#فاجعة_البقدونس
خلال ثورتي الطويلة على أسلافي، أمضيت حياتي وأنا أرغب في أن أكون شخصاً غير ما أنا عليه ألان كأن أصبح: إسبانياً، أو روسياً، أو أحد أفراد قبيلة افريقية، أي شيء كنتُ أرغب أن أكون غير ما أنا عليه الآن.
***
ذات مرة سألت صبي من أقاربنا يسكن في الحي الذي يقع جوار السفارة الأمريكية.
_ في أي كلية يَدرسُ اخوك ...؟..فقال :
_ كلية الصيطلة ..!!!...
ضحكتُ حتى أنهمرت دموعي من الضحك...فالكلية اسمها " صيدلة " بالدال وليست بالطاء !!...ولكن سكان هذه المدينة يُبدّلون حرفاً مكان حرف، وكان من سوء حظ حرف " الدال " أن يستبدلوه بحرف " الطاء "...فتصبح " صيطلة "
توقفت عن الضحك فجأةً، عندماً هاجتْ بي الذكريات إلى ذلك الزمن القديم ، يوم كنتُ بعمر هذا الصبي هه ...
فأنا عندما كنتُ بعمره كنت أسكن في منطقة ريفية، تذكرتُ كم كنتُ أكره حياة الريف، وأكره الابقار، والبساتين، وبيوت الطين، والحقول الممتدة بالقات،، وتنور الخبز الطيني، ونباح الكلاب ليلاً، وضوء الفانوس....كل شيئ تقريبا كنتُ أكرهه وأمقته جداً ...
وعندما أنتقلت إلى صنعاء أحببت كل ما فيها، الشوارع الكبيرة، والازدحام الدائم، والضجيج العشوائي، والملابس الجاهزة، والمدارس المكتضة بالفتيات الجميلات هه، والمصابيح المنيرة، والمنازل الحديثة. أحببت كل شيئ فيها، حتى تلك الفتاة التي كانتْ تقول لي دائماً #ماعه، دليلاً على الرفض، ولكن بسبب الطابع الريفي الذي كان مخيم على دماغي أنذاك، كنتُ أظنها نوعاً من الأصوات التي تصدرها ماشية الأغنام .
بعد فترة وجيزة ، قررتُ أن أكون " ابن هذه المدينة " وأنسى أنني رجلاً قروي!! أستعطت أن أستوعب مفاهيم واليات المدينة كلغظ "بيعة" بدلا عن "الكرث"، ولفظ" الجُباء" بدلا عن السطح، وسابر بدلا عن تمام.
أنسجمت مع هذه الألفاظ المخترعة بسهولة، ووضبطت مخارج الحروف حسب ما يقتضيه النطق ، واتقنتُ الأداب العامة هه ، كنتُ أقول لنفسي احيانا :
_جلم وليس قلم..!!..(فلم يكن أهل هذه على صلح مع حرف _ق_ وإلى اليوم مازال الخصام )، وأقول : چبن وليس جبن .!!....الخ..
وهكذا مع كثير من حركات الفتح والضم والكسر...وقد تفوقتُ ببراعة هائلة ولم يشعر أحد بأنني ولدتُ في الريف التعزي وأن لهجتي هي التعزية.
كنت أشعر بالعار من الريف فأردت أن أكون جزءاً من هذه المدينة، وأنتمي إليها ..أردت أن أكون شخصاً أخر، أي شيء عدا أن أكون قَروي.
لولا " البقدونس " اللعين...!!!.الذي يلفظونه هنا بالبجدونس لمَا كُشف أمري .
فمهما حاولنا أن نخفي ما نخاف منه فلا بد أن تَفضَحُنا إحدى هذه الأشياء التي نخفيها..وكأنها قاعدة عامة....
فسكان الريف التعزي يلفضون الكلمةل بالقاف " بقدونس" ، أما أهل هذه المدينة فليفظونها بالجيم!! بجدونس.
فعندما يكون الحديث مع أصدقائي منساب، وسلس، وجميل، أخرج عن إطار النص وتغلب لهجتي الام عن تلك اللهجة التي اصبحتُ ارتديها كثيراً ، فقد قلتُ ذات مرة، بقدونس، فصاح أحدهم بإستغراب!!
_ماذا...؟ ماذا قُلت.؟ بقدونس؟!
- هه لقد انتهى أمري وأصبحت مجالا للسخرية !! قلتها في نفسي وشعور القرف يعتريني، حينها ادركتُ أن أسوء شعور هو عدم الإحساس بالإنسجام مع المجتمع أو محاولة الهرب من وضع معين ، إنها كانت كانهاية العالم بالنسبة لي ...
في وقتها كُنّا انا والرئيس الأمريكي "باراك اُباما" لا ننام من كثر الهم، هو بإنتظار طَرده من الرئاسة بسبب تحيزها للأفارقة، وأنا لا أنام بسبب " البقدونس " !!.
فمن قال أن هناك هماً كبير وهما صغير..؟؟؟..الهموم كلها كبيرة، فمراهقة تجاهلها حبيبها تعيش في هم حجمه بمقدار هم هتلر وهو محاصر من قِبل الحُلفاء بعد سقوط برلين.
ومن قال بأنه لا يوجد شخص بدون بقندوس؟! بل كل شخص لديه بقدونس خاص به ولا يريد الآخرون أن يتطّلعوا عليه، كالفقر ، و البشرة السوداء ،والشعر المُجعد و...و...و
ولكن يوما ما سيفضَحُنا " البقدونس " المختبئ في أعماقنا 😑.
#Team_al_taizi
#Sana'a university
🧑🔬 Tele: @Doctor_headache
خلال ثورتي الطويلة على أسلافي، أمضيت حياتي وأنا أرغب في أن أكون شخصاً غير ما أنا عليه ألان كأن أصبح: إسبانياً، أو روسياً، أو أحد أفراد قبيلة افريقية، أي شيء كنتُ أرغب أن أكون غير ما أنا عليه الآن.
***
ذات مرة سألت صبي من أقاربنا يسكن في الحي الذي يقع جوار السفارة الأمريكية.
_ في أي كلية يَدرسُ اخوك ...؟..فقال :
_ كلية الصيطلة ..!!!...
ضحكتُ حتى أنهمرت دموعي من الضحك...فالكلية اسمها " صيدلة " بالدال وليست بالطاء !!...ولكن سكان هذه المدينة يُبدّلون حرفاً مكان حرف، وكان من سوء حظ حرف " الدال " أن يستبدلوه بحرف " الطاء "...فتصبح " صيطلة "
توقفت عن الضحك فجأةً، عندماً هاجتْ بي الذكريات إلى ذلك الزمن القديم ، يوم كنتُ بعمر هذا الصبي هه ...
فأنا عندما كنتُ بعمره كنت أسكن في منطقة ريفية، تذكرتُ كم كنتُ أكره حياة الريف، وأكره الابقار، والبساتين، وبيوت الطين، والحقول الممتدة بالقات،، وتنور الخبز الطيني، ونباح الكلاب ليلاً، وضوء الفانوس....كل شيئ تقريبا كنتُ أكرهه وأمقته جداً ...
وعندما أنتقلت إلى صنعاء أحببت كل ما فيها، الشوارع الكبيرة، والازدحام الدائم، والضجيج العشوائي، والملابس الجاهزة، والمدارس المكتضة بالفتيات الجميلات هه، والمصابيح المنيرة، والمنازل الحديثة. أحببت كل شيئ فيها، حتى تلك الفتاة التي كانتْ تقول لي دائماً #ماعه، دليلاً على الرفض، ولكن بسبب الطابع الريفي الذي كان مخيم على دماغي أنذاك، كنتُ أظنها نوعاً من الأصوات التي تصدرها ماشية الأغنام .
بعد فترة وجيزة ، قررتُ أن أكون " ابن هذه المدينة " وأنسى أنني رجلاً قروي!! أستعطت أن أستوعب مفاهيم واليات المدينة كلغظ "بيعة" بدلا عن "الكرث"، ولفظ" الجُباء" بدلا عن السطح، وسابر بدلا عن تمام.
أنسجمت مع هذه الألفاظ المخترعة بسهولة، ووضبطت مخارج الحروف حسب ما يقتضيه النطق ، واتقنتُ الأداب العامة هه ، كنتُ أقول لنفسي احيانا :
_جلم وليس قلم..!!..(فلم يكن أهل هذه على صلح مع حرف _ق_ وإلى اليوم مازال الخصام )، وأقول : چبن وليس جبن .!!....الخ..
وهكذا مع كثير من حركات الفتح والضم والكسر...وقد تفوقتُ ببراعة هائلة ولم يشعر أحد بأنني ولدتُ في الريف التعزي وأن لهجتي هي التعزية.
كنت أشعر بالعار من الريف فأردت أن أكون جزءاً من هذه المدينة، وأنتمي إليها ..أردت أن أكون شخصاً أخر، أي شيء عدا أن أكون قَروي.
لولا " البقدونس " اللعين...!!!.الذي يلفظونه هنا بالبجدونس لمَا كُشف أمري .
فمهما حاولنا أن نخفي ما نخاف منه فلا بد أن تَفضَحُنا إحدى هذه الأشياء التي نخفيها..وكأنها قاعدة عامة....
فسكان الريف التعزي يلفضون الكلمةل بالقاف " بقدونس" ، أما أهل هذه المدينة فليفظونها بالجيم!! بجدونس.
فعندما يكون الحديث مع أصدقائي منساب، وسلس، وجميل، أخرج عن إطار النص وتغلب لهجتي الام عن تلك اللهجة التي اصبحتُ ارتديها كثيراً ، فقد قلتُ ذات مرة، بقدونس، فصاح أحدهم بإستغراب!!
_ماذا...؟ ماذا قُلت.؟ بقدونس؟!
- هه لقد انتهى أمري وأصبحت مجالا للسخرية !! قلتها في نفسي وشعور القرف يعتريني، حينها ادركتُ أن أسوء شعور هو عدم الإحساس بالإنسجام مع المجتمع أو محاولة الهرب من وضع معين ، إنها كانت كانهاية العالم بالنسبة لي ...
في وقتها كُنّا انا والرئيس الأمريكي "باراك اُباما" لا ننام من كثر الهم، هو بإنتظار طَرده من الرئاسة بسبب تحيزها للأفارقة، وأنا لا أنام بسبب " البقدونس " !!.
فمن قال أن هناك هماً كبير وهما صغير..؟؟؟..الهموم كلها كبيرة، فمراهقة تجاهلها حبيبها تعيش في هم حجمه بمقدار هم هتلر وهو محاصر من قِبل الحُلفاء بعد سقوط برلين.
ومن قال بأنه لا يوجد شخص بدون بقندوس؟! بل كل شخص لديه بقدونس خاص به ولا يريد الآخرون أن يتطّلعوا عليه، كالفقر ، و البشرة السوداء ،والشعر المُجعد و...و...و
ولكن يوما ما سيفضَحُنا " البقدونس " المختبئ في أعماقنا 😑.
#Team_al_taizi
#Sana'a university
🧑🔬 Tele: @Doctor_headache