موضوع المقال القادم
ما رأيكم؟

📣✨ استئناف نشر المقالات في إطار مشروع P2P ! ✨📣

السلام عليكم

بعد فترة من الانقطاع خلال شهر رمضان، يسعدنا أن نعلن عن استئناف تحرير ونشر المقالات في إطار مشروع P2P / من سطوة المشكل إلى قوة التشكيل 💡🔥

P2P ليس فقط مشروعًا، بل هو حركة فكرية نحو التمكين والإبداع في تجاوز التحديات الراهنة 🌱🌍

والله ولي التوفيق

​
من المأساة إلى البطولة: كيف نكسر النمط ونكتب مصيرًا جديدًا؟

•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•
الجزء الأول
•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•

☆☆☆☆☆ مقدمة

▪️▪️▪️ نبدأ على بركة الله        


إن هذا المقال سيكون من بين أهمّ ما أكتبه، إن لم يكن الأهمّ على الإطلاق. وذلك لأنّ حبكة المأساة ليست مجرّد موضوع أدبي أو ترفٍ فكري، بل هي مرآة لواقع يعيشه كثيرون، دون أن يملكوا المفاتيح اللازمة لفهمه أو الخروج من دائرته المغلقة.

إنّ المأساة، كما تتجلّى في القصص الخيالية والواقعية، هي نمط يتكرّر في الحياة الشخصية لكثير من الناس، وأكاد أجزم، عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، أنك واحدٌ أو واحدة منهم.

في جوهر حبكة المأساة، تكمن فكرة مركزية يمكن أن تُشكّل طوق نجاة لكلّ من أرهقته الحياة بكثرة تفاصيلها التي تبدو عشوائية، ولكلّ من وجد نفسه عالقًا في دوّامة تتكرّر، لا يرى لها نهاية.

إنّ كتابة هذا المقال ليست مجرّد افتراضات نظرية، بل هي محاولة لتجريد المآسي الواقعية المتنوّعة، واستخلاص النمط المشترك بينها، وفهم الآلية التي تجعل الإنسان يسير، مرارًا، نحو المصير نفسه.

حين نفهم هذا النمط، يمكننا كسره. ويمكننا تحويل القصة من مأساة إلى انطلاقة، ومن الألم إلى وعي، ومن السقوط إلى نهوض. وهذا، في حدّ ذاته، هو معنى التحرّر.

لفهم هذه الفكرة الجوهرية، أدعوك إلى إعادة تركيب أجزائها وتجميع خيوطها، من خلال الأجوبة التي سنقدّمها عن الأسئلة التالية:

• ما معنى التجريد؟ وما أهميته؟
• لماذا نحب القصص؟ ولماذا يتم توظيفها بشكل واسع؟
• من هو البطل؟ وما هي البطولة؟
• ما الحبكة التي ينبغي أن تحذر منها كبطل؟
• ما هو عيب البطل المأساوي؟
• كيف يمكن كسر النمط المأساوي والتحوّل إلى نمط يُفلح فيه البطل؟
• ما هي مظاهر تفشّي نمط المأساة في المجتمع؟
• متى، وكيف، يمكن مساعدة البطل المأساوي؟
• كيف يمكن أن تكون مؤسسة تحرّر أبطالها من نمط المأساة؟

▪️▪️▪️ يتبع

P2P
Turnin Problems To Power
من سطوة المشكل إلى قوة التشكيل

​

من المأساة إلى البطولة: كيف نكسر النمط ونكتب مصيرًا جديدًا؟

•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•
الجزء الثاني
•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•

☆☆☆☆☆ ما معنى التجريد؟ وما أهميته؟

▪️▪️▪️ نتابع

تأمّل معي ذلك الطفل الذي يرى كرسيًا أحمر صغيرًا من البلاستيك لأوّل مرّة، ثمّ آخر أكبر حجمًا مصنوعًا من الخشب، ثمّ ثالثًا من المعدن والنسيج على الشاطئ...

مع مرور الوقت، يُدرك هذا الطفل أن جميع هذه الأشياء، على الرغم من اختلافها الكبير، تُسمّى "كرسيًا" لأنها تشترك في فكرة الجلوس عليها.

هذا مثال بسيط على التجريد، وهو العملية العقلية التي تتجاوز فيها الخصوصيّات والتفاصيل، من أجل إدراك الجوهر أو المبدأ أو النمط المشترك والثابت الذي يختبئ خلف التنوّع الظاهري، والذي قد يُربك الحواسّ ويأسر الانتباه.

وتتجلّى أهمية التجريد في عدّة مستويات من أهمها:

1. الفهم العميق للواقع، والانتقال من معرفة الأحداث إلى التفكير في الأسباب
فالتجريد يُخرجنا من أسر التفاصيل العشوائية، لنفهم البنية العامة والقوانين السببية التي تحكم الظواهر.

فنحن لا نرى "الأخطاء" فقط، بل ندرك النمط الناظم لهذه الأخطاء. ولا نكتفي بأن "نعرف" ما يحدث (الأخبار)، بل نسعى إلى أن "نفهم" لماذا يحدث.

2. بناء المفاهيم والنماذج
كل مفهوم أو نموذج نستخدمه في التفكير (كالـمسؤولية، والتمكين، والقيمة، ونموذج الأعمال...) هو ثمرة عملية تجريدية. فمن دون التجريد، نبقى سجناء للمحسوس والمباشر السطحي.

3. استغلال الخبرة، وتوسيعها، ونقلها
عندما نُجرّد موقفًا معينًا ونفهم أبعاده، نصبح قادرين على تطبيق دروسه في مواقف عديدة تبدو، في ظاهرها، مختلفة تمامًا. كما يمكن نقل هذه القدرة إلى الآخرين بكفاءة وسرعة عاليتين، من خلال تدريس المفاهيم والنماذج والمبادئ والأنماط بدلًا من تلقين الوصفات الخاصة بكل حالة.

أفترض أنّك بدأت تُدرك أهمية التجريد بصفة عامة،

• فما رأيك إذن في نتاج تجريد تراكمات التجارب الحياتية؟

• وكم تتخيّل أن يكون حجم المساعدة التي يمكن أن يقدّمها هذا النتاج في التأثير إيجابًا على مسار حياة كلّ واحد منّا؟

▪️▪️▪️ يتبع

P2P
Turnin Problems To Power
من سطوة المشكل إلى قوة التشكيل

من المأساة إلى البطولة: كيف نكسر النمط ونكتب مصيرًا جديدًا؟

•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•
الجزء الثالث
•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•

☆☆☆☆☆ لماذا نحب القصص؟ ولماذا يتم توظيفها بشكل واسع؟

▪️▪️▪️ نتابع

أنا، مثلك، أحبّ القصص، سواء كانت واقعية أو رمزية. لكنّي، في الوقت نفسه، أتحفّظ من تلك القصص التي تحمل في طيّاتها مسلّماتٍ مسمومة، قد تتلاعب بالعقول البسيطة، وتُضعف القدرات النفسية، أو تُوجّه السلوكيات لصالح المتلاعب.

نحبّ القصص لأنها تلامس مشاعرنا، وتُشعرنا بالألفة، لأنها تشبه حياتنا في مستوى ما. فمن القصص ما يمنحنا الأمل، ومنها ما يحذّرنا من الخطر، وقد يولّد بعضها فينا شعورًا بالفخر، أو يدفعنا إلى السعي نحو البطولة في حياتنا.

ولذلك كانت، ولا تزال، القصة من أقدم وأقوى وسائل التعبير والتأثير. فالبشر، عبر العصور، لم يتعلّموا الحقائق الجافّة فقط، بل تعلّموها من خلال حكايات وتجارب تُجسّد المعنى وتُلهب المشاعر، لأنها تُحوّل المفاهيم المجرّدة إلى مشاهد حيّة.

ويمكن أن تلاحظ كيف يتم توظيف السرد القصصي بشكل واسع في مجالات عديدة، من أبرزها:
• التعليم والتربية
• التدريب والتنمية الذاتية
• التسويق والإشهار
• السياسة وإقناع الجماهير
• التغيير الثقافي والاجتماعي للأمم

ولكن...
من موقع المتفرّج، تبدو كلّ قصة ممتعة، لكنّها ليست مفيدة بالضرورة. ولكي يضمن الواحد منّا الاستفادة من قصص الآخرين، دون أن يتضرّر منها، عليه أن ينمّي قدرته على التجريد؛
ليُدرك ببصيرته ما وراء المشهد، ويعبر من غشاوة الانفعالات إلى المفاهيم والأفكار المجرّدة الكامنة في جوهر القصة. وذلك عبر تحليلها، والتأمّل في منطقها، والتأكّد من تماسكها الداخلي، ثم استخلاص الدروس والعِبَر.

فلكل قصة عناصر أساسية:

• راوٍ له دوافع ومقاصد فهو إمّا أن يصف الشخصيات والأحداث كما هي، أو يحرّفها لأغراضه، أو ينسجها من الخيال.

• بطل يتفاعل مع شخصيات أخرى: منهم من يُواليه (يقدّم المساعدة والدعم)، ومنهم من يُعاديه (يشكّل تهديدًا أو عائقًا)

• زمن ومكان يشكّلان ميدانًا رباعي الأبعاد تدور فيه الأحداث

• أحداث: منها ما يكوّن السياق العام (الخارج عن إرادة الشخصيات)، ومنها ما يمثّل خطوات سببية يقوم بها البطل والشخصيات الأخرى، ومنها ما يصف نتائج هذه الخطوات وتفاعلاتها

• حبكة تمثّل تطوّر الأمور وفق تركيبة معينة من مواقف وخيارات للبطل، وتُفضي إلى مسار من النتائج المثيرة مثل: الصدمة، التصعيد، التعقيد، التحوّل، السقوط، الحل…

• رسالة صريحة أو ضمنيّة، تمثّل درسًا أو معنًى موجهًا للمُتلقّي، بهدف التغيير والتأثير.

في سياق الحديث عن القصة كمفهوم مجرد، يمكن القول إنّ كلّ واحدٍ منّا هو، في الوقت نفسه، متفرّج على القصص التي تروي تجارب انقضت، وبطل في تجربته الخاصة التي لم تنقضِ بعد، بل هو أيضًا المؤلّف للجزء الأهمّ منها: ما هو قادم.

إنّ الوعي بهذه الفكرة يفتح الباب أمام سؤالين كبيرين:
• كيف أسترجع دور البطولة فيما تبقّى من قصّتي الخاصة؟
• وأيّ حبكة تُبشّر بمسار يُفلح فيه البطل في النهاية؟

▪️▪️▪️ يتبع

P2P
Turnin Problems To Power
من سطوة المشكل إلى قوة التشكيل

من المأساة إلى البطولة: كيف نكسر النمط ونكتب مصيرًا جديدًا؟

•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•
الجزء الرابع
•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•

☆☆☆☆☆ من هو البطل؟ وما البطولة ؟

▪️▪️▪️ نتابع

في محاولة لاجتهاد شخصي لتجريد مفهوم "البطل" والملابسات التي تشوبه، انطلاقًا من القصص الواقعية والمُؤلَّفة، يمكنني تعريف البطل من خلال خمسة جوانب تشكّل، في تقلباتها، ديناميكية الإثارة المرتبطة بجوهر البطولة:

1- مستوى تحمّله للمسؤولية الذاتية، والتزامه بدوره المؤثّر في مسار الأحداث، كما نراه في شخصية "مالكوم إكس"، الذي تحوّل من مجرم شاب إلى رمز للنضال والوعي، بعد أن تحمّل مسؤولية اختياراته وغيّر مسار حياته.

2- مستوى إدراكه لإمكاناته الكامنة، وتفعيله لها وتوظيفها بفعالية، كما في قصة "هيلين كيلر"، التي لم تمنعها إعاقتها من أن تصبح كاتبة ومحاضرة مؤثرة، بفضل إدراكها لقوتها الداخلية وتوجيهها نحو هدف.

3-مستوى التحديات التي يواجهها ويصمد أمامها ويتجاوزها، باعتبارها مرآة كاشفة لطاقاته، كما نرى في قصة عبد الكريم الخطابي الذي قاوم الاستعمار الإسباني في الريف بقيادة جيش منظم بأدوات بسيطة، وهزم واحدة من أكبر الجيوش الأوروبية في معركة أنوال سنة 1921.

4- مستوى نكرانه للذات وخدمته للآخرين بصدق وكرم، كما في سيرة رسول الإسلام وقدوة المسلمين "محمد" صلى الله عليه وسلم الذي كانت حياته حرفيا رحمة للعالمين.

5- قدرته على جذب أبطال آخرين إلى قضيته والتعاون معهم بإيمان مشترك، كما في قصة مدير المدرسة الذي استطاع أن يقنع مجموعة من المعلمين الأبطال الذين تقاسموا رؤية تنشئة جيل من الأبطال وساهموا في تحويلها إلى واقع.

انطلاقًا من هذه الأبعاد، أستطيع الجزم بأن كلّ إنسان هو مشروع بطل، إن لم يكن بطلًا بالفعل.
غير أن الإنتاجات السينمائية الحديثة، خصوصًا في هوليوود، تروّج ضمنيًا لمسلمات مسمومة تُفرغ البطولة من معناها الإنساني، وتربطها بالقوى الخارقة والمهام المستحيلة، كما في شخصيات "باتمان"، "سوبرمان"، و"سبايدرمان".

فبدل أن يرى المتفرّج في نفسه طاقة كامنة قابلة للتفعيل، ينتهي به المطاف إلى تصنيف ذاته ضمن "عامة الناس"، المغلوبين على أمرهم، الذين ينتظرون منقذًا خارقًا ينزل من السماء أو يأتي من عالم آخر.

لكنّ الحقيقة التي ينبغي أن تُستعاد هي أن كل فرد، مهما كان موقعه، يمكن أن يكون بطلًا: المعلّم في قسمه، الأم في بيتها، العامل في ورشته، الطالب في قضيته، إذا اختار أن يتحمّل مسؤوليته، ويواجه تحدياته، ويخدم غيره، ويسهم في تغيير ما يستطيع تغييره.

▪️▪️▪️ يتبع

P2P
Turnin Problems To Power
من سطوة المشكل إلى قوة التشكيل

من المأساة إلى البطولة: كيف نكسر النمط ونكتب مصيرًا جديدًا؟

•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•
الجزء الخامس
•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•

☆☆☆☆☆ ما الحبكة التي ينبغي أن تحذر منها كبطل؟

▪️▪️▪️ نتابع

شاع عن كريستوفر بوكر أنه قام بمجهود تجريدي جبّار، استغرق أزيد من ثلاثين سنة، لدراسة عدد كبير من القصص وتحليل بنياتها. ولا يهمّني كثيرًا مدى دقّة هذه المعلومات أو صحّتها، بقدر ما يهمّني ما خلُص إليه من نتائج.

يزعم الرجل أنّ جميع القصص تعود، في جوهرها، إلى سبع حبكات أساسية (The Seven Basic Plots)، وهي:
1. الانتصار على الوحش (Overcoming the Monster)
2. من الفقر إلى الثراء (Rags to Riches)
3. السعي (The Quest)
4. الرحلة والعودة (Voyage and Return)
5. الكوميديا (Comedy)
6. المأساة (Tragedy)
7. الولادة من جديد (Rebirth)

بعد الاطلاع على هذه الحبكات، خصّصت حبكة المأساة بالتأمل والتحليل بشكل أعمق لسببين رئيسيين:
• انتشارها الواسع في العصر الحالي، حيث تتكرّر بصيغ متعددة في حياة الأفراد والمجتمعات.
• "معرفة الشر لا للشر، ولكن لتوقّيه"، كما قال أحد الحكماء؛ إذ من بين جميع الحبكات، تُعدّ حبكة المأساة الوحيدة التي تنتهي بسقوط البطل ونهايته المأساوية.

باختصار شديد، يمكن تلخيص بنية حبكة المأساة في المسار التالي:

← بطل ذو عيب مأساوي:
تبدأ القصة ببطل يبدو قويًا أو راقيا (اجتماعيا أو فكريا) في الظاهر، لكنه يحمل في داخله نقطة ضعف محورية. هذا العيب لا يكون واضحًا منذ البداية، لكنه يُمهّد للسقوط القادم.

← القرار المأساوي والسقطة الأولى:
يتّخذ البطل قرارًا خاطئًا – غالبًا نتيجة عيب كامن فيه – يؤدي إلى أولى خطوات الانهيار. في هذه اللحظة، لا يكون الضرر كاملاً، لكن الانحراف عن المسار قد بدأ.

← الاستمرار في العيب وتدهور الأوضاع:
عوضًا عن التراجع أو التصحيح، يتمادى البطل في نفس النمط، مدفوعًا بالعناد أو الإنكار، فيتفاقم الوضع وتبدأ الأحداث بالتعقيد والتصعيد.

← الذروة المأساوية:
يصل البطل إلى لحظة ذروة مأساوية مؤلمة، حيث تُكشف الحقيقة أو يتعرّى الخطأ، ويصبح السقوط أمرًا حتميًا.

← السقوط الأخير والنهاية المأساوية:
ينتهي المسار بـسقوط كامل للبطل: فقدان المكانة، الانهيار النفسي أو الاجتماعي، أو حتى الموت الفعلي. النهاية حزينة، ولكنها مُبرّرة منطقيًا ضمن تسلسل الأحداث.

← تعاطف واتعاظ المتفرّج:
رغم مأساوية النهاية، يشعر المتفرّج أو القارئ بـتعاطف عميق مع البطل، وبنوع من التطهير العاطفي والفكري، يجعله يُدرك قيمة الاختيارات ونتائج العيوب البشرية، فيخرج من القصة بوعي أعمق وحذر أكبر.

هذا هو مسار بطلٍ فاعلٍ يحمل عيبًا مأساويًا. أمّا من كان مجرّد مفعولٍ به سلبي (ينتظر منقذا)، فحالُه أسوأ من حال البطل في حبكة المأساة، إذ يبدأ من موقع "الموت الرمزي"، لا من الحياة.

▪️▪️▪️ يتبع

P2P
Turnin Problems To Power
من سطوة المشكل إلى قوة التشكيل

من المأساة إلى البطولة: كيف نكسر النمط ونكتب مصيرًا جديدًا؟

•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•
الجزء السادس
•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•

☆☆☆☆☆ ما هو عيب البطل المأساوي؟

▪️▪️▪️ نتابع

ومن منّا لا يحمل عيبًا؟!

وهل يعني هذا أن علينا أن نبلغ حدّ الكمال كي نفلت من مصير البطل المأساوي؟

الجواب القصير: لا.

النجاة من المصير المأساوي لا تستلزم الخلو من العيوب تمامًا. فالعيوب على نوعين:
• عيوب تتسبب في السقوط، وهي كثيرة ومتجدّدة، تختلف من شخص لآخر.
• وعيوب تحدّد نمط التعامل مع السقوط، وهو النوع الأخطر، وهو ما نُطلق عليه "العيب المأساوي".

✦ الكل يسقط، لكن ليس الكل يُهزم

قد نختلف في عيوبنا من الصنف الأول، لكن من المؤكد أن لكلّ واحدٍ منّا نصيبًا منها، سواء كنّا واعين بها أم لا، وسواء كانت مستورة أم مكشوفة. ومن ثم، ليس منّا من لم يسقط من قبل، وليس منّا من لن يسقط لاحقًا... إلا من لم يكن واقفًا أصلًا.

حين يُدرك الإنسان هذه الحقيقة بعمق، تتولّد داخله ثلاث تحوّلات كبرى:
• لا يشمَت بمن سقط، ولا يشعر بتفوّق زائف لظنه أنه بمنأى عن ذلك العيب.
• يحرص على التنقيب عن عيوبه ومعالجتها ضمن مشروعه ومسؤوليته الشخصية.
• يعيد تقييم الناس بناءً على تعاملهم مع السقوط، لا على السقوط ذاته، أليس كل ابن آدم خطّاء؟ وخير الخطّائين التوابون؟

✦ العيب المأساوي: الخلل القاتل

العيب المأساوي يصيب في مقتل الآليات الثلاث الحيوية للبطل:
• القدرة على اتخاذ القرار
• القدرة على التعلّم وتفعيل الإمكانات
• القدرة على معالجة المشاكل

فهو يُشوّه البوصلة الداخلية، ويؤثّر على التوجّه، على التوقّع، وعلى القيام بعد السقوط. حين يستفحل هذا العيب، يُصاب صاحبه بـ"العمى والصمم النفسي"، فلا تنفعه إشارة ولا نصيحة. وقد يُنكر السقوط رغم وضوحه، أو يُحوّل التركيز من السبب الحقيقي إلى الأشخاص والهوامش، ويُسارع إلى التبرير بدل تحمّل المسؤولية.

✦ مسرح الحياة: اختبار مستمر

من القناعات الراسخة لدي، أن الحياة الدنيوية مصمَّمة بحيث تُرتّب لنا، نحن الأبطال المحتملين، سلسلة من الظروف والتحديات التي تتجاوز قدراتنا المفعّلة. وفي كل منعطف، نكون أمام خيارين: أن نرتقي أو أن نتدهور. انظر في ماضيك، وانظر في حياة من حولك… هل وجدت استثناء؟

✦ كيف أعرف إن كان بي عيب مأساوي؟

إذا أردت أن تُشخّص ذاتك، فانظر إلى نمط تعاملك مع السقطات:
• كيف تتعامل مع أخطائك؟
• كيف ترى سقوط الآخرين؟
• هل تبحث عن الأسباب الحقيقية؟
• أم تنشغل بالإنكار والتبرير؟
هناك تبدأ رحلة التحرّر من المصير المأساوي، وتبدأ البطولة الحقيقية.

▪️▪️▪️ يتبع

P2P
Turnin Problems To Power
من سطوة المشكل إلى قوة التشكيل

من المأساة إلى البطولة: كيف نكسر النمط ونكتب مصيرًا جديدًا؟

•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•
الجزء السابع
•┈┈┈••✦☆✦••┈┈┈•

☆☆☆☆☆ كيف يمكن كسر النمط المأساوي والتحوّل إلى نمط يُفلح فيه البطل؟

▪️▪️▪️ نتابع

✦ حتى نخرج من حبكة المأساة، لا يكفي أن نتمنّى نهاية سعيدة

بل لا بدّ من تحوّل عميق وشامل على عدّة مستويات: تحوّل في البصيرة الذاتية، في المنظور، في تحمّل المسؤولية، في الانتباه، في إدارة الانفعالات، في أنماط التفكير، في منهجية التعامل، وفي النماذج الذهنية التي نحتكم إليها في فهمنا لذواتنا والعالم.

وفيما يلي خمس خطوات حاسمة يمكن أن تُشكّل برنامجًا تدريجيًا متكاملاً لكسر النمط المأساوي:

1. إدراك العيب والرغبة الصادقة في تقويمه

أول خطوة في التحوّل هي أن نرى العيب المأساوي بوضوح وصدق، وندرك أنه تشوّه طارئ، يمكن ويجب تصحيحه، لا أنه مكوّن جوهري في "الهوية" علينا تقبّله كما هو أو فرضه على من حولنا.

كثيرًا ما نرصد هذا الخلل في التصوّر من خلال عبارات شائعة مثل:
"هذا أنا وهذه شخصيتي"، أو بلهجتنا المغربية: "أنا هكا داير".

إن الوعي بأن العيب لا يُشكّل الذات، بل يشوّهها، هو أول خيط في طريق التحرّر.

2. تحمّل المسؤولية الكاملة عن الإصلاح

التحوّل لا يحدث إلا حين يدرك الإنسان أن التخلّص من العيب مسؤولية شخصية ذات أولوية قصوى، بل لعلها أول امتحان حقيقي في مسار البطولة.

الآخرون، في أفضل الأحوال، يمكنهم أن يُقدّموا المعلومة، أو النصح، أو التشجيع… لكن البطل هو من يختار المنبع، ويتخذ القرار، ويتمرّن ويُطبّق.

"التغيير لا يُستورد، بل يُصنع من الداخل."

ورغم أن العمل ضمن مجموعة داعمة يعزز فرص النجاح، إلا أن الدافع الجوهري يجب أن ينبع من الداخل.

3. تعلّم أنماط جديدة مستنبطة من حبكات ناجحة

لكسر الحبكة المأساوية، لا يكفي اجتناب الخطأ، بل يجب بناء نماذج ذهنية وأنماط تفكير جديدة، مستوحاة من حبكات وتمثّلات أكثر تمكينًا للبطل.

هذه الأنماط تُصبح بمثابة "خرائط ذهنية جديدة" للعقل والسلوك.

وفي هذا السياق، عملنا ضمن مشروع (P2P) على إعداد برنامج لتفكيك بعض الأنماط المأساوية الجذرية، وتعويضها بأنماط أكثر وعيًا وفاعلية.
ونوجّه دعوتنا لكل من يحمل همّ الإصلاح والتأثير الإيجابي في مجتمعاتنا من مربّين، واستشاريين، وباحثين، للتعاون معنا على تحرير الأبطال الكامنين في الناس.

4. تطبيق هذه الأنماط في الواقع الشخصي والمهني

الخطوة الرابعة هي تنزيل هذه الأنماط الجديدة تدريجيًا وبشكل منهجي على أرض الواقع، وتفعيلها في مختلف السياقات:
• في العلاقات الشخصية
• في بيئة العمل
• في اتخاذ القرارات
• في التعامل مع المشكلات والأزمات

كل تطبيق عملي يُساهم في ترسيخ نمط جديد من البطولة اليومية الواعية.

5. توظيف هذا التحوّل في مشاريع جماعية وتحرير أبطال آخرين

البطل المتحوّل لا يحتفظ بنجاحه لنفسه، بل يرى فيه أمانة يجب مشاركتها.

إنه يسهم في تحرير أبطال مأساويين آخرين، من خلال التوعية، وتقاسم التجربة، والمشاركة في مشاريع جماعية ذات مغزى. فالبطولة الحقيقية لا تنغلق على الذات، بل تمتد لتصنع أثرًا وتُلهِم الآخرين.

تذكر دائما عزيزي القارئ أن البطل لا يُولد من النصر، بل من قراره الواعي بالخروج من دائرة التكرار والركود، وكسر الأنماط المأساوية التي تسكنه وتسكن من حوله.

▪️▪️▪️ يتبع

P2P
Turnin Problems To Power
من سطوة المشكل إلى قوة التشكيل