لا وطن لنا سواه – قصة بقاء وبعث من رماد المحرقة
يهودا هوفتمان، البالغ من العمر 87 عامًا، هو آخر ناجٍ من المحرقة النازية ،الهولوكوست، في قرية تكوما، القرية التي أُقيمت قبل 79 سنة على يد مهاجرين من أوروبا الشرقية، معظمهم من الناجين من أهوال الهولوكوست ابان الحرب العالمية الثانية. في يوم الغفران عام 1946، أُقيمت "تكوما" ضمن مشروع وطني لإثبات الوجود اليهودي في النقب قبل وصول لجنة الأمم المتحدة التي كلفت بحل انزاع اليهودي العربي.
في السابع من أكتوبر 2023، حين هاجم الإرهابيون منطقة غلاف غزة، نجت هذه القرية من المذبحة رغم قلة السلاح والذخيرة، في لحظة قيل عنها: "مسألة قدر". يهودا، الذي وُلد في تشيكوسلوفاكيا ونجا من الغيتو في بودابست، هاجر إلى إسرائيل عام 1950، خدم في الجيش، أسس عائلة، وحقق حلمه بأن يكون فلاحًا في أرض وطنه.
واليوم، يحمل صوته وصلواته إلى مؤسسة "ياد فاشيم" لتخليد ذكرى الهولوكوست ، ممثلًا لجيل بأكمله، ومذكّرًا بأن الشعب الذي مر بالنار والدمار، لا يُكسر. هذه هي "تكوما" – اسمها يعني "النهضة" – وهي رمز لصمود شعب لا وطن له سو هذا الوطن.
صور -مؤسسة "ياد فشيم"

الهولوكوست او عملية إبادة الشعب اليهودي على يد الوحش النازي لم تقتصر على أوروبا كما يظنون، بل طالت أيضا اليهود في بعض الدول العربية والإسلامية حيث بسط النازيون فيها نفوذهم
وكان العراق من بين هذه الدول حيث قام النازيون بتحريض الأهالي ضد بريطانيا واليهود مما أدى الى اندلاع اعمال الشغب والاضطرابات في شهر حزيران-يونيو من العام 1941 والتي سميت بالفرهود، حيث تعرض يهود بغداد لمجزرة مروعة راح ضحيتها المئات منهم رجال ونساء وأطفال.
شلومو منصور، الذي اختُطف وقُتل في السابع من أكتوبر على يد وحوش حماس، وصف في مذكراته أعمال قتل مروعة ارتُكبت بحق اليهود خلال فرهود بغداد. كان شاهدًا عليها كطفل صغير، لكنه لم يروِ ذلك لأحد بصوته: "لم يكن يتحدث كثيرًا عمّا مر به هناك". في مقابلة خاصة، تكشف عائلته عن قصة حياته المؤثرة، وتتحدث عن الرسالة التي كتبها بخط يده على ورقة صغيرة احتفظ بها داخل كتاب المزامير.
عندما اقتحم الرعاع من المسلمين منزل والديه في بغداد واعتدوا عليهما حتى سال دمهما، كان شلومو مجرد طفل صغير، يبلغ من العمر ثلاث سنوات. هرب وصعد إلى السطح، ومن هناك رأى مشهدًا مروعًا: غوغاء يعذبون رضيعًا يهوديًا أمام أعين والدته، ثم قتلوه في النهاية.
لم يكن أحد ليصدق، قبل السابع من أكتوبر، أن هذا الطفل اليهودي، الذي نجا من فظائع "الفرهود" في العراق ونجح في القدوم إلى إسرائيل، سيُختطف ويُقتل بعد أكثر من 80 عامًا على يد برابرة حماس، في مكان شعر فيه بأمان أكثر من أي وقت مضى.
شلومو منصور – رحمه الله – كان المختطف الأكبر سنًا الذي أُخذ بالقوة في "السبت الأسود" من منزله في كيسوفيم. اسمه تكرر مرارًا في العناوين، ووجهه المميز بشاربه طُبع في ذاكرة الجميع. بعد مرور 494 يومًا على اختطافه، تلقت عائلته النبأ الصادم بأنه قُتل في ذلك اليوم.
"وقعت الأحداث في عام 1941، خلال عيد الأسابيع (شفوعوت)"، تروي هداسا لازار، أصغر أخوات شلومو. "ذُبح اليهود بوحشية شديدة: قطعوا رؤوس الناس، وبتروا أطراف الرضّع، وألقوا الأطفال في آبار المياه أمام أعين أهاليهم، وسحقوا رؤوسهم. اقتحم المسلمون منزل والديّ بينما كان شلومو في الثالثة من عمره وأختي رضيعة في مهدها. ضربوا والديّ ضربًا مبرحًا وأطلقوا النار على كلبه"، تضيف هداسا. "ثم ركض شلومو مرعوبًا إلى السطح، ومن هناك شاهد مشهدًا ترك أثرًا عميقًا فيه، وكتب عنه في مذكراته التي عُثر عليها بعد اختطافه: اثنان من المسلمين كانوا يلعبون بالرضيع كما لو كان كرة، وأمه تتوسل إليهم. ثم طعنوه وسلموها إياه".
تتابع هداسا: "كان والديّ يعيشان في خوف دائم. أختان لوالدي كانتا تعيشان في إسرائيل، وكانتا تتراسلان معه، وكل مرة كان يتلقى رسالة منهما كان يحرقها فورًا، لأنه خشي أن يُعتبر خائنًا إذا تبيّن أنه يتواصل مع إسرائيل. نشأت حركة سرية في العراق، وبالتعاون مع جهات من البلاد، على ما يبدو، حاولوا تهريب اليهود. كان هناك شرطان للإفراج عنهم: التنازل عن كل ممتلكاتهم – والتخلي عن جنسيتهم. أي لا عودة إلى هناك. يتم ختم جواز سفرهم بأنهم مغادرون بلا رجعة. أختي كانت في الرابعة من عمرها، وكان لديها خاتم صغير من الذهب على إصبعها. انتزعوه منها عندما صعدت إلى الطائرة".
وفي عام 1951، في إطار عملية "عزرا ونحميا"، وصلت عائلة منصور إلى البلاد، تقول موشيت، ابنة شلومو: عندما أخلت العائلة منزله بعد انتهاء كل شيء، تبيّن أن المذكرة التي كشفت عن قصص أخرى من فظائع العراق لم تكن الشيء الوحيد ذو القيمة الذي تركه. "وجدنا داخل كتاب المزامير ورقة صغيرة مكتوبة بخط يده "في الورقة كتب أنه يطلب من الله أن يمرّ من خلال بيته ويحفظ العائلة، وعلى الجهة الأخرى من الورقة كُتب: 'الإنسان مثل البخار، أيامه كظل عابر'، وهو اقتباس من سفر المزامير. ليتني عرفت ما الذي دفعه لكتابة ذلك. لقد نقشنا هذه العبارة على شاهدة قبره".

رئيس الدولة هرتسوغ في مسيرة الاحياء: "لا يكفي الاكتفاء بالكلمات – بل يجب تنفيذ شعار 'لن يتكرر ذلك أبدًا' من خلال التشريع، والتطبيق، والتعليم، والثقافة".
شارك رئيس الدولة إسحاك هرتسوغ مع نظيره البولندي اندجيه دودا في مسيرة الاحياء التقليدية والتي تقام لاحياء ذكرى الملايين الستة من أبناء الشعب اليهودي الذين قتلوا على يد الوحش النازي ، خيث جرت المسيرة بين معسكري الإبادة اوشفيز وبيركناو.
وقال الرئيس انه من بين الستة ملايين يهودي الذين قُتلوا في المحرقة، نصفهم – ثلاثة ملايين – كانوا من بولندا"، وأضاف، "إنه رقم لا يمكن تصوره".
وتطرق هرتسوغ إلى فظائع مجزرة 7 أكتوبر، التي تشابه بعض فظائع المحرقة، قائلاً: "بقلب ممزق أذكر الجميع بأنه رغم أننا بعد المحرقة أقسمنا: 'لن يتكرر ذلك أبدًا'؛ اليوم، ونحن هنا، روح عشرات اليهود ما زالت 'تشتاق في القفص' و'تعطش للماء والحرية'، عندما يُحتجز 59 من إخوتنا وأخواتنا بيد قتلة إرهابيين في غزة، في جريمة مروعة ضد الإنسانية. تحرير المختطفين واجب إنساني شامل؛ ومن هذا المكان المقدس، أدعو المجتمع الدولي بأسره للتكاتف من اجل إنهاء هذه الجريمة الإنسانية".
وأضاف هرتسوغ أن أحد أهم دروس الحرب العالمية الثانية هو الأمر الذي يُلزم حلفاء العالم الحر بـ"الوقوف بحزم ضد الجهات التي تشجع وتغذي الأيديولوجيات الظلامية للإرهاب والكراهية".
وأوضح أن هذه الأيام، في ظل تعرض إسرائيل لهجمات على عدة جبهات – علينا توسيع دائرة الشراكة في مواجهة محور الشر. "إيران لا تهدد إسرائيل فقط، بل تهدد الاستقرار العالمي – وعلى دول العالم التعاون لكبحها"، شدد هرتسوغ في خطابه.