Abdo Fayed
16K subscribers
3 links
خلف القصة ألف حكاية
Download Telegram
نائب الرئيس الأميركي ترامب أراد إهانة الشعب الصيني علنًا فوصفهم جميعًا ب ‘‘الفلاحين‘‘..شكلها حركة أطفال ومعايرة مدرسية شوية، لكن في الحقيقة هي أصل رؤية الإنسان الأبيض للكوكب..تعرف المضحك إيه؟..

أحكيلك..سنة 1981 صدر كتاب هزّ أوروبا وأميركا وكان اسمه ‘‘ The European Miracle/ المعجزة الأوروبية ‘‘..وكان مؤلفه شخص يُدعى "إريك جونز"..الكتاب كان بيحاول يفهم لماذا تقدّم الأوروبيون وتخلّف العالم كله؟..ويا زين ما قال على الآسيويين، وعلى وجه التحديد الصينيين..وصفهم بأنهم كُسالى، ميالين للبهرجة، تربية الزراعة وبالتالي منقادين وعبيد..بالنص قال عبيد..وأنهم عاطفيين وبالتالي يغيب عنهم الفكر النقدي ولا إمكانية لتقدمهم‘‘..يعني كوكتيل من كل الموبقات وساعتها سرت حالة من الطمأنينة في جسد الغرب..مفيش أمل لتقدم الصين ولا أشباهها من القوى غير الصديقة للأوروبيين والأميركيين..لكن محدش منهم كان يتخيّل إنه بعد 30 سنة بالتمام والكمال سوف يصبح الناتج القومي للصين ضعف الناتج القومي لألمانيا وفرنسا وبريطانيا مجتمعين..الصين كانت أقسى ضربة للتفوق الغربي..لا اليابان ولا كوريا الجنوبية لأن الإثنين مصنوعين على عين أمريكا تحديدًا لموازنة النفوذ الشيوعي في آسيا، وحصلوا على تسهيلات لم تنالها دولة في العالم بعدهم..إنما الصين بدأت من القاع..قاع جهنم نفسها..أمة خرجت من 100 سنة احتلال، ذاقت المرّ على يد 9 دول، وفقدت 80 مليون روح في هذا القرن ‘‘قرن الذل‘‘ الذي يمتد خلال الفترة من 1846-1949..وقامت على رجلها، ووحدّت نفسها بعد حرب داخلية طاحنة لمدة 4 سنوات، وخرجت من مجاعة مهلكة راح ضحيتها 43 مليون، وصنعت قنبلتها النووية بطريقة مدهشة، قدرت ترجع إثنين من علمائها من قلب فخر أمريكا الأكاديمي ‘‘جامعة ييل‘‘..نان كوان، وتشيان تشوي تشن..والإثنين قدروا لأول مرة يحموا الصين من أي اعتداء بانتاج القنبلة الذرية سنة 1964..

كان وقتها ليندون جونسون هو الرئيس الأميركي وشدد بطريقة مهولة كل المنح المقدمة للطلاب الصينيين أو الأميركيين من أصول صينية، لأنه اكتشف أن الصيني حتى لو عاش في أميركا واتولد فيها هيفضل ولاؤه للصين..وبعدها الصين عاقبت الغرب بطريقتها المفضّلة..ثورة صناعية هائلة في عهد "دينج شياو بينج" في الثمانينات والناتج القومي تضاعف 43 مرة في عشرين سنة، وبدأت الصين لأول مرة تدخل قائمة الخمس الكبار..كان فيه مرة فيلم وثائقي عملاق ورائع اسمه ‘‘الجواسيس الحمر‘‘ بيحكي عن براعة الصين في سرقة الأسرار الصناعية الغربية..الصين لم تكن فقط تشتري ذمم الأميركيين والأوروبيين والكنديين الرخيصة..لأ..هندست شبكة من الجواسيس فائقي الأهمية..عملت معاهد لتعليم اللغة الصينية اسمها كونفوشيوس، والغربيين جايين يدرسوا، والمدرسين الصينيين نصفهم ظباط مخابرات، ينقوا الطلاب المهمين، اللي شغالين في مناصب ويجندوهم..الكنديين مرة في 2008 اكتشفوا بعد تحقيق برلماني قاده " ميشال جونو كاتسويا" مدير المكتب الكندي للأمن والاستخبارات في آسيا والمحيط الهادئ"..اكتشفوا إنه على الأقل هناك 1000 جاسوس في مناصب صناعية لصالح الصين وإن كلهم كانوا من الحاصلين على منح في معاهد كونفوشيوس في الكيبك ومونتريال..وهوب أغلقوا نصف أفرع المعهد الصيني، وتم تعليق العمل في باقي الأفرع لأشهر طويلة لاحقة.

الغرب كله تكالب على الصين وأشبعها نهبًا وتدميرًا عشان بس الصين رفضت إن الإنجليز يبيعوا الأفيون، وفجأة فرنسا وألمانيا وأمريكا وبلجيكا ومن بعدهم اليابان دخلوا وقطعوا في لحمها وعظامها قرن كامل..ثم فجأة تضايق الرجل الأبيض الجميل من السرقات الصناعية الصينية..وبنت الصين على أكتاف ذلك بنية تكنولوجية عملاقة، ورفعت قيمتها في سلسلة الإنتاج من مجرد صانع رخيص، لمنتج للتكنولوجيا..وهذا ما لم يرغب الأميركيون تحديدًا في تصديقه..العالم كله اتخض مرة واحدة لما الصين أعلنت عن "مبادرة الحزام والطريق" عام 2019 وضخت فيها تريليون دولار للسيطرة على طرق التجارة..فجأة الأميركيون وجدوا حلفائهم الأوروبيين خاضعين بالكامل للصين..اليونان باعت موانئها الأهم مثل بيريوس، ودويسبورج الألمانية أصبحت مرتبطة بقطار سريع مع شنجهاي الصينية على طريق يبلغ طولة 11 ألف كم، ومدريد الإسبانية مع جوانجزهو بقطار طوله 13 ألف كم..والصين طردت أميركا وفرنسا كأكبر مستثمرين في إفريقيا ووصلت لكوبا وفنزويلا وبنما..صدمة وقتها لم تستوعبها أميركا سوى بإعلان عن عقوبات ضد الدول المنضمة..وفي الآخر لم تطبق شيء..لأن من الدول المنضمة مثلًا للمبادرة الصينية كانت إيطاليا التي سلمت خمس موانيء كاملة للصين على البحر الأدرياتيكي..غزا الرجل الأبيض الصين بحثًا عن سوق عملاق، وردّت الصين بعد 150 سنة بدون دانة مدفع واحدة..وقدرت تغزو أوروبا.
وصحيح عشان العرب الذين يخافون على أكل عيشهم مع الغرب..فينطبحوا وهما بيضحوا بإخواتهم في القطاع..فرنسا المنفوخة تلك التي نحسب لها حساب، ألف حساب، مرّة سنة 2008 تجرأت دعايتها وانتقدت الصين..سخرت من ماو تسي تونج في إعلان لستروين..الصين اتقلبت والمتظاهرين هاجموا مقرات سيتروين وكارفور بالمرة..ودعوات مقاطعة وتنديد رسمي..فورًا فرنسا أحبىت الشركة على سحب الإعلان واعتذرت..مع العلم إنها فرنسا التي ترفض أي اعتذار عن الرسوم المسيئة لأنها حربة تعبير، ليه؟..لأن مفيش يورو يوجع جيبها من أمة المليار التافهة تلك..إنما فلوس الصين ونفوذها يخلي ساركوزي ليس فقط يعتذر عن قضية سيتروين..لأ..كمان يروح برجله ويعتذر لفتاة صينية ضربت بالقلم على وجهها في باريس في نفس السنة من محتج فرنسي على تنظيم الصين أولمبياد بكين 2008..حد بيعتذر لك يا مواطن يا عربي؟..لأ..إنما الصين..كرامة بعد تقدم..وإيد تقيلة وسوق عملاق يقدر يعاقب كل منتج خايف على سلعه..إنما حتى بعد كل اللي حصل حوالينا، وما يزال هناك ملايين العرب رافضين المقاطعة..ويتعملك ثمن ليه؟..لا أمم لها سعر ولا شعوب ذات كرامة..

ترامب ورجاله شايفين الصين فلاحين..كالعادة مش قادرين يجاروا أمة لا شك سوف تصبح القوة الأولى عالميًا، ف مرة تعريفات جمركية 104% وبعدها أوصاف نابية..لكن فات الوقت فعليًا..مهما طلع ترامب يرفس في الأرض، ومهما غيّرت أميركا عقيدتها الدفاعية وذهبت بأطنان من الأسطول البحري لمحاصرة البحر الصيني..ومهما استثمرت في بناء تحالفات مع اليابان والهند..الصين ماضية في طريقها..الغرب لا يحمل تلك الكراهية للصين فقط لأنها تقدّمت..لأ..لأنها الدولة الوحيدة على وجه الأرض التي كسرت عقدة الرجل الأبيض منذ موجات الاستعمار البرتغالي-الإسباني في القرن الخامس عشر..الصين هي الأمة الوحيدة التي اعتمدت على نفسها وسحقت أثناء تقدمها قوى تقليدية في الكوكب، وتبقى أمامها قوة أخيرة لانتزاع عرش الإمبراطورية..أميركا..والعالم داخل لا شك على واحدة من أكثر مراحل تغير الخرائط..فعليًا مركز الصراع الدولي انتقل لمنطقة شمال شرق آسيا..هناك 5 قوى نووية..الصين وكوريا الشمالية وروسيا ومن ورائهم الولايات المتحدة والهند..ولأجل هذه المنطقة نقلت أميركا ثقلها بالكامل للمحيط الهاديء..وخففت العبء في الشرق الأوسط لصالح الكيان الهجين..وهذه المنطقة بالكامل على عود كبريت..وهذا العود اسمه ‘‘تايوان‘‘..حلم الصين التاريخي..والذي من أجله تُعد كل ما سبق من تقدّم..أما العرب فيكفيهم كرباج من على بعد..كرباج في يد صبي أميركي.

انظر فقط لحال الصين..ثم انظر لحال أمة من 400 مليون تمتلك ثروات بعشرات التريليونات من النفط والغاز والبحار..انظر لدولة صنعت نفسها من تحت الصفر حتى أصبحت ندًا يقارع الأميركيين بعدما كانوا يصفونها بأنها تفتقد العقل اللازم للتقدم وأنهم بهائم شهوانيين..وانظر من بعدها لأمة من رعاع الأرض ترى ترامب وصديقه النتن يقسمون أرزاقهم وبلادهم على الهواء وهم بمعنى الكلمة..مخصيون..ثم يحدثونك عن معجزات السماء التي ينتظرونها..والله لو طبق الله فين عدله، لفنينا عن بكرة أبينا جزاءً وفاقًا لخذلان إخوتنا في القطاع !
يوم حزين ومرعب..عصابة الدعم السريع المدعومة من دويلة الشر ارتكبت مقتلة على غرار ما يفعله الأعادي بأهالينا في القطاع..300 إنسان بريء نُحروا بدم بارد في معسكر زمزم في الفاشر في السودان..والسبب؟..أن الدويلة الخليجية تلك لم تقبل بأن تجرها السودان أمام محكمة العدل الدولية بتهمة تمزيق السودان..ولمن لا يعلم فهي أول مرة في تاريخ العرب أن تقوم دولة عربية بمقاضاة دولة عربية أخرى أمام محكمة دولية، واتهمت الخرطوم تلك الدولة بأنها موّلت وسلّحت وسهّلت ارتكاب المقتلة الدائرة في السودان..تخيّل دفاع الدويلة الخليجية؟..ذهبوا لشراء أصوات من الأكاديميين الغربيين المواليين للأعادي إياهم من أجل تبييض صورتها..تخيّل؟!..ولأنها مركز الشر في عالمنا العربي فقد أبت إلا أن ترد على السودانيين، تعاقبهم وكأنه لم يكفها التسبب في أكبر مجاعة وأسوأ موجة نزوح في العالم في العشر سنوات الأخيرة بحق السودانيين..وكان ردّها أن سهّلت للدعم السريع إزهاق روح 300 إنسان..لكن العرب للأسف يتعاملوا مع السودان باعتباره كم مهمل، وكأنه ليس منّا، وكأن خبر مثل هذا أمر اعتيادي..لا والله..أهالينا ويدفعون من أرواحهم الكثير لإيقاف شر الدويلة القزمة والذي لا يقل خطرًا عن الأعادي في القطاع..والله وأنا أشاهد الفيديوهات، وقعت عيني على أطفال، أطفال يارب في عمر العاشرة، ملقية أجسادهم على قارعة الطريق وقد مزّقها الرصاص..لماذا كل هذا الحقد على السودان؟ ولماذا تُصرّ تلك الدويلة على تدمير العرب بشكل حتى لا يفعله المستعمر التقليدي؟..أطفال يا الله أطفال..يومًا ما سترد المظالم، يومًا ما ستُعامل تلك الدويلة القزمة بما تستحق، وستطاردها أرواح 130 ألف سوداني، وعشرات ملايين العرب الذين استباحت أموالهم وأراضيهم..اعتدنا أن يكون جلادنا خواجه بعيون زرقاء وشعر أصفر..أما اليوم فعدونا الذي نشكوه إلى الله والمحاكم الدولية عربي، أسمر قُح كحالنا، لكنه أبى إلا أن يكون علينا أشد من العدى..بل والله هو أول أعدائنا !
‏لا مواربة بعد الآن..الجولاني ليس أكثر من مطية في يد النظام الدولي..مجرد مرتزق وصل إلى السلطة نتيجة لتغيرات إقليمية، عصفت بديكتاتور حقير مثل بشار الأسد..وفر له الأتراك غطاء مدعوم من الناتو ومرضي عنه إسرائيليا، وإلا ما كانت وافقت ولو بعد ألف عام على حركة الدرونز التركية انطلاقا من إدلب..بالأمس يوالي أبو مازن ويتنكر لحماس، واليوم يعتقل أبناء السرايا، ولا طلقة واحدة ضد إسرائيل التي استباحت أرضه..الانحيازات واضحة ولا مجال لالتماس عذر أو تقديم مبرر..هذا رجل وتلك حكومة وذلك نظام ليسوا أكثر من مجرد دمى تتأرجح بين الأميركيين والإسرائيليين ظنا أنهم سينالون الرضا ولو على حساب أطهر شباب الأرض..المقاومة بوصلتنا..من يعاديها يعادينا..ومن يواليها ناصرناه..إلى يوم يبعثون.
استمعت للتسجيلات السريّة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والمفرج عنها بشكل غريب جدًا..أهمية التسجيلات؟..أنها تفسّر لك بالضبط السر في مأساة أهالينا في القطاع حاليًا..

عبد الناصر في التسجيلات كان مهزومًا بشكل مخيف..ناصر الذي جمع العرب من المحيط للخليج على كلمة سواء ‘‘القومية العربية‘‘..الرجل الذي حمل على عاتقه إلقاء هؤلاء الخنازير في البحر..الرجل الذي موّل وحرّض ضد أنظمة عربية وسعى لإسقاطها أملًا في إقامة أممية عربية وحدوية اشتراكية ثورية..هذا الرجل انتهى أمام واحد من معجبيه وهو الرئيس الليبي الراحل ‘‘معمّر القذافي‘‘ منتكس الرأس، يشكو الجميع الذي خذله، وينأى بنفسه عن المواجهة الشاملة، ويعترف بحدود قدرته التي تسمح بالكاد باسترداد الأرض المصرية المحتلّة.

عبد الناصر فعلًا وصف حال العرب بشكل أفقرب للصدق من كل الدعايات الإعلامية..العرب خونة لأنفسهم، قبل أن يكونوا عملاء للآخرين..لما تحدث عن الرئيس الجزائري بومدين الذي رفض جدولة ديون مصر رغم اقتراض الجزائر سابقًا عشر ملايين جنيه، لما تحدث عن ملك السعودية فيصل الذي يتحالف مع الأميركيين، وعندما جاء ذكر الأنظمة البعثية سيئة الذكر في سوريا والعراق، والتي كانت تستغل فقط القضية للنيل من الموقف المصري، دون أن تبذل شيئًا قط..وكل هؤلاء العنتريون كانوا يطالبون مصر وحدها بالتحرير..مصر وفقط..لدرجة أن عبد الناصر يقول ساخرًا..‘‘سوف أعطيهم 50 مليون جنيه مصر ليخوضوا هم الحرب، ويحلّوا بقى عن سمانا ‘‘..للوهلة الأولى سوف يبدو عبد الناصر محقًا بريئًا..خذله العرب وصمد وحده..ربما يكون هذا هو الغرض من التسجيلات أصلًا..حتى يتم تبرير ابتعاد شخص معّين في دولة معيّنة عن الاشتباك مع قضايا أمّته.

صدق عبد الناصر في وصف العرب..لكنه بنفسه كان أول الحنجوريين..هذا رجل أتيحت أمامه زعامة لم ولن تتاح لأحد من قبله أو من بعده في وجدان العرب..وجد الكلمة السحرية..عروبة..ومقابلها جمهور مشتاق لزعامة كاريزمية تنقذه من تكالب الأمم عليه..جمهور من 100 مليون عربي..كان بإمكان ناصر تقديم تجربة مصرية عملاقة في بناء مؤسسات سياسية مستدامة، وتجربة حزبية ديمقراطية استنادًا لتقليد مصري منذ العام 1923، كان بمقدوره نقل العدوى بالتدريج لمحيط عربي متكلس من الزعامات القبلية الرجعية، والاستثمار في بناء مؤسسة عسكرية احترافية، تترك السلطة وصراعاتها للأحزاب المدنية، وتركّز على مهماتها الدفاعية..لكنه اختار عوضًا عن ذلك..بناء نموذج رجعي آخر لا يختلف عمّا انتقده..جمهورية عسكرية من ضباط محدثي نعمة، لا يعرفون مقادير السياسة..وسيول من لتدخلات الخارجية دون معرفة طبيعة الدول وتركيبتها..فكانت الهزيمة مزدوجة..مصر بنفسها من صدّر النموذج الأسوأ في الحكم ومكّن له عربيًا..جمهوريات أخرى عسكرية في العراق وسوريا والجزائر يشتكي منها ناصر نفسه..لأنها اشنغلت أيضًا بما انشغل به حكمه في الداخل المصري..فلا قضية سوى تمكين حكم العساكر..لا أهالينا ولا وحدة ولا عروبة..فقط الحكم ولو على أجساد الناس.

الأمير الوليد بن طلال..الثري السعودي والملياردير المعروف..كان ابنًا للأمير طلال بن عبد العزيز..أحد ورثة العرش السعودي..ربما كان بمقدوره أن يصبح ملكًا في يوم من الأيام..لكن اختار رفقة مجموعة من إخوته الانشقاق عن حكم الملك فيصل والذهاب إلى مصر ولقاء عبد الناصر الذي استقبلهم بحفاوة وفتح لهم محطات الراديو من أجل مهاجمة السعودية..كان التنظيم السعودي يُعرف باسم ‘‘الأمراء الحُمر‘‘..قرأت قصته تفصيلًا في الكتاب الموسوعي ‘‘تاريخ العربية السعودية لألكسي فاسيلف..ومن بعد ذلك سمعت شهادة الأمير طلال بن عبد العزيز نفسه في برناج شاهد على العصر..كان يروي بافتخار شديد ما الذي حدث عندما سحبت السعودية جواز سفره، فأهداه ناصر جوازًا مصريًا..سأله المذيع أحمد منصور..وهل كان بإمكانك التنقل بحرية دون الخوف من نفوذ المملكة..فأجاب أنه دخل إلى لبنان بالجواز المصري..عاد المذيع يسأله..وهل اعترضوك؟..أجاب بثقة..محدش يقدر يكلمني..أنا مصري.

كان لعبد الناصر تلك الهيبة في نفوس العرب..الهيبة والمخافة..لبنان البلد الضعيف الممزق الذي هو ساحة للتنافس الإقليمي لا يستطيع الاقتراب من أمير سعودي منشق وهو المطلوب رقم واحد لأسرة قبلية شديد النفوذ والحقد مجتمعين..فقط لأن الباسبور مصري..السعودية نفسها لم تجرؤ على الاقتراب من الأمير المدلل لوالده وأمه والخائن لإخوته..فقط لأن الثمن في المقابل عداء ناصر..ناصر كان مهيبًا بحجم السماء والأرض..لا شك..لم يحكم العرب شخصًا تمتع بتلك المهابة والقوة مجتمعين..لكنها - وبنظرة متفحصّة - كانت مهابة الأذى..الرجل الذي يخشى الجميع شرور نفوذه..والرجل القادر على تأليب الداخل بخطابات نارية..أما ناصر نفسه..فكان مخوخًا..لم يمتلك يومًا مهابة في عيون أعدائه..ولا حتى منافسه على السلطة عبد الحكيم عامر..ولا حتى رجاله، رجال يوليو..واستولى الأعادي على أرضه في ستة أيام عجاف.
جنى عبد الناصر غرس يديه..تخلّى عنه العسكريون العرب الذين تمكنّوا وهم يستلهمون نموذج جبروته المحلّي..وانتظر خونة العروش العربية من السعوديين للأردنيين انحسار نفوذه للشماتة فيه..ثم تجده يشتكي للقذافي مكسورًا..لا يا سيادة الرئيس الراحل..ضاعت الأرض بسببك، وانهارت فكرة نبيلة وهي العروبة على يديك، ومكّنت من بعدك لنموذج العسكر العارفين ببواطن الأمور والمطلعين على الغيب للحكم في عديد الأقطار العربية..فكان أن جرى للعرب في حياتك ومن بعدك ما جرى..حتى القضية التي يدعو ناصر العرب لحلها بعيدًا عن مصر..هو من أحياها، أو ساهم في إحيائها منذ تأسيس منظمة التحرير عام 1965، ثم تجده يلوم العرب على الضغط عليه لقيادة مهام التحرير..ومن ذا الذي أشعل جذوة الكفاح في صدورهم، ثم تبيّن لهم أنه والعدم سواء أمام جيش العدى؟..ليس أحد غيرك.

المثير للضحك والبكاء في آن واحد هو أن المخاطب بالتسجيل كان القذافي..يشبه عبد الناصر في بداياته..وكأنك تستمع إلى حوار ذاتي..بين ناصر الثائر القديم، وبين ناصر المهزوم المنكسر..القذافي مشحون بمثاليات التحرير الشامل، والوحدة المطلقة، والسعي للخلاص النهائي للعرب..لو أننا لم نعرف كيف انتهى القذافي لبايعناه زعيمًا مخلدّا فيها..لكن لأنه حكم بلاده نصف قرن..رأيناه بنفسه يعيث في العرب فسادًا، يضعف القضية المقدّسة نفسها بتمويل أجنحتها الأشد خيانة مثل صبري البنا، يتحوّل لديكتاتوري مهووس وينفذ أبشع البشاعات في سجن بوسليم..وفي النهاية يجري كالنعجة الحمقاء يسترضي الأميركيين بعدما رأى مصير صدام، ويطلب من واشنطن نفسها المساعدة في تفكيك برنامجه النووي، بل ويقبل بأن تتعاون استخبارات طرابلس مع ال CIA من أجل استجواب المغضوب عليهم أميركيًا بعد أحداث سبتمبر..شاهدت الوثائق المفرج عنها في برنامج وثائقي ماتع اسمه ‘‘القذافي والغرب‘‘..ويحكي كل شيء..كيف تحولّ نظام القذافي الثائر لضابط مخابرات أميركي رديء.

هي قصتهم جميعًا..قصة كل طغاة العرب..ناصر والقذافي والأسد وصدّام ونسل العسكريين في الجزائر..هي قصة تلخصها أبيات شعر نزار قباني التي كتبها في أعقاب النكسة..‘‘السر في مأساتنا..صراخنا أضخم من أصواتنا..وسيفنا أطول من قاماتنا ‘‘..بدأوا ثوار عنتريون، وانتهوا فاقدين للأرض والشرف الوطني الذي طالما ادّعوه حكرًا عليه وعلى طائفتهم المنزّهة..بدأوا أسودًا على شعوبهم وانتهوا صرعى لأعدائهم..امتلكوا أشد الأحلام نبالة، وأهالوا عليها الأحمر القني في سجونهم ومعتقلاتهم، حتى ليبدو العدو أشد رأفة بشعوبهم منهم..وناصر هو أبو التجربة، مؤسسها، وملهم مريديها..وصاحب الحساب الأكبر عليها.

أما أهالينا في القطاع..فهؤلاء هم العرب..دسائس ومؤامرات على أنفسهم وعليكم..لم تكونوا يومًا بالنسبة لهم أكثر من أداة توظيف سياسي لدعم عروشهم المنحطّة..واليوم كالأمس..ما يفصلنا فقط هو التسجيلات المتاحة..يومًا ما سيأتي جيل جديد، ستتاح أمامه تسريبات وتسجيلات، ستؤكد معرفته بما تراه أعيننا العارية اليوم من خيانات..لا فارق بين حسين الذي كان ضيفًا على نهاريا للقاء جولدا مائير وديّان وبين ابنه عبد الله..وخليج اليوم هو خليج الأمس، مستعمرات أميركية..وعساكر العرب كما هم دومًا..انتهازيون..لا فارق..حزن مورث من جيل لجيل..وخيانة ممتدة..أما العدو..فمن أنسب له من نعاج غيرنا..قال القذافي في معرض حديثه لعبد الناصر ما هو أقرب لنبؤة ذاتية..‘‘ سوف يسعى الأعادي لتأمين حدودهم الجديدة، لن يكتفوا بما حصدوا من أرض في النكسة، سوف يستمرون في السعي حتى نهر الليطاني في لبنان، وجبل الشيخ في سوريا‘‘..كان هذا الكلام عام 1970..وتحقّق بالنص في يناير 2025.

لم يكن القذافي منجمًا..لكن العدو اكن من الصراحة بما يكفي ليخبرك أنه يريد هذه الأرض وتلك الحدود..وبالعمل الدؤوب وحده تمكّن بعد خمسة وخمسين عامًا بالتمام والكمال..يعرف الأعادي ما يريدونه ونجحوا..ونعرف جيدًا ما الذي يتعيّن علينا فعله، فنهمله..لا يقبلون سوى بالسيادة المطلقة، ولا يعرف العرب سوى الخيانة الدائمة..يصلون ونتقهقر..يهيمنون ونخنع..ثم يستخرج أحدهم رفات الماضي من صوت عبد الناصر ليقنعنا بأن الانعزال هو الحل، وأن العروبة وهم..لا والله..بل ما ضاع حلم إلا على أيدي حكام كان بمقدورهم أن يحولوا أوطانهم جنان وارفة، أن ييستفيدوا من كل تجربة اندماج، أن يستغلوا عواملهم المشتركة من لغة ودين وحدود..لكنهم أبوا إلا أن ينصرفوا لصراعات السلطة وتثبيت العروش..فانتهوا جميعًا..متجبرين بأنفسهم، مستبدين بشعوبهم، ورعاع أمام قوى الاستكبار..تلك هي سيرة العرب التي لم يحكها ناصر..والتي تسمعها، رغم ذلك بوضوح، بين كلماته المهزومة..سيرة عرب خانوا شعوبهم فاستحقوا الذل الأبدّي أمام أعدائهم.
جريمة إماراتية جديدة بحق عشرات ملايين البشر..

السودان الشقيق استعاد عاصمته من عصابات الدعم السريع..هل تسكت الإمارات بعدأن أنفقت مليارات الدولارات من أجل تمكين سارق الجمال حميدتي من الحكم؟..لأ..سوف أشرح لك..قرّرت الإمارات معاقبة الشعب السوداني كاملًا..كيف؟..استهداف محطات الكهرباء والمياه..تخيّل يا أخي..أن الإمارات التي يُفترض أنها عربية، عزّ عليها أن ينعم النازحون بقليل من السلام، فقطعت الكهرباء عن ثلاث ولايات كاملة هي القضارف وكسلا وسنار، ولم تكتف بذلك بل قطعت المياه عن أم درمان، بل تجاوزت لتستهدف سد مروى الحيوي حتى تنقطع الكهرباء الواردة منه..عقاب جماعي يشبه بالحرف ما يفعله الأعادي في القطاع من استهداف المنشآت الرئيسية لتجويع وتعطيش السكان حتى الموت..تسأل الآن..كيف تستهدف الإمارات تلك المنشآت؟..ببساطة شديدة لأنها هي من تمدّ عصابات الدعم السريع بالمسيرات، وسبق لأكثر من تحقيق صحافي أن أثبت أن المشتري هو الإمارات، بعد تعقب مسيرات تلقي قذائف 120 مل، مصنوعة في صربيا، والمستورد هو الإمارات..تمول الإمارات بنفطها ترسانة جنونية للدعم السريع، حتى تعاقب الشعب السوداني..ليس هذا فحسب..هناك ولاية شديدة الأهمية في السودان وتطل على البحر الأحمر، وهي ولاية بورتسودان..الولاية كانت تتمتّع بهدوء نسبي خلال الحرب الدائرة، ويدخل من خلالها المساعدات الإغاثية والفرق الطبية لمساعدة النازحين السودانيين..يعني مطار الولاية هو الممر الوحيد الآمن لأي شخص يحاول مساعدة المدنيين..اليوم فقط تقوم الإمارات بتلك المسيرات القذرة باستهداف مطار وميناء بورتسودان ومحطات الكهرباء لقطع الطريق حتى أمام أي شخص يحاول إنقاذ مدني سوداني واحد من الموت..ما يجري باختصار أن الإمارات في البداية أشعلت حربًا ضروس، أن الإمارات هي المسئول الأول عن التمرد العسكري من عصابات الدعم، أن الإمارات هي التي تسببت في مقتل ما يقارب 110 ألف سوداني..أن الإمارات هي السبب الرئيس في نزوح 11 مليون سوداني من منازلهم وتشريد 3 مليون لاجئ..وعندما استعاد الجيش الوطني السوداني عاصمة بلاده، كان العقاب بقطع الكهرباء والمياه عن 12 مليون شخص، بغرض تجويعهم حتى الموت..واليوم فقط تقوم السودان بقطع كل العلاقات مع الإمارات..واليوم فقط يصنفها السودان ك ‘‘دولة عدوان‘‘..هل عرفت من هي الإمارات؟..هل عرفت الأثر التخريبي الذي تخلّفه حال ما قال أحدهم لا؟..اليوم ونحن نجلس آمنين في منازلنا، نتمتع بالكهرباء والمياه، اليوم هناك أخ لك، سوداني الجنسية، ابن وادي النيل، وأقرب إخوتنا العرب إلينا..شقيقنا السوداني اليوم يختبيء بين الأحراش هربًا من مسيرات الإمارات، لا يجد ماء ولا غذاء وإن أصيب فلن يتمكّن من الحصول على دواء..لأن دولة لقيطة في وزن التاريخ والجغرافيا..قررت فقط أن تسحقه مرة واحدة..لأنه يرغب في حماية وطنه من مطامعهم..هل تعلم الآن لماذا تُعد تلك الدولة هي الخطر الاول عربيًا؟..هل تعلم لماذا توجب على باقي العقلاء التصدي لهم، حتى لا تلقى أوطانهم نفس مصير السودان؟..في البداية يدخلون بأنعم الطرق..الاستثمار..وينتهون إلى ما هم عليه الآن..استعمار..وقسمًا يومًا ما سيدفعون الأثمان..غالية..من قلب كل عربي سُلب وطنه على يديهم..لن تمر تلك الثارات هباءً..لن تمر.
‏الحوثي بنى لنفسه موقعا في خريطة السياسة الإقليمية، بدأ كيانا ضعيفا، أو هكذا ظنه الجيران..حاولت السعودية والإمارات سحق حكم أنصار الله، وظنوا أنها مجرد نزهة قصيرة..تعرضت مواقعهم في صنعاء لما يشبه عملية السحق، قصف مهول وتجويع ونشر الكوليرا في ربوع اليمن..أربع سنوات من الجنون ولم ينهزم الحوثي، بل رسخ حكمه في صنعاء وصعدة..حتى جاءت حرب غزة..فأعاد الحوثي بعد ذلك بناء موقعه إقليميا، بعد أن رسخ سلطته في مناطق حكمه، وكانت مفاجأة كاسحة للكل..الجميع قدم التضحيات لا شك، لكن لم يكمل المشوار سوى أنصار الله..يتصرفون ليس كميلشيا بل دولة ترد الصاع صاعين..من الدولة العربية التي تجرؤ على استهداف البوارج الأميركية؟..تسقط طائرات من وزن إف ١٨..تقطع حركة التجارة العالمية لمدة سنة ونصف..من يجرؤ؟..لا أحد..فقط الحوثي المحاصر من إقليمه والعالم..الحوثي ناصر غزة كما لم يفعل أحد..كان بمقدور قادته الخوف من مصير النظراء في محور المقاومة، لكنهم لم يخشوا في دعم غزة لومة لائم، ولا تهديد باستهداف أو تصفية..الحوثي الذي بدأ قوة منبوذة انتهى لقوة ذات شعبية من المحيط للخليج..واليمن الذي حرص جيرانه على إضعافه..ها هو بفضل رجاله يقاوم وحيدا أميركا وإسرائيل مجتمعين..ويجر الولايات المتحدة لتوقيع اتفاق معه يعزز موقعه ليس باعتباره القوة الأولى في اليمن..لا..بل الحاكم الفعلي البحر الأحمر والخليج..تلك هي القصة..الحوثي هو الحاكم الفعلي لأمن الخليج من الآن فصاعدا..بصواريخه وعتاده وبأس رجاله..أما غيره فلهم من نيران صواريخ أنصار الله الحماية الأميركية ولو دفعوا الجزية لترامب صاغرين.
أم تفقد أطفالها التسعة في ضربة واحدة..لماذا لم تتوقف الحياة إذن؟..القصص التالية شديدة الحزن والألم مجتمعين..لذا وجب التنويه..

يومًا ما شعر العراقيون بالإهانة من الوجود الأميركي على أراضيهم، كانت الفلوجة مسرح العمليات الأكبر..هل تعرف أول شخصية عيّنها ترامب وزيرة للتعليم في ولايته الأولى عام 2017؟..كانت تُدعى بيتسي ديفوس..هذا هو اسمها بعد الزواج..قبله كانت تُدعى بيتسي برنس..تبدو شخصية عادية اختارها ترامب..لكنها كانت شقيقة أكبر مرتزق في تاريخ البشر ‘‘إيريك برنس‘‘..إيريك كان ذا حظوة كبيرة لدى ترامب وارتأى أن تعيين أخته نوعًا من التكريم لسيرته..وماذا كانت سيرة إيريك برنس؟..أنه مؤسس شركة ‘‘بلاك ووترز‘‘..كان جنودها في العام 2004 يعيثون في بلاد الرافدين فسادًا، لم يتحمّل العراقيون، أخذوا أربعة من مرتزقة الشركة وعلّقوهم على أعمدة الكهرباء..كان المنظر صادمًا للعالم بأسره..المشهد لا شك كان مرعبًا، يمتلك المسلمون أخيرًا القدرة على إلحاق الضرر بأعدائهم، بصورة الأميركي المخلّدة في العقول كبطل لا يُقهر..صار الآن معلقًا مضرجًا بالأحمر كالنعاج في قلب مدينة عربية صامدة..لن يغفر السيد برنس ومن قبله بوش الإبن تلك الإهانة.

أتذكّر جيدًا تلك اللحظة قبل واحد وعشرين عامًا وكأنها جرت بالأمس..الدعاية الأميركية والغربية بأسرها تجاهلت منشأ الغضب العراقي المشروع من وجود المحتل على أرضه، وركّزت على الطبيعة الهمجية للمسلمين..كانت المفارقة لشاب مثل حالي مهولة..في نفس الوقت كنت أتابع القناة الفرنسية الخامسة التي أحيت ذكرى رحيل أسطورة المقاومة الفرنسية ‘‘جان مولان‘‘..الشخص الذي أذاق الألمان مرارة التعقب والصيد إبان احتلالهم فرنسا..يتنقّل من حيز لآخر، يجمع أبطال الحرية من بين الشباب الفرنسي، يصطادون الألمان في الطرقات ويعلقوهم على أعود المشانق..إلى أن تمكّن منه الألمان وسجنوه فهرب، مرة أخرى وهرب..والثالثة لن يبقى فيها على قيد الحياة..غريب أمرهم..للفرنسي الحق في المقاومة، والعراقي في ذات الوقت عاملوه كهمجي فقط لأنه ناهض المستعمر الغربي لبلاده..ابتداءً من مارس 2004 لن يصبح هناك من شاغل للإدارة الأميركية أكبر من محو الفلوجة..الفرقة 82 المحمولة جوًا سوف تتجرأ على دخول المدينة العراقية الباسلة..ظنّتها مغامرة خفيفة..ثم سوف تُهزم وتولي الدُبر..يستطيع المسلمون العراقيون الآن ليس فقط الثأر من أربعة مرتزقة، بل الصمود في وجه الجيش الأقوى في العالم..ولن تغفر أميركا.

في نهاية العام سوف تطلق واشنطن حملتها البربرية الأكثر رعبًا في العراق..حاصروا الفلوجة وقطعوا عنها الماء والكهرباء..حشدوا ستين ألف جندي من عاصمتي الشر لندن وواشنطن..ولن يخبروك أبدًا إلى هذه اللحظة عن قصة 3000 عراقي فقدوا حياتهم في تلك المدينة، عن قصف كيماوي سري استهدف رئات أطفالها وصدور نسائها من أجل تركيع رجالاتها..عن همجية كانت مقصودة بعناية..ومهندسها لم يكن سوى الجنرال الأميركي ‘‘جيمس جلين‘‘..أوصلت أميركا رسالتها للمسلمين جيدًا..لدينا الحق في الاستيلاء على أراضيكم، وليس لكم الحق في التصدي لنا، وحين تفعلون، سوف نجعلكم للقادمين من بعدكم عبرةّ..وقف السيد برنس بعد إخضاع الفلوجة قائلًا أمام أبناء شركته..‘‘الواحد منّا يُعادل ثمانمائة محمّدي..لا تحسبوني سعيدًا..كنت أودّ رفع الثمن لعشرة آلاف..لكن الجنرال مارك كيميت وعدني بذلك في المرّة القادمة‘‘..أتذكّر قصة ليلى التي وُلدت مشوّهة، عاشت عليلة، ثم فارقت الحياة في عمر الرابعة..كانت بذراع واحدة وكبد مُدمّرة وصلع منذ الولادة..رحلت ليلى بعد ألم عام 2010، كانت النتاج الطبيعي للبربرية الأميركية المغروسة آثارها في سماء الفلوجة وذرات ترابها..ليلى حكت بصمتها وألمها كل القصة..غير مسموح لكم بالعيش كبشر والتصرف بنديّة..رحلت ليلى..وفي نفس اللحظة كانت ثروة السيد برنس قد وصلت لمليار دولار..لم يغضب العرب..لم يزأروا ويثأروا..في نفس عام وفاة ليلى..كان السيد برنس يهبط إلى قلب العاصمة الإماراتية أبو ظبي للتعاون ونقل خبرته للإمارة الخليجية..كافأناه على الفلوجة..ومن أكثر منّا خيانة لبني جلدته؟

يسمونه مراد كورناز..كان مواطنًا ألمانيا مسلمًا من أصول تركية..رجل صٌنع على عين المعايير الغربية..معتدل في تدينه، صاخب في شبابه، يهوى السفر والترحال..لكن قدمه ستقوده في لحظة عاثرة إلى باكستان..نصحه صديق بالذهاب إليها من أجل الاستكشاف..ومن فرط سذاجة مراد لم يعلم أنها تلك الفترة التي خرج فيها بوش الإبن ليطلق علنًا حملته الصليبية الجديدة على العالم الإسلامي..نظّم رحلته من برلين لإسلام آباد، وهناك التقطته عين الاستخبارات الأميركية، التي تعقبّته حتى الانتهاء من رحلته، وعندما كان يهمّ بالسفر من باكستان إلى مقدونيا الشمالية، قبض عليه الأميركيون وعصبوا عينيه ونقلوه على متن طائرة عسكرية والوجهة كانت قندهار ومن بعدها..كوبا وتحديدًا خليج جوانتانمو..استمر التحقيق شهورًا، نفى مراد كل ما نُسب إليه زورًا،
طلب مقابلة السفير الألماني في واشنطن..ظلّ مراد أصلًا منذ اللحظة الأولى يعتقد ألا أحد من الأميركيين يقدر على المساس به لأنه ألماني الجنسية..كان اعتقاده خاطئًا..تشير الوثائق المسرّبة لاحقًا أن الأمر عندما عرض على هاينز فروم رئيس جهاز حماية الدستور وهو الاسم الذي يُطلق على الاستخبارات المحليّة الألمانية، كان أول ردّ فعل له أن قال..مراد من تلك اللحظة يُعامل كمسلم وليس كألماني، ورفض حتى مجرد النظر في طلب ترحيله من جوانتانمو لبرلين..كان الأمر مذهلًا.

القادم مرير..سوف يقضي مراد خمس سنوات كاملة داخل السجن الأميركي المخيف..حكى مراد لاحقًا قصته كاملة في كتاب سوف يتحول لفيلم سينمائي أليم شاهدته قبل عشر سنوات واسمه Fünf Jahre meines Lebens..استخدمه الأميركيون كفأر تجارب..حرموه من الطعام والشراب وألقوه في سجن انفرادي لأشهر طويلة..كان مراد مصممًا على النجاة، وأرسل الله له هدية..سحلية..عثر عليها مراد واقتسم معها قطعة الخبز وشربة الماء..تحدث معها وكأنها تفهمه، وأسقاها الماء من فمه كأنها ابنته..كانت السحلية صلته الوحيدة بعالم تجرّد من كل قيمة ومعنى..لم يسمح الجنود الأميركيين حتى بتلك الرفاهية..صادروها منه ولم يرحموها بل سلبوا روحها بطريقة بشعة لكسر مراد..دخل الشاب الألماني في هيستريا جنونية..لم يصدق الأمر..كأنهم أخذوا قطعة من روحه..ولن يأبه الأميركيون بعقل إنسان يتلاشى من فرط جريمتهم..في الفترة القادمة سوف يُستدعى مراد للتحقيق من جديد، تلك المرة سيحمل له الأميركيون بشارة..إفراج نهائي..أحضروا له ملابس جديدة وفرشاة أسنان وأهداه أحد الجنود نفحة من عطر لجورجيو أرماني..طار مراد من الفرح..الآن يلمح الهليكوبتر، يصحبه جندي أميركي نحوها، يودّعه زميلان بالتلويح من بعيد..وما إن همّ بركوب الطائرة..حتى تكالب عليه الجنود وأشبعوه ركلًا وأعادوه لزنزانته..هنا تحطم الشاب الألماني مرّة واحدة..وللأبد.

حاول مراد إنهاء حياته مرات ومرات ولم يفلح..وكأن الله قد ادخره لما هو أكبر..أخلى الأميركيون سبيله بعد خمس سنوات..حضر جلسة استماع في الكونجرس..وقدم له الأميركيون علنًا اعتذار بعد انكشاف فضيحتهم..ولتبرئة أنفسهم وتخفيف ذنبهم..نشروا محادثاتهم السريّة مع الحكومة الألمانية..أتدري ما هو المؤلم حقًا؟...أنك ربما تهرب من بلادك العربية خوفًا من مستبد باطش أو محتل غاشم، وتظن أنك قد وجدت النجاة أخيرًا في هيئة باسبور غربي..لكن حتى هؤلاء مهما وعدوك بالجنة سوف تظل بالنسبة لهم على الدوام مسلمًا..مهما استوفيت المعايير الألمانية في الاندماج واللغة وحتى الولادة على أرضهم والتعلم في مدارسهم والنهل من قيمهم..في أول لحظة تضاد..لن يوفروا لك مزايا الجنسية..سوف تصبح بالنسبة لهم في الأخير..مجرد مسلم لا بأس من اعتقاله ونقله بطريقة غير قانونية ورفض توفير الحماية له..أنت لست مثلنا، ولن تكون أبدًا، وسوف نلاحقك إن كنت في الفلوجة أو برلين، سيّان بالنسبة لنا..أنت مسلم..لكن الأمر الأكثر إيلامًا بحق هو ما كشفته تسريبات ويكيليكس لاحقًا..كان الأميركيون قد ابتكروا طريقة جهنمية للتحقيق مع المسلمين المشتبه في عدائهم لواشنطن..أخذهم على متن طائرات تابعة للاستخبارات الأميركية والطواف بهم حول العالم..كانت الطائرات مجهزّة كسجون تُطبق فيها كل التقنيات المرعبة من نزع الجلد والإيهام بالغرق..وعندما ييأس الأميركيون كانوا يرسلون المشتبه بهم لدولتين عربيتين تحديدًا..وللمصادفة أشارت تسريبات ويكليكس إلى أن هاتين الدولتين قد تقدمتا بطلب للاستخبارات الأميركية تتبرعان فيه بالتحقيق مع مراد وإجباره على الاعتراف..إحداهما دولة تعرف بأنها صاحبة أكبر حضارة في التاريخ والثانية جارتها التي نفتخر يومًا بأنها أنجبت بطلًا وقف في وجه الإيطاليين...أجدنى، من جديد، مضطرًا لتوجيه نفس سؤال الفلوجة..ومن أخون من العرب؟.

في العام 2002 استيقظ العالم على فجيعة محزنة، عشرات ألوف الهندوس يطاردون المسلمين في شوارع ولاية جوجارات..كانت وسائل الإعلام تبثّ اللقطات المصوّرة دقيقة بدقيقة..هذا شاب هندوسي يجري بدراجته البخارية وراء امرأة مسلمة ويسقطها أرضًا، وتلك بقايا أحمر قاني متحجرة فوق ساطور..كان الجميع يعلم أن حجم الضحايا سيكون مروعًا..وقد كان..سقط ألفا مسلم في ليلة واحدة من يوم 28 فبراير..همجية جعلت العالم بأسره ينتفض من أقصاه لأدناه، خصوصًا أنها كانت برعاية الحكومة الهندية، وخصوصًا حكومة ولاية جوجارات برئاسة الهندوسي القومي ناريندرا مودي..الرجل كان من الصفاقة بما كان لأن يُعطي بنفسه إشارة البدء للهندوس للنيل من المسلمين..بل وأمر رجال الشرطة بتزويد شباب الهندوس بأماكن إقامة المسلمين وأرقام هواتفهم، وزد على ذلك أنه أمر كل أقسام الشرطة بتسليم المسلم المحتمي بهم للهندوس في الشوارع..حتى الغرب يا أخي غضب، حتى رأس الشر أميركا لم تجد بدًا من فرض عقوبات على كل مسئولي ولاية جوجارات، ومنهم مودي بموجب قانون أميركي يُدعي حماية الحريات الدينية، وتبعتها
لندن وباريس وملبورن بفرض حظر على زيارة مودي إلى أراضيهم..ولم يأبه مودي بل خرج في ذكرى المقتلة عندما سألته مراسلة رويترز هل هو نادم على ما فعل بحق المسلمين..فأجابها بمنتهى العنجهية..‘‘إنه نادم بنفس مقدار الندم الذي يتملك قلب رجل عندما يصدم بالخطأ كلبًا في الشارع‘‘..كان المسلمون بالنسبة له مجرد كلاب..في العراق كلاب للأميركي، في جوانتانمو كلاب لا يسأل عنها الألماني، وفي الهند كلاب لا يقيم الهندوس لها اعتبارًا.

كان بمقدور المسلمين معاقبة الهند..في العام 2023 حوّل الهنود المهاجرين حول العالم 129 مليار $ لبلادهم..89 مليارًا منها أتى فقط من دول مجلس التعاون الخليجي..تخيّل ما الذي كان يُمكن فعله لرد الصاع لمودي ورفاقه منذ العام 2002؟..لم يتحرك عرب الخليج، بل والأدهى أن مودي كان ممنوعًا من السفر لأميركا وبريطانيا وكان مرحبًا به في الخليج، يزور المنامة ويتناول طعام الغذاء مع مسئولي الرياض، ويبحث عن فرص الشراكة بين أبو ظبي وولايته..سوف يخبرك قائل..ولماذا تلقي اللوم على الخليج؟..عُد بالزمن لنفس عام مقتلة جوجارات..كان الغربيون بأكملهم يحتشدون حول الولايات المتحدة في مسعاها للنيل من المسلمين..الكل قدّم قوات للمشاركة في حرب أفغانستان، حتى الدنمارك الضئيلة وبولندا التعيسة..والكل في ذلك العام كان يمد يد العون لواشنطن في تلفيق الأدلة من أجل غزو العراق..بريطانيا وإسبانيا وألمانيا والتشيك والمجر..كان الكل على قلب رجل واحد عندما اشتكى أميركي ذات يوم في سبتمبر من تعرض المسلمين لأبراجه التجارية..والكل أتى لبلادنا غازيًا..لا يهم لون العلم، لا يهم اختلاف اللغة..كان الغرب كله أميركي الهوى عندما طلب منهم بوش وتشيني ورامسفيلد ذلك..وهنا الفارق الجوهري..نحن وهم..على قلب رجل واحد يتصرفون وإلى الآن..أما العرب فبئس شراذم البشر هم..عونًا للباغي ووبالًا على شعوبهم..كوفئت الهند طوال السنوات التالية لجوجارات بأزيد من تريليون $ من المال الخليجي..وتمادى مودي الذي سوف يصبح رئيسًا لوزراء الهند..وما بدأ بجوجارات سيتحول لحدث يومي اعتيادي..حتى أن خبر سحب الهند للجنسية من أربعة ملايين مسلم لم يثر حفيظة حماة الكعبة وخدام بيت الله..أثيرت حفيظتهم فقط من فيلم سينمائي عن حياة الماعز..ثم ما تزال تسأل..ومن أخون من العرب؟.

لماذا فقدت الدكتورة آلاء النجار تسع من أطفالها؟..لأنها ببساطة مسلمة..في عالم أصبحت فيه كلمة المسلم مرادفًا للاستباحة بلا ثمن..وضعها العالم الأول صوب عينيه هدفًا منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط الخطر الشيوعي، فكان لزامًا على الغرب البحث بين أوساط منظريه مثل صمويل بي هانتجنتون وفرانسيس فوكوياما عن عدو جديد يضمن استنفار الإمكانات الغربية على الدوام ومنعها من التقاعس في مسعى استدامة الهيمنة الأقلوية البيضاء على العالم..فكان ترميز الإسلام بأكمله هدفًا تجب ملاحقته..كان العداء يتدثّر حينًا بإسقاط الديكتاتوريات ومنع انتشار ذرات الغبار النووي، وتارة أخرى بنشر الديمقراطية..حتى وصلت نقطة التناقض الكبرى لأحداث يوم السابع فكان العداء علنيًا بشكل يصعب إخفاؤه..في كل رقعة من العالم يصيغ السكان المحليون وقادتهم قناعات قومية تكون أنت هدفها الأول..لا يهم إن كنت مسلمًا في بلادك أو مغتربًا في أوروبا..لا يعني كثيرًا أن تكون عربيًا بلحية أو هنديًا كادحًا..أنت مسلم وعلى أنقاض جسدك المضرّج بالأحمر القاني تبنى السردية الوطنية الأوروبية المرتعشة، وتنشر أميركا جحافل جنودها، وتشتد سواعد أحزاب الهندوسية المتعصبة، وقبل كل شيء وبعده، يبني الأعادي أسطورة تفوقهم الجوي الكاسح على مدنك المحطّمة..أولادك التسعة هم أولاد سكان الفلوجة ومقاطعة جوجارات وأناتك سمعناها من قبل في أصوات أمهات جوانتانمو..والمتواطيء الأول على أجساد أولادك لم يكن أبدًا من هو على غير دينك..بل كانوا كالمعتاد..أخون البشر..غثاء السيل..العرب..لماذا لم تتوقف الحياة يا أم زهور الجنّة؟..أجيبك باختصار..لأنك مسلمة في زمان العرب.
هناك كارثة عملاقة تحدث في السودان ولا أحد يتحدث عنها..

لأول مرة في تاريخ السودان الحديث، يتفشّى مرض الكوليرا، الإحصاءات مخيفة جدًا، في أيام قليلة 2500 إصابة وقرابة 172 حالة وفاة..والسبب كما هو معلوم..عصابات الدعم المدعومة من الإمارات تستهدف محطات الكهرباء، فيتوقف ضخ المياه، وملايين السودانيين لا يمتلكوا مياه نظيفة للشرب ولا النظافة الشخصية، فضلَا أنهم لا يمتلكون الطعام أصلًا، والنتيجة الكوليرا التي نسيها العالم كله، تنتشر بين أطفال السودان..وطبعًا المشافي بالكامل في خبر كان نتيجة لما فعلته العصابات الإماراتية من انتقام أعمى من الشعب السوداني، فالمصير قاتم من كل النواحي..الإصابة محتومة والعلاج ممنوع، وبالنسبة لتلك الدويلة الخليجية فالسوداني رقم، الألف من أبنائه خبر عادي على صفحة الوفيات..قد تعتقد أن رقم 172 وفاة أمر عادي يعني، لا والله يؤسفني أن أخبرك أمرين..الأول أنها تبدأ كذلك وتنتهي إلى كارثة شاملة..صحيح الخبر الثاني أن هناك دولة أخرى في العالم كله أصيب أطفالها بالكوليرا كذلك خلال السنوات الخمس الأخيرة..خمّن من هذه الدولة؟..كانت دولة عربية أصيب 1.1 مليون من أطفالها بذلك المرض البدائي اللعين، وتوفي منهم 2310 طفل..هذه الدولة كانت اليمن..وللأسف كان المتسبب أيضًا في مأساتها هو الإمارات..واليوم تسعى الدويلة الخليجية لتحويل الخرطوم إلى صنعاء جديدة وأم درمان إلى حجة..والهدف واحد في الحالتين..أطفال العرب والمسلمين..اليوم تحذر اليونسيف من مليون إصابة محتملة في السودان..تخيّل الرقم وتخيّل أن يتم إنتاج المأساة اليمنية من جديد في أرض الجيران؟..ثم تخيل تلك الحقيقة الأليمة أنه من بين 205 دولة في العالم، أصيبت دولتان فقط بالكوليرا، والدولتان عربيتان، والمجرم للأسف عربي..ولم يحاسب قط بفعل نفوذه المالي وتشبيكه مع الأعادي..تخيل؟..لماذا هذا الحقد الأعمى؟ فقط لأن السودان يصمد وحيدًا كحائط صدّ عربي أخير أمام واحدة من أشنع قوى الاستعمار المحلية في المنطقة، وقسمًا لو انهار السودان كما نعرفه، ونجحت تلك الدويلة في مخططها، فلسوف تلحق بها دول ودول..تذكّروا السودان، ذكّروا العالم بأطفاله، ليسوا أقل من أطفالنا، وليس فينا الخير أبدًا إن كنا ننعم بمواسم الأعياد الدينية وهم في عطش وجوع ومرض يكابدون..حتى لو بكلمة تدعمهم في وجه قوى الشر..كلمة تذكّرنا قبلهم بمن هو العدو حقًا !
إلى متى يصمت الناس عن سوريا الجديدة؟

كم التقرب والتزلّف تجاه العدو يفوق كل تصوّر، في البداية تصريح محافظ دمشق، وفي الثانية صمت مطبق على استهدافات العدو للمنشآت والعتاد والاستراتيجي والتمدّد في الأرض السورية، وفي الثالثة ألف تصريح متفرق عن وجوب التعايش، وفي الرابعة إعلان رسمي عن قناة خلفية أنشأتها الإمارات بين دمشق والعدو، وفي الخامسة رجل أعمال أميركي التقى الشرع وخرج بمقال يفضح ما جرى من تأكيد الرئيس السوري على أن أعداء ‘‘‘البلدين‘‘ مشتركون وبإمكانهم التعاون في الأمن الإقليمي..وبين كل ذلك..انحياز سوري جديد واضح لمعسكر عربي/خليجي معروف بعدائه المطلق لحريات الشعوب وخذلانه لتضحيات إخوته في القطاع ومسعاه الحميم نحو شرق أوسط جديد يتزعّمه العدو ويقوم فيه بدور وكلاء الاستعمار الجديد..وقبل كل شيء وبعده..تزلف بلا حمرة خجل للرئيس الأميركي وبرج يحمل اسمه مع موجة من التحشيد السوري الإلكتروني ضد كل من ينطق حرف واحد ناقد لما يدور.

المدهش أن تجد من يخبرك أن السياسة فن المناورة وأن ما يفعله الرئيس السوري هو عين المناورة والدهاء مجتمعين، وأن تلك المرحلة ضرورية وسوف تنتفض سوريا عندما تنهض من كبوتها وتعود منحازة للحق العربي الواضح في أرضه ومقدساته..وهذا يندرج دومًا تحت بند ‘‘التمس لأخيك ألف عذر‘‘..وهي جملة لا علاقة لها بعالم السياسة بشيء، ولا مجال في السياسة لالتماس الأعذار وافتراض حسن النوايا والتفكير بالتمنّي وإن هذا يلأقلا في سلة مهملات عشوائيات الفكر العربي، إن جاز تسميته فكرًا..ثانيًا..ما يحدث حاليًا من انبطاح خطابي/ عملياتي، يؤسس لشروط إقامة سوريا الجديدة..دمشق التي يتعشّم الكثيرون في نهضتها إن ساومت وتنازلت وسلّمت لترامب والنتن، لا تتوقع منها نهوضًا مبادئيًا..لأنها بذلك تخنق بيدها دورها العربي..سوف يصبح سلاحها الجديد أميركي، موضوع تحت رقابة صارمة، وأصلًا شروط منحه تتعلّق بتسوية أليمة مع العدو، ينتزع فيها على الأقل السيادة على حدود ما قبل يناير 2025، مع اتفاق سلام تُلقي فيه دمشق عتادها الاستراتيجي في مواجهة العدو، وتنخرط فيه ضمن أحلاف يُجرى تشكيلها في المنطقة بين العدو وعرب الخليج، وتقوم فيه بدور الوكالة لحماية المشرق العربي من خطر الانتفاض على تلك الترتيبات.

ليس هذا فحسب بل أن دمشق اختارت ربط نفسها بالمطلق بالمحور السعودي-الإماراتي، ولهؤلاء شروط استعمارية لا تقل أبدًا عن العدو الصريح..لا يُمكنك تحت أي ظرف أن تتصوّر أن تستثمر أبو ظبي في إنشاء قنوات بينك وبين العدو دون أن يكون الثمن الذي تقبضه منك لاحقًا هو هندسة نظام سياسي/أمني يضمن سيادة توجهاتها الإقليمية..ولا تتخيّل، وإلا كنت غرًا ساذجًا، أن الرياض سوف تمنح دمشق مكانة أفضل من بيروت في دفاتر سياستها الخارجية..لا تقبل الرياض النديّة مهما كان في علاقاتها..لم تتحمّل الصعود القطري في لحظة فأصيب بلوثة هائلة كادت تتطوّر لغزو بري لولا الحماية الأميركية لقطر ومن بعده الوقوف التركي..لم تتخيّل سابقًا مصر قائدة في إقليمها متمدّدة لفضاء حيوي أرحب في محيطها، فأنفق مليارات الدولارات لردعها..لم تتحمّل أن تأتي العملية السياسية اللبنانية بفصيل يتحالف مع ضدها الإقليمي، فاستغلت فوائضها المالية في عقاب بيروت الجماعي بقطع صفقات تسليح الجيش وسحب الاستثمارات وإيقاف مشروعاتها السياحية والتحشيد ضد لبنان لعقدين من الزمن، لم تقبل حتى مناورة خائبة من الحريري الإبن، وهو رئيس وزراء بلد مهما صغر حجمه، فاحتجزته في الرياض، كأي مُدان متلبّس بقضية سرقة عشّة فراخ.

لا تتحمّل الرياض التعامل من موقع الندّ مع العرب في المطلق..وإنما تؤمن بتابع ومتبوع..بدور تتولّى فيه القيادة بالإملاء وليس بالمشاركة..بتماهي كامل مع أجندتها السياسية مقابل ساعات ومكرمات تُصرف من مقر سفارة خادم الحرمين في البلد المعنيّ وليس أبدًا بتمايز الأجندات والاختلاف في نقاط والدوران اتفاقًا في أخرى..وكل ريال تدفعه له أثمان سياسية حتى مع دول مستقرة ما بالك بكيان سوري هشّ لا يستطيع الالتزام بدفع رواتب موظفيه؟..لكل ما تفعله القيادة السورية أثمان مؤجلة سوف تُدفع علقمًا من تشكيل نظامها السياسي وحتى عقيدتها في الإقليم..واشنطن، العدو، أبو ظبي، والرياض..كل سوف يتولّى بأمواله وطيرانه ومنظومة عقوباته المحتملة جرّ سوريا الجديدة تجاه منطقة واحدة..أن تكون شرطي حدود أعزل لحماية العدو ومشاريعه..ولا يبدو أن القيادة الحالية تمانع بل تسير ومن خلفها شعارات تعبوية على الفضاء الإلكتروني مفادها ‘‘أنه حان وقت النظر للمصالح السورية والتحلّل من شعارات الحقوق والأراضي المقدسة التي ما جنينا منها شيء‘‘..لكنهم يغفلون بذلك أن قوة سورية الأساسية ليست في أن تكون محافظة خليجية ولا امتداد للعدو بل أنها قلب نابض تدور بوصلته حيثما دارت حقوق أبناء منطقته..لم تُخلق أصلًا دمشق إلا لكي تكون ضلعًا عربيًا يلتقي مع نظيره في بغداد على مرتكزين على القاهرة..هذا قدر دمشق وأصل وجودها.
ونعم وضعنا آمالًا عظام على سورية..لم تكن بالنسبة لنا مجرد انتفاضة ضد حكم سلطوي أقلوي، بل كتمهيد لعالم عربي جديد يتحلّل من حكم وكلاء الاستعمار لصالح إرادة شعبية فاعلة..فأن تنتهي تلك النضالات التي جاوزت عقد ونصف إلى دمشق جديدة عميلة من الدرجة الثانية حتى وليس الأولى التي يحتكرها الخليج، فوالله هذا مما تقف عنده بحزن وأسى..سرعان ما تتجاوزه إلى نقد المحب..ولن تتأخر أبدًا في مناصبته العداء إن هو انحاز إلى من عادى حقوقنا في المنطقة وكان علينا أشد وبالًا من العدى..ولا ليس عندي ما هو أغلى من أولى القبلتين وثالث الحرمين..وليست البارودة، لم تكن أبدًا ولن تكون، خيار المنفلتين غير المتمتعين بحكمة الانبطاح العربية، بل بوصلة ومنهجًا في درء العدو عن أراضينا ومقدساتنا..ولا لست مضطرًا تحت أي ظرف للقبول بسورية فتى إماراتي-سعودي جديد في الإقليم، تحت بند أهل مكّة أدرى بشعابها..وإلا فيم كان ما قد كان؟..ألأجل ذلك كانت 14 عامًا؟.

تنكّر لحقوق إخوانك، والي أشد أعدائهم وأظهرهم نفاقًا، انبطح أمام العدو، واطلب المدّد من راعيه الأميركي..ولن تجد ما هو أفضل أبدًا من موقع تُساق فيه أنت وأرضك وشعبك نحو أشد المواقع انحطاطًا..موقع تصبح فيه شرطيًا بلا بارودة حتى..إلا في وجه أبناء دينك وعروبتك..التطبيع قادم، والتنازل سيكون مرير..وصدقًا لم أخش يومًا التطبيع الخليجي الذي لو أتى للعلن سيكون افضل ألف مليون مرة من عمالات السر المستمرة منذ عقود..ما أخشاه يومًا أن تكون دمشق هي المحطة التالية..لأن أبنائها إن فعلوا ذات يوم، وأراه قريبًا، فلن تعود المنطقة كما كانت، ولن تقوم لها قائمة ولو بعد قرون..ومن هنا، ولأجل هذا تحديدًا، وجب الحديث على كل حرّ..أما الصمت بعد الآن التماسًا لعذر..فلا والله..لا عذر لمن كانت سجونه مفتوحة لأخوته الذي أنهكهم الألم في القطاع، وأرضه تُنبش وملفاته تُسلم لأجل عيون العدو..ليس بعد هذا عذر.
أمريكا استخدمت حق الفيتو لمنع وقف الحرب ضد أهالينا..دعني فقط أحكي لك قصة جريمة أميركية مهجورة..

ديسمبر 1972 كانت أميركا تتفاوض مع فيتنام لوقف الحرب..الفيتناميون الشماليون بقيادة "لي دوك ثو" ذهبوا إلى باريس وكلهم أمل في إنهاء تلك الحقبة المريرة، لكنهم فوجئوا بموقف كيسنجر المتصلّب..لا يريد السلام إلا تحت شرط واحد أن تكون المرحلة التالية في إدارة فيتنام للعملاء الأميركيين المتمركزين في الجزء الجنوبي منها..أما الثوريون فيتم استثنائهم من أي سلطة قادمة..طبعًا الوفد الفيتنامي رفض..كيسنجر كان هاديء جدًا، رفع سماعة الهاتف، تحدّث مع الرئيس الأميركي نيكسون، وطلب منه أن تقوم قاذفات B-52 بعرض لم يسبق له مثيل في التاريخ..ونال مراده..لمدة 11 يومًا ابتداءً من 17 ديسمبر حولّت الطائرات الأميركية أرض فيتنام لبقعة مضيئة من شد القصف..في 11 يوم توفي 23 ألف فيتنامي..تخيّل الرقم؟..أي ما يقارب نصف أبنائنا في القطاع الذين سقطوا في عام ونصف..23 ألف..وقتها وكما تكشف الوثائق..كان كيسنجر يعلم أن أميركا هُزمت بالكامل في الحرب، وأن فيتنام الثورية ستفرض شروطها وتحكم البلد مهما طال الوقت، وأن القصف الجنوني على المدنيين المسالمين لن يغيّر الأمر..لكن..كان مُبرر كيسنجر الوحيد هو أنها عملية ضرورية للتأديب، حتى يعجز الفيتناميون عن بناء أي شيء يُبشه دولة من جديد..تخيّل في نفس الوقت..أميركا الأمة العظيمة الحرّة من سنة 1964 وحتى 1973 استفردت ببلد آخر مجاور لفيتنام، وكل تهمته أن أراضيه تُستخدم لنقل العتاد الصيني لفيتنام..وقصفته ب 2,7 مليون طن من البارود..تخيّل أن كل 8 دقائق ولمدة 9 سنوات متتالية أفرغت أميركا حمولة طائرة كاملة على ذلك البلد..تخيّل أن عدد القنابل العنقودية التي ألقيت عليها بلغ 1.8 مليون قنبلة..كان البلد يُدعى لاوس..وكان رد كيسنجر عرّاب القصف على أرقام المدنيين اللاويين بعبارة واحدة اقتبسها من المقولة الاستعمارية الشهيرة لتشرشل بحق الهنود عندما كانت حاشيته تستنكر وقوع ضحايا كثر منهم..لا تقلقوا عليهم، إنهم يتكاثرون كالأرانب..البشر أرانب وحيوانات..البشر أرقام تافهة لدرجة أن رأس شيطانهم يجلس في باريس ويعطي أوامر بإزهاق أرواح 23 ألف إنسان لمجرد التأديب..البشر من أي لون آخر غير الأبيض أهداف للتدريب والتأديب وساحات لتجريب العتاد الجديد..هذه أميركا باختصار..مشكلتنا لم تكن يومًا أبدًا مع الكيان التافه..والله الأبطال مرّغوا هيبته في ست ساعات ولو كانت تُركت لهم فرصة نزال شريف من موقع خصم لخصم لكانوا الآن، رغم كل التفوق المضاد في قلب يافا..مشكلتنا الأولى والوحيدة مع الولايات المتحدة رأس شر الاستكبار..عندما تشاهد طفلًا من أهالينا يكتوي من سقوط العدس الساخن على رأسه أثناء تلقي المساعدات، فهذه أميركا..وعندما تلمح ظل طفلة وهي وسط النيران كمشهد أهوال يوم القيامة، فتلك أميركا..وعندما تقرأ خبرًا عن 100 ألف مفقود في القطاع فليس هذا سوى ذنب أميركا..أميركا ليست وسيط ولا مفاوض ولا ضامن ولا حاكم لانفلات العدو..أميركا هي قاتلنا الأول، وليس غيرها..وما يجب أن يورث في ذاكرة أطفالنا جيلًا بعد جيل أنها العدو الأزلي والأبدي وليس صبيها في المنطقة وحده..لكن لا والله..ليست أميركا وصبيها..بل يسبقهم من دعموا من أموال نفط العرب تلك الآلة الجنونية بخمسة تريليونات دولار..تكتشف في الأخير أن فيتنام تحررت ولاوس تجاوزت..ويبقى العرب محلهم في دائرة العبودية الأميركية..لأنهم بأنفسهم وأموالهم وجازهم من اختاروا ومولوا وسلّحوا الأميركي ليطلق رصاصه على صدور أشرف من فينا..فلا والله..ونحن نعلم أطفالنا من هو العدو بحقّ سوف نخصص إصبعًا لأميركا وثانيًا للعدو..وثمانية أصابع من الكفّين سوف تشير إلينا..إلى العرب..عرب النفط والجاز..وتلك ثارات لا تُنسى..بحق كل أم مكلومة وكل أب مغدور وكل طفل مبتور وكل شيخ محروم..والله ثم والله لن تُنسى !
هل تندهش من قدرة العدو على احتجاز السفينة مادلين وسجن النشطاء؟..دعني أحكي لك قصة مروّعة..عن سفينة أخرى تمامًا..أو بالأدق عن يوم دامٍ هاجم فيه العدو أميركا نفسها..

هل تتذكّر نكسة 1967؟..كانت في يوم الخامس من يونيو، بعدها بثلاثة أيام..كانت هناك ثمة سفينة حربية أميركية في البحر المتوسط تقوم بمهام التجسس والتنصت على الاتصالات المصرية وكذلك اتصالات العدو..لكن الأمر لم يعجب العدو..صحيح هو وأميركا حلفاء أبديون..لكن لم يقبل فكرة أن تتجسّس البحرية الأميركية على اتصالاتهم..ثم في الساعة الثانية وخمسة دقائق ظهرًا وقعت المفاجأة..السفينة الحربية الأميركية تتعرّض لضربة ساحقة..تمر ربع ساعة..ضربة جديدة أشد فتكًا..في البداية اعتقد الأميركيون أن مصر هي المسئولة عن الإغارة الفتاّكة..قبل ثلاثة أيام فقط تمكّن حلفاء أميركا من سلب مصر شبه جزيرة سيناء..ربما يكون هذا هو الغضب المصري إذن..لا..الفاعل كان العدو نفسه..لا يُعقل..أبدا يا عزيزي..بالفعل صدرت الأوامر لجيش العدو بأن يُهاجم السفينة التي كانت تُدعى ليبرتي..كانوا يعلمون منذ الدقيقة الأولى أنها سفينة أميركية، تحمل جنودًا أميركيين، لكنهم بلغوا مستوى من الوقاحة أن يهاجموا الولايات المتحدة نفسها، إذا ما فكّرت حتى في جمع اتصالاتهم لتحليلها كأي نشاط استخباراتي اعتيادي..كم جندي أميركي من المارينز لقى حتفه جراء الهجوم؟..34 على نحو فوري..ولم يجدوا جثثهم كاملة، بل استلزم الأمر كشطها من جسد السفينة بعدما اختلط اللحم بالحديد وتم تجميع الأجساد الذائبة في 168 كيس لدفن الموتى..وعلى عجل أرسلت للولايات المتحدة حتى تُدفن في مقابر عسكرية عامة بشكل جماعي..لماذا تعرضت أجساد جنود المارينز لهذا الضرر الساحق؟..ببساطة لأن تعليمات جيش العدو كانت تقتضي باستهداف السفينة ليبرتي بالنابالم..كان يمكن للجريمة أن تمر..لكن العدو ارتكب خطأ جسيمًا واحدًا كشف كل جريمته بحق حلفائه الأميركيين..لم يحسب فقط حساب وجود 18 سفينة تجسس أميركية أخرى نجحت في التقاط اتصالات حكومة العدو مع الجيش بما فيها الأوامر الميدانية للقوات التي هاجمت السفينة الأميركية..لم تعد التسجيلات سرًا..تستطيع الاستماع إليها الآن في وثائقي مجهول لكنه عظيم جدًا من إنتاج الجزيرة الوثائقية تحت عنوان ‘‘اليوم الذي هاجمت فيه إسر#### أميركا‘‘..إذن فليتهيأ العدو لحساب الأمرين من أميركا..أميركا التي تدخّلت في الحرب العالمية الثانية وحسمت المعركة في آسيا بعدما تجرأت اليابان على استهداف بيرل هاربر..بالتأكيد لن تصمت وهي تستمتع بأذنيها لتسجيلات حليفها المدلّل وهو يتفنّن في استهداف جنودها في قلب المتوسط..لم يحدث..كان العدو من القوة بما كان لأن يطمس الحقيقة..اتفق الطرفان على إخفاء تلك التسجيلات والقول بأن الاستهداف كان خطأً فحسب..الرئيس الأميركي وقتها ليندون جونسون كان يتهيأ لانتخابات جديدة يحتاج فيها لأموال اللوبي إيّاه..ومن خلفه هنري كيسنجر الفتى الصاعد الجديد في السياسة الأميركية والذي كان تبريره الوحيد لإخفاء تلك الجريمة هو ‘‘ عدم إعاقة العدو عن التمدّد في الأراضي العربية‘‘..هل تتخيّل إذن عمق الرعب؟..أن تقوم قوات العدو بمحو سفينة عسكرية أميركية عمدًا، ويتولى الأميركيون بأنفسهم إخفاء الأدلّة خوفًا من محاسبة جيش العدى؟..ليسوا عربًا ولا مسلمين بل أميركيين مسيحيين؟..هل تتخيّل الشيك التاريخي الممنوح للعدو لاقتراف ما لا يُمكن تخيله في حق الكل بلا استثناء؟..وهل تتخيّل ما الذي يُمكن أن يفعله بنا نحن العرب والمسلمون إن كانت تلك سابقة أعماله في حق الأميركيين أنفسهم؟..صحيح نسيت أن أخبرك عن المبرر الأقوى الذي بموجبه تغاضت أميركا عن أرواح جنودها المارينز..كان ثمّة شخص يُدعى " آرثر جولدبيرج" وكان يشغل منصب مندوب الولايات المتحدة الدائم في مجلس الأمن..قدم إلى الرئيس الأميركي ليندون جونسون بعد الهجوم على السفينة ليبرتي، كان جونسون غاضبًا من خيانة صبيه في الشرق الأوسط..هدأه جولدبيرج وأخبره أن العدو على بُعد أميال من تحقيق الحلم التاريخي..حلم إقامة مملكة إسر#### في الأراضي العربية وأن لا شيء يجب أن يقف في وجه المشروع الذي يتمناه الإنجيليون الأميركيون منذ ثلاثة قرون..كان الدافع الأخير لحسم قصة ليبرتي هو النبؤات التوراتية والترهات الإيفانجيلية المسيحية الأميركية البيضاء..وبها فقط دُفن الجنود الأميركيون صمتًا..ثم بعد ذلك هل تتخيّل أن تعيقهم الجنسيات الأجنبية لنشطاء السفينة مادلين؟..هل سوف يقيمون لجوع العربي المسلم وعطشة ومحوه وزنًا أو قيمة؟..لا..لماذا؟..لأنهم ببساطة يرون في محوك واستئصالك هدفًا وغاية دينية تخدم مصالح الطرفين..غاية لدرجة أنه في سبيلها صمت الأميركيون عن ضحاياهم وهم الذين لا يتوانون في ملاحقة أي شخص ولو بعد ألف عام لو مسّ باريه جندي أميركي..وتخيّل بعد ذلك أنهم في سبيل تلك العقيدة الدينية الحاكمة يتجمّعون ويتآمرون ويصمتون ويتعاركون في صمت ويظهرون في وجهك متحدّين..أما أنت..العربي
المسلم تتشرذم، تترك رفاقك للجوع محاصرين، وتعلق آمالك على إثني عشر شاب وفتاة لا يملكون من أمرهم شيئًا..والأسوأ أنك تعتقد في الأميركي حليفًا وفي صبيه شريكًا..هذه درجة تضامنهم وتلك مرتبة خيانتك لبني جلدتك..تتركهم محاصرين ثم تلومهم على انتفاضتهم ثم تكون عليهم أشد وبالًا من العدى في تجويعهم وحصارهم، ثم تذهب لتمد يد العون للمصانع الأميركية بتريليونات الدولارات..ثم هل ترجو بعد ذلك نصرًا؟..كل مرة تنظر فيها لغطرسة العدو وجبروته وإفلاته من العقاب..تذكّر أمرًا واحدًا فقط..أنه كان بمقدور العرب مرة واحدة وأخيرة أن يستغلوا صحوة الأبطال في القطاع بتوفير غطاء دبلوماسي وسياسي وعسكري من تحت الأرض لهم أطول مدة ممكنة لخلق حالة ردع..لكنهم هرولوا للعدو صاغرين، محتمين، ولاجئين..ينجح العدو بحليف يوفّر له كل أمان..ويكابد أهالينا الويلات لأنهم محاطون بثلة من الخونة ونهازي الفرص..أغلق عينيك ثم تخيّل لوهلة..ماذا لو كانت أمة من 400 مليون نسمة و 50 تريليونًا من الدولارات هي اختياطي الثورة المعدنية والنفطية، قد وفّرت واحد على ألف من الدعم الذي قدمّته الولايات المتحدة لصبيها؟..ماذا لو أدركوا بالفعل ما قاله آرثر جولدبيرج بأن الهدف أراضيهم كلهم تحقيقًا لنبوءة دينية غارقة في الضلالات؟..ثم افتحها على واقع مرير تقوم فيه الجيبات الإماراتية بحماية أمن العدو في القطاع، وتمول دراهمها المسمومة آلة الفتك..ثم ترحّم ألف مليون مرّة على أبطال أرادوا لمرة أولى أن يجعلوا للعرب كرامة..وكل ما كانوا يرجونه فقط..شربة ماء !
بدأت الحرب على إيران..

مالذي جرى؟..وما هو المستقبل المخيف الذي ينتظر المنطقة؟..

قبل الفجر شنّ سلاح الجو التابع للعدو سلسلة من الغارات المكثّفة على مواقع عسكرية ونووية إيرانية..في البداية سادت شكوك حول إذا ما كان الأمر مجرد هجوم عابر أم إعلان لحرب واسعة على إيران..حتى خرج رئيس وزراء الكيان ووزير دفاعه في تصريحات رسمية يقولان فيها بأن العملية استهدفت ‘‘إزالة‘‘ مواقع نووية إيرانية، نتيجة لمعلومات استخباراتية موثوقة تفيد بأن طهران كانت في طريقها للحصول على قنبلة نووية خلال أيام قليلة..ليس هذا فحسب بل أصبح للعملية اسمًا وهو ‘‘ الأسد الصاعد‘‘..وحدّد رئيس وزراء الكيان هدفها بدقّة..إعادة إيران لعصر ما قبل التكنولوجيا الذريّة..لم يعد هناك إذن ثمة شك..هي الحرب التي طالما تمناها العدو على إيران.لكن قبل اندلاع الحرب تعرّضت إيران لعملية خداع استراتيجي هائلة من قبل الولايات المتحدّة..كيف حدث ذلك؟..

قبل أسابيع انخرطت طهران وواشنطن في عملية تفاوضية في العاصمة العمانية مسقط بهدف التوصل لاتفاق نووي جديد، وخرج ترامب ليؤكّد أن هناك فرصة كبيرة في التوصل لاتفاق، بل حتى قبل الحرب بساعات قليلة صدر تصريح من الرئيس الأميركي بأن الحرب قد تقع، لكنها احتمال غير وارد حاليًا..في الوقت نفسه كانت أميركا تقوم بسحب بعثاتها الدبلوماسية من مناطق التماس في العراق تحديدًا ثم الكويت والبحرين...كل ذلك ترك طهران في حالة ارتباك واسعة..في كفّة تقوم أميركا بتصرفات تشبه استعدادت ما قبل الحرب..وفي أخرى تبدو تلك التصرفات وكأنها ضغط متوقّع على إيران للحصول على مزيد من التنازلات في الجولات التفاوضية القادمة التي كانت مًقررة يوم الأحد أي بعد يومين فقط من الحرب..الخداع ببساطة هو أن تقوم أميركا بإشغال إيران بالمفاوضات بينما تنسق مع العدو لشنّ حرب واسعة..وتلك كانت ضربة قاسية.

على الفور خرجت التصريحات الأميركية بأن واشنطن لم تقدم الدعم للعدو في تلك الضربات..لكن هذا مجرد كلام إنشائي لا قيمة له..ركّز هجوم العدو على منشأة شديدة الأهمية في المشروع النووي الإيراني وهي ‘‘منشأة نطنز‘‘..ولمن لا يعلم..هي منشأة تقع تحت الأرض عمق ستة أمتار، وتضم 50000 جهاز طرد مركزي، وتحتاج قوات العدو من أجل استئصالها إلى قنابل مخترقة للتحصينات ولا تمتلكها سوى أميركا فقط وهي GPU 7..ناهينا أن الولايات المتحدّة لا شك قدمت المعلومات الاستخباراتية وليس مستبعدًا أبدًا الدعم العسكري الجوي في ظل المسافاة الطويلة التي يتعيّن على طيران العدو قطعها ذهابًا وإيابًا بطول يقارب 3200 كم، وهو أمر يستحيل حدوثه دون وجود دعم أيركي في التزود بالوقود أو توفير محطات الإقلاع..لكن لماذا تنأى أميركا بنفسها عما يدور في المنطقة وتؤكد أنها تداقع فقط عن مصالحها وحياة جنودها؟..ببساطة لتجنب رد الفعل الإيراني.

لمدة خمسة عشر عامًا متتالية تجنّبت كل الإدارات الأميركية الديمقراطية والجمهورية استهداف المشروع النووي الإيراني خوفًا من ‘‘حرب الكل ضد الكل‘‘..أي ضربة لمنشآت إيران الذريّة تعني ببساطة ضياع الاستثمار المادي والمعنوي الأهم في تاريخ الجمهورية الإيرانية..استثمار من أجله تحمّلت إيران تريليونات الدولارات في صورة إنفاق مباشر في البنى التحتية العسكرية والنووية، أو إنشاء شبكات في المنطقة من بغداد ووبيروت ودمشق وصنعاء استنزقت جهدًا بشريًا وماديًا مهولًا من أجل بناء خطوط متقدّمة للدفاع عن إيران، أو حتى تحمّل عقوبات كلفّت الاقتصاد الإيراني قرابة تريليوني دولار من الخسائر..كان التصور الأميركي محكومًا بحقيقة واحدة..خسارة إيران بطاقة تعريفها الإقليمية وطموحاتها التوسعية يعني اضطراها إلى إحداث ضرر غير قابل للجبر في كل محيطها الإقليمي..خصوصًا فيما يتعلق باستهداف واسع النطاق لحركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وكذلك الخليج العربي بل وحتى منصات إنتاج النفط في دول مجلس التعاون، وكل ذلك سوف يعني استهدافًا للقطع البحرية الأميركية المنتشرة في ذلك النطاق..تلك الورقة هي الأبرز أصلًا في يد المفاوض الإيراني..مشروعنا النووي مقابل سلامة التجارة العالمية والقوات الأميركية.

ومن هنا تسعى واشنطن بعد الضربة الأخيرة إلى نفي أي صلة لها حتى تحصر نطاق الرد الإيراني فقط في استهداف أراضي العدو ومنشآته وهو أمر تستطيع تحمّل كلفته بل ودرّبت نفسها على مواجهته بخلق شبكات متقدمة للدفاع الجوي سواء في الأردن أو إقليم كوردستان فضلًا عن الدعم الاستخباراتي والجوي الهائل المشترك بين لندن وواشنطن من أجل حماية الكيان..لكن السؤال الأهم..هل يسير رد الفعل الإيراني وفقًا للمخط الأميركي؟..قبل الإجابة على ذلك السؤال ينبغي الالتفات لحقائق هامّة جدًا..أولًا أن الدفاعات الجوية الإيرانية في حالة من الهشاشة المخيفة..تستطيع طائرت العدو قطع مسافة 1649 كم وصولًا للسماء الإيرانية ومن ثمّ التجوّل بحريّة مطلقة، ولا يتوقف الأمر هنا، بل تستهدف المنشآت النووية المحصنّة والمفترض أنها تتمتّع
بدفاعات جوية فائقة..أما الحقيقة الثانية فهي أن إيران بلا شك خسرت كل مواقعها الدفاعية المتقدّمة والأكثر أهمية في دمشق وبيروت ولم يتبق لها سوى بغداد الحذرة جدًا وصنعاء الغير قادرة على إحداث فارق جوهري عكس الساحتينة اللبنانية والسورية سابقًا..يُضاف إليها حقيقة ثالثة..أن إيران - عكس ما يًشاع عربيًا - واجهت بالفعل الولايات المتحدة سابقًا..لكنها كانت مواجهات غير مباشرة..سواء في سقوط مئات من المارينزز في بيروت عام 1983 أو في دعم الفصائل الشيعية عقب احتلال العراق أو قبلها في استهداف المصالح الأميركية في الخليج على يد مجموعات شيعية محلية كما حدث في الخبر في السعودية عام 1996 على يد أحمد المغسّل..لكن مواجهة مباشرة..لم يحدث أبدًا.

هذه الحقائق الثلاثة..ضعف الدفاعات الجوية الإيرانية..خسارة الحلفاء في دول الطوق المحاذية للكيان..عدم تفضيل إيران تاريخيًا المواجهة المباشرة مع أميركا..هذه الحقائق مجتمعة ربما تعطينا فكرة مستقبلية عن حدود الرد الإيراني وعدم امتداده ليشمل القوات الأميركية أو المصالح النفطية في الخليج العربي..إيران حاليًا في حالة من العزلة المميتة..لا حلفاء إقليميون قادرون على دعمها، ولا تقنية عسكرية فائقة تساعدها على حماية أجوائها..وإن انجرت لخيار الحرب الشاملة فلن يكون ذلك سوى بمثابة استدعاء للتدخل الأميركي بكل ما تمتلكه واشنطن من ترسانة فائقة في الإقليم تستطيع إلحاق ضرر ليس فقط بالبرنامج النووي الإيراني بل بوجود نظام خامنئي نفسه بما يفتح الباب أمام قلقلة واسعة في الشارع الإيراني قد تفضي إلى تغيير في شكل الحكم من الأصل..الحقيقة المرّة أن إيران فقدت إمكانية التشتيت..كانت أصلًا تُعد خطتها الدفاعية على قاعدة واحدة وهي فتح أربع جبهات في مواجة العدو إذا ما قرر استهداف طموحها الإقليمي، لكن طهران بالجبن الاستراتيجي منعت تحويل يوم السابع إلى تحول إقليمي شامل، وقيّدت حدود حركة حلفائها في بيروت تحديدًا، ولما استقر العدو وقام بمسح القطاع من على وجه الأرض، بدأ في محاصرة إيران وقصقصة كل أذرعها على نحو مكثّف..بحيث لما يُطلق عمليته العسكرية التي يحلم بها منذ عقدين، لا تجد إيران حائط صد أمامي..وقد كان.

ما الذي تبقّى إذن لإيران؟..حل واحد ولا بديل عنه إذا ما أرادت إيران المحافظة على بقايا وجود إقليمي مؤثر..استهداف المنشآت النووية التابعة للعدو..أصلًا قبل أيام خرج كبار المسئولين العسكريين الإيرانيين ليعلنوا خبرًا بالغ الأهمية ألا وهو نجاح طهرن - في سبق استخباراتي - في الحصول على خرائط سريّة مفصّلة لمفاعل ديمونة وباقي القوة النووية للعدو..وبذلك وضعت إيران بنفسها المعادلة..المنشآت النووية مقابل المنشآت النووية..وتلك هي الصيغة الوحيدة المتاحة لطهران من أجل استعادة معادلة الردع، ويجب أن تتم على الفور، وفي لمح البصر، وإلا أتت الموجات الثانية والثالثة والعاشرة للعدو والتي ربما قد تغريها سهولة الاستهداف لتنتقل من خانة البرنامج النووي لإسقاط النظام الإيراني نفسه، ويصبح ذلك هو العربون الذي يقدمه الكيان لدول الخليج وفي مقدمتها السعودية من أجل تطبيع شامل وفوري.سوف تتغيّر المنطقة حال لم يكن رد طهران على نفس المستوى من الاستهداف..وسوف تتغيّر ألف مرّة إذا ما نجحت بالفعل في كسر هيبة البرنامج النووي في ديمونة..لأن إيران بالتبعية سوف تستجلب العالم الأول بأجمعه لحرب واسعة في الإقليم دفاعًا عن الكيان..باختصارإيران محاصرة بمجموعة من خيارات الرد كلها سوف تترك المنطقة في حالة من الارتباك وإعادة الصياغة لمدة طويلة

المؤكّد في كل ما يدور أننا على أعتاب التغيير الأهم في الشرق الأوسط منذ نصف قرن..لأول مرّة تمتلك قوة واحدة شرعية استهداف خمسة دول مجتمعة، لأول مرة تحصل قوة واحدة على تفويض لاستخدام الحد الأقصى من القوة في سبيل إحداث تغييرات دول تدخل قوة دولية واحدة لردعها..لكن إن كان التقدم الأول للعد في 1948 بتثبيت نفسه كحقيقة جغرافية في أرضنا المنهوبة..وإن كان التقدم الثاني في 1967 يتمثّل في الاستيلاء على المقدسات التاريخية وتوسيع الحدود الجغرافية بمصادرة مزيد من الأراضي العربية..فإن التوسع الثالث هو الأكثر شراسة بما لا يُقاس لأنه تلك المرة يعني في شقّه الأول..تجفيف نهائي لكل منابع ‘‘مكافحة العدو‘‘، بحيث لم تعد هناك قوة محلية في أراضينا المحتلّة قادرة على تنفيذ ضربات استباقية ولم يعد هناك ثمة تهديد إقليمي أو حاضنة شعبية للفكرة ذاتها..أما شقّه الثاني..فهو أن المنطقة تلك المرة ستخضع لشراكة عربية مع العدو..للمرة الأولى يصبح العرب، عرب الخليج تحديدًا، شركاء للعدو من الدرجة الثانية في تقاسم منافع الوراثة الإيرانية..بحيث تتولّى السعودية ومن بعدها الإمارات حصرًا مهام تطويع الدول العاصية أو المتردّدة في سبيل التطبيع، مقابل إطلاق الولايات المتحدة يد الدولتين العربيتين في قيادة العرب وصياغة معادلات حكم محلية تضمن استدامة الهيمنة الخليجية بشروطها الأميركية.
هذا عالم يتبدّل بشكل غير مسبوق..إما رد إيراني مزلزل على العدو في عقر داره وبنفس مستوى الاستهداف تستطيع من خلاله طهران الإبقاء على معادلة ردع تحفظ توازنات القوى في الإقليم.. أو منطقة شرق أوسطية يتقاسمها العدو والخليج كغنيمة حرب..وصدقًا في هكذا وضع..سوف يتم تصميم نظام إقليمي بالغ الشراسة لملاحقة ليس فقط الحركات المناهضة، بل حتى الأشخاص العاديون الذين ما يزال بمقدورهم قول كلمة ‘‘لا‘‘..في هكذا وضع لن يصبح للزعامات التاريخية للمنطقة - وفي مقدمتهم مصر - وزنًا في الأجندة الخليجية سوى اعتبار القاهرة ساحة نفوذ مطلقة يجرى صياغة شروطها المحلية وفقًا لهوى الوكيل الاستعماري وإلاكانت الأثمان قلاقل واسعة النطاق..في هكذا وضع..سوف تترسّخ معادلة وحيدة مفادها..أن العدو باطش..يستطيع الوصول إلى مراكز القرار وصناّعه، المنشآت الحيوية وأسرارها، في أي عاصمة عربية يريد وفي غضون دقائق..وليس أمام العب لتجنب مصائر طهران وبيروت سوى الانصياع المطلق..تلك الشهية المفتوحة للتوسّع مدعومة بحقائق التفوق العسكري الكاسح والدعم الدولي الهائل..سوف تجعل عاصمتك العربية هدفًا جديدًا..أينما كنت وأينما كانت..مطبعًا كنت أو مناويء..لا يهم..سوف يدفع الكل أثمان الاعتقاد بأن العدو شريك..سوف يدفعون لا ريب كلفة خذلان حائط الصدّ الأول في القطاع..لن تكون طهران الأخيرة أبدًا..ثق في ذلك.