أركبُ بعيراً ليس لي!
فقال أبو بكر: فهو لكَ!
فقال له: لا، ولكن بالثمن الذي ابتعتها به
فقال أبو بكر: بثمنها إن شئتَ!

في الحقيقة لم تكن العلاقة بين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين أبي بكرٍ بهذه الرَّسمية، وهذا الحساب بالدرهم والدينار، على العكس تماماً نذرَ أبو بكر نفسه وماله فداءً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان عليه السَّلام يأخذُ منه دون حرج، ويكفي إثباتاً لهذا ما قاله قبل وفاته بأيام: "إنَّ من أَمَنِّ الناس عليَّ في صُحبتِه ومالِه أبو بكر"! لهذا السبب احتارَ الفُقهاءُ وأهلُ السِّيَرِ في إصرار النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يدفعَ ثمن الناقة وأعجبني من أقوالهم قول القائل : أصرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يدفع ثمن الناقة لتكون هجرته إلى الله بنفسه وماله رغبةً منه في استكمالِ فضلِ الهجرةِ والجِهادِ على أتمِّ أحوالِهما!

الأصلُ أن يتعامل الأصدقاء فيما بينهم بالمعروف، وأن لا يكون الحساب فيما بينهم كحسابِ التاجر والزبائن بالورقة والقلم، ومن خُلق الصحبة أن يتحسسَ المرءُ حال صديقه وخليله فإن عرفَ أنه له حاجة، أو نزلتْ به ضائقة أن يُسعفَه ويُعطيه قبل أن يُبادرَه بالسؤال، وإن بادرَه بالسؤال واستدانَ منه، فمن المروءة أن ينزلَ له عن بعضِ الدَّينِ فهذا من حُسنِ الصُّحبة ومكارم الأخلاق.
على أنه لا يتنافى مع الأخلاق أبداً أن تدُفعَ الحقوق بين الأصحاب كاملة، الأصدقاء ليسوا فاحشي الثراء كلهم، ويكفي من النُّبل أن أعانَ الصديقُ صديقَه وفرَّج كربَه، ولكن يبقى الإحسان والمعروف سيدا الأخلاق!

أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١٠٣
هلَّا مع صاحب الحق كنتم!

جاء أعرابي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتقاضاه ديناً عليه، فأغلظَ القول، حتى أنه قال: أُحرِّجُ عليكَ إلا قضيتني!
فانتهره الصحابة وقالوا: ويحكَ أتدري من تُكلِّم؟!
فقال: إني أطلبُ حقي!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهم: هلَّا مع صاحب الحقِّ كُنتم!
ثم أرسلَ إلى خولة بنت قيس، فقال لها: إن كان عندكِ تمرٌ فأقرضينا حتى يأتينا تمركِ فنقضيكِ!
فقالت: نعم، بأبي أنتَ وأمي!
فأقرضته، فأعطى للأعرابي، وزاده عن حقه!
فقال الأعرابيُّ: أوفيتَ أوفى اللهُ لكَ
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أولئك خيار الناس، إنه لا قُدِّسَتْ أُمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع/من غير أن يُصيبه أذى!

الدُّنيا لا تلبثُ على حال، وقلما تستقيمُ لأحد، يوم عُسر ويوم يُسر، يوم صحة ويوم مرض، يوم سعادة ويوم كدر، وهي بأمر الله لا تكفُّ عن مفاجئتنا، يحسبُ الإنسان حساباً ثم يشاء الله آخر! وقد ينزلُ بالإنسان أمر يضطره أن يستدين، والناس لبعضها، ومن فرَّج عن مسلمٍ كربةً من كُرَبِ الدنيا، إلا فرَّج الله عنه كُربةً من كُرَبِ الآخرة، على أن المدين يجب أن يُقابل الدائن بالإحسان، يكفي أنه مدَّ له يد العون، فلا يُماطل إذا جاء وقت السداد، وإذا لم تتيسر أموره فمن النُبل أن لا يُطنش بل أن يُخبره بتعسُّرِ أمره ويطلب مهلة أخرى!

لا يُحتملُ من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُخلف وعده، والأعرابي جاء يطلبُ دينه لحاجةٍ وقعتْ به قبل أن يحين وقتُ السَّداد، فأغلظَ القول، وقال كلاماً بأسلوبٍ فظٍّ ما كان ينبغي أن يُقال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رفضَ تعنيف الصحابة للأعرابي على سوء أسلوبه، لأن سوء الأسلوب لا يُلغي أنه صاحب الحق، وأخبرهم أنهم كان يجب أن يقفوا مع صاحب الحق!

علينا أن نفهم أن صاحب الحق قد يطلبه بأسلوبٍ فظٍّ، ربما صاحب الدين قال كلاماً قاسياً، والزوجة المظلومة زادتْ في شكواها، والعامل الذي أُكِل حقه لجأ إلى التشهير، هذه الأساليب لا تُلغي أن لهم حقاً وعلى من يستطيع إعانتهم في نيل حقوقهم أن يُعينهم، ثم بعد ذلك نُصح وإرشاد عن أدب استيفاء الحقوق، أما أن نُعطي صاحب الحق درساً في التربية المدنية، وأدب التخاطب دون مساعدته لنيل حقه، أو إخباره أنه صاحب حق على الأقل فمثالية زائدة!

أما أن نأكل حق إنسان لسوء أسلوبه، فنجعل هذه مقابل تلك، فهذا ليس من الإسلام في شيء، أنتَ مطالب أن تدفع ما عليكَ ولستَ مطالباً أن تربي الناس!

أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة
على منهاج النُّبُوَّة ١٠٤
غيِّرْ عتبة بابك!

تركَ إبراهيم عليه السَّلام بأمرٍ من الله سبحانه زوجته هاجر وابنها الرَّضيع إسماعيل عليه السَّلام في مكة، ثم كانتْ حادثة ماء زمزم الشهيرة، وساقَ الله سبحانه قبيلة جرهم لتُؤنسهم، وشبَّ إسماعيل عليه السَّلام بينهم، وتعلَّمَ العربيَّة منهم، ثم زوَّجوه امرأة منهم، ثم ماتتْ أُمنا هاجر، وجاءَ إبراهيم عليه السَّلام ينظرُ ما حلَّ بهم، وذهبَ إلى بيتِ إسماعيل عليه السَّلام، فسألَ زوجته عنه، فقالت: خرجَ يبتغي لنا/يُحصِّل معيشتنا. ثم سألَها عن حالِهم ومعاشِهم، فقالتْ: نحن في شرٍّ، نحن في ضِيقٍ وشِدَّة، وأخذتْ تشكو إليه وهي لا تعلم من هو.

فقال لها: إذا جاءَ زوجكِ فاقرئي عليه السَّلام، وقولي له يُغيِّر عتبةَ بابه!
فلما جاء إسماعيل عليه السَّلام، كأنَّه شعرَ بشيءٍ فسأل زوجته: هل جاءكم من أحد؟
فقالتْ: نعم، جاءنا شيخٌ أوصافه كذا وكذا، فسألنا عنكَ فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرْتُهُ أننا في فقرٍ وشِدَّة!
فقال لها: وهل أوصاكِ بشيء؟
فقالت: نعم، أمرَني أن أقرأ عليكَ السَّلام، ويقول لكَ غيِّرْ عتبة بابكَ!
قال: ذاكَ أبي، وقد أمرَني أن أُطلِّقكِ، الحقي بأهلكِ!

لم يَعِبْ إبراهيم عليه السَّلام زوجة ابنه في عرضها، معاذ الله،ثم إنَّ بيوت الأنبياء معصومة من هذا وإن لم تُعْصَمْ من الكُفر! وخيانة زوجتي نوحٍ ولوطٍ عليهما السَّلام الواردة في القرآن هي خيانة العقيدة والكفر لا خيانة الفِراش! ولكنه عابَ عليها كثرة نقها وشكواها وقِلة رضاها، فالمرأة كثيرة الشكوى والتبرُّم من أمور الرزق نائبة من نوائب الدَّهر، والرجال كذلك!

إسماعيل عليه السَّلام لم يَدَّخِر جهداً لتأمين قوت أهله باعتراف زوجته التي قالتْ خرج يبتغي لنا، ولكنها امرأة شَغَلَها النظر إلى ما في أيدي الناس عن النظرِ إلى ما في يدها فأدى ذلك إلى كفران النعمة، لهذا أمره أن يُطلِّقها!

وكذلك أمرَ عُمر بن الخطاب ابنه أن يُطلِّقَ زوجته فامتثلَ لأمره.

وجاءَ رجلٌ إلى الإمام أحمد يسأله في أمر أبيه الذي أمره أن يُطلِّق زوجته، فسأله: هل تعيب عليها شيئاً في دينها؟
فقال: لا
فقال له: فلا تُطلِّقها!
فقال: ولكن إبراهيم عليه السَّلام، وعُمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرا ابنيهما بطلاق زوجتيهما ففعلا.
فقال له: إن كان أبوكَ كإبراهيم عليه السَّلام وعمر بن الخطاب فطلِّقها!

خُلاصة الكلام أن الابن ليس مأموراً بطلاقِ زوجته إن كان دينها حسناً، وليس من البِرِّ طاعة الأبوين في خراب البيوت، وخسارة امرأة صالحة، على أن بِرَّ الآباء والأمهات واجب وإن كرها الزوجة!
هذه الدنيا دار امتحان، والرزقُ من امتحانات الله في الدنيا، وعلينا أن نتأدَّب مع الله، ونرضى بأقداره، دون ترك أسباب الرزق، والإقبال على المِهن والأعمال، والرِّضا عن قسمة الله غنى، والسخط فقر آخر، وعلى الأهل أن يتقوا الله ولا يسعوا في خراب بيوت أبنائهم!

أدهم شرقاوي
#على_منهاج_النبوة