قِصَّة مُعَانَاةِ اَلمَرْأَةِ فِي زَمَنِ مُوسَى- عَلَيْهِ اَلسَّلامُ (1)
الحمْد لِلَّه ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على أَشرَف الأنْبياء والمرْسلين نَبِينَا مُحمَّد وَعلَى آله وَصحبِه أجْمعين، وبعْد،
خَلق اَللَّه المرْأة لِتكون سكنًا لِلرَّجل، فكانتْ أُمُّنا حَوَّاء سكنًا لِأبينَا آدمَ- عليْه السَّلام- وليتحقَّق هذَا السَّكَنُ، جعل اَللَّه فِي قَلب الرَّجل والمرْأة المَودة والرَّحْمة مِن أَوَّل النَّظْرة الشَّرْعيَّة، وَالتِي هِي آية مِن آيات اللَّه العظيمة تَحْتاج إِلى تَأمُّل وتفكُّرٍ. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]
قال الثعالبي رحمه الله: (الرَّجل لا يسكن إلى شيء كسكونه إلى زوجته الموافقة المواتية له، لأنَّ الله عزَّ اسمُه يقول: (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) ولم يخصص بهذه الصِّفة غير النِّساء، ولذلك يهجر الرَّجل والديه وأولاده ومن دونهم بسبب زوجته، ولذلك لا يهتم أحدٌ لأحدٍ كاهتمام المرأة الصَّالحة لزوجها فِي شفقتها عليه وعلى عياله، ولا يكاد يتم أمر منزل الرَّجل ومروءته إلا بِحُرَّة شفيقة رفيعة صالحة عفيفة، وإلا اختلت أموره واضطربت أسبابه). (اللطائف والظرائف 164)
فهذه المرأة بمجرد أن يُعقد عليها تُقبل على هذا الرَّجل الغريب بكلِّيتها وبكامل سعادتها، وتشعر من أوَّل يومٍ بقوَّة ارتباطٍ عاطفِي نحوه، ولو قيل للرَّجل اصنع هذا الارتباط فِي ليلةٍ واحدةٍ لما استطاع.
ثم هذه الرَّحمة التي يشعر بها الرَّجل فِي قلبه تجاه هذه المرأة؛ لو قيل له: كيف وُجدت فِي قلبك من أوَّل ليلة؟ لما استطاع أن يجيب.
فتَكونَت اَلأُسرة وَتَكونَت المجْتمعات وَعَاش النَّاس على هَذِه العلاقة مُنْذ خَلق اللَّه أَبَانا آدم وأُمَّنا حوَّاءَ، وَسَتبقَى إِلى أن يَرِثَ اللَّه الأرْض ومن عليْهَا.
وَلكِن عَبْر التَّاريخ البشَريِّ مَرَّت أَزمِنة ظُلمَت فِيهَا المرْأة وانْتُقص مِن قدْرهَا وعانتْ مُعانَاة شَدِيدَة بِسَبب بُعْد النَّاس عن دِين اَللَّه اَلذِي أَنزَله على رُسله، فاخْتَرع النَّاسُ لِأنْفسهم عاداتٍ وتقاليدَ مَبنِية على الهوى والجَهْل والخرافة، بل عَبدُوا غَيْر اللَّه عزَّ وَجلَّ، وشرعوا لِأنْفسهم التَّشْريعات اَلتِي مَا أَنزَل اللَّه بِهَا مِن سُلطانٍ.
وَطَبيعَةُ أيِّ تَشرِيع يَضعُه البشرُ لِأنْفسهم أَنَّه يُرَاعِي مَصْلَحة مَن وَضعه مِن أَصحَاب اَلقُوة والنُّفوذ فِي المجْتمع، وَهذَا سيؤدِّي حتْمًا إِلى ظُلم اَلضعِيف فِي المجْتمع.
فلَا يُوجَد فِي الأرْض تَشرِيعٌ اخترعه النَّاس مِن عِنْد أَنفُسهم يُعْطِي اَلجمِيعَ حَقَّهُ، ويحقِّق مصالحَهمْ، لِأنَّ مَن يضع التَّشْريعاتِ يُرَاعِي نَفسَه وَنفُوذَه ومصالحَه وَمَن مَعهُ، ولَا يُرَاعِي النَّاس.
والملاحظ أنَّ أَكثَر مَن ظُلم فِي التَّشْريعات البشريَّة عَبْر التَّاريخ قَبْل الإسْلام، وَفِي زَمانِنا هذَا بَعْد إِعْراضنَا عن شَرْع اللهِ، والتزامنَا بِالقوانين الوضْعيَّة والمواثيق الدَّوْليَّة- أَقُول أَكثَر مَن ظُلم هِي المرْأةُ.
فالمرْأة عِنْد اليونان تُعتَبَرُ رِجْسًا، وكانتْ مُسْتعْبدة لا حقَّ لَهَا فِي شيْء، تُبَاعُ وتُشْترى، فَلمَّا تَمرَّدَت على هذَا الواقع أَصبَحت مُبتذلَة فِي كُلِّ وادٍ ونادٍ، تَختَلِط بِالرِّجال فيأْخذون مِنهَا أعزَّ مَا تَملِك ثُمَّ يتْركونهَا تعيش آلامَهَا وحْدهَا!
وَأَمَّا عِنْد اَلرُّومَانِ فَهِيَ مِلكٌ لِأَبِيهَا وَلَيْسَ لَهَا حَقُّ اَلتَّصَرُّفِ فِيمَا تَمْلِكُ، فَلَمَّا تَمَرَّدَتْ عَلَى وَضْعِهَا، أَعْطَوْهَا حَقَّ اَلمِلكِيَّةِ فِي بَيْعِ نَفْسِهَا لَمِنْ تُرِيدُ بَعْد وَفَاةِ أَبِيهَا، وَإِذَا تَزَوَّجَتْ أَصْبَحَ اَلحَقُّ كُلُّهُ لِزَوْجِهَا، وَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِي شَيْءٍ!
وَأمَّا اَلهُنود فلم يروْا لِلمرْأة حقًّا فِي الحيَاة بَعْد وَفَاة زوْجهَا، فَتُحرَق معه بَعْد مَماتِه وَهِي حَيَّة. وَهِي أَسوَأ مَخلُوق عِنْدهم على وَجْه اَلأرْضِ!
واليهود لمَّا حَرَّفُوا التَّوْراة شَرعُوا لِأنْفسهم احتِقار المرْأة، وَمَنعهَا مِن الميراث، ويعْتبرونهَا لَعنَة لِأنَّهَا أَغوَت أبانَا آدم وأخْرجتْه مِن الجنَّة!
أَمَّا إِذَا حَاضَت فيعْتبرونهَا نجسة، وتَنجَّس كُلُّ شَيْء تَمسُّه بِيدهَا، فيعْتزلونهَا تمامًا؛ فلَا يجْتمعون مَعهَا فِي أَكْلٍ أو شُرْبٍ أو فِرَاشٍ واحد!
والنَّصارى مِثْلُ اليهود، لمَّا حَرفُوا دِينهم أهانوا المرْأة واعْتبروهَا باب الشَّيْطان لِلفتْنة والإغْواء، وناقشوا فِي أحد مُؤْتمراتهم مَوضُوع المرْأة، وهل هِي إِنسَان أَم غَيْر إِنْسان؟!
الحمْد لِلَّه ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على أَشرَف الأنْبياء والمرْسلين نَبِينَا مُحمَّد وَعلَى آله وَصحبِه أجْمعين، وبعْد،
خَلق اَللَّه المرْأة لِتكون سكنًا لِلرَّجل، فكانتْ أُمُّنا حَوَّاء سكنًا لِأبينَا آدمَ- عليْه السَّلام- وليتحقَّق هذَا السَّكَنُ، جعل اَللَّه فِي قَلب الرَّجل والمرْأة المَودة والرَّحْمة مِن أَوَّل النَّظْرة الشَّرْعيَّة، وَالتِي هِي آية مِن آيات اللَّه العظيمة تَحْتاج إِلى تَأمُّل وتفكُّرٍ. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]
قال الثعالبي رحمه الله: (الرَّجل لا يسكن إلى شيء كسكونه إلى زوجته الموافقة المواتية له، لأنَّ الله عزَّ اسمُه يقول: (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) ولم يخصص بهذه الصِّفة غير النِّساء، ولذلك يهجر الرَّجل والديه وأولاده ومن دونهم بسبب زوجته، ولذلك لا يهتم أحدٌ لأحدٍ كاهتمام المرأة الصَّالحة لزوجها فِي شفقتها عليه وعلى عياله، ولا يكاد يتم أمر منزل الرَّجل ومروءته إلا بِحُرَّة شفيقة رفيعة صالحة عفيفة، وإلا اختلت أموره واضطربت أسبابه). (اللطائف والظرائف 164)
فهذه المرأة بمجرد أن يُعقد عليها تُقبل على هذا الرَّجل الغريب بكلِّيتها وبكامل سعادتها، وتشعر من أوَّل يومٍ بقوَّة ارتباطٍ عاطفِي نحوه، ولو قيل للرَّجل اصنع هذا الارتباط فِي ليلةٍ واحدةٍ لما استطاع.
ثم هذه الرَّحمة التي يشعر بها الرَّجل فِي قلبه تجاه هذه المرأة؛ لو قيل له: كيف وُجدت فِي قلبك من أوَّل ليلة؟ لما استطاع أن يجيب.
فتَكونَت اَلأُسرة وَتَكونَت المجْتمعات وَعَاش النَّاس على هَذِه العلاقة مُنْذ خَلق اللَّه أَبَانا آدم وأُمَّنا حوَّاءَ، وَسَتبقَى إِلى أن يَرِثَ اللَّه الأرْض ومن عليْهَا.
وَلكِن عَبْر التَّاريخ البشَريِّ مَرَّت أَزمِنة ظُلمَت فِيهَا المرْأة وانْتُقص مِن قدْرهَا وعانتْ مُعانَاة شَدِيدَة بِسَبب بُعْد النَّاس عن دِين اَللَّه اَلذِي أَنزَله على رُسله، فاخْتَرع النَّاسُ لِأنْفسهم عاداتٍ وتقاليدَ مَبنِية على الهوى والجَهْل والخرافة، بل عَبدُوا غَيْر اللَّه عزَّ وَجلَّ، وشرعوا لِأنْفسهم التَّشْريعات اَلتِي مَا أَنزَل اللَّه بِهَا مِن سُلطانٍ.
وَطَبيعَةُ أيِّ تَشرِيع يَضعُه البشرُ لِأنْفسهم أَنَّه يُرَاعِي مَصْلَحة مَن وَضعه مِن أَصحَاب اَلقُوة والنُّفوذ فِي المجْتمع، وَهذَا سيؤدِّي حتْمًا إِلى ظُلم اَلضعِيف فِي المجْتمع.
فلَا يُوجَد فِي الأرْض تَشرِيعٌ اخترعه النَّاس مِن عِنْد أَنفُسهم يُعْطِي اَلجمِيعَ حَقَّهُ، ويحقِّق مصالحَهمْ، لِأنَّ مَن يضع التَّشْريعاتِ يُرَاعِي نَفسَه وَنفُوذَه ومصالحَه وَمَن مَعهُ، ولَا يُرَاعِي النَّاس.
والملاحظ أنَّ أَكثَر مَن ظُلم فِي التَّشْريعات البشريَّة عَبْر التَّاريخ قَبْل الإسْلام، وَفِي زَمانِنا هذَا بَعْد إِعْراضنَا عن شَرْع اللهِ، والتزامنَا بِالقوانين الوضْعيَّة والمواثيق الدَّوْليَّة- أَقُول أَكثَر مَن ظُلم هِي المرْأةُ.
فالمرْأة عِنْد اليونان تُعتَبَرُ رِجْسًا، وكانتْ مُسْتعْبدة لا حقَّ لَهَا فِي شيْء، تُبَاعُ وتُشْترى، فَلمَّا تَمرَّدَت على هذَا الواقع أَصبَحت مُبتذلَة فِي كُلِّ وادٍ ونادٍ، تَختَلِط بِالرِّجال فيأْخذون مِنهَا أعزَّ مَا تَملِك ثُمَّ يتْركونهَا تعيش آلامَهَا وحْدهَا!
وَأَمَّا عِنْد اَلرُّومَانِ فَهِيَ مِلكٌ لِأَبِيهَا وَلَيْسَ لَهَا حَقُّ اَلتَّصَرُّفِ فِيمَا تَمْلِكُ، فَلَمَّا تَمَرَّدَتْ عَلَى وَضْعِهَا، أَعْطَوْهَا حَقَّ اَلمِلكِيَّةِ فِي بَيْعِ نَفْسِهَا لَمِنْ تُرِيدُ بَعْد وَفَاةِ أَبِيهَا، وَإِذَا تَزَوَّجَتْ أَصْبَحَ اَلحَقُّ كُلُّهُ لِزَوْجِهَا، وَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِي شَيْءٍ!
وَأمَّا اَلهُنود فلم يروْا لِلمرْأة حقًّا فِي الحيَاة بَعْد وَفَاة زوْجهَا، فَتُحرَق معه بَعْد مَماتِه وَهِي حَيَّة. وَهِي أَسوَأ مَخلُوق عِنْدهم على وَجْه اَلأرْضِ!
واليهود لمَّا حَرَّفُوا التَّوْراة شَرعُوا لِأنْفسهم احتِقار المرْأة، وَمَنعهَا مِن الميراث، ويعْتبرونهَا لَعنَة لِأنَّهَا أَغوَت أبانَا آدم وأخْرجتْه مِن الجنَّة!
أَمَّا إِذَا حَاضَت فيعْتبرونهَا نجسة، وتَنجَّس كُلُّ شَيْء تَمسُّه بِيدهَا، فيعْتزلونهَا تمامًا؛ فلَا يجْتمعون مَعهَا فِي أَكْلٍ أو شُرْبٍ أو فِرَاشٍ واحد!
والنَّصارى مِثْلُ اليهود، لمَّا حَرفُوا دِينهم أهانوا المرْأة واعْتبروهَا باب الشَّيْطان لِلفتْنة والإغْواء، وناقشوا فِي أحد مُؤْتمراتهم مَوضُوع المرْأة، وهل هِي إِنسَان أَم غَيْر إِنْسان؟!
والعرب فِي الجاهلية دفنوها وهي حية مخافة العار، ومن عاش من النساء ولم توأد فليس لها حقٌّ فِي زواج ولا ميراث، ولا حرية، ونصيبها التشاؤم من ولادتها.
أما ما يسمى بالحضارة الغربية المعاصرة والتي جاءت بعد الثورة الفرنسية فلم يتغير وضع المرأة فيها إلى التكريم، بل وصل الحال بهم اليوم إلى استعمال المرأة فِي كل ملذَّاتهم، وأوهموها بأن التعري ومعاشرة من تشاء من الرجال حرية يجب أن تسعى لها وتطالب بها! ثم جعلوا ذلك فِي قوانين من صياغة البشر، وألزموا بها الدول ضمن اتفاقيات ومعاهدات وقوانين دولية، حاربوا بها شريعة الإسلام التي أنصفت المرأة وأعطتها حقوقها التي سلبها النَّاس منها بابتعادهم عن اتباع الرسل.
لقد عانت المرأة فِي الغرب زمن الإقطاعيين، وعانت زمن الثورة الصناعية، وعانت زمن ما يُسمَّى بالحرية، وكانت فِي كل هذه الأزمنة تُساوَم على شرفها وعِفَّتها، وتُستخدم فِي تحقيق مآرب أهل المال والقوة، ثم تُرمى فِي الحضيض لتعيش آلامها وحدها!
وليست الثورة الشيوعية البلشفية بأحسن حالًا فِي التعامل مع المرأة، بل كذبوا عليها فأصبحت مشاعًا للجميع، يتمتع بها من شاء، وليس لها حقٌّ فِي شيء.
وحرية المرأة وحقوقها التي ينادي بها الغرب اليوم لا تظهر فِي مواطن الحروب، فهذه المرأة السورية تعاني فِي المخيمات، والمرأة السودانية يُعتدى عليها وهي فِي بيتها، وقبلها الصومالية فِي حرب (إعادة الأمل) والتي أبادت الأمل، ومثلها كل امرأة مسلمة فِي بقاع الأرض تطحنها الحرب!
ومن تابع ما فعله الأمريكان فِي نساء العراق يموت بحسرته على واقع الأُمَّة المرير.
فهل هناك معاناة أكبر من معاناة المرأة عبر الزمن؟! فقد ظُلمت على أيدي أرباب المال والقوة من الكفَّار والملحدين والمنحرفين عن اتباع الرسل.
وقد شاركهم فِي ظلمهم للمرأة من ينتسب إلى دين الإسلام بصدها عن شريعة الله، والدفع بها إلى الفساد والمجون لتعيش فِي تعاسة بعدها، عندما ينتهي من الفجور بها أهل الفجور.
والعامل المشترك بين كل من ظلم المرأة عبر التاريخ هو البعد عن شريعة الله واختراع قوانين بشرية تهين المرأة، وهي تزعم أنها لصالح المرأة. ومن تأمل فِي هذه القوانين يدرك ذلك جيدًا.
فما معاناة المرأة فِي زمن موسى عليه السلام؟
في هذه السلسلة الرمضانية سنتحدث إن شاء الله عن معاناة المرأة في زمن موسى عليه السلام.
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
1 رمضان 1446هـ
أما ما يسمى بالحضارة الغربية المعاصرة والتي جاءت بعد الثورة الفرنسية فلم يتغير وضع المرأة فيها إلى التكريم، بل وصل الحال بهم اليوم إلى استعمال المرأة فِي كل ملذَّاتهم، وأوهموها بأن التعري ومعاشرة من تشاء من الرجال حرية يجب أن تسعى لها وتطالب بها! ثم جعلوا ذلك فِي قوانين من صياغة البشر، وألزموا بها الدول ضمن اتفاقيات ومعاهدات وقوانين دولية، حاربوا بها شريعة الإسلام التي أنصفت المرأة وأعطتها حقوقها التي سلبها النَّاس منها بابتعادهم عن اتباع الرسل.
لقد عانت المرأة فِي الغرب زمن الإقطاعيين، وعانت زمن الثورة الصناعية، وعانت زمن ما يُسمَّى بالحرية، وكانت فِي كل هذه الأزمنة تُساوَم على شرفها وعِفَّتها، وتُستخدم فِي تحقيق مآرب أهل المال والقوة، ثم تُرمى فِي الحضيض لتعيش آلامها وحدها!
وليست الثورة الشيوعية البلشفية بأحسن حالًا فِي التعامل مع المرأة، بل كذبوا عليها فأصبحت مشاعًا للجميع، يتمتع بها من شاء، وليس لها حقٌّ فِي شيء.
وحرية المرأة وحقوقها التي ينادي بها الغرب اليوم لا تظهر فِي مواطن الحروب، فهذه المرأة السورية تعاني فِي المخيمات، والمرأة السودانية يُعتدى عليها وهي فِي بيتها، وقبلها الصومالية فِي حرب (إعادة الأمل) والتي أبادت الأمل، ومثلها كل امرأة مسلمة فِي بقاع الأرض تطحنها الحرب!
ومن تابع ما فعله الأمريكان فِي نساء العراق يموت بحسرته على واقع الأُمَّة المرير.
فهل هناك معاناة أكبر من معاناة المرأة عبر الزمن؟! فقد ظُلمت على أيدي أرباب المال والقوة من الكفَّار والملحدين والمنحرفين عن اتباع الرسل.
وقد شاركهم فِي ظلمهم للمرأة من ينتسب إلى دين الإسلام بصدها عن شريعة الله، والدفع بها إلى الفساد والمجون لتعيش فِي تعاسة بعدها، عندما ينتهي من الفجور بها أهل الفجور.
والعامل المشترك بين كل من ظلم المرأة عبر التاريخ هو البعد عن شريعة الله واختراع قوانين بشرية تهين المرأة، وهي تزعم أنها لصالح المرأة. ومن تأمل فِي هذه القوانين يدرك ذلك جيدًا.
فما معاناة المرأة فِي زمن موسى عليه السلام؟
في هذه السلسلة الرمضانية سنتحدث إن شاء الله عن معاناة المرأة في زمن موسى عليه السلام.
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
1 رمضان 1446هـ
قصة معاناة المرأة فِي زمن موسى - 2
إهانة الرِّجال بظلم النساء
من أكبر صور الدناءة عند الطغاة عبر التاريخ، إهانة الرَّجل بالتعدي على نسائه وظلمهم؛ أُمًّا كانت أو أُختًا، أو زوجةً أو بنتًا.
لأنَّ الرَّجل الشَّهم يقبل الموت على نفسه والتَّعذيب، ولا يُمسُّ عِرض نسائه بشيء.
والطُّغاة فِي كلِّ زمان يعرفون أنَّ هذه نقطة ضعف الرَّجل فيستعملونها لقهر الرِّجال.
وفرعون هو مدرسة الطُّغاة فِي تعاملهم مع الرِّجال، وخاصَّة العلماء والدُّعاة، فكلُّ طاغية ينهل من طريقة فرعون ويتشبَّه به، ولا يخلو طاغية عبر الزَّمن من التَّشبُّه بفرعون بصورة من الصُّور، ولذلك ذُكِرت قصَّة نبيِّ اللَّه موسى عليه السَّلام مع فرعون فِي كلِّ جزء من أجزاء القرآن الكريم، وهي أكثر قصَّة مفصَّلة فِي القرآن.
وقد سلك فرعون فِي قهر رجال بني إسرائيل طريق الإساءة إلى نسائهم وذرِّيَّاتهم. قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4]
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: (يقول تعالى ذكره: إنَّ فرعون تجبر فِي أرض مصر وتكبَّر، وعلا أهلها وقهرهم، حتَّى أقرُّوا له بالعبوديَّة). (تفسير الطبري 19/516)
وقال ابن كثير رحمه الله: (أَيْ تَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ وَطَغَى (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعًا) أَيْ أَصْنَافًا قَدْ صَرَّفَ كُلَّ صِنْفٍ فِيمَا يُرِيدُ مِنْ أمور دولته.
وقوله تعالى: (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خِيَارَ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، هَذَا وقد سُلِّط عليهم هذا الملك الجبَّار العتيد يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي أَخَسِّ الْأَعْمَالِ، وَيُكِدُّهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي أَشْغَالِهِ وَأَشْغَالِ رَعِيَّتِهِ، وَيَقْتُلُ مَعَ هَذَا أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، إِهَانَةً لَهُمْ وَاحْتِقَارًا وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمُ الْغُلَامُ الَّذِي كَانَ قد تخوَّف هو وأهل مملكته منه أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ غُلَامٌ، يَكُونُ سَبَبُ هَلَاكِهِ وَذَهَابُ دَوْلَتِهِ عَلَى يَدَيْهِ). (تفسير ابن كثير 6/ 198)
وقال السعدي رحمه الله: (فأوَّل هذه القصَّة: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ) فِي ملكه وسلطانه وجنوده وجبروته، فصار من أهل العلو فيها، لا من الأعلين فيها. (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) أي: طوائف متفرقة، يتصرف فيهم بشهوته، وينفذ فيهم ما أراد من قهره، وسطوته. (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ) وتلك الطَّائفة، هم بنو إسرائيل، الَّذين فضَّلهم اللَّه على العالمين، الَّذين ينبغي له أن يكرمهم ويجلَّهم، ولكنَّه استضعفهم، بحيث إنَّه رأى أنَّهم لا منعة لهم تمنعهم ممَّا أراده فيهم، فصار لا يبالي بهم، ولا يهتمُّ بشأنهم، وبلغت به الحال إلى أنَّه (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) خوفًا من أن يكثروا، فيغمروه فِي بلاده، ويصير لهم الملك. (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) الذين لا قصد لهم فِي إصلاح الدين، ولا إصلاح الدنيا، وهذا من إفساده فِي الأرض). (تفسير السعدي 611)
لقد احتقر فرعون رجال بني إسرائيل وأهانهم بقتل أبنائهم واستغلال نسائهم، وهذا هو سوء العذاب.
إنَّ هذا الأسلوب فِي قهر الرِّجال لا يزال يُعمل به فِي زماننا هذا، ولكن بطرقٍ حديثة.
فقانون العنف ضدَّ النِّساء يهين الرَّجل، فلا كلمة له على زوجته، ولا حقَّ له عليها!
واتِّفاقيَّة (القضاء على جميع أشكال التَّمييز ضدَّ المرأة) والمشهورة بـ (سيداو) تُهين المرأة وتمسخ شخصيَّتها وتُلغي كلَّ خصوصيَّة لها فِي أيِّ مكان، لأنَّهم يعدُّون خصوصيَّاتها تمييزًا للرَّجل عليها!
فترغم البنت على الدِّراسة مع الشَّابِّ، وإذا مرضت المرأة كشف عليها الرِّجال، بل لا يوجد فِي أيِّ قاعة انتظار فِي أيِّ منشِّط حكوميّ أو خاصّ، مكانًا خاصًّا بالمرأة. وهذا يقهر الرَّجل الصَّالح الَّذي يريد تربية أهل بيته على تعاليم الإسلام.
وقانون الطِّفل يُجرِّئ الفتاة على أبيها، ويمنع الأب من تأديب ابنته بأيِّ صورةٍ من صور التَّأديب المأذون بها شرعًا، ولو تجرَّأ الأب على ذلك، فيمكنها أن تشتكي عليه!
ولا يستطيع الأب أن يمنع ابنته من السفر لوحدها، أو يمنعها من حضور الحفلات المختلطة، أو غيرها. وبهذا يُقهر الرِّجال فِي بلاد المسلمين على أيدي الموالين للغرب من المسلمين والمنافقين.
ولكن، هل هؤلاء الذين ينادون بهذه القوانين أكرموا المرأة بقوانينهم أم استغلوها؟
والجواب تعرفه كلُّ امرأة عاقلة، فهي تعلم جيدًا فِي قرارة نفسها أنَّهم بهذه القوانين إنَّما يريدونها سلعة يستمتعون بها ويستخدمونها فِي الكسب المادي لهم.
إهانة الرِّجال بظلم النساء
من أكبر صور الدناءة عند الطغاة عبر التاريخ، إهانة الرَّجل بالتعدي على نسائه وظلمهم؛ أُمًّا كانت أو أُختًا، أو زوجةً أو بنتًا.
لأنَّ الرَّجل الشَّهم يقبل الموت على نفسه والتَّعذيب، ولا يُمسُّ عِرض نسائه بشيء.
والطُّغاة فِي كلِّ زمان يعرفون أنَّ هذه نقطة ضعف الرَّجل فيستعملونها لقهر الرِّجال.
وفرعون هو مدرسة الطُّغاة فِي تعاملهم مع الرِّجال، وخاصَّة العلماء والدُّعاة، فكلُّ طاغية ينهل من طريقة فرعون ويتشبَّه به، ولا يخلو طاغية عبر الزَّمن من التَّشبُّه بفرعون بصورة من الصُّور، ولذلك ذُكِرت قصَّة نبيِّ اللَّه موسى عليه السَّلام مع فرعون فِي كلِّ جزء من أجزاء القرآن الكريم، وهي أكثر قصَّة مفصَّلة فِي القرآن.
وقد سلك فرعون فِي قهر رجال بني إسرائيل طريق الإساءة إلى نسائهم وذرِّيَّاتهم. قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4]
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: (يقول تعالى ذكره: إنَّ فرعون تجبر فِي أرض مصر وتكبَّر، وعلا أهلها وقهرهم، حتَّى أقرُّوا له بالعبوديَّة). (تفسير الطبري 19/516)
وقال ابن كثير رحمه الله: (أَيْ تَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ وَطَغَى (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعًا) أَيْ أَصْنَافًا قَدْ صَرَّفَ كُلَّ صِنْفٍ فِيمَا يُرِيدُ مِنْ أمور دولته.
وقوله تعالى: (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خِيَارَ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، هَذَا وقد سُلِّط عليهم هذا الملك الجبَّار العتيد يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي أَخَسِّ الْأَعْمَالِ، وَيُكِدُّهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي أَشْغَالِهِ وَأَشْغَالِ رَعِيَّتِهِ، وَيَقْتُلُ مَعَ هَذَا أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، إِهَانَةً لَهُمْ وَاحْتِقَارًا وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمُ الْغُلَامُ الَّذِي كَانَ قد تخوَّف هو وأهل مملكته منه أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ غُلَامٌ، يَكُونُ سَبَبُ هَلَاكِهِ وَذَهَابُ دَوْلَتِهِ عَلَى يَدَيْهِ). (تفسير ابن كثير 6/ 198)
وقال السعدي رحمه الله: (فأوَّل هذه القصَّة: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ) فِي ملكه وسلطانه وجنوده وجبروته، فصار من أهل العلو فيها، لا من الأعلين فيها. (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) أي: طوائف متفرقة، يتصرف فيهم بشهوته، وينفذ فيهم ما أراد من قهره، وسطوته. (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ) وتلك الطَّائفة، هم بنو إسرائيل، الَّذين فضَّلهم اللَّه على العالمين، الَّذين ينبغي له أن يكرمهم ويجلَّهم، ولكنَّه استضعفهم، بحيث إنَّه رأى أنَّهم لا منعة لهم تمنعهم ممَّا أراده فيهم، فصار لا يبالي بهم، ولا يهتمُّ بشأنهم، وبلغت به الحال إلى أنَّه (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) خوفًا من أن يكثروا، فيغمروه فِي بلاده، ويصير لهم الملك. (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) الذين لا قصد لهم فِي إصلاح الدين، ولا إصلاح الدنيا، وهذا من إفساده فِي الأرض). (تفسير السعدي 611)
لقد احتقر فرعون رجال بني إسرائيل وأهانهم بقتل أبنائهم واستغلال نسائهم، وهذا هو سوء العذاب.
إنَّ هذا الأسلوب فِي قهر الرِّجال لا يزال يُعمل به فِي زماننا هذا، ولكن بطرقٍ حديثة.
فقانون العنف ضدَّ النِّساء يهين الرَّجل، فلا كلمة له على زوجته، ولا حقَّ له عليها!
واتِّفاقيَّة (القضاء على جميع أشكال التَّمييز ضدَّ المرأة) والمشهورة بـ (سيداو) تُهين المرأة وتمسخ شخصيَّتها وتُلغي كلَّ خصوصيَّة لها فِي أيِّ مكان، لأنَّهم يعدُّون خصوصيَّاتها تمييزًا للرَّجل عليها!
فترغم البنت على الدِّراسة مع الشَّابِّ، وإذا مرضت المرأة كشف عليها الرِّجال، بل لا يوجد فِي أيِّ قاعة انتظار فِي أيِّ منشِّط حكوميّ أو خاصّ، مكانًا خاصًّا بالمرأة. وهذا يقهر الرَّجل الصَّالح الَّذي يريد تربية أهل بيته على تعاليم الإسلام.
وقانون الطِّفل يُجرِّئ الفتاة على أبيها، ويمنع الأب من تأديب ابنته بأيِّ صورةٍ من صور التَّأديب المأذون بها شرعًا، ولو تجرَّأ الأب على ذلك، فيمكنها أن تشتكي عليه!
ولا يستطيع الأب أن يمنع ابنته من السفر لوحدها، أو يمنعها من حضور الحفلات المختلطة، أو غيرها. وبهذا يُقهر الرِّجال فِي بلاد المسلمين على أيدي الموالين للغرب من المسلمين والمنافقين.
ولكن، هل هؤلاء الذين ينادون بهذه القوانين أكرموا المرأة بقوانينهم أم استغلوها؟
والجواب تعرفه كلُّ امرأة عاقلة، فهي تعلم جيدًا فِي قرارة نفسها أنَّهم بهذه القوانين إنَّما يريدونها سلعة يستمتعون بها ويستخدمونها فِي الكسب المادي لهم.
وهؤلاء الذين وضعوا هذه القوانين وسعوا فِي تنفيذها فِي كل الدول، يعلمون أن الذي سيقف فِي طريقهم هُم الرِّجال من أولياء المرأة، لذلك شرعوا قوانين تُهين الرَّجل أمام المرأة، فإن سقط الرَّجل، سقط جدار الحماية للمرأة، فيفترسونها كما تفترس الذئاب الغنم عند غياب الراعي، فلم يبقوا منها شيئًا، ثم تُرمى بعد ذلك.
وقد تفرح المرأة بهذا الانفتاح والحرية التي يقدمونها لها، ولكنها فِي نهاية المطاف تدرك أنَّها خسرت خسارة كبيرة، يصعب على نفسيتها تجاوزها.
ولعل المرأة تتأمل فِي هذه الأسئلة:
لماذا قوانين الدول تسهل لك أمر الطلاق والخلع؟
ولماذا يكرهون لكِ البقاء تحت رجل يحميكِ؟
لماذا يحرِّضونكِ على والديكِ وخاصة الأب؟
لماذا يطالبونكِ بخلع الحجاب للعمل؟
ولماذا يخلطونكِ بالشباب فِي الدراسة الجامعية وغيرها ويصرون على ذلك؟
لماذا يعرقلون أمر الزواج ويشترطون أعمارًا معيَّنة، ويُشرِّعون القوانين التي تحمي هذه الشروط؟
هل تعتقدين أنهم يفعلون ذلك لمصلحتكِ فعلًا، أم أنَّ لهم غرضًا آخر؟
هل تظنين أن أحكام الشريعة جاءت للتضييق عليكِ؟ أو أنها تحابي الرَّجل ضدَّكِ؟
أختي الكريمة،
أدعوكِ إلى مراجعة هذا الموضوع فِي قرارة نفسكِ، إن كنتِ تؤمنين بالله واليوم الآخر، وارجعي إلى كتابِ ربِّكِ وابحثي فيه عن الحقيقة، وانظري إلى هدي نبيِّك كيف صان المرأة وأمر بحسن التعامل معها، ثم اختبري صدق محبَّتك له وأنت تقرئين قول الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 7]
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
2 رمضان 1446هـ
وقد تفرح المرأة بهذا الانفتاح والحرية التي يقدمونها لها، ولكنها فِي نهاية المطاف تدرك أنَّها خسرت خسارة كبيرة، يصعب على نفسيتها تجاوزها.
ولعل المرأة تتأمل فِي هذه الأسئلة:
لماذا قوانين الدول تسهل لك أمر الطلاق والخلع؟
ولماذا يكرهون لكِ البقاء تحت رجل يحميكِ؟
لماذا يحرِّضونكِ على والديكِ وخاصة الأب؟
لماذا يطالبونكِ بخلع الحجاب للعمل؟
ولماذا يخلطونكِ بالشباب فِي الدراسة الجامعية وغيرها ويصرون على ذلك؟
لماذا يعرقلون أمر الزواج ويشترطون أعمارًا معيَّنة، ويُشرِّعون القوانين التي تحمي هذه الشروط؟
هل تعتقدين أنهم يفعلون ذلك لمصلحتكِ فعلًا، أم أنَّ لهم غرضًا آخر؟
هل تظنين أن أحكام الشريعة جاءت للتضييق عليكِ؟ أو أنها تحابي الرَّجل ضدَّكِ؟
أختي الكريمة،
أدعوكِ إلى مراجعة هذا الموضوع فِي قرارة نفسكِ، إن كنتِ تؤمنين بالله واليوم الآخر، وارجعي إلى كتابِ ربِّكِ وابحثي فيه عن الحقيقة، وانظري إلى هدي نبيِّك كيف صان المرأة وأمر بحسن التعامل معها، ثم اختبري صدق محبَّتك له وأنت تقرئين قول الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 7]
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
2 رمضان 1446هـ
معاناة المرأة في زمن موسى - 3
تعذيب فرعون للنساء في زمن موسى عليه السلام
ذكر الله لنا قصَّة تعذيب فرعون لنساء بني إسرائيل في خمس سور من القرآن؛ فِي سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة إبراهيم، وسورة القصص وسورة غافر.
قال تعالى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩)) [البقرة: 49]
وقال تعالى: (وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١)) [الأعراف: 141]
وقال سبحانه: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [إبراهيم: 6]
وقال عزَّ وجلَّ: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4]
وقال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [غافر: 25]
معنى سوء العذاب:
عذب فرعون نساء بني إسرائيل بأنواع العذاب المختلفة، منها:
النوع الأول: إبقائهن على قيد الحياة لإذلالهن:
قال ابن جَرِيرٍ الطَّبَرِي رَحِمَهُ الله: (فَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: (سُوءَ الْعَذَابِ) [البقرة: ٤٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: مَا سَاءَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَشَدُّ الْعَذَابِ؛ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لَقِيلَ: أَسْوَأَ الْعَذَابِ.
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا ذَلِكَ الْعَذَابُ الَّذِي كَانُوا يَسُومُونَهُمُ الَّذِي كَانَ يَسُوءُهُمْ؟
قِيلَ: هُوَ مَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ)).
(جامع البيان 1/644)
وقال ابن تيمية رَحِمَهُ الله: (فهذا الذبح والاستحياء هو سوء العذاب). (اقتضاء الصراط المستقيم 1/204)
وقال محمد رشيد رضا رَحِمَهُ الله: (وَلَمَّا كَانَتِ التَّنْجِيَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ ظُلْمٍ أَوْ شَرٍّ، بَيَّنَ مَا نَجَّاهُمْ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) أَيْ: يُكَلِّفُونَكُمْ وَيَبْغُونَكُمْ مَا يَسُوءُكُمْ وَيُذِلُّكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) أَيْ: يَقْتُلُونَ ذُكْرَانَ نَسْلِكُمْ، وَيَسْتَبْقُونَ إِنَاثَهُ أَحْيَاءً لِإِضْعَافِكُمْ وَإِذْلَالِكُمُ الْمُفْضِي إِلَى قَطْعِ نَسْلِكُمْ وَإِبَادَتِكُمْ (وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أَيْ: وَفِي ذَلِكُمُ الْعَذَابِ وَفِي التَّنْجِيَةِ مِنْهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بَلَاءٌ وَامْتِحَانٌ عَظِيمٌ لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)). (تفسير المنار 1/256)
وقال الطَّاهر بِن عَاشُور رَحِمَهُ الله: (وَالِاسْتِحْيَاءُ اسْتِفْعَالٌ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَبِ لِلْحَيَاةِ أَيْ يُبْقُونَهُنَّ أَحْيَاءً أَوْ يَطْلُبُونَ حَيَاتَهُنَّ. وَوَجْهُ ذِكْرِهِ هُنَا فِي مَعْرِضِ التَّذْكِيرِ بِمَا نَالَهُمْ مِنَ الْمَصَائِبِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِحْيَاءَ لِلْإِنَاثِ كَانَ الْمَقْصِدُ مِنْهُ خَبِيثًا وَهُوَ أَنْ يَعْتَدُوا عَلَى أَعْرَاضِهِنَّ وَلَا يَجِدْنَ بُدًّا مِنَ الْإِجَابَةِ بِحُكْمِ الْأَسْرِ وَالِاسْتِرْقَاقِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) كِنَايَةً عَنِ اسْتِحْيَاءٍ خَاصٍّ وَلِذَلِكَ أُدْخِلَ فِي الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِحْيَاءِ ظَاهِرَهُ لَمَا كَانَ وَجْهٌ لِعَطْفِهِ عَلَى تِلْكَ الْمُصِيبَةِ). (التحرير والتنوير 1/492)
وقال الشنقيطي رَحِمَهُ الله: (قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) الْآيَةَ.
تعذيب فرعون للنساء في زمن موسى عليه السلام
ذكر الله لنا قصَّة تعذيب فرعون لنساء بني إسرائيل في خمس سور من القرآن؛ فِي سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة إبراهيم، وسورة القصص وسورة غافر.
قال تعالى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩)) [البقرة: 49]
وقال تعالى: (وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١)) [الأعراف: 141]
وقال سبحانه: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [إبراهيم: 6]
وقال عزَّ وجلَّ: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4]
وقال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [غافر: 25]
معنى سوء العذاب:
عذب فرعون نساء بني إسرائيل بأنواع العذاب المختلفة، منها:
النوع الأول: إبقائهن على قيد الحياة لإذلالهن:
قال ابن جَرِيرٍ الطَّبَرِي رَحِمَهُ الله: (فَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: (سُوءَ الْعَذَابِ) [البقرة: ٤٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: مَا سَاءَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَشَدُّ الْعَذَابِ؛ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لَقِيلَ: أَسْوَأَ الْعَذَابِ.
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا ذَلِكَ الْعَذَابُ الَّذِي كَانُوا يَسُومُونَهُمُ الَّذِي كَانَ يَسُوءُهُمْ؟
قِيلَ: هُوَ مَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ)).
(جامع البيان 1/644)
وقال ابن تيمية رَحِمَهُ الله: (فهذا الذبح والاستحياء هو سوء العذاب). (اقتضاء الصراط المستقيم 1/204)
وقال محمد رشيد رضا رَحِمَهُ الله: (وَلَمَّا كَانَتِ التَّنْجِيَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ ظُلْمٍ أَوْ شَرٍّ، بَيَّنَ مَا نَجَّاهُمْ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) أَيْ: يُكَلِّفُونَكُمْ وَيَبْغُونَكُمْ مَا يَسُوءُكُمْ وَيُذِلُّكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) أَيْ: يَقْتُلُونَ ذُكْرَانَ نَسْلِكُمْ، وَيَسْتَبْقُونَ إِنَاثَهُ أَحْيَاءً لِإِضْعَافِكُمْ وَإِذْلَالِكُمُ الْمُفْضِي إِلَى قَطْعِ نَسْلِكُمْ وَإِبَادَتِكُمْ (وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أَيْ: وَفِي ذَلِكُمُ الْعَذَابِ وَفِي التَّنْجِيَةِ مِنْهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بَلَاءٌ وَامْتِحَانٌ عَظِيمٌ لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)). (تفسير المنار 1/256)
وقال الطَّاهر بِن عَاشُور رَحِمَهُ الله: (وَالِاسْتِحْيَاءُ اسْتِفْعَالٌ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَبِ لِلْحَيَاةِ أَيْ يُبْقُونَهُنَّ أَحْيَاءً أَوْ يَطْلُبُونَ حَيَاتَهُنَّ. وَوَجْهُ ذِكْرِهِ هُنَا فِي مَعْرِضِ التَّذْكِيرِ بِمَا نَالَهُمْ مِنَ الْمَصَائِبِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِحْيَاءَ لِلْإِنَاثِ كَانَ الْمَقْصِدُ مِنْهُ خَبِيثًا وَهُوَ أَنْ يَعْتَدُوا عَلَى أَعْرَاضِهِنَّ وَلَا يَجِدْنَ بُدًّا مِنَ الْإِجَابَةِ بِحُكْمِ الْأَسْرِ وَالِاسْتِرْقَاقِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) كِنَايَةً عَنِ اسْتِحْيَاءٍ خَاصٍّ وَلِذَلِكَ أُدْخِلَ فِي الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِحْيَاءِ ظَاهِرَهُ لَمَا كَانَ وَجْهٌ لِعَطْفِهِ عَلَى تِلْكَ الْمُصِيبَةِ). (التحرير والتنوير 1/492)
وقال الشنقيطي رَحِمَهُ الله: (قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) الْآيَةَ.
ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِحْيَاءَ النِّساء مِنْ جُمْلَةِ الْعَذَابِ الَّذِي كَانَ يَسُومُهُمْ فِرْعَوْنُ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنَاثَ هِبَةٌ مِنْ هِبَاتِ اللَّهِ لِمَنْ أَعْطَاهُنَّ لَهُ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) [الشورى: ٤٩]، فَبَقَاءُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ عَلَى هَذَا خَيْرٌ مِنْ مَوْتِهِمْ كُلِّهِمْ، كَمَا قَالَ الْهُذَيْلُ:
حَمِدْتُ إِلَهِي بَعْدَ عُرْوَةَ إِذْ نَجَا
خِرَاشٌ وَبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا، أَنَّ الْإِنَاثَ وَإِنْ كُنَّ هِبَةً مِنَ اللَّهِ لِمَنْ أَعْطَاهُنَّ لَهُ، فَبَقَاؤُهُنَّ تَحْتَ يَدِ الْعَدُوِّ يَفْعَلُ بِهِنَّ مَا يَشَاءُ مِنَ الْفَاحِشَةِ وَالْعَارِ، وَيَسْتَخْدِمُهُنَّ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ نَوْعٌ مِنَ الْعَذَابِ، وَمَوْتُهُنَّ رَاحَةٌ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ، وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ يَتَمَنَّوْنَ مَوْتَ الْإِنَاثِ خَوْفًا مِنْ مِثْلِ هَذَا). (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ص18)
وقال أَبُو زُهرَة رَحِمَهُ الله: (وقوله تعالى: (وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ)، أي يطلبون حياة نسائهم وبقاءهن، لا رغبة فِي ذات الإحياء بل ليكن إماءً فِي بيوتهم، ويستمتعون بجمالهنَّ، فهو ظلم فاحش لَا يعرفه إلا فرعون وأمثاله، كما رأينا واحدًا منهم فِي هذا الزمان). (زهرة التفاسير 8/ 3994)
فإبقاء النِّساء على قيد الحياة إنَّما هو لتعذيب الرِّجال وقهرهم، وهو من سوء العذاب.
فتتجلى لنا صور التعذيب بناء على ما ذكره أهل التفسير، وهي:
1) استخدامهن إماءً.
2) الاعتداءُ على أعراضهنَّ.
3) قهر رجالِهنَّ.
النوع الثاني: قتل أطفالهنَّ:
وهذا نوع من العذاب أشدُّ من الأول على نفسية المرأة؛ فهذا الطفل الذي حملته في أحشائها تسعة أشهر، وتحملت مشاق الحمل وآلام المخاض والولادة، فلما فرحت بولادته، يأتي إليها جنود فرعون لقتله! فكيف ستكون نفسية هذه الأم الثكلى، وكم سيستمر هذا الألم والانكسار لدى الأم؟!
النوع الثالث: القلق والاضطراب النفسي:
وهذا نوع من العذاب الذي مرت به المرأة في زمن موسى عليه السلام، وهو القلق والاضطراب النفسي مع كل مرة تحمل فيها، فهي لا تدري هل سيكون مولودها ذكرًا فيقتل، أم أنثى ستترك لتهان وتذل إذا بلغت؟!
ويستمر هذا العذاب معها تسعة أشهر من القلق والخوف والاضطراب، لا تعرف كيف تخفي حملها، ولا تعرف كيف تحمي جنينها، ولا تدري ما هو مصير هذا الحمل، وكيف ستكون النهاية؟!
فهل رأيتِ معاناة مثل هذه المعاناة تمر بها المرأة اليوم؟!
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
3 رمضان 1446هـ
حَمِدْتُ إِلَهِي بَعْدَ عُرْوَةَ إِذْ نَجَا
خِرَاشٌ وَبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا، أَنَّ الْإِنَاثَ وَإِنْ كُنَّ هِبَةً مِنَ اللَّهِ لِمَنْ أَعْطَاهُنَّ لَهُ، فَبَقَاؤُهُنَّ تَحْتَ يَدِ الْعَدُوِّ يَفْعَلُ بِهِنَّ مَا يَشَاءُ مِنَ الْفَاحِشَةِ وَالْعَارِ، وَيَسْتَخْدِمُهُنَّ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ نَوْعٌ مِنَ الْعَذَابِ، وَمَوْتُهُنَّ رَاحَةٌ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ، وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ يَتَمَنَّوْنَ مَوْتَ الْإِنَاثِ خَوْفًا مِنْ مِثْلِ هَذَا). (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ص18)
وقال أَبُو زُهرَة رَحِمَهُ الله: (وقوله تعالى: (وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ)، أي يطلبون حياة نسائهم وبقاءهن، لا رغبة فِي ذات الإحياء بل ليكن إماءً فِي بيوتهم، ويستمتعون بجمالهنَّ، فهو ظلم فاحش لَا يعرفه إلا فرعون وأمثاله، كما رأينا واحدًا منهم فِي هذا الزمان). (زهرة التفاسير 8/ 3994)
فإبقاء النِّساء على قيد الحياة إنَّما هو لتعذيب الرِّجال وقهرهم، وهو من سوء العذاب.
فتتجلى لنا صور التعذيب بناء على ما ذكره أهل التفسير، وهي:
1) استخدامهن إماءً.
2) الاعتداءُ على أعراضهنَّ.
3) قهر رجالِهنَّ.
النوع الثاني: قتل أطفالهنَّ:
وهذا نوع من العذاب أشدُّ من الأول على نفسية المرأة؛ فهذا الطفل الذي حملته في أحشائها تسعة أشهر، وتحملت مشاق الحمل وآلام المخاض والولادة، فلما فرحت بولادته، يأتي إليها جنود فرعون لقتله! فكيف ستكون نفسية هذه الأم الثكلى، وكم سيستمر هذا الألم والانكسار لدى الأم؟!
النوع الثالث: القلق والاضطراب النفسي:
وهذا نوع من العذاب الذي مرت به المرأة في زمن موسى عليه السلام، وهو القلق والاضطراب النفسي مع كل مرة تحمل فيها، فهي لا تدري هل سيكون مولودها ذكرًا فيقتل، أم أنثى ستترك لتهان وتذل إذا بلغت؟!
ويستمر هذا العذاب معها تسعة أشهر من القلق والخوف والاضطراب، لا تعرف كيف تخفي حملها، ولا تعرف كيف تحمي جنينها، ولا تدري ما هو مصير هذا الحمل، وكيف ستكون النهاية؟!
فهل رأيتِ معاناة مثل هذه المعاناة تمر بها المرأة اليوم؟!
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
3 رمضان 1446هـ
Forwarded from صون العقول
النية مكانها العقل
اطلاق النوايا - قانون النية
المشيئة الكونية - الإنسان الكوني
كورس المشيئة - شجرة الأمنيات
النفس الحقيقة - الشرارة الإلهية
لقاء تأصلي يكشف حقيقة هذه المفاهيم ومتعلقاتها
https://youtu.be/Fe4BLnKbkNE?si=c3dg0FZOL569gIRq
رابط المحاضرة على يوتيوب
قناة صون العقول
https://t.me/Sawn_El_akol
#sawn_al_akol
اطلاق النوايا - قانون النية
المشيئة الكونية - الإنسان الكوني
كورس المشيئة - شجرة الأمنيات
النفس الحقيقة - الشرارة الإلهية
لقاء تأصلي يكشف حقيقة هذه المفاهيم ومتعلقاتها
https://youtu.be/Fe4BLnKbkNE?si=c3dg0FZOL569gIRq
رابط المحاضرة على يوتيوب
قناة صون العقول
https://t.me/Sawn_El_akol
#sawn_al_akol
من تمام نعمة الله على المرأة أن يُوفّقها لعبادته بأصغر ما تأتي من الأعمال وأحقرها في نظر الناس، فتصيرُ حركتها في بيتها بحسن نيتِها أجرًا ومثوبة، وتبتغي الحسنات في طبخ الطبخة لأهلها وتمهيد فراشهم ومجلسهم وغسل ثيابهم.
ومن أجمل ذكاء المرأة ألا تبطل هذا كله أو تُنقص منه بمنةٍ تمنُّها أو ضيق خُلُقٍ أثناء الشغل، وما إمساكها نفسها عن المنة والضيق إلا لأنها تعلم أنها مُتعبَّدةٌ بإصلاح شأن أهلها كتعبُّدها بالصيام والصلاة والقرآن والذكر.
أفلحتْ من كانت حركتها في بيتها عبادة، وأفلحت من وُفقت لاستغلال أوقات شغل البيت في ذكرٍ أو سماع درس، هذا الدين ليست الطاعة فيه حصرًا على المتفرّغ، بل قال من فهموا عن الله: «عاداتُ أهل اليقظة عبادات»، فما أثقل الميزان بشغل البيت إذا صلحت النية.
شيماء
ومن أجمل ذكاء المرأة ألا تبطل هذا كله أو تُنقص منه بمنةٍ تمنُّها أو ضيق خُلُقٍ أثناء الشغل، وما إمساكها نفسها عن المنة والضيق إلا لأنها تعلم أنها مُتعبَّدةٌ بإصلاح شأن أهلها كتعبُّدها بالصيام والصلاة والقرآن والذكر.
أفلحتْ من كانت حركتها في بيتها عبادة، وأفلحت من وُفقت لاستغلال أوقات شغل البيت في ذكرٍ أو سماع درس، هذا الدين ليست الطاعة فيه حصرًا على المتفرّغ، بل قال من فهموا عن الله: «عاداتُ أهل اليقظة عبادات»، فما أثقل الميزان بشغل البيت إذا صلحت النية.
شيماء
من مظاهر العقوق أن يهجر الابن أباه أو أمه !
لا لمخالفة من الوالدين، بل لأمر لم يوافق صلف الابن أو مزاجه ، يريد بذلك أن (يؤدّب) والديه ، اللذين لم يقصرا في تربيته!
فهذا من الكبائر ، والله له بالمرصاد.
لا لمخالفة من الوالدين، بل لأمر لم يوافق صلف الابن أو مزاجه ، يريد بذلك أن (يؤدّب) والديه ، اللذين لم يقصرا في تربيته!
فهذا من الكبائر ، والله له بالمرصاد.
معاناة المرأة في زمن موسى - 4
إذلال فرعون للنساء في زمن موسى عليه السلام
جعل الله المرأة سكنًا للرَّجل، وجعل الله الرَّجل سندًا للمرأة، تحتمي به من كل المخاوف، وتشعر بالأمن فِي كنفه، ولذلك تحب المرأة أن ترمي برأسها على صدر الرَّجل لتشعر بهذه الطمأنينة، وتحب أن ترى من الرَّجل قوَّته فِي الدفاع عنها وحمايتها.
كما أنَّها تحب أن تشعر بغَيرته عليها، بل قد تستثيره عمدًا لترى أثر هذه الغَيرة على وجهه، وفي تصرفاته، لأن هذه الغَيرة دليل على محبته لها، وفيها تظهر حمايته لها، والذبُّ عنها. فالمرأة عِرضُه الذي يحميه، ويخاف عليه من كل ما يؤذيه، أو يجرحه.
والرَّجل وقت الغَيرة فِي قمة الغضب، وشدة غليان قلبه على ما يحدث لزوجه.
والمرأة فِي قمة السَّعادة لما ترى من غَيرته، وإن كانت تخفِي سعادتها فلا يظهر لها أثر على وجهها الذي يمثل الخوف، فإن قلبها يمتلئ فرحًا بما ترى.
هذه السعادة التي تشعر بها المرأة فِي حال غيرة زوجها عليها، فقدتها المرأة فِي زمن موسى بسبب ظلم فرعون وإذلاله لزوجها.
وهذا هو النوع الرابع من العذاب الذي تمر به المرأة فِي زمن فرعون، وهو إذلال زوجها وإهانته وكسره، بما وضع فرعون من قوانين عليهم تهينهم، وتربيهم على الذُّل والخنوع وفقدان الرجولة، فلا يملك هذا الرَّجل أن يدافع عن زوجته، ولا عن مولودها، بل هو مستسلم لقرار فرعون بقتل الذكور من بني إسرائيل، فلا يحرك ساكنًا من أجله، ولا يدافع عن عرضه، ولا يرد عنها أيَّ نوع من أنواع العذاب الذي تسلَّط به فرعون على نساء بني إسرائيل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل إنَّ فرعون استخدم رجال بني إسرائيل فِي الأعمال الشاقة مع إذلالهم وتعذيبهم، حتى أصبحت شخصية غالب رجال بني إسرائيل فِي ذلك الزمان شخصية ضعيفة أمام طغيان فرعون وهامان وجنودهما.
و«هامان» ((هو اليد العاملة لفرعون، فيما يشاء. وقد يكون وزيرًا لفرعون، أو مستشارًا له، أو كبير جنده. وهو الذي دعاه فرعون إلى أن يبنى له صرحًا يطلع منه إلى إله موسى)). (التفسير القرآني للقرآن 10/ 310)
وهذه عادة الطغاة فِي الأرض، صناعة شخصيات ومناصب تعينهم على الطغيان. وهذا ما فعله فرعون، فجعل هامان وزيرًا له يُنفِّذ أوامره، ويبطش بالنَّاس.
وعادة ما يزيد طغيان أمثال هؤلاء الذين هم أعوان الظلمة لشعورهم أنَّ لهم سندًا يستمدون قوتهم منه، ويبطشون باسمه، وإن لم يأمرهم. ولو علم لن يخذلهم لأنه يريد البطش بالنَّاس ويعجبه ذلك.
فاجتمع على نساء بني إسرائيل بطش فرعون وهامان، من جهة، وضعف شخصية رجالهنَّ من جهة أخرى، فلا حماية لهنَّ، ولا صيانة لعرضهنَّ، ولا رحمة لمواليدهنَّ.
وهذا التعذيب والإذلال بأنواعه المختلفة كان قبل ولادة موسى عليه السلام.
فجاءت البشارة من الله لبني إسرائيل قبل ولادة موسى عليه السلام برفع الظلم عنهم، وإذلال عدوهم، فقال عَزَّ وَجَلَّ مبينًا قدره فِي إنهاء هذه المعاناة التي كانت تمرُّ بها المرأة: ﴿طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 1-6]
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: ((ومعنى الكلامِ: إن فرعونَ علا فِي الأرضِ، وجعَل أهلَها من بني إسرائيلَ فِرَقًا، يَسْتَضْعِفُ طائفةً منهم، ونحن نُرِيدُ أن نَمُنَّ على الذين استَضْعَفهم فرعونُ فِي الأرضِ من بنى إسرائيلَ، ونَجْعَلَهم أئمةً)). (تفسير الطبري 18/ 152)
وقال القشيري رحمه الله: ((نريد أن نمنَّ على المستضعفين بالخلاص من أيديهم، وأن نجعلهم أئمة، بهم يهتدى الخلق، ومنهم يتعلم النَّاس سلوك طريق الصدق، ونبارك فِي أعمارهم، فيصيرون وارثين لأعمار من يناويهم، وتصير إليهم مساكنهم ومنازلهم فهم هداة وأعلام، وسادة وقادة بهم يُقتدى وبنورهم يُهتدى، ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ نزيل عنهم الخوف، ونرزقهم البسطة والاقتدار، ونمدُّ لهم فِي الأجل. ونُري فرعون وهامان وقومهما ما كانوا يحذرون من زوال ملكهم على أيديهم وأنَّ الحقَّ يُعطى وإن كان عند الخلق أنّه يُبطي)). (لطائف الإشارات 3/ 54)
إذلال فرعون للنساء في زمن موسى عليه السلام
جعل الله المرأة سكنًا للرَّجل، وجعل الله الرَّجل سندًا للمرأة، تحتمي به من كل المخاوف، وتشعر بالأمن فِي كنفه، ولذلك تحب المرأة أن ترمي برأسها على صدر الرَّجل لتشعر بهذه الطمأنينة، وتحب أن ترى من الرَّجل قوَّته فِي الدفاع عنها وحمايتها.
كما أنَّها تحب أن تشعر بغَيرته عليها، بل قد تستثيره عمدًا لترى أثر هذه الغَيرة على وجهه، وفي تصرفاته، لأن هذه الغَيرة دليل على محبته لها، وفيها تظهر حمايته لها، والذبُّ عنها. فالمرأة عِرضُه الذي يحميه، ويخاف عليه من كل ما يؤذيه، أو يجرحه.
والرَّجل وقت الغَيرة فِي قمة الغضب، وشدة غليان قلبه على ما يحدث لزوجه.
والمرأة فِي قمة السَّعادة لما ترى من غَيرته، وإن كانت تخفِي سعادتها فلا يظهر لها أثر على وجهها الذي يمثل الخوف، فإن قلبها يمتلئ فرحًا بما ترى.
هذه السعادة التي تشعر بها المرأة فِي حال غيرة زوجها عليها، فقدتها المرأة فِي زمن موسى بسبب ظلم فرعون وإذلاله لزوجها.
وهذا هو النوع الرابع من العذاب الذي تمر به المرأة فِي زمن فرعون، وهو إذلال زوجها وإهانته وكسره، بما وضع فرعون من قوانين عليهم تهينهم، وتربيهم على الذُّل والخنوع وفقدان الرجولة، فلا يملك هذا الرَّجل أن يدافع عن زوجته، ولا عن مولودها، بل هو مستسلم لقرار فرعون بقتل الذكور من بني إسرائيل، فلا يحرك ساكنًا من أجله، ولا يدافع عن عرضه، ولا يرد عنها أيَّ نوع من أنواع العذاب الذي تسلَّط به فرعون على نساء بني إسرائيل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل إنَّ فرعون استخدم رجال بني إسرائيل فِي الأعمال الشاقة مع إذلالهم وتعذيبهم، حتى أصبحت شخصية غالب رجال بني إسرائيل فِي ذلك الزمان شخصية ضعيفة أمام طغيان فرعون وهامان وجنودهما.
و«هامان» ((هو اليد العاملة لفرعون، فيما يشاء. وقد يكون وزيرًا لفرعون، أو مستشارًا له، أو كبير جنده. وهو الذي دعاه فرعون إلى أن يبنى له صرحًا يطلع منه إلى إله موسى)). (التفسير القرآني للقرآن 10/ 310)
وهذه عادة الطغاة فِي الأرض، صناعة شخصيات ومناصب تعينهم على الطغيان. وهذا ما فعله فرعون، فجعل هامان وزيرًا له يُنفِّذ أوامره، ويبطش بالنَّاس.
وعادة ما يزيد طغيان أمثال هؤلاء الذين هم أعوان الظلمة لشعورهم أنَّ لهم سندًا يستمدون قوتهم منه، ويبطشون باسمه، وإن لم يأمرهم. ولو علم لن يخذلهم لأنه يريد البطش بالنَّاس ويعجبه ذلك.
فاجتمع على نساء بني إسرائيل بطش فرعون وهامان، من جهة، وضعف شخصية رجالهنَّ من جهة أخرى، فلا حماية لهنَّ، ولا صيانة لعرضهنَّ، ولا رحمة لمواليدهنَّ.
وهذا التعذيب والإذلال بأنواعه المختلفة كان قبل ولادة موسى عليه السلام.
فجاءت البشارة من الله لبني إسرائيل قبل ولادة موسى عليه السلام برفع الظلم عنهم، وإذلال عدوهم، فقال عَزَّ وَجَلَّ مبينًا قدره فِي إنهاء هذه المعاناة التي كانت تمرُّ بها المرأة: ﴿طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 1-6]
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: ((ومعنى الكلامِ: إن فرعونَ علا فِي الأرضِ، وجعَل أهلَها من بني إسرائيلَ فِرَقًا، يَسْتَضْعِفُ طائفةً منهم، ونحن نُرِيدُ أن نَمُنَّ على الذين استَضْعَفهم فرعونُ فِي الأرضِ من بنى إسرائيلَ، ونَجْعَلَهم أئمةً)). (تفسير الطبري 18/ 152)
وقال القشيري رحمه الله: ((نريد أن نمنَّ على المستضعفين بالخلاص من أيديهم، وأن نجعلهم أئمة، بهم يهتدى الخلق، ومنهم يتعلم النَّاس سلوك طريق الصدق، ونبارك فِي أعمارهم، فيصيرون وارثين لأعمار من يناويهم، وتصير إليهم مساكنهم ومنازلهم فهم هداة وأعلام، وسادة وقادة بهم يُقتدى وبنورهم يُهتدى، ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ نزيل عنهم الخوف، ونرزقهم البسطة والاقتدار، ونمدُّ لهم فِي الأجل. ونُري فرعون وهامان وقومهما ما كانوا يحذرون من زوال ملكهم على أيديهم وأنَّ الحقَّ يُعطى وإن كان عند الخلق أنّه يُبطي)). (لطائف الإشارات 3/ 54)
وقال ابن كثير رحمه الله: ((وقوله تعالى: ﴿يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ﴾ يعني بني إسرائيل، وكانوا فِي ذلك الوقت خيار أهل زمانهم، هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبَّار العتيد يستعملهم فِي أخس الأعمال، ويكدهم ليلًا ونهارًا فِي أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل مع هذا أبناءهم ويستحيي نساءهم، إهانة لهم واحتقارًا وخوفًا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته منه أن يوجد منهم غلام يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه)).
وقال أيضًا: ((أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ولا يغلب، بل نفذ حكمه وجرى قلمه فِي القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفًا من الولدان، إنَّما منشؤه ومرباه على فراشك وفِي دارك، وغذاؤه من طعامك وأنت تربيه وتدلـله وتتفداه، وحتفُك وهلاكُك وهلاكُ جنودِك على يديه، لتعلم أن ربَّ السموات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوي العزيز الشديد المحال، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن)). (تفسير ابن كثير 6/ 198)
ومثل هذه البشارة التي نالها بنو إسرائيل، بشرنا الله بها فِي قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]
قال ابن كثير رحمه: ((هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنَّه سيجعل أُمَّته خلفاء الأرض، أي أئمة النَّاس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد. وليُبدِّلنَّهم من بعد خوفهم من النَّاس أمنًا وحُكمًا فيهم)). (تفسير ابن كثير 6/ 70)
فأبشري أختي الكريمة بنصر الله، ورفع معاناتك وتبديلها مهما كان الطغيان، ومهما فعل الطواغيت، فأمر الله نافذ بعلوِّ هذا الدين، ونصرة أهله، جعلنا الله ممن ينصرون دينه.
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
4 رمضان 1446هـ
وقال أيضًا: ((أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ولا يغلب، بل نفذ حكمه وجرى قلمه فِي القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفًا من الولدان، إنَّما منشؤه ومرباه على فراشك وفِي دارك، وغذاؤه من طعامك وأنت تربيه وتدلـله وتتفداه، وحتفُك وهلاكُك وهلاكُ جنودِك على يديه، لتعلم أن ربَّ السموات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوي العزيز الشديد المحال، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن)). (تفسير ابن كثير 6/ 198)
ومثل هذه البشارة التي نالها بنو إسرائيل، بشرنا الله بها فِي قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]
قال ابن كثير رحمه: ((هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنَّه سيجعل أُمَّته خلفاء الأرض، أي أئمة النَّاس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد. وليُبدِّلنَّهم من بعد خوفهم من النَّاس أمنًا وحُكمًا فيهم)). (تفسير ابن كثير 6/ 70)
فأبشري أختي الكريمة بنصر الله، ورفع معاناتك وتبديلها مهما كان الطغيان، ومهما فعل الطواغيت، فأمر الله نافذ بعلوِّ هذا الدين، ونصرة أهله، جعلنا الله ممن ينصرون دينه.
نُكملُ غدًا إنْ شاءَ الله.
وكتبه
د. عادل حسن يوسف الحمد
4 رمضان 1446هـ