تفريغ محاضرات تدبر سورة الكهف/ د. محمود شمس
16 subscribers
46 links
تفريغ محاضرات تدبر سورة الكهف / د. محمود شمس
Download Telegram
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٠)
                                        3⃣

ولذلك لو تناقشتم مع بعض الناس الذين عاشوا فترة من الزمن وهم بعيدون عن الله، يعني كانوا في فترة من الزمن مجرد مسلم بالبطاقة هل جاءته هداية التوفيق هكذا نزلت عليه من السماء أم هو يبدأ يستيقظ ويبدأ يأخذ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد أولا. يعني بداية الطريق أنه يبدأ بأسباب هداية الدلالة والإرشاد. منها مثلا - وخاصة إذا كان هو في الأصل مؤمن - منها مرافقة أهل الطاعة ومرافقة أهل الصلاح  - وستأتينا الآن بعد قليل - يعني إذا قلنا إنه كان في إهمال كبير لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم الخطوة الأولى أن يلغي هذا الإهمال من حياته ويبدأ في الأخذ بالأسباب، ثم يبدأ بأن يهجر أصدقاء السوء وينبغي عليه أن يرافق الصالحين والصحبة الصالحة.
وتكلمت سابقا عن دوركم أنتم  وكل من وفقه الله لهداية التوفيق والمعونة، وأنا قلت إن تبارك وتعالى جعل أسباب النجاة من الخسران التي في سورة العصر التواصي بالحق والتواصي بالصبر. وأسباب النجاة من الخسران أربعة، معنى ذلك أن نصف أسباب النجاة من الخسران نصفها في نقل الخير للغير، في أنك تأخذ بيد الغير والدعوة العملية التي تكلمنا فيها، هناك دعوة عملية وهي أن ترافق هذا الإنسان الذي مال قلبه إلى الخير، ترافقه يا فلان أو يا فلانة تعال معي عندنا محاضرة الليلة، تعال راجع لي جزئين من القرآن، تعال سمّع لي هذا الجزء من القرآن. يعني لا تأخذه من البداية وتقول له تعال أعلمك وتقرأ عليا وأحفظك القرآن، خذه تدرج معه بحيث تقول له تعالى اسمع مني، أنا أريد أن أتعلم منك وبحسب نفسيته تتصرف.
(ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) 
الله يضلل من يشاء من عباده، فإذا كان يضلل من يشاء فما ذنب الذين أضلهم؟
لا.. نحن نأتي بالقضية من بدايتها وهو أرسل الرسل وأنزل الكتب، وهداية الدلالة هداية عامة لجميع الناس لكن هؤلاء لم يأخذوا بأسباب هداية الدلالة، وطالما لم يأخذوا بأسباب هداية الدلالة فهم ضلوا، وطالما أنهم ضلوا، وحتى لا يظنوا أنهم هم الذين تجرؤوا على الله وضلوا الله يقول لهم لا.. أنتم ترغبون في ذلك فالله تبارك وتعالى وجد منكم أنكم لم ترغبوا في هذه الدلالة وهذا الإرشاد فأنتم الآن الله تبارك وتعالى يُضلكم حتى تعلموا أن الله جل وعلا هو الفعّال لما يريد.

حذف الياء في كلمة (المهتد) وإثباتها
هي وإن كانت محذوفة رسما إلا أن بعض القراء يثبتونها، وهي ثبتت رسما وثبتت قراءة في آية سورة الأعراف (من يهد الله فهو المهتدي).
قضية الرسم العثماني والإثبات والحذف هل له دلالة في المعنى؟ أنا تكلمت في هذه القضية كثيرا. وأظن يكون يعني من الأفضل أن نجعلها في محاضرة مستقلة -إن شاء الله- لكي أعطيكم المعنى المراد والمقصود ونفهم جيدا قضية الحذف والإثبات الرسم العثماني وعلاقته بالمعنى لأنها قضية خلاف بين العلماء، هل الرسم العثماني له دلالة في المعنى.
لو أردنا أن نأصل لتلك القضية من البداية نقول: القرآن الكريم نزل مقروءا أم نزل مكتوبا؟ يعني قُرئ ثم كُتب؟ أم كُتب ثم قرئ؟
ج: القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد في العالم الذي قرئ ثم كُتب. يعني أي كتاب يُكتب ثم يُقرأ. القرآن الكريم لا.. قرئ ثم كُتب. ومن هنا سننطلق إلى بيان هذه القاعدة وإن شاء الله سأوضحها لكم.
︎ (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)
(فلن تجد له وليا) يعني ناصرا ولا معينا لأن الله تبارك وتعالى مولى الذين آمنوا (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم).
(وليا مرشدا) المرشد: هو الذي يبين للحيران وجه الرَشَد، ووجه الرُّشد. الذي في حيرة الله تبارك وتعالى هو الذي يبين له وجه الرُّشد ، ووجه الرَشَد. وجاءت هنا في هذا الموضع بالذات (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) أن هؤلاء أصحاب الكهف الله تبارك وتعالى أرشدهم وأعانهم ووفقهم بعد أن أخذوا بكل أسباب هداية الدلالة، الله هو الذي قال لهم (فأووا إلى الكهف) وطمأنهم بأنكم إذا أويتم إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته، وينشر لكم أنتم خصيصا، يعني ينشر لكم رحمة خاصة بكم، (وينشر) نشر الرحمة لتشمل جميع أجسادهم وتشمل المكان الذي هم فيه، بل شملت الكلب الذي صاحبهم، يعني كلب رحمة الله تبارك وتعالى شملت هذا الكلب.
وهذا يدل على درس مهم جدا وهو:
أن صحبة الأخيار فيها فوائد عظيمة، المهم أن يصاحب الأخيار ولا يحاول ولا يفكر في أن يفسدهم، ففيه واحد يصاحب أخيار محاولا إفسادهم بأن يقلل من فعلهم، يقلل من عملهم. 
تأملوا هذا الكلب يعني رب العباد يصف لنا الكلب (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) باسط ذراعيه كجلسة الكلب العادية.
والوصيد هو: مدخل الكهف. كأنه لم يقم ولم يتحرك. طيب هذا الكلب يحتاج إلى طعام فهل أنامه الله كما أنام هؤلاء؟ بالتأكيد. وكان حماية لهم بدلا من أن يقوم ويعتدي عليهم، كان حماية لهم.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٠)
                                     4⃣

(ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) يعني معينا أو دالا له على طريق الحق والصواب لأن الله أضله وهو لم يأخذ بالأسباب، ولذلك تقريبا لا يوجد في القرآن كله (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) إلا ها هنا لأن الله تبارك وتعالى كما أخذ هؤلاء بأسباب هداية الدلالة عمليا أرشدهم عمليا أرشدهم وأعانهم ورفع شأنهم وذكرهم في كتابه الذي يتلى إلى ما شاء الله.
(ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال)
هل تقليبهم كان للمحافظة على أجسادهم؟
  البعض من المفسرين قال ذلك.
لكن يعجبني من المفسرين من يقول: لا، يعني ليست قضية المحافظة على الجسد، لأن الله تبارك وتعالى الذي حفظ أرواحهم وأعادها لهم بعد ثلاثمائة سنة وجعلهم كالنائمين وأعطاهم الحياة مرة أخرى أليس بقادر أن يحفظ لهم أجسادهم؟ فيقولون تقليبهم كان إكراما لهم وتقديرا ورفعة لشأنهم، ولذلك يستدلون بأنه لو كانت القضية حتى لا تأكل الأرض أجسادهم أما كان ينبغي أن يُقلب الكلب كذلك معهم؟ 
يعني تقليب الكلب لم يذكر الله أن الكلب كان يُقلب وحفظ الله جسد الكلب. 
إذا يبين الله التقدير والمكانة والرفعة للإنسان عندما يقلب. أنا أقولها عندما يقلب أصحاب الكهف ولا يقلب الكلب.
يعني أقرب لكم المعنى وأسأل الله أن يغفر لي ولكم.
الأم التي نام أطفالها وأطالوا في النوم ماذا تفعل؟ يعني هي تريد أن تطمئن عليهم فتحنوا عليهم فتتفقدهم.
وربنا الرحمن الرحيم جل وعلا الذي أرشد هؤلاء، هو الذي أرشدهم، فطالما أرشدهم فهو حفظ أجسادهم بداية ونهاية وإكراما ورفعة لشأنهم كان يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. لأن القضية لو كانت يقلبهم حتى لا تأكل الأرض جسدهم، إذا لماذا لم تأكل الأرض جسد الكلب؟ هل رب العباد قال يا أرض لا تأكلي جسد الكلب وكلي جسد هؤلاء. 
يعني تقليبهم ذات اليمين وذات الشمال رفعة واهتمام وعناية واحتواء، رحمة الله بعباده.
إنما حِفظ الأرض لأجسادهم هذه لا تحتاج فرب العباد بين الأخذ بالأسباب من البداية أنهم دخلوا الكهف وجعل الشمس تزاور وتقرض ولا تأتي عليهم.. وكذا. وهذه آية من آيات الله، فمن إكرام الله له أنه يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال.
وهنا نفهم لماذا قال الله هنا بالذات (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) أرشدهم عمليا.

■ بعد ذلك يقول الله تعالى:
(وتحسبهم أيقاظا وهم رقود)
هم كانوا رقود أم كانوا نائمين؟ وبالطبع هناك راقد وهناك نائم. والله تبارك وتعالى عندما ذكر (ونقلبهم) قال (ذات اليمين وذات الشمال) يعني على الجنب اليمين شوية وعلى الشمال شوية، فقالوا لأن الذي ينظر لهم يظن أنهم أحياء فأجسادهم كما هي.
وقيل: إن عيونهم كانت مفتوحة. 
وقيل: إنهم كانوا يفتحون عينا ويغمضون الأخرى. وقيل: ...
يعني المهم نريد أن نقف عند إخبار الله تبارك وتعالى، الله أخبر وقال (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) الكيفية واضحة. 
لم يرهم أحد بدليل (لو اطلعت عليهم) وأنا قلت قبل ذلك أن (لو) من أدوات الشرط التي تستعمل في الشرط الافتراضي.
فيه شرط عندنا أسلوب الشرط الافتراضي الذي هو على سبيل الافتراض، (لو) هو الحرف الوحيد الذي يستعمل للشرط الافتراضي وورد في القرآن.
فقال الله (لو اطلعت عليهم) يعني الاطلاع عليهم لم يحدث.
فالمهم  (وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) لأنه لو قال وهم نائمون، طب كيف "وهم نائمون" "وتحسبهم أيقاظا" إنما يعني من يراهم يظن أنهم أيقاظ لأن الإنسان قد يرقد، وقد يكون نائما.
النائم هو الذي أخذه النوم وغاب عن الإدراك الخارجي، مع إن  النائم يدرك، والنائم يستمع أحيانا في الغالب، يعني النائم يسمع لكلام المتكلم الذي يتكلم بجواره ولذلك احذروا فلا ينبغي أن تظنوا أن النائم لا يسمع، لا إنه يسمع، بدليل أن الله تبارك وتعالى عندما أراد أن ينيم أهل الكهف في هذه المدة ضرب على آذانهم، يعني عطل حاسة السمع. ولذلك لو أحد نائم وأردت أن توقظه أما تنادي عليه؟  تنادي ويسمع ويرد عليك ويستيقظ، والمنبه الذي نضعه يسمعه النائم.
اذن (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) أتوقف ها هنا اليوم، ونكمل بحول الله و قوته في لقائنا القادم.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١١)
                                           1⃣

توقفت في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا* وتحسبهم أيقاظا وهم رقود) 
هنا في قوله تعالى : (وتحسَبهم) قراءتان:
●قراءة بفتح السين (وتحسَبهم)
●وقراءة أخرى بكسر السين (وتحسِبهم).
بفتح السين يكون ماضيها حسِب يحسَب وتكون بمعنى يظن، فيكون المعنى: وتظنهم أيقاظا وهم رقود. 
● والقراءة الأخرى - بكسر السين-  الماضي حسَب يحسِب، بمعنى يعُدّ فيكون المعنى: وتعدُّهم أيقاظا وهم رقود. 
وبالطبع هناك فرق في المعنى بين القراءتين:
● فالتي بمعنى تظن تفيد أنك تشك في ذلك ولا تملك اليقين.
●إنما (وتحسِبهم) التي بمعنى تعدُّهم فيها دلالة على يقينك من ذلك، ودلالة على أن الذي يطّلع عليهم ويراهم وهم رقود يظن أنهم يقِظون وفي حال اليقظة.
إذا في قوله تبارك وتعالى (وتحسَبهم أيقاظا وهم رقود) اليقِظ ضده النائم فلماذا كان التعبير بقوله (رقود) ولم يقل "وهم نائمون"؟
لأنه لو قال على قراءة (وتحسِبهم أيقاظا) يعني تعدُّهم أيقاظا وهم رقود، ولو قال "وهم نائمون" فسيكون هناك تناقض بين المعنيين كيف أعدُّهم أيقاظ وهم نائمون في نفس الوقت!! لأن الراقد قد يكون نائما وقد يكون غير نائما، فلكي يتناسب معنى (وتحسَبهم أيقاظا) قال الله (وهم رقود) لأنك تظن من تقليب الله لهم ومن كون أعينهم مفتوحة -كما يقول بعض المفسرين- أنهم أيقاظ، فالله تبارك وتعالى عبر بالرقود ولم يعبر بالنوم.

🏷 ثم بعد ذلك قال الله:
(ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال)
(ونقلبهم) يبدأ الله المضارع (نقلب) بالنون الدالة على التعظيم لله سبحانه وتعالى ليُسند فعل التقليب لذاته العلية. ويستفاد من استعمال المضارع بنون التعظيم أن التقليب إنما كان إكراما وتقديرا لهم وليس كما يظن البعض أنه كان لسلامة أجسادهم، لأن الله تبارك وتعالى قادر على حفظ أجسادهم دون أمر هذا التقليب. فالتقليب كان إكراما وتقديرا لهم ولو كان لسلامة الأجساد لكان التقليب للكلب أيضا، لكن الكلب لم يُقلَّب ومع ذلك (باسط ذراعيه بالوصيد) يعني لم يتأثر جسده بشيء، فالتقليب من باب أولى أن نجعله إكراما وتقديرا. ويستفاد الإكرام والتقدير من التعبير بنون التعظيم لله تبارك وتعالى، فالله تبارك وتعالى هو الذي يقلبهم بنون التعظيم لله تبارك وتعالى.
و(ذات اليمين وذات الشمال) يعني ناحية اليمين وناحية الشمال.
وقلت إن ذلك إكراما لهم لأن هناك قرائن في الآية الكريمة تدل على معان لابد أن نفهمها.
يعني في الآية التالية التي ستأتي بعد ذلك الكل يقول إن قوله (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا) هل الإنسان الذي يطلع عليهم يولي منهم فرارا نظرا لشكلهم المُرعب الذي هم عليه بسبب طول المدة وبسبب تغير وطول شعورهم وطول لحيتهم و...الخ كما يقول البعض. لأنهم ثلاثمائة سنين وتسعة بالتأريخ الهجري.
طيب عندما نقرأ في قول الله تعالى (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم)
طيب هم قالوا (لبثنا يوما أو بعض يوم) أليس هذا يدل على أن الذي أجاب بذلك لأن أطول مدة ينامها الإنسان هي اليوم أو بعض اليوم.
لكن ألا يدل ذلك على أنه لم يحدث تغير في شكلهم وفي ذواتهم أمامه؟
يعني الذي قال لبثنا يوما أو بعض يوم لو كان هناك تغير لدرجة الرعب في ذواتهم وفي شكلهم ما كان قال (لبثنا يوما أو بعض يوم) إنما كان سيدل ذلك على أنه رأى هذا التغير، لكن هذا يدل أيضا على أنهم لم يتغير شكلهم ولم تتغير ذواتهم.
ولذلك عندنا في الآية التي ذكرها الله أيضا في بيان كمال قدرته على البعث في العزير، الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم) لماذا قال (لبثت يوما أو بعض يوم) والله قال بل لبثت مئة عام؟
هنا رد من الله على قوله على (لبثت يوما أو بعض يوم) فالرجل يقول لبثت يوما أو بعض يوم، والله قال له بل لبثت مئة عام، والله تبارك وتعالى بين دليلا على صدق قوله وهو الذي جعله يقول ذلك، وبيّن دليلا يدل على أنه لبث مئة عام. فالطعام الذي كان يحمله الرجل وجده بحاله كما هو، الحار حار والبارد بارد، فبالطبع إذا كان الطعام لم يتغير بل وجد الطعام الذي كان حارا وجده حار كما هو فهذا دليل على أن الشيء لم يتغير. وهل أخبر الله تبارك وتعالى أن الطعام كان هناك من يوقد عليه نارا حتى يجعله حارا كما هو؟ أبدا. 
ثم قال له (أنظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس) فالحمار الذي عقلا لا يهلك بسرعة يعني يأخذ وقتا طويلا ومع ذلك وجده قد هلك. فالشيء الذي لا يستغرق إلا سويعات ويفسد بقي المئة عام ولم يفسد، لأن الله تبارك وتعالى القادر على كل شيء، والله تبارك وتعالى هو الذي يملك الزمن وهو الذي يملك المكان وهو القادر على التغير من عدمه جل وعلا.
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١١)
                                          2⃣

إذا (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال)
(ونقلبهم) بالفعل المضارع، المضارع يدل على التجدد والحدوث، يعني يدل في الزمان على الزمان الحالي أو المستقبل.
ففي قوله (ونقلبهم) إذا دل على الحال أي: ونقلبهم الآن. وإذا دل على المستقبل أي في المستقبل، لكنه دلالته هنا حالية يعني ونقلبهم الآن.
وأنزل الله القرآن منذ أربعة عشر قرنا إلى الآن، إلى جانب المدة التي كانت بالنسبة لأهل الكهف ومع ذلك ما زلنا نقرأ (ونقلبهم) بالمضارع الدال على الزمن الحالي فهل التقليب يحدث الآن؟ 
التقليب حدث فيما مضى لكن الله تبارك وتعالى في القصص القرآني يريد أي يصور لنا الحدث كأنه واقع أمامنا الآن، يعني ينقلنا إلى موقع الحدث وإلى زمان الحدث، أو يأتي لنا بالحدث وبزمن الحدث وكأنه يحدث الآن ليقول لنا عليكم باستحضار تلك الصورة التي كان رب العزة فيها يقلبهم بذاته العلية.
إذا الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم لأنه هو الذي يملك الزمن فنجده يعبر عن الزمن المستقبل بالفعل الماضي (أتى أمر الله) ثم يقول (فلا تستعجلوه) طيب (أتى) فعل ماض!! نعم. لأن الله جل وعلا هو الذي يملك الزمن، فلأنه يملك الزمن فهو يعبر بما شاء على ما يشاء. ويريد الله أن يصور أمامنا الصورة كاملة وكأن الحدث يحدث أمام أعيننا الآن.
هذا معنى (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال)

(وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)
( باسط) اسم فاعل، واسم الفاعل يدل على الذات التي أحدثت الحدث والحدث. يعني (كاتب) تدل على أن هناك من كتب وذاتٌ كتبت. كتابة وذات. 
(ضارب) ضرب وضارب ...الخ.
🔖 وكلمة (باسط) هنا وإن كانت اسم فاعل إلا أنها في مفهوم النحويين بمعنى الزمن الماضي لأنها تحكي حدثا كان في الزمن الماضي. هذا معنى (وكلبهم باسط) أي بسط.
لكن اسم الفاعل هذا نصب مفعولا بعده (وكلبهم باسط ذراعيه) فنصب هاهنا مفعولا، واسم الفاعل لا يعمل عمل فعله فينصب مفعولا إلا إذا كان بمعنى الاستقبال أو بمعنى الحال ولا يكون بمعنى الزمن الماضي فكيف نصب هنا اسم الفاعل مفعولا مع أنه بمعنى الزمن الماضي؟ 
وهذه القاعدة انتصر لها البصريون من النحويين أن  اسم الفاعل لا يعمل عمل فعله فلا ينصب مفعولا إلا إذا كان بمعنى الزمن الماضي.
لكن الكسائي الكوفي النحوي استدل بهذه الآية على أن اسم الفاعل يعمل عمل فعله في هذه الآية لأن الله تبارك وتعالى عطف قوله (وكلبهم باسط ذراعيه) عطفها على (ونقلبهم ذات اليمين) فطالما عطفها على (ونقلبهم) وهي مضارع، (ونقلبهم) هنا بمعنى الحال والاستقبال إذا (وكلبهم باسط) هي بمعنى يبسط ذراعيه بالوصيد.
لأن فعلا إسم الفاعل لا يعمل عمل فعله إلا إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال.
ولذلك عندنا في قول الله تعالى: (إن الله بالغ أمره) (بالغ) اسم فاعل وهو مضاف و (أمرِه) مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. يعني على هذه القراءة لم يعمل عمل فعله.
لكن وردت قراءة أخرى (إن الله بالغٌ أمرَه)
(بالغٌ أمرَه) اسم الفاعل عمل عمل فعله فنصب المفعول.
وهذه لها دلالة في القراءات ودلالة في المعنى:
● فقراءة (بالغُ أمرِه) تكون بمعنى إن الله بلغ أمره فيما مضى.
● وقراءة (بالغٌ أمرَه) تدل على إن الله يبلغ أمره في ما هو آت.. وهذا هو المناسب لقوله (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) لأن الإنسان إذا علم أن الله تبارك وتعالى بلغ أمره فيما مضى ويبلغ أمره فيما سيأتي فإنما يحسن التوكل على الله تبارك وتعالى. 
هذه (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)
الوصيد: قيل هو الفناء
وقيل: هو مدخل الكهف، أو على باب الكهف.
وهذه عادات الكلب أن يجلس هذه الجلسة، أمام باب البيت، أو أمام باب الغرفة.
ثم بعد ذلك يقول الله تعالى (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا)
(لو اطلعت عليهم) هل الذي يطلع عليهم يولي الفرار من شكلهم المرعب ومن شكلهم المخيف؟
■ قلنا لا.. شكلهم وذواتهم ليست بمرعبة، إنما جعل الله لهم هيبة حتى يبعد عنهم أذى الناس، وحتى لا يقترب منهم أحد، فالله حفظ أجسادهم وفي نفس الوقت حفظهم من الاعتداء عليهم وهم نائمون من خلال وجود الكلب، لأن الكلب الذي يوجد أمام الباب يمنع أي عدو يقترب، لأن الكلب يحدث صوتا يوقظ النائم. فالله تبارك وتعالى حفظهم بهذه الأسباب، لكن (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا) هذا من باب الهيبة وليس من باب الرعب من شكلهم ومما حدث في ذواتهم.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١١)
                                          3⃣

مع أن بعض المفسرين يقول بخلاف ذلك، لكن كما نعلم حتى لو كان هناك بعض المفسرين طالما أن الكلام لم ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم فالكل يُؤخذ منه ويُرد، وخاصة عندما يكون في الآيات ما يدلل على القول الذي نؤيده.
فالقول هنا عندما قالوا (كم لبثتم) قال الآخر (لبثنا يوما أو بعض يوم) لو كان رأى تغيرا، يعني لو كان رأى تغيرا في ذواتهم وفي شكلهم أما كان سيدرك ذلك؟ إنما (لبثنا يوما أو بعض يوم) هذه للنائم العادي، النائم الذي ينام أقصى مدة مثلا ينامها يوما كاملا، وأظن ما في أحد ينام أكثر من ذلك.
🏷 (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا) هل في الآية تقديم وتأخير؟
لأننا نعلم أن الرعب يملأ القلب أولا ثم بعد ذلك الإنسان يولي الفرار.
فلم قدم الله (لوليت منهم فرارا) ثم قال (ولملئت منهم رعبا) ؟

الرعب الذي يدخل قلب الإنسان عندما يرى شيئا يدخل قلبه الرعب منه على نوعين:
● هناك شيء يدخل الرعب في القلب لكن عندما يبتعد الإنسان عن المكان يزول الرعب.

●وهناك رعب يدخل القلب ومهما ابتعد الإنسان عن المكان فلا يزال الرعب موجودا. أليس كذلك؟
  الناس التي تخاف من الصراصير مثلا عندما ترى صورصارا في الغرفة إذا انتقلت إلى مكان آخر يزول الرعب صح؟
طيب ماذا لو قابلك أسد في الشارع وحاول الأسد أن يلحق بك، فمهما ابتعدت عن المدينة التي أنت فيها وذهبت إلى مدينة أخرى سيظل الرعب في قلبك.
إذا هنا يصور الله مدى الرعب الذي يدخل القلوب من الهيبة التي جعلها الله لهم أنه رعبان..
● رعب بداية فيجعل الإنسان يولي فرارا..
●ورعب يظل مستمرا في قلب من اطلع عليهم حتى لو ابتعد عنهم.
فبالطبع هذا الرعب بنوعيه لا يمكن أن يكون بسبب تغير في طول شعر، ولا في طول لحية، ولا.. لا يمكن. هل يكون كذلك؟ يعني لا يمكن أن يكون كذلك.
الرعب هنا كما قلت الحكمة منه هيبة وضعها الله عليهم حتى يحفظهم ممن يرونهم من الناس وهذا دليل على حفظ الله لهم.
فبالطبع يعني مهما تغير شكلهم لا يمكن أن يترتب على تغير الشكل هذان النوعان من الرعب، لا يمكن، لكنه رعب يقذفه الله في قلوب من يطلع عليه.
نعم.. ألم ينصر الله رسوله بالرعب كما قال صلى الله عليه وسلم (ونصرت بالرعب)..
ألم يقل الله (وقذف في قلوبهم الرعب) في شأن اليهود.
فماذا تنتظرون إذا كان الله تبارك وتعالى هو الذي يقذف في قلوب العباد الرعب، أظن أنه سيكون أشد رعبا من الرعب الحسي، يعني لو كان الرعب بسبب حسي ما كان الرعب يستمر إلا لأن الله هو الذي قذف في قلوبهم الرعب.

وعندنا أيضا في قوله (ولملئت منهم رعبا) قراءتان :
●(ولمُلِئت منهم رعبا) بالتخفيف ، الملئ العادي
●(ولمُلِّئت منهم رعبا) من المبالغة في الملئ.

س: ما فائدة القراءتين؟
لأن الناس امتلاءُ قلوبها بالرعب على درجات، يعني هل كل الناس تمتلئ قلوبهم رعبا من شيء يرونه؟ حتى لو امتلأت قلوبهم بالرعب فهو رعب نسبي، يعني كل إنسان له نسبة معينة من الرعب تدخل قلبه..
● فقوله (ولمُلِئت) مبالغة يتناسب مع بعض الناس التي لا يمتلك قلوبها رعبا.
● (ولمُلِّئت) المبالغة تتناسب مع من يمتلئ قلبه رعبا.
■ قال الله تعالى:
(وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم) 
(وكذلك بعثناهم) الكاف هنا في قوله (وكذلك) حرف تشبيه. الله يشبه ماذا بماذا؟ يشبه بعثهم.
أين المشبه به؟
المشبه به كما أنمناهم كذلك بعثناهم، يعني الذي أنامهم بقدرته الثلاثمائة سنة وتسع سنين هو الذي بعثهم بكمال قدرته. إذا المشبه به هنا نومهم لأن نومهم آية "وكذلك بعثهم آية". إذا (وكذلك) أي كما أنمناهم بعثناهم.

■ وقوله (ليتساءلوا بينهم)
هل اللام هنا تصلح أن تكون لام التعليل؟
هل رب العباد بعثهم لكي يتساءلوا بينهم؟ يعني هل بعثهم خصيصا ليتساءلوا بينهم؟ 
لا.. التساؤل فيما بينهم دليل واقعي ملموس على بعثهم، يعني التساؤل والحوار الذي دار و (قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة) هذا الحوار كله ليؤكد الله تبارك وتعالى أنهم بُعثوا ومارسوا الحياة، حصل ممارسة للحياة الطبيعية التي يمارسها الناس والتي يمارسها الأحياء في الدنيا. 
إذا التساؤل فيما بينهم والحوار الذي دار هذا وسآتيكم بأدلة الأن وإن كنت أود أن أبين الدليل في حينه لكن الآن أفضل، أين الدليل على كلامي هذا؟  الدليل أنهم أول ما فكروا في ممارسة الحياة أرسلوا في إحضار طعام، وسنقول إنهم أرسلوا في إحضار طعام بناء على أنهم جاعوا فالمدة طويلة، والنائم الذي ينام وقتا طويلا يقوم من النوم وهو جائع. أليس كذلك؟ يعني الذي ينام طويلا يقوم من النوم وهو جائع .
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١١)
                                          4⃣

طيب لو كانوا جوعى أما كانوا يطلبون مطلق الطعام وفقط؟ هل الجوعى يتخيروا طعاما؟ إنما هؤلاء يعني (فلينظر أيها أزكى طعاما) انظر أي المناطق أزكى طعاما في المدينة التي تذهب إليها واشتري لنا من هذه المنطقة، لأن الطعام يكون في كل منطقة مختلف عن الأخرى (فليأتكم برزق منه وليتلطف) يعني أردت أن أقول لكم هي ممارسة للحياة تامة، ممارسة كاملة.
● إذا اللام هنا لا بد أن نُقدر لها يعني تعليلا آخر محذوفا "وكذلك بعثناهم للدلالة على كمال قدرتنا فتساءلوا بينه" إذا التساؤل دليل على أنهم بُعثوا ليمارسوا الحياة.
والبعث كما قلت مشبه والمشبه به هو النوم، فالله تبارك وتعالى يبين كمال قدرته في ذلك.
وسنأخذ دلالة على البعث من خلال نومهم الدال على كمال قدرة الله، والنوم يقابله الموت، والنوم هو الموتة الصغرى، والله تبارك وتعالى بعثهم واستعمل البعث بمعنى الإحياء لأنه كأنه أحياهم، يعني القادر على حفظهم في هذا المكان وبهذه الصورة (وترى الشمس إذا طلعت تزَاور، تزَّور، تزوَرُّ) وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال...) إلى آخره. القادر على حفظ أجسادهم، والقادر على بعثهم بعد طول المدة التي ناموها قادر على أن يبعث العباد، هو القادر المقتدر جل وعلا.
  إذا هم تساءلوا بينهم والتساؤل تفاعل، ومعنى التفاعل أن كلا منهم يسأل والآخر يجيب. يعني كأن التساؤل على التوزيع ولذلك قال الله (قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا) فهل الذي قال كم لبثت هو الذي قال (لبثنا يوما أو بعد يوم) أو حتى هو كان مع من قال (لبثنا يوما او بعض يوم)؟ لا. هو مجموعة تساءلت ومجموعة أخرى أجابت هذا معنى (ليتساءلوا بينهم) والتساؤل دلالة على أن الحياة كانت حياه طبيعية، بعثهم الله ومارسوا الحياة كما لو كانوا لم يناموا هذه المدة.
ستكون لام التعليل، لكن (يتساءلوا) ليست هي المعللة (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا).
■وهناك فعلا من قال إنها لام العاقبة، لكن لام العاقبة تدخل على حدث كان عاقبة للفعل أو للحدث الأول والذي أحدثه لم يتوقع هذه العاقبة، يعني (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) هم طبعا لو كانوا يعلمون أنه سيكون لهم عدوا وحزنا كانوا التقطوه؟ ما كانوا يلتقطونه، هم كانوا يعني يلتقطونه ليكون لهم قرة عين فكانت العاقبة أنه أصبح عدوا وحزنا.
إنما هل التساؤل كان عاقبة للبعث؟ لم يكن عاقبة، إنما هو دليل على ممارسة الحياة. يعني حتى لو كان هناك من قال إن اللام للعاقبة المعنى لا يتناسب مع العاقبة.
إذا (وكذلك بعثناهم) للدلالة على قدرة الله تبارك وتعالى فتساءلوا بينهم.
●( قال قائل منهم كم لبثتم) يعني كم لبثتم في نومكم؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم. وبينت ذلك أن المراد أنهم أجابوا عن المدة التي ينامها الناس غالبا، فالمدة التي ينامها الناس غالبا هي اليوم أو بعض يوم. وقلت لكم إنه أجاب بذلك دليلا على أن هيئتهم لم تتغير ولو كانت تغيرت ما قال يوما أو بعض يوم. 
هناك قضية مهمة جدا لابد أن نفهمها في قصص القرآن: الله تبارك وتعالى لا يذكر في القصص إلا ما فيه العبرة لنا و ما لا عبرة فيه لا يذكره. فهو لا يذكر هذه الأشياء التي تسألون فيها، يعني هل هناك فرق بين أن شعرهم أصبح مثلا أبيض وإلا أسود كما هو؟ لم يذكر الله ذلك فلنسكت عنه لأن رب العزة لم يذكر، ولو كان في ذكر ذلك فائدة لذكره الله تبارك وتعالى. هذا قوله (قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم).

■(قالوا ربكم أعلم بما لبثم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا)
بعد التساؤل (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) هذه (ربكم أعلم بما لبثتم) تعطينا فائدة مهمة جدا وهي: إذا وصل الحوار إلى مستوى لا فائدة فيه يتحول الى جدال والأولى أن نحوله إلى شيء مثمر نافع. إذا تحول الحوار إلى مجرد كلام لا فائدة فيه وكل طرف يتكلم بلا فائدة، وفيما بين الناس في هذا الزمن كل يريد أن ينتصر لنفسه، يعني كل واحد يريد أن ينتصر فيتحول الأمر إلى جدال، الله تبارك وتعالى يقول لنا من خلال (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) كأنهم يقولون يا جماعة كفوا عن هذا الحوار، هذا الحوار لا فائدة فيه، هذا سيوصل إلى جدل.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١١)
                                         5⃣

● وبعد ذلك انتقل لفاء التفريع مباشرة (فابعثوا أحدكم بورقكم) يعني افعلوا ما فيه المنفعة، حولوا الحوار والجدال إلى شيء ينفعكم، لا تتكلموا كثيرا فيما لا ينفع لأن الكلام فيما لا ينفع سينقلب إلى ما يضر. وهذه مهمة جدا جدا قضية تحويل الحوار من شيء غير نافع إلى شيء نافع وبسرعة.
هذه رسالة الله لنا من هذه الجملة القرآنية وهي (قالو ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا احدكم بورقكم هذه إلى المدينة).
وبعض العلماء يطلقون على هذا شبه الأسلوب الحكيم. يعني يقولون هذا الأسلوب شبيه بالأسلوب الحكيم لكنه ليس هو الأسلوب الحكيم عينه، يعني حتى هؤلاء يقولوا لولا أن الله قال (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) لكنا نقول إنه هو الأسلوب الحكيم، يعني لو كان قال (ابعثوا أحدكم بورقكم) كان معنى ذلك أن الذي تساءل كم لبثتم سؤالك ليس في محله وإنما دعونا نبحث عما ينفعنا، لكن (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) جعلت الأسلوب شبيها بالأسلوب الحكيم.
أتوقف هنا ونكمل بحول الله وقوته في لقائنا القادم.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٢)
                                           1⃣

 .. توقفت عند قول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) وقلت هل اللام في قوله (ليتساءلوا) لام التعليل أم لام العاقبة؟
 أقول: إن اللام هنا لام التعليل، والله تبارك وتعالى يعلل بعثهم بقوله (ليتساءلوا بينهم) أي أن الله بعثهم وأحياهم ليمارسوا الحياة الطبيعية فكان أول ما ينبغي أن يمارسوه هو المناقشة فيما بينهم في مدة لبثهم في الكهف، وفي مدة نومهم،  إذا المقصود ليس التساؤل في حد ذاته إنما التساؤل المراد منه ممارسة الحياة بالمناقشة. وأظن أن أصحاب البيت الواحد عندما يستيقظون من نومهم يعني أول ما يفعلونه يتكلمون فيما بينهم في أي أمر من الأمور، فالمراد من تساؤلهم ليس مجرد التساؤل، والغرض من بعثهم ليس لأجل التساؤل وإنما سيأتي بعد ذلك وسأبينه، الغرض من نومهم وبعثهم، إنما (ليتساءلوا) جاءت هاهنا إشارة إلى أنهم عندما بعثهم الله تبارك وتعالى بدؤوا في ممارسة حياتهم اليومية ولذلك كان أول ما فعلوه التناقش فيما بينهم في مدة لبثهم في الكهف.
والله تبارك وتعالى أعطانا درسا مهما جدا وهو: أن المؤمن عليه أن يغير الحوار إذا وجد أن الكلام غير مفيد، أو سيؤدي إلى غير مفيد، فإذا وجد أن الحوار وأن الكلام سيؤدي إلى غير ما يفيد عليه أن ينهي الحوار، أو يغير مجرى الحوار ولذلك (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) يعني انتهوا عن هذا الجدال، ما ينبغي أن تجادلوا كثيرا في الأمر، الجدال إلى هنا ينتهي، لأن الجدال إذا أخذ طريقه فسيأخذ طريقا ربما يصل إلى الجدال بالباطل. إذا، الإنسان عليه أن يستفيد من هذا الدرس. واضح.
وعندنا أيضا الحديث الصحيح الوارد في صحيح مسلم وهو ما معناه أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائمة فأخذ يتحسس الأمر ويحاول ألا يزعجني وأنا نائمة - وهذا من هديه صلى الله عليه وسلم الذي علمنا إياه - ثم تقول فدخل فوضع رأسه على الفراش ثم سرعان ما قام مسرعا وخرج من الغرفة فقلت في نفسي لعله ذهب إلى زوجة أخرى عندما رآني نائمة فما أراد أن يوقظني، فالمهم تقول: فخرجت خلفه لأعرف إلى أين ذهب فرأيته صلى الله عليه وسلم. 
يقف بالبقيع ويرفع يديه إلى السماء ويدعو الله تبارك وتعالى، فوقفت حتى انتهى. ثم عندما وجدته عائدا التفت بسرعة ودخلت غرفتي فإذا به أتى إلى غرفتي ودخل بنفس الهدوء الذي دخل به أولا ثم وجدني من سرعة خطواتي وأنا داخلة نفسي يرفع الغطاء ويخفضه - نفس الإنسان عندما يسرع في المشي فإنه يتنفس بسرعة - فقال لي: ما بك يا عائش؟ فقلت له لا شيء يا رسول الله، فقال: إن لم تخبريني فإن الله سيخبرني، فقالت: يا رسول الله أنت عندما قمت مرة أخرى فخرجت خلفك وخشيت أن تكون قد ذهبت إلى إحدى أزواجك وأنا نائمة، فلمزني بمجمع يديه ، بيديه، يعني هكذا و قال: أتظنين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ فعندما رأت الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم من هذا قالت: يا رسول الله ماذا أقول لو دخلت على أهل البقيع؟ كيف أسلم عليهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: قولي السلام عليكم أهل القبور أنتم السابقون ونحن بكم لاحقون إن شاء الله.
 بما تسمون تصرف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟ ماذا فعلت؟ ألم تغير من مجرى الحوار خوفا من أن يصل الحوار إلى شيء لا يحمد عقباه، صلى الله عليه وسلم. فهي غيرت الحوار. وهذا أسلوب ينبغي أن نتعلمه في حياتنا حتى لا يصل الحوار إلى جدال بالباطل. كذلك أصحاب الكهف (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) يعني إيه؟ يعني لا ينبغي أن تتكلموا إلا فيما يفيد، لا بد أن يغير الإنسان مسار الحوار إلى ما يفيد وينفع.
طيب (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) هل كلهم هم الذين قالوا في نفس واحد (ربكم أعلم بما لبثم) أم أن واحدا منهم هو الذي قال؟
هو بالتأكيد واحد منهم هو الذي قال لكن الكل أيد ووافق، والمؤيد والموافق كالقائل تماما كما أن المؤمِن على الدعاء كالداعي تماما، يعني الذي يؤمن الداعي، والذي يوافق على قول كالقائل، فكأن واحدا قال (ربكم أعلم بما لبثتم) والكل وافقه نعم ربنا أعلم بما لبثنا.
ثم فرّع على ذلك (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة) (فابعثوا أحدكم بورقكم) الفاء هنا فاء التفريع يعني إذا سلمنا أن الله أعلم بما لبثنا فابعثوا أحدكم بورقكم. فاء التفريع تفرِع ما بعدها على ما قبلها خلاص.
البعث هنا الله تبارك وتعالى يستعمل البعث في هذه القصة لأن الغرض منه: بيان قدرة الله على والبعث بأدلة عملية وليست بأدلة نظرية، ولذلك يستعمل الله البعث في هذه القصة (ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم) وهنا أيضا (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة) يعني ابعثوا واحدا منكم بالورِق، الورِق هو: الفضة التي كان يتعامل بها حينئذ، قطع من الفضة كان يُتعامل بها.
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٢)
                                           2⃣

 والبعث بمعنى الإرسال. لكن هناك فرق بينهما:
 الإرسال بالضرورة فيه انتقال حركة من مكان إلى مكان. هذا الإرسال، يعني طالما أرسلت فلان أرسلته يعني انتقل من مكان إلى مكان
 إنما البعث ليس بالضرورة أن يكون فيه انتقال، لكنه ها هنا فيه انتقال.
 إنما مثلا في قول الله تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) هل بالضرورة أن يكون الحَكم انتقل من مكان إلى مكان؟ ليس بالضرورة، قد يكون وقد لا يكون. هذا قوله ( فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة)

●(فلينظر أيها أزكى طعاما) الفاء هاهنا في قوله (فلينظر) هي واقعة في جواب شرط مقدر لأن المعنى: إن بعثتم أحدكم بورقكم فلينظر المبعوث أيها أزكى طعاما.
● الضمير في قوله (أيها) هنا يعود على ماذا؟
 يعود على أماكن المدينة ، الأماكن التي فيها المحلات التي تصنع الطعام، لأنه كما نعلم أن الطعام في المدن يكون بناء على الحي الذي فيه المطعم، أو المطبخ الذي يُعد الطعام. ( فلينظر أيها) يعني أي الأماكن في المدينة أزكى طعاما وأي المحلات أزكى طعاما. وأظن لا يزال حتى اليوم المحلات بحسب الحي الذي تكون فيه.
 ●وقوله (أزكى طعاما) أطيب طعاما، وهذا معناه أن الإنسان لا مانع من أن يتخيرا أطيب الطعام وأحسن الطعام. يعني التخير في الطعام أمر مشروع للإنسان ولا يدل على أن الإنسان متكبر، ولا يدل على أن الإنسان لا يحب كذا، أو يعيب، أو لا يعيب، ليس بالضرورة أن يعيب لكنه يتخير ما يشتهي وما يحب. هذا معنى (فلينظر أيها أزكى طعاما) من غيره.
● (أزكى) أفعل تفضيل، وهنا المفضل عليه محذوف أيها أزكى طعاما من غيره. وبعد أن ينظر في الأماكن والمحلات التي فيها الطعام الأطيب والطعام الأحسن.
●( فليأتكم برزق منه) فليشتري لنا وليحضر لنا جميعا برزق يعني بقوت منه، فليحضر طعاما لنقتات منه. هو طبعا الأطيب والأحسن لا يكون إلا ما أحله الله في وقته، يعني ليس الأطيب والأحسن فقط في قضية الطعم أو قضية النوع، إنما الأطيب والأحسن لا يكون الطعام أزكى إلا ما أحله الله تبارك وتعالى. لكن ( أزكى ) أعم من قضية الحلال. الله تبارك وتعالى لا يُحل ولا يبيح للإنسان أن يأكل إلا مما أحلّه الله تبارك وتعالى بس لا نصرف (أزكى) للحلال لأنه ذاهب للشراء فهو سيشتري بالورق فما بقي إلا أن يكون الطعام مشروعا ومباحا، والله تبارك وتعالى أحله. وكلمة (أزكى) أعم من أن نصرفها لمعنى واحد.
( فليأتكم برزق منه وليتلطف) يتلطف في حواره، ويتلطف في كل تصرف يتصرفه، وهم عللوا بعد ذلك سبب التلطف وسبب التلطف خوفا من أن يُعرفوا ولذلك هذا يدل على أنهم لم تتغير ملامحهم وشعورهم، وشعور وجوههم - كما يقول البعض - لأنهم لو كانوا قد تغيرت ملامحهم وشعور وجوههم قد زادت عن الحد، ألا يدل هذا عليهم ويُعرفوا؟ يعني كانوا يُعرفوا، يعني هذا يدل عليهم، الذي ذهب ليشتري الطعام كان الناس عندما يرونه يعرفون من هذا وكيف يكونوا شكله هكذا. إذن هذا معنى (وليتلطف)
 وهذا يدل على أن الإنسان مطالب بأن يحافظ على نفسه من الوقوع في الفتنة، ويحافظ على نفسه من أن يُضر، أو أن يؤذى،  يعني الإنسان له أن يحافظ على نفسه من أدنى إيذاء. فالتلطف هنا معناه حافظ علينا وحافظ على نفسك حتى لا تُعرَف.
وأنا قلت لكم سابقا أن السحرة عندما آمنوا برب هارون وموسى كما ذكر الله في سورة طه وتوعدهم فرعون بما توعدهم به (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى) ماذا قال السحرة؟ قالوا (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات)، (لن نؤثرك) التعبير بالإيثار يعطينا أيضا دلالة أنهم حافظوا على أنفسهم، يعني نحن نُقر أنك صاحب مكانة عالية لكن الذي رأيناه لا نستطيع أن نؤثرك عليه، نحن جئنا من أجل أن نبطل سحر موسى كما قلت لنا لكن الذي تبين لنا ان هذا ليس بسحر، ليس بسحر لأننا أعلم الناس بالسحر فقالوا (لن نؤثرك) والتعبير بالإيثار فيه مراعاة لمشاعر فرعون وفيه محافظة على أنفسهم. واضح.
ثم بعد ذلك (ولا يشعرن بكم أحدا) لا تجعلوا أحدا يشعر بكم، و(أحدا) هنا تطلق على كل أحد من الناس.
 ●(ولا يشعرن بكم أحدا) طبعا (بكم) هنا تدل على ذواتهم. طيب كيف تدل على ذواتهم؟ وكيف يشعر الناس بذوات هؤلاء؟
لأن هاهنا مضافا محذوف : ولا يشعرن بوجودكم أحدا، يعني هم ما يريدون نفي الشعور عن ذواتهم فقط، لا.. يريدون نفي الشعور عن وجودهم "ولا يشعرن بوجودكم أحدا"، وهذا يدل على أن القوم كانوا يعرفون قصة أصحاب الكهف وقتها، يعني كانوا يتداولونها في أحاديثهم فإذا شعروا بوجودكم سيحدث بالنسبة لنا السوء الكثير.
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٢)
                                          3⃣

 ونلحظ هاهنا أن رب العباد رتب الأحداث هاهنا من أول (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه الى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما) رتب هذا الحدث بالفاء لأن الفاء تدل على الترتيب والتعقيب والسرعة، فهو لن ينظر أي الأماكن أزكى طعاما إلا إذا بُعث. هذا معنى (ابعثوا أحدكم بورقكم هذه فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه) هو لن يأتيهم برزق منه ولن يشتري إلا إذا نظر أي الأماكن أزكى طعاما، إذن رتب الله (فليأتكم برزق منه) بالفاء، لكن التلطف ونفي الشعور كان العطف فيه بالواو، لماذا؟ لأن التلطف ونفي الشعور ليس مرتبا على الأحداث التي قبله، إنما التلطف مطلوب، ونفي الشعور بنا مطلوب من أول خروجك من هذا المكان إلى أن تعود إلينا، يعني التلطف و (لا يشعرن) ليس معطوفا بالفاء، لماذا؟ لأنه ليس مرتبا على ما قبله، يعني كما قلت (فليأتكم) مرتب على (فلينظر)، و (فلينظر) مرتب على (فابعثوا)، إنما (وليتلطف) ليس مرتبا بعد أن يأتي بالطعام، لا.. إنما هو من البداية إلى النهاية، من بداية خروجه إلى عودته التلطف في كل شيء، وليس معنى هذا أن نقول إن فلانا جبان كما تقولون، أو فلان لا يتكلم في الشيء الفلاني، لا.. إن الذي يتكلم فيما يفيد وينفع هو من الحكماء، حكيم ويعرف أن الكلام الذي يتكلم فيه ينفع المستمع وإلا لا؟ وهذا هو الأصل.
إنما ماذا يفعل لو أنه جعل نفسه عنترة بن شداد وقال ما شاء ماذا سيفعل به؟ وماذا سيستفيد الناس من قوله؟ لن يستفيد الناس من قوله شيئا. هذا معنى (ولا يشعرن بكم أحدا).
وأنا قلت قبل ذلك إن الشعور هو: الحد الأدنى من العلم، والشِعار: الملبس الذي يلبسه الإنسان وهو الملبس الملامس للجسد. هذا معنى (ولا يشعرن بكم أحدا).
بعد ذلك يأتي القرآن بجملة تعليلية: (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا) هذه جملة تعليلية..
تعليل لماذا؟
تعليل للأمر في (وليتلطف) وتعليل للنهي في (ولا يُشعرن بكم أحدا)، ولو قلت هو تعليل للنهي في (ولا يشعرن بكم أحدا) أكون على علم بأن عدم التلطف سيجعلهم يشعرون صح؟ يعني إذا لم أتلطف سيجعلهم يشعرون حتى لو حاولت التخفي، لا يمكن لي أن أتخفى. هذا معنى (إنهم إن يظهروا عليكم).
وهذا يدل على قضية مهمة جدا وهي:
أن التعليل بعد الأمر أو النهي التعليل أدعى إلى قبول المأمور. يعني من أمرته أو من نهيته، لتنفيذ الأمر ولتنفيذ النهي. وهذا أسلوب ينبغي أن نتعلمه في بيوتنا، أننا نعلل إذا أمرنا أو نهينا، يعني إذا قلت لابني افعل كذا آتي له بجملة تعليلية بعدها، أو نهيته آتي بعدها بجملة تعليلية.
والقرآن الكريم فيه ما يقارب الثلاثمائة جملة تعليلية بعد الأمر أو النهي ليعطينا الله تلك الدلالة أنك تُعلل بعد أن تأمر أو تنهى إذا أردت أن تطاع في أمرِك وفي نهيك.
 فهنا (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم) ما معنى الظهور؟ الظهور معناه: البروز دون ساتر، الاطلاع يعني دون ساتر. وله دلالتان: إما الظفْر بكم، وإما الغلبة على الغير. يعني إما أن يظفروا وإما أن يغلبوكم بالنسبة لو عرفوا أنكم أنتم الذين كنتم في الكهف، وهو هنا بمعنى الغلبة، الغلبة على هؤلاء.
طيب الآن في قوله (يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم) هذان الأمران: الرجم يعني القتل، القتل بالرمي بالحجارة يعني قتل فيه إهانة ومذلة كبيرة ولذلك هو عقوبة الزاني المُحصن.
لو فكرنا في هذين الحدثين (يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم) هل هذا الترتيب طبيعي؟ أم أن الترتيب الطبيعي كان أن الرجم يكون بعد (أو يعيدوكم في ملتهم)؟
الرجم يكون بعده لأنهم إن قتلوهم بداية فكيف يعيدونهم إلى ملتهم؟ إن قتلوهم بداية، خلاص. طيب لماذا قدم القرآن وأخّر؟ لماذا كان التقديم والتأخير؟ لماذا لم يقل "إنهم إن يظهروا عليكم يعيدوكم في ملتهم أو يرجموكم ولن تفلحوا إذا أبدا"؟
ج: كان التأخير لقوله (أو يعيدوكم في ملتهم) حتى يرتب عليه نفي الفلاح الأبدي، يعني يرجموكم كونكم تُقتلون أهون من أن يعيدوكم في ملتيم، لأنهم إن أعادوكم في ملتهم فلن تفلحوا إذا، (إذا) ظرف زمان، يعني إذا في هذا الوقت إذا أنكم عدتم في ملتهم فلن تفلحوا حينئذ أبدا. يعني كان التأخير هاهنا خصيصا لكي يرتب عليه نفي الفلاح الأبدي. 

س: هل كلمة (أبدا) هنا لها دلالة؟ هل يمكن أن نكتفي بـ (ولن تفلحوا)؟ 
جـ: عندنا ظرفان نستعملهما في كلامنا لكن أرجو أن ننتبه حتى نستعملهما الاستعمال الصحيح وهما (قط) و (أبدا)
 ما الفرق بين قط وبين أبدا؟ ومتى أستعمل قط في كلامي؟ ومتى أستعمل أبدا في كلامي؟
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٢)
                                          4⃣

قط: هذا ظرف لاستغراق الزمن الماضي، ومعنى الاستغراق يعني ليس للماضي فقط لا.. إنما استغراق الماضي كله. يعني عندما أقول: ما شربت الخمر قط، أو لم أشرب الخمر قط، قط يعني في الزمن الماضي طول حياتي. يعني (قط) لا تفيد الزمن الماضي فقط وإنما تفيد استغراق الزمن الماضي لنفي الحدث الذي نفيته، ولذلك لا بد أن تُسبق بماض منفي يعني لازم أقول ما شربت قط، لم أشرب قط. طيب هذا ليس ماض، لا.. هو ماض لأن (لم) تحول المضارع إلى معنى الزمن الماضي، يعني لم أشرب هي بمعنى ما شربت، يعني تجعل زمن المضارع هو في الماضي مع أنه في الأصل يكون في المستقبل أو الحال.
● أما (أبدا) فهي تستغرق زمن المستقبل كله لأن المستقبل منه ما هو مستقبل قريب، ومنه ما هو مستقبل بعيد، ومنه ما هو مستقبل أبعد من البعيد. (أبدا) تستغرق كل المستقبل القادم إلا إذا قيدت الحدث الذي قبلها بقيد يعني في قول الله تعالى (قالوا إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها) الأبدية هنا تستغرق الزمن للمستقبل كله لكنها قُيدت، الحدث قُيد فيها بقيد (ما داموا فيها) يعني إذا خرجوا منها سندخل واضح.
إنما لو قال الله "إنا لن ندخلها أبدا" خلاص سيكون في زمن المستقبل البعيد، والأبعد، والأبعد، وفي كل الأزمنة.
إذن نستعمل (قط) للزمن الماضي ويشترط أن يكون قبلها فعلا ماضيا، إما ماضيا لفظا أو معنى، أو ماضيا معنى فقط مثل: لم أشرب، أو لم أدخل، أو لم أسافر، يعني عندما أقول لم أسافر - مثلا- إلى مدينة كذا قط، لا أقول أبدا، يعني لم أسافر لا يصلح معها أبدا إنما قط.
(أبدا) تأتي مع (لن) التي تفيد النفي التأبيدي في المستقبل.
ولكن النفي التأبيدي في المستقبل يكون بحسب السياق، فأحيانا السياق يجعل النفي التأبيدي في الدنيا فقط، وأحيانا السياق يجعل النفي التأبيدي في الدنيا والآخرة. يعني هنا (ولن تفلحوا إذا أبدا) هل النفي التأبيد هنا في الدنيا فقط أم في الدنيا والآخرة؟ في الدنيا والآخرة.

إنما في قول الله تعالى (قال لن تراني) (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني) (لن تراني) هذه في الدنيا لماذا؟ يعني لن تراني وأنت على هيئتك هذه، إنما في الآخرة سيهيئ الله عباده لرؤيته جل وعلا، يعني في الآخرة الإنسان يؤهل لذلك، المؤمن الذي قدّر الله له أن يرى الله جل وعلا وأن ينظر إلى وجهه الكريم فإن الله تبارك وتعالى يهيئ عبده لذلك. ولذلك ربنا أعطى مثالا لسيدنا موسى عندما تجلى للجبل (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا).
 إذن أخّر الله (أو يعيدوكم في ملتهم) مع أنها محلها أن تُقدم على (أن يرجموكم) لأن المقصود بالرجم هو القتل، لكن القتل بالقذف بالحجارة.
 لأن القتل أنواع كما فرقت لكم سابقا بين الذبح وبين القتل وبين الموت.
● بالنسبة للذبح: إزهاق الروح بسبب هدم البنيان بقطع عرقين معينين في الرقبة، هذا الذبح، سبب في إزهاق الروح بهدم الجسد لكن بقطع عرقين معينين في الرقبة، ولذلك الذي لا يقطع هذين العرقين فهو لم يذبح.
● القتل: هدم لبنيان الجسد، لأن الروح لا تسكن إلا في جسد سليم. لكن إزهاق الروح لا يملكه أحد، يعني قد يضرب أحد الآخر خمسين رصاص -مثلا- ولا تزهق روحه لأن الله تبارك و تعالى لم يقدر للروح أن تخرج في هذا الوقت، فإذا قدر الله تبارك و تعالى ذلك فإنها تخرج. إذا القتل ما هو إلا سبب في هدم هذا البنيان. هذا قوله (ولن تفلحوا إذا أبدا)
إذن الفلاح كل الفلاح في اتباع رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين..
 الفلاح كل الفلاح في اتباع دين الله كما أمر الله تبارك وتعالى..
 يعني نفي الفلاح هنا لمن اتبع ملة هؤلاء الكفرة وهم كانوا نصارى لكن الله تبارك وتعالى أكدها بـ (لن) النافية التأبيدية (ولن تفلحوا إذا أبدا).
 وأتوقف ها هنا اليوم، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والفعل والعمل.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٣)
                                        1⃣

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أجمعين..

توقفنا في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم)
 وفي قوله تبارك وتعالى (وكذلك أعثرنا عليهم) هذا التشبيه وهو وجود الكاف في قوله (وكذلك) واسم الإشارة أيضا في قوله (وكذلك) علام يعود؟ وأين المشبه به؟
 هو يعود على ما عاد عليه (وكذلك بعثناهم) ويكون المعنى: وكما زدناهم هدى وربطنا على قلوبهم وأنمناهم وقلبناهم ذات اليمين وذات الشمال وبعثناهم فكذلك أعثرنا عليهم، يعني كما فعلنا بهم ما سبق كذلك أعثرنا عليهم.
 ● الفعل (أعثر) أصله من عثَر، وعثر هو الحصول على الشيء بعد غفلة أو بعد فوات مدة. هذا هو معنى عثر.
 أما أعثر فالهمزة للتعدية، ومعنى للتعدية أن هناك من جعل القوم يعثرون عليهم، ولذلك ها هنا في قوله (أعثرنا) المفعول محذوف، أي أعثرنا القوم أو أعثرنا أهل المدينة التي كانوا بها، ومن هنا يتبين أن بعثهم في قوله (وكذلك بعثناهم) كان لحكمة، وتلك الحكمة أن يعلم أهل المدينة التي يرونهم أن وعد الله حق في إحياء الموتى بعد مماتهم، وأن الله تبارك وتعالى قادر على أن يبعث من في القبور، وأن الساعة لا ريب فيها.
فمعنى (أعثرنا) أي: جعلنا أهل المدينة يعثرون عليهم، فعندما أقول: عثرت على الشيء الفلاني فأنا الذي عثرت عليه ووجدته، إنما عندما أقول أعثرتك الشيء الفلاني، أعثرتك يعني: جعلتك تستطيع العثور عليه بعد أن كنت لا تعثر عليه.
 فقوله (أعثرنا) الله تبارك وتعالى يبين أنه أعثر أهل المدينة أصحاب الكهف لأن تلك غاية.
وفي قوله (ليعلموا) أنا قلت سابقا أن التعليل باللام يختلف عن التعليل بـ (لعل)، لعل معناها أن ما بعدها وهو المُعلل لن يقع من الكل، بل الاحتمال الأكبر أنه لن يحدث، أما التعليل باللام فمعناها أن المعلل وهو ما بعد اللام يقع ويحدث.
 طيب هنا (ليعلموا أن وعد الله حق) هل أهل المدينة علموا فعلا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها؟
نعم. لأن الغالب الأعم من المفسرين أن الملك الذي كان موجودا آنذاك يوم أن بعث الله أصحاب الكهف قيل كان مسلما لكنه كان ممن يؤمن أن البعث سيكون بالأرواح لكن الأجساد ستأكلها الأرض، كانت هذه فكرتهم وقتها في قضية البعث، وقيل: هو لم يكن مؤمنا بل كان كافرا لكنه كان منصفا ويبحث عن الحقيقة وإذا وجد الحقيقة يتبعها فقالوا: كان دائما يتطلع إلى أن يريه الله آية ليعلم أن الله تبارك وتعالى سيبعث من في القبور وأن الساعة لا ريب فيها، وبناء على هذين القولين يكون قوله (ليعلموا أن وعد الله حق) قد تحققت في هذا الملك وبالطبع الناس على دين ملوكهم، فإذا كان هو قد آمن بهؤلاء وكان يسمع عنهم فيما مضى إلا أنه رآهم رأي العين وهذا هو معنى (وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا) وكان التعليل بلام التعليل إفادة على أن العلم بأن وعد الله حق واقع وحاصل لأنهم كانوا يبحثون عن الحقيقة، يعني هذا الملك قيل كان يبحث عن الحقيقة ويسأل الله أن يريه آية تجعله يتحقق من ذلك.
أما كيفية أن الله تبارك وتعالى أعثرهم عليهم، أنهم عندما أرسلوا أحدهم بورقهم، الورِق هي العملة التي كانت موجودة قبل أن ينيمهم الله تبارك وتعالى، فلما ذهب إلى السوق وأراد أن يشتري الطعام وأعطى البائع من هذا الورِق فالبائع لا يعرف هذا الورِق فقال له: من أين أتيت بهذا الورق، هذا الورِق كان منذ زمن قديم، فمن أين أتيت به؟ أنت بالتأكيد وجدت كنزا. فأخذوه وذهبوا به إلى الملك فسأله الملك من أين أتيت بهذا الورِق؟ فقال: أنا بعت بالأمس بعضا من التمر لكن الملك دقيا نوس - الملك الذي هربوا منه - فررنا منه بديننا وبالطبع، هو كان بالنسبة له هو وأصحاب الكهف أن الموضوع كان بالأمس، لأنهم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم وهي المدة التي يعني أقصى مدة ينامها الإنسان، فهنا فهم الملك وقال له قصّ عليّ حكايتكم، فقصّ عليه وقال له الحكاية، فقال: وأين إخوانك الآن؟ قال هم في الكهف، فقام الملك وذهب معه إلى الكهف، قيل لما وصلوا الكهف استأذن الأخ الذي هو من أصحاب الكهف وقال سأدخل على إخواني وأخبرهم أنكم هاهنا وتريدون معرفتهم، فدخل عليهم فقيل - والله أعلم - أنه وجدهم قد ماتوا، أو لما علموا أن الملك أتى قد ماتوا خوفا، لأنهم قالوا قبل ذلك (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا)، وقيل هم خرجوا وقابلوا الملك وكلموه وكلمهم إلا أن الله أماتهم بعد ذلك.
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٣)
                                          2⃣

هذه الأقوال كلها، بالطبع أقوال محتملة، القرآن الكريم لا يذكر في القصة إلا ما يكون فيه الفائدة، فإذا لم يكن فيه فائدة لا يذكره الله تبارك وتعالى، فهو قال (أعثرنا عليهم ليعلموا) أي ليعلم الذين أعثروا عليهم وهو الملك ومن معه (ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها) وهنا آمن الملك بهذا وأن وعد الله حق، وأن الساعة لا ريب فيها، أو تيقن إن كان مسلما قبل ذلك.
يقصّ الله علينا (إذ يتنازعون بينهم أمرهم) فيمَ كانوا يتنازعون؟
● قيل: كانوا يتنازعون في كيفية الحفاظ عليهم وأن يسدوا عليهم باب الكهف حتى لا يدخل أحد عليهم ويؤذيهم.
● وقيل: إن التنازع كان في عددهم، الذين لم يروهم تنازعوا في عددهم وفي أسمائهم. المهم أن الذين تنازعوا قيل لهم المسؤولون من أهل المدينة – يعني كبار الناس -.
 (إذ يتنازعون بينهم أمرهم) تقديم الظرف الذي هو (بينهم) على (أمرهم) ليشير أن التنازع أصله كان بينهم ولم يكن في أمرهم بقدر ما كان بينهم، لأن أمرهم لم يكن يدعو إلى التنازع فكأنهم هم الذين أنشأوا هذا التنازع. يعني عندما أقول: حدث تنازع بين القوم على كذا، تنازعهم هذا لم يكن له داعٍ إنما هو نشأ بينهم وكأنهم اتخذوا هذا الأمر حجة. هذا معنى (إذ يتنازعون بينهم أمرهم).

 (فقالوا ابنوا عليهم بنيانا) مطلق بنيان. فكان الاقتراح الأول أن يبنوا عليهم بنيانا ثم قالوا (ربهم أعلم بهم) يعني ربهم أعلم بحالهم فأرجعوا الأمر إلى الله تبارك وتعالى لكن قالوا نبني بنيانا على باب الكهف حتى يحفظهم من أن يأتي الناس لزيارة المكان أو لمعرفة شؤونهم أو لمعرفة أمورهم. لأن من عادة الناس أنها عندما تسمع عن شيء عجيب غريب. يذهبون دائما للتفتيش ولمعرفة الأمر. هذا (فقالوا بنوا عليهم بنيانا) البنيان المقصود منه المحافظة على أجساد هؤلاء من الناس.
■ (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) لأن من التنازع: الكافرون كانوا يقولون هم كافرون على ملتنا فنبني عليهم بنيانا، والمسلمون قالوا: لا، هم مسلمون فنبني عليهم مسجدا.
 فكان الاقتراح إما بنيان عام ليس كمسجد، وإما أن يقام مسجد مكان يسجدون فيه لله تبارك وتعالى. وبالطبع نقول: إن الله تبارك وتعالى ذكر هذا الأمر لماذا؟ لماذا قال (لنتخذن عليهم مسجدا)؟ وهل يجوز أن يبنى المسجد على الأولياء أو على من يعرفون الله معرفة حقيقية؟
 بالطبع لا، لكن الله تبارك وتعالى يقصّ علينا مكانة أصحاب الكهف عند أهل المدينة عندما عثروا عليهم، يعني يقصّ علينا مكانتهم عندهم، وهم أرادوا أن يحافظوا على هؤلاء، فمنهم من قال نبني بنيانا، ومنهم من قال نبني مسجدا. فإذا كان في دين النصارى وقتها أن أمر بناء المسجد على الأولياء أو على من هم أقرب إلى الله هذا الأمر جائز عندهم، فقد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم وبيّنه القرآن، وأن هذا الأمر غير جائز في ديننا. لأن حتى لو قلنا إنه كان في شريعتهم. فإن شريعة من قبلنا شريعة لنا ما لم يرد لها ناسخ، ما لم تُنسخ، يعني لا نأخذ كل شريعتهم بالنسبة لنا لأن هذا الأمر فيه خطورة كما نعلم، وخطورة الناس معروفة في قضية البناء على ما يسمونهم بالأولياء.
ولذلك قيل إن رجلا كان لا يملك في الدنيا إلا حمارا يذهب فيجمع عليه الحطب ليبيعه ويعيش منه هو وأولاده، ولا يملك في الدنيا شيئا سوى هذا الحمار يذهب به صباحا ويجمع الحطب ثم يأتي ليبيعه، وهذا هو مصدر رزقه و مصدر حياته، هو وأولاده. فذات صباح وجد الحمار قد مات، فلما وجد الحمار قد مات أدرك الرجل أنه لن يستطيع أن يحضر رزقه ولا رزق أولاده إلى آخره. فهو نظرا لمكانة الحمار عنده تراءى له أن يحفر له حفرة أمام البيت ويدفنه فيها. وفعل ذلك، ثم فكر ثانية في أن يقيم سورا حول هذا المكان حتى يعرف الناس المكان الذي دفن فيه الحمار فيعلمون ذلك فيمتنعون عن السير فوقه. المهم أنه لما بنى السور فالناس عندما رأته بنى السور هكذا لا يدري هو من الذي أطلق هذه الشائعة أن في هذا المكان، وليّ، وهذا الولي يعرف كذا وكذا. ومن كان عنده مرض كذا فليذهب إلى هذا الولي، ومن كان ومن كان، وانقلب الناس عليه من كل حدب وصوب، والناس يدفعون الكثير من الأموال، والكثير من الأطعمة ومن الأشربة إكراما للشيخ.
انتبهوا: لأن في هذه القصة فائدة غير قضية أن الناس تجري وراء ذلك، وأن هذا شرك، فهذا كلام يعني لا غبار عليه ولا نتكلم فيه، معروف، لكن من الذي يعلم جيدا أن الذي في هذا الضريح حمار؟ من اللي يعرف جيدا هذا الأمر؟ لكن هل يستطيع أن يعلن ذلك؟ يعني هل يستطيع أن يقول للناس إن المدفون في هذا المكان حمار؟ والمنفعة، والمنفعة التي جاءته من وراء هذا الحمار، لقد أصبح من أغنياء القوم. ولذلك دائما نجد أصحاب المنافع يدافعون عن مصدر منفعتهم حتى لو كان الأمر مخالفا لدين الله ولشرع الله، لأنه صاحب منفعة.
Channel name was changed to «تفريغ محاضرات تدبر سورة الكهف/ د. محمود شمس»
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٣)
                                          3⃣

هو لو كان ينظر إلى الحلال والحرام من البداية كان قد قبِل ذلك من الناس؟ وإلا كان أول ما جاء الناس ويظنون أن في هذا المكان وليّ أما كان يقول لهم هذا حمار؟ هو لم يقل، سكت لأنه وجد ما قد أتاه من أموال ومن ذهب، ومن...الخ فوجد أمورا كثيرة. فهكذا الناس يجرون وراء هذا الأمر.
الشاهد ليس ارتباطها بقصة أصحاب الكهف، إنما ارتباطها بأن ديننا حرّم هذا لأنه لا ينبغي أن يُعبد إلا الله تبارك وتعالى في هذا الكون، والناس عندما يرون ذلك، الناس لا يستطيع أحد أن يصدهم.
تعلمون أن المسلمين في حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم لا يوصف، ولذلك كان هناك مبنى أمام الحرم المكي الشريف، أمام باب السلام بعد الساحة هو مكتبه الآن، فقيل إن المكتبة هذه مكان البيت الذي ولد فيه النبي صلى عليه وسلم، ما كانوا يستطيعون أن يمنعوا الناس من التبرك بجدران المكتبة، يعني التبرك بجدران المكتبة طب هل النبي صلى الله عليه وسلم عاصر هذه الجدران؟ ما عاصرها، يعني حتى لو كان الكلام صحيحا فلنقف هكذا ونتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وطئت قدماه مكانا من هذه الأماكن، ما هو في المدينة بالتأكيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما والإنسان يسير في الحرم النبوي أو الحرم المكي يصادف مكانا وطئت فيه قدم النبي صلى الله عليه وسلم هذا المكان. فالآن المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، والقرآن الكريم، يعني القرآن الكريم في قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا) فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية ذات مرة وكان موجودا عدي ابن حاتم، وعدي كان نصرانيا قبل أن يسلم، فعدي قال: يا رسول الله هم لم يعبدوهم، لم يعبدوا الأحبار أو الرهبان، فقال (إنما هم أطاعوهم) يعني أطاعوهم فيما يقولون، فسمى الله مجرد طاعتهم كأنهم عبدوهم واتخذوهم أربابا من دون الله. إلى آخر الآية الكريمة. إذن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة تحدث عن قضية اتخاذ القبور مساجد وبناء المسجد فوق القبر وخطورة ذلك، فروى الصحيحان عن عائشة أم المؤمنين وعبد الله بن عباس قالا: (لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفاها عن وجهه، فقال وهو كذلك يعني - وهو كاشف الخميصة عن وجهه - لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فهو يحذر ما صنعوا بأوليائهم وما فعلوه. وطبعا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم هو ما ينطق عن الهوى، وهي تدل على أن النصارى فعلا كانوا يفعلون ذلك، واليهود كذلك. هذا قوله (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا).

انتقل بنا القرآن الكريم ليبين ما سيقوله أهل الكتاب في عدد أصحاب الكهف فبدأ بقوله تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) ذم الله تبارك وتعالى هذين القولين بقوله (رجما بالغيب) ما معنى رجما بالغيب؟
الرجم: أصله الرمي بحجر ، ثم نُقل هذا الاستعمال لمن يرمي الكلام من غير روية ولا تثبت، فكل من يتكلم كلمة من غير روية ولا تثبت فهو رجم بالغيب. يعني يشبه الله تبارك وتعالى الذي يتكلم كلاما دون روية ولا تثبت. يشبهه بأنه رجم إنسانا بحجر، رجم شيئا ما بحجر، طب هل هو رجم بحجر؟ هو لم يرجم بحجر، فلماذا سماه رجما؟ ولم يقل ظنا؟ إشارة إلى أن هذا الأمر الذي يتكلم فيه وخاصة إذا كان يتكلم كلاما دون روية، أو تثبت، وهذا الكلام يطلق أيضا على كل من يرمي أخاه أو أخته بكلام وهو لا يدري عن هذا الكلام شيئا، وخاصة من يتكلمون بالكلام العام. ونحن وللأسف نسير وراءهم في هذا الكلام الذي لا أصل له. فالله تبارك وتعالى عندما رمى هذين القولين وذمهم وقال هذان القولان )رجما بالغيب) إذا أبطل الله تبارك وتعالى هذين القولين.
فبقي القول الثالث (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) لماذا أتى هنا بالواو في قوله (وثامنهم)؟ لأن في الأقوال السابقة قال: (ثلاثة رابعهم كلبهم) (خمسة سادسهم كلبهم) لكن هنا قال (سبعة وثامنهم كلبهم).
عندنا من أول (سيقولون ثلاثة) (ثلاثة) خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هم) يعني: سيقولون هم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون هم خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب، ويقولون هم سبعة وثامنهم كلبهم. يعني العدد هنا لأن (سيقولون) جملة تحتاج إلى مقول القول، ومقول القول لا بد أن يكون جملة تامة (ثلاثة رابعهم كلبهم) ثلاثة خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، وكذلك في قوله (ويقولون سبعة) على تقدير :هم سبعة وثامنهم كلبهم. طيب على ذلك ما موقع الواو؟ وعلام تدل؟
#تدبر_سورة_الكهف | المحاضرة (١٣)
                                          4⃣

العلماء في الواو هذه على فريقين رئيسان:
القول الأول: أن جملة (وثامنهم كلبهم) صفة للموصوف الذي هو (سبعة) لكن هنا إشكال: أن قوله (سبعة) نكرة والجملة بعد النكرة تكون صفة. إذا ها هنا في قوله (وثامنهم كلبهم) الجملة هنا صفة للموصوف الذي هو (سبعة)، كما تدخل على الجملة الحالية إذا كان قبلها معرفة، يعني الواو تدخل على الجملة الحالية إذا كان قبلها معرفة، يعني ممكن أقول: رأيت الرجل وهو يقرأ القرآن، فتكون جملة: وهو يقرأ القرآن جملة حالية. فهم قاسوا الواو التي دخلت على جملة الصفة هاهنا بالواو التي دخلت على الجملة الحالية.
طيب ما فائدة الصفة؟ يقولون هي هنا تؤكد ثبوت الصفة للموصوف، يعني أن العدد هم سبعة وثامنهم كلبهم فعلا، وأن هذا العدد ثابت ومستقر.
القول الثاني: يقولون لا، في قوله تبارك وتعالى (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) عليها احتجاج كبير باعتبار أن الجملة التي وقعت صفة لا تدخل عليها الواو في الأصل، فإذا كانت الواو قد دخلت عليها فهي ليست جملة صفة. طيب وعلام تدل؟ قالوا هذه تكون دخلت على جملة حالية يعني (وثامنهم كلبهم) حال. طيب الحال قبله نكرة، والجملة الحالية ينبغي أن يكون قبلها معرفة؟ فقالوا الحال هنا من المبتدأ المحذوف الذي هو: هم سبعة، على اعتبار أن (هم) سيكون معرفة لأنه ضمير، سيكون الحال من المبتدأ المحذوف: هم سبعة.
أو لا مانع من أن تكون الجملة الحالية حال من (سبعة) حتى لو كانت نكرة لأن من المعلوم أن الجملة تأتي حالا من النكرة وهذا من مواضع جواز ذلك.
يعني إذا في قوله (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) ● اذا كانت صفة فهي تؤكد ثبوت الصفة للموصوف..
● واذا كانت حالا - يعني جملة حالية - فهي تبين أن الحال أنهم سبعة وثامنهم كلبهم)
لأن من مسوغات مجيء الحال من النكرة عندما يقترن بالواو، فعندما تقترن الجملة الحالية بالواو لا مانع من أن تكون من نكرة حتى لو لم نقل أنها من الضمير (هم).
إذن على هذين القولين يكون العدد بالنسبة لأصحاب الكهف أنهم سبعة وثامنهم كلبهم لكن ليس على سبيل الجزم. لكنه هو الأرجح، الأرجح نظرا لأن الله ذم القولين السابقين (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) ولم يذم هذا القول وأتى بالواو في هذا القول لتدل على أنها دخلت على جملة حالية، أو دخلت على جملة هي صفة، فتُبين أن العدد سبعة وثامنهم كلبهم.
وقول الله (قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) معنى ذلك أنكم لا تفكروا ولا تحاولوا أن تبحثوا عن عدد أصحاب الكهف، لماذا؟ لأن هذا من العلم الذي لا ينفع، ومن الجهل الذي لا يضر.
الله تبارك وتعالى عندما يقص علينا القصص يريد منا أن نعتبر وأن نثبت فؤادنا كما ذكر الله في كتابه الكريم ونأخذ العبرة من هذا القصص، والله تبارك وتعالى لم يذكر أسماء في القصص، بل يخفي دائما الأسماء، ويخفي دائما وغالبا الأعداد، يعني عندما قال الله ضرب الله مثلا (للذين كفروا امرأة نوح وامرأة الوط) لم يسم الله امرأة نوح، ولم يسم امرأة لوط، ثم أشار إلى ما فعلتا (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما) خلاص.
أيضا عندما ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون لم يسمها وإنما ذكر قولها (إذ قالت ربي ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) طيب، عندما أتى إلى مريم ذكر اسمها وذكر اسم أبيها (ومريم بنت عمران) لأن في ذكر اسمها وفي ذكر اسم أبيها فائدة وعبرة، لأن الله تبارك وتعالى أجرى كمال قدرته على هذه السيدة فقد أنجبت عيسى بلا أب و دون أن يمسها بشر، فسماها.
إذا (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) صحيح هو أرجح الأقوال لكن هل نجزم بذلك؟ لا، لا نجزم بذلك لأن الجزم بذلك لن يفيدنا في شيء. ماذا سيفيدنا أن نعرف عدد أصحاب الكهف؟ أو لا نعرف ماذا يضرنا؟ لا ينفع ولا يضر، والله قال (قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل). نعم ابن عباس قال أنا من القليل، وأظن علي ابن أبي طالب قال وأنا من القليل.
●ثم قال الله بعد ذلك (فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا) ما المراء؟ المراء: قيل إنه نوع من الجدال، لكن هناك فرق دقيق بين المراء وبين الجدال.
سنعمل مقارنة بين الحوار والجدل والمراء.
الحوار: مراجعة الكلام بين طرفين. يعني أجري حوارا معك فأنت تقول وأنا أقول ويكون الغرض من الحوار الوصول إلى الحق والصواب. إذا لم يكن هناك غرض في الحوار للوصول إلى الحق والصواب فلا يكون حوار. يعني إذا أراد كل واحد الانتصار لنفسه فهذا ليس بحوار.
● الجدل: أن يدفع المرء الخصم - الخصم الذي يكلمه - عن إفساد قوله بحجة أو بشبهة. يعني واحد يقول قولا وأنا أجادله حتى ألزمه بأن يتراجع عن قوله بدليل أنا قدمته له.