لا يكون السرور دائمًا إلا جديدًا على النفس، ولا سرورَ للنفس إلا من جديد على حالة من أحوالها؛ فلو لم يكن في كل دينار قوةٌ جديدةٌ غيرُ التي في مثله لما سُرَّ بالمال أحد، ولا كان له الخطر الذي هو له؛ ولو لم يكن لكل طعام جوع يُورده جديدًا على المعدة لما هنأ ولا مرأ؛ ولو لم يكن الليلُ بعدَ نهارٍ، والنهارُ بعدَ ليلٍ، والفصول كلها نقيضًا على نقيضه، وشيئًا مختلفًا على شيء مختلف، لما كان في السماء والأرض جمال، ولا منظر جمال، ولا إحساس بهما؛ والطبيعة التي لا تفلح في جعلك معها طفلًا تكون جديدًا على نفسك، لن تفلح في جعلك مسرورًا بها لتكون هي جديدة عليك.
ولو كنتَ بدل إيمانك بنفسك قد آمنت بالله حق الإيمان، لسلَّطك الله على نفسك ولم يسلِّطها عليك؛ فإذا رمَتْك المطامع بالحاجة التي لا تقدر عليها، رميْتَها من نفسك بالاستغناء الذي تقدر عليه؛ وإذا جاءتك الشهوات من ناحية الرغبة المقبلة، جئتَها من ناحية الزهد المنصرف، وإذا ساورتْكَ كبرياء الدنيا أذللتها بكبرياء الآخرة. وبهذا تنقلب الأحزان والآلام ضروبًا من فرح الفوز والانتصار على النفس وشهواتها، وكانت فنونًا من الخذلان والهم، وتعود موضع فخر ومباهاة، وكانت أسباب خزي وانكسار