دروب الخير 🕋
1.83K subscribers
38K photos
13.9K videos
6.55K files
44K links
إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي
Download Telegram
#هام_ومفيد: يمكنك النشر لتنبيه المتوهم

 رفع الإشكال عن مقولة (ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك) للعلامة البوطى رحمه الله تعالى.

قال العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطى فى كتابه " السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامى " بعد الكلام عن بعض المسائل التى تخص التصوف

(بقى أن ننظر فى قول أحدهم . اللهم ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا فى جنتك ولكنى وجدتك ربا تستحق العبادة فعبدتك , وفى انتقاد بعض الناس له وإدخاله فى الشطحات الممنوعة فى الدين.
وأقول لقد تأمّلت فى هذا الكلام طويلا وقلبته على وجوهه فما رأيت فيه إلا ما يدخل فى خالص معنى العبودية والتوحيد . وليس عجبى ممن يقول هذا الكلام تعبيرا عن دينونته الخالصة لله بالعبودية ولكن عجبى ممن ينكر هذا الكلام وينسب صاحبه إلى الشطح أو الابتداع
إن كان هذا الكلام غير موافق للشرع إذن فلابد أن يكون نقيضه هو الموافق له . ونقيضه أن يقال : اللهم إنى ما عبدتك لأنك رب تستحق العبادة ، ولكنى عبدتك طمعا فى جنتك وخوفا من نارك. فهل من مسلم وعى معنى عبودية الإنسان لله عز وجل ، يقول: أن هذا الكلام الثانى هو الموافق للشرع ؟ وهل يقال عن الطاعة التى يساق الإنسان إليها سوقا خوفا من عقاب ينتظره أو طمعا فى مطمع تعلق قلبه به ، بحيث لو اطمأن إلى أنه سينجو من العقاب إن لم يطعه ، أو قد ينال الاجر الذى تعلق قلبه به وأن أطاعه لترك الطاعة وأعرض عن الأوامر وانحط فى المنهيات ، أقول : هل تسمى هذه الطاعة المشروطة بهذا القيد عبودية لإلهه المطاع ؟
لقد تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم النباء الصادق من ربه ، بأنه عز وجل قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،وبأن الله سيعطيه ما يرضيه ، وسيبعثه المقام المحمود والحوض المورد . ومع ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم يحمل نفسه كل يوم مزيدا من مشقة الطاعات والقربات والعبادات . وقد روى الشيخان عن المغيرة بن شعبة وعائشة وأبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله وقد رأى قدميه متورمتين من كثرة الصلاة
ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذتبك وما تأخر ؟ قال له "أفلا أكون عبدا شكورا " وهذا دليل قاطع على أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل لم تكن استحصالا لجنة ولا توقيا من نار ،
بل كان يحمل عليها يقينه بأنه عبد لله مغمور من قبله بالنعم والآلاء المختلفة ، وضريبة العبودية هى شكر المنعم وتعظيم الرب عز وجل
وقد روى مسلم من حديث معاذ بن جبل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له " يامعاذ أتدرى ما حق الله على العباد ؟ قال الله ورسوله أعلم . قال أن يعبد الله ولا يشرك به شىء . قال أتدرى ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك ، فقال الله ورسول أعلم قال إلا يعذبهم .
فقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يدع مجالا لشبهة أن ما ينهض به العبد من طاعات وقربات ، هو حق الله عليه بوصف كونه عبدا مملوكا له ، لا من حيث أن الله عز وجل تعاقد معه على أن يقوم له بتلك الطاعات مقابل أجر محدد يعطيه إياه .
فواجب العبد إذن أن يعبد ربه إداء لحق ربوبية الله ومالكيته له لا رغبة فى العوض، كما هو شأن الأجراء من الناس . ولا تستشكل قوله صلى الله عليه وسلم فى الشق الثانى من الحديث " وحق العباد على الله إذا عبدوه ولم يشركوا به شيئا أن لا يعذبهم " فإن هذا الحق لم يوجبه أحد على الله تعالى ، وإنما كتب الله على نفسه ذلك تفضلا منه وإحسانا ، فسماه على سبيل المشاكلة حقا مترتبا عليه .
ومرمى هذا الحديث النبوى الجليل ، أن يعلم العبد أن عليه أن لا يخلط بين هذين الحقين ، ويجعل منه حقا واحدا يتخيله فى ذهنه ، بحيث يتوهم أنه يصبح إن أطاع الله ولم يعصه ذا حق فى أن ينجز الله له ما وعده به . بل عليه أن يعلم أن حق الله مترتبا فى عنقه بوصف كونه عبدا له ، بقطع النظر عن أى منحة قد ينالها أو لا . فهذا شىء ... والشىء الثانى أن الله ألزم ذاته العلية بأن يكرم عباده الذين لم يقصروا فى القيام بحق ألوهيته وربوبيته لهم ، بعظيم المثوبة وواسع الكرم وإلا حسان .
وهذه الحقيقة ماثلة بوضوح فى كتاب الله عز وجل ، فما أكثر الأيات التى ينبه الله العبد من خلالها ، إلى أن مناط العبادة التى يجب أن ينهض بها العبد ، إنما هو ربوبية الله له بقطع النظر عن أى شىء وراء ذلك . فهو عز وجل يقول "وأنا ربكم فاعبدون (الأنبياء 92) ويقول خطابا لموسى عليه الصلاة والسلام
" إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى ,افم الصلاة لذكرى "(
طه14) فإذا أدركت هذه الحقيقة , وعدت إلى قول القائل (. اللهم إنى ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا فى جنتك ولكنى وجدتك ربا تستحق العبادة فعبدتك ) رأيت أن هذا القول منه ليس أكثر من تلبية لدعوة الرب عز وجل وانصياع للحق المثبت فى عنقه لمولاه وخالقه عز وجل . أفليس غريبا كل الغرابة إذن , أن يقف المسلم العاقل من هذا القول موقف الجاهل لمضمونه , فضلا عن أن يقف موقف المنكر له ؟!