دروس في البلاغة
1.3K subscribers
1 photo
13 videos
3 files
13 links
الوجيه الأهدل
Download Telegram
ْالفرق بين الزوجة و المرأة في القرآن الكريم
أضف الى معلوماتك...
درس في بلاغة واعجاز لغة القرآن
معلومة جديدة...
الاعجاز اللغوي في القران
الفرق بين الزوجة و المرأة في القرآن الكريم -- تبهرني العقول المتفتحة التي تفسر لنا ما لا ندركه من كلام الخالق جل شأنه.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
تعالوا وتعرفوا على البلاغة في القران والدقة في التعبير والبيان
ثم قولوا سبحانك ياعظيم يامنان
متى تكون المرأة زوجا ومتى لا تكون ؟
عند استقراء الآيات القرآنية التي جاء فيها اللفظين ، نلحظ أن لفظ (زوجة) يطلق على المرأة إذا كانت الزوجية تامة بينها وبين زوجها ، وكان التوافق والإقتران والإنسجام تاما بينهما ، بدون اختلاف ديني أو نفسي أو جنسي ..
فإن لم يكن التوافق والإنسجام كاملا ، ولم تكن الزوجية متحققة بينهما ، فإن القرآن يطلق عليها (امرأة) وليست زوجا ، كأن يكون اختلاف ديني عقدي أو جنسي بينهما ..
ومن الأمثلة على ذلك
قوله تعالى : ۞وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ۞ (الروم:21)،
وقوله تعالى : ۞ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا۞ [الفرقان:74].
وبهذا الإعتبار جعل القرآن حواء زوجا لآدم ، في قوله تعالى :
۞وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ۞ ( البقرة 35 ). وبهذا الإعتبار جعل القرآن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أزواجا )له ، في قوله تعالى :
۞ النَّبِيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ وَأَزْوَاجه أُمَّهَاتهمْ ۞ [الأحزاب: 6].
فإذا لم يتحقق الإنسجام والتشابه والتوافق بين الزوجين لمانع من الموانع فإن القرآن يسمي الأنثى (امرأة ) وليس ( زوجا )
قال القرآن : امرأة نوح ، وامرأة لوط ، ولم يقل : زوج نوح أو زوج لوط ، وهذا في قوله تعالى :
۞ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ۞ [سورة التحريم: آية 10].
إنهما كافرتان ، مع أن كل واحدة منهما امرأة نبي ، ولكن كفرها لم يحقق الإنسجام والتوافق بينها وبين بعلها النبي . ولهذا ليست ( زوجا )له ، وإنما هي ( امرأة) تحته .
ولهذا الإعتبار قال القرآن : امرأة فرعون ، في قوله تعالى :
۞وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ ۞ ( سورة التحريم 11 ) .
لأن بينها وبين فرعون مانع من الزوجية ، فهي مؤمنة وهو كافر ، ولذلك لم يتحقق الإنسجام بينهما ، فهي ( امرأته) وليست ( زوجه)
ومن روائع التعبير القرآني العظيم في التفريق بين ( زوج) و ( امرأة) ما جرى في إخبار القرآن عن دعاء زكريا ، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، أن يرزقه ولدا يرثه . فقد كانت امرأته عاقر لا تنجب ، وطمع هو في آية من الله تعالى ، فاستجاب الله له ، وجعل امرأته قادرة على الحمل والولادة .
عندما كانت امرأته عاقرا أطلق عليها القرآن كلمة (امرأة)،
قال تعالى على لسان زكريا :
۞وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) ۞ سورة مريم.
وعندما أخبره الله تعالى أنه استجاب دعاءه ، وأنه سيرزقه بغلام ، أعاد الكلام عن عقم امرأته ، فكيف تلد وهي عاقر ، قال تعالى :
۞ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) ۞ ( سورة آل عمران )
وحكمة إطلاق كلمة (امرأة) على زوج زكريا عليه السلام أن الزوجية بينهما لم تتحقق في أتم صورها وحالاتها ، رغم أنه نبي ، ورغم أن امرأته كانت مؤمنة ، وكانا على وفاق تام من الناحية الدينية الإيمانية .
ولكن عدم التوافق والإنسجام التام بينهما ، كان في عدم إنجاب امرأته ، والهدف ( النسلي )من الزواج هو النسل والذرية ، فإذا وجد مانع بيولوجي عند أحد الزوجين يمنعه من الإنجاب ، فإن الزوجية لم تتحقق بصورة تامة .
ولأن امرأة زكريا عليه السلام عاقر ، فإن الزوجية بينهما لم تتم بصورة متكاملة ، ولذلك أطلق عليها القرآن كلمة (امرأة )
وبعدما زال المانع من الحمل ، وأصلحها الله تعالى ، وولدت لزكريا ابنه يحيى ، فإن القرآن لم يطلق عليها ( امرأة)، وإنما أطلق عليها كلمة (زوج)، لأن الزوجية تحققت بينهما على أتم صورة .
قال تعالى :
۞ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۞
يتبع
والخلاصة أن امرأة زكريا عليه السلام قبل ولادتها يحيى هي (امرأة ) زكريا في القرآن ، لكنها بعد ولادتها يحيى هي ( زوج) وليست مجرد امرأته .
وبهذاعرفنا الفرق الدقيق بين (زوج )و (امرأة ) أي التعبير القرآني العظيم ، وأنهما ليسا مترادفين .
اللهم لا علم لنا الا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
ربنا تقبل منا عملنا واجعله خالصا لوجهك الكريم
.
► موسوعة الإعجاز العلمي ◄
[ فى القراّن الكريم و السنه ] 🔰🔰
❂※━═◈•●2015●•◈═━※❂ 📜ملتقيات📜
﴿سُفَـــ(الأَخـــ«✿»ـــلاقْ)ــرَاءُ﴾.
🔰🔰صباحكم نور وسرور وفرح وحبور
#دروس_في_البلاغة

خروج الخبر عن مقتضى الظاهر

في الدرس السابق
أخذنا مجيء الخبر على مقتضى ظاهر الخطاب وهو
إذا ألقي الخبر خاليا من التوكيد لخالي الذهن ،
ومؤكدا استحسانا للسائل المتردد ،
ومؤكدا وجوبا للمنكر ،
كان ذلك جريا على مقتضى الظاهر .

وقد يجري الخبر على خلاف ما يقتضيه الظاهر لاعتبارات يلحظها المتكلم .
ومن ذلك ما يأتي :

( ا ) أن ينزل خالي الذهن منزلة السائل المتردد الشاك
إذا تقدم في الكلام ما يشير إلى حكم الخبر ومضمونه .
نحو
وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء
المتأمل في الآية يجد
أن المخاطب بها هنا خالي الذهن من الحكم الذي تضمنه قوله تعالى إن النفس لأمارة بالسوء
غير أن هذا الحكم لما كان مسبوقا بجملة أخرى وهي قوله تعالى وما أبرئ نفسي وهي تشير إلى أن النفس محكوم عليها بشيء غير محبوب أصبح المخاطب مستشرفا متطلعا إلى نوع هذا الحكم فنزل من أجل ذلك منزلة الطالب المتردد وألقى إليه الخبر مؤكدا
ونحو
ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون
المخاطب خالي الذهن من الحكم الخاص بالظالمين وكان مقتضى الظاهر على هذا أن يلقى إليه الخبر غير مؤكد ولكن الآية الشريفة جاءت بالتوكيد فما سبب خروجها عن مقتضى الظاهر السبب أن الله سبحانه لما نهى نوحا عن مخاطبته في شأن مخالفيه دفعه ذلك إلى التطلع إلى ما سيصيبهم فنزل لذلك منزلة السائل المتردد أحكم عليهم بالآغراق أم لا ؟
فأجيب بقوله إنهم مغرقون .

ومثله قوله تعالى
يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم

وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم

( ب ) أن يجعل غير المنكر كالمنكر لظهور أمارات الإنكار عليه

ثم إنكم بعد ذلك لميتون
المخاطبون بهذه الآية الكريمة لا ينكرون حقيقة الموت بالنسبة للإنسان وأنه مهما طال أجله فإن مصيره إلى الموت والفناء وعلى ما يقتضيه الظاهر كان يجب أن يلقى إليهم الكلام خاليا من التأكيد ولكننا مع ذلك نرى أن الكلام قد خرج عن مقتضى الظاهر وألقي إليهم مؤكدا فما السبب في ذلك
السبب ظهور أمارات الإنكار عليهم فإن نسيانهم للموت وتكالبهم على مطالب العيش كأنهم مخلدون أبدا
وعدم بذلهم في الحياة الدنيا ما ينفعهم في الآخرة كل هذه بوادر منهم تدل على إنكارهم لحقيقة الموت ومن أجل ذلك نزلوا منزلة المنكرين
وألقي الخبر إليهم مؤكدا بمؤكدين :

هما إن ولام الابتداء

ومثله نحو

جاء شقيق عارضا رمحه
إن بني عمك فيهم رماح

شقيق هذا لا ينكر رماح بني عمه
لكنه مع ذلك يأتي إليهم عارضا شاهرا رمحه مدلا بنفسه وبشجاعته عليهم كأنه يعتقد أنهم عزل من السلاح
فمجيئه على هذه الحال علامة على إنكاره وجود السلاح مع بني عمه ولذلك أنزل منزلة المنكر وبالتالي ألقي الخبر إليه مؤكدا وقيل له إن بني عمك فيهم رماح

( ج ) أن يجعل المنكر كغير المنكر إن كان لديه دلائل وشواهد لو تأملها لارتدع عن إنكاره
نحو قوله تعالى :

إلهكم إله واحد

هذا خطاب مع أناس منكرين

لوحدانية الله
وكان مقتضى الظاهر أن يلقى إليهم الخبر مؤكدا بعدة مؤكدات
ولكن جاء الخبر خاليا من أي تأكيد
لماذا
لأن هذا الأمر وهو وحدانية الله بين يدي المنكرين عليه من الشواهد الساطعة والأدلة المقنعة ما لو تدبروها لزال إنكارهم ولحل محله اليقين والاقتناع بوحدانية الله
فلهذا نزلوا منزلة غير المنكر
تقدم معنا في دروس سابقة أن الكلام ينقسم إلى قسمين

خبر

وإنشاء

وتقدم أن الخبر ما يحتمل الصدق والكذب لذاته بغض النظر عن قائله
والإنشاء ما لا يحتمل الصدق والكذب لذاته

أو قل
الخبر ما له مدلول في الخارج قبل النطق به
والإنشاء ما لا مدلول له في الخارج قبل النطق به

وسبق الحديث عن الخبر
وأضربه
وتأكيده

وحديثنا اليوم عن الإنشاء

وهو نوعان :

إنشاء طلبي

وإنشاء غير طلبي

فالطلبي ما يستدعي مطلوبا

غير حاصل وقت الطلب

ويكون بالأمر

نحو : اصبروا وصابروا ورابطوا

والنهي

نحو : و لا تصغر خدك للناس

ولا تمش في الأرض مرحا


والاستفهام

نحو : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان

والتمني

نحو : يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون

والنداء

نحو : يا أهل يثرب
لا مقام لكم فارجعوا

ونحو
يا من يعز علينا أن نفارقهم
وجداننا كل شيء بعدكم عدم


الإنشاء غير الطلبي ما لا يستدعي مطلوبا وله صيغ كثيرة

منها التعجب وهو تفضيل شخص من الأشخاص أو غيره على أضرابه
في وصف من الأوصاف والتعجب يأتي قياسيا بصيغتين " ما أفعله "
" أفعل به "

أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا

نحو :
بنفسي تلك الأرض ما أطيب الربا
وما أحسن المصطاف والمتربعا

ومن الإنشاء غير الطلبي المدح والذم

ومن صيغ المدح
نعم وحبذا

نعم نحو
نعم امرأ هرم لم تعر نائبة
إلا وكان لمرتاع لها وزرا

وحبذا نحو
يا حبذا جبل الريان من جبل
وحبذا ساكن الريان من كانا
وحبذا نفحات من يمانية
تأتيك من قبل الريان أحيانا


و الذم من صيغه بئس ولا حبذا

نحو
بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان

ونحو
ألا حبذا عاذري في الهوى
ولا حبذا العاذل الجاهل

والقسم

نحو

لعمرك ما بالعقل يكتسب الغنى
ولا باكتساب المال يكتسب العقل

وأدوات وأفعال الرجاء

نحو

لعل انحدار الدمع يعقب راحة
من الوجد أو يشفي شجي البلابل

ونحو

عسى سائل ذو حاجة إن منعته
من اليوم سؤلا أن يكون له غد

وكذلك صيغ العقود
مثل بعتك و نحوها

وأنواع الإنشاء غير الطلبي ليست من مباحث علم المعاني

ولذلك نقتصر فيها على ما ذكرنا

ولا نطيل فيها البحث

والبحث سيكون عن الإنشاء الطلبي عن خمسة أنواع منه
الأمر

النهي

الاستفهام

التمني

النداء
وسنتحدث عنها واحدا واحدا إن شاء الله تعالى
كنا أخذنا أن الإنشاء الطلبي خمسة أنواع وهي الأمر والنهي والاستفهام والتمني والنداء
اليوم درسنا عن الأمر
الأمر طلب الفعل على وجه الاستعلاء
للأمر أربع صيغ :

فعل الأمر

مثل قوله تعالى

أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة


المضارع المقرون بلام الأمر

مثل قوله سبحانه

ليكتب بينكم كاتب

ليعبدوا رب هذا البيت

ومنه قول الشاعر

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر

وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق

اسم فعل الأمر

منه عليكم اسم فعل أمر
بمعنى الزموا

مثل قوله تعالى

عليكم أنفسكم لا يضركم
من ضل إذا اهتديتم

المصدر النائب عن فعل الأمر

مثل إحسانا في قوله تعالى
وبالوالدين إحسانا
أي أحسنوا إلى الوالدين إحسانا

قد تخرج صيغ الأمر عن معناها الأمر الأصلي (وهو طلب الفعل على وجه الاستعلاء) إلى معان أخرى تستفاد من سياق الكلام
كالدعاء

ربنا أرنا مناسكنا وتب علينا

والإرشاد

كقوله تعالى

إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه

والالتماس

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

والتمني

ويكون بأمر من لا يعقل

مثل
يا ليل طل يا نوم زل
يا صبح قف لا تطلع
ومثل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
ومثل
يا دار عبلة بالجواء تكلمي

والتخيير

نحو قولك تزوج هندا أو أختها

فأنت تخيره بين الأمرين

منه قول البحتري
فمن شاء فليبخل ومن شاء فليجد
كفاني نداكم عن جميع المطالب

والتسوية

نحو قوله تعالى

اصبروا أو لا تصبروا

ومنه قول المتنبي
عش عزيزا أو مت وأنت كريم
بين طعن القنا وخفق البنود

والتعجيز

مثل قوله تعالى

إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا

فأتوا بسورة من مثله

ومنه قول الشاعر

أروني بخيلا طال عمرا ببخله
وهاتوا كريما مات من كثرة البذل

والتهديد

مثل قوله تعالى

اعملوا ما شئتم

والإباحة

مثل قوله تعالى

كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
كنا قد أخذنا في دروس مضت أن الإنشاء الطلبي خمسة أنواع
وأخذنا منها الأمر
ودرسنا الليلة عن النهي
النهي طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء

قال الله تعالى في النهي عن أخذ مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن

ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن


للنهي صيغة واحدة هي المضارع مع لا الناهية


ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى

يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا

قد تخرج صيغة النهي عن معناها الحقيقي (وهو طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء)
إلى معان أخرى تستفاد من السياق
وقرائن الأحوال

كالدعاء
وذلك عندما يكون صادرا ممن هو أدنى إلى من هو أعلى

نحو

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا

ونحوه قول
مسلم بن الوليد في الرشيد
لا يعدمنك حمى الإسلام من ملك
أقمت قلته من بعد تأويد


والالتماس

وذلك عندما يكون من قرين إلى قرينه


نحو

فلا تبلغاه ما أقول فإنه
شجاع متى يذكر له الطعن يشتق


ونحو
لا تحسبوا البعد ينسيني مودتكم
هيهات هيهات أن تنسى على الزمن

والتمني

وذلك في خطاب ونهي من لا يعقل

نحو

يا ناق لا تسأمي أو تبلغي ملكا
تقبيل راحته والركن سيان
متى تحطي إليه الرحل سالمة
تستجمعي الخلق في تمثال إنسان

ونحو

يا ناق سيري عنقا فسيحا
إلى سليمان فنستريحا

وقول الخنساء في رثاء أخيها
أعيني جودا ولا تجمدا
ألا تبكيان لصخر الندى

والإرشاد

كقول أبي العلاء المعري

ولا تجلس إلى أهل الدنايا
فإن خلائق السفهاء تعدي

وقول المتنبي

إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم

والتوبيخ

كقول أبي الأسود الدؤلي
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم


والتيئيس أو سمه التعجيز

وذلك في خطاب من يفعل ما لا نفع له من ورائه

كقوله تعالى

لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم

وكقول الشاعر

لا تعرضن لجعفر متشبها
بندى يديه فلست من أنداده

وكقول المتنبي في مدح سيف الدولة

لا تطلبن كريما بعد رؤيته
إن الكرام بأسخاهم يدا ختموا

والتهديد

كقولك لمن هو دونك لا تمتثل أمري


والتحقير

كقول أبي الطيب يهجو كافورا
لا تشتر العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد

وكقول الحطيئة في هجاء الزبرقان بن بدر

دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

ونحوه قول الآخر
لا تطلب المجد واقنع
فمطلب المجد صعب

وكذا أيضا

لا تطلب المجد إن المجد سلمه
صعب وعش مستريحا ناعم البال
#دروس_في_البلاغة
الاستفهام طلب الفهم أو قل طلب العلم بشيء لم يكن معلوما من قبل

وله أدوات كثيرة
منها الهمزة وهل

والهمزة هي أم الباب ولهذا اختصت بأشياء

منها أنه
يطلب بالهمزة أحد أمرين

التصور : وهو إدراك المفرد وفي هذه الحال تأتي الهمزة متلوة بالمسئول عنه ويذكر له في الغالب معادل بعد أم
التصديق وهو إدراك النسبة وفي هذه الحال يمتنع ذكر المعادل

يطلب بهل التصديق ليس غير ويمتنع معها ذكر المعادل
مثال الأول وهو التصور مع الهمزة

أأنت المسافر أم أخوك

أمشتر أنت أم بائع

أشعيرا زرعت أم قمحا

أراكبا جئت أم ماشيا

أيوم الجمعة يستريح العمال أم يوم الأحد
ففي هذه الأمثلة تجد أن المتكلم في كل منهما يعرف النسبة التي تضمنها الكلام ولكنه يتردد بين شيئين ويطلب تعيين أحدهما

ففي قوله أأنت المسافر أم أخوك

نسبة السفر إلى أحدهما مؤكدة لكن

المطلوب تعيين من المسافر منهما

وفي قوله أمشتر أنت أم بائع

هو حاصل منه أحدهما ويطلب
تعيينه

وكذا يقال في الأمثلة الأخرى

ونلاحظ المسؤول عنه يأتي

بعد الهمزة مباشرة

وهذا هو التصور

وأما التصديق فهو تردد

في إثبات النسبة أو نفيها

مثال

أيصدأ الذهب

أيسير الغمام

أتتحرك الأرض

المطلوب هنا في هذه الأمثلة
هو إثبات النسبة أو نفيها
فمثلا
أيصدأ الذهب المطلوب إثبات نسبة الصدأ إلى الذهب أو نفيها

وكذا في
أيسير الغمام
إثبات نسبة السير إلى الغمام أو نفيه

وكذا في أتتحرك الأرض

إثبات نسبة الحركة إلى الأرض
أو نفيها

مما سبق يتبين أن الهمزة تأتي للأمرين
التصور
والتصديق

أما هل فلا تأتي إلا للتصديق فقط

مثال

هل يعقل الحيوان

هل يحس النبات

هل ينمو الجماد

ففي هذه الأمثلة يطلب إثبات نسبة أو نفيها

هل يعقل الحيوان

المطلوب إثبات نسبة العقل إلى الحيوان أو نفيها

وكذا في هل يحس النبات
المطلوب هو إثبات الإحساس إلى النبات أو نفيه

وكذا هل ينمو الجماد المطلوب

إثبات نسبة النمو إلى الجماد

أو نفيها
للاستفهام أدوات أخرى غير الهمزة وهل وهي

من ويطلب بها تعيين العقلاء

من نبيك ؟

ما ويطلب بها شرح الاسم أو حقيقة المسمى

ما الكرى ؟
ما الإسراف ؟

متى ويطلب بها تعيين الزمان ماضيا كان أو مستقبلا

متى جئت ؟
متى تأتي ؟

أيان ويطلب بها تعيين الزمان المستقبل خاصة وتكون في موضع التهويل

يسأل أيان يوم القيامة

يسألونك عن الساعة أيان مرساها

كيف ويطلب بها تعيين الحال

كيف أنت ؟

أين ويطلب بها تعيين المكان

أين محمد ؟

أنى وتأتي لمعان عدة فتكون بمعنى كيف وبمعنى من أين
وبمعنى متى

أنى هذا

أنى لك هذا

أنى تأتي ؟

وتحتمل المعاني الثلاثة في قوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم

كم ويطلب بها تعيين العدد

كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟

أي
ويطلب بها تعيين أحد المتشاركين في أمر يعمهما ويسأل بها عن الزمان والحال والعدد والعاقل وغير العاقل بحسب ما تضاف إليه

أي الفريقين خير مقاما

أي أنحن أم أصحاب محمد

جميع الأدوات المتقدمة يطلب بها التصور ولذلك يكون الجواب معها بتعيين المسؤول عنه

تتمة لما سبق
واختصارا له
الاستفهام يكون بطلب التصور أو بطلب التصديق
التصور هو إدراك المفرد
التصديق هو إدراك النسبة
حروف الاستفهام
منها ما يأتي للتصديق فقط
ومنها ما يأتي للتصور فقط
ومنها ما يأتي للتصور ويأتي للتصديق
الأول هل
الثالث الهمزة
الثاني باقي حروف الاستفهام
إذا لا يصح أن يقال
هل جاء محمد أم علي
لأن المطلوب هنا هو التصور
وهو معرفة الآتي منهما
مع ثبوت أصل المجيء
و هل خاصة بالتصديق
وهي تفيد أن أصل المجيء
مشكوك فيه
والله أعلم
سبق أن الاستفهام هو طلب الفهم أو طلب العلم بشيء لم يكن معلوما من قبل
وبينا أدواته وما تفيد كل أداة من تصور أو تصديق
ودرسنا اليوم عن خروج ألفاظ الاستفهام عن معانيها الأصلية

قد تخرج ألفاظ الاستفهام عن معانيها الأصلية
لمعان أخرى
تستفاد من سياق الكلام
كالنفي والإنكار والتقرير
والتوبيخ والتعظيم والتحقير والاستبطاء والتعجب
والتسوية والتمني والتشويق

النفي مثل
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان
هل الدهر إلا غمرة وانجلاؤها
وشيكا وإلا ضيقة وانفراجها
وجود إلا بعدها يدل على أن الاستفهام هنا هو للنفي لأن إلا لا تأتي إلا بعد النفي

ومثال الإنكار
قوله تعالى
أفأصفاكم ربكم بالبنين
واتخذ من الملائكة إناثا
وقول المتنبي
أتلتمس الأعداء بعد الذي رأت
قيام دليل أو وضوح بيان

ومثال التقرير
قوله تعالى
ألم نشرح لك صدرك

ونحو قول جرير في المدح
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
وقالوا هذا أمدح بيت قالته العرب
ونحوه أيضا قول البحتري
ألست أعمهم جودا
وأزكاهم عودا وأمضاهم حساما

والمقرر به دائما يأتي بعد همزة الاستفهام
فمثال التقرير بالفعل أضربت زيدا
ومثال التقرير بالفاعل أأنت ضربت زيدا
ومنه الآية أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم
ومثال التقرير بالمفعول أزيدا ضربت


ومثال التوبيخ
إلام الخلف بينكم إلاما
وهذي الضجة الكبرى علاما

ومثال التعظيم

من للمحافل والجحافل والسرى
فقدت بفقدك نيرا لا يطلع
ومن اتخذت على الضيوف خليفة
ضاعوا ومثلك لا يكاد يضيع
ومنه قوله تعالى

إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني
عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
ومثال التحقير

الآية
أهذا الذي بعث الله رسولا

من أية الطرق يأتي مثلك الكرم
أين المحاجم يا كافور والجلم


ومثال الاستبطاء

الآية : متى نصر الله
ومنه قول الشاعر
حتام نحن نساري النجم في الظلم
وما سراه على خف ولا قدم

ومثال التعجب
قول الله تعالى

ما لهذا الرسول يأكل الطعام

وقوله تعالى

مالي لا أرى الهدهد

ونحوه قول المتنبي

أبنت الدهر عندي كل بنت
فكيف وصلت أنت من الزحام

ومثال التسوية

سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين

ومثال التمني
قول الله تعالى

فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا

ومن التمني سؤال ما لا يعقل كالأطلال ونحوها وغيرها
ومنه
أسرب القطا هل من يعير جناحه
لعلي إلى من قد هويت أطير

ومثال التشويق

هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم

وقديأتي الاستفهام للاستبعاد
كآلية
أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون
وقول شوقي أين شرق الأرض من أندلس

وقد يأتي الاستفهام للتهكم والسخرية
كقوله تعالى
قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك
أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء
ومنه قوله تعالى فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون
وقد يأتي للتهويل وهو التفظيع والتفخيم لأن المستفهم عنه
ما الحاقة
ما القارعة
وهناك معان أخرى لا يتسع لها المقام وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق
أخذنا من الإنشاء الطلبي ثلاثة أقسام وهي الأمر والنهي والاستفهام

بقي قسمان
التمني
والنداء


التمني طلب أمر محبوب
لا يرجى حصوله
إما لكونه مستحيلا
وإما لكونه ممكنا غير مطموع
في نيله

فالأول ( المستحيل )

كقول الشاعر
ألا ليت الشباب يعود يوما
فأخبره بما فعل المشيب

وكقول الآخر
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها
عقود مدح فما أرضى لكم كلمي


وكقول الشاعر ابن الرومي
فليت الليل فيه كان شهرا
ومر نهاره مر السحاب

وكقول الله تعالى يحكي مقال أهل النار
فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا

وكقول جرير
ولى الشباب حميدة أيامه
لو كان ذلك يشترى أو يرجع

وقال آخر
أسرب القطا هل من يعير جناحه
لعلي إلى من قد هويت أطير

والثاني ( الممكن غير المطموع في نيله )

كقوله تعالى
قال الذين يريدون الحياة الدنيا
يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون

وكقوله تعالى
حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين


واللفظ الموضوع للتمني ليت

وقد يتمنى
بهل
ولو
ولعل
لغرض بلاغي

فالغرض البلاغي المنشود من وراء التمني بلفظتي (هل ) و (لعل )
هو إبراز المتمنى المستحيل
وإظهاره في صورة الممكن
القريب الحصول
لكمال العناية به والشوق إليه

فمن أمثلة هل :
قوله تعالى فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا

وقوله تعالى أيضا
فهل إلى خروج من سبيل
لكمال عنايتهم بهذا المتمنى وهو الخروج أو الشفعاء جاء التعبير عنه بهل بدلا من ليت

ومنه قول الشاعر
أيا منزلي سلمى سلام عليكما
هل الأزمن اللائي مضين رواجع


ومن أمثلة لعل قوله تعالى
وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع على إله موسى

ففرعون لشدة تكبره واستعلائه أتى بلفظة لعل بدلا من ليت وكأن ما ذكره أمر لايعجزه
وقول الشاعر
أسرب القطا هل من يعير جناحه
لعلي إلى من قد هويت أطير
أتى بلعل وهل هنا بدلا من ليت
لكمال عنايته بالشوق إلى محبوبه وكأنه أمر يسير ممكن الحصول

إذا كان الأمر المحبوب
مما يرجى حصوله
كان طلبه ترجيا
ويعبر فيه بلعل
أو عسى
وقد تستعمل فيه ليت لغرض بلاغي

والغرض من استعمال لو في التمني هو الإشعار بعزة المتمنى وندرته
لأن المتكلم يظهره في صورة الممنوع إذ أن لو تدل بأصل وضعها على امتناع الجواب لامتناع الشرط

ومن أمثلة ذلك
قوله تعالى فلوأن لنا كرة فنكون من المؤمنين

وقد تستعمل ليت في الرجاء
لغرض بلاغي
هو إبراز المرجو في صورة المستحيل مبالغة في بعد نيله
من أمثلة ذلك
فليت هوى الأحبة كان عدلا
فحمل كل قلب ما أطاقا
وقول الآخر
ليت الملوك على الأقدار معطية
فلم يكن لدنيء عندها طمع
ما زلنا في الإنشاء الطلبي وهذا هو القسم الخامس منه والأخير وهو النداء
النداء هو :
طلب الإقبال بحرف نائب مناب أدعو

أدوات النداء ثمان هي :
الهمزة وأي ويا وآ وأيا وهيا ووا

الهمزة وأي لنداء القريب
كقول الشاعر
أبني إن أباك كارب يومه
فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل

وباقي الأدوات لنداء البعيد
كقول الشاعر
هيا غائبا عني وفي القلب عرشه
أما آن أن يحظى بوجهك ناظري

قد ينزل البعيد منزلة القريب
فينادى بالهمزة وأي إشارة إلى قربه من القلب وحضوره في الذهن

من ذلك ما كتبه أبو الطيب المتنبي إلى الوالي وهو في الاعتقال :
أمالك رقي ومن شأنه
هبات اللجين وعتق العبيد
دعوتك عند انقطاع الرجا
ء والموت مني كل الوريد

ومنه قول الشاعر
أسكان نعمان الأراك تيقنوا
بأنكم في ربع قلبي سكان

وقد ينزل القريب منزلة البعيد فينادى بغير الهمزة وأي إشارة إلى علو مرتبه
أو انحطاط منزلته
أو غفلته وشرود ذهنه

فالأول
وذلك لعلو المرتبة
كقول أبي نواس :
يارب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
وكقول الآخر
يا من يرجى للشدائد كلها
يا من إليه المشتى والمفزع

والثاني وذلك لانحطاط مرتبته

كقول الفرزدق مفتخرا بآبائه
وهو يهجو جريرا :
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع

وكقول الآخر

أيا هذا أتطمع في المعالي
وما يحظى بها إلا الرجال

والثالث وذلك لغفلته
وشرود ذهنه
كقول الشاعر
أيا جامع الدنيا لغير بلاغة
لمن تجمع الدنيا وأنت تموت

ومنه أيضا قول أبي العتاهية :
أيا من عاش في الدنيا طويلا
وأفنى العمر في قيل وقال
وأتعب نفسه فيما سيفنى
وجمع من حرام أو حلال
هب الدنيا تقاد إليك عفوا
أليس مصير ذلك للزوال
وقوله أيضا
أيا من يؤمل طول الحياة
وطول الحياة عليه خطر
إذا ما كبرت وبان الشباب
فلا خير في العيش بعد الكبر


يخرج النداء عن معناه الأصلي
إلى معان أخرى
تستفاد من القرائن

كالزجر
كقول الشاعر
يا قلب ويحك ما سمعت لناصح
لما ارتميت ولا اتقيت ملاما

والتحسر والتوجع
كقول الآخر
أيا قبر معن كيف واريت جوده
وقد كان منه البر والبحر مترعا
وقول ابن الرومي
يا شبابي وأين مني شبابي
آذنتني حباله بانقضاب
لهف نفسي على نعيمي ولهوي
تحت أفنان اللدان الرطاب
وكقول امرأة تتحسر على ابنها
دعوتك يا بني فلم تجبني
فردت دعوتي يأسا عليا
والإغراء
نحو قولك لمن أقبل يتظلم :
يا مظلوم تكلم
ومنه قول أبي الطيب المتنبي مخاطبا سيف الدولة
يا أعدل الناس إلا معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وقد يخرج النداء من معناه الأصلي إلى معان أخرى غير هذه السابقة
مثل
الاستغاثة يا الله للمسلمين
التعجب يا لحسن تلاوة الشيخ محمد أيوب رحمه الله تعالى
الندبة واحر قلباه ممن قلبه شبم
الاختصاص نحن أيها العرب رحماء
انتهينا من الباب الأول من علم المعاني وهو باب الخبر والإنشاء
ودرسنا الآن هو الباب الثاني في علم المعاني
وهو ( القصر )

والقصر لغة : الحبس والإلزام

القصر اصطلاحا : تخصيص أمر
بآخر بطريق مخصوص

لكل قصر طرفان مقصور
ومقصور عليه

ينقسم القصر باعتبار طرفيه قسمين
( ا )قصر موصوف على صفة
(ب)قصر صفة على موصوف

طرق القصر المشهورة أربع :

( ا ) النفي والاستثناء
وهنا يكون المقصور عليه ما بعد أداة الاستثناء

مثال ذلك
قوله تعالى :
وما محمد إلا رسول
القصر هنا قصر موصوف على صفة
قصر محمدا على الرسالة فليس له شيء من الربوبية

ومنه قول لبيد :
وما المرء إلا كالهلال وضوئه
يوافي تمام الشهر ثم يغيب

وقول المتنبي :
لا يدرك المجد إلا سيد فطن
لما يشق على السادات فعال
القصر هنا قصر صفة على موصوف
قصر إدراك المجد على السيد الفطن

( ب ) إنما
ويكون المقصور عليه مؤخرا وجوبا
مثاله قوله تعالى
إنما يخشى الله من عباده العلماء
القصر هنا قصر صفة على موصوف
قصر خشية الله على العلماء

وقوله تعالى
إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب
ومنه قول الشاعر :
ألا إنما الدنيا بلاغ لغاية
فإنما إلى غي وإما إلى رشد

القصر هنا قصر موصوف على صفة
قصر الدنيا على البلاغ أي بلغة
يتبلغ بها

( ج )العطف ب (لا ) أو (بل) أو (لكن)

فإن كان العطف ب (لا ) كان المقصور عليه مقابلا لما بعدها
وإن كان العطف ب (بل ) أو ( لكن ) كان المقصور عليه ما بعدهما

مثال ( لا ) قول الشاعر
معروفه في جميع الناس مقسم
فحمده في جميع الناس لا العصب
و مثال ( بل )قول الشاعر
يتغابى لهم وليس لموق
بل للب يفوق لب اللبيب

وما يريغون بالنعمى مكافأة
لكن يقضون ما للمجد من أرب

( د ) تقديم ما حقه التأخير
وهنا يكون المقصور عليه هو المقدم
كقوله تعالى :
إياك نعبد وإياك نستعين
ومنه قول المتنبي
برجاء جودك يطرد الفقر
وبأن تعادى ينفد العمر
وكقول أبي تمام الطائي
على مثلها من أربع وملاعب
تذال مصونات الدموع السواكب
Forwarded from Deleted Account
مقبول الأهدل:
رابط الدروس السابقة على التليجرام
https://telegram.me/wageeh5
ينقسم القصر باعتبار الحقيقة والواقع
إلى قسمين
(ا ) حقيقي وهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه بحسب الحقيقة والواقع بألا يتعداه إلى غيره أصلا أو قل هو "ما يكون فيه النفي لكل ما عدا المقصور عليه "
( ب ) غير حقيقي ويسمى قصر إضافي
وهو ما كان الاختصاص فيه بحسب الإضافة إلى شيء معين أو قل هو "ما يكون فيه النفي لبعض ما عدا المقصور عليه"

أمثلة
"القصر الحقيقي"
( 1 )
قال تعالى :
"إنما يتذكر أولو الألباب"
هنا قصر الصفة وهي "التذكر"
على الموصوف وهو "أولو الألباب"
فالقصر هنا حقيقي إذ لا تتعدى الصفة الموصوف إلى غيره البتة
وطريق القصر هنا هي "إنما"

( 2 )
وقال تعالى :
" وما توفيقي إلا بالله
عليه توكلت واليه أنيب "

"وما توفيقي إلا بالله "
هنا قصر توفيقه على الله فهو قصر صفة وهي "التوفيق" على موصوف وهو "الله"
وطريق القصر هنا "النفي والاستثناء"

وقوله "عليه توكلت" هنا قصر "التوكل" وهو صفة على موصوف وهو "الله"
وطريق القصر هنا "تقديم ما حقه التأخير"

"إليه أنيب"
هنا قصر "الإنابة" وهي صفة
على موصوف وهو "الله"
وطريق القصر هنا "تقديم ما حقه التأخير"
والقصر في هذه الآية هو قصر حقيقي لا يتعدى المقصور المقصور عليه إلى غيره
وكلها من نوع قصر الصفة على الموصوف

( 3 )
قال ابن الرومي :
وما قلت إلا الحق فيك ولم تزل
على منهج من سنة المجد لاحب
هنا قصر "قوله فيه" على "الحق" فقط
فهو قصر صفة وهي "قوله فيه" على موصوف
وهو "الحق "
وهو أيضا قصر حقيقي
وطريق القصر هنا النفي والاستثناء
بالنظر للأمثلة السابقة نجدها كلها من نوع القصر الحقيقي وهي أيضا قصر صفة على موصوف
فالقصر الحقيقي يكثر في قصر الصفة على الموصوف ولا يكاد يوجد في قصر الموصوف على الصفة

( 4 )
قولنا
ما خاتم الرسل إلا محمد
هنا قصرت الصفة وهي "ختم الرسالة" على الموصوف وهو "محمد صلى الله عليه وآله وسلم" وهذه الصفة لا يمكن أن تتعدى نبينا محمد صلى الله وآله وسلم إلى غيره من البشر فهو قصر حقيقي

"القصر الإضافي"
( 5 )
قال تعالى :
"وما محمد إلا رسول قد خلت
من قبله الرسل"
هنا قصر الموصوف وهو" محمد صلى الله عليه وآله وسلم" على صفة وهي "الرسالة"
فهو قصر موصوف على صفة وهو قصر إضافي لأن النبي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم له صفات أخرى غير الرسالة لكن المراد هنا بالإضافة إلى الرسالة والألوهية ليس له إلا الرسالة

( 6 )
قال ابن الرومي :
يهتز عطفاه عند الحمد يسمعه
من هزة المجد لا من هزة الطرب
هنا قصر هزة عطفيه على هزة المجد بدليل "لا" التي نفت هزة الطرب فهو إذن قصر إضافي
وطريق القصر هنا هو " العطف بلا "

( 7 )
وقال ابن الرومي أيضا :
يتغابى لهم وليس لموق
بل للب يفوق لب اللبيب
هنا قصر صفة وهي "التغابي" على موصوف وهو "اللب" بدليل نفي التغابي لموق وهو الحمق بغباوة وأثبت له التغابي بلب يفوق لب اللبيب فهو قصر قصر إضافي وهو أيضا قصر صفة على موصوف
وطريق القصر هنا " العطف ببل "
( 8 )
قال ابن الرومي
أيضا :
وما يريغون بالنعمى مكافأة
لكن يقضون ما للمجد من أرب
هنا قصر "الإراغة بالنعمى"
على "يقضون ماللمجد"
فهو قصر صفة على موصوف وهو قصرإضافي
وطريق القصر هنا هو " العطف بلكن"

( 9 )
قال ابن المعتز :
ألا إنما الدنيا بلاغ لغاية
فإما إلى غي وإما إلى رشد
هنا قصر "الدنيا" وهي موصوف على قوله "بلاغ" أي بلغة يتبلغ بها المسافر وهي صفة
فالقصر هنا قصر موصوف على صفة وهو أيضا قصر إضافي
وطريق القصر هنا هو " إنما "

( 10 )
قال أبو تمام
على مثلها من أربع وملاعب
تذال مصونات الدموع السواكب
هنا القصر هو قصر صفة وهو" إذالة الدموع "
على موصوف وهو "على مثلها"
وهو أيضا قصر إضافي
وطريق القصر هنا هو " تقديم ما حقه التأخير"
فنشاهد من هذه الأمثلة السابقة في القسمين أن القصر الحقيقي يأتي في قصر الصفة على الموصوف ولا يكاد يوجد في قصر الموصوف على الصفة
أما القصر الإضافي فيأتي في قصر الصفة على الموصوف
وفي قصر الموصوف على الصفة

تقسيم القصر باعتبار حال المخاطب
قصر إفراد
قصر قلب
قصر تعيين
وهذا خاص التقسيم خاص بالقصر الإضافي
فالقصر الإضافي
ينقسم باعتبار حال المخاطب إلى ثلاثة أقسام وذلك أنك إذا قلت الشجاع محمد لا خالد فإن كان المخاطب يعتقد اشتراك محمد وخالد في الشجاعة كان القصر قصر إفراد وإن كان يعتقد عكس ماتقول كان القصر قصر قلب وإن كان مترددا لا يدري أيهما الشجاع كان القصر قصر تعيين هذا في قصر الصفة على الموصوف
وفي قصر الموصوف على الصفة نقول ما خالد إلا شجاع لمن كان يعتقد اتصاف خالد بالشجاعة والعلم فقصرنا خالدا على الشجاعة فحينها يكون قصر إفراد وإن كان يعتقد اتصاف خالد بالعلم لا الشجاعة وقلنا له ما خالد إلا شجاع فيكون حينها قصر قلب وإن كان مترددا هل يتصف خالد بالشجاعة أم بالعلم فيكون قولنا هذا له
قصر تعيين
مواطن الفصل"
يجب الفصل بين الجملتين في ثلاثة مواضع
الموطن الأول من مواطن الفصل
( ا ) أن يكون بينهما اتحاد تام
وذلك بأن تكون الجملة الثانية توكيدا للأولى
أو تكون الجملة الثانية بيانا للجملة الأولى

أو تكون الجملة الثانية بدلا من الجملة الأولى

أما الجملة المؤكدة للأولى فذلك نحو قوله تعالى :
"كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا"
فقوله تعالى :
"كأن في أذنيه وقرا"
تعتبر مؤكدة للمعنى
في قوله تعالى :
"كأن لم يسمعها"

وقال تعالى :
"سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون"
فجملة "لا يؤمنون"
مؤكدة للجملة التي قبلها
"سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم"

ومنه
قول المتنبي :
وما الدهر إلا من رواة قصائدي
إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا
فالجملة الثانية "إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا"
هي توكيد للجملة الأولى "وما الدهر إلا من رواة قصائدي"
ومثله قول الشاعر :
يهوى الثناء مبرز ومقصر
حب الثناء طبيعة الإنسان
فجملة "حب الثناء طبيعة الإنسان"
هي مؤكدة للجملة الأولى
"يهوى الثناء مبرز ومقصر"
فلهذا امتنع العطف في كل ما سبق

ومن تمام الاتصال
أن تكون الجملة الثانية بيانا للجملة الأولى
فيكون هنالك إبهام ونوع خفاء في الجملة الأولى فتأتي الجملة الثانية بما يوضح الأولى
قال تعالى :
"فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى "

فقوله" قال يا آدم "
هي تبيين لما سبق أن أبهم في قوله "فوسوس "

ومن هذا قول الله تعالى :
"وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"
فجملة "إن هو إلا وحي يوحى"
هي بيان وتوضيح للجملة السابقة
"وما ينطق عن الهوى "

ومن هذا الباب قول الشاعر :
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
فالجملة الثانية
"بعض لبعض خدم"
توضح الجملة الأولى
" الناس للناس من بدو وحاضرة "
فبينهما كمال الاتصال فلذا ترك العطف بينهما

ومن تمام الاتصال أن تكون الجملة الثانية بدلا من الجملة الأولى
ويقال حينئذ إن بين الجملتين كمال الاتصال
قال تعالى :
"أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين"
فجملة "أمدكم بأنعام وبنين" بدل من الجملة السابقة
"أمدكم بما تعلمون "
فهي بدل بعض من كل فالأنعام والبنين جزء مما يعلمون مما أمدهم الله به من النعم
ومنه قوله تعالى : "يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم "

فجملة
"يذبحون أبناءكم "
جزء مما يسومهم به فرعون من العذاب فهو بدل بعض من كل

ومنه قوله تعالى :
"يدبر الأمر يفصل الآيات "
فتفصيل الآيات جزء من تدبير الأمر
ولا سر للفصل بين الجملتين في كل ما سبق إلا تمام التآلف وكمال الاتحاد
وذلك لأن الجملة الثانية هنا إما أن تكون بمعنى الأولى وذلك في المؤكدة والمبينة أو بمنزلة الجزء منها وهذا في البدل


وكل هذا يقتضي ترك العطف لأن الشيء لا يعطف على نفسه والجزء لا يعطف على كله
الموطن الثاني من مواطن الفصل
( ب )
أن يكون بينهما تباين تام وذلك بأن تختلفا خبرا وإنشاء
أو بألا تكون بينهما مناسبة ما
ويقال حينئذ إن بين الجملتين كمال الانقطاع
أما اختلاف الجملتين خبرا وإنشاء
فذلك نحو قول الشاعر :
يا صاحب الدنيا المحب لها
أنت الذي لا ينقضي تعبه
فجملة "يا صاحب الدنيا المحب لها"
جملة إنشائية طلبية دعائية كما مر في الدروس السابقة
وجملة
"أنت الذي لا ينقضي تعبه"
جملة خبرية
ولهذا وجب الفصل وعدم عطف أحدهما على الأخرى

ومن هذا أيضا قول الشاعر :
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
فجملة "لا تحسب المجد تمرا أنت آكله"
جملة إنشائية طلبية والنهي هنا أريد به التوبيخ
والجملة التي بعدها جملة خبرية وهي
"لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا"
فاختلفتا خبرا وإنشاء فوجب الفصل هنا

وأما الموضع الثاني من كمال الانقطاع

بألا تكون بينهما مناسبة ما
مع اتفاقهما خبرا وإنشاء
وذلك
نحو قول الشاعر :
إنما المرء بأصغريه
كل امرئ رهن بما لديه
ليس هناك من رابطة تجمع بين الجملة الأولى
"إنما المرء بأصغريه"
والجملة الثانية
"كل امرئ رهن بما لديه"
لهذا فصل بينهما ولا سر في الفصل بين هذه الأمثلة إلا كمال التباين وشدة التباعد ولذلك يقال هنا :
بين الجملتين كمال الانقطاع

إنما وجب ترك العطف هنا لأن العطف يكون للجمع بين الشيئين والربط بينهما ولا يكون ذلك في المعنيين إذا كان بينهما غاية التباين
والتباعد
الموطن الثالث من مواطن الفصل
( ج )
أن تكون الجملة الثانية جوابا عن سؤال يفهم من الأولى
و ذلك نحو قوله تعالى :
"وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف"
فصلت جملة
"قالوا لا تخف"
عن جملة
"وأوجس منهم خيفة"
لأن بينهما شبه كمال الاتصال إذ الثانية جواب لسؤال يفهم من الأولى
كأن سائلا سأل فماذا قالوا له حين رأوه قد أوجس منهم خيفة
فأجيب "قالوا لا تخف"

ومن هذا الباب قول أبي تمام :
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا
إن السماء ترجى حين تحتجب

وهذا يسمى الاستئناف البياني وهو أن تكون الجملة الثانية ناتجة عن سؤال يفهم من الجملة الأولى فكأنه لما قال :
"ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا"
توهم أن سائلا يسأله
"كيف لا يحول حجاب الأمير بينك وبين آمالك "
فجاء بالشطر الثاني
" إن السماء ترجى حين تحتجب "


ويقال هنا حينئذ :
"إن بين الجملتين شبه كمال الاتصال"
ولأن الجواب شديد الاتصال بالسؤال ترك العطف هنا
الفصل والوصل

الوصل هو
"عطف جملة على أخرى بالواو"
والفصل هو "ترك هذا العطف"
وتمييز موضع أحدهما من الآخر على ما تقتضيه البلاغة وهو فن عظيم الخطر صعب المسلك دقيق المأخذ لا يعرفه على وجهه ولا يحيط علما بكنهه إلا من أوتي في فهم كلام العرب طبعا سليما ورزق في إدراك أسراره ذوقا صحيحا ولهذا قصر بعض
العلماء البلاغة على معرفة الفصل من الوصل
اه بتصرف من الإيضاح للقزويني
فالمقصود بالوصل هو عطف جملة على جملة وليس عطف مفرد على مفرد
والعطف هنا لابد أن يكون بالواو لا بغيره من حروف العطف لأن الواو تفيد مطلق الجمع والاشتراك بخلاف الفاء الي تفيد الترتيب مع التعقيب أو ثم التي تفيد الترتيب مع التراخي
فيظهر معهما المراد بيسر بخلاف الواو
فهي الأداة التي تخفى الحاجة إليها ويتطلب فهم العطف بها دقة في الإدراك
مواضع الوصل
( ا ) إذا قصد إشراك الجملتين في الحكم الإعرابي

( ب ) إذا اتفقتا خبرا أو إنشاء وكانت بينهما جهة جامعة أي مناسبة تامة ولم يكن هناك سبب يقتضي الفصل بينهما
( ج ) إذا اختلفتا خبرا وإنشاء وأوهم الفصل خلاف المقصود
إذا
يجب الوصل بين الجملتين في ثلاثة مواضع
أما الموضع الأول وهو إذا قصد اشتراك الجملتين في الحكم الإعرابي ومعنى ذلك أن تأتي جملة بعد جملة لها محل من الإعراب وقصد تشريك الثانية لها في هذا الحكم فإنه يتعين في هذه الحالة عطف الثانية على الأولى بالواو تماما كما يعطف مفرد على مفرد بالواو لاشتراكهما في حكم إعرابي واحد
نحو قول المعري
وحب العيش أعبد كل حر
وعلم ساغبا أكل المرار
حب العيش حب مبتدأ وهو مضاف
والعيش مضاف إليه
أعبد فعل ماض والفاعل ضمير مستتر يعود على حب العيش والجملة خبر للمبتدأ
وجملة "أعبد كل حر" هي خبر المبتدأ
وعطفت جملة "وعلم ساغبا أكل المرار" عطفت عليها لأنه أريد تشريكها في الحكم الإعرابي فهي معطوفة على الخبر وحب العيش أعبد كل حر وعلم ساغبا أكل المرار فعندنا هنا جملة لها محل من الإعراب جاء بعدها جملة أخرى أريد تشريكها في هذا الحكم الإعرابي
وكذا نحو قول المتنبي
وللسر مني موضع لا يناله
نديم ولا يفضي إليه شراب
جملة لا يفضي إليه شراب عطفت بالواو لأنه أريد تشريكها في حكم الجملة السابقة الإعرابي
فجملة "لا يناله نديم" صفة لموضع
وجملة "لا يفضي إليه شراب" معطوفة عليها

موضع نكرة والجمل بعد النكرات صفات فجملة لا يناله نديم صفة لموضع وهنا قصد إشراك الجملة الثانية لها في الحكم فعطفت عليها بالواو فهذا هو الموضع الأول من باب الوصل
( ب )
الموضع الثاني من باب الوصل إذا اتفقتا خبرا وإنشاء وكانت بينهما جهة جامعة أي مناسبة تامة ولم يكن هناك سبب يقتضي الفصل بينهما
والمراد بالتناسب أن يكون بين الجملتين رابطة تجمع بينهما كأن يكون المسند إليه في الأولى له تعلق بالمسند في الثانية وكأن يكون المسند في الأولى مماثلا للمسند في الثانية أو مضادا له

نحو قوله
يشمر للج عن ساقه
ويغمره الموج في الساحل
الجملتان
"يشمر للج عن ساقه"
و
"يغمره الموج في الساحل"
متحدتان خبرا
وبينهما مناسبة في المعنى
وليس هناك من سبب يقتضي الفصل فلذلك عطفت الثانية على الأولى
ومنه قول الله تعالى : "إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم " فجملة إن الأبرار لفي نعيم وجملة إن الفجار لفي جحيم جملتان خبريتان متحدتان في ذلك وبينهما مناسبة لأن الشيء بالشيء يذكر وبضدها تتبين الأشياء

ومن هذا قول بشار بن برد
وأدن إلى القربى المقرب نفسه
ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم
جملة "وأدن إلى القربى المقرب نفسه"
وجملة "ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم"
جملتان إنشائيتان طلبيتان الأولى "أدن "أمر أريد به الإرشاد والثانية "لا تشهد" نهي أريد به كذلك الإرشاد وهاتان الجملتان متناسبتان في المعنى واتحدتا إنشاء ولم يكن هناك ما يقتضي الفصل بينهما فوجب الوصل
ومنه
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
ليتك هنا تمني وهو إنشاء فاتفقت الجملتان
ليتك تحلو
وليتك ترضى في الإنشاء ولا تخفى المناسبة بينهما فلهذا عطفت عليها بالواو وأما والحياة مريرة فالواو هنا حالية وليست عاطفة
وكذلك هي في
والأنام غضاب وليست من باب الوصل
فاتفقت الجملتان في الإنشاء وكان هناك بينهما تناسب فاقتضى ذلك وصل الجملة الثانية بالأولى فعطفت عليها هذا الموضع الثاني من باب الوصل


( ج ) الموضع الثالث من مواضع الوصل
إذا اختلفتا خبرا وإنشاء
وأوهم الفصل خلاف المقصود
نحو
لا وبارك الله فيك ( في جواب من قال لك :ألك حاجة أقضيها لك)
لا وحفظك الله ( في جواب من قال لك هل أصابك شيء)
لا ولطف الله به (تجيب من سأل هل شفي أخوك )

في جميع الأمثلة السابقة اختلفت الجملتان خبرا وإنشاء ف "لا" هي قائمة مقام جملة خبرية فتقدر الجملة في كل موضع بحسبه
والجملة الثانية جملة إنشائية طلبية يراد بها الدعاء وإن كانت على لفظ الخبر لكنها يراد بها الإنشاء والعبرة بالمعنى
الإيجاز والإطناب والمساواة

يختار البليغ للتعبير عما في نفسه طريقا من طرق ثلاث
فهو تارة *يوجز* وتارة *يسهب* وتارة ياتي بالعبارة *بين بين*
على حسب ما يقتضيه حال المخاطب
و يدعو إليه موطن الخطاب
و نريد هنا أن نشرح هذه الطرق الثلاث
و سنبدأ بالمساواة لأنها الاصل المقيس عليه

*المساواة* أن تكون المعاني بقدر الألفاظ والألفاظ بقدر المعاني لا يزيد بعضها على بعض
فالمساواة هي المذهب المتوسط بين الإيجاز والإطناب فكأن ألفاظه قوالب لمعانيه
ومن علماء البيان من جعله قسما من الإيجاز وليس قسيما له
فقد سماها ابن الأثير *الإيجاز بالتقدير* وعرفه بأنه الإيجاز الذي يمكن التعبير عن معناه بمثل ألفاظه وفي عدتها أو هو ما ساوى لفظه معناه
مثال ذلك
قال الله تعالى :
"وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عندالله"

وقال الله تعالى :
"ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله"
وقال تعالى :
"من كفر فعليه كفره"

وقال النابغة الذبياني :
فإنك كالليل الذي هو مدركي
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

وقال طرفة بن العبد :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود

الأمثلة السابقة لم يكن فيها إيجاز بحيث تتضمن معاني كثيرة أو فيها حذف يعلم من السياق كذلك ليس فيها إطناب باستعمال ألفاظ قد يستغنى عنها
فالألفاظ هنا جاءت على قدر المعاني مطابقة لها
*"الإيجاز"*
يسمى الإيجاز في بعض كتب البلاغة باسم
" الإشارة "
فالإيجاز هو جمع المعاني المتكاثرة تحت اللفظ القليل مع الإبانة والإفصاح

وهو نوعان
النوع الأول
إيجاز قصر :
"ويكون بتضمين العبارات القصيرة معاني كثيرة من غير حذف"
النوع الثاني
إيجاز حذف :
ويكون بحذف كلمة أو جملة أو أكثر مع قرينة تعين المحذوف

إذا
شرط الإيجاز في الحذف أن يكون في الكلام مايدل على المحذوف فإن لم يوجد فهو لغو

وقال ابن الأثير في المثل السائر :
*"أما الإيجاز بالحذف فإنه عجيب الأمر شبيه بالسحر وذلك أنك ترى فيه ترك الذكر أفصح من الذكر والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق وأتم ما تكون مبينا إذا لم تبين."*

مثال الأول
وهو "إيجاز القصر"

قول الله تعالى :
"ألا له الخلق والأمر "

فقد شملت الآية بقوله الخلق كل خلق قد خلق أو سيخلق
والأمر يشمل الأمر الكوني والأمر الشرعي
والكوني يشمل كل ما حصل وسيحصل في هذا الكون

فانظر إلى قصر هذه العبارة مع إحاطتها بكل شيء

وقال الله تعالى :
"أولئك لهم الأمن "
هنا يشمل كل أمن من الخوف من الفقر من الجوع من الحر من النار ومن غيرها
فهذه الآية فيها إيجاز قصر
وقال الله تعالى :
"أخرج منها ماءها ومرعاها"

هنا إيجاز قصر حيث يشمل كل ماء في الأرض وكل أنواع المرعى

وقال تعالى :
"وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي
وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين" .
تأمل وحلق بأجنحة الفكر في سماء معاني هذه الآية تجد السماء قد أمرت بإيقاف غضبها والأرض بإنهاء سخطها وتجد المعمورة قد استعدت لاستقبال حياة جديدة لقوم صالحين كانت تقلهم سفينة النجاة التي استوت على الجودي واستعد أهلها للنزول ليرثوا الأرض من بعد الظالمين الذين أبعدهم الله بسبب ظلمهم

أي جمال وأي تعبير يصل إلى هذا الجمال القرآني

فالآية هذه فيها
إيجاز قصر
وللقرآن في ذلك القدح المعلى
فها هو ربنا يقول :
"ولكم في القصاص حياة"
بينما العرب كانوا يقولون :
"القتل أنفى للقتل"
نجد الفرق الكبير كما هو الفرق بين الخالق والمخلوق
فكلامهم ليس وافيا بالمقصود بينما كلام الله: "القصاص حياة"
أدل على المقصود بالتنصيص على القصاص وليس أي قتل وفي تنكير حياة ملمح بلاغي ودلالة على أنها حياة عظيمة
إذ كل من سيقتل أو سيضر بغيره أي ضرر سيقتص منه عندها سيحجم وسيعم الكون الحياة الخالية من خوف القتل أو الظلم أو التسلط والتجبر

ومن إيجاز القصر
قول السموءل :
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها
فليس إلى حسن الثناء سبيل
هنا الشاعر أوجز في كلامه فحمل النفس على الأمور المكروهة عندها من الشجاعة والمروءة والتواضع والحلم والصفح وغيرها من مكارم الأخلاق فهذه عبارة حوت معاني كثيرة

فإيجاز القصر هو تضمين العبارات القصيرة معاني كثيرة من غير حذف

وإيجاز الحذف
يكون بحذف كلمة أو جملة أو أكثر مع قرينة تعين المحذوف