سراخس🌿

Anna's Hummingbird طائر الطنان

3.2K views06:47

This media is not supported in your browser

3.0K views15:19

مقال2#:
((العالم ليسوا ملطشة لك!!!))

في أثناء قيامي بعمل لدى مؤسسة حكومية ما, حدث أمرٌ يعتبر طبيعياً ولكن بقليل من التمعن أرى أنّ اعتباره طبيعياً أمر غريب ...غريب جداً
ثلاثة من الموظفين مع بعض المراجعين أبدو تصرفاً غاية في الطبيعية
كانوا لئيمين ..لئيمين جداً
نبرة الصوت الحادّة, كلماتهم المنتقاة بعناية لتكون ألأم ما يمكن (هذا أمرٌ غريب بعض الشّيء..... دائماً ما أرى أن نفس المعنى يمكن إيصاله بكلماتٍ أخف حدّة وحقارة...ولكن النّاس بكلّ بساطة لا تستخدمها, هل حقاً لا يتسع حقلهم المعجميّ لكلّ هذه الكلمات؟)
وطبعاً لم يخلو الأمر -مثل أي تجمّع بشريّ في الوقت الرّاهن- من بعض المشاجرات التي لن تفهم أبداً لما كانت ولما بدأت وما موضوعها (( أنا مستحمل كتير ...أنا ساكت ومحترم حالي لهلأ =هي الكلمة بالذات بعدها شلال مسبّات محرز......ليش عم تعلي صوتك=جملة بصوت يصمّ ))

وبعد إحدى التّوبيخات من إحدى العاملات في المؤسسة ((طبعاً كانت بهدلة من النمط يلي بتشعر إنو صاحبتها ملت وحبت تتسلى فقالت "يلا خليني اطلع اتفشش بالخلق"= بلا أي سبب منطقي أو عقلاني ))، جرى حوار لطيف خفيف نظيف بين النّساء المتجمعات طبعاً كان متمحور حول لؤم الموظفة إلى أن أسكتت امرأة منهم الجميع قائلة بلهجة كاشفة أسرار الكون(( أي إنسان عنده منصب ولو كان صغير ويصحله يتنمر على العالم ليتنمر =طبعاً تفسير سلوك الموظفة كسلوك طبيعي ونحن البشر كلنا هيك)) * أما الثّانية فردت تصرفها لضغط العمل وأخرى لضغط الحياة بأسرها ورابعة لانقطاع الكهرباء والجو الملتهب وخامسة لأزمة المواصلات وشلال الأزمات الأخرى
استمر الأمر.... طال الشّوارع والعابرين والباصات وسائقيهم والراكبين وكل كائن لديه عينين ولسان حتى عدت وأنا أشعر أنه لو مشيت بالقرب من قطة لتوبخني وأحمد الله في سرّي إذا سألت شخصاً ولم يغضب أو يختار الكلمات الأكثر لؤماً ليجيبني..

لا أدري إن كان يومي السعيد كاف كعينة عشوائية لواقع مجتمعنا اليوم
ولكن هل أصبح "ضيق خلق" العالم وقلة تحملهم لبعضهم وباءً عامّاً, لم يعد الأمر كما كنت اعتبره سابقاً حكراً على هذه المجموعة الصغيرة من الأشرار في العالم أصبح مرضاً متفشي يشمل كثيراً منا والأخطر من هذا كلّه أنه يمكن أن يصيبنا نحن.

هل ضغط العمل مبرر ؟ هل انقطاع الكهرباء والجو الملتهب مبرر؟ هل ظروف الحياة القاسية مبرر؟ هل كلّ الصّعوبات التي نمرّ بها كلنا مبرر؟ لنزيد الغصة في قلوب الآخرين؟

لا أستطيع أن أمسك أحدهم وأجبره على أن يكون لطيفاً معي, ولا يمكنني أن أجبره على أن يرمي مشاكله وراء ظهره عندما يحادثني.
ولكنني أخاف -أخاف كلّ الخوف- أن يأتي اليوم الذي أعتبرُ فيه ما قالته المرأة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة حقّاً
أن أعتبر أنّ الوضع الذي يوجد فيه الإنسان هو المجبر له على أن يتحوّل مسخاً -وأن دوري قادم لأصبح مسخاً أنا الأُخرى.

أخاف أن أصبح طبيباً مقيماً يخنقه الضغط وترهقه ساعات العمل الطّويلة والمرضى كثيرو الشكوى ومرافقيهم ثقيلو الدّم, ليصبحَ في النّهاية مثل المسوخ القبيحة التي رأيتها (( أؤمن أن الأشخاص اللئيمة أقبح من غيرهم بمراحل))
أخاف أن أمتلك سطوة صغيرة مكان عملي وأسيء استخدامها (( تصديقاً لقول الامرأة الأولى))
أخاف أن أرفع صوتي على شخص بعمر أبي لأنه لم يفهم عليّ
أخاف أن أنهر طفلاً بريئاً بقسوة لأنه يفسد ما أحتاجه من راحة
أخاف أن أوبخ امرأة ملتاعة على ابنها المصاب لأنها تشتت تفكيري
أخاف أن تصبح حركات الوجه المتعالية (من تنفيخ وسخرية ورفع عيون ) معتادة على وجهي
أخاف أن أفعل ذلك كلّه وأعود للمنزل مخاطبة نفسي ((أنني كنت مجبرة, وأن هؤلاء الأشخاص يستحقون ما هو أكثر من ذلك ))

لن يمكنني أن أضمن نفسي أن أكون لطيفة دائماً, ليس لأني أجعل من كلّ ضغوطات العالم مبرراً لتفشيش بالخلق بل لأني إنسان ضعيف فحسب
ولكنني أكره ذلك وأخافه

لا أقصد من هذا إلا أن أجعلك تخاف.... تخاف أن تفسد يوم الأخرين أن تذلهم أو تهينهم لأنك فقط تستطيع ذلك أو لأنك لم تعد تحتمل
عزيزي, العالم ليس ملطشة لك! ولديهم دائماً ما يكفي من الهموم والمشاكل وربما كلمة خبيثة واحدة كافية لتفسد يومهم.
أعرف أن هنالك أيام تأتينا يكون الابتسام بوجه الأخرين أمراً مرهقاً والسلام عليهم أصعب وتتخيل أن تحملهم أمرٌ مستحيل
أعرف ذلك ولكن حاول, أرجوك حاول, والأهمّ لا تبرر وعندما تخطئ اعترف بخطئك

وعندما يتفشش بك أحدهم أرجوك لا تفسد مزاجك ولا ترهق أعصابك, الأمر ليس شخصياً, فقط احتوي هذا الإنسان الضعيف الذي لم يعد يتحمل ما يلقى على كاهله, وإذا كان كريهاً شريراً لا ترهق أعصابك أيضاً إنه مريض كأي مريض آخر.

وتذكروا دائم قول النبيَّ ﷺ : «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ» وقوله «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»

8.9K viewsedited 15:20