أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الثاني #الإيمان_والحب 🦋 جاء اليوم الذي يشدُّ فيه منتظر الرحال مع والدهِ إلى المدينة المجاورة لمدينتهم حيث ستجرى العملية هناك ، وها هي الأم الحنون تشدُّ على يدي ولدها بيدين مرتجفتين وعينين باكيتين وهي تردد : ـ ولدي الغالي .. سأدعو الله بأن يعيدك…
#الجزء_الثالث
#الإيمان_والحب
ها هم الأربعة قد نزلوا من السيارة الكبيرة مستقليّن سيارة صغيرة للأجرة ليتجهوا نحو أحد الفنادق حيث سيقيمون فيه طيلة فترة اجراء العملية .
ولمّا كان الوقتُ متأخر والفندق الذي قصدوه كان مكتظاً بالنزلاء فقد أشارإليهم صاحب ذلك الفندق بأن هناك شقة صغيرة في مكانٍ قريب يمكنهم استئجارها لعدّة أيام ...
وفعلاً تم إيصالهم إلى تلك الشقة بعد مناقشات حادّة بين منتظر وأبيه حيث كان بطلنا يرفض هذه الفكرة لما لها من احراج بالنسبة لهُ لوجود تلك الفتاة الشابة معهم لكن أباه أقنعه أخيراً بأنها ليست لوحدها بل إن أباها معها وهذا يعني إنهُ لا يوجد هناك أي إحراج في الموضوع .
وصل الأربعة إلى الشقّة ، كان فيها غرفتان صغيرتان وصالة للجلوس .
قال أبو ملاذ وهو يشير إلى إحدى الغرفتين :
ـ سنأخذ نحنُ هذه الغرفة وأما أنت يا أبا منتظر فستكون هذه لك ولأبنك العزيز .
لاحظ الثلاثة إن ملاذ طول هذه الفترة صامتة لا تتحدث وقد بدت علامات الكآبة والحزن واضحة على ملامحها !
ظنَّ والدها وكذلك صاحبهُ إن مخاوفها من العملية قد بدأت تظهر وخاصة إنهم الآن في المدينة التي ستجري فيها تلك العملية ، أما منتظر فكان يعرف مصدر ذلك الحزن وتلك الكآبة التي قفزت إلى ملاذ حال انتهائها من قراءة رسالته في تلك السيارة المشؤومة !
كان يتمنى لو تمكن من توضيح الأمر لها وتوضيح السبب الذي دعاه إلى ذلك التصرف ، كان منتظر رغم أسلوبه القاسي في بعض الأحيان لكنه في نفس الوقت ذو قلب رقيق لا يتحمل أن يكون سبباً رئيسياً في حزن أي شخص وخاصة إذا كان ذلك الشخص فتاة يتيمة الأم ومريضة مثل ملاذ .
كان التعب والإرهاق بادياً على الجميع مما حدا بهم إلى النوم مبكراً إذ إن هناك يوماً شاقاً ينتظرهم حيث سيتم البدء بالفحوصات لكلا الطرفين كخطوة أساسية قبل أجراء العملية .
مع أول الفجر استيقظ منتظر على صوت الآذان الذي تعالى في أرجاء تلك المدينة ، نهض وهو يردد الصلاة على محمد وآل محمد وأيقظ والده ليصليّ ..
توضأ منتظر وصلّى ركعتي الفجر وكعادتهِ بعد كل فريضة صار يردد ( تسبيحة الزهراء عليها السلام ) ثم فتح القرآن ليتلو بعض كلمات الله سبحانه وتعالى ..
استمر بالقراءة حتى سمع صوت حركة في الشقة ، نظر إلى الساعة فوجدها تشيرإلى السابعة صباحاً ، أغلق القرآن وقبّلهُ تبركاً وتقديساً ، نظر إلى والده فوجده قد رجع إلى النوم بعد أن أدّى صلاته ... قال في نفسه :
ـ قد تكون هذه الحركة للعم حامد أو قد تكون لملاذ !
وعندما وصل إلى أسم هذه الفتاة اطرق قليلاً .. ردّد الاسم عدّة مرات ثم تحدث مع نفسه مرة أخرى :
ـ مسكينة هذه الفتاة ...
لقد سببتُ لها ألماً كبيراً يوم أمس ويجب أن أوّضح لها كل شيء .
خرج من الغرفة فوجد ملاذ أمامهُ قد خرجت توّاً من المطبخ ، نظرت إليه ثم مشت قليلاً بدون أي كلمة وجلست على أحدى الأرائك في الصالة وبيدها كوب من الشاي .
#يتبع
#الإيمان_والحب
ها هم الأربعة قد نزلوا من السيارة الكبيرة مستقليّن سيارة صغيرة للأجرة ليتجهوا نحو أحد الفنادق حيث سيقيمون فيه طيلة فترة اجراء العملية .
ولمّا كان الوقتُ متأخر والفندق الذي قصدوه كان مكتظاً بالنزلاء فقد أشارإليهم صاحب ذلك الفندق بأن هناك شقة صغيرة في مكانٍ قريب يمكنهم استئجارها لعدّة أيام ...
وفعلاً تم إيصالهم إلى تلك الشقة بعد مناقشات حادّة بين منتظر وأبيه حيث كان بطلنا يرفض هذه الفكرة لما لها من احراج بالنسبة لهُ لوجود تلك الفتاة الشابة معهم لكن أباه أقنعه أخيراً بأنها ليست لوحدها بل إن أباها معها وهذا يعني إنهُ لا يوجد هناك أي إحراج في الموضوع .
وصل الأربعة إلى الشقّة ، كان فيها غرفتان صغيرتان وصالة للجلوس .
قال أبو ملاذ وهو يشير إلى إحدى الغرفتين :
ـ سنأخذ نحنُ هذه الغرفة وأما أنت يا أبا منتظر فستكون هذه لك ولأبنك العزيز .
لاحظ الثلاثة إن ملاذ طول هذه الفترة صامتة لا تتحدث وقد بدت علامات الكآبة والحزن واضحة على ملامحها !
ظنَّ والدها وكذلك صاحبهُ إن مخاوفها من العملية قد بدأت تظهر وخاصة إنهم الآن في المدينة التي ستجري فيها تلك العملية ، أما منتظر فكان يعرف مصدر ذلك الحزن وتلك الكآبة التي قفزت إلى ملاذ حال انتهائها من قراءة رسالته في تلك السيارة المشؤومة !
كان يتمنى لو تمكن من توضيح الأمر لها وتوضيح السبب الذي دعاه إلى ذلك التصرف ، كان منتظر رغم أسلوبه القاسي في بعض الأحيان لكنه في نفس الوقت ذو قلب رقيق لا يتحمل أن يكون سبباً رئيسياً في حزن أي شخص وخاصة إذا كان ذلك الشخص فتاة يتيمة الأم ومريضة مثل ملاذ .
كان التعب والإرهاق بادياً على الجميع مما حدا بهم إلى النوم مبكراً إذ إن هناك يوماً شاقاً ينتظرهم حيث سيتم البدء بالفحوصات لكلا الطرفين كخطوة أساسية قبل أجراء العملية .
مع أول الفجر استيقظ منتظر على صوت الآذان الذي تعالى في أرجاء تلك المدينة ، نهض وهو يردد الصلاة على محمد وآل محمد وأيقظ والده ليصليّ ..
توضأ منتظر وصلّى ركعتي الفجر وكعادتهِ بعد كل فريضة صار يردد ( تسبيحة الزهراء عليها السلام ) ثم فتح القرآن ليتلو بعض كلمات الله سبحانه وتعالى ..
استمر بالقراءة حتى سمع صوت حركة في الشقة ، نظر إلى الساعة فوجدها تشيرإلى السابعة صباحاً ، أغلق القرآن وقبّلهُ تبركاً وتقديساً ، نظر إلى والده فوجده قد رجع إلى النوم بعد أن أدّى صلاته ... قال في نفسه :
ـ قد تكون هذه الحركة للعم حامد أو قد تكون لملاذ !
وعندما وصل إلى أسم هذه الفتاة اطرق قليلاً .. ردّد الاسم عدّة مرات ثم تحدث مع نفسه مرة أخرى :
ـ مسكينة هذه الفتاة ...
لقد سببتُ لها ألماً كبيراً يوم أمس ويجب أن أوّضح لها كل شيء .
خرج من الغرفة فوجد ملاذ أمامهُ قد خرجت توّاً من المطبخ ، نظرت إليه ثم مشت قليلاً بدون أي كلمة وجلست على أحدى الأرائك في الصالة وبيدها كوب من الشاي .
#يتبع
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الرابع #الايمان_والحب تبعها منتظر ... دخل الغرفة وألقى السلام ، وبصوتٍ ضعيف بالكاد يُسمع ردّت ملاذ التحية ، بادرها منتظر : ـ هل لي أن أعرف سبب هذا الحزن المفاجئ ؟! أجابت بحدّة : ـ أوَتسأل يا منتظر ! ـ هل أنا السبب ؟ ـ أرجوك...دعني وشأني سواء…
#الجزء_الخامس
#الإيمان_والحب 🦋
في ظهيرة ذلك اليوم كان الأربعة في مستشفى المدينة لإجراء الفحوصات ، وبعد إجرائها لملاذ ومنتظر معاً قام الطبيب بإعطائهم مدّة أسبوع كامل وبعدهُ فقط يمكن إجراء العملية ..
رأى منتظر إن هذه فرصة أرسلها الله لهُ ليوّضح كثيراً من الأمور لملاذ قبل أن تجري العملية لكليهما .
بعد تركهم المستشفى اتجهوا نحو أحد مطاعم تلك المدينة لتناول وجبة الغداء، وما إن انتهى الجميع من تناول الطعام حتى طلب والد ملاذ من أبي منتظر أن يشاطرهُ لعب كرة القدم ورغم إن الأخير كان لا يهوى أن يقضي وقته بتلك الأمور الصبيانية إلاّ إنهُ رأى من المحرج أن يرفض دعوة صديقه ، فأتجه نحو الملعب في ذلك المطعم الضخم منصاعاً لرأي صاحبه ...
بقى كل من منتظر وملاذ جالسين وكانت ملاذ تحاول أن تبدو طبيعية لكن حركتها وهي تضرب بالشوكة على الإناء الذي أمامها جعل منتظر يشعر باضطرابها فحاول كسر ذلك الصمت المقلق بقوله :
ـ هل مازلت على رأيك يا ملاذ ؟
ـ ماذا تقصد ... لم أفهم !
ـ لقد فكرتُ في كلامك الذي قلتهِ لي صباح هذا اليوم بخصوص ..
( صمت منتظر قليلاً ثم تابع كلامه )
بخصوص مشاعركِ تجاهي فوجدتها مشاعر لا صحة لها وغير حقيقية ..
ـ لماذا تحكم على مشاعري الصادقة تجاهك بهذهِ الطريقة يا منتظر ؟
ـ صدّقيني يا عزيزتي أنا لا أنظر إلى مشاعركِ بمنظار سلبي لكن .. هلاّ قلتِ لي متى بدأت مشاعركِ تلك اتجاهي ؟
ـ منذ أول لحظة رأيتك فيها ..
أي في المرة الأولى التي جئت بها مع والدك إلى منزلنا .. لقد عشت يا منتظر وحيدة لا أعرف ما معنى الحنان ولا الحب .. أمي ماتت منذ ولادتي ! وأبي لا أراه طوال يومي إلاّ على مائدة العشاء!
لا أعرف أحداً في هذه الحياة غير أُناس مزيفين يأخذون أدواراً كاذبة في تلك الشاشة التي باتت سلوتي الوحيدة ..
كنت أكره الدراسة منذ المراحل الأولى لها وما ان فاتحت والدي بفكرة ترك المدرسة حتى وافق بدون أن ينصحني بكلمة واحدة !
نعم لقد تركت الدراسة ولي من العمر إثنا عشر سنة ومنذ ذلك الحين وإلى هذه الأيام وأنا أعيش بين أربعة جدران .. أتحدث مع نفسي وأحب أناساً مزيّفين لم ألتقهم أبداً ! وعندما رأيتك شعرت بأنني وجدت من سأبثهُ همي وحزني ومن سيُبدل أيامي إلى جنةٍ حقيقية ..
آه يا منتظر صدّقني ...
قاطعها منتظر قائلاً :
ـ اسمعي يا ملاذ .. هناك أمور كثيرة يجب أن نتناقش فيها غير لغة الحب هذه التي تتحدثين بها ... فأن الحب ليس كما تتصورين أبداً والسعادة كذلك، فالأفلام والمسلسلات التي عشتِ مع قصصها وأحداثها جعلتك تنظرين إلى الحب بأنهُ ليس إلاّ ذلك الشعور الذي يربط الفتاة بفتى أحلامها، والسعادة ليست إلاّ تلك التي تجمع الفتاة بفارس أحلامها !!
كان كلام منتظر غير مفهوم بالنسبة لملاذ بل إنها صارت ترى كل كلمة منهُ محاولة لجرحها وإهانتها ..
قالت لهُ محاولة إخفاء مشاعرها المجروحة :
ـ أعرف إنك إنسان مؤمن ومتديّن لكن هل المؤمنون لا يعرفون الحب ؟
أجاب منتظر مبتسماً :
ـ وهل الإيمان إلاّ الحب ؟!
ـ ماذا تعني ؟
ـ أنهُ ليس قولي بل قول الإمام الصادق (عليه السلام ) عندما سألهُ أحدهم عن موقف الإيمان من الحب فقال (عليه السلام) : ( وهل الإيمان إلاّ الحب) والحديث على وجازتهِ يدلّنا على منزلة عظيمة للحب في رأي الإمام الصادق (عليه السلام) فكأنه يريد القول بأن الإيمان هو الحب كله وأن الحب هو الإيمان كله .. ولكن علينا أن نعرف هذا الحب القدسي الذي يُفسّرالإمام به الإيمان ..
شعرت ملاذ بأن منتظر يحاول التهرب من سؤالها فعاودت السؤال ولكن بصيغة أخرى :
ـ ألم تعرف الحب طوال حياتك يا منتظر ؟
ـ بل أنا منذ صغري عرفتُ هذه الكلمة وصرتُ أعيش معها لحظةً بلحظة.
ـ وكيف .. ومن هي تلك التي بادلتها ذلك الحب ؟
ـ انظري .. ألم أقل لكِ بأنكِ تنظرين إلى الحب بأنهُ فقط ذلك الشعور الذي يربطني بالجنس الآخر !! أنتِ على خطأ يا ملاذ ... عندما أقول بأني عرفت الحب وعشته بكل أبعاده لا يعني إنهُ يجب أن تكون هناك فتاة تبادلني ذلك الحب .. أرجوكِ كوني أكثر تصوّراً لما أريد قوله .. الحب شعور جميل ، حرام علينا أن نحصرهُ بتلك الأطر المادية فقط !
هنا أحمر وجه ملاذ عندما وجدت ان منتظر صار يتكلم بجرءة وإهتمام بالغ ...
#يتبع
#الإيمان_والحب 🦋
في ظهيرة ذلك اليوم كان الأربعة في مستشفى المدينة لإجراء الفحوصات ، وبعد إجرائها لملاذ ومنتظر معاً قام الطبيب بإعطائهم مدّة أسبوع كامل وبعدهُ فقط يمكن إجراء العملية ..
رأى منتظر إن هذه فرصة أرسلها الله لهُ ليوّضح كثيراً من الأمور لملاذ قبل أن تجري العملية لكليهما .
بعد تركهم المستشفى اتجهوا نحو أحد مطاعم تلك المدينة لتناول وجبة الغداء، وما إن انتهى الجميع من تناول الطعام حتى طلب والد ملاذ من أبي منتظر أن يشاطرهُ لعب كرة القدم ورغم إن الأخير كان لا يهوى أن يقضي وقته بتلك الأمور الصبيانية إلاّ إنهُ رأى من المحرج أن يرفض دعوة صديقه ، فأتجه نحو الملعب في ذلك المطعم الضخم منصاعاً لرأي صاحبه ...
بقى كل من منتظر وملاذ جالسين وكانت ملاذ تحاول أن تبدو طبيعية لكن حركتها وهي تضرب بالشوكة على الإناء الذي أمامها جعل منتظر يشعر باضطرابها فحاول كسر ذلك الصمت المقلق بقوله :
ـ هل مازلت على رأيك يا ملاذ ؟
ـ ماذا تقصد ... لم أفهم !
ـ لقد فكرتُ في كلامك الذي قلتهِ لي صباح هذا اليوم بخصوص ..
( صمت منتظر قليلاً ثم تابع كلامه )
بخصوص مشاعركِ تجاهي فوجدتها مشاعر لا صحة لها وغير حقيقية ..
ـ لماذا تحكم على مشاعري الصادقة تجاهك بهذهِ الطريقة يا منتظر ؟
ـ صدّقيني يا عزيزتي أنا لا أنظر إلى مشاعركِ بمنظار سلبي لكن .. هلاّ قلتِ لي متى بدأت مشاعركِ تلك اتجاهي ؟
ـ منذ أول لحظة رأيتك فيها ..
أي في المرة الأولى التي جئت بها مع والدك إلى منزلنا .. لقد عشت يا منتظر وحيدة لا أعرف ما معنى الحنان ولا الحب .. أمي ماتت منذ ولادتي ! وأبي لا أراه طوال يومي إلاّ على مائدة العشاء!
لا أعرف أحداً في هذه الحياة غير أُناس مزيفين يأخذون أدواراً كاذبة في تلك الشاشة التي باتت سلوتي الوحيدة ..
كنت أكره الدراسة منذ المراحل الأولى لها وما ان فاتحت والدي بفكرة ترك المدرسة حتى وافق بدون أن ينصحني بكلمة واحدة !
نعم لقد تركت الدراسة ولي من العمر إثنا عشر سنة ومنذ ذلك الحين وإلى هذه الأيام وأنا أعيش بين أربعة جدران .. أتحدث مع نفسي وأحب أناساً مزيّفين لم ألتقهم أبداً ! وعندما رأيتك شعرت بأنني وجدت من سأبثهُ همي وحزني ومن سيُبدل أيامي إلى جنةٍ حقيقية ..
آه يا منتظر صدّقني ...
قاطعها منتظر قائلاً :
ـ اسمعي يا ملاذ .. هناك أمور كثيرة يجب أن نتناقش فيها غير لغة الحب هذه التي تتحدثين بها ... فأن الحب ليس كما تتصورين أبداً والسعادة كذلك، فالأفلام والمسلسلات التي عشتِ مع قصصها وأحداثها جعلتك تنظرين إلى الحب بأنهُ ليس إلاّ ذلك الشعور الذي يربط الفتاة بفتى أحلامها، والسعادة ليست إلاّ تلك التي تجمع الفتاة بفارس أحلامها !!
كان كلام منتظر غير مفهوم بالنسبة لملاذ بل إنها صارت ترى كل كلمة منهُ محاولة لجرحها وإهانتها ..
قالت لهُ محاولة إخفاء مشاعرها المجروحة :
ـ أعرف إنك إنسان مؤمن ومتديّن لكن هل المؤمنون لا يعرفون الحب ؟
أجاب منتظر مبتسماً :
ـ وهل الإيمان إلاّ الحب ؟!
ـ ماذا تعني ؟
ـ أنهُ ليس قولي بل قول الإمام الصادق (عليه السلام ) عندما سألهُ أحدهم عن موقف الإيمان من الحب فقال (عليه السلام) : ( وهل الإيمان إلاّ الحب) والحديث على وجازتهِ يدلّنا على منزلة عظيمة للحب في رأي الإمام الصادق (عليه السلام) فكأنه يريد القول بأن الإيمان هو الحب كله وأن الحب هو الإيمان كله .. ولكن علينا أن نعرف هذا الحب القدسي الذي يُفسّرالإمام به الإيمان ..
شعرت ملاذ بأن منتظر يحاول التهرب من سؤالها فعاودت السؤال ولكن بصيغة أخرى :
ـ ألم تعرف الحب طوال حياتك يا منتظر ؟
ـ بل أنا منذ صغري عرفتُ هذه الكلمة وصرتُ أعيش معها لحظةً بلحظة.
ـ وكيف .. ومن هي تلك التي بادلتها ذلك الحب ؟
ـ انظري .. ألم أقل لكِ بأنكِ تنظرين إلى الحب بأنهُ فقط ذلك الشعور الذي يربطني بالجنس الآخر !! أنتِ على خطأ يا ملاذ ... عندما أقول بأني عرفت الحب وعشته بكل أبعاده لا يعني إنهُ يجب أن تكون هناك فتاة تبادلني ذلك الحب .. أرجوكِ كوني أكثر تصوّراً لما أريد قوله .. الحب شعور جميل ، حرام علينا أن نحصرهُ بتلك الأطر المادية فقط !
هنا أحمر وجه ملاذ عندما وجدت ان منتظر صار يتكلم بجرءة وإهتمام بالغ ...
#يتبع
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_السابع #الايمان_والحب🌸 ويؤكد كلامي هذا هو قول الرسول (صلى الله عليه واله) : (( أحبّوا الله لما يغذوكم من نعمه ، وأحبوني لحب الله ، وأحبّوا أهل بيتي لحبي )) وقد أخرج هذا الحديث جمعٌ من أئمة الحديث ورواته من الفريقين ولو تمعّنا في هذا الحديث الشريف…
#الجزء_الثامن
#الإيمان_والحب 🦋
مضت أيام وصار موعد العملية يقترب ... وخلال هذه الفترة لاحظ والد ملاذ تغيراً كبيراً طرأ على سلوك ابنته !
فلقد صارت قليلة الجلوس أمام جهاز التلفاز كما لاحظ تغيرات أخرى كالالتزام بطريقة لبس الحجاب والجلوس فترات طويلة وحدها وكأنها تفكر في مسألةٍ مستعصية !
في الحقيقة كانت ملاذ تفكر كثيراً بكلام منتظر الذي ما إن وجد فرصة حتى صار يحدثها بحقائق كثيرة يعرف تمام المعرفة إنها جاهلةً بها .
حدَّثها طويلاً عن الحجاب ووجوب الالتزام به شرعاً ، وبأنهُ هوية المرأة ورمز لعفّتها وشرفها فبعدما كانت لا تهتم سواء ظهرت خصلتين أو ثلاثة من شعرها نراها الآن كثيرة التفحص لحجابها لئلاً تكون شعرة قد خرجت من هذه الجهة أو تلك !
كانت ملاذ تتمنى أن تُخبر منتظر عن أمرٍ لم يتكلم عنهُ طوال هذه الأيام ...
فلطالما تكلّم عن معنى الحب الحقيقي وعن معنى هذه الحياة وعن الأخلاق والحجاب ووجوب محاربة الشيطان والهوى لكنهُ إلى الآن لم يتكلم لها عن العلّة والحكمة من عبادة الله فلطالما شاهدته ملاذ وهو يصلّي ويُطيل في سجوده ويكثر من قرآئته للقران ، فكم كان يرف قلبها حينها نحو الصلاة وقراءة القران في حين أنها لم تجرب ولو لمرة واحدة أن تؤدي تلك الأعمال !
بل لم يحرضها أحد على أن تؤدي ما يؤديه منتظر الآن ..
كان الأخير يعرف إن ملاذ تجهل هذه الأمور المهمة لكنهُ كان ينتظر أن تصارحهُ هي بهذا الأمر حتى يتأكد من إنها بدأت تقترب من الله فعلاً وبأنها بدأت تنظر للحياة بنظرةٍ أخرى ، نظرةٍ ثاقبة تجعلها تُبصر الأمورعلى حقيقـتها .
وإذ لم يبقَ على موعد العملية سوى
يومين فإن ملاذ قررت أن تُخبر منتظر بما يجول في خاطرها ، وفعلاً ففي موعد صلاة المغرب حيث كان منتظر يستعد للوضوء خرجت ملاذ من غرفتها بعد أن سمعت صوت ماء الحنفية يجري ، ووقفت تنتظر أن يُكمل منتظر وضوءه ، إلتفت وهو يردد بصوتٍ خافت
(( اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك والجنة ))
وما كاد أن ينتهي من ترديد هذا الدعاء المستحب حتى لاحظ وقوف ملاذ عند باب غرفتها
فألقى التحية عليها فردّت بأحسن منها ثم قالت :
ـ في بالي أمرٌ يحيرني أريد أن أتناقش فيه معك يا منتظر .
ـ على الرحب والسعة ... لكن ألا يمكن الانتظار حتى انتهي من صلاتي ؟
أطرقت ملاذ قليلاً ثم قالت :
ـ إنهُ بخصوص الصلاة ... ولن أأخذ من وقتك الكثير .
ـ حسناً .. اسألي مابدا لكِ ...
قال منتظر هذه الجملة وهو يهم بالدخول إلى غرفة الجلوس ، وتبعتهُ ملاذ وجلست على الأريكة المقابلة للأريكة التي جلس عليها هو .. سألها قائلاً :
ـ ما هو الأمر الذي يشغلك بخصوص الصلاة ؟
ـ إنه لا يشمل الصلاة فحسب ، بل يشمل معنى العبادة على الإطلاق ..
ـ وما بها العبادة .. وأي مشكلة تواجهينها في هذه الكلمة ؟
ـ لماذا أراد الله منّا أن نَعبدهُ بالصلاة والصوم وقراءة القران وغيرها
..
ألا يكفي أن نحبه ونحب من يحبه ؟ ألا يكفي للفتاة أن تتحجب وللفتى أن يغضّ البصر ؟ ألا يكفي للأم أن تقوم بتربية أولادها تربيةً حسنة وللأب أن يأتي بالرزق الحلال لأولاده مجتنباً السرقة والغش والخداع ؟
لماذا يجب أن يلتزم الإنسان بهذه الأمور وفوق هذا أن يُصلّي ويصوم ويحج ويقرأ القران ويدفع الزكاة وغيرها ... ؟!!
ـ نعم يا ملاذ .. فهمتُ قصدك ، أنتِ تتساءلين عن الحكمة والسبب في إلزام الإنسان بالعبادات ووجوب القيام بها .. صح ؟
ـ نعم .. بالضبط .
ـ حسناً ... سوف أبدأ معكِ بدايةً سهلة إن شاء الله حيث سأعدّد لك أقسام العابدين ، فهم ثلاثة ...
القسم الأول / يعبدون الله رهبةً منهُ وخوفاً من عقابه !
والقسم الثاني / يعبدون الله طمعاً في ثوابه وهي جنّة الخلد .
والقسم الثالث / يعبدون الله ليس طمعاً ولا خوفاً و إنما حُبّاً به و اعترافاً بحقّه .
وكمثال على القسم الأخير هو مناجاة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لربّه بالقول : (( إلهي .. لم أعبدك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك ولكني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك )) .
والإمام علي (عليه السلام) يقصد هنا أنهُ حتى لو لم تكن جنة يُثيب الله بها ولا نار يعاقب الله فيها من لا يعبده ، حتى لو لم يكن هناك هذا الثواب وهذا العقاب بل وحتى لو لم يوجب الله العبادة على خلقه لكان (عليه السلام) قد عبدهُ لأنهُ أحبه وعرفه فوجدهُ أهلاً لأن يُعبد.. ولِم لا ؟ وهو المنُعم والواهب والخالق والرازق ....
وهذا بالنسبة لعلاقة الناس بربهم، أما بالنسبة لأمر الله لهم بعبادته فهوفي قوله تعالى : (( وما خلقتُ الجن والأنس إلاّ ليعبدون ))
وفي الحديث القدسي يقول تعالى : (( كنتُ كنزاً مخفياً فوددت أن أعرف فخلقتُ الخلق لكي أُعرَف )) .
#يتبع
#الإيمان_والحب 🦋
مضت أيام وصار موعد العملية يقترب ... وخلال هذه الفترة لاحظ والد ملاذ تغيراً كبيراً طرأ على سلوك ابنته !
فلقد صارت قليلة الجلوس أمام جهاز التلفاز كما لاحظ تغيرات أخرى كالالتزام بطريقة لبس الحجاب والجلوس فترات طويلة وحدها وكأنها تفكر في مسألةٍ مستعصية !
في الحقيقة كانت ملاذ تفكر كثيراً بكلام منتظر الذي ما إن وجد فرصة حتى صار يحدثها بحقائق كثيرة يعرف تمام المعرفة إنها جاهلةً بها .
حدَّثها طويلاً عن الحجاب ووجوب الالتزام به شرعاً ، وبأنهُ هوية المرأة ورمز لعفّتها وشرفها فبعدما كانت لا تهتم سواء ظهرت خصلتين أو ثلاثة من شعرها نراها الآن كثيرة التفحص لحجابها لئلاً تكون شعرة قد خرجت من هذه الجهة أو تلك !
كانت ملاذ تتمنى أن تُخبر منتظر عن أمرٍ لم يتكلم عنهُ طوال هذه الأيام ...
فلطالما تكلّم عن معنى الحب الحقيقي وعن معنى هذه الحياة وعن الأخلاق والحجاب ووجوب محاربة الشيطان والهوى لكنهُ إلى الآن لم يتكلم لها عن العلّة والحكمة من عبادة الله فلطالما شاهدته ملاذ وهو يصلّي ويُطيل في سجوده ويكثر من قرآئته للقران ، فكم كان يرف قلبها حينها نحو الصلاة وقراءة القران في حين أنها لم تجرب ولو لمرة واحدة أن تؤدي تلك الأعمال !
بل لم يحرضها أحد على أن تؤدي ما يؤديه منتظر الآن ..
كان الأخير يعرف إن ملاذ تجهل هذه الأمور المهمة لكنهُ كان ينتظر أن تصارحهُ هي بهذا الأمر حتى يتأكد من إنها بدأت تقترب من الله فعلاً وبأنها بدأت تنظر للحياة بنظرةٍ أخرى ، نظرةٍ ثاقبة تجعلها تُبصر الأمورعلى حقيقـتها .
وإذ لم يبقَ على موعد العملية سوى
يومين فإن ملاذ قررت أن تُخبر منتظر بما يجول في خاطرها ، وفعلاً ففي موعد صلاة المغرب حيث كان منتظر يستعد للوضوء خرجت ملاذ من غرفتها بعد أن سمعت صوت ماء الحنفية يجري ، ووقفت تنتظر أن يُكمل منتظر وضوءه ، إلتفت وهو يردد بصوتٍ خافت
(( اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك والجنة ))
وما كاد أن ينتهي من ترديد هذا الدعاء المستحب حتى لاحظ وقوف ملاذ عند باب غرفتها
فألقى التحية عليها فردّت بأحسن منها ثم قالت :
ـ في بالي أمرٌ يحيرني أريد أن أتناقش فيه معك يا منتظر .
ـ على الرحب والسعة ... لكن ألا يمكن الانتظار حتى انتهي من صلاتي ؟
أطرقت ملاذ قليلاً ثم قالت :
ـ إنهُ بخصوص الصلاة ... ولن أأخذ من وقتك الكثير .
ـ حسناً .. اسألي مابدا لكِ ...
قال منتظر هذه الجملة وهو يهم بالدخول إلى غرفة الجلوس ، وتبعتهُ ملاذ وجلست على الأريكة المقابلة للأريكة التي جلس عليها هو .. سألها قائلاً :
ـ ما هو الأمر الذي يشغلك بخصوص الصلاة ؟
ـ إنه لا يشمل الصلاة فحسب ، بل يشمل معنى العبادة على الإطلاق ..
ـ وما بها العبادة .. وأي مشكلة تواجهينها في هذه الكلمة ؟
ـ لماذا أراد الله منّا أن نَعبدهُ بالصلاة والصوم وقراءة القران وغيرها
..
ألا يكفي أن نحبه ونحب من يحبه ؟ ألا يكفي للفتاة أن تتحجب وللفتى أن يغضّ البصر ؟ ألا يكفي للأم أن تقوم بتربية أولادها تربيةً حسنة وللأب أن يأتي بالرزق الحلال لأولاده مجتنباً السرقة والغش والخداع ؟
لماذا يجب أن يلتزم الإنسان بهذه الأمور وفوق هذا أن يُصلّي ويصوم ويحج ويقرأ القران ويدفع الزكاة وغيرها ... ؟!!
ـ نعم يا ملاذ .. فهمتُ قصدك ، أنتِ تتساءلين عن الحكمة والسبب في إلزام الإنسان بالعبادات ووجوب القيام بها .. صح ؟
ـ نعم .. بالضبط .
ـ حسناً ... سوف أبدأ معكِ بدايةً سهلة إن شاء الله حيث سأعدّد لك أقسام العابدين ، فهم ثلاثة ...
القسم الأول / يعبدون الله رهبةً منهُ وخوفاً من عقابه !
والقسم الثاني / يعبدون الله طمعاً في ثوابه وهي جنّة الخلد .
والقسم الثالث / يعبدون الله ليس طمعاً ولا خوفاً و إنما حُبّاً به و اعترافاً بحقّه .
وكمثال على القسم الأخير هو مناجاة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لربّه بالقول : (( إلهي .. لم أعبدك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك ولكني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك )) .
والإمام علي (عليه السلام) يقصد هنا أنهُ حتى لو لم تكن جنة يُثيب الله بها ولا نار يعاقب الله فيها من لا يعبده ، حتى لو لم يكن هناك هذا الثواب وهذا العقاب بل وحتى لو لم يوجب الله العبادة على خلقه لكان (عليه السلام) قد عبدهُ لأنهُ أحبه وعرفه فوجدهُ أهلاً لأن يُعبد.. ولِم لا ؟ وهو المنُعم والواهب والخالق والرازق ....
وهذا بالنسبة لعلاقة الناس بربهم، أما بالنسبة لأمر الله لهم بعبادته فهوفي قوله تعالى : (( وما خلقتُ الجن والأنس إلاّ ليعبدون ))
وفي الحديث القدسي يقول تعالى : (( كنتُ كنزاً مخفياً فوددت أن أعرف فخلقتُ الخلق لكي أُعرَف )) .
#يتبع
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_العاشر #الايمان_والحب 🌸 نعم يا منتظر لقد أرسلك الله لي ليس لتجعلني أستمر في الحياة من خلال تبرعك لي بأحدى أعضاء جسمك بل أهم من هذا إنهُ أرسلك لي لتُفهمني معنى هذه الحياة .. لتُفهمني لماذا أوجدنا الله على هذه الأرض .. هل لنأكل ونشرب وننام ..أم لهدفٍ…
#الجزء_الحادي_عشر
#الإيمان_والحب
.
.
كانت ملاذ بين فترة وأخرى تشعر بالألم الناتج عن مرض وضعف كليتيها ، كان والدها ووالد منتظر وكذلك منتظر يحاولون تهدئتها ويؤكدون لها بأن كل هذه الآلام ستنتهي بعد أجراء العملية ..
أما اليوم فقد بدت متألمة أكثر من ذي قبل .. ألم لا يضاهيه ألم .. أنهُ
ليس وجع المرض بل إنه وجع الندم وألم الحسرة ، إنهُ يضاهي ويفوق كل الآلام .. فأوجاع الروح ليست كأوجاع الجسد أبداً .. !
في تلك الليلة التي تفصلها عن يوم العملية ساعات محدودة فقط كانت فتاتنا مستلقية على سريرها تكلّم نفسها دون أن يسمعها أحد ...
ـ آه يا ملاذ .. غداً ستكونين على سرير العمليات حيث ستكون روحك بين الأرض والسماء ! بين الموت والحياة !
وعندما تخيلت الصورة تلك أجهشت بالبكاء وبدون أن تشعر صارت تطلق صيحات متكررة وتضرب برأسها على مقدمة السرير ..
ـ ويلٌ لي ماذا سأقول لربي غداً إن انتقلت إلى جواره ؟ آه يا نفسي كم خدعتني !
شعرت ملاذ إن الموت صار يطوّق رقبتها بذراعيه ، بدأت بالصراخ والعويل وهي تقول :
ـ ارحمني يا رب .. أعفُ عني .. سامحني ! آه يا ويلي !!
دخل والدها مسرعاً إلى الغرفة بعد إن سمع صراخها ، أما منتظر ووالدهُ فكانا يقفان خارج الغرفة ينتظران معرفة سبب هذا الصراخ !
ركض والدها نحوها محاولاً تهدئتها :
ـ ملاذ .. ما بك ؟ أجيبيني بالله عليك !
رفع الغطاء عن وجهها فإذا بالدموع قد غسلت وجهها الذي لطمته حتى صار أحمر اللون !
تعجب الأب من هذا المنظر ، لم يعرف ماذا يقول !
أما هي فلقد صمتت بعد أن انتبهت إلى نفسها ، ضمّت وجهها بين طيات الوسادة محاولةً إخفاء حالتها ودموعها عن أبيها الذي حاول جاهداً معرفة الأمر لكن بدون أي نتيجة !
خرج إلى الاثنين اللذين كانا ينتظران في الخارج وقد أخجلهُ الموقف فهو عاجز عن معرفة ما يعتري ابنته .
سأله صاحبه عن الأمر فأجاب :
ـ أظن أن خوف ملاذ من نتائج العملية وخاصةً إنها اقتربت جداً منها ولا يفصلنا عنها سوى هذه الليلة هو الذي جعلها تمر بحالة من الهستريا !
تعجبَّ منتظر من هذه الطريقة التي يتكلّم بها الوالد عن ابنته !
قال بشيء من العصبية :
ـ هستريا ! ماذا تقول يا عم ! إنها حالة تصيب المؤمنين حينما يدنو منهم الموت أو عندما يخافون من دنّوه .. حالة من تأنيب الضمير والندم ..
كان منتظر يحاول في هذه الكلمات أن يُفهم أبا ملاذ بأنهُ مقصّر تجاه
ابنته ، لكن الأخير قد تجاهل الأمر ولم يُبدِ أي اهتمام لحديث منتظر !
كان الوقت يسير ببطء .. نظرت ملاذ إلى الساعة كانت تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل ، شعرت أنها بحاجة إلى أن تتكلم مع منتظر .. فالنوم قد طار من عينيها تماماً ، تساءلت :
ـ هل هو مستيقظ الآن ؟! قد يكون النوم طار من عينيه هو الآخر للتفكير بعملية يوم غد فهي لا تشكل خطراً عليَّ فقط فهو يُمثّل الطرف الآخر من العملية .
وفي الحقيقة كان منتظر قد أصابه الأرق هو الآخر ولا يشعر بأي نعاس ! كان يفكرّ بما أصاب ملاذ في أول الليل ..
سمع صوت وقع أقدام في الشقة ، خرج مسرعاً نظر إلى داخل غرفة الجلوس فلم يجد أحداً ، اتجه نحو المطبخ وجد ملاذ قد أسندت رأسها على مائدة الطعام الموضوعة في وسط المطبخ :
ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. هل أنت مستيقظ يا منتظر ؟
ـ نعم يا ملاذ .. لقد أصابني الأرق وطار النوم من عيني !
ـ وأنا كذلك .. برأيكَ لماذا ؟
ـ لقد أقلقني صراخكِ غير الطبيعي .. هذا سبب أرقي ! وأنتِ ؟
ـ أنا .. أنا ( تلكأت ملاذ بالإجابة عندما تذكرت موقفها ذاك )
ـ ما بكِ يا ملاذ .. تكلمّي ! هل يقلقك أمر العملية ؟
ـ جداً !
ـ (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )) .
ـ أنا أعرف ذلك يا منتظر .. لكن ...
ـ لكن ماذا ؟
ـ إن نتيجة العملية أما النجاح فأعيش عمراً آخر ، أو الفشل فأموت !
ـ لا تقولي هذا .. كوني متفائلة .
ـ إنني أتعذب يا منتظر ، ضميري يؤنبني ، ماذا سأقول لخالقي لو سألني عن العشرين سنة التي مضت من عمري !
فيوم أمس فقط بدأت بالصلاة ، وقبلها بأيام قليلة بدأت بالتزام الحجاب بالشكل الصحيح و ..
قاطعها منتظر قائلاً :
ـ ألم تعترفي بنفسكِ قبل أيام بأن الله أرحم الراحمين ؟ أو لم تستشعري تلك الرحمة وذلك العطف ؟ لماذا أنت خائفة إذاً يا ملاذ ؟ ثم إنك لم تقترفي تلك الذنوب طوال هذه السنوات عن قصد .. بل إنكِ كنتِ جاهلةً بعواقبها .. لأنهُ لا يوجد من يوّضح لكِ الأمور ، والآن بعد أن عرفت بها لم تقصّري في تأديتها سواء كانت هذه التوبة بالأمس القريب أو البعيد ...
#يتبع
#الإيمان_والحب
.
.
كانت ملاذ بين فترة وأخرى تشعر بالألم الناتج عن مرض وضعف كليتيها ، كان والدها ووالد منتظر وكذلك منتظر يحاولون تهدئتها ويؤكدون لها بأن كل هذه الآلام ستنتهي بعد أجراء العملية ..
أما اليوم فقد بدت متألمة أكثر من ذي قبل .. ألم لا يضاهيه ألم .. أنهُ
ليس وجع المرض بل إنه وجع الندم وألم الحسرة ، إنهُ يضاهي ويفوق كل الآلام .. فأوجاع الروح ليست كأوجاع الجسد أبداً .. !
في تلك الليلة التي تفصلها عن يوم العملية ساعات محدودة فقط كانت فتاتنا مستلقية على سريرها تكلّم نفسها دون أن يسمعها أحد ...
ـ آه يا ملاذ .. غداً ستكونين على سرير العمليات حيث ستكون روحك بين الأرض والسماء ! بين الموت والحياة !
وعندما تخيلت الصورة تلك أجهشت بالبكاء وبدون أن تشعر صارت تطلق صيحات متكررة وتضرب برأسها على مقدمة السرير ..
ـ ويلٌ لي ماذا سأقول لربي غداً إن انتقلت إلى جواره ؟ آه يا نفسي كم خدعتني !
شعرت ملاذ إن الموت صار يطوّق رقبتها بذراعيه ، بدأت بالصراخ والعويل وهي تقول :
ـ ارحمني يا رب .. أعفُ عني .. سامحني ! آه يا ويلي !!
دخل والدها مسرعاً إلى الغرفة بعد إن سمع صراخها ، أما منتظر ووالدهُ فكانا يقفان خارج الغرفة ينتظران معرفة سبب هذا الصراخ !
ركض والدها نحوها محاولاً تهدئتها :
ـ ملاذ .. ما بك ؟ أجيبيني بالله عليك !
رفع الغطاء عن وجهها فإذا بالدموع قد غسلت وجهها الذي لطمته حتى صار أحمر اللون !
تعجب الأب من هذا المنظر ، لم يعرف ماذا يقول !
أما هي فلقد صمتت بعد أن انتبهت إلى نفسها ، ضمّت وجهها بين طيات الوسادة محاولةً إخفاء حالتها ودموعها عن أبيها الذي حاول جاهداً معرفة الأمر لكن بدون أي نتيجة !
خرج إلى الاثنين اللذين كانا ينتظران في الخارج وقد أخجلهُ الموقف فهو عاجز عن معرفة ما يعتري ابنته .
سأله صاحبه عن الأمر فأجاب :
ـ أظن أن خوف ملاذ من نتائج العملية وخاصةً إنها اقتربت جداً منها ولا يفصلنا عنها سوى هذه الليلة هو الذي جعلها تمر بحالة من الهستريا !
تعجبَّ منتظر من هذه الطريقة التي يتكلّم بها الوالد عن ابنته !
قال بشيء من العصبية :
ـ هستريا ! ماذا تقول يا عم ! إنها حالة تصيب المؤمنين حينما يدنو منهم الموت أو عندما يخافون من دنّوه .. حالة من تأنيب الضمير والندم ..
كان منتظر يحاول في هذه الكلمات أن يُفهم أبا ملاذ بأنهُ مقصّر تجاه
ابنته ، لكن الأخير قد تجاهل الأمر ولم يُبدِ أي اهتمام لحديث منتظر !
كان الوقت يسير ببطء .. نظرت ملاذ إلى الساعة كانت تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل ، شعرت أنها بحاجة إلى أن تتكلم مع منتظر .. فالنوم قد طار من عينيها تماماً ، تساءلت :
ـ هل هو مستيقظ الآن ؟! قد يكون النوم طار من عينيه هو الآخر للتفكير بعملية يوم غد فهي لا تشكل خطراً عليَّ فقط فهو يُمثّل الطرف الآخر من العملية .
وفي الحقيقة كان منتظر قد أصابه الأرق هو الآخر ولا يشعر بأي نعاس ! كان يفكرّ بما أصاب ملاذ في أول الليل ..
سمع صوت وقع أقدام في الشقة ، خرج مسرعاً نظر إلى داخل غرفة الجلوس فلم يجد أحداً ، اتجه نحو المطبخ وجد ملاذ قد أسندت رأسها على مائدة الطعام الموضوعة في وسط المطبخ :
ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. هل أنت مستيقظ يا منتظر ؟
ـ نعم يا ملاذ .. لقد أصابني الأرق وطار النوم من عيني !
ـ وأنا كذلك .. برأيكَ لماذا ؟
ـ لقد أقلقني صراخكِ غير الطبيعي .. هذا سبب أرقي ! وأنتِ ؟
ـ أنا .. أنا ( تلكأت ملاذ بالإجابة عندما تذكرت موقفها ذاك )
ـ ما بكِ يا ملاذ .. تكلمّي ! هل يقلقك أمر العملية ؟
ـ جداً !
ـ (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )) .
ـ أنا أعرف ذلك يا منتظر .. لكن ...
ـ لكن ماذا ؟
ـ إن نتيجة العملية أما النجاح فأعيش عمراً آخر ، أو الفشل فأموت !
ـ لا تقولي هذا .. كوني متفائلة .
ـ إنني أتعذب يا منتظر ، ضميري يؤنبني ، ماذا سأقول لخالقي لو سألني عن العشرين سنة التي مضت من عمري !
فيوم أمس فقط بدأت بالصلاة ، وقبلها بأيام قليلة بدأت بالتزام الحجاب بالشكل الصحيح و ..
قاطعها منتظر قائلاً :
ـ ألم تعترفي بنفسكِ قبل أيام بأن الله أرحم الراحمين ؟ أو لم تستشعري تلك الرحمة وذلك العطف ؟ لماذا أنت خائفة إذاً يا ملاذ ؟ ثم إنك لم تقترفي تلك الذنوب طوال هذه السنوات عن قصد .. بل إنكِ كنتِ جاهلةً بعواقبها .. لأنهُ لا يوجد من يوّضح لكِ الأمور ، والآن بعد أن عرفت بها لم تقصّري في تأديتها سواء كانت هذه التوبة بالأمس القريب أو البعيد ...
#يتبع
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الحادي_عشر #الإيمان_والحب . . كانت ملاذ بين فترة وأخرى تشعر بالألم الناتج عن مرض وضعف كليتيها ، كان والدها ووالد منتظر وكذلك منتظر يحاولون تهدئتها ويؤكدون لها بأن كل هذه الآلام ستنتهي بعد أجراء العملية .. أما اليوم فقد بدت متألمة أكثر من ذي قبل…
#الجزء_الثاني_عشر
#الإيمان_والحب
المهم إنكِ لم تكابري ولم تُعاندي بل استغفرتِ الله واستقبلتِ هدايته ،
فأنت الآن من التائبين إن شاء الله ، فالتوبة تصح من العبد عندما يندم على فعلته ويستغفر الله منها ويعده على عدم معاودتها مرةً أخرى ، وأنتِ قمت بهذه الأمور الثلاثة ( الندم والاستغفار ومعاهدة الله ) وفوق هذا صارت دموعك لا تفارقك .. فالبكاء يا ملاذ يطهّر القلب ويقرّب من الرب .
وبعد هذا أفلا يغفر الله لكِ ؟! حاشاهُ يا عزيزتي ..
فلا تظنيّ بربكِ سوءاً إنهُ يريدنا حينما نخاف عقابه أن نرجو مغفرته في نفس الوقت لأنه (( لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ))
وأنتِ الآن قد تُبتِ إلى الله من ذنوبك ويقول الله في محكم كتابه العزيز : (( إن الله يحب التوابين )) ، وهذا يعني إنهُ سبحانه لم يغفر لكِ فحسب بل إنهُ الآن يحبك .. لأنكِ أصبحتِ من التوابين والمتطهرين فهنيئاً لكِ يا ملاذ فوزك برضا الله ومحبته .
دخل منتظر غرفة العمليات بقلبٍ ثابت وإرادة قوية .. بدأ الطبيب بإعطائه المخدّر ( البنج العام ) ثم دخل الأطباء الآخرون تلك الغرفة لأجراء عملية استئصال إحدى الكلى من جسده .
كانت ملاذ تشهد هذه الحالة حيث إنها مع والدها ووالد منتظر ينتظرون انتهاء عملية الاستئصال لتبدأ عملية الزرع ..
حيث سيتم زرع كلية منتظر المستأصلة في جسم ملاذ بدل كليتها شبه المعطلة .
قبل انتهاء العملية بفترة قليلة أُدخلت ملاذ إلى الغرفة المجاورة ليبدأ
التخدير التام لها هي الأخرى .
تم استئصال الكلية من جسم منتظر وانتهت العملية بسلام والآن جاء دور ملاذ .
#يتبع
#الإيمان_والحب
المهم إنكِ لم تكابري ولم تُعاندي بل استغفرتِ الله واستقبلتِ هدايته ،
فأنت الآن من التائبين إن شاء الله ، فالتوبة تصح من العبد عندما يندم على فعلته ويستغفر الله منها ويعده على عدم معاودتها مرةً أخرى ، وأنتِ قمت بهذه الأمور الثلاثة ( الندم والاستغفار ومعاهدة الله ) وفوق هذا صارت دموعك لا تفارقك .. فالبكاء يا ملاذ يطهّر القلب ويقرّب من الرب .
وبعد هذا أفلا يغفر الله لكِ ؟! حاشاهُ يا عزيزتي ..
فلا تظنيّ بربكِ سوءاً إنهُ يريدنا حينما نخاف عقابه أن نرجو مغفرته في نفس الوقت لأنه (( لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ))
وأنتِ الآن قد تُبتِ إلى الله من ذنوبك ويقول الله في محكم كتابه العزيز : (( إن الله يحب التوابين )) ، وهذا يعني إنهُ سبحانه لم يغفر لكِ فحسب بل إنهُ الآن يحبك .. لأنكِ أصبحتِ من التوابين والمتطهرين فهنيئاً لكِ يا ملاذ فوزك برضا الله ومحبته .
دخل منتظر غرفة العمليات بقلبٍ ثابت وإرادة قوية .. بدأ الطبيب بإعطائه المخدّر ( البنج العام ) ثم دخل الأطباء الآخرون تلك الغرفة لأجراء عملية استئصال إحدى الكلى من جسده .
كانت ملاذ تشهد هذه الحالة حيث إنها مع والدها ووالد منتظر ينتظرون انتهاء عملية الاستئصال لتبدأ عملية الزرع ..
حيث سيتم زرع كلية منتظر المستأصلة في جسم ملاذ بدل كليتها شبه المعطلة .
قبل انتهاء العملية بفترة قليلة أُدخلت ملاذ إلى الغرفة المجاورة ليبدأ
التخدير التام لها هي الأخرى .
تم استئصال الكلية من جسم منتظر وانتهت العملية بسلام والآن جاء دور ملاذ .
#يتبع
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الثالث_عشر #الايمان_والحب امتلأت الغرفة بالأطباء وقبل أن تفقد ملاذ وعيها تحت تأثير ( البنج ) كانت تردد ما علمّها إيّاه منتظر : (( إلهي إن لم أكن أهلاً لبلوغ رحمتك .. فإن رحمتك أهلٌ لبلوغي .. لأنها وسعت كل شيء )) . الوالدان في الخارج كل منهما ينتظر…
#الجزء_الرابع_عشر
#الإيمان_والحب 🦋
أخبرها والدها بما حصل لمنتظر ،
بل وأخبرها بأنه الآن بين الموت والحياة .. كانت ملاذ لا تصدّق ما تسمع .. هل سيفقد منتظر الحياة بسببها .. لا يمكن !
اتجهت نحوه وجلست بقربه وهي تنظر إليه منتظرة منهُ حركة .. ترك الرجلان الغرفة فما عادا يحتملان هذا المشهد المؤلم .
كانت ملاذ شبه منهارة ، فالأمر ليس بالهيّن ، بدأت تردد :
ـ أجلس أيها الفارس ! الموت ليس لك ..
كانت لا تفقه ما تقول ، وجّهت نظرها إلى النافذة وصارت تنظر للسماء ، شعرت بالسكينة بعض الشيء ...
ـ إلهي .. بعد أن دخلتُ حضرة حبك وطاعتك ، ليس لي الآن إلا أن اطلب منك بحق الإيمان الذي يملكه منتظر بك وبحق أوليائك الذين عشقهم منتظر لأجلك ، وبحق الحب الذي يملكه منتظر لوجهك الكريم يا الله ..اجعلهُ يعود إلى وعيه في هذه اللحظات ، فأنا محتاجة إلى أن أكلمّهُ ..أرجوك يا إلهي ، أتوسّل إليك .. أرجع منتظر إلى وعيه .
كانت متيقنة إن رحمة الله ستشملها وسيفيق منتظر ولو للحظات .. أنزلت بصرها من السماء وصارت تنظر إلى الجسد المُلقى أمامها لعلّهُ يتحرك !
آه .. إنها تسمعُ شيئاً ، نعم تسمعُ أنين ، إنه صوت منتظر ، بدأت تهمس بصوتٍ ضعيف :
ـ منتظر .. هل تسمعني ؟
فتح منتظر عينيه وابتسم كعادته ، لكنها اليوم ابتسامةٌ باهتة .. وكأنها
ابتسامة الموت !
حاولت ملاذ ان تتماسك ولا تُريهِ دموعها ، همست قائلة :
ـ منتظر ... كلمّني أيها العزيز .. قل أي شيء !
ـ الحمدُ .. لله .. على .. سلامتك .. يا .. ملاذ .
ـ أشكرك .. أشكرك يا منتظر ، كُن قوّياً أيها الغالي ، إدعُ الله يا
منتظر بأن ترجع لك صحتك .. لا تيأس أرجوك أدعوه .. فإنه يسمع دُعاء المضطرين ولن يردّك خائباً .
لاحت دمعةٌ في عينه ولما أبصرتها ملاذ صاحت :
ـ أتبكي يا منتظر ؟!
أجابها بصوتٍ متقطعٍ مخنوق وقد نزلت دموعه على خدّه :
ـ أبكي .. ومالي لا أبكي .. ولا أدري إلى ما يكون مصيري ! فما بالي لا أبكي ؟! ...
كانت هذه الكلمات التي إعتاد منتظر على ترديدها بعد صلاة الليل هي من دعاء ابي حمزة الثمالي ، ثم أكمل بصعوبة شديدة :
ـ ابكي لخروج نفسي .. أبكي لظلمة قبري .. أبكي لضيق لحدي .. أبكي لسؤال منكر ونكير إياي .. أبكي لخروجي من قبري عُرياناً ذليلاً .. حاملاً ثقلي على ظهري !
هنا ومن غير أن تشعر رمت ملاذ بنفسها نحو سريره وهي تصرخ :
ـ يا ليتني متّ ولم أر حالك هذا .
رفعت نفسها ثم نظرت فلمحت المصحف الشريف الخاص بمنتظر والذي كان دائم القراءة فيه أثناء هذه الفترة أما اليوم فالمصحف موضوع عند رأسه ولا يقوى على فتحه ..
أخذت ملاذ ذلك المصحف بيدين ترتجفان وبدأت تقرأ والدموع لا تفارق عينيها ..بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ...
صمتت وصارت تدعو الله في نفسها ..
ـ أنت الرب الكريم وأنت أرحم الراحمين ، فبرحمتك التي وسعت كل شيء أرحم عبدك منتظر يا رب ، بعد أن أعيا مرضه الأطباء فلتكن أنت طبيبهُ يا الله .
تكلّم منتظر :
ـ لماذا توقفتِ عن القراءة ؟ إقرأي أرجوكِ فأنا بأشد الحاجة إلى سماع كلمات الخالق الحبيب .
صارت ملاذ تقرأ ومنتظر يستمع ، شعر بأن تلك الكلمات صارت تنزل في صدره كالعلاج .. نعم فلقد أحس براحةٍ عجيبة ، نظر إلى النافذة حيث السماء الزرقاء ، سمع صوتاً خفياً من أعماق نفسهِ : كن قوياً يا منتظر فأن ربك سيشفيك .
لاحظت ملاذ هذا التغير .. فلقد انقطعت دموعه وصار وجهه يستعيد لونه الطبيعي وكأن الدم عاد من جديد إلى الجريان في عروقه .
قضت تلك الليلة إلى جانب سريره تقرأ القرآن وتدعو وتبتهل إلى الله بأن يشفي منتظر ويعيد إليه صحته وعافيته .
وفي الصباح جاء الطبيب وأخذتهُ الدهشة لما رأى ذلك التغيير العجيب حيث إن الدكتور سعد وباقي الأطباء قد يأسوا من حالة هذا الشاب أما اليوم فإنهُ في هيئةٍ أخرى تماماً !
كان الإرهاق والتعب باديان على وجوه الفتاة والرجلين ، حيث إنهم لم يناموا طوال الليلة الفائتة .
سأل الطبيب والده :
ـ هل ما يزال في حالة الغيبوبة ؟
ـ لا أظن ذلك يا دكتور .. فلقد استيقظ ليلة أمس أكثر من مرة وطلب طعاماً حيث قال بأنه يشعر بالجوع !
أحسّ الطبيب بالارتياح لسماع هذا الكلام ، اتجه نحو منتظر وقام ببعض الفحوصات ثم قال :
ـ الحمدُ لله .. أنهُ يستعيد عافيته وصار جسمه مستعداً لأخذ العلاج وإن استمرت حالته في التحسن هكذا فهذا يعني إنكم بعد ثلاثة أيام ستستطيعون إخراجه من المستشفى إن شاء الله .
قال الجميع وقد غمرتهم الفرحة لسماع هذا الخبر : (( الحمد لله .. الحمد لله )) .
عاد الأربعة إلى بلدتهم الصغيرة بعد أن تدخلت العناية الإلهية في حفظ منتظر من أن يخطفهُ الموت بعدما حدَث له من مضاعفات شديدة جرّاء العملية.
#الإيمان_والحب 🦋
أخبرها والدها بما حصل لمنتظر ،
بل وأخبرها بأنه الآن بين الموت والحياة .. كانت ملاذ لا تصدّق ما تسمع .. هل سيفقد منتظر الحياة بسببها .. لا يمكن !
اتجهت نحوه وجلست بقربه وهي تنظر إليه منتظرة منهُ حركة .. ترك الرجلان الغرفة فما عادا يحتملان هذا المشهد المؤلم .
كانت ملاذ شبه منهارة ، فالأمر ليس بالهيّن ، بدأت تردد :
ـ أجلس أيها الفارس ! الموت ليس لك ..
كانت لا تفقه ما تقول ، وجّهت نظرها إلى النافذة وصارت تنظر للسماء ، شعرت بالسكينة بعض الشيء ...
ـ إلهي .. بعد أن دخلتُ حضرة حبك وطاعتك ، ليس لي الآن إلا أن اطلب منك بحق الإيمان الذي يملكه منتظر بك وبحق أوليائك الذين عشقهم منتظر لأجلك ، وبحق الحب الذي يملكه منتظر لوجهك الكريم يا الله ..اجعلهُ يعود إلى وعيه في هذه اللحظات ، فأنا محتاجة إلى أن أكلمّهُ ..أرجوك يا إلهي ، أتوسّل إليك .. أرجع منتظر إلى وعيه .
كانت متيقنة إن رحمة الله ستشملها وسيفيق منتظر ولو للحظات .. أنزلت بصرها من السماء وصارت تنظر إلى الجسد المُلقى أمامها لعلّهُ يتحرك !
آه .. إنها تسمعُ شيئاً ، نعم تسمعُ أنين ، إنه صوت منتظر ، بدأت تهمس بصوتٍ ضعيف :
ـ منتظر .. هل تسمعني ؟
فتح منتظر عينيه وابتسم كعادته ، لكنها اليوم ابتسامةٌ باهتة .. وكأنها
ابتسامة الموت !
حاولت ملاذ ان تتماسك ولا تُريهِ دموعها ، همست قائلة :
ـ منتظر ... كلمّني أيها العزيز .. قل أي شيء !
ـ الحمدُ .. لله .. على .. سلامتك .. يا .. ملاذ .
ـ أشكرك .. أشكرك يا منتظر ، كُن قوّياً أيها الغالي ، إدعُ الله يا
منتظر بأن ترجع لك صحتك .. لا تيأس أرجوك أدعوه .. فإنه يسمع دُعاء المضطرين ولن يردّك خائباً .
لاحت دمعةٌ في عينه ولما أبصرتها ملاذ صاحت :
ـ أتبكي يا منتظر ؟!
أجابها بصوتٍ متقطعٍ مخنوق وقد نزلت دموعه على خدّه :
ـ أبكي .. ومالي لا أبكي .. ولا أدري إلى ما يكون مصيري ! فما بالي لا أبكي ؟! ...
كانت هذه الكلمات التي إعتاد منتظر على ترديدها بعد صلاة الليل هي من دعاء ابي حمزة الثمالي ، ثم أكمل بصعوبة شديدة :
ـ ابكي لخروج نفسي .. أبكي لظلمة قبري .. أبكي لضيق لحدي .. أبكي لسؤال منكر ونكير إياي .. أبكي لخروجي من قبري عُرياناً ذليلاً .. حاملاً ثقلي على ظهري !
هنا ومن غير أن تشعر رمت ملاذ بنفسها نحو سريره وهي تصرخ :
ـ يا ليتني متّ ولم أر حالك هذا .
رفعت نفسها ثم نظرت فلمحت المصحف الشريف الخاص بمنتظر والذي كان دائم القراءة فيه أثناء هذه الفترة أما اليوم فالمصحف موضوع عند رأسه ولا يقوى على فتحه ..
أخذت ملاذ ذلك المصحف بيدين ترتجفان وبدأت تقرأ والدموع لا تفارق عينيها ..بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ...
صمتت وصارت تدعو الله في نفسها ..
ـ أنت الرب الكريم وأنت أرحم الراحمين ، فبرحمتك التي وسعت كل شيء أرحم عبدك منتظر يا رب ، بعد أن أعيا مرضه الأطباء فلتكن أنت طبيبهُ يا الله .
تكلّم منتظر :
ـ لماذا توقفتِ عن القراءة ؟ إقرأي أرجوكِ فأنا بأشد الحاجة إلى سماع كلمات الخالق الحبيب .
صارت ملاذ تقرأ ومنتظر يستمع ، شعر بأن تلك الكلمات صارت تنزل في صدره كالعلاج .. نعم فلقد أحس براحةٍ عجيبة ، نظر إلى النافذة حيث السماء الزرقاء ، سمع صوتاً خفياً من أعماق نفسهِ : كن قوياً يا منتظر فأن ربك سيشفيك .
لاحظت ملاذ هذا التغير .. فلقد انقطعت دموعه وصار وجهه يستعيد لونه الطبيعي وكأن الدم عاد من جديد إلى الجريان في عروقه .
قضت تلك الليلة إلى جانب سريره تقرأ القرآن وتدعو وتبتهل إلى الله بأن يشفي منتظر ويعيد إليه صحته وعافيته .
وفي الصباح جاء الطبيب وأخذتهُ الدهشة لما رأى ذلك التغيير العجيب حيث إن الدكتور سعد وباقي الأطباء قد يأسوا من حالة هذا الشاب أما اليوم فإنهُ في هيئةٍ أخرى تماماً !
كان الإرهاق والتعب باديان على وجوه الفتاة والرجلين ، حيث إنهم لم يناموا طوال الليلة الفائتة .
سأل الطبيب والده :
ـ هل ما يزال في حالة الغيبوبة ؟
ـ لا أظن ذلك يا دكتور .. فلقد استيقظ ليلة أمس أكثر من مرة وطلب طعاماً حيث قال بأنه يشعر بالجوع !
أحسّ الطبيب بالارتياح لسماع هذا الكلام ، اتجه نحو منتظر وقام ببعض الفحوصات ثم قال :
ـ الحمدُ لله .. أنهُ يستعيد عافيته وصار جسمه مستعداً لأخذ العلاج وإن استمرت حالته في التحسن هكذا فهذا يعني إنكم بعد ثلاثة أيام ستستطيعون إخراجه من المستشفى إن شاء الله .
قال الجميع وقد غمرتهم الفرحة لسماع هذا الخبر : (( الحمد لله .. الحمد لله )) .
عاد الأربعة إلى بلدتهم الصغيرة بعد أن تدخلت العناية الإلهية في حفظ منتظر من أن يخطفهُ الموت بعدما حدَث له من مضاعفات شديدة جرّاء العملية.
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الرابع_عشر #الإيمان_والحب 🦋 أخبرها والدها بما حصل لمنتظر ، بل وأخبرها بأنه الآن بين الموت والحياة .. كانت ملاذ لا تصدّق ما تسمع .. هل سيفقد منتظر الحياة بسببها .. لا يمكن ! اتجهت نحوه وجلست بقربه وهي تنظر إليه منتظرة منهُ حركة .. ترك الرجلان الغرفة…
#الجزء_الخامس_عشر
#الإيمان_والحب 🦋
بدأ والد ملاذ يلاحظ التغيير الكبير الذي طرأ على سلوك ابنته بعد تلك السفرة ، لقد هجرت التلفاز نهائياً وصارت تأوي إلى الفراش مبكرةً جداً وهي ملتزمة بكافة واجباتها الدينية التي علمها إياها منتظر ..
وفي إحدى الأمسيات قالت ملاذ لوالدها :
ـ أوليس من الواجب يا أبي أن نقوم بزيارة عائلة العم أبو منتظر ونرّد إليهم الجميل ؟ إن الذي فعلوه معنا لا يمكن أن يُعدُّ فضله ورغم ذلك فأنا لا أراك تتصل بالعم أبي منتظر أو تحاول أن تسأل عنه وعن أخباره ، أما هو فدائم الاتصال والسؤال عن أحوالنا !
نظرَ إليها والدها بعد أن أكملت حديثها قائلاً :
ـ ألا ترين إنك لا تتحدثين إلاّ عنهم يا ملاذ ؟ حتى إنكِ نسيتِ أن لكِ
أباً يجب أن تبادليه حنانكِ ومشاعركِ فمنذ يوم العملية إلى اليوم لم أسمع منكِ غير الحديث عن أفضال عائلة أبي منتظر وإحسانهم إلينا !
كان والد ملاذ يتحدث بعصبية واستياء جعل ملاذ تستغرب الأمر ، فلقد رأت والدها قد ضخّم الموضوع كثيراً وأعطاه أكبر من حجمه ! والحقيقة إن حامد صار يشعر إن ابنته لم تعد ابنته بل إنها صارت تنتمي لعائلة أبي منتظر !
هذا ما كان يراود الوالد بخصوص تصرفات ومشاعر ابنته التي تغيّرت كثيراً وفي كل تصرف كانت تقوم به كان يشعر بأنها تريد أن تقول له (( إنك لم تحسن تربيتي .. ومنتظر هو الذي ربّاني )) !!
في الحقيقة إن ملاذ لم تكن تقصد أي شيء مما كان يفكر بهِ والدها لكن الأخير قد ملأت وساوس الشيطان رأسه فصار يشعر بالغيرة والاستياء من تلك العائلة التي سرقت مشاعر ابنته !
لاذت ملاذ بالصمت ولم تتحدث بشيء بعد أن رفض والدها اقتراحها ذلك .
بعد أيام قلائل عزمت عائلة أبي منتظر على زيارة بيت أبي ملاذ وخاصةً إن أم منتظر كانت شديدة الشوق لرؤية ملاذ بعد أن سمعت من زوجها وولدها عن ما فعلته تلك الفتاة لإنقاذ حياة منتظر .
أتصل والد منتظر بصاحبه واتفق معه على موعد الزيارة .. وفي الوقت المحدد وصلت العائلة إلى منزل أبي ملاذ حيث استقبلهم الأخير استقبالاً لا بأس به.
كان منتظر يتوقع أن تقوم ملاذ بفتح الباب لهم كما حدث في أول مرة زار فيها منزلهم لكن لم يكن لملاذ أي اثر هذه المرة !
مرّت عشر دقائق تقريباً على حضور الضيوف ..
سألت أم منتظر :
ـ أين فتاتنا ملاذ ؟ أنا متشوقة لرؤيتها ..
أجاب أبو ملاذ :
ـ نعم .. حالاً سأناديها ، ملاذ .. ملاذ ..
دخلت الفتاة وألقت السلام ، وقد بدت مرتبكة بعض الشيء !
رد الجميع التحية وكانت أم منتظر في حالة دهشة .. فكم هو الفرق بين حجاب ملاذ في أول مرة رأتها فيها وبين حجابها وسترها الآن !
إنها ترتدي الحجاب الكامل ولم يظهر منها إلاّ قرص الوجه والكفين .. تبدو كملاكٍ بحيائها وسترها وأدبها .
أما منتظر فصار يقارن ـ والفرحة تغمره ـ بين طريقة كلامها وضحكتها في تلك الزيارة وبين ما تبدو عليه اليوم من رزانة وهدوء ووقار .
جلست ملاذ بقرب والدة منتظر وصارتا تتحدثان عن أمور الحياة ، حاول منتظر المشاركة في الحديث بعد أن إنتهز فرصة انشغال الرجلين بالحديث عن آخر الأخبار السياسية وأمور أخرى ، فوجّه كلامه إلى ملاذ قائلاً :
ـ وكيف حالكِ الآن مع الوضع الجديد ؟ وهل تعانين من مشكلةٍ ؟
ـ لا .. أبداً يا منتظر ، الحمدُ لله فكل شيء على مايرام ، والسعادة التي حدثتني عنها سابقاً صرتُ استشعر طعمهاً الآن .. لكن ..
ـ لكن ماذا ؟ تكلمي يا ملاذ ..
ـ مازلتُ أشعر إن هناك وقت فراغ يجب أن استغله ، فالحقيقة إنني ما تركتُ الصلاة منذ أن حدّثتني عنها ... وصرتُ أقضي ما فاتني منها في السنوات الماضية ، أما القرآن فيومياً أقرأ جزأين منهُ تقريباً ، والتلفاز هجرتهُ تماماً ...
لكني لا أستطيع أن أقضي كل وقتي بالصلاة وقراءة القرآن فهذا صعبٌ عليَّ !
ـ ليس عليك فقط ، بل إنهُ صعبٌ على الجميع يا ملاذ ... وحتى رسول الله (صلى الله عليه واله) عندما صار يُرهق نفسه بقيام الليل والنهار معاً في الصلاة وعبادة الله حتى تورمت قدماه عاتبه الله بالقول : ((طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى! )) ، فإن قضاء الوقت كله بالصلاة والتعبّد هو أمرٌ صعب يرهق الجسد والقلب معاً لذا قال الإمام علي (عليه السلام) : ( إن القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فتخيروا لها طرائف الحكمة )
ـ وماذا قصد (عليه السلام) بـ ( طرائف الحكمة ) ؟
ـ الطريف هو الجديد ، ذلك إن لكل جديد لذّة ونكهة خاصة ويُعتبر الأسلوب الجديد محركاً على إدامة العمل بنشاط أكبر ، أما الأسلوب الرتيب والقديم ربما يجر إلى النفس السُأم والملل والنفور .
فعندما أرشدنا علي (عليه السلام) في أن نختار لقلوبنا طرائف الحكمة فقصد بذلك أن نختار لها كل جديد حتى لا تمل ولا تتعب .
ـ لقد حاولت يا منتظر أن أضع جدولاً يقسّم وقتي بين أعمال المنزل وبين العبادة .
ـ بل يجب أن يكون هناك وقت خاص للترويح عن النفس حتى لا تملّي العمل ولا العبادة ..
#الإيمان_والحب 🦋
بدأ والد ملاذ يلاحظ التغيير الكبير الذي طرأ على سلوك ابنته بعد تلك السفرة ، لقد هجرت التلفاز نهائياً وصارت تأوي إلى الفراش مبكرةً جداً وهي ملتزمة بكافة واجباتها الدينية التي علمها إياها منتظر ..
وفي إحدى الأمسيات قالت ملاذ لوالدها :
ـ أوليس من الواجب يا أبي أن نقوم بزيارة عائلة العم أبو منتظر ونرّد إليهم الجميل ؟ إن الذي فعلوه معنا لا يمكن أن يُعدُّ فضله ورغم ذلك فأنا لا أراك تتصل بالعم أبي منتظر أو تحاول أن تسأل عنه وعن أخباره ، أما هو فدائم الاتصال والسؤال عن أحوالنا !
نظرَ إليها والدها بعد أن أكملت حديثها قائلاً :
ـ ألا ترين إنك لا تتحدثين إلاّ عنهم يا ملاذ ؟ حتى إنكِ نسيتِ أن لكِ
أباً يجب أن تبادليه حنانكِ ومشاعركِ فمنذ يوم العملية إلى اليوم لم أسمع منكِ غير الحديث عن أفضال عائلة أبي منتظر وإحسانهم إلينا !
كان والد ملاذ يتحدث بعصبية واستياء جعل ملاذ تستغرب الأمر ، فلقد رأت والدها قد ضخّم الموضوع كثيراً وأعطاه أكبر من حجمه ! والحقيقة إن حامد صار يشعر إن ابنته لم تعد ابنته بل إنها صارت تنتمي لعائلة أبي منتظر !
هذا ما كان يراود الوالد بخصوص تصرفات ومشاعر ابنته التي تغيّرت كثيراً وفي كل تصرف كانت تقوم به كان يشعر بأنها تريد أن تقول له (( إنك لم تحسن تربيتي .. ومنتظر هو الذي ربّاني )) !!
في الحقيقة إن ملاذ لم تكن تقصد أي شيء مما كان يفكر بهِ والدها لكن الأخير قد ملأت وساوس الشيطان رأسه فصار يشعر بالغيرة والاستياء من تلك العائلة التي سرقت مشاعر ابنته !
لاذت ملاذ بالصمت ولم تتحدث بشيء بعد أن رفض والدها اقتراحها ذلك .
بعد أيام قلائل عزمت عائلة أبي منتظر على زيارة بيت أبي ملاذ وخاصةً إن أم منتظر كانت شديدة الشوق لرؤية ملاذ بعد أن سمعت من زوجها وولدها عن ما فعلته تلك الفتاة لإنقاذ حياة منتظر .
أتصل والد منتظر بصاحبه واتفق معه على موعد الزيارة .. وفي الوقت المحدد وصلت العائلة إلى منزل أبي ملاذ حيث استقبلهم الأخير استقبالاً لا بأس به.
كان منتظر يتوقع أن تقوم ملاذ بفتح الباب لهم كما حدث في أول مرة زار فيها منزلهم لكن لم يكن لملاذ أي اثر هذه المرة !
مرّت عشر دقائق تقريباً على حضور الضيوف ..
سألت أم منتظر :
ـ أين فتاتنا ملاذ ؟ أنا متشوقة لرؤيتها ..
أجاب أبو ملاذ :
ـ نعم .. حالاً سأناديها ، ملاذ .. ملاذ ..
دخلت الفتاة وألقت السلام ، وقد بدت مرتبكة بعض الشيء !
رد الجميع التحية وكانت أم منتظر في حالة دهشة .. فكم هو الفرق بين حجاب ملاذ في أول مرة رأتها فيها وبين حجابها وسترها الآن !
إنها ترتدي الحجاب الكامل ولم يظهر منها إلاّ قرص الوجه والكفين .. تبدو كملاكٍ بحيائها وسترها وأدبها .
أما منتظر فصار يقارن ـ والفرحة تغمره ـ بين طريقة كلامها وضحكتها في تلك الزيارة وبين ما تبدو عليه اليوم من رزانة وهدوء ووقار .
جلست ملاذ بقرب والدة منتظر وصارتا تتحدثان عن أمور الحياة ، حاول منتظر المشاركة في الحديث بعد أن إنتهز فرصة انشغال الرجلين بالحديث عن آخر الأخبار السياسية وأمور أخرى ، فوجّه كلامه إلى ملاذ قائلاً :
ـ وكيف حالكِ الآن مع الوضع الجديد ؟ وهل تعانين من مشكلةٍ ؟
ـ لا .. أبداً يا منتظر ، الحمدُ لله فكل شيء على مايرام ، والسعادة التي حدثتني عنها سابقاً صرتُ استشعر طعمهاً الآن .. لكن ..
ـ لكن ماذا ؟ تكلمي يا ملاذ ..
ـ مازلتُ أشعر إن هناك وقت فراغ يجب أن استغله ، فالحقيقة إنني ما تركتُ الصلاة منذ أن حدّثتني عنها ... وصرتُ أقضي ما فاتني منها في السنوات الماضية ، أما القرآن فيومياً أقرأ جزأين منهُ تقريباً ، والتلفاز هجرتهُ تماماً ...
لكني لا أستطيع أن أقضي كل وقتي بالصلاة وقراءة القرآن فهذا صعبٌ عليَّ !
ـ ليس عليك فقط ، بل إنهُ صعبٌ على الجميع يا ملاذ ... وحتى رسول الله (صلى الله عليه واله) عندما صار يُرهق نفسه بقيام الليل والنهار معاً في الصلاة وعبادة الله حتى تورمت قدماه عاتبه الله بالقول : ((طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى! )) ، فإن قضاء الوقت كله بالصلاة والتعبّد هو أمرٌ صعب يرهق الجسد والقلب معاً لذا قال الإمام علي (عليه السلام) : ( إن القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فتخيروا لها طرائف الحكمة )
ـ وماذا قصد (عليه السلام) بـ ( طرائف الحكمة ) ؟
ـ الطريف هو الجديد ، ذلك إن لكل جديد لذّة ونكهة خاصة ويُعتبر الأسلوب الجديد محركاً على إدامة العمل بنشاط أكبر ، أما الأسلوب الرتيب والقديم ربما يجر إلى النفس السُأم والملل والنفور .
فعندما أرشدنا علي (عليه السلام) في أن نختار لقلوبنا طرائف الحكمة فقصد بذلك أن نختار لها كل جديد حتى لا تمل ولا تتعب .
ـ لقد حاولت يا منتظر أن أضع جدولاً يقسّم وقتي بين أعمال المنزل وبين العبادة .
ـ بل يجب أن يكون هناك وقت خاص للترويح عن النفس حتى لا تملّي العمل ولا العبادة ..
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الخامس_عشر #الإيمان_والحب 🦋 بدأ والد ملاذ يلاحظ التغيير الكبير الذي طرأ على سلوك ابنته بعد تلك السفرة ، لقد هجرت التلفاز نهائياً وصارت تأوي إلى الفراش مبكرةً جداً وهي ملتزمة بكافة واجباتها الدينية التي علمها إياها منتظر .. وفي إحدى الأمسيات قالت…
#الجزء_السادس_عشر
#الإيمان_والحب 🦋
.
.
إذا أستمر حالك هكذا ولفترة طويلة من الزمن لا يوجد غير العمل والعبادة فإن جسدك سيتعب وقلبك سيمُل ، وقد يسوء الأمر فيقل العمل وتقل العبادة بدل أن تزداد !
ـ وكيف يمكن الترويح عن النفس ؟
ـ نعم يا عزيزتي هذا سؤال مهم .. فطبعاً لا يمكن الترويح عن أنفسنا بأمور محرمة ، فمن شرائط الترويح أن يكون خالياً من المفاسد والمضار والباطل والحرمة ..
وكذلك يجب أن يخلو الترويح من الإسراف والاستغراق الذي يستهلك الوقت بأجمعه !
وبالنسبة لحالتك فإنك تستطيعين الترويح عن نفسك بجميع أنواع الترويح المشروعة ...
ـ ماذا تقصد بأنواع الترويح المشروعة ؟ لم أفهم !
ـ للترويح أربعة أنواع تقريباً ( الفكري والفني والجسدي والسياحي ) كما صنّفهُ علماء النفس ..
أما الفكري فيتم من خلال استغلال الوقت بتغذية الفكر بالمطالعة والقراءة واكتساب المعلومات ، وخاصة إنك يا ملاذ قد تركتِ المدرسة في سن مبكر ، يعني انك بحاجة للاطلاع والقراءة لتكوني فتاة مثقفة مُلمّة بأفكار عصرها وعارفة بأمور العلم والدين معاً ...
بل وحتى الذين وصلوا إلى درجة مرموقة في العلم والمعرفة سواء المعرفة الأكاديمية أو الدينية فسيبقون بحاجة إلى اكتساب أكثر ومعرفة أكبر ، وكما قال الشاعر :
قل للذي يدّعي في العلم معرفةٍ عرفت شيئاً وغابت عنك أشياءُ !
والترويح الفكري لا يقتصر على قراءة الكتب بل هناك المجلات المنوعة والمفيدة والصحف اليومية وكذلك البرامج الثقافية التي نشاهدها عبر الفضائيات كالمسابقات الثقافية والدينية ،
فالتديّن يا ملاذ لا يعني أن نهجر التلفاز نهائياً بل أنهُ سلاح ذو حدين نستطيع الاستفادة منهُ أشدّ الاستفادة لو استطعنا التحكم الصحيح فيما نشاهده عبر هذه الشاشة ، فهناك بالإضافة إلى البرامج أخبار وتقارير تجعلنا مواكبين لآخر الأحداث في هذا العالم وكذلك الاكتشافات والتطورات في تيار العلم الحديث ،
وهناك أيضاً قنوات ملتزمة تحاول بث أكبر عدد من المحاضرات الدينية والتوعوية لخطباء المنبر ـ جزاهم الله خيراً ـ نستطيع أن ننهل منهم كثيراً من الحكم والمواعظ والقصص النافعة و الطريفة في الوقت نفسه .
أما الترويح الفني فمن خلال ممارستك لأنواع الفن كفن الطبخ أو فن الخياطة والتطريز وكذلك فن الرسم والكتابة وغيرها ..
أما الترويح الجسدي فيكون عن طريق ممارسة الرياضة كل صباح أو بعد فترة القيلولة ـ أي بعد الظهيرة ـ فهي تزيد من النشاط والحيوية وتساعدنا في كسب طاقة إضافية تساعدنا على أعمالنا .
وأخيراً الترويح السياحي بأن تطلبي من والدك اصطحابك بين فترة وأخرى لزيارة العتبات المقدسة أو الأماكن ذات الطبيعة الخلابة أو زيارة الأقارب والأرحام فكل هذه الأمور تساعد في كسر الروتين اليومي وتزيد من الطاقة والنشاط وتقتل أوقات الفراغ بما هو نافع ومفيد .
قالت والدة منتظر محاولة إسناد رأي ولدها :
ـ كم جميل يا ملاذ أن تطلبي من والدك إحضارك إلينا كلّما شعرت بالوحدة والفراغ ؟
أظهرت ملاذ سرورها لهذا الاقتراح وارتياحها الشديد لكنها وما أن قفزت إلى بالها عصبية والدها واستياؤه من الفكرة حتى اعتذرت بالقول :
ـ لا أظن إنهُ بإمكاني زيارتكم يا خالتي ، فوالدي مشغول جداً ولن يستطيع إحضاري إليكم كلما أردت !
قال لها منتظر :
ـ سأرسل إليك بعض الكتب مع والدتي إن جاءت لزيارتك في المرة القادمة لتقرأيها في أوقات فراغك وأرجو أن تكون نافعة ومفيدة لك .. كذلك سأرسل معها أشرطة مسجلة لأحدث المحاضرات إن شاء الله .
شكرتهُ ملاذ كثيراً وكانت فرحتها كبيرة لما سيقدمهُ منتظر من خدمة جليلة لها في حصولها على تلك الوسائل التي ستزيد من معارفها وعلومها وستساعدها كثيراً في إشغال وقت الفراغ بأمور نافعة تُدنيها أكثر من الخالق جل وعلا.
عادت العائلة إلى منزلها بعد تلك الأُمسية ، وكانت أم منتظر مرتاحة جداً لتلك الزيارة وتكلّمت مع نفسها بخصوص إمكانية خطبة تلك الفتاة لأبنها منتظر !
مضت ثلاثة أشهر تقريباً على زيارة الحاج كريم وعائلته لبيت حامد ..
ولقد بدا خلال هذه الفترة أمر غريب على منتظر !
صارَ فتانا شارد الذهن ، فكرهُ كثير الهروب ، وكلما حاول أن يبحث عنه وجدهُ عند ملاذ !
ما الأمر ؟ صار منتظر يسأل نفسه كثيراً .. هل من المعقول بأنني قد وقعتُ في حبائل الشيطان ؟!
فرغم هذه الشهور التي مرت على تلك الزيارة إلاّ إن منتظر ما يزال يتذكر ملامحها وكلماتها وتصرفاتها ... بل والأكثر من هذا إن صورتها متعلقة في ذهنه ولا يستطيع أن يمحوها مهما حاول !
ولكن أي صورة هي التي تعلقت في ذهنه ؟ أهي صورة تلك الفتاة التي رآها لأول مرة واستهجن واستحقر حالتها وما كانت عليه حينها ؟ أم هي صورة الفتاة التي رآها بعد عودتهم من السفر وزيارته مع عائلته لها في منزلها وهي بذلك الأدب وبتلك العفّة والحياء ؟
طبعاً إنها الصورة الأخيرة بعد ذلك التغيير الكبير .. تلك الصورة التي لا تريد أن تفارقه أبداً !
#الإيمان_والحب 🦋
.
.
إذا أستمر حالك هكذا ولفترة طويلة من الزمن لا يوجد غير العمل والعبادة فإن جسدك سيتعب وقلبك سيمُل ، وقد يسوء الأمر فيقل العمل وتقل العبادة بدل أن تزداد !
ـ وكيف يمكن الترويح عن النفس ؟
ـ نعم يا عزيزتي هذا سؤال مهم .. فطبعاً لا يمكن الترويح عن أنفسنا بأمور محرمة ، فمن شرائط الترويح أن يكون خالياً من المفاسد والمضار والباطل والحرمة ..
وكذلك يجب أن يخلو الترويح من الإسراف والاستغراق الذي يستهلك الوقت بأجمعه !
وبالنسبة لحالتك فإنك تستطيعين الترويح عن نفسك بجميع أنواع الترويح المشروعة ...
ـ ماذا تقصد بأنواع الترويح المشروعة ؟ لم أفهم !
ـ للترويح أربعة أنواع تقريباً ( الفكري والفني والجسدي والسياحي ) كما صنّفهُ علماء النفس ..
أما الفكري فيتم من خلال استغلال الوقت بتغذية الفكر بالمطالعة والقراءة واكتساب المعلومات ، وخاصة إنك يا ملاذ قد تركتِ المدرسة في سن مبكر ، يعني انك بحاجة للاطلاع والقراءة لتكوني فتاة مثقفة مُلمّة بأفكار عصرها وعارفة بأمور العلم والدين معاً ...
بل وحتى الذين وصلوا إلى درجة مرموقة في العلم والمعرفة سواء المعرفة الأكاديمية أو الدينية فسيبقون بحاجة إلى اكتساب أكثر ومعرفة أكبر ، وكما قال الشاعر :
قل للذي يدّعي في العلم معرفةٍ عرفت شيئاً وغابت عنك أشياءُ !
والترويح الفكري لا يقتصر على قراءة الكتب بل هناك المجلات المنوعة والمفيدة والصحف اليومية وكذلك البرامج الثقافية التي نشاهدها عبر الفضائيات كالمسابقات الثقافية والدينية ،
فالتديّن يا ملاذ لا يعني أن نهجر التلفاز نهائياً بل أنهُ سلاح ذو حدين نستطيع الاستفادة منهُ أشدّ الاستفادة لو استطعنا التحكم الصحيح فيما نشاهده عبر هذه الشاشة ، فهناك بالإضافة إلى البرامج أخبار وتقارير تجعلنا مواكبين لآخر الأحداث في هذا العالم وكذلك الاكتشافات والتطورات في تيار العلم الحديث ،
وهناك أيضاً قنوات ملتزمة تحاول بث أكبر عدد من المحاضرات الدينية والتوعوية لخطباء المنبر ـ جزاهم الله خيراً ـ نستطيع أن ننهل منهم كثيراً من الحكم والمواعظ والقصص النافعة و الطريفة في الوقت نفسه .
أما الترويح الفني فمن خلال ممارستك لأنواع الفن كفن الطبخ أو فن الخياطة والتطريز وكذلك فن الرسم والكتابة وغيرها ..
أما الترويح الجسدي فيكون عن طريق ممارسة الرياضة كل صباح أو بعد فترة القيلولة ـ أي بعد الظهيرة ـ فهي تزيد من النشاط والحيوية وتساعدنا في كسب طاقة إضافية تساعدنا على أعمالنا .
وأخيراً الترويح السياحي بأن تطلبي من والدك اصطحابك بين فترة وأخرى لزيارة العتبات المقدسة أو الأماكن ذات الطبيعة الخلابة أو زيارة الأقارب والأرحام فكل هذه الأمور تساعد في كسر الروتين اليومي وتزيد من الطاقة والنشاط وتقتل أوقات الفراغ بما هو نافع ومفيد .
قالت والدة منتظر محاولة إسناد رأي ولدها :
ـ كم جميل يا ملاذ أن تطلبي من والدك إحضارك إلينا كلّما شعرت بالوحدة والفراغ ؟
أظهرت ملاذ سرورها لهذا الاقتراح وارتياحها الشديد لكنها وما أن قفزت إلى بالها عصبية والدها واستياؤه من الفكرة حتى اعتذرت بالقول :
ـ لا أظن إنهُ بإمكاني زيارتكم يا خالتي ، فوالدي مشغول جداً ولن يستطيع إحضاري إليكم كلما أردت !
قال لها منتظر :
ـ سأرسل إليك بعض الكتب مع والدتي إن جاءت لزيارتك في المرة القادمة لتقرأيها في أوقات فراغك وأرجو أن تكون نافعة ومفيدة لك .. كذلك سأرسل معها أشرطة مسجلة لأحدث المحاضرات إن شاء الله .
شكرتهُ ملاذ كثيراً وكانت فرحتها كبيرة لما سيقدمهُ منتظر من خدمة جليلة لها في حصولها على تلك الوسائل التي ستزيد من معارفها وعلومها وستساعدها كثيراً في إشغال وقت الفراغ بأمور نافعة تُدنيها أكثر من الخالق جل وعلا.
عادت العائلة إلى منزلها بعد تلك الأُمسية ، وكانت أم منتظر مرتاحة جداً لتلك الزيارة وتكلّمت مع نفسها بخصوص إمكانية خطبة تلك الفتاة لأبنها منتظر !
مضت ثلاثة أشهر تقريباً على زيارة الحاج كريم وعائلته لبيت حامد ..
ولقد بدا خلال هذه الفترة أمر غريب على منتظر !
صارَ فتانا شارد الذهن ، فكرهُ كثير الهروب ، وكلما حاول أن يبحث عنه وجدهُ عند ملاذ !
ما الأمر ؟ صار منتظر يسأل نفسه كثيراً .. هل من المعقول بأنني قد وقعتُ في حبائل الشيطان ؟!
فرغم هذه الشهور التي مرت على تلك الزيارة إلاّ إن منتظر ما يزال يتذكر ملامحها وكلماتها وتصرفاتها ... بل والأكثر من هذا إن صورتها متعلقة في ذهنه ولا يستطيع أن يمحوها مهما حاول !
ولكن أي صورة هي التي تعلقت في ذهنه ؟ أهي صورة تلك الفتاة التي رآها لأول مرة واستهجن واستحقر حالتها وما كانت عليه حينها ؟ أم هي صورة الفتاة التي رآها بعد عودتهم من السفر وزيارته مع عائلته لها في منزلها وهي بذلك الأدب وبتلك العفّة والحياء ؟
طبعاً إنها الصورة الأخيرة بعد ذلك التغيير الكبير .. تلك الصورة التي لا تريد أن تفارقه أبداً !
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_السادس_عشر #الإيمان_والحب 🦋 . . إذا أستمر حالك هكذا ولفترة طويلة من الزمن لا يوجد غير العمل والعبادة فإن جسدك سيتعب وقلبك سيمُل ، وقد يسوء الأمر فيقل العمل وتقل العبادة بدل أن تزداد ! ـ وكيف يمكن الترويح عن النفس ؟ ـ نعم يا عزيزتي هذا سؤال مهم…
#الجزء_السابع_عشر
#الإيمان_والحب 🦋
استمر الهاتف بالرنين وأخيراً سمع صوت يحدّثه .. إنه ليس صوت ملاذ ،
بل وليس صوت والدها ! من يكون يا ترى ؟
إنهُ صوت ( الضمير ) : منتظر ... ما الذي تفعلهُ ؟ هل فعلاً استجبت لنداء الشيطان ؟ كيف تصدّق بأن ما تفعله الآن ليس بحرام ! أنت تعرف جيداً إنك لا تريد من هذه المكالمة إلا سماع صوتها لتشعر بالراحة ولِتُطفئ نار الشوق التي اشتعلت في قلبك ! إنك تتبع نداء قلبك يا منتظر وما نداء القلب إلا ( الهوى ) فأرجع إلى وعيك وتذكر قوله تعالى : (( وأما من خاف مقام ربهِ ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )) .
أعاد منتظر سماعة الهاتف بيدين مرتجفتين ، رجع مسرعاً إلى غرفته ، أغلق الباب خلفه وجلس على الأرض ، أسند ظهره على الباب خوفاً من أن يفتحها أحد!
وضع رأسهُ على ركبتيه وصار يبكي وهو يلعن نفسه مرة ويخاطب الله مرةٌ أخرى :
ـ يا ويلي ... كيف تجرأت عليك يا ربي ؟ كيف خالفت أمرك واتبعتُ هوى نفسي .. كيف كيف ؟؟
كان هذا الموقف من أصعب وأحرج المواقف التي مرت به طوال حياته بل حتى أصعب من ذلك الموقف الذي جمعه بملاذ في تلك السيارة !
لأول مرة ينصاع بسرعة لأمر النفس والشيطان ، لقد إتحدا ضدّه ولولا وجود ضميره الذي أنقذهُ في آخر لحظة لكان قد وقع في شباك الشيطان ...
فكيف يكلمّها سراً بدون علم أحد ! وماذا سيقول لها ونفسهُ هائجةٌ بذلك الشوق الملتهب !
ستكون كل كلمة منه مصدرها العاطفة والهوى ، تذكر قوله تعالى
(( ولا تواعدوهنّ سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً )) فأي قولٍ معروف يمكن أن يقوله لها وهو في هذه الحالة من الاضطراب والتوتر العاطفي !
مسح دموعه ، قام وقد استعاد عقله ، توضأ واتجه ليصلي صلاة المغرب بعدها فتح القرآن وصار يقرأ ودموعه تجري حياءاً من الله جرّاء ما كان سيُقدم عليه من معصية !
وبعد أن أكمل قراءة عدّة صفحات من القرآن اتجه نحو الصحيفة السجادية زبورآل محمد (عليه السلام) وبدأ يقرأ مناجاة الخائفين ..
(( إلهي أتراك بعد الإيمان بك تُعذبني ؟ أم بعد حبي إياك تُبعدني ؟ أم مع رجائي لرحمتك وصفحك تحرمني ؟ أم مع استجارتي بعفوك تُسلمني ؟ حاشا لوجهك الكريم أن تخيبني ...ليت شعري ألِلشقاء ولدتني أُمي ؟ أم للعناءِ ربتني ؟ فليتها لم تلدني ولم تُربّني !! ))
هنا صار بكاؤه شديداً ، خاف أن يُفتضح أمره بين أفراد عائلته ، أغلق الصحيفة فما عاد باستطاعته إكمال المناجاة ...
اتجه إلى فراشه ، ظلَ يردد كلمات الاستغفار والتوبة حتى استسلم للنوم ..
استيقظ منتظر في إحدى الصباحات على صوت المُنشد وقد علا صوت الموشحات آلة التسجيل وهي تصدح في أرجاء البيت !
خرج من غرفته فإذا بالزينة والبالونات تملأ أركان المنزل ! ما الذي يحدث ؟ اتجه نحو غرفة الجلوس حيث تجتمع العائلة ألقى السلام ووجّه كلامه إلى والدته :
ـ خيراً إن شاء الله يا أم منتظر !
قامت أمهُ وقبّلتهُ وهي تقول :
- كل عام وأنت بخير يا حبيبي .
ـ وأنتِ بألف خير يا أماه .. لكن هل اليوم عيد وأنا لا أعرف !
قام أصغر أخوته من مكانه وهو يقول :
-اليوم عيد ميلادك يا منتظر !
ـ عيد ميلادي ! آه نعم .. لكن هل مازلتِ تتذكرين يا أمي ؟ لقد كبرت على هذه الأشياء !
ـ أنتَ في نظرنا ، أنا ووالدك ، مازلت ذلك الولد المدلل .
ـ أشكرك أيتها الغالية .
اقتربت والدته منه أكثر ووضعت شيئاً في يديه وقبّلته ثانيةً ، كما قام
جميع أخوته بعمل نفس الشيء ، باركوا لأخيهم الأكبر وقدّموا لهُ الهدايا .
إنهُ مع اليوم يُكمل ثلاثة وعشرين عاماً وسيدخل يوم غد في السنة الرابعة والعشرين من عمره .
دخل منتظر غرفته وبدأ بفتح الهدايا ، كانت كلّها جميلة ولكن هناك هدية مميزة جداً جعلت قلبهُ يدقُّ سريعاً !
إنها هدية الأم .. كانت كتاباً عن الزواج المبكر في نظر الإسلام .. في الحقيقة كانت أم منتظر تشعر بأحاسيس ورغبات ابنها ، حالها حال أي أم على وجه هذه الأرض .
كانت تتمنى أن يتكلم معها ويصارحها برغبته في الزواج من ملاذ والتي هي رغبتها أيضاً بأن يرتبط ولدها الأكبر بهذه الفتاة المتميزة .
ولأنهُ إنسان مؤمن كان يغلب عليه الحياء كلما أراد أن يُصارح والدتهُ ! إذ كان دائماً يحاول إخفاء مشاعره.. بادرت هي بفتح هذا الموضوع من خلال هذا الكتاب الذي يشجع الشاب المؤمن على الزواج مبكراً كي لا يبقى رهين الوساوس والأحلام السيئة !
كان منتظر إلى هذه اللحظة لم يفكر بأمر خطبة ملاذ أو أي شيء من هذا القبيل ... كان كل همهُ أن يحارب الشيطان والهوى ! أما الآن فلقد علّمتهُ أمه درساً لن ينساه طوال حياته وهو إن الإسلام دين سماحة ورحمة ولا يرضى للشاب المسلم أن يكبت رغباته المشروعة ، بل فتح لهُ طريقاً مهماً وجميلاً ألا وهو طريق ( الزواج ) من خلالهُ يُغلق كل الأبواب أمام إبليس اللعين وزمرتهُ الخبيثة !
ورغم كل هذا تراجع منتظر عن هذه الفكرة ـ على الأقل حالياً ـ قال في نفسه :
#الإيمان_والحب 🦋
استمر الهاتف بالرنين وأخيراً سمع صوت يحدّثه .. إنه ليس صوت ملاذ ،
بل وليس صوت والدها ! من يكون يا ترى ؟
إنهُ صوت ( الضمير ) : منتظر ... ما الذي تفعلهُ ؟ هل فعلاً استجبت لنداء الشيطان ؟ كيف تصدّق بأن ما تفعله الآن ليس بحرام ! أنت تعرف جيداً إنك لا تريد من هذه المكالمة إلا سماع صوتها لتشعر بالراحة ولِتُطفئ نار الشوق التي اشتعلت في قلبك ! إنك تتبع نداء قلبك يا منتظر وما نداء القلب إلا ( الهوى ) فأرجع إلى وعيك وتذكر قوله تعالى : (( وأما من خاف مقام ربهِ ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )) .
أعاد منتظر سماعة الهاتف بيدين مرتجفتين ، رجع مسرعاً إلى غرفته ، أغلق الباب خلفه وجلس على الأرض ، أسند ظهره على الباب خوفاً من أن يفتحها أحد!
وضع رأسهُ على ركبتيه وصار يبكي وهو يلعن نفسه مرة ويخاطب الله مرةٌ أخرى :
ـ يا ويلي ... كيف تجرأت عليك يا ربي ؟ كيف خالفت أمرك واتبعتُ هوى نفسي .. كيف كيف ؟؟
كان هذا الموقف من أصعب وأحرج المواقف التي مرت به طوال حياته بل حتى أصعب من ذلك الموقف الذي جمعه بملاذ في تلك السيارة !
لأول مرة ينصاع بسرعة لأمر النفس والشيطان ، لقد إتحدا ضدّه ولولا وجود ضميره الذي أنقذهُ في آخر لحظة لكان قد وقع في شباك الشيطان ...
فكيف يكلمّها سراً بدون علم أحد ! وماذا سيقول لها ونفسهُ هائجةٌ بذلك الشوق الملتهب !
ستكون كل كلمة منه مصدرها العاطفة والهوى ، تذكر قوله تعالى
(( ولا تواعدوهنّ سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً )) فأي قولٍ معروف يمكن أن يقوله لها وهو في هذه الحالة من الاضطراب والتوتر العاطفي !
مسح دموعه ، قام وقد استعاد عقله ، توضأ واتجه ليصلي صلاة المغرب بعدها فتح القرآن وصار يقرأ ودموعه تجري حياءاً من الله جرّاء ما كان سيُقدم عليه من معصية !
وبعد أن أكمل قراءة عدّة صفحات من القرآن اتجه نحو الصحيفة السجادية زبورآل محمد (عليه السلام) وبدأ يقرأ مناجاة الخائفين ..
(( إلهي أتراك بعد الإيمان بك تُعذبني ؟ أم بعد حبي إياك تُبعدني ؟ أم مع رجائي لرحمتك وصفحك تحرمني ؟ أم مع استجارتي بعفوك تُسلمني ؟ حاشا لوجهك الكريم أن تخيبني ...ليت شعري ألِلشقاء ولدتني أُمي ؟ أم للعناءِ ربتني ؟ فليتها لم تلدني ولم تُربّني !! ))
هنا صار بكاؤه شديداً ، خاف أن يُفتضح أمره بين أفراد عائلته ، أغلق الصحيفة فما عاد باستطاعته إكمال المناجاة ...
اتجه إلى فراشه ، ظلَ يردد كلمات الاستغفار والتوبة حتى استسلم للنوم ..
استيقظ منتظر في إحدى الصباحات على صوت المُنشد وقد علا صوت الموشحات آلة التسجيل وهي تصدح في أرجاء البيت !
خرج من غرفته فإذا بالزينة والبالونات تملأ أركان المنزل ! ما الذي يحدث ؟ اتجه نحو غرفة الجلوس حيث تجتمع العائلة ألقى السلام ووجّه كلامه إلى والدته :
ـ خيراً إن شاء الله يا أم منتظر !
قامت أمهُ وقبّلتهُ وهي تقول :
- كل عام وأنت بخير يا حبيبي .
ـ وأنتِ بألف خير يا أماه .. لكن هل اليوم عيد وأنا لا أعرف !
قام أصغر أخوته من مكانه وهو يقول :
-اليوم عيد ميلادك يا منتظر !
ـ عيد ميلادي ! آه نعم .. لكن هل مازلتِ تتذكرين يا أمي ؟ لقد كبرت على هذه الأشياء !
ـ أنتَ في نظرنا ، أنا ووالدك ، مازلت ذلك الولد المدلل .
ـ أشكرك أيتها الغالية .
اقتربت والدته منه أكثر ووضعت شيئاً في يديه وقبّلته ثانيةً ، كما قام
جميع أخوته بعمل نفس الشيء ، باركوا لأخيهم الأكبر وقدّموا لهُ الهدايا .
إنهُ مع اليوم يُكمل ثلاثة وعشرين عاماً وسيدخل يوم غد في السنة الرابعة والعشرين من عمره .
دخل منتظر غرفته وبدأ بفتح الهدايا ، كانت كلّها جميلة ولكن هناك هدية مميزة جداً جعلت قلبهُ يدقُّ سريعاً !
إنها هدية الأم .. كانت كتاباً عن الزواج المبكر في نظر الإسلام .. في الحقيقة كانت أم منتظر تشعر بأحاسيس ورغبات ابنها ، حالها حال أي أم على وجه هذه الأرض .
كانت تتمنى أن يتكلم معها ويصارحها برغبته في الزواج من ملاذ والتي هي رغبتها أيضاً بأن يرتبط ولدها الأكبر بهذه الفتاة المتميزة .
ولأنهُ إنسان مؤمن كان يغلب عليه الحياء كلما أراد أن يُصارح والدتهُ ! إذ كان دائماً يحاول إخفاء مشاعره.. بادرت هي بفتح هذا الموضوع من خلال هذا الكتاب الذي يشجع الشاب المؤمن على الزواج مبكراً كي لا يبقى رهين الوساوس والأحلام السيئة !
كان منتظر إلى هذه اللحظة لم يفكر بأمر خطبة ملاذ أو أي شيء من هذا القبيل ... كان كل همهُ أن يحارب الشيطان والهوى ! أما الآن فلقد علّمتهُ أمه درساً لن ينساه طوال حياته وهو إن الإسلام دين سماحة ورحمة ولا يرضى للشاب المسلم أن يكبت رغباته المشروعة ، بل فتح لهُ طريقاً مهماً وجميلاً ألا وهو طريق ( الزواج ) من خلالهُ يُغلق كل الأبواب أمام إبليس اللعين وزمرتهُ الخبيثة !
ورغم كل هذا تراجع منتظر عن هذه الفكرة ـ على الأقل حالياً ـ قال في نفسه :
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
ـ الظاهر من هذه الهدية إن أمي تريدني أن أتزوج رغم إنني تخرجتُ توّاً من الجامعة ولا يوجد لديّ عمل محدّد وثابت أستطيع من خلاله أن أكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال ! لا .. لا يمكن أن أتزوج الآن أو حتى أن أخطب ، فكل خطوة تحتاج آلاف الدنانير ! وفي المساء بدأ أخوته…
#الجزء_الثامن_عشر
#الإيمان_والحب 🦋
دخلت فوجدتهُ مستلقياً على فراشه ، فزع عندما رآها وبدا عليه التوتر ! ابتسمت والدته ثم قالت بعد أن جلست بقربهِ على السرير :
ـ ما بك يا فتى ؟ هل تستحِ من أمك ؟!
ـ لا .. لا طبعاً يا أماه ، لكن ..
ـ لكن ماذا يا ولدي ؟ هل تظن بأن أمك ستتركك هكذا في حيرتك ! لقد كبرت يا بُني وصرتَ رجلاً يُعتمد عليه وأبوك وأمك يتمنان أن يرياك عريساً قبل وفاتهما !
ـ لا تقولي هذا يا أمي أرجوكِ .. فمازلتما في شبابكما .
ـ اسمع يا بُني ( بدون لف ودوران ) أنت يجب أن تتزوج !
ـ ماذا ؟ يجب !
وقبل أن يكمل قاطعته قائلة :
ـ لا تحبّذ الشريعة أن يبقى الشاب بعمرك بلا زواج .. ومن أفضل المستحبات أن يتزوج الشاب مبكراً ، حتى لا يقع في المحرمات لا سمح الله .
ـ لكن يا أماه .. أنا ولله الحمد لا تهمني هذه الأمور !
ـ يا منتظر .. الزواج أمر مهم ومهم جداً لذلك وصفهُ الرسول (صلى الله عليه وآله) بأنه ( نصف الدين ) وخاصةً للمؤمنين فهو يقيهم من زلاّت وعثرات كثيرة ، ألم تسمع بتلك الرواية عن حال إبليس كيف أنه يضج ويقول حين يتزوج الفتى : ( يا ويله ، عصم مني دينه ) يعني إنك بزواجك سوف تعصم دينك من شر ذلك المخلوق عليه اللعنة ،
والزواج ليس عيباً يا ولدي حتى تستحِ منه ، إنهُ سُنّة الحياة بل سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي قال : (( النكاح سُنتي فمن رغب عن سُنّتي فليس مني )) .
ـ نعم يا أمي أنا أعرف هذا ... لكني لا أملك من حطام الدنيا شيئاً !
ـ ها أنت تقول إنهُ (حُطام الدنيا) إذاً لماذا تحمل لهُ كل هذا الهم ؟
ـ أنا لا أهتم للمال يا أماه لكن من هي التي سأتقدم لها وترضى أن تعيش معي وحالي هكذا ؟
ـ بنات الحلال كثيرات يا منتظر ... إسمع يا بُني إقرأ هذا الكتاب الذي أهديتهُ لك وستجد فيه الكثير الكثير مما هو خافٍ عنك ، وبعدها إن غيّرت رأيك أخبرني حتى أُهيّئ نفسي لأذهب وأخطب لك وإن كانت هناك فتاة خاصة في بالك فأخبرني بها وستجدني رهن الإشارة !
شعر منتظر ببعض الراحة عند كلام والدته معه لكن مخاوفه مازالت هيَ ذاتها !
فكّر قائلاً :
ـ حسناً سأقرأ الكتاب ، عسى أن يكون خيراً لي .
قضى منتظر ليلتهُ تلك بالقراءة المتأنية في ذلك الكتاب .. ومما لفت نظرهُ فيه كثرة الأحاديث والروايات الواردة عن الرسول وآله الكرام في تشجيع الشباب على الزواج وأكثر الأحاديث تأثيراً في نفسه كان قول للرسول (صلى الله عليه وآله) وهو : (( ما بُني بناء في الإسلام أحبُّ إلى الله عز وجل من التزويج )).
كما أنه تأثر كثيراً بقول الإمام الصادق (عليه السلام) : (( إن ركعتين يُصليهما رجل متزوج ، أفضل من رجل يقوم ليله ونهارهُ أعزب )) .
أما الحديث الذي ما أن قرأهُ حتى غيّر رأيه في الحال وتمنى الزواج اليوم قبل غد هو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (( شراركم عُزّابكم ، وأراذل موتاكم عزّابكم )) فالعزاب ـ أي غير المتزوجين ـ
يذمهم الرسول في حياتهم بل حتى بعد مماتهم !
فالموتى ( غير المتزوجين ) في حياتهم هم أرذل الأموات على حد تعبير رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌّ يوحى .
كما حرّكت مشاعره الآية القرآنية التي تقول :
(( ومن آياتهِ أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ... لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة ، إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون ))..
وبعدها تذكر كلام والدته عن إن عصمة دينه تكون بالزواج ، وكيف إنها ستقف معه حال إتخاذ قراره بخطبة أي فتاة يريدها .
هنا أغلق الكتاب عندما وصل تفكيره إلى ملاذ ! خرج من الغرفة توضأ وعاد لأداء صلاة الليل بعد أن نام الجميع .
وفي صباح اليوم التالي جاء والده إليه ، ألقى التحية وسأله قائلاً :
ـ هل اتخذت قرارك يا بُني أم مازلت مُصِرّاً على رأيك ؟
كان منتظر ووالدهُ بمثابةِ الصديقين ، لذلك سارع صاحبنا بالإجابة :
ـ نعم يا أبي .. لقد فكرت واتخذت القرار !
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ سأتزوج بأذن الله وعن قريب إن أراد الله ذلك .
ـ أحسنت يا منتظر .
ـ لكن يا أبي ... !
ـ ماذا ؟ تكلم يا ولد .. لا تتردد .
ـ أخشى أن يكلفنا هذا الأمر مصاريف كثيرة ترهق كاهلنا !
ـ هل لك ثقة بالله يا منتظر ؟
ـ ونِعمَ بالله .
ـ إذاً توكّل عليه يا بُني وتذكر قول الإمام الصادق (عليه السلام) : (من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله ، حيث يقول الله عز وجل : (( وإن يكونوا فقراء يُغنهم الله من فضله )) ،
ثم إنك شاب مؤمن ومُتّقي الله ومطيع لأمره لذلك لا يمكن أن يتركك الله بدون مساعدة فلقد قال في محكم كتابه : (( ومن يتّقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقهُ من حيث لا يحتسب)) ، والآن هل هناك فتاة مُعينة تريدنا أن نخطبها لك ؟
وبدون أي تردد قال منتظر :
ـ نعم .. إنها ملاذ !
ضحك الأب ثم قال :
ـ سبحان الله ، أنت وأمك متشابهان حتى في الاختيار !
ـ هل صحيح يا أبتي إنها اختارت ملاذ أيضاً ؟
#الإيمان_والحب 🦋
دخلت فوجدتهُ مستلقياً على فراشه ، فزع عندما رآها وبدا عليه التوتر ! ابتسمت والدته ثم قالت بعد أن جلست بقربهِ على السرير :
ـ ما بك يا فتى ؟ هل تستحِ من أمك ؟!
ـ لا .. لا طبعاً يا أماه ، لكن ..
ـ لكن ماذا يا ولدي ؟ هل تظن بأن أمك ستتركك هكذا في حيرتك ! لقد كبرت يا بُني وصرتَ رجلاً يُعتمد عليه وأبوك وأمك يتمنان أن يرياك عريساً قبل وفاتهما !
ـ لا تقولي هذا يا أمي أرجوكِ .. فمازلتما في شبابكما .
ـ اسمع يا بُني ( بدون لف ودوران ) أنت يجب أن تتزوج !
ـ ماذا ؟ يجب !
وقبل أن يكمل قاطعته قائلة :
ـ لا تحبّذ الشريعة أن يبقى الشاب بعمرك بلا زواج .. ومن أفضل المستحبات أن يتزوج الشاب مبكراً ، حتى لا يقع في المحرمات لا سمح الله .
ـ لكن يا أماه .. أنا ولله الحمد لا تهمني هذه الأمور !
ـ يا منتظر .. الزواج أمر مهم ومهم جداً لذلك وصفهُ الرسول (صلى الله عليه وآله) بأنه ( نصف الدين ) وخاصةً للمؤمنين فهو يقيهم من زلاّت وعثرات كثيرة ، ألم تسمع بتلك الرواية عن حال إبليس كيف أنه يضج ويقول حين يتزوج الفتى : ( يا ويله ، عصم مني دينه ) يعني إنك بزواجك سوف تعصم دينك من شر ذلك المخلوق عليه اللعنة ،
والزواج ليس عيباً يا ولدي حتى تستحِ منه ، إنهُ سُنّة الحياة بل سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي قال : (( النكاح سُنتي فمن رغب عن سُنّتي فليس مني )) .
ـ نعم يا أمي أنا أعرف هذا ... لكني لا أملك من حطام الدنيا شيئاً !
ـ ها أنت تقول إنهُ (حُطام الدنيا) إذاً لماذا تحمل لهُ كل هذا الهم ؟
ـ أنا لا أهتم للمال يا أماه لكن من هي التي سأتقدم لها وترضى أن تعيش معي وحالي هكذا ؟
ـ بنات الحلال كثيرات يا منتظر ... إسمع يا بُني إقرأ هذا الكتاب الذي أهديتهُ لك وستجد فيه الكثير الكثير مما هو خافٍ عنك ، وبعدها إن غيّرت رأيك أخبرني حتى أُهيّئ نفسي لأذهب وأخطب لك وإن كانت هناك فتاة خاصة في بالك فأخبرني بها وستجدني رهن الإشارة !
شعر منتظر ببعض الراحة عند كلام والدته معه لكن مخاوفه مازالت هيَ ذاتها !
فكّر قائلاً :
ـ حسناً سأقرأ الكتاب ، عسى أن يكون خيراً لي .
قضى منتظر ليلتهُ تلك بالقراءة المتأنية في ذلك الكتاب .. ومما لفت نظرهُ فيه كثرة الأحاديث والروايات الواردة عن الرسول وآله الكرام في تشجيع الشباب على الزواج وأكثر الأحاديث تأثيراً في نفسه كان قول للرسول (صلى الله عليه وآله) وهو : (( ما بُني بناء في الإسلام أحبُّ إلى الله عز وجل من التزويج )).
كما أنه تأثر كثيراً بقول الإمام الصادق (عليه السلام) : (( إن ركعتين يُصليهما رجل متزوج ، أفضل من رجل يقوم ليله ونهارهُ أعزب )) .
أما الحديث الذي ما أن قرأهُ حتى غيّر رأيه في الحال وتمنى الزواج اليوم قبل غد هو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (( شراركم عُزّابكم ، وأراذل موتاكم عزّابكم )) فالعزاب ـ أي غير المتزوجين ـ
يذمهم الرسول في حياتهم بل حتى بعد مماتهم !
فالموتى ( غير المتزوجين ) في حياتهم هم أرذل الأموات على حد تعبير رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌّ يوحى .
كما حرّكت مشاعره الآية القرآنية التي تقول :
(( ومن آياتهِ أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ... لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة ، إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون ))..
وبعدها تذكر كلام والدته عن إن عصمة دينه تكون بالزواج ، وكيف إنها ستقف معه حال إتخاذ قراره بخطبة أي فتاة يريدها .
هنا أغلق الكتاب عندما وصل تفكيره إلى ملاذ ! خرج من الغرفة توضأ وعاد لأداء صلاة الليل بعد أن نام الجميع .
وفي صباح اليوم التالي جاء والده إليه ، ألقى التحية وسأله قائلاً :
ـ هل اتخذت قرارك يا بُني أم مازلت مُصِرّاً على رأيك ؟
كان منتظر ووالدهُ بمثابةِ الصديقين ، لذلك سارع صاحبنا بالإجابة :
ـ نعم يا أبي .. لقد فكرت واتخذت القرار !
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ سأتزوج بأذن الله وعن قريب إن أراد الله ذلك .
ـ أحسنت يا منتظر .
ـ لكن يا أبي ... !
ـ ماذا ؟ تكلم يا ولد .. لا تتردد .
ـ أخشى أن يكلفنا هذا الأمر مصاريف كثيرة ترهق كاهلنا !
ـ هل لك ثقة بالله يا منتظر ؟
ـ ونِعمَ بالله .
ـ إذاً توكّل عليه يا بُني وتذكر قول الإمام الصادق (عليه السلام) : (من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله ، حيث يقول الله عز وجل : (( وإن يكونوا فقراء يُغنهم الله من فضله )) ،
ثم إنك شاب مؤمن ومُتّقي الله ومطيع لأمره لذلك لا يمكن أن يتركك الله بدون مساعدة فلقد قال في محكم كتابه : (( ومن يتّقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقهُ من حيث لا يحتسب)) ، والآن هل هناك فتاة مُعينة تريدنا أن نخطبها لك ؟
وبدون أي تردد قال منتظر :
ـ نعم .. إنها ملاذ !
ضحك الأب ثم قال :
ـ سبحان الله ، أنت وأمك متشابهان حتى في الاختيار !
ـ هل صحيح يا أبتي إنها اختارت ملاذ أيضاً ؟
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الثامن_عشر #الإيمان_والحب 🦋 دخلت فوجدتهُ مستلقياً على فراشه ، فزع عندما رآها وبدا عليه التوتر ! ابتسمت والدته ثم قالت بعد أن جلست بقربهِ على السرير : ـ ما بك يا فتى ؟ هل تستحِ من أمك ؟! ـ لا .. لا طبعاً يا أماه ، لكن .. ـ لكن ماذا يا ولدي ؟ هل…
#الجزء_التاسع_عشر
#الإيمان_والحب 🦋
وفي اليوم التالي من رؤية أم منتظر لملاذ قام زوجها بزيارة صاحبهِ في منزله وهناك دار بينهما هذا الحديث :
ـ أنت تعرف يا صاحبي قدرك في قلبي ..
ـ أشكرك يا كريم .
ـ الشكر لله يا أبا ملاذ ، وكُلّي أمل اليوم أن أأخذ موافقتك على أمرٍ ما .
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ أتشرف أنا وابني وكل عائلتي أن يحصل القرب بيننا أكثر من خلال طلب يد ابنتك ملاذ لأبني منتظر .
صمت حامد وقد أحمرّت عيناه من الغيظ ، لم يتحمل هذا الكلام قام واقفاً على قدميه محاولاً إنهاء الحديث .. مدَّ يدهُ إلى صاحبه قائلاً :
ـ سأفكر بالموضوع !
تفاجأ أبو منتظر من هذا التصرف الغريب فقام ومدَّ يدهُ هو الآخر قائلاً بألم :
ـ المدّة مفتوحة أمامك ، إن كنت تريد السؤال عنّا وعن أخلاقنا وسُمعتنا يمكنك ذلك إلى أن تحصل الموافقة إن شاء الله أنا أنتظر الرد ، في أمان الله .
شعر أبو ملاذ بالخجل من سوء تصرفه .. لكن لماذا هو يفعل ذلك ؟ لماذا يُجازي هذه العائلة بهذا الجزاء السيء !؟ ألم يقفوا معهُ في تلك الأيام الصعبة ؟ ألم ينقذوا حياة ابنته الوحيدة ؟ إذاً لماذا يُسيء التصرف معهم هكذا في حين إنهم يريدون التقرب منه ليس إلاّ !
أسئلة كثيرة كان صوت الضمير يطرحها على حامد ولكن يأتي صوت الشيطان ليقول له : إنهم يريدون اختطاف ابنتك الوحيدة .. إنهم أداروا دماغها وغسلوه وجعلوها تُشعرك بعدم تربيتها تربيةً صحيحة وبأنك مقصر معها ! إنهم ...إنهم ... إنهم
صاح وقد وضع يدهُ على رأسه :
ـ لن أسمح لهم بذلك أبداً ! ليس لدي غيرها ، ليتهم لم يساعدوني ، ليتهم جعلوها تموت قبل أن أراها تبيعني هكذا ... ! كيف سأفارقها ؟ كيف سيكون البيت من دونها ... كيف ..كيف ؟؟
كان والدها يشعر بأنها ملكهُ وحدهُ ولا يمكن أن تكون لرجلٍ آخر .. لقد ربّاها وكان سعيه كلّه لأجلها .. اشترى لها أجمل الملابس وأجلسها أمام أحدث الأجهزة وأرقاها ، فلم تضجر يوماً أو تلومه أو تعتب عليه ، أما الآن فلقد تركت كل شيء .. تركت الملابس الفاخرة والأجهزة المتنوعة ، تركت تلك الحياة وصارت تعيش حياةً أخرى .. بسببهم هم ! وسيجعلونها تتركهُ هو الآخر! يا للفاجعة .. يا للهول ! ظل الشيطان يوسوس له طوال تلك الليلة ، كان أبو ملاذ ناسياً أن الروح تحتاج إلى غذاء كما أن الجسد يحتاج إلى غذاء ..
لقد نسى أن يُغذّي روح فتاته ويُربّي نفسها .. كان يظن أنهُ بتغذيتها
أحسن الغذاء وبترفيهها بتلك الأدوات الحديثة وبلبسها أفضل وأرقى الملابس فأنهُ ربّاها ! لم يعرف إن التربية هي تربية النفس والروح لا تربية الأعضاء والجسد.
وفي الصباح كان حامد قد قرر أن لا يذهب إلى العمل لهذا اليوم لأنه يشعر بالتعب والإرهاق .. سألته ملاذ عن السبب فلم يُكلمها وأدار بوجههِ عنها .
إتجه نحو التلفاز وشغّل ذلك الجهاز وجلس يستمع لـ ( أغاني الصباح ) !
تعجبت ملاذ من تصرفهِ هذا فهو لا يعرف من ذلك الجهاز غير ( نشرة الأخبار ) !!
تركتهُ وذهبت إلى غرفتها ، لكن صوت الغناء بدأ يرتفع شيئاً فشيئاً ، شعرت بشعور غريب ! إنها قشعريرة تسري في جميع بدنها ! لقد تركت سماع الأغاني منذ شهور منذ أبلغها منتظر بأنها ( حرام ) وهي اليوم ولأول مرة بعد تلك الفترة تطرق مسامعها تلك الكلمات الشيطانية .. أحست بأنها تريد التقيء !
تساءلت مع نفسها : هل من المعقول إنني صرتُ أكره سماع الأغاني إلى هذه الدرجة ؟ أنا التي لم يكن شيء يُلهيني عنها ، أغدو اليوم كارهةً لها !!
صارت تحمدُ الله على هذه النعمة ، وهي تتذكر ما كان يقوله منتظر لها بهذا الخصوص : إنك ستكرهين الغناء يا ملاذ عندما تمنعين نفسك عن الاستماع إليها لفترةٍ ما ، لأن النفس كالطفل الصغير عندما تعودّينها على شيء ستعتاد عليه وستنقاد لكِ ولو بعد جهادٍ طويل ! وكما يقول الشاعر :
النفس كالطفل ِ إن تتركه شبّ على حبِّ الرضاع وان تفطمه ينفطمُ !
وها هي نفسها اليوم تنقاد لإرادتها القوية وقد صارت تكره سماع تلك الكلمات .. إنها نعمة عظيمة .
لم تتحمل ملاذ سماع صوت ذلك المطرب رغم إنهُ كان المفضّل لديها !
فتحت باب غرفتها واتجهت حيث يجلس والدها ، حاولت التكلم معه لكن ما من فائدة .. اتجهت نحو التلفاز فخفضت صوته ثم قالت له :
ـ استميحك عذراً يا أبتي .. لكني أريد أن أكلمك وهذهِ الأغاني تجعلك لا تسمع صوتي ..
ـ ما الذي تريدينه أيتها الفتاة الوقِحة ؟!
ـ أبي أرجوك فقط أسمعني لحظات .. إن هناك فرق كبير بين الدار التي تسكنها الملائكة والدار التي ترتادها الشياطين!
فلقد جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) : ((إن الدار التي يُسمع فيها الغناء لا يُستجاب فيها الدعاء ولا تدخلُها الملائكة )) .
بعد هذه الكلمات التي كانت تخرج من قلبها الصادق قام والدها من مكانه بحركةٍ سريعة مدَّ يدهُ ليضربها ..
كانت صفعة قوية جعلتها تسقط أرضاً ثم قام بركلها بقدمه ، وهو يصرخ
#الإيمان_والحب 🦋
وفي اليوم التالي من رؤية أم منتظر لملاذ قام زوجها بزيارة صاحبهِ في منزله وهناك دار بينهما هذا الحديث :
ـ أنت تعرف يا صاحبي قدرك في قلبي ..
ـ أشكرك يا كريم .
ـ الشكر لله يا أبا ملاذ ، وكُلّي أمل اليوم أن أأخذ موافقتك على أمرٍ ما .
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ أتشرف أنا وابني وكل عائلتي أن يحصل القرب بيننا أكثر من خلال طلب يد ابنتك ملاذ لأبني منتظر .
صمت حامد وقد أحمرّت عيناه من الغيظ ، لم يتحمل هذا الكلام قام واقفاً على قدميه محاولاً إنهاء الحديث .. مدَّ يدهُ إلى صاحبه قائلاً :
ـ سأفكر بالموضوع !
تفاجأ أبو منتظر من هذا التصرف الغريب فقام ومدَّ يدهُ هو الآخر قائلاً بألم :
ـ المدّة مفتوحة أمامك ، إن كنت تريد السؤال عنّا وعن أخلاقنا وسُمعتنا يمكنك ذلك إلى أن تحصل الموافقة إن شاء الله أنا أنتظر الرد ، في أمان الله .
شعر أبو ملاذ بالخجل من سوء تصرفه .. لكن لماذا هو يفعل ذلك ؟ لماذا يُجازي هذه العائلة بهذا الجزاء السيء !؟ ألم يقفوا معهُ في تلك الأيام الصعبة ؟ ألم ينقذوا حياة ابنته الوحيدة ؟ إذاً لماذا يُسيء التصرف معهم هكذا في حين إنهم يريدون التقرب منه ليس إلاّ !
أسئلة كثيرة كان صوت الضمير يطرحها على حامد ولكن يأتي صوت الشيطان ليقول له : إنهم يريدون اختطاف ابنتك الوحيدة .. إنهم أداروا دماغها وغسلوه وجعلوها تُشعرك بعدم تربيتها تربيةً صحيحة وبأنك مقصر معها ! إنهم ...إنهم ... إنهم
صاح وقد وضع يدهُ على رأسه :
ـ لن أسمح لهم بذلك أبداً ! ليس لدي غيرها ، ليتهم لم يساعدوني ، ليتهم جعلوها تموت قبل أن أراها تبيعني هكذا ... ! كيف سأفارقها ؟ كيف سيكون البيت من دونها ... كيف ..كيف ؟؟
كان والدها يشعر بأنها ملكهُ وحدهُ ولا يمكن أن تكون لرجلٍ آخر .. لقد ربّاها وكان سعيه كلّه لأجلها .. اشترى لها أجمل الملابس وأجلسها أمام أحدث الأجهزة وأرقاها ، فلم تضجر يوماً أو تلومه أو تعتب عليه ، أما الآن فلقد تركت كل شيء .. تركت الملابس الفاخرة والأجهزة المتنوعة ، تركت تلك الحياة وصارت تعيش حياةً أخرى .. بسببهم هم ! وسيجعلونها تتركهُ هو الآخر! يا للفاجعة .. يا للهول ! ظل الشيطان يوسوس له طوال تلك الليلة ، كان أبو ملاذ ناسياً أن الروح تحتاج إلى غذاء كما أن الجسد يحتاج إلى غذاء ..
لقد نسى أن يُغذّي روح فتاته ويُربّي نفسها .. كان يظن أنهُ بتغذيتها
أحسن الغذاء وبترفيهها بتلك الأدوات الحديثة وبلبسها أفضل وأرقى الملابس فأنهُ ربّاها ! لم يعرف إن التربية هي تربية النفس والروح لا تربية الأعضاء والجسد.
وفي الصباح كان حامد قد قرر أن لا يذهب إلى العمل لهذا اليوم لأنه يشعر بالتعب والإرهاق .. سألته ملاذ عن السبب فلم يُكلمها وأدار بوجههِ عنها .
إتجه نحو التلفاز وشغّل ذلك الجهاز وجلس يستمع لـ ( أغاني الصباح ) !
تعجبت ملاذ من تصرفهِ هذا فهو لا يعرف من ذلك الجهاز غير ( نشرة الأخبار ) !!
تركتهُ وذهبت إلى غرفتها ، لكن صوت الغناء بدأ يرتفع شيئاً فشيئاً ، شعرت بشعور غريب ! إنها قشعريرة تسري في جميع بدنها ! لقد تركت سماع الأغاني منذ شهور منذ أبلغها منتظر بأنها ( حرام ) وهي اليوم ولأول مرة بعد تلك الفترة تطرق مسامعها تلك الكلمات الشيطانية .. أحست بأنها تريد التقيء !
تساءلت مع نفسها : هل من المعقول إنني صرتُ أكره سماع الأغاني إلى هذه الدرجة ؟ أنا التي لم يكن شيء يُلهيني عنها ، أغدو اليوم كارهةً لها !!
صارت تحمدُ الله على هذه النعمة ، وهي تتذكر ما كان يقوله منتظر لها بهذا الخصوص : إنك ستكرهين الغناء يا ملاذ عندما تمنعين نفسك عن الاستماع إليها لفترةٍ ما ، لأن النفس كالطفل الصغير عندما تعودّينها على شيء ستعتاد عليه وستنقاد لكِ ولو بعد جهادٍ طويل ! وكما يقول الشاعر :
النفس كالطفل ِ إن تتركه شبّ على حبِّ الرضاع وان تفطمه ينفطمُ !
وها هي نفسها اليوم تنقاد لإرادتها القوية وقد صارت تكره سماع تلك الكلمات .. إنها نعمة عظيمة .
لم تتحمل ملاذ سماع صوت ذلك المطرب رغم إنهُ كان المفضّل لديها !
فتحت باب غرفتها واتجهت حيث يجلس والدها ، حاولت التكلم معه لكن ما من فائدة .. اتجهت نحو التلفاز فخفضت صوته ثم قالت له :
ـ استميحك عذراً يا أبتي .. لكني أريد أن أكلمك وهذهِ الأغاني تجعلك لا تسمع صوتي ..
ـ ما الذي تريدينه أيتها الفتاة الوقِحة ؟!
ـ أبي أرجوك فقط أسمعني لحظات .. إن هناك فرق كبير بين الدار التي تسكنها الملائكة والدار التي ترتادها الشياطين!
فلقد جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) : ((إن الدار التي يُسمع فيها الغناء لا يُستجاب فيها الدعاء ولا تدخلُها الملائكة )) .
بعد هذه الكلمات التي كانت تخرج من قلبها الصادق قام والدها من مكانه بحركةٍ سريعة مدَّ يدهُ ليضربها ..
كانت صفعة قوية جعلتها تسقط أرضاً ثم قام بركلها بقدمه ، وهو يصرخ
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_التاسع_عشر #الإيمان_والحب 🦋 وفي اليوم التالي من رؤية أم منتظر لملاذ قام زوجها بزيارة صاحبهِ في منزله وهناك دار بينهما هذا الحديث : ـ أنت تعرف يا صاحبي قدرك في قلبي .. ـ أشكرك يا كريم . ـ الشكر لله يا أبا ملاذ ، وكُلّي أمل اليوم أن أأخذ موافقتك…
#الجزء_العشرون
#الإيمان_والحب 🦋
ها هي الأيام والأشهر تمضي ، كانت أم منتظر تطل على ابنها صباح كل يوم ... تحدّثهُ وتشد من عزيمته فوضعه كان متوتراً بعض الشيء ... إلى الآن هو بدون عمل ! وهي مازالت تلح في مسألة زواجه لكن الرياح كانت لا تأتي بما تشتهي السفن !
وفي أحد الأيام دخل والد منتظر وهو في غاية الفرح وما أن جلس قليلاً ليستريح حتى زفَّ لعائلته خبر حصول منتظر على عمل في أحد أكبر المصانع في بلادهم ..
ولم يمضِ شهر واحد على عملهِ في ذلك المصنع حتى تقاضى منتظر راتباً مع مكافأة مجزية من مدير المصنع لما رأى على منتظر من سيماء التقوى والصلاح والإخلاص في العمل .
جاء منتظر إلى أمه في ذلك اليوم وقد لاحت ملامح السرور على وجههِ ..
استقبلته كالعادة بوجهها الباسم ...
ـ ساعدك الله يا بُني ..
ـ وساعدكِ يا أماه ، هل أتى أبي من العمل ؟
ـ لماذا تسأل عنه ، أنت تعرف إنهُ يأتي بعد مجيئك بساعة تقريباً ! هل هناك أمر ما يا عزيزي ؟
ـ نعم هناك !
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ أريدهُ أن يذهب يوم غد ليقابل أبا ملاذ ، ويخبره إنني حصلت على عمل بل واستلمت المرتب الشهري وهو أعلى مرتب بالنسبة لباقي الموظفين .
أذعن أبو منتظر لطلب ولده وعاود زيارة صاحبه ولم تكن إجابته هذه المرة تختلف عن المرة السابقة !!
خرج أبو منتظر من منزل صاحبه وقد قرر أن لا يعاود طلب يد تلك الفتاة لابنهِ بعد هذه المرة أبداً .
.جلس منتظر يُقلّب صفحات ذلك الكتاب الذي أهدتهُ إياه أمه في عيد ميلاده وقد مضى على تلك الحادثة سنة ونصف تقريباً ، فكّر مع نفسه قائلاً : لا أعرف إن كانت أمي مازالت تريدني أن أتزوج أم إنها غيّرت رأيها بعد كل هذه الفترة ؟!
قطع كلامه مع نفسهِ صوتٌ نتج عن طرق باب غرفته ، إنتبه كمن ينهض من النوم مرعوباً !
صاح : من ؟ من الطارق ؟
أجابه صوت والدهُ : أنا يا منتظر ، عندي خبر سعيد !
قال منتظر بلهفة بعد أن فتح الباب : خير إن شاء الله ؟
ـ كل الخير يا ولدي .. لقد قرر عمك فارس العودة إلى أرض الوطن بعد كل هذه السنين !
تهللت أسارير منتظر وهو يسمع هذا الخبر ، صاح وهو لا يصدق ما يسمع :
ـ ماذا عمي فارس ! هل تمزح يا أبي ...
ـ لا صدّقني يا بُني إنها الحقيقة ، لقد انتهيت من مهاتفته توّاً وقد
أكّد لي هذا الخبر .
كان فارس من أعز الأصدقاء لكريم وحامد .. إذ كانوا يشكلون ( الثلاثي الوفي ) بعلاقتهم الحميمة تلك .
أتصل أبو منتظر بصاحبه ليخبره بمجيء ثالثهم والذي فصلته الغربة عنهما ، رفع الهاتف ابو ملاذ وتبادل السلام مع أبي منتظر محاولين تناسي أحداث الخطبة وما تبعها من كسر قلوب وجرح مشاعر ... قال أبو منتظر بصوته الشجي الحنين :
ـ هل تعرف يا أبا ملاذ إن فارس سيرجع عن قريب ؟
ـ من ؟ فارس ! يا الله ! يا الله ! إنه لخبرٌ سعيد .
ـ نعم يا حامد سيرجع فارس وسيرجع لمّ الشمل كما كنا من قبل إن شاء الله .
وهنا حاول أبو ملاذ أن يُنهي المكالمة بأي طريقة كانت بعد أن تخيل ان العلاقة سترجع بينه وبين عائلة أبو منتظر !!
أقفل الهاتف وحاول أن لا يفكر إلاّ برؤية ذلك الصديق الحبيب فارس .
لقد كان فارس محبوباً لدى الجميع كباراً وصغاراً ، حيث كان يتمتع بشخصية قوية ولطيفة في الوقت ذاته ، سافر إلى الخارج ليكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في العلوم الإسلامية وكان يمتلك قدرة كبيرة على الخطابة ونظم الشعر وكتابة المقالات الأدبية ، لذلك ما إن أكمل دراسته وأخذ شهادة الدكتوراه حتى صار أستاذاً للعلوم الإسلامية في إحدى الجامعات العربية في بلاد الغرب ورئيس تحرير لمجلة تعنى بالشباب ومشاكلهم .
جاء ذلك اليوم الذي أخبرهم فارس بموعده وهو يوم عودته لأرض الوطن مرةً أخرى .. لكنه لم يقل لهم أين يمكن أن يستقبلوه ! وفي أي وقت بالضبط !
لذلك كان كل من أبي منتظر وأبي ملاذ قد هيّأا منزليهما لاستقبال ذلك الضيف العزيز وهما في حالة من الإنتظار والترقب .
وفي تمام الساعة العاشرة صباحاً كان فارس يقف على أرض الوطن بعد فراق دام أكثر من ثمان سنوات وما ان لمست قدماه تلك الأرض حتى سجد لله شاكراً وأخذ يشمّ ويُقبّل ترابها وهو يردّد والدموع قد غسلت وجهه :
ـ ما أجمل العودة إليك يا وطني ! وما أطيب نسيم هوائك ...
اتجه إلى منزل أحد أقاربه في تلك البلدة ومن هناك أتصل بأبي منتظر ...
ودار بينهما هذا الحديث :
ـ السلامُ عليك يا أبا منتظر ..
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
ـ ألم تعرفني !؟
ـ عذراً .. لم أسمع صوتك من قبل !
ـ هل يمكن ذلك ؟ لكني اتصلت بك قبل ثلاثة أيام ... هل نسيت صوتي يا كريم !
ـ هل من المعقول إنك ... إنك ... فارس !
ـ ولِم لا يا كريم ؟
ـ ولكن صوتك تغيرّ عن كل مرة تكلمني فيها !
ـ السبب بسيط .. فكل مرة أُحدّثك والمسافات بيننا آلاف الكيلومترات
فيصلك صوتي ضعيفاً ومتقطعاً ، أما اليوم فأنا أُحدثك من داخل الوطن الحبيب !
#الإيمان_والحب 🦋
ها هي الأيام والأشهر تمضي ، كانت أم منتظر تطل على ابنها صباح كل يوم ... تحدّثهُ وتشد من عزيمته فوضعه كان متوتراً بعض الشيء ... إلى الآن هو بدون عمل ! وهي مازالت تلح في مسألة زواجه لكن الرياح كانت لا تأتي بما تشتهي السفن !
وفي أحد الأيام دخل والد منتظر وهو في غاية الفرح وما أن جلس قليلاً ليستريح حتى زفَّ لعائلته خبر حصول منتظر على عمل في أحد أكبر المصانع في بلادهم ..
ولم يمضِ شهر واحد على عملهِ في ذلك المصنع حتى تقاضى منتظر راتباً مع مكافأة مجزية من مدير المصنع لما رأى على منتظر من سيماء التقوى والصلاح والإخلاص في العمل .
جاء منتظر إلى أمه في ذلك اليوم وقد لاحت ملامح السرور على وجههِ ..
استقبلته كالعادة بوجهها الباسم ...
ـ ساعدك الله يا بُني ..
ـ وساعدكِ يا أماه ، هل أتى أبي من العمل ؟
ـ لماذا تسأل عنه ، أنت تعرف إنهُ يأتي بعد مجيئك بساعة تقريباً ! هل هناك أمر ما يا عزيزي ؟
ـ نعم هناك !
ـ خير إن شاء الله ؟
ـ أريدهُ أن يذهب يوم غد ليقابل أبا ملاذ ، ويخبره إنني حصلت على عمل بل واستلمت المرتب الشهري وهو أعلى مرتب بالنسبة لباقي الموظفين .
أذعن أبو منتظر لطلب ولده وعاود زيارة صاحبه ولم تكن إجابته هذه المرة تختلف عن المرة السابقة !!
خرج أبو منتظر من منزل صاحبه وقد قرر أن لا يعاود طلب يد تلك الفتاة لابنهِ بعد هذه المرة أبداً .
.جلس منتظر يُقلّب صفحات ذلك الكتاب الذي أهدتهُ إياه أمه في عيد ميلاده وقد مضى على تلك الحادثة سنة ونصف تقريباً ، فكّر مع نفسه قائلاً : لا أعرف إن كانت أمي مازالت تريدني أن أتزوج أم إنها غيّرت رأيها بعد كل هذه الفترة ؟!
قطع كلامه مع نفسهِ صوتٌ نتج عن طرق باب غرفته ، إنتبه كمن ينهض من النوم مرعوباً !
صاح : من ؟ من الطارق ؟
أجابه صوت والدهُ : أنا يا منتظر ، عندي خبر سعيد !
قال منتظر بلهفة بعد أن فتح الباب : خير إن شاء الله ؟
ـ كل الخير يا ولدي .. لقد قرر عمك فارس العودة إلى أرض الوطن بعد كل هذه السنين !
تهللت أسارير منتظر وهو يسمع هذا الخبر ، صاح وهو لا يصدق ما يسمع :
ـ ماذا عمي فارس ! هل تمزح يا أبي ...
ـ لا صدّقني يا بُني إنها الحقيقة ، لقد انتهيت من مهاتفته توّاً وقد
أكّد لي هذا الخبر .
كان فارس من أعز الأصدقاء لكريم وحامد .. إذ كانوا يشكلون ( الثلاثي الوفي ) بعلاقتهم الحميمة تلك .
أتصل أبو منتظر بصاحبه ليخبره بمجيء ثالثهم والذي فصلته الغربة عنهما ، رفع الهاتف ابو ملاذ وتبادل السلام مع أبي منتظر محاولين تناسي أحداث الخطبة وما تبعها من كسر قلوب وجرح مشاعر ... قال أبو منتظر بصوته الشجي الحنين :
ـ هل تعرف يا أبا ملاذ إن فارس سيرجع عن قريب ؟
ـ من ؟ فارس ! يا الله ! يا الله ! إنه لخبرٌ سعيد .
ـ نعم يا حامد سيرجع فارس وسيرجع لمّ الشمل كما كنا من قبل إن شاء الله .
وهنا حاول أبو ملاذ أن يُنهي المكالمة بأي طريقة كانت بعد أن تخيل ان العلاقة سترجع بينه وبين عائلة أبو منتظر !!
أقفل الهاتف وحاول أن لا يفكر إلاّ برؤية ذلك الصديق الحبيب فارس .
لقد كان فارس محبوباً لدى الجميع كباراً وصغاراً ، حيث كان يتمتع بشخصية قوية ولطيفة في الوقت ذاته ، سافر إلى الخارج ليكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في العلوم الإسلامية وكان يمتلك قدرة كبيرة على الخطابة ونظم الشعر وكتابة المقالات الأدبية ، لذلك ما إن أكمل دراسته وأخذ شهادة الدكتوراه حتى صار أستاذاً للعلوم الإسلامية في إحدى الجامعات العربية في بلاد الغرب ورئيس تحرير لمجلة تعنى بالشباب ومشاكلهم .
جاء ذلك اليوم الذي أخبرهم فارس بموعده وهو يوم عودته لأرض الوطن مرةً أخرى .. لكنه لم يقل لهم أين يمكن أن يستقبلوه ! وفي أي وقت بالضبط !
لذلك كان كل من أبي منتظر وأبي ملاذ قد هيّأا منزليهما لاستقبال ذلك الضيف العزيز وهما في حالة من الإنتظار والترقب .
وفي تمام الساعة العاشرة صباحاً كان فارس يقف على أرض الوطن بعد فراق دام أكثر من ثمان سنوات وما ان لمست قدماه تلك الأرض حتى سجد لله شاكراً وأخذ يشمّ ويُقبّل ترابها وهو يردّد والدموع قد غسلت وجهه :
ـ ما أجمل العودة إليك يا وطني ! وما أطيب نسيم هوائك ...
اتجه إلى منزل أحد أقاربه في تلك البلدة ومن هناك أتصل بأبي منتظر ...
ودار بينهما هذا الحديث :
ـ السلامُ عليك يا أبا منتظر ..
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
ـ ألم تعرفني !؟
ـ عذراً .. لم أسمع صوتك من قبل !
ـ هل يمكن ذلك ؟ لكني اتصلت بك قبل ثلاثة أيام ... هل نسيت صوتي يا كريم !
ـ هل من المعقول إنك ... إنك ... فارس !
ـ ولِم لا يا كريم ؟
ـ ولكن صوتك تغيرّ عن كل مرة تكلمني فيها !
ـ السبب بسيط .. فكل مرة أُحدّثك والمسافات بيننا آلاف الكيلومترات
فيصلك صوتي ضعيفاً ومتقطعاً ، أما اليوم فأنا أُحدثك من داخل الوطن الحبيب !
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_العشرون #الإيمان_والحب 🦋 ها هي الأيام والأشهر تمضي ، كانت أم منتظر تطل على ابنها صباح كل يوم ... تحدّثهُ وتشد من عزيمته فوضعه كان متوتراً بعض الشيء ... إلى الآن هو بدون عمل ! وهي مازالت تلح في مسألة زواجه لكن الرياح كانت لا تأتي بما تشتهي السفن !…
#الجزء_الواحد_والعشرون
#الإيمان_والحب 🦋
قضى فارس أسبوعه الأول في بيت خالته كما أخبر صاحبيه وبعدها اتجه نحو منزل صاحبه حامد ليقضي الأسبوع الثاني هناك كما وعده.
عندما وصل فارس إلى المنزل كان حامد وابنته في كامل الاستعداد لاستقبال ضيفهم العزيز ، بعد وصول الضيف بدقائق كانت ملاذ قد أعدّت العصير والكعك ودخلت تحملهما وهي بكامل حجابها وقد أخذتها اللهفة لرؤية عمها الغالي فارس..
قام فارس واقفاً وقد بهرهُ منظر تلك الفتاة..
كانت علامات التعجب بادية عليه وهو ينظر إليها وقد كبرت وأصبحت فتاة ناضجة وكما هو الظاهر إنها فتاة مثقفة وملتزمة في نفس الوقت.
قالت وهي تقدّم له العصير:
-الحمدُ لله على سلامتك يا عم..
ـ أهلاً بكِ يا ملاذ .. ما شاء الله !! لقد تغيرتِ كثيراً أيتها الغالية !
بدا الحياء واضحاً على محيّاها وهي تهمُّ بالخروج من الغرفة .
قال أبو ملاذ :
ـ لقد مرّت سنين طوال على سفرك يا رجل .. فلماذا تريد أن
يكون كل شيء باقياً على الحال الذي تركتهُ عليه !
ضحك الرجلان وقضيا تلك الليلة بالأحاديث الدافئة والجميلة وبإعادة صور الماضي وذكريات الشباب والعزوبية .
مرّت ثلاثة أيام على تواجد فارس في منزل صاحبه وفي إحدى الصباحات وبينما كانت ملاذ تحضرّ طعام الأفطار دخل فارس المطبخ واستغل الفرصة ليسألها عن أمور كثيرة تدور في باله ويبحث لها عن إجابة ...
بادرها قائلاً :
ـ هل لي أن أسأل عن أشياء مازالت غامضة بالنسبة لي يا ملاذ ؟
ـ تفضّل يا عم .. أنا بالخدمة .
ـ إنني أراك اليوم وقد التزمت بتعاليم الدين الحنيف بالرغم من إنني
تركتكِ وكنتِ مازلتِ في سن الثانية عشر أو الثالثة عشر أي كنتِ حينها ( مُكلفة ) شرعاً ورغم هذا لم تكوني قد جربتِ لبس الحجاب أو الصلاة والصيام .. صح ؟!
ـ نعم بالضبط .
ـ وأعرف إن السبب في ذلك هو والدكِ ، حتى إنني كنتُ دائماً أنصحهُ بأن يعلمك تعاليم الإسلام .. إلاّ إنهُ كان يرفض ويتعذر بأنكِ مازلتِ صغيرة !
والحقيقة إنني قبل أن أعود إلى أرض الوطن كنتُ أتخيّل بأنني سأجد عند عودتي تلك الفتاة نفسها دون أن يحاول والدها توعيتها أو إرشادها ولكني وجدتك على غير ذلك ! والأعجب من هذا إنهُ مايزال على حاله ! فمن هو الذي إلتزم بهدايتك وإرشادكِ وأنتِ لا تملكين غيره ؟!
ابتسمت ملاذ وقالت :
ـ هل أقول لك الحقيقة وتعدني أن تبقى سراً بيننا ؟
ـ وماذا تعرفين عن عمكِ فارس !
ـ كل خير ...
ـ إذاً وضّحي لي الأمر ..
بدأت ملاذ تسرد قصتها لفارس منذ تركها صبية صغيرة إلى المرحلة التي وصلت إليها وما يراهُ عليها من تغيرات كثيرة ..
بدت على فارس علامات الرضا والارتياح بعد أن عرف ما كان يصبو إلى معرفته !
قال لها مبتسماً :
ـ فإذاً منتظر كان السبب في هدايتك ..
قالت وقد بدت مرتبكة بعض الشيء :
ـ أرجوك يا عم ، إحذر أن يسمع أبي هذه الجملة منك فتثور ثائرته !
ـ لماذا ؟
ـ لا أعرف .. فعلاً لا أعرف !
قال فارس مندهشاً :
ـ عجيب ! ما بهِ هذا الرجل ؟ ألا يفرح أن تتجه ابنته نحو الطريق الصحيح وتسير في طريق الحق والهداية ؟! ثم إنني يا ملاذ أريد أن أحدثك بموضوع آخر وهذه فرصتي مادام أبوكِ ما يزال نائماً !
ـ تفضل يا عم ..
ـ ألم تحاولي أن تتكلمي مع أبيك حول موضوع الصلاة ؟
ـ لم أفهم قصدك !
-إنّ أباك ـ كما هو واضح ـ إلى الآن لم يُجرِّب أن يقف أمام الخالق عز وجل ليؤدي فريضة الصلاة ولو لمرة واحدة في حياته !
لقد تركته على هذا الحال من اللامبالاة ، والآن وبعد كل هذه السنين أعود لأجدهُ مازال مُصراً على معصية الخالق عز وجل .. فاليوم هو الرابع من وجودي معكم ولم أره يصلي أبداً !! لماذا لا تكلميه يا ابنتي وأنت فتاة واعية ومدركة جيداً لما ينتج من ترك الإنسان لصلاته ؟
ـ آه يا عم .. لقد حاولت مرة واحدة أن أُحدثهُ بخصوص حُرمة الغناء ، فلا تتصور عندها ماذا فعل بي ! لقد ضربني وشجَّ رأسي وتركني أنزف ثم خرج !
ـ هل وصل حامد إلى هذه الدرجة من الظلم ؟ يظلم نفسه ويظلم من معه !
ـ صدّقني يا عم .. لقد أردتُ أن أُحدثك بنفس الموضوع فأنت صاحبه وقد يستقبل منك أكثر من أي شخص آخر ، انصحهُ وأرشدهُ إلى طريق الحق فما عاد لي قدرة على تحمّل وضعه مع الذنوب والعصيان .
ـ أنت تعرفين يا ملاذ إن أباك يكبرني بكثير وأنا لهذا السبب أحترمه اشد الاحترام فهو بمثابة أخي الأكبر وهذا ما جعلني لا أتجرأ في الماضي على مفاتحته بهذا الأمر ، لكن اليوم يُحتّم عليَّ الواجب الشرعي أن أنقذه من مخالب الشيطان وأقدم له ما أملك من أدلة وبراهين تُثبت فضاعة ما هو عليه من الابتعاد عن الله جلّ وعلا .
ـ سأدعو لك يا عم أن توّفق في إقناعه وجعله في ركب التوابين والمُتطهرين .
وفي نفس تلك الليلة قرر فارس مفاتحة صاحبه بالموضوع لكن قبل ذلك ذهب إلى السوق واشترى قلم حبر زاهي اللون وغالي الثمن موضوع في علبة ذهبية ثم قام بتغليفها بشكل جميل وجذّاب ورجع إلى المنزل ليرى صاحبه بانتظاره ،
#الإيمان_والحب 🦋
قضى فارس أسبوعه الأول في بيت خالته كما أخبر صاحبيه وبعدها اتجه نحو منزل صاحبه حامد ليقضي الأسبوع الثاني هناك كما وعده.
عندما وصل فارس إلى المنزل كان حامد وابنته في كامل الاستعداد لاستقبال ضيفهم العزيز ، بعد وصول الضيف بدقائق كانت ملاذ قد أعدّت العصير والكعك ودخلت تحملهما وهي بكامل حجابها وقد أخذتها اللهفة لرؤية عمها الغالي فارس..
قام فارس واقفاً وقد بهرهُ منظر تلك الفتاة..
كانت علامات التعجب بادية عليه وهو ينظر إليها وقد كبرت وأصبحت فتاة ناضجة وكما هو الظاهر إنها فتاة مثقفة وملتزمة في نفس الوقت.
قالت وهي تقدّم له العصير:
-الحمدُ لله على سلامتك يا عم..
ـ أهلاً بكِ يا ملاذ .. ما شاء الله !! لقد تغيرتِ كثيراً أيتها الغالية !
بدا الحياء واضحاً على محيّاها وهي تهمُّ بالخروج من الغرفة .
قال أبو ملاذ :
ـ لقد مرّت سنين طوال على سفرك يا رجل .. فلماذا تريد أن
يكون كل شيء باقياً على الحال الذي تركتهُ عليه !
ضحك الرجلان وقضيا تلك الليلة بالأحاديث الدافئة والجميلة وبإعادة صور الماضي وذكريات الشباب والعزوبية .
مرّت ثلاثة أيام على تواجد فارس في منزل صاحبه وفي إحدى الصباحات وبينما كانت ملاذ تحضرّ طعام الأفطار دخل فارس المطبخ واستغل الفرصة ليسألها عن أمور كثيرة تدور في باله ويبحث لها عن إجابة ...
بادرها قائلاً :
ـ هل لي أن أسأل عن أشياء مازالت غامضة بالنسبة لي يا ملاذ ؟
ـ تفضّل يا عم .. أنا بالخدمة .
ـ إنني أراك اليوم وقد التزمت بتعاليم الدين الحنيف بالرغم من إنني
تركتكِ وكنتِ مازلتِ في سن الثانية عشر أو الثالثة عشر أي كنتِ حينها ( مُكلفة ) شرعاً ورغم هذا لم تكوني قد جربتِ لبس الحجاب أو الصلاة والصيام .. صح ؟!
ـ نعم بالضبط .
ـ وأعرف إن السبب في ذلك هو والدكِ ، حتى إنني كنتُ دائماً أنصحهُ بأن يعلمك تعاليم الإسلام .. إلاّ إنهُ كان يرفض ويتعذر بأنكِ مازلتِ صغيرة !
والحقيقة إنني قبل أن أعود إلى أرض الوطن كنتُ أتخيّل بأنني سأجد عند عودتي تلك الفتاة نفسها دون أن يحاول والدها توعيتها أو إرشادها ولكني وجدتك على غير ذلك ! والأعجب من هذا إنهُ مايزال على حاله ! فمن هو الذي إلتزم بهدايتك وإرشادكِ وأنتِ لا تملكين غيره ؟!
ابتسمت ملاذ وقالت :
ـ هل أقول لك الحقيقة وتعدني أن تبقى سراً بيننا ؟
ـ وماذا تعرفين عن عمكِ فارس !
ـ كل خير ...
ـ إذاً وضّحي لي الأمر ..
بدأت ملاذ تسرد قصتها لفارس منذ تركها صبية صغيرة إلى المرحلة التي وصلت إليها وما يراهُ عليها من تغيرات كثيرة ..
بدت على فارس علامات الرضا والارتياح بعد أن عرف ما كان يصبو إلى معرفته !
قال لها مبتسماً :
ـ فإذاً منتظر كان السبب في هدايتك ..
قالت وقد بدت مرتبكة بعض الشيء :
ـ أرجوك يا عم ، إحذر أن يسمع أبي هذه الجملة منك فتثور ثائرته !
ـ لماذا ؟
ـ لا أعرف .. فعلاً لا أعرف !
قال فارس مندهشاً :
ـ عجيب ! ما بهِ هذا الرجل ؟ ألا يفرح أن تتجه ابنته نحو الطريق الصحيح وتسير في طريق الحق والهداية ؟! ثم إنني يا ملاذ أريد أن أحدثك بموضوع آخر وهذه فرصتي مادام أبوكِ ما يزال نائماً !
ـ تفضل يا عم ..
ـ ألم تحاولي أن تتكلمي مع أبيك حول موضوع الصلاة ؟
ـ لم أفهم قصدك !
-إنّ أباك ـ كما هو واضح ـ إلى الآن لم يُجرِّب أن يقف أمام الخالق عز وجل ليؤدي فريضة الصلاة ولو لمرة واحدة في حياته !
لقد تركته على هذا الحال من اللامبالاة ، والآن وبعد كل هذه السنين أعود لأجدهُ مازال مُصراً على معصية الخالق عز وجل .. فاليوم هو الرابع من وجودي معكم ولم أره يصلي أبداً !! لماذا لا تكلميه يا ابنتي وأنت فتاة واعية ومدركة جيداً لما ينتج من ترك الإنسان لصلاته ؟
ـ آه يا عم .. لقد حاولت مرة واحدة أن أُحدثهُ بخصوص حُرمة الغناء ، فلا تتصور عندها ماذا فعل بي ! لقد ضربني وشجَّ رأسي وتركني أنزف ثم خرج !
ـ هل وصل حامد إلى هذه الدرجة من الظلم ؟ يظلم نفسه ويظلم من معه !
ـ صدّقني يا عم .. لقد أردتُ أن أُحدثك بنفس الموضوع فأنت صاحبه وقد يستقبل منك أكثر من أي شخص آخر ، انصحهُ وأرشدهُ إلى طريق الحق فما عاد لي قدرة على تحمّل وضعه مع الذنوب والعصيان .
ـ أنت تعرفين يا ملاذ إن أباك يكبرني بكثير وأنا لهذا السبب أحترمه اشد الاحترام فهو بمثابة أخي الأكبر وهذا ما جعلني لا أتجرأ في الماضي على مفاتحته بهذا الأمر ، لكن اليوم يُحتّم عليَّ الواجب الشرعي أن أنقذه من مخالب الشيطان وأقدم له ما أملك من أدلة وبراهين تُثبت فضاعة ما هو عليه من الابتعاد عن الله جلّ وعلا .
ـ سأدعو لك يا عم أن توّفق في إقناعه وجعله في ركب التوابين والمُتطهرين .
وفي نفس تلك الليلة قرر فارس مفاتحة صاحبه بالموضوع لكن قبل ذلك ذهب إلى السوق واشترى قلم حبر زاهي اللون وغالي الثمن موضوع في علبة ذهبية ثم قام بتغليفها بشكل جميل وجذّاب ورجع إلى المنزل ليرى صاحبه بانتظاره ،
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الواحد_والعشرون #الإيمان_والحب 🦋 قضى فارس أسبوعه الأول في بيت خالته كما أخبر صاحبيه وبعدها اتجه نحو منزل صاحبه حامد ليقضي الأسبوع الثاني هناك كما وعده. عندما وصل فارس إلى المنزل كان حامد وابنته في كامل الاستعداد لاستقبال ضيفهم العزيز ، بعد وصول…
#الجزء_الثاني_والعشرون
#الإيمان_والحب 🦋
ألم تسمع قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : (( الصلاة عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها ، وإن رُدّت رُدّ ما سواها )) .
بدأ أبو ملاذ وكأنه قد تفاعل مع الموضوع حيث قال لصاحبه وهو مطرق الرأس :
ـ نعم .. أنا أفهم قصدك صدّقني ، بل إنني أتساءل في بعض الأحيان لماذا أنا إلى الآن لم أجرب الصلاة ولو لمرة واحدة في حياتي ..! لكن أعود وأقول إن الله لو لم يكن راضياً عني لعاقبني بالمرض أو الإفلاس أو ...
ـ سبحان الله ... إنك تستعجل العقوبة إذن ... !! حالك كحال الكفار في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بل في زمن جميع الأنبياء ! فكيف تقول ذلك يا أبا ملاذ ... مع إنني الآن استطيع أن أؤكد بأن الذي يقنعك بهذا الكلام الفارغ هو الشيطان اللعين لا غيره ..
لأنك إن صليت سوف تُركِسه على أم رأسهِ وتُرديه صريعاً ! لذلك صار يقنعك بهذا الكلام حتى تبقى في ذنوبك وعصيانك .
ـ إذن لماذا برأيك مايزال الله يُغدق عليّ رغم عصياني ، أوليس لهُ قدرة على جميع عباده ؟ لماذا لا يعاقبني إن كان غير راضٍ عني ... ها !
ـ أولاً هناك عدّة أمور قد حدثت في حياتك يمكن أن تكون تنبيهاً من قبل الله لك كوفاة زوجتك التي أحببتها أكثر من نفسك وكنت مستعد أن تُضحي بكل ما تملك من أجلها فأين هي الآن ؟
ثم مرض ابنتك ووصولها لفم الموت لولا إرادة الله .. كل هذا وأنت ما تزال في جحودك وتكبرّك !
ثم إن استمرار النِعَم والسرور والصحة يا أخي ليس معناه إن الله راضٍ عنك .. فكم من ملوك ظالمين ومتجبرين كان الله يزيدهم أموالاً وبنيناً وقوة ..!
فهل يعني هذا إنهُ راضٍ عنهم ؟ ثم هل يعني إن الفقراء والمرضى هم جميعاً من المغضوب عليهم ! وإن الله غير راضٍ عنهم ؟! طبعاً لا ...
فالصنف الأول ابتلاهم الله بالخير من أموال وبنين وقناطير مقنطرة !
والصنف الثاني ابتلاهم الله بالشر من فقر ومرض وغيره ، يقول تعالى :
((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ))
إذاً ما أنت فيه الآن من صحة ووضع اجتماعي جيد وسمعة جيدة قد يكون هذا ابتلاء واختبار من الله ليراك هل تشكر أم تزداد جحوداً وطغياناً !! وكما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : (( يا ابن آدم إذا رأيت ربك سبحانه يتابع عليك نعمهُ وأنت تعصيه فإحذره ! )) .
وقال (عليه السلام) أيضاً وهو يحذّر من انتقام الله : (( الحذر ، الحذر ، فوالله لقد ستر حتى كأنهُ غفر ! )).
فهذا بالضبط هو الجواب على سؤالك ..
إن الله يستر على عبده حتى وكأنهُ غفر له ذنوبه والحقيقة هي ما يوضحها الإمام علي (عليه السلام) في هذين الحديثين وهو إنك يجب في هذه الحالة أن تحذر الله لا أن تأمنه ! وكما
قال تعالى في سورة الأنعام:
(( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذ ُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ )) !
فهذه هي النتيجة التي يحذرنا منها الإمام علي (عليه السلام) وهي أن يأخذك الله فجأةً من بين أهلك ومالك فترى نفسك وحيداً أمام الله بدون محامٍ ولا كفيل !
وإليك حديث آخر لسيد البلغاء أبي الحسن (عليه السلام) حيث يقول عن تلك اللحظة العظيمة : (( يا ابن آدم احذر الموت في هذه الدار قبل أن تصير إلى دارٍ تتمنى فيها الموت فلا تجده )) !
ثم هذا زين العابدين السجّاد (عليه السلام) يعلمّنا درساً بليغاً في
الشكر حينما يُناجي الله بالقول : (( إلهي فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إياك يفتقر إلى شكر ! فكلما قلت لك الحمد وجب عليّ لذلك أن أقول لك الحمد! )).
وفي هذه الكلمات الرائعة يعلمّنا الإمام السجّاد (عليه السلام) إننا لو
قضينا العمر كله بشكر الله فسنبقى مقصرين إتجاهه ! فكيف تريد يا حامد أن تشكرهُ بقلبك فقط وإمامك المعصوم يستغفر الله لأنهُ يشعر بالتقصير في شكره له رغم إنهُ يوصف بالسجاد لكثرة سجوده وعبادته وشكره ! ورغم ذلك فأنهُ (عليه السلام) يشعر بأن هذا قليل في حق الله وفي مقابل الأنعام والآلاء التي وهبها لنا جلّ وعلا ..
ثم ألا تستحي يا رجل من ربك الذي يخبرك بأنك إذا شكرته فسيزيدك وذلك بقوله : (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )) ، وأنت تأتي وبكل جرأة لتقول : أنا أشكرهُ في قلبي فهذا يكفي ... !!
الرسول المعصوم الطاهر الشريف الخالي من أي زلل سيد ولد آدم يعبد الله حتى تتورم قدماه ونحن الذين سوّدت وجوهنا الذنوب وأثقلت ظهورنا الآثام والمعاصي نشكرهُ في قلوبنا فقط !!
فبالرغم من إمهالنا كل هذه الفترة وعدم مباشرتنا بالعقاب لعلّنا نرجع ونتوب تجد الواحد منا يستكثر صلاة يؤديها ليشكر الله فيها على نعمهِ التي ذكرت في القرآن بقوله : ((وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )).
#الإيمان_والحب 🦋
ألم تسمع قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : (( الصلاة عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها ، وإن رُدّت رُدّ ما سواها )) .
بدأ أبو ملاذ وكأنه قد تفاعل مع الموضوع حيث قال لصاحبه وهو مطرق الرأس :
ـ نعم .. أنا أفهم قصدك صدّقني ، بل إنني أتساءل في بعض الأحيان لماذا أنا إلى الآن لم أجرب الصلاة ولو لمرة واحدة في حياتي ..! لكن أعود وأقول إن الله لو لم يكن راضياً عني لعاقبني بالمرض أو الإفلاس أو ...
ـ سبحان الله ... إنك تستعجل العقوبة إذن ... !! حالك كحال الكفار في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بل في زمن جميع الأنبياء ! فكيف تقول ذلك يا أبا ملاذ ... مع إنني الآن استطيع أن أؤكد بأن الذي يقنعك بهذا الكلام الفارغ هو الشيطان اللعين لا غيره ..
لأنك إن صليت سوف تُركِسه على أم رأسهِ وتُرديه صريعاً ! لذلك صار يقنعك بهذا الكلام حتى تبقى في ذنوبك وعصيانك .
ـ إذن لماذا برأيك مايزال الله يُغدق عليّ رغم عصياني ، أوليس لهُ قدرة على جميع عباده ؟ لماذا لا يعاقبني إن كان غير راضٍ عني ... ها !
ـ أولاً هناك عدّة أمور قد حدثت في حياتك يمكن أن تكون تنبيهاً من قبل الله لك كوفاة زوجتك التي أحببتها أكثر من نفسك وكنت مستعد أن تُضحي بكل ما تملك من أجلها فأين هي الآن ؟
ثم مرض ابنتك ووصولها لفم الموت لولا إرادة الله .. كل هذا وأنت ما تزال في جحودك وتكبرّك !
ثم إن استمرار النِعَم والسرور والصحة يا أخي ليس معناه إن الله راضٍ عنك .. فكم من ملوك ظالمين ومتجبرين كان الله يزيدهم أموالاً وبنيناً وقوة ..!
فهل يعني هذا إنهُ راضٍ عنهم ؟ ثم هل يعني إن الفقراء والمرضى هم جميعاً من المغضوب عليهم ! وإن الله غير راضٍ عنهم ؟! طبعاً لا ...
فالصنف الأول ابتلاهم الله بالخير من أموال وبنين وقناطير مقنطرة !
والصنف الثاني ابتلاهم الله بالشر من فقر ومرض وغيره ، يقول تعالى :
((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ))
إذاً ما أنت فيه الآن من صحة ووضع اجتماعي جيد وسمعة جيدة قد يكون هذا ابتلاء واختبار من الله ليراك هل تشكر أم تزداد جحوداً وطغياناً !! وكما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : (( يا ابن آدم إذا رأيت ربك سبحانه يتابع عليك نعمهُ وأنت تعصيه فإحذره ! )) .
وقال (عليه السلام) أيضاً وهو يحذّر من انتقام الله : (( الحذر ، الحذر ، فوالله لقد ستر حتى كأنهُ غفر ! )).
فهذا بالضبط هو الجواب على سؤالك ..
إن الله يستر على عبده حتى وكأنهُ غفر له ذنوبه والحقيقة هي ما يوضحها الإمام علي (عليه السلام) في هذين الحديثين وهو إنك يجب في هذه الحالة أن تحذر الله لا أن تأمنه ! وكما
قال تعالى في سورة الأنعام:
(( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذ ُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ )) !
فهذه هي النتيجة التي يحذرنا منها الإمام علي (عليه السلام) وهي أن يأخذك الله فجأةً من بين أهلك ومالك فترى نفسك وحيداً أمام الله بدون محامٍ ولا كفيل !
وإليك حديث آخر لسيد البلغاء أبي الحسن (عليه السلام) حيث يقول عن تلك اللحظة العظيمة : (( يا ابن آدم احذر الموت في هذه الدار قبل أن تصير إلى دارٍ تتمنى فيها الموت فلا تجده )) !
ثم هذا زين العابدين السجّاد (عليه السلام) يعلمّنا درساً بليغاً في
الشكر حينما يُناجي الله بالقول : (( إلهي فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إياك يفتقر إلى شكر ! فكلما قلت لك الحمد وجب عليّ لذلك أن أقول لك الحمد! )).
وفي هذه الكلمات الرائعة يعلمّنا الإمام السجّاد (عليه السلام) إننا لو
قضينا العمر كله بشكر الله فسنبقى مقصرين إتجاهه ! فكيف تريد يا حامد أن تشكرهُ بقلبك فقط وإمامك المعصوم يستغفر الله لأنهُ يشعر بالتقصير في شكره له رغم إنهُ يوصف بالسجاد لكثرة سجوده وعبادته وشكره ! ورغم ذلك فأنهُ (عليه السلام) يشعر بأن هذا قليل في حق الله وفي مقابل الأنعام والآلاء التي وهبها لنا جلّ وعلا ..
ثم ألا تستحي يا رجل من ربك الذي يخبرك بأنك إذا شكرته فسيزيدك وذلك بقوله : (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )) ، وأنت تأتي وبكل جرأة لتقول : أنا أشكرهُ في قلبي فهذا يكفي ... !!
الرسول المعصوم الطاهر الشريف الخالي من أي زلل سيد ولد آدم يعبد الله حتى تتورم قدماه ونحن الذين سوّدت وجوهنا الذنوب وأثقلت ظهورنا الآثام والمعاصي نشكرهُ في قلوبنا فقط !!
فبالرغم من إمهالنا كل هذه الفترة وعدم مباشرتنا بالعقاب لعلّنا نرجع ونتوب تجد الواحد منا يستكثر صلاة يؤديها ليشكر الله فيها على نعمهِ التي ذكرت في القرآن بقوله : ((وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )).
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الثاني_والعشرون #الإيمان_والحب 🦋 ألم تسمع قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : (( الصلاة عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها ، وإن رُدّت رُدّ ما سواها )) . بدأ أبو ملاذ وكأنه قد تفاعل مع الموضوع حيث قال لصاحبه وهو مطرق الرأس : ـ نعم .. أنا أفهم…
#الجزء_الثالث_والعشرون
#الإيمان_والحب 🦋
قضى فارس ذلك الأسبوع في منزل صاحبه أبي ملاذ ثم أتجه بعد ذلك ليقضي الأسبوع القادم في منزل أبي منتظر ...
كان متلهفاً لهذهِ الزيارة حيث إنهُ يشعر بأن كريم أقرب إلى نفسه من حامد ! لما يملكه الأخير من أفكار تختلف تماماً عن أفكاره وميوله ، أما فارس وكريم فلقد كانا يتشابهان في أمورٍ كثيرة .
استقبلت العائلة ضيفها بترحاب كبير ، كان يشعر وهو معهم كأنهُ مع عائلته الحقيقية .. فكم من مرة شعر بالحنين إلى عائلةٍ كبيرة تضمه وتُشعره بالحب والحنان.. هو الوحيد لأبويه الذين فارقا الحياة وهو في بداية شبابه مما حدا به للسفر وإكمال الدراسة خارج البلاد بعد الوحدة التي كان يشعر بها في داخل بلده ، وهناك في بلاد الغربة تزوج لكن شاءت إرادة الله أن تكون زوجته عاقراً لا يمكنها الإنجاب !
ولأنه كان مؤمناً بإرادة الخالق ومخلصاً ومعتزّاً بزوجته جداً فأنهُ لم
يشأ استبدالها أو الزواج بغيرها رغم شعورهِ الدائم بالحنين إلى الأطفال..
كان أولاد كريم سعداء جداً بوجود فارس معهم وخاصةً منتظر حيث إنه قد تعلق بهِ منذ صغره .
وفي إحدى الأمسيات وبينما كان الأثنان يجلسان لوحدهما في غرفة الجلوس تحدث فارس مع منتظر قائلاً :
ـ هل لي أن اسألك .. مع أنهُ قد يكون سؤالاً محرجاً ؟!
ـ تفضل يا عم !
ـ لماذا لم تتزوج بعد ؟!
ارتبك منتظر بعض الشيء ثم تساءل مع نفسه : هل يمكن أن يكون قد أخبرهُ أحدهم عن أمر خطبتي لملاذ ؟ لا أظن ذلك !
حاول أن يجعل الأمر طبيعاً جداً
فأجاب :
ـ مازال الوقت مبكراً على التفكير بهذا الأمر يا عمي ...
ـ أنت تعرف يا منتظر بأنني متخصص في أمور الشباب ومشاكلهم وإيجاد الحلول لهم من المنظار الإسلامي ولقد رأيت من خلال دراساتي بأن تأخر الزواج إلى هذا العمر أمر سيء للغاية !
تذكر منتظر في هذه الأثناء ذلك الكتاب الذي أهدته لهُ والدته والذي علمّه الكثير .. فهو الآن يدرك جيداً ما معنى كلام فارس بل ويعرف بأنه صحيح مئة بالمئة لكنه كان يحاول التهرب من تذكر الماضي بأي طريقة ، فقال لفارس بعد صمت قصير :
ـ لكني لستُ كبير إلى هذه الدرجة يا عم !
ـ ماذا ؟ أولست في الخامسة والعشرين الآن ... ها ؟ العتب على أبويك ..كان يجب أن يبحثا لك عن بنت الحلال قبل هذا العمر ..
ـ لكن يا عمي .. من يسمعك لا يصدّق إنك قد أكملت دراستك في دول الغرب !
ـ لكني درست هناك العلوم الإسلامية يا منتظر ولم أدرس العلوم الغربية !
صمت منتظر ولم يرد فلقد كان يتمنى ان يسرد لفارس ما حدث لهُ عندما قرر الزواج من ملاذ .. لكنه قرر عدم الخوض في ذلك الحديث أبداً لأنه يسبب له الألم الشديد .. وأخيراً قال :
ـ تريد الصراحة يا عم ؟! لقد ذهبت أمي لرؤية فتيات كثيرات وتقدّمت فعلياً لخطبتهن ... لكن لم يحصل النصيب آنذاك ، كان الأهل يرفضون أحياناً وأحياناً أخرى هُنّ يرفضن لأسباب شخصية ، المهم إنني شعرت حينها إن الله لم يأذن بزواجي بعد !
ـ وأنت .. لم تعجبك أي فتاة طوال هذه السنين !
ـ في الجامعة لم تكن هناك أي فتاة تعجبني ، بل أنني لم أكن أفكر بالزواج أصلاً .. كان لا يهمني إلاّ دراستي وحصولي على الشهادة ثم العمل ، وبعد حصولي على هذه الفرص صارت أمي تصرّ عليّ كثيراً في موضوع الزواج وذهبت بنفسها للخطبة كما أخبرتك لكن بدون جدوى !
كان منتظر صادقاً في كلامه فلقد ذهبت والدته إلى خطبة أكثر من فتاة لكن هذا كلّه حصل بعد خطبته لملاذ التي لم يأتِ على ذكر اسمها مطلقاً طوال حديثه مع فارس !
كان الأخير يتمنى أن يعرف مشاعر منتظر تجاه ملاذ بعد ما عرفهُ منها عن الجهد الذي بذلهُ منتظر لأجل هدايتها إلى طريق الله ..لكنها لم تخبره حينها عن محاولات الحاج كريم المتكررة في خطبتها لإبنه منتظر..
قال فارس لمنتظر في محاولة لمعرفة ما يريد الوصول إليه :
ـ هل تدري يا منتظر ، لقد دُهشت عندما رأيت ملاذ أول مرة بعد رجوعي من سفري !
ارتبك منتظر أشدّ الارتباك عندما سمع هذا الاسم لكنهُ حاول جاهداً أن لا يُبدي حقيقة مشاعره فقال :
ـ ولماذا دُهشت يا عم ؟
ـ لقد كبرت هذه الفتاة وصارت جميلة جداً .. لكن ليس هذا ما أدهشني بل هو شيء آخر ، فلم أكن أتصور بأنني سأرجع لأجد ( ابنة حامد ) صاحبي الذي لا يعرف من الدين شيئاً قد التزمت بتعاليم الدين بهذا الشكل ! إن حجابها رائع فهو يضيف لجمالها جمالاً آخر ..
لم يتحمل منتظر أن يسمع هذا الوصف من فارس تجاه ملاذ ، فقال وقد استشاط غضباً :
ـ كفاك وصفاً للفتاة يا عم .. ولا تقل بأنك معجب بها !
ابتسم فارس ثم قال :
ـ أولاً إنها المولودة التي اخترتُ أنا اسمها حين ولادتها كما اخترتُ لك اسمك .. فهي ليست إلاّ الطفلة التي أحببتها وهي صغيرة واحترمتها أشد الإحترام وهي كبيرة ، ثم مالك غضبت هكذا عند تحدّثي عنها ؟ ها !!
#الإيمان_والحب 🦋
قضى فارس ذلك الأسبوع في منزل صاحبه أبي ملاذ ثم أتجه بعد ذلك ليقضي الأسبوع القادم في منزل أبي منتظر ...
كان متلهفاً لهذهِ الزيارة حيث إنهُ يشعر بأن كريم أقرب إلى نفسه من حامد ! لما يملكه الأخير من أفكار تختلف تماماً عن أفكاره وميوله ، أما فارس وكريم فلقد كانا يتشابهان في أمورٍ كثيرة .
استقبلت العائلة ضيفها بترحاب كبير ، كان يشعر وهو معهم كأنهُ مع عائلته الحقيقية .. فكم من مرة شعر بالحنين إلى عائلةٍ كبيرة تضمه وتُشعره بالحب والحنان.. هو الوحيد لأبويه الذين فارقا الحياة وهو في بداية شبابه مما حدا به للسفر وإكمال الدراسة خارج البلاد بعد الوحدة التي كان يشعر بها في داخل بلده ، وهناك في بلاد الغربة تزوج لكن شاءت إرادة الله أن تكون زوجته عاقراً لا يمكنها الإنجاب !
ولأنه كان مؤمناً بإرادة الخالق ومخلصاً ومعتزّاً بزوجته جداً فأنهُ لم
يشأ استبدالها أو الزواج بغيرها رغم شعورهِ الدائم بالحنين إلى الأطفال..
كان أولاد كريم سعداء جداً بوجود فارس معهم وخاصةً منتظر حيث إنه قد تعلق بهِ منذ صغره .
وفي إحدى الأمسيات وبينما كان الأثنان يجلسان لوحدهما في غرفة الجلوس تحدث فارس مع منتظر قائلاً :
ـ هل لي أن اسألك .. مع أنهُ قد يكون سؤالاً محرجاً ؟!
ـ تفضل يا عم !
ـ لماذا لم تتزوج بعد ؟!
ارتبك منتظر بعض الشيء ثم تساءل مع نفسه : هل يمكن أن يكون قد أخبرهُ أحدهم عن أمر خطبتي لملاذ ؟ لا أظن ذلك !
حاول أن يجعل الأمر طبيعاً جداً
فأجاب :
ـ مازال الوقت مبكراً على التفكير بهذا الأمر يا عمي ...
ـ أنت تعرف يا منتظر بأنني متخصص في أمور الشباب ومشاكلهم وإيجاد الحلول لهم من المنظار الإسلامي ولقد رأيت من خلال دراساتي بأن تأخر الزواج إلى هذا العمر أمر سيء للغاية !
تذكر منتظر في هذه الأثناء ذلك الكتاب الذي أهدته لهُ والدته والذي علمّه الكثير .. فهو الآن يدرك جيداً ما معنى كلام فارس بل ويعرف بأنه صحيح مئة بالمئة لكنه كان يحاول التهرب من تذكر الماضي بأي طريقة ، فقال لفارس بعد صمت قصير :
ـ لكني لستُ كبير إلى هذه الدرجة يا عم !
ـ ماذا ؟ أولست في الخامسة والعشرين الآن ... ها ؟ العتب على أبويك ..كان يجب أن يبحثا لك عن بنت الحلال قبل هذا العمر ..
ـ لكن يا عمي .. من يسمعك لا يصدّق إنك قد أكملت دراستك في دول الغرب !
ـ لكني درست هناك العلوم الإسلامية يا منتظر ولم أدرس العلوم الغربية !
صمت منتظر ولم يرد فلقد كان يتمنى ان يسرد لفارس ما حدث لهُ عندما قرر الزواج من ملاذ .. لكنه قرر عدم الخوض في ذلك الحديث أبداً لأنه يسبب له الألم الشديد .. وأخيراً قال :
ـ تريد الصراحة يا عم ؟! لقد ذهبت أمي لرؤية فتيات كثيرات وتقدّمت فعلياً لخطبتهن ... لكن لم يحصل النصيب آنذاك ، كان الأهل يرفضون أحياناً وأحياناً أخرى هُنّ يرفضن لأسباب شخصية ، المهم إنني شعرت حينها إن الله لم يأذن بزواجي بعد !
ـ وأنت .. لم تعجبك أي فتاة طوال هذه السنين !
ـ في الجامعة لم تكن هناك أي فتاة تعجبني ، بل أنني لم أكن أفكر بالزواج أصلاً .. كان لا يهمني إلاّ دراستي وحصولي على الشهادة ثم العمل ، وبعد حصولي على هذه الفرص صارت أمي تصرّ عليّ كثيراً في موضوع الزواج وذهبت بنفسها للخطبة كما أخبرتك لكن بدون جدوى !
كان منتظر صادقاً في كلامه فلقد ذهبت والدته إلى خطبة أكثر من فتاة لكن هذا كلّه حصل بعد خطبته لملاذ التي لم يأتِ على ذكر اسمها مطلقاً طوال حديثه مع فارس !
كان الأخير يتمنى أن يعرف مشاعر منتظر تجاه ملاذ بعد ما عرفهُ منها عن الجهد الذي بذلهُ منتظر لأجل هدايتها إلى طريق الله ..لكنها لم تخبره حينها عن محاولات الحاج كريم المتكررة في خطبتها لإبنه منتظر..
قال فارس لمنتظر في محاولة لمعرفة ما يريد الوصول إليه :
ـ هل تدري يا منتظر ، لقد دُهشت عندما رأيت ملاذ أول مرة بعد رجوعي من سفري !
ارتبك منتظر أشدّ الارتباك عندما سمع هذا الاسم لكنهُ حاول جاهداً أن لا يُبدي حقيقة مشاعره فقال :
ـ ولماذا دُهشت يا عم ؟
ـ لقد كبرت هذه الفتاة وصارت جميلة جداً .. لكن ليس هذا ما أدهشني بل هو شيء آخر ، فلم أكن أتصور بأنني سأرجع لأجد ( ابنة حامد ) صاحبي الذي لا يعرف من الدين شيئاً قد التزمت بتعاليم الدين بهذا الشكل ! إن حجابها رائع فهو يضيف لجمالها جمالاً آخر ..
لم يتحمل منتظر أن يسمع هذا الوصف من فارس تجاه ملاذ ، فقال وقد استشاط غضباً :
ـ كفاك وصفاً للفتاة يا عم .. ولا تقل بأنك معجب بها !
ابتسم فارس ثم قال :
ـ أولاً إنها المولودة التي اخترتُ أنا اسمها حين ولادتها كما اخترتُ لك اسمك .. فهي ليست إلاّ الطفلة التي أحببتها وهي صغيرة واحترمتها أشد الإحترام وهي كبيرة ، ثم مالك غضبت هكذا عند تحدّثي عنها ؟ ها !!
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الثالث_والعشرون #الإيمان_والحب 🦋 قضى فارس ذلك الأسبوع في منزل صاحبه أبي ملاذ ثم أتجه بعد ذلك ليقضي الأسبوع القادم في منزل أبي منتظر ... كان متلهفاً لهذهِ الزيارة حيث إنهُ يشعر بأن كريم أقرب إلى نفسه من حامد ! لما يملكه الأخير من أفكار تختلف تماماً…
#الجزء_الرابع_والعشرون
#الإيمان_والحب 🦋
.
.
في الصباح كان فارس قد قرر إخبار العائلة بأمر هام ! ففي أثناء اجتماعهم على مائدة الإفطار قال فارس موجهاً كلامه لصاحبه :
ـ ما رأيك يا أبا منتظر أن نقوم بنزهة عائلية إلى شمال البلاد ؟
قال صاحبه وقد أعجبته الفكرة :
ـ اقتراح ممتاز فنحنُ بحاجة فعلاً إلى تغيير الجو .. ما رأيك يا أم منتظر ؟
أبدت الزوجة ارتياحاً لاقتراح الضيف وكذلك الأولاد ..
أكمل فارس :
ـ سأقوم بإخبار حامد حتى يُهيئ نفسه هو وملاذ للذهاب معنا ..
تغيرت الملامح عند تكملة فارس لاقتراحهُ هذا ، قال منتظر وهو أكثر من تغيرت ملامحه !
ـ أظن بأنني لا أستطيع الذهاب .. أعذروني !
صاح فارس :
ـ ماذا ؟! .. أنت بالذات يجب أن تذهب !
قال منتظر وقد استغرب كلام فارس :
ـ ولماذا أنا بالذات ؟!
تلكّأ فارس في البداية ـ فخطتهُ على وشك الفشل ـ ثم قال :
ـ لأنك تبدو كئيباً جداً يا منتظر ، فعملك في ذلك المصنع مُتعِب للغاية وإنك بحاجة إلى إجازة لمدة أسبوع على الأقل .
كان والداه يعرفان سبب اعتذاره عن الذهاب ، فهو لا يريد رؤية ملاذ ولا والدها .
قالت والدته :
ـ دعوا أمر منتظر لي .. أنا سأقنعه !
وفعلاً فما أن دخل منتظر غرفته حتى لحقته وفتحت الموضوع معه :
ـ أنا أعرف يا منتظر لماذا لا تريد الذهاب !
ـ أمي أرجوكِ .. لنغلق الموضوع .
ـ لماذا ؟ لماذا لا تكون هذه فرصة أرسلها الله لإعادة العلاقة بيننا .
ـ لكني لا أريد إعادة تلك العلاقة يا أماه .. أرجوكِ إفهميني !
ـ أنا أعرف إنك خائف من مواجهتك لملاذ بعد كل هذه الفترة .. لكن يا بُني لقد صبرتَ كثيراً وأظن أن الوقت حان لتنال ثمار صبرك .
ـ وأي ثمار هذه يا أماه..؟!
ـ قد يكون والدها أبدل رأيه خلال هذه الفترة أو قد يبدله إذا رآك فيما
أنت عليه الآن من منصب وظيفي ممتاز ومكانة اجتماعية جيدة .. أرجوك يا منتظر دَعْ الأمور تجري كما يريد الله وليس كما تريد أنت !
خرجت الأم من الغرفة وقد أقنعت ولدها بالذهاب وكان الجميع ينتظر النتيجة ، قالت وقد وجهت كلامها لفارس :
ـ سيذهب منتظر وستكون سفرة جميلة إن شاء الله .
طار فارس من الفرح واتجه نحو الهاتف وأدار رقم منزل حامد :
ـ ألو .. السلام عليكم ...
ـ وعليكم السلام ورحمة الله .. مَن فارس ؟
ـ نعم .. نعم يا صاحبي ، اسمع أنت مدعو مع ابنتك للذهاب في سفرة إلى شمال البلاد .
ـ لكن مع من ؟
ـ أنا وكريم وعائلته وأنتما طبعاً .
ـ لكن يا فارس ... قاطعهُ فارس بالقول :
ـ لا تتعذر يا رجل ، لن تستطيع رفض دعوتي ولن تجعلني أرحل من الوطن وأنا زعلان منك !
ـ حسناً .. حسناً ، متى سننطلق ؟
ـ بعد غد إن شاء الله في الساعة الثامنة صباحاً .
في تلك الساعة من ذلك اليوم كان الجميع قد تهيأ للسفر ، قاد منتظر سيارته العائلية إلى منزل أبي ملاذ بعد أن إتصل بهم الأخير وأخبرهم بأنه وأبنته جاهزين .
وفي تمام الساعة الثامنة كانت سيارة منتظر تقف أمام منزل حامد ، خرج الإثنان بعد أن نزل فارس لاستدعائهما ، صعد الأب إلى السيارة وصعدت ملاذ خلفه ، ألقيا التحية وانطلق الجميع في سفرتهم تلك .
طوال ساعات الطريق كان منتظر صامتاً ولم ينبس بكلمة والحديث كان كلّه للأصدقاء الثلاثة ...
فلقد كانوا في غاية السعادة بعد أن جمع الله شملهم من جديد .
حاول أبو ملاذ أن يتناسى ما فعلهُ بكريم وولده قال موجهاً كلامهُ لمنتظر :
ـ مالك لا تتحدث يا منتظر ، شاركنا في الحديث يا رجل !
ـ اعذرني يا عم ، لا أستطيع التكلم وأنا أسوق السيارة ! فهذا يُربكني جداً ..
ـ لماذا .. هل أنت حديث العهد بالسياقة ؟
ـ نعم بالضبط .
ـ متى اشتريت هذه السيارة ؟
ـ قبل شهرين تقريباً .
بعد ساعات طويلة وشاقة وصل الجميع إلى المدينة المقصودة ، كان الوقت قريباً من الغروب ، وسر الجميع كثيراً برؤية الجبال وشلالات المياه وفي اثناء ذلك ذهب منتظر وفارس للبحث عن منزل كبير يضمهم جميعاً وبعد بحث ليس بالطويل وجدا ضالتهما ، وصاروا يُنزلون الأغراض إلى داخل ذلك المنزل الجميل الذي يطل على بحيرة كبيرة ..
وبعد أن أخذوا قسطاً قليلاً من الراحة توضأ الجميع ليتجهوا نحو الصلاة فوقت المغرب قد حان ، قال فارس بصوتٍ عالٍ :
ـ ما رأيكم يا شباب أن أُصلّي بكم صلاة جماعة ؟
فرحوا بهذا الاقتراح ما عدا حامد الذي احمرّت عيناه غضباً من فارس ، قال في نفسه : هل يريد إجباري على الصلاة !
وفي حقيقة الأمر لم يرد فارس أن يسبب لصاحبه هذا الإحراج بل إنهُ قد نسى تماماً أن أبا ملاذ لم يصلِّ مرةً في حياته !
بعد دقائق من هذا الاقتراح أدرك فارس ما سبّب لصاحبه من إحراج عندما رآه قد أخرج سيكارة من جيبهِ وأشعلها ثم خرج في الحديقة ليتمشى !
وقف الجميع كباراً وصغاراً خلف فارس في جو إيماني رائع أنساهم تعب السفر وبُعد الطريق .
كانت ملاذ تتمنى أن يقف أبوها معهم بين يدي الخالق ليؤدي تلك الفريضة ، أخذت حسرة طويلة ثم اتخذت مكانها بين والدة منتظر وأخته الصغرى ..
#الإيمان_والحب 🦋
.
.
في الصباح كان فارس قد قرر إخبار العائلة بأمر هام ! ففي أثناء اجتماعهم على مائدة الإفطار قال فارس موجهاً كلامه لصاحبه :
ـ ما رأيك يا أبا منتظر أن نقوم بنزهة عائلية إلى شمال البلاد ؟
قال صاحبه وقد أعجبته الفكرة :
ـ اقتراح ممتاز فنحنُ بحاجة فعلاً إلى تغيير الجو .. ما رأيك يا أم منتظر ؟
أبدت الزوجة ارتياحاً لاقتراح الضيف وكذلك الأولاد ..
أكمل فارس :
ـ سأقوم بإخبار حامد حتى يُهيئ نفسه هو وملاذ للذهاب معنا ..
تغيرت الملامح عند تكملة فارس لاقتراحهُ هذا ، قال منتظر وهو أكثر من تغيرت ملامحه !
ـ أظن بأنني لا أستطيع الذهاب .. أعذروني !
صاح فارس :
ـ ماذا ؟! .. أنت بالذات يجب أن تذهب !
قال منتظر وقد استغرب كلام فارس :
ـ ولماذا أنا بالذات ؟!
تلكّأ فارس في البداية ـ فخطتهُ على وشك الفشل ـ ثم قال :
ـ لأنك تبدو كئيباً جداً يا منتظر ، فعملك في ذلك المصنع مُتعِب للغاية وإنك بحاجة إلى إجازة لمدة أسبوع على الأقل .
كان والداه يعرفان سبب اعتذاره عن الذهاب ، فهو لا يريد رؤية ملاذ ولا والدها .
قالت والدته :
ـ دعوا أمر منتظر لي .. أنا سأقنعه !
وفعلاً فما أن دخل منتظر غرفته حتى لحقته وفتحت الموضوع معه :
ـ أنا أعرف يا منتظر لماذا لا تريد الذهاب !
ـ أمي أرجوكِ .. لنغلق الموضوع .
ـ لماذا ؟ لماذا لا تكون هذه فرصة أرسلها الله لإعادة العلاقة بيننا .
ـ لكني لا أريد إعادة تلك العلاقة يا أماه .. أرجوكِ إفهميني !
ـ أنا أعرف إنك خائف من مواجهتك لملاذ بعد كل هذه الفترة .. لكن يا بُني لقد صبرتَ كثيراً وأظن أن الوقت حان لتنال ثمار صبرك .
ـ وأي ثمار هذه يا أماه..؟!
ـ قد يكون والدها أبدل رأيه خلال هذه الفترة أو قد يبدله إذا رآك فيما
أنت عليه الآن من منصب وظيفي ممتاز ومكانة اجتماعية جيدة .. أرجوك يا منتظر دَعْ الأمور تجري كما يريد الله وليس كما تريد أنت !
خرجت الأم من الغرفة وقد أقنعت ولدها بالذهاب وكان الجميع ينتظر النتيجة ، قالت وقد وجهت كلامها لفارس :
ـ سيذهب منتظر وستكون سفرة جميلة إن شاء الله .
طار فارس من الفرح واتجه نحو الهاتف وأدار رقم منزل حامد :
ـ ألو .. السلام عليكم ...
ـ وعليكم السلام ورحمة الله .. مَن فارس ؟
ـ نعم .. نعم يا صاحبي ، اسمع أنت مدعو مع ابنتك للذهاب في سفرة إلى شمال البلاد .
ـ لكن مع من ؟
ـ أنا وكريم وعائلته وأنتما طبعاً .
ـ لكن يا فارس ... قاطعهُ فارس بالقول :
ـ لا تتعذر يا رجل ، لن تستطيع رفض دعوتي ولن تجعلني أرحل من الوطن وأنا زعلان منك !
ـ حسناً .. حسناً ، متى سننطلق ؟
ـ بعد غد إن شاء الله في الساعة الثامنة صباحاً .
في تلك الساعة من ذلك اليوم كان الجميع قد تهيأ للسفر ، قاد منتظر سيارته العائلية إلى منزل أبي ملاذ بعد أن إتصل بهم الأخير وأخبرهم بأنه وأبنته جاهزين .
وفي تمام الساعة الثامنة كانت سيارة منتظر تقف أمام منزل حامد ، خرج الإثنان بعد أن نزل فارس لاستدعائهما ، صعد الأب إلى السيارة وصعدت ملاذ خلفه ، ألقيا التحية وانطلق الجميع في سفرتهم تلك .
طوال ساعات الطريق كان منتظر صامتاً ولم ينبس بكلمة والحديث كان كلّه للأصدقاء الثلاثة ...
فلقد كانوا في غاية السعادة بعد أن جمع الله شملهم من جديد .
حاول أبو ملاذ أن يتناسى ما فعلهُ بكريم وولده قال موجهاً كلامهُ لمنتظر :
ـ مالك لا تتحدث يا منتظر ، شاركنا في الحديث يا رجل !
ـ اعذرني يا عم ، لا أستطيع التكلم وأنا أسوق السيارة ! فهذا يُربكني جداً ..
ـ لماذا .. هل أنت حديث العهد بالسياقة ؟
ـ نعم بالضبط .
ـ متى اشتريت هذه السيارة ؟
ـ قبل شهرين تقريباً .
بعد ساعات طويلة وشاقة وصل الجميع إلى المدينة المقصودة ، كان الوقت قريباً من الغروب ، وسر الجميع كثيراً برؤية الجبال وشلالات المياه وفي اثناء ذلك ذهب منتظر وفارس للبحث عن منزل كبير يضمهم جميعاً وبعد بحث ليس بالطويل وجدا ضالتهما ، وصاروا يُنزلون الأغراض إلى داخل ذلك المنزل الجميل الذي يطل على بحيرة كبيرة ..
وبعد أن أخذوا قسطاً قليلاً من الراحة توضأ الجميع ليتجهوا نحو الصلاة فوقت المغرب قد حان ، قال فارس بصوتٍ عالٍ :
ـ ما رأيكم يا شباب أن أُصلّي بكم صلاة جماعة ؟
فرحوا بهذا الاقتراح ما عدا حامد الذي احمرّت عيناه غضباً من فارس ، قال في نفسه : هل يريد إجباري على الصلاة !
وفي حقيقة الأمر لم يرد فارس أن يسبب لصاحبه هذا الإحراج بل إنهُ قد نسى تماماً أن أبا ملاذ لم يصلِّ مرةً في حياته !
بعد دقائق من هذا الاقتراح أدرك فارس ما سبّب لصاحبه من إحراج عندما رآه قد أخرج سيكارة من جيبهِ وأشعلها ثم خرج في الحديقة ليتمشى !
وقف الجميع كباراً وصغاراً خلف فارس في جو إيماني رائع أنساهم تعب السفر وبُعد الطريق .
كانت ملاذ تتمنى أن يقف أبوها معهم بين يدي الخالق ليؤدي تلك الفريضة ، أخذت حسرة طويلة ثم اتخذت مكانها بين والدة منتظر وأخته الصغرى ..
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الرابع_والعشرون #الإيمان_والحب 🦋 . . في الصباح كان فارس قد قرر إخبار العائلة بأمر هام ! ففي أثناء اجتماعهم على مائدة الإفطار قال فارس موجهاً كلامه لصاحبه : ـ ما رأيك يا أبا منتظر أن نقوم بنزهة عائلية إلى شمال البلاد ؟ قال صاحبه وقد أعجبته الفكرة…
#الجزء_الخامس_والعشرون
#الإيمان_والحب 🦋
وفي اليوم قبل الأخير من وجودهم قررت ملاذ أن تسأل منتظر عن سبب محاولة تجاهلها .. !
كان جالساً على رمال الشاطئ ينظر إلى الشمس وهي تشرف على المغيب ، انتبه إلى صوت ملاذ تناديه ، قام من مكانه رآها تقترب نحوه ، عاد قلبه معربداً وقد ملأ صدرهُ ضجيجاً ! وصلت عنده ثم نظرت إليه قائلة :
ـ السلام عليكم ...
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
ـ لقد انتهزت فرصة وجودك لوحدك هنا لأسألك عن هذا التغير العجيب تجاهي !
حاول منتظر إخفاء ارتباكه ، أمرها بالعودة قائلاً :
ـ ملاذ .. ارجعي إلى المنزل حالاً ، فقد يراكِ والدكِ ويعمل لنا مشكلة !
تألمت ملاذ لمّا رأته يتهرب منها بهذا الشكل الغريب ، قالت بصوتٍ مخنوق :
ـ لو أعرف ماذا فعلتُ لك حتى تعاملني هكذا !؟ أنت تعرف جيداً إنني لم أرفضك بل والدي الذي رفض فكرة زواجنا .. صدّقني !
قال منتظر وقد بدا هادئاً بعض الشيء :
ـ أنا أعرف ذلك .. لكنّي لستُ غاضباً منكِ أبداً يا ملاذ ..
ـ إذاً لماذا لا تريد أن تتكلم معي ؟ لماذا تُدير وجهك عني هكذا ؟ لماذا لم تسألني عن أحوالي ووضعي مع والدي رغم مرور سنتين كاملتين على لقائنا الأخير ..
لماذا لا تتحدث معي كالسابق عن الإيمان والحب الإلهي والسعادة الحقيقية و...
قاطعها منتظر قائلاً :
ـ الوضع تغيّر يا ملاذ ، أرجوك افهميني !
ـ هل يعني ذلك إنك صرت تكرهني ولا تريد رؤيتي ؟
ـ أبداً .. أبداً ! لماذا تفكرين هكذا ؟
ـ تعاملكَ معي يوحي لي بهذه الحقيقة
وسأتحملها بالرغم من إنها مرّة .
صار منتظر يسمع صوت بكائها وهي تتكلم بهذه الكلمات لم يتحمل سماع ذلك الصوت المجروح ، شعر بمقدار الألم الذي يسببهُ لها ، قرر أخيراً أن يُخبرها بالحقيقة !
ـ اسمعي يا ملاذ ، إنني في تحدّي وجهاد عظيمين ... إنني أجاهد نفسي يا ملاذ وجهاد النفس أشدُّ وقعاً من جهاد الأعداء ، إنه الجهاد الأكبر كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنتِ بالنسبة لي الآن لستِ كالسابق أبداً !
فلا تظني بأنني مستاءٌ منكِ عندما لا انظر اليك ِ ولكن لي أسبابي ..
أرجوكِ ِاعذريني !
كان يتكلم ووجههُ مازال جهة البحر ، شعرت ملاذ بعد أن فهمت قصدهُ بأنهُ في صراع حقيقي مع نفسه ( فالنفس جند من جنود الشيطان ) .
قالت لهُ بثقة :
ـ إذاً يجب ان ننتظر الفرج معاً يا منتظر ، وسيكون قريباً إن شاء الله .
كانت تحاول أن تواسيه في كلامها هذا ، وتحاول أن تخبره بأنها ستبقى في انتظاره إلى أن يأمر الله باجتماعهما .
تركتهُ وسارت مبتعدة عنه ، أما هو فلقد ردّد بعد أن سمع جملتها الأخيرة تلك :
ـ لماذا يا ملاذ ؟ لماذا تُرجعين الأمل لي .. ليتكِ تقطعينه نهائياً ..
جلس على ركبتيه ودموعه تتساقط أنهاراً ، خفض رأسه إلى الأرض وصار يردد كلمات من دعاء كان حفظهُ عن المعصوم (عليه السلام) : إلهي استعملني بما تسألني غداً عنهُ واستفرغ أيامي فيما خلقتني لهُ ، ربي .. إذا كان عمري مرتعاً للشيطان فأقبضني إليك !
كان منتظر خائفاً من أن يقضي بقية أيامه في هذه الحرب والصراعات النفسية بينه وبين الشيطان .. وقد يبقى في أمل طيلة حياته مما قد يُنسيه الآخرة .. فلقد علّمه رسول الله وأهل بيته إن (( طول الأمل يُنسي الآخرة )) .
وضع يديه على وجهه وهو يبكي وينتحب كالطفل الصغير ، أدارت ملاذ وجهها نحوه وهي تراقبه من بعيد رأت حالته تلك ، بكت هي الأخرى ثم رفعت بصرها إلى السماء وهي تقول :
ـ إلهي .. ها نحنُ ننتظر أمرك ، فلا تُخيّب ظننا فيك يا رب .
سارت بإتجاه المنزل الذي يقطنوه .. وفي الطريق إلتقت بفارس الذي سألها :
ـ ألم تُشاهدي منتظر ؟
نظرت إليه فرأى أثر البكاء واضحاً على عينيها ! قال لها :
ـ ما بك يا
ملاذ ؟ أتبكين !
أجابت بألم :
ـ لاشيء يا عم .. وإن كنت تسأل عن منتظر فأنهُ هناك وأشارت
إليه ثم ابتعدت ...
إتجه فارس نحو منتظر وما أن رآه حتى استغرب حالتهُ وجلوسه على ركبتيه في وضع الذليل ! اقترب منه ، وضع يده على كتف منتظر ثم قال :
ـ لقد بحثت عنك طويلاً يا فتى !
قام منتظر من مكانه وهو يمسح دموعه ، صاح فارس :
ـ أتبكي أنت أيضاً ! ما بكما ؟
قال منتظر وقد استهجن حديثه :
ـ من رأيته يبكي غيري يا عم !
ـ لقد التقيتُ ملاذاً قبل قليل ...
سكت قليلاً ثم أكمل :
ـ هل إنكما تعانيان من مشكلةٍ ما ؟ تكلّم بربك يا منتظر ..
مشى منتظر وهو يمسك بيد فارس ويقول :
ـ انسَ الأمر يا عماه !
وقف فارس مكانه وقد امتنع عن المسير ..ثم قال وهو ينظر لعيني منتظر :
ـ أنت ترغب بالزواج منها .. صح !
ابتسم منتظر لأول مرة في هذه السفرة ! ثم قال :
ـ صح يا عم .. الآن أستطيع أن أؤكد إنك خبير فعلاً بأمور الشباب ! لكن استحلفك بالله أن تنسى الأمر على الأقل الآن ، وأعدك عندما نعود من هذه السفرة إلى مدينتنا سأخبرك حينها بكل شيء .
#الإيمان_والحب 🦋
وفي اليوم قبل الأخير من وجودهم قررت ملاذ أن تسأل منتظر عن سبب محاولة تجاهلها .. !
كان جالساً على رمال الشاطئ ينظر إلى الشمس وهي تشرف على المغيب ، انتبه إلى صوت ملاذ تناديه ، قام من مكانه رآها تقترب نحوه ، عاد قلبه معربداً وقد ملأ صدرهُ ضجيجاً ! وصلت عنده ثم نظرت إليه قائلة :
ـ السلام عليكم ...
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
ـ لقد انتهزت فرصة وجودك لوحدك هنا لأسألك عن هذا التغير العجيب تجاهي !
حاول منتظر إخفاء ارتباكه ، أمرها بالعودة قائلاً :
ـ ملاذ .. ارجعي إلى المنزل حالاً ، فقد يراكِ والدكِ ويعمل لنا مشكلة !
تألمت ملاذ لمّا رأته يتهرب منها بهذا الشكل الغريب ، قالت بصوتٍ مخنوق :
ـ لو أعرف ماذا فعلتُ لك حتى تعاملني هكذا !؟ أنت تعرف جيداً إنني لم أرفضك بل والدي الذي رفض فكرة زواجنا .. صدّقني !
قال منتظر وقد بدا هادئاً بعض الشيء :
ـ أنا أعرف ذلك .. لكنّي لستُ غاضباً منكِ أبداً يا ملاذ ..
ـ إذاً لماذا لا تريد أن تتكلم معي ؟ لماذا تُدير وجهك عني هكذا ؟ لماذا لم تسألني عن أحوالي ووضعي مع والدي رغم مرور سنتين كاملتين على لقائنا الأخير ..
لماذا لا تتحدث معي كالسابق عن الإيمان والحب الإلهي والسعادة الحقيقية و...
قاطعها منتظر قائلاً :
ـ الوضع تغيّر يا ملاذ ، أرجوك افهميني !
ـ هل يعني ذلك إنك صرت تكرهني ولا تريد رؤيتي ؟
ـ أبداً .. أبداً ! لماذا تفكرين هكذا ؟
ـ تعاملكَ معي يوحي لي بهذه الحقيقة
وسأتحملها بالرغم من إنها مرّة .
صار منتظر يسمع صوت بكائها وهي تتكلم بهذه الكلمات لم يتحمل سماع ذلك الصوت المجروح ، شعر بمقدار الألم الذي يسببهُ لها ، قرر أخيراً أن يُخبرها بالحقيقة !
ـ اسمعي يا ملاذ ، إنني في تحدّي وجهاد عظيمين ... إنني أجاهد نفسي يا ملاذ وجهاد النفس أشدُّ وقعاً من جهاد الأعداء ، إنه الجهاد الأكبر كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنتِ بالنسبة لي الآن لستِ كالسابق أبداً !
فلا تظني بأنني مستاءٌ منكِ عندما لا انظر اليك ِ ولكن لي أسبابي ..
أرجوكِ ِاعذريني !
كان يتكلم ووجههُ مازال جهة البحر ، شعرت ملاذ بعد أن فهمت قصدهُ بأنهُ في صراع حقيقي مع نفسه ( فالنفس جند من جنود الشيطان ) .
قالت لهُ بثقة :
ـ إذاً يجب ان ننتظر الفرج معاً يا منتظر ، وسيكون قريباً إن شاء الله .
كانت تحاول أن تواسيه في كلامها هذا ، وتحاول أن تخبره بأنها ستبقى في انتظاره إلى أن يأمر الله باجتماعهما .
تركتهُ وسارت مبتعدة عنه ، أما هو فلقد ردّد بعد أن سمع جملتها الأخيرة تلك :
ـ لماذا يا ملاذ ؟ لماذا تُرجعين الأمل لي .. ليتكِ تقطعينه نهائياً ..
جلس على ركبتيه ودموعه تتساقط أنهاراً ، خفض رأسه إلى الأرض وصار يردد كلمات من دعاء كان حفظهُ عن المعصوم (عليه السلام) : إلهي استعملني بما تسألني غداً عنهُ واستفرغ أيامي فيما خلقتني لهُ ، ربي .. إذا كان عمري مرتعاً للشيطان فأقبضني إليك !
كان منتظر خائفاً من أن يقضي بقية أيامه في هذه الحرب والصراعات النفسية بينه وبين الشيطان .. وقد يبقى في أمل طيلة حياته مما قد يُنسيه الآخرة .. فلقد علّمه رسول الله وأهل بيته إن (( طول الأمل يُنسي الآخرة )) .
وضع يديه على وجهه وهو يبكي وينتحب كالطفل الصغير ، أدارت ملاذ وجهها نحوه وهي تراقبه من بعيد رأت حالته تلك ، بكت هي الأخرى ثم رفعت بصرها إلى السماء وهي تقول :
ـ إلهي .. ها نحنُ ننتظر أمرك ، فلا تُخيّب ظننا فيك يا رب .
سارت بإتجاه المنزل الذي يقطنوه .. وفي الطريق إلتقت بفارس الذي سألها :
ـ ألم تُشاهدي منتظر ؟
نظرت إليه فرأى أثر البكاء واضحاً على عينيها ! قال لها :
ـ ما بك يا
ملاذ ؟ أتبكين !
أجابت بألم :
ـ لاشيء يا عم .. وإن كنت تسأل عن منتظر فأنهُ هناك وأشارت
إليه ثم ابتعدت ...
إتجه فارس نحو منتظر وما أن رآه حتى استغرب حالتهُ وجلوسه على ركبتيه في وضع الذليل ! اقترب منه ، وضع يده على كتف منتظر ثم قال :
ـ لقد بحثت عنك طويلاً يا فتى !
قام منتظر من مكانه وهو يمسح دموعه ، صاح فارس :
ـ أتبكي أنت أيضاً ! ما بكما ؟
قال منتظر وقد استهجن حديثه :
ـ من رأيته يبكي غيري يا عم !
ـ لقد التقيتُ ملاذاً قبل قليل ...
سكت قليلاً ثم أكمل :
ـ هل إنكما تعانيان من مشكلةٍ ما ؟ تكلّم بربك يا منتظر ..
مشى منتظر وهو يمسك بيد فارس ويقول :
ـ انسَ الأمر يا عماه !
وقف فارس مكانه وقد امتنع عن المسير ..ثم قال وهو ينظر لعيني منتظر :
ـ أنت ترغب بالزواج منها .. صح !
ابتسم منتظر لأول مرة في هذه السفرة ! ثم قال :
ـ صح يا عم .. الآن أستطيع أن أؤكد إنك خبير فعلاً بأمور الشباب ! لكن استحلفك بالله أن تنسى الأمر على الأقل الآن ، وأعدك عندما نعود من هذه السفرة إلى مدينتنا سأخبرك حينها بكل شيء .
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_الخامس_والعشرون #الإيمان_والحب 🦋 وفي اليوم قبل الأخير من وجودهم قررت ملاذ أن تسأل منتظر عن سبب محاولة تجاهلها .. ! كان جالساً على رمال الشاطئ ينظر إلى الشمس وهي تشرف على المغيب ، انتبه إلى صوت ملاذ تناديه ، قام من مكانه رآها تقترب نحوه ، عاد قلبه…
#الجزء_السادس_العشرون
#الإيمان_والحب 🦋
بعد تلك السفرة السياحية التي استمرت عشرة أيام كاملة كان أجملها وأحلاها اليوم الأخير ..
تهيّأ الجميع للعودة إلى مدينتهم ، وقد ساد طريق العودة جو من المرح والسعادة ، كان أخوة منتظر الصغار يرددون بعض الموشحات الدينية والأناشيد التي تتغنى بحب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) وكان منتظر ووالدته وكذلك ملاذ يرددون تلك الأناشيد مع الصغار واكتفى الثلاثة ( فارس وكريم وحامد ) بالتصفيق والمزاح ...
قال أبو ملاذ لمنتظر بعد انتهائهم من ترديد إحدى الموشحات :
ـ ألم تقل إنك لا تستطيع الكلام أثناء السياقة ؟
قال منتظر بصوت مازح : ..
- لقد صرتُ حائراً معك يا عم أصمت فتقول لي : لماذا
تبدو حزيناً ! فأُشارك أخوتي في الإنشاد تعترض عليّ وتستهجن فعلي .. قل لي بربك ما الذي يُرضيك حتى أفعله !
انطلقت الضحكات عالية .. وهكذا فلقد كان طريق العودة يختلف تماماً عن طريق الذهاب لما قد أصاب النفوس من ارتياح شديد بدا واضحاً على الجميع .
رجع كلٌ إلى منزله وعاد فارس إلى منزل أبي منتظر وكانت ملاذ قد اعترضت عليه بالقول :
ـ سيكون مكوثك لديهم أكثر من مكوثك لدينا .. فأين قسمتك العادلة ؟!
قال مبتسماً وهو يودعهما :
-تطلبونني يوماً يا ملاذ .. سأمكثه لديكم قبل سفري بأذن الله .
وفي اليوم التالي لم يتمكن منتظر من الذهاب إلى عمله لشدّة الإرهاق الذي أصابه من طول الطريق وتعب السياقة ، فما أن صلّى فريضة الفجر وأدّى تعقيباتها حتى عاد للنوم ثانية .
وبينما كان ما يزال مستلقياً على فراشه حتى شعر بشيء قد وقع على رأسه قام لينظر فوجد فارس واقفاً بجانب السرير وبيده وسادة ثانية يحاول ضربهُ بها !
قال رافعاً صوته :
ـ ألم يحن الوقت للاستيقاظ يا فتى ؟ ها ...!
ـ آه يا عم .. لو تشعر بالتعب الذي أشعر به !
ـ هيا استيقظ لتتناول فطورك ، فعندي كلام كثير معك .
عرف منتظر ما يريد فارس التحدث به !
وبعد تناوله للفطور ، دخل غرفته فوجد إن فارساً ما يزال فيها .. كان يُقلّب صفحات الكتب الموجودة في مكتبة منتظر فلما انتبه إلى مجيء الأخيرقال لهُ :
ـ أغلق الباب خلفك !
إنصاع منتظر لأمر فارس فأغلق باب الغرفة ثم جلس على السرير ، التفت إليه فارس قائلاً :
ـ هل لي أن أعرف ما الذي حصل لك في اليوم الأخير من السفرة ؟
ـ هل هذا كل ما تريد معرفته يا عم !
ـ تكلّم يا فتى .. هيا !
ـ الحقيقة يا عمي .. إنني تلك الليلة سهرتُ في التفكير بما سببتهُ لملاذ من ألم وحزن أثناء حديثي معها عند البحر حيث رأيتني هناك .. ثم فكرت بأنها جاءت إلى هنا لتروّح عن نفسها ولتخرج من وحدتها القاتلة في ذلك المنزل الذي يخلو إلا منها ومن أبيها ..
فكرتُ كثيراً فيما كان يتصرفهُ والدها معها وكيف إنها مُحتاجة الآن ولو لشيء بسيط من السرور ، وكذلك فكرتُ في إنني طوال أيام السفرة كنتُ متوتراً وكئيباً .. حتى إن والديَّ وأخوتي لم يشعروا بلذّة السفرة بسببي .. ولذلك ولأجلكم جميعاً قررت أن أجعل اليوم الأخير هو أحلى أيام السفرة ، وأتمنى أن أكون قد نجحت في ذلك.
ـ تريد الصراحة يا منتظر ، كان فعلاً أحلى أيام السفرة ، فلقد كان مزاجك رائقاً جداً ولقد شعرتُ بأن ملاذ لم تفرح إلاّ في ذلك اليوم !
ـ هل فعلاً هذا ما أحسستهُ يا عم ؟ أعني هل كانت تبدو سعيدة !
ـ ألم تقرأ هذا الشعور في عينيها يا فتى !
ـ ماذا ... عينيها ! وهل لي الجرأة أن أنظر إلى الجهة التي تجلس فيها هي حتى أتجرأ بعد ذلك وأنظر إلى عينيها !
ـ صحيح يا منتظر ... لماذا كل هذا التحَسس من تلك الفتاة ؟ أرى إنك في بعض الأحيان تحاول تجاهلها ولا أصدّق بأنك ترغب بالزواج منها كما قلت لي!
ـ أما بالنسبة لرغبتي في الزواج منها ... فهذه هي رغبتي منذ سنتين مضت ومازالت تلك الرغبة يا عم ولم تتغير أبداً .. أما مسألة التحسس منها أو من الحديث معها أو حتى النظر إليها فهذهِ مسألة معقدة لا أظنك قادراً على فهمي إن فسرتها لك !
ـ ماذا .. ماذا ؟ غير قادر على فهمك ! ما بك يا فتى ؟ أنا فارس .. أتفهم ما معنى فارس ... فارس الذي لا تخفى عليه حركات الشباب أبداً .. هل فهمت!
ضحك منتظر من طريقة كلام فارس ثم قال :
ـ لم أقصد أن أنتقص منك يا عمي صدّقني .. لكن المسألة تحتاج إلى شرح طويل !
ـ قد أستطيع مساعدتك يا فتى .. هيا تكلم ، كُليّ آذانٌ صاغية !
بدأ منتظر يسرد لفارس قصته تلك وقد بدأها منذ اللحظة التي أخبرهُ أباه بمرض ملاذ وكان لم يتعرف عليها بعد .. ثم صار يتحدث لهُ عن مشاعرهِ عندما رآها أول مرة وكيف إنها لم تعجبهُ أبداً ..!!
حدّثه بعد ذلك عن الحوارات التي دارت بينه وبينها حول الدين والإيمان والحب الصادق العفيف وكيف يجب أن تكون علاقتنا بالله..
إلى أن وصل إلى ما بعد العملية حينما زارها مع عائلته في منزلها وكيف إن مشاعره مُنذ تلك اللحظة قد تغيرت تجاهها تغيراً جذرياً !
#الإيمان_والحب 🦋
بعد تلك السفرة السياحية التي استمرت عشرة أيام كاملة كان أجملها وأحلاها اليوم الأخير ..
تهيّأ الجميع للعودة إلى مدينتهم ، وقد ساد طريق العودة جو من المرح والسعادة ، كان أخوة منتظر الصغار يرددون بعض الموشحات الدينية والأناشيد التي تتغنى بحب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) وكان منتظر ووالدته وكذلك ملاذ يرددون تلك الأناشيد مع الصغار واكتفى الثلاثة ( فارس وكريم وحامد ) بالتصفيق والمزاح ...
قال أبو ملاذ لمنتظر بعد انتهائهم من ترديد إحدى الموشحات :
ـ ألم تقل إنك لا تستطيع الكلام أثناء السياقة ؟
قال منتظر بصوت مازح : ..
- لقد صرتُ حائراً معك يا عم أصمت فتقول لي : لماذا
تبدو حزيناً ! فأُشارك أخوتي في الإنشاد تعترض عليّ وتستهجن فعلي .. قل لي بربك ما الذي يُرضيك حتى أفعله !
انطلقت الضحكات عالية .. وهكذا فلقد كان طريق العودة يختلف تماماً عن طريق الذهاب لما قد أصاب النفوس من ارتياح شديد بدا واضحاً على الجميع .
رجع كلٌ إلى منزله وعاد فارس إلى منزل أبي منتظر وكانت ملاذ قد اعترضت عليه بالقول :
ـ سيكون مكوثك لديهم أكثر من مكوثك لدينا .. فأين قسمتك العادلة ؟!
قال مبتسماً وهو يودعهما :
-تطلبونني يوماً يا ملاذ .. سأمكثه لديكم قبل سفري بأذن الله .
وفي اليوم التالي لم يتمكن منتظر من الذهاب إلى عمله لشدّة الإرهاق الذي أصابه من طول الطريق وتعب السياقة ، فما أن صلّى فريضة الفجر وأدّى تعقيباتها حتى عاد للنوم ثانية .
وبينما كان ما يزال مستلقياً على فراشه حتى شعر بشيء قد وقع على رأسه قام لينظر فوجد فارس واقفاً بجانب السرير وبيده وسادة ثانية يحاول ضربهُ بها !
قال رافعاً صوته :
ـ ألم يحن الوقت للاستيقاظ يا فتى ؟ ها ...!
ـ آه يا عم .. لو تشعر بالتعب الذي أشعر به !
ـ هيا استيقظ لتتناول فطورك ، فعندي كلام كثير معك .
عرف منتظر ما يريد فارس التحدث به !
وبعد تناوله للفطور ، دخل غرفته فوجد إن فارساً ما يزال فيها .. كان يُقلّب صفحات الكتب الموجودة في مكتبة منتظر فلما انتبه إلى مجيء الأخيرقال لهُ :
ـ أغلق الباب خلفك !
إنصاع منتظر لأمر فارس فأغلق باب الغرفة ثم جلس على السرير ، التفت إليه فارس قائلاً :
ـ هل لي أن أعرف ما الذي حصل لك في اليوم الأخير من السفرة ؟
ـ هل هذا كل ما تريد معرفته يا عم !
ـ تكلّم يا فتى .. هيا !
ـ الحقيقة يا عمي .. إنني تلك الليلة سهرتُ في التفكير بما سببتهُ لملاذ من ألم وحزن أثناء حديثي معها عند البحر حيث رأيتني هناك .. ثم فكرت بأنها جاءت إلى هنا لتروّح عن نفسها ولتخرج من وحدتها القاتلة في ذلك المنزل الذي يخلو إلا منها ومن أبيها ..
فكرتُ كثيراً فيما كان يتصرفهُ والدها معها وكيف إنها مُحتاجة الآن ولو لشيء بسيط من السرور ، وكذلك فكرتُ في إنني طوال أيام السفرة كنتُ متوتراً وكئيباً .. حتى إن والديَّ وأخوتي لم يشعروا بلذّة السفرة بسببي .. ولذلك ولأجلكم جميعاً قررت أن أجعل اليوم الأخير هو أحلى أيام السفرة ، وأتمنى أن أكون قد نجحت في ذلك.
ـ تريد الصراحة يا منتظر ، كان فعلاً أحلى أيام السفرة ، فلقد كان مزاجك رائقاً جداً ولقد شعرتُ بأن ملاذ لم تفرح إلاّ في ذلك اليوم !
ـ هل فعلاً هذا ما أحسستهُ يا عم ؟ أعني هل كانت تبدو سعيدة !
ـ ألم تقرأ هذا الشعور في عينيها يا فتى !
ـ ماذا ... عينيها ! وهل لي الجرأة أن أنظر إلى الجهة التي تجلس فيها هي حتى أتجرأ بعد ذلك وأنظر إلى عينيها !
ـ صحيح يا منتظر ... لماذا كل هذا التحَسس من تلك الفتاة ؟ أرى إنك في بعض الأحيان تحاول تجاهلها ولا أصدّق بأنك ترغب بالزواج منها كما قلت لي!
ـ أما بالنسبة لرغبتي في الزواج منها ... فهذه هي رغبتي منذ سنتين مضت ومازالت تلك الرغبة يا عم ولم تتغير أبداً .. أما مسألة التحسس منها أو من الحديث معها أو حتى النظر إليها فهذهِ مسألة معقدة لا أظنك قادراً على فهمي إن فسرتها لك !
ـ ماذا .. ماذا ؟ غير قادر على فهمك ! ما بك يا فتى ؟ أنا فارس .. أتفهم ما معنى فارس ... فارس الذي لا تخفى عليه حركات الشباب أبداً .. هل فهمت!
ضحك منتظر من طريقة كلام فارس ثم قال :
ـ لم أقصد أن أنتقص منك يا عمي صدّقني .. لكن المسألة تحتاج إلى شرح طويل !
ـ قد أستطيع مساعدتك يا فتى .. هيا تكلم ، كُليّ آذانٌ صاغية !
بدأ منتظر يسرد لفارس قصته تلك وقد بدأها منذ اللحظة التي أخبرهُ أباه بمرض ملاذ وكان لم يتعرف عليها بعد .. ثم صار يتحدث لهُ عن مشاعرهِ عندما رآها أول مرة وكيف إنها لم تعجبهُ أبداً ..!!
حدّثه بعد ذلك عن الحوارات التي دارت بينه وبينها حول الدين والإيمان والحب الصادق العفيف وكيف يجب أن تكون علاقتنا بالله..
إلى أن وصل إلى ما بعد العملية حينما زارها مع عائلته في منزلها وكيف إن مشاعره مُنذ تلك اللحظة قد تغيرت تجاهها تغيراً جذرياً !
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_السادس_العشرون #الإيمان_والحب 🦋 بعد تلك السفرة السياحية التي استمرت عشرة أيام كاملة كان أجملها وأحلاها اليوم الأخير .. تهيّأ الجميع للعودة إلى مدينتهم ، وقد ساد طريق العودة جو من المرح والسعادة ، كان أخوة منتظر الصغار يرددون بعض الموشحات الدينية…
#الجزء_السابع_والعشرون
#الإيمان_والحب 🦋
وكما أظن إن الشيطان حينها قد سيطر عليَّ بالكامل ، فلقد تمنيت أن أصرخ لأُسمع العالم كله بأني ..
ـ بأنك ماذا ؟
ـ مشتاقٌ لرؤيتها !
ـ وهل توقف ( أبو مُرّة ) إلى هذا الحد ؟!
ـ لا ... لقد وسوس لي أن أتصل بها هاتفياً !
صاح فارس : وهل فعلت ؟
ـ لا .. لا يا عم ، فلقد أنقذني ضميري ـ بفضل الله ـ في اللحظات الأخيرة !
ـ أحسنت ... أكمل !
بكيتُ في ذلك اليوم كثيراً ، شعرتُ بالندم وبشدة الإحتقار لنفسي ، بل إلى الآن احتقرها كلما تذكرت ذلك الموقف !
ـ لكنك لم تتصل بها ..
ـ لكني اصغيتُ لأمر إبليس .. !
ـ هل تعلم يا منتظر لو إنك إتصلت بها حينها وصارحتها بمشاعرك اتجاهها لسقطتَ من نظرها إلى الأبد !
قال منتظر متألماً :
ـ بل لسقطتُ في نظر ربّي ونظر نفسي ونظر أهلي لو عرفوا بما كنتُ أنوي فعله .
قال فارس وقد ضرب على رأس منتظر مازحاً :
ـ ولسقطتَ من نظري أنا أيضاً !!
قال منتظر بحزن :
ـ آه يا عم .. أنا أتألم وأنت تمزح !
ـ إنسَ ذلك الألم يا منتظر .. فكل شاب في عمرك يمر بما مررت به أنت ..وأحمد الله إن لك ضميراً متيقظاً ، فماذا يقولون لربهم أولئك الذين أناموا ضمائرهم بل أماتوها !
إن أي شاب من شباب اليوم لو كان مكانك لما تردد لحظة في إقامة علاقة مع الفتاة التي يهواها .. وخاصة إن الفرصة كانت سانحة لك ، فالهاتف تستطيع بسهولة أن تنقلهُ إلى غرفتك لتتصل بها في أي وقت طالما ان والدها لا يأتي المنزل إلا ليلاً !
وهذا ما يفعلهُ شبابنا هذه الأيام بدون خجل أو حياء .. وهم يتفوهون في اتصالاتهم تلك بكلمات حقيرة يندى لها الجبين في سبيل الإيقاع بالفتيات الساذجات اللواتي يُصدّقن تلك الكلمات المعسولة ليقعن بعد ذلك في مكيدة الشيطان !
بل إن أكثر العلاقات المحرمة اليوم يروّج لها ذلك الجهاز ( الهاتف ) ويزيد من حدَّتها ، فتصوّر ذلك الشاب الذي جذبته إحدى الفتيات يتصل بها ليسمع صوتها وتبقى هي ـ بدون استحياء ـ تتغنّج في صوتها وتتدلل عليه ، ماذا يمكن أن يحصل له !
ستثور تلك العاطفة أكثر وأكثر فيبدأ الكلام الغزلي المشين .. وكما يقول الشاعر :
نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامُ ... فكلامٌ فموعدٌ فلقاء
وهذه هي الحكمة من حُرمة العلاقات في الهاتف .
دمعت عينا منتظر حين وجد إن فارس يقارنهُ مع أولئك الشباب المنحليّن ..قال والعبرة تخنقه :
ـ لكن صدّقني يا عم ، أنا لا أنظر لملاذ كما ينظر أولئك الشباب لفتياتهم الساذجات .
ـ لكن ما بك يا منتظر !! أنا لم أقصد أن ..
قاطعهُ منتظر :
-أعرف يا عم ، لكن أرجوك أن تتفهم حقيقة مشاعري تجاهها ..
فأنا ما أحببتها إلاّ لإيمانها وعفّتها .. سترها وحجابها جعلاني أتمنى
قربها ، جعلاني أتمنى أن تكون ملاذ شريكة حياتي التي سأفتخر بها طيلة عمري .
فأنا لا أريدها لعبةً بيدي أبداً .. إنني أريدها ملاكاً تحفظني في حضوري وغيابي ، أُريدها أُماً صالحة تُربّي لي أولادي .
قال لهُ فارس وقد أمسك بيده :
-أنا أعرف أن حبّك لها ليس نزوة ولا شعوراً عابراً .. اعرف إن حبها إمتداد لحب الله ولو كان نزوة لأحببتها في وضعها ذلك قبل الهداية فأكيد إنها كانت أكثر إثارة وهي في ذلك الوضع !
لكن الحقيقة التي قد تكون جاهلاً لها وهي ما تُسبب لك هذا الألم هي إن أي شاب في عمرك وطموحك ويتعرف على فتاة مثل ملاذ بعفتها وإيمانها سيتعلق قلبهُ بها ، فالمرأة العفيفة تفرض نفسها عليك شئت أم أبيت !
فأنا عندما كنت شاباً وسافرت إلى الخارج وألتقيت هناك بمريم ـ زوجتي ـ عندما رأيتها لأول مرة في أحد مراكز الشباب بكامل حجابها وأدبها ـ كانت تمثل إنموذجاً رائعاً للفتاة المسلمة في البلاد الغربية ـ تعلّق قلبي بها وطلبتها للزواج فوافقت ..
وهكذا يا منتظر فالمرأة المؤمنة الملتزمة تفرض نفسها وشخصيتها على الجميع ، ولا أحد يستطيع أن يلومك على مشاعرك إتجاهها أبداً .
ثم إن مشاعرك كانت (( إعجاباً )) ليس إلاّ وحتى لو قلنا إنها تحولت إلى (( حب )) فهو (( حبٌ في الله )) والدليل إنك لم تتعدى حدود الله أبداً بل بقيت ملتزماً بها وحتى عندما حاول الشيطان أن يُحوَّل ذلك الشعور إلى مرض العشق ـ والعياذ بالله ـ
فإنك وبفضل إيمانك وطاعتك لله وحبك الخالص لهُ سبحانه رفضت ذلك النداء الشيطاني فلا تتصور إنك وقعت بالعشق أبداً لأن مرض العشق يا منتظر هو ما يجعلك تتعدى حدود الخالق من أجل المعشوق فترتكب المحرمات والمعاصي من أجل أن تلتقي بذلك المعشوق أوتراه وكل هذا لم يحصل لك - والحمد لله - لأنك كنت متسلح بسلاح الإيمان والمعرفة فلقد عرفت كيف تروّض مشاعرك وعواطفك وتجعلها طاهرةً سليمة بعيدة عن التخيلات الشيطانية الجامحة ،
ولو أن شبابنا الضائع اليوم يملكون ولو نصف معرفتك لما تاهووا في الفساد هكذا فالجهل هو الذي ركب الناس وجعلهم يغطوّن في الفساد والحرام إلى هذه الدرجة !
#الإيمان_والحب 🦋
وكما أظن إن الشيطان حينها قد سيطر عليَّ بالكامل ، فلقد تمنيت أن أصرخ لأُسمع العالم كله بأني ..
ـ بأنك ماذا ؟
ـ مشتاقٌ لرؤيتها !
ـ وهل توقف ( أبو مُرّة ) إلى هذا الحد ؟!
ـ لا ... لقد وسوس لي أن أتصل بها هاتفياً !
صاح فارس : وهل فعلت ؟
ـ لا .. لا يا عم ، فلقد أنقذني ضميري ـ بفضل الله ـ في اللحظات الأخيرة !
ـ أحسنت ... أكمل !
بكيتُ في ذلك اليوم كثيراً ، شعرتُ بالندم وبشدة الإحتقار لنفسي ، بل إلى الآن احتقرها كلما تذكرت ذلك الموقف !
ـ لكنك لم تتصل بها ..
ـ لكني اصغيتُ لأمر إبليس .. !
ـ هل تعلم يا منتظر لو إنك إتصلت بها حينها وصارحتها بمشاعرك اتجاهها لسقطتَ من نظرها إلى الأبد !
قال منتظر متألماً :
ـ بل لسقطتُ في نظر ربّي ونظر نفسي ونظر أهلي لو عرفوا بما كنتُ أنوي فعله .
قال فارس وقد ضرب على رأس منتظر مازحاً :
ـ ولسقطتَ من نظري أنا أيضاً !!
قال منتظر بحزن :
ـ آه يا عم .. أنا أتألم وأنت تمزح !
ـ إنسَ ذلك الألم يا منتظر .. فكل شاب في عمرك يمر بما مررت به أنت ..وأحمد الله إن لك ضميراً متيقظاً ، فماذا يقولون لربهم أولئك الذين أناموا ضمائرهم بل أماتوها !
إن أي شاب من شباب اليوم لو كان مكانك لما تردد لحظة في إقامة علاقة مع الفتاة التي يهواها .. وخاصة إن الفرصة كانت سانحة لك ، فالهاتف تستطيع بسهولة أن تنقلهُ إلى غرفتك لتتصل بها في أي وقت طالما ان والدها لا يأتي المنزل إلا ليلاً !
وهذا ما يفعلهُ شبابنا هذه الأيام بدون خجل أو حياء .. وهم يتفوهون في اتصالاتهم تلك بكلمات حقيرة يندى لها الجبين في سبيل الإيقاع بالفتيات الساذجات اللواتي يُصدّقن تلك الكلمات المعسولة ليقعن بعد ذلك في مكيدة الشيطان !
بل إن أكثر العلاقات المحرمة اليوم يروّج لها ذلك الجهاز ( الهاتف ) ويزيد من حدَّتها ، فتصوّر ذلك الشاب الذي جذبته إحدى الفتيات يتصل بها ليسمع صوتها وتبقى هي ـ بدون استحياء ـ تتغنّج في صوتها وتتدلل عليه ، ماذا يمكن أن يحصل له !
ستثور تلك العاطفة أكثر وأكثر فيبدأ الكلام الغزلي المشين .. وكما يقول الشاعر :
نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامُ ... فكلامٌ فموعدٌ فلقاء
وهذه هي الحكمة من حُرمة العلاقات في الهاتف .
دمعت عينا منتظر حين وجد إن فارس يقارنهُ مع أولئك الشباب المنحليّن ..قال والعبرة تخنقه :
ـ لكن صدّقني يا عم ، أنا لا أنظر لملاذ كما ينظر أولئك الشباب لفتياتهم الساذجات .
ـ لكن ما بك يا منتظر !! أنا لم أقصد أن ..
قاطعهُ منتظر :
-أعرف يا عم ، لكن أرجوك أن تتفهم حقيقة مشاعري تجاهها ..
فأنا ما أحببتها إلاّ لإيمانها وعفّتها .. سترها وحجابها جعلاني أتمنى
قربها ، جعلاني أتمنى أن تكون ملاذ شريكة حياتي التي سأفتخر بها طيلة عمري .
فأنا لا أريدها لعبةً بيدي أبداً .. إنني أريدها ملاكاً تحفظني في حضوري وغيابي ، أُريدها أُماً صالحة تُربّي لي أولادي .
قال لهُ فارس وقد أمسك بيده :
-أنا أعرف أن حبّك لها ليس نزوة ولا شعوراً عابراً .. اعرف إن حبها إمتداد لحب الله ولو كان نزوة لأحببتها في وضعها ذلك قبل الهداية فأكيد إنها كانت أكثر إثارة وهي في ذلك الوضع !
لكن الحقيقة التي قد تكون جاهلاً لها وهي ما تُسبب لك هذا الألم هي إن أي شاب في عمرك وطموحك ويتعرف على فتاة مثل ملاذ بعفتها وإيمانها سيتعلق قلبهُ بها ، فالمرأة العفيفة تفرض نفسها عليك شئت أم أبيت !
فأنا عندما كنت شاباً وسافرت إلى الخارج وألتقيت هناك بمريم ـ زوجتي ـ عندما رأيتها لأول مرة في أحد مراكز الشباب بكامل حجابها وأدبها ـ كانت تمثل إنموذجاً رائعاً للفتاة المسلمة في البلاد الغربية ـ تعلّق قلبي بها وطلبتها للزواج فوافقت ..
وهكذا يا منتظر فالمرأة المؤمنة الملتزمة تفرض نفسها وشخصيتها على الجميع ، ولا أحد يستطيع أن يلومك على مشاعرك إتجاهها أبداً .
ثم إن مشاعرك كانت (( إعجاباً )) ليس إلاّ وحتى لو قلنا إنها تحولت إلى (( حب )) فهو (( حبٌ في الله )) والدليل إنك لم تتعدى حدود الله أبداً بل بقيت ملتزماً بها وحتى عندما حاول الشيطان أن يُحوَّل ذلك الشعور إلى مرض العشق ـ والعياذ بالله ـ
فإنك وبفضل إيمانك وطاعتك لله وحبك الخالص لهُ سبحانه رفضت ذلك النداء الشيطاني فلا تتصور إنك وقعت بالعشق أبداً لأن مرض العشق يا منتظر هو ما يجعلك تتعدى حدود الخالق من أجل المعشوق فترتكب المحرمات والمعاصي من أجل أن تلتقي بذلك المعشوق أوتراه وكل هذا لم يحصل لك - والحمد لله - لأنك كنت متسلح بسلاح الإيمان والمعرفة فلقد عرفت كيف تروّض مشاعرك وعواطفك وتجعلها طاهرةً سليمة بعيدة عن التخيلات الشيطانية الجامحة ،
ولو أن شبابنا الضائع اليوم يملكون ولو نصف معرفتك لما تاهووا في الفساد هكذا فالجهل هو الذي ركب الناس وجعلهم يغطوّن في الفساد والحرام إلى هذه الدرجة !
أَنصار بَني أَلزهرآء فاطمْ{ ع }
#الجزء_السابع_والعشرون #الإيمان_والحب 🦋 وكما أظن إن الشيطان حينها قد سيطر عليَّ بالكامل ، فلقد تمنيت أن أصرخ لأُسمع العالم كله بأني .. ـ بأنك ماذا ؟ ـ مشتاقٌ لرؤيتها ! ـ وهل توقف ( أبو مُرّة ) إلى هذا الحد ؟! ـ لا ... لقد وسوس لي أن أتصل بها هاتفياً…
#الجزء_الثامن_والعشرون
#الإيمان_والحب 🦋
منذ الصباح كان فارس يستعد للاتجاه نحو منزل أبي ملاذ فهو لم ينسَ أنه وعد ملاذ بالمكوث عندهم يوماً إضافياً قبل سفرهِ .
خرج من غرفته التي خصصها كريم لهُ متجهاً نحو غرفة الجلوس حيث الجميع هناك لتوديعه ، وقبل أن يدخل غرفة الجلوس سمع صوت أم منتظر تناديه وهي تقف عند باب المطبخ :
-أخي فارس ..إلتفت فرآها واقفة وتُشير إليه قائلة :
-أرجوك .. قبل أن تدخل إلى الغرفة ، عندي كلام معك !
إتجه فارس نحوها وقد لاحظ علامات الحزن عليها .. قالت بصوتٍ شجي :
-أيها الأخ العزيز .. صدّقني يصعب علينا فراقك فلقد كنت واحداً منّا ولا تزال ، ولقد احبك الأولاد كثيراً وسيحزن الجميع لرحيلك .
أطرق فارس خجلاً من هذا الثناء وهو يردد كلمات الشكر والإمتنان ، ثم أكملت أم منتظر قائلة :
ـ وقبل أن ترحل .. هل لك أن تُسدي لأختك أم منتظر خدمة سوف لن تنساها طول حياتها !
ـ آه .. تفضلي يا أختاه ، أنا خادمكم يا أم منتظر .
ـ أستغفر الله يا أخي .. كلنا خدم وعبيد لله .
ـ ماذا هناك يا أم منتظر ؟ هل يوجد شيء لا سمح الله ؟
ـ إنهُ بخصوص منتظر ، لقد تركته وكان في عمر السادسة عشر تقريباً وعدتَ من السفر وهو في عمر الخامسة والعشرين وهو إلى الآن لم يتزوج كما ترى ..
ابتسم فارس وقال :
-عرفتُ ما يدور في خُلدك يا أُخيّة ! تُريديني أن أتحدث مع حامد بخصوص ابنتهُ ملاذ ومسألة خطوبتها لمنتظر.. صح !
ـ لكن ... كيف عرفت ؟ !
ضحك فارس قائلاً :
-أما عن كيفية معرفتي بالأمر فهو سر لا أستطيع البوح به ! وأما عن حديثي مع حامد بخصوص موضوع منتظر فصدّقيني أنا ذاهب اليوم إليهم من أجل هذا الموضوع !
قالت أم منتظر وقد لمح فارس الدموع في عينيها :
ـ لقد قرأت في كتاب وسائل الشيعة حديثاً عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) عن الذي يسعى في تزويج أخيه المسلم يقول فيه :
(( ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظلّ إلاّ ظله ، رجل زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم لهُ سراً ))
فعسى أن تكون أحد هؤلاء الثلاثة يا أخي فارس ، ستكون أنت أملنا من بعد الله سبحانه وتعالى .. وأظن أن أبا ملاذ وبحكم الصداقة التي تجمعكما معاً وبحكم قُدرتك الكبيرة على الإقناع فأنهُ سيتفهم الأمر ويوافق .
ـ إنها أمنيتي يا أم منتظر ، أن أرى ملاذ ومنتظر وقد جمعهما منزلٌ واحد .
ـ يسمع الله منك يا أخي ! لقد صبر منتظر كثيراً وعسى الله أن يجعل في تدخلك خيراً ونهايةً مباركة لهذا الصبر !
ـ وأنا أظن ذلك إن شاء الله ، لذلك أنا متفائل جداً وسأتوكل على الله في محاولة إقناعه .
ـ إن اقتنع أبو ملاذ فعلاً وحصلت الخطبة ثم الزواج فستكون يا أخي من الذين قال عنهم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته ( عليهم السلام ) :
(( من عمل في تزويج حلال حتى يجمع الله بينهما زوّجهُ الله من حور العين وكان له بكل خطوة خطاها وكلمة تكلمّ بها عبادة سنة )) .
ابتسم فارس ثم قال :
ـ أدعو من الله أن يوفقني لأكون عند حسن ظنكم بي .
بعدما وعد فارس أم منتظر بالتدخّل السريع لايجاد حل لقضية ولدها دخل غرفة الجلوس وصار يُسلّم عليهم مبتدئاً بالصغار الذين كانوا مستاءين جدّاً لفراقهِ وقد ودّعوه بالدموع والقُبلات الحارة حتى وصل إلى منتظر الذي قال محاولاً إخفاء دموعه :
ـ أنا لن أودّعك الآن يا عم لأنني سأرافقك بعد غد إلى المطار كما اتفقنا !
ثم قال أبو منتظر :
ـ وأنا كذلك ! سنلتقي هناك يا فارس بعد أن تتصل بنا يوم غد لتُخبرنا بموعد إقلاع الطائرة ...
ـ ولكن هذا يعني إنكما يجب أن ترافقاني إلى العاصمة .. حيث المطار !
أجاب منتظر بسرعة :
ـ وماذا يعني ذلك ؟! السيارة موجودة .
ثم ضرب على صدره وقال : والسائق موجود !
ابتسم الجميع وقد اختلطت ابتسامتهم تلك بدموع الفراق .. بعد ذلك رافقوا فارس إلى الباب وقد قام منتظر بإيصاله بسيارته إلى بيت حامد حيث سيقضي آخر يوم قبل سفره هناك .
قضى فارس تلك الليلة مع صاحبه أبي ملاذ بالتحدث في أمور مختلفة لكنهُ لم يتطرق إلى الأمر الذي جاء من أجله !
وفي اليوم التالي حيث لم يذهب فيه أبو ملاذ إلى عمله لأجل قضاء ذلك اليوم مع ضيفه ، كان فارس عازماً على إقناع صاحبه بما يروم التحدث فيه .
قال لهُ وهما يتناولان الشاي :
ـ سأستغل تواجد ملاذ في غرفتها لأسألك يا حامد عن أمرٍ يشغلني كثيراً ..
ـ وما هو يا صاحبي ؟
ـ ما سبب رفضك لمنتظر عندما تقدّم لخطبة ملاذ ؟
ـ أوه ... هل غسلوا دماغك أنت أيضاً ؟
ـ ماذا ؟ غسلوا دماغي ! ثم من هو الذي ( غسلوا دماغه ) قبلي !؟
ـ ملاذ .. ابنتي !
ـ إتّقِ الله يا رجل ، هل لأنهم أنقذوها من الضلالة وجعلوها تُبصر النور .. فيكونون كما وصفتهم !
ـ ماذا تقصد يا فارس .. هل إنني جعلت ابنتي تعيش في ضلالة كل تلك السنوات ؟
#الإيمان_والحب 🦋
منذ الصباح كان فارس يستعد للاتجاه نحو منزل أبي ملاذ فهو لم ينسَ أنه وعد ملاذ بالمكوث عندهم يوماً إضافياً قبل سفرهِ .
خرج من غرفته التي خصصها كريم لهُ متجهاً نحو غرفة الجلوس حيث الجميع هناك لتوديعه ، وقبل أن يدخل غرفة الجلوس سمع صوت أم منتظر تناديه وهي تقف عند باب المطبخ :
-أخي فارس ..إلتفت فرآها واقفة وتُشير إليه قائلة :
-أرجوك .. قبل أن تدخل إلى الغرفة ، عندي كلام معك !
إتجه فارس نحوها وقد لاحظ علامات الحزن عليها .. قالت بصوتٍ شجي :
-أيها الأخ العزيز .. صدّقني يصعب علينا فراقك فلقد كنت واحداً منّا ولا تزال ، ولقد احبك الأولاد كثيراً وسيحزن الجميع لرحيلك .
أطرق فارس خجلاً من هذا الثناء وهو يردد كلمات الشكر والإمتنان ، ثم أكملت أم منتظر قائلة :
ـ وقبل أن ترحل .. هل لك أن تُسدي لأختك أم منتظر خدمة سوف لن تنساها طول حياتها !
ـ آه .. تفضلي يا أختاه ، أنا خادمكم يا أم منتظر .
ـ أستغفر الله يا أخي .. كلنا خدم وعبيد لله .
ـ ماذا هناك يا أم منتظر ؟ هل يوجد شيء لا سمح الله ؟
ـ إنهُ بخصوص منتظر ، لقد تركته وكان في عمر السادسة عشر تقريباً وعدتَ من السفر وهو في عمر الخامسة والعشرين وهو إلى الآن لم يتزوج كما ترى ..
ابتسم فارس وقال :
-عرفتُ ما يدور في خُلدك يا أُخيّة ! تُريديني أن أتحدث مع حامد بخصوص ابنتهُ ملاذ ومسألة خطوبتها لمنتظر.. صح !
ـ لكن ... كيف عرفت ؟ !
ضحك فارس قائلاً :
-أما عن كيفية معرفتي بالأمر فهو سر لا أستطيع البوح به ! وأما عن حديثي مع حامد بخصوص موضوع منتظر فصدّقيني أنا ذاهب اليوم إليهم من أجل هذا الموضوع !
قالت أم منتظر وقد لمح فارس الدموع في عينيها :
ـ لقد قرأت في كتاب وسائل الشيعة حديثاً عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) عن الذي يسعى في تزويج أخيه المسلم يقول فيه :
(( ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظلّ إلاّ ظله ، رجل زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم لهُ سراً ))
فعسى أن تكون أحد هؤلاء الثلاثة يا أخي فارس ، ستكون أنت أملنا من بعد الله سبحانه وتعالى .. وأظن أن أبا ملاذ وبحكم الصداقة التي تجمعكما معاً وبحكم قُدرتك الكبيرة على الإقناع فأنهُ سيتفهم الأمر ويوافق .
ـ إنها أمنيتي يا أم منتظر ، أن أرى ملاذ ومنتظر وقد جمعهما منزلٌ واحد .
ـ يسمع الله منك يا أخي ! لقد صبر منتظر كثيراً وعسى الله أن يجعل في تدخلك خيراً ونهايةً مباركة لهذا الصبر !
ـ وأنا أظن ذلك إن شاء الله ، لذلك أنا متفائل جداً وسأتوكل على الله في محاولة إقناعه .
ـ إن اقتنع أبو ملاذ فعلاً وحصلت الخطبة ثم الزواج فستكون يا أخي من الذين قال عنهم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته ( عليهم السلام ) :
(( من عمل في تزويج حلال حتى يجمع الله بينهما زوّجهُ الله من حور العين وكان له بكل خطوة خطاها وكلمة تكلمّ بها عبادة سنة )) .
ابتسم فارس ثم قال :
ـ أدعو من الله أن يوفقني لأكون عند حسن ظنكم بي .
بعدما وعد فارس أم منتظر بالتدخّل السريع لايجاد حل لقضية ولدها دخل غرفة الجلوس وصار يُسلّم عليهم مبتدئاً بالصغار الذين كانوا مستاءين جدّاً لفراقهِ وقد ودّعوه بالدموع والقُبلات الحارة حتى وصل إلى منتظر الذي قال محاولاً إخفاء دموعه :
ـ أنا لن أودّعك الآن يا عم لأنني سأرافقك بعد غد إلى المطار كما اتفقنا !
ثم قال أبو منتظر :
ـ وأنا كذلك ! سنلتقي هناك يا فارس بعد أن تتصل بنا يوم غد لتُخبرنا بموعد إقلاع الطائرة ...
ـ ولكن هذا يعني إنكما يجب أن ترافقاني إلى العاصمة .. حيث المطار !
أجاب منتظر بسرعة :
ـ وماذا يعني ذلك ؟! السيارة موجودة .
ثم ضرب على صدره وقال : والسائق موجود !
ابتسم الجميع وقد اختلطت ابتسامتهم تلك بدموع الفراق .. بعد ذلك رافقوا فارس إلى الباب وقد قام منتظر بإيصاله بسيارته إلى بيت حامد حيث سيقضي آخر يوم قبل سفره هناك .
قضى فارس تلك الليلة مع صاحبه أبي ملاذ بالتحدث في أمور مختلفة لكنهُ لم يتطرق إلى الأمر الذي جاء من أجله !
وفي اليوم التالي حيث لم يذهب فيه أبو ملاذ إلى عمله لأجل قضاء ذلك اليوم مع ضيفه ، كان فارس عازماً على إقناع صاحبه بما يروم التحدث فيه .
قال لهُ وهما يتناولان الشاي :
ـ سأستغل تواجد ملاذ في غرفتها لأسألك يا حامد عن أمرٍ يشغلني كثيراً ..
ـ وما هو يا صاحبي ؟
ـ ما سبب رفضك لمنتظر عندما تقدّم لخطبة ملاذ ؟
ـ أوه ... هل غسلوا دماغك أنت أيضاً ؟
ـ ماذا ؟ غسلوا دماغي ! ثم من هو الذي ( غسلوا دماغه ) قبلي !؟
ـ ملاذ .. ابنتي !
ـ إتّقِ الله يا رجل ، هل لأنهم أنقذوها من الضلالة وجعلوها تُبصر النور .. فيكونون كما وصفتهم !
ـ ماذا تقصد يا فارس .. هل إنني جعلت ابنتي تعيش في ضلالة كل تلك السنوات ؟