س/ج 💎ما يلزم المسلم💎
251 subscribers
31.1K photos
11.2K videos
4.76K files
37.2K links
Download Telegram
Forwarded from Muhammed Rafi Kv kaladi
#ربيع_السعود_

مناقشة هادئة في مسألة الاحتفال بالمولد النبوي!

بقلم: أد/ محمد إبراهيم العشماوي
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف

أقوى ما يستدل به المانعون ما أسموه دليل الترك، ومعناه أن الصحابة تركوا الاحتفال ولم يفعلوه؛ فلا يجوز لنا فعله، وهو كلام غير مسلَّم؛ لأن الترك ليس دليلا أصلا، فضلا عن أن يكون دليلا على التحريم، وحين عرف اهل الحديث السنة ذكروا أنها أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته، ولم يذكروا الترك، بل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه قسم شريعته إلى أمر ونهي، فقال: "ما أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه"، ولم يقل: وما تركته!

وعلى هذا فما تركه النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة رضي الله عنهم؛ لا يفيد أنه حرام إذا فعلناه، ما لم يصحبه دليل يفيد التحريم؛ فالترك بمجرده لا يفيد حكما؛ سوى أن الأمر المتروك يجوز تركه، لكنه لا يدل على حرمة فعله، ما لم يصحبه دليل آخر!

وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم أشياء ولم تكن حراما، كتركه أكل الضب؛ لأنه لم يكن من عادة قومه، ومع هذا لم يحرمه، وكتركه صلاة التراويح خشية أن تفرض على المسلمين، ولم يحرمها، بل هي سنة، وكتركه إعادة بناء الكعبة على ما بناها عليه إبراهيم؛ لأن قومه كانوا حديثي عهد بجاهلية، وهكذا في متروكات كثيرة، تدل بمجموعها على أن مجرد الترك لا يفيد تحريم الفعل!

وعليه فمسألة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مما تركه الصحابة رضي الله عنهم؛ لعدم وجود الداعي إليه؛ لشدة تعلقهم بالجناب النبوي الشريف، ورؤيتهم إياه في كل حين، وهذا لا يدل على أنهم رأوا الاحتفال به حراما، فهذا لم يكن معهودا لديهم، حتى رأى المسلمون في عصور لاحقة أن يجعلوا من يوم مولده صلى الله عليه وسلم احتفالا يظهرون فيه الفرح والسرور بيوم مولده الشريف، ويتقربون فيه إلى الله تعالى بأنواع الطاعات من تلاوة القرآن والحديث والسيرة ودروس العلم وقراءة المولد الشريف والمدائح النبوية والإكثار من الصلاة والسلام عليه وإطعام الطعام ومد الولائم توسعة على المسلمين، كما وسع الله عليه ببعثة خاتم المرسلين، وتذكيرا لهم بهذه النعمة العظيمة، فاجتنع في هذا الاحتفال أنواع شتى من العبادات والقربات، كل واحدة منها مشروعة برأسها، فكيف إذا انضمت إلى غيرها؟!

ومما يدل على عناية علماء الإسلام بأمر المولد؛ أنه قلَّ عالمٌ من العلماء أو حافظٌ من الحفاظ إلا ألَّف مولدا للنبي صلى الله عليه عليه وسلم!

وقد فعل المسلمون أشياء لك تكن موجودة في زمن الصحابة، بل فعلها الصحابة أنفسهم، كجمع القرآن في المصحف، ولم يقل أحد إنهم ابتدعوا في دينهم، سواء سمي ذلك بدعة حسنة، أو مصلحة مرسلة!

فلو قلنا: إن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من باب المصالح المرسلة - يعني المطلقة التي تتجدد بحسب حاجة الناس إليها - ولم يشهد لها الشرع باعتبار ولا بإلغاء؛ لم نبعد عن المقصود، والمصالح المرسلة دليل شرعي قال به المالكية والحنابلة، وقيده الحنفية والشافعية بشروط، منها اندراجه تحت أصل شرعي كلي، وهو هنا مندرج تحت أصول لا أصل واحد، كما بينه شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر مستدلا له بصيام يوم عاشوراء احتفالا بنجاة موسى وقومه من فرعون، وزاده بسطا وإيضاحا الحافظ جلال الدين السيوطي في رسالته (حسن المقصد في عمل المولد)!

ونحن في عصر المادة التي عصفت بالقلوب والأرواح، وأحالت حياة الناس إلى ما يشبه حياة الآلة؛ نحتاج إلى مثل هذه المناسبات لإنعاش القلوب والأرواح، والتذكير بمجد الإسلام، وإعادة الأمل والثقة إلى قلوب المسلمين من جديد، فيكون عمل المولد مشروعا لتحقيق هذه المقاصد المشروعة، وكذلك الاحتفال بسائر ذكريات الإسلام المجيدة كالهجرة وليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان!

وعلى فرض كون الاحتفال بالمولد بدعة؛ فهي بدعة حسنة، فنعمت البدعة هي!

ودونك أقوال بعض كبار الأئمة تشهد بأنه ليس كل ما أُحدث يكون بدعة مذمومة!

قال ناصر السنة، ومجدد القرن الثاني، الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه - كما رواه عنه البيهقي في مناقبه -:

"المحدثات من الأمور ضربان:

أحدهما: ما أُحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا؛ فهذه البدعة الضلالة.

والثاني: ما أحدث من الخير، لا خلاف فيه لواحد من هذا؛ فهذه محدثة غير مذمومة".

ورواه الحافظ أبو نعيم عنه في (الحلية) بلفظ:

"البدعة بدعتان، بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم، واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان (نعمت البدعة هي)".

وقال حجة الإسلام، ومجدد القرن الخامس، الإمام أبو حامد الغزالي في (الإحياء) تأسيسا على كلام الإمام الشافعي:

"وما يقال: إنه أُبدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فليس كل ما أبدع منهيا، بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة، وترفع أمرا من الشرع، مع بقاء علته، بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب!".