من أقبح أنواع الإستبداد، استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل، ويسمى استبداد المرء على نفسه، وذلك أن الله جلت نعمه خلق الإنسان حراً قائده العقل، ففكر وأبى إلا أن يكون عبداً قائده الجهل. خلقه وسخَّر له أُماً وأباً بأوده إلى أن يبلغ أشده، ثم جعل له الأرض أماً والعمل أباً، فكفر وما رضي إلا أن تكون أمتَه أمه وحاكمه اباه. خلق له إدراكا ليهتدي إلى معاشه ويتقي مهلكه، وعينين ليبصر، ورجلين ليسعى، ويدين ليعمل، ولسانا ليكون ترجمانا عن ضميره، فكفر وما أحب إلا أن يكون كالأبله الأعمى، المقعد، الأشل، الكذوب، ينتظر كل شيء من غيره وقلما يطابق لسانه جنانه. خلقه منفردا غير متصل بغيره ليملك اختياره في حركته وسكونه، فكفر وما استطاب إلا الارتباط في أرض محدودة سماها الوطن، وتشابك بالناس ما استطاع اشتباك تظالم لا اشتباك تعاون . . خلقه ليشكره على جعله عنصراً حيا بعد ان كان ترابا، وليلجأ إليه عند الفزع تثبيتا للجنان، وليستند عليه عند العزم دفعا للتردد، وليثق بمكافأته أو مجازاته على الأعمال، فكفر وأبى شكره وخلط في دين الفطرة الصحيح بالباطل ليغالط نفسه وغيره. خلقه يطلب منفعته جاعلاً رائده الوجدان، فكفر واستحل المنفعة بأي وجه كان، فلا يتعفف عن محظور صغير إلا توصلاً لمحرم كبير. خلقه وبذل له مواد الحياة، من نور ونسيم ونبات وحيوان ومعادن وعناصر مكنوزة في خزائن الطبيعة، بمقادير ناطقة بلسان الحال بأن واهب الحياة حكيم خبير جعل مواد الحياة الأكثر لزوماً في ذاته، أكثر وجوداً وابتذالاً. فكفر الإنسان نعمه الله وأبى أن يعتمد كفالة رزقه فوكله ربه إلى نفسه وابتلاه بظلم نفسه وظلم جنسه وهكذا كان الإنسان ظلوماً كفوراً.
طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد
#عبد_الرحمن_الكواكبي
طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد
#عبد_الرحمن_الكواكبي
ثم جاء الإسلام مهذباً لليهود والنصرانية مؤسساً على الحكمة والعزم هادماً للتشريك بالكلية، ومحكماً لقواعد الحرية السياسية المتوسطة بين الديمقراطية والأرستقراطية، فأسس التوحيد ونزع كل سلطة دينية أو تغلبيّة تتحكم في النفوس أو في الأجسام، ووضع شريعة حكمة إجمالية صالحة لكل زمان وقوم ومكان، وأوجد مدينة فطرية سامية، وأظهر للوجود حكومة كحكومة الخلفاء الراشدين التي لم يسمح الزمان بمثال لها بين البشر حتى ولم يخلفهم فيها بين المسلمين أنفسهم خلف، إلا بعض شواذ كعمر بن عبد العزيز والمهتدي العباسي ونور الدين الشهيد. فإن هؤلاء الخلفاء الراشدين فهموا معنى ومغزى القرآن النازل بلغتهم وعملوا به واتخذوه إماماً، فأنشأوا حكومة قضت بالتساوي حتى بينهم أنفسهم وبين فقراء الأمة في نعيم الحياء وشظفها، وأحدثوا في المسلمين عواطف أخوة وروابط هيئة إجتماعية إشتراكية لا تكاد توجد بين أشقاء يعيشون بإعالة أب واحد وفي حضانة أم واحدة، لكل منهم وظيفة شخصية، ووظيفة عائلية ووظيفة قومية. على أن هذا الطراز السامي من الرياسة هو الطراز النبوي المحمدي لم يخلفه فيه حقا غير أبي بكر وعمر ثم أخذ بالتناقص، وصارت الأمة تطلبه وتبكيه من عهد عثمان إلى الآن، وسيدوم بكاؤها إلى يوم الدين إذا لم تنتبه لاستعواضه بطراز سياسي شوري، ذلك الطراز الذي اهتدت إليه بعض أمم الغرب، تلك الأمم التي لربما، يصح أن نقول، قد استفادت من الإسلام أكثر مما استفاده المسلمين.
طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد
#عبد_الرحمن_الكواكبي
طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد
#عبد_الرحمن_الكواكبي
إن البدع التي شوشت الإيمان وشوهت الأديان تكاد كلها تتسلسل بعضها من بعض وتتولد جميعها من غرض واحد هو المراد، ألا وهو الإستبداد.
طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد
#عبد_الرحمن_الكواكبي
طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد
#عبد_الرحمن_الكواكبي
مراجعة رواية كل الأسماء | جوزيه ساراماغو
هنالك إعتقاد شائع بأن البشر الذين عاشوا على الأرض منذ سيدنا آدم عليه السلام إلى الآن، يتجاوز 100 مليار شخص، كل هذه الشخوص التي مرت منذ فجر التاريخ، "كل الأسماء" الموجودة التي سُمّيت، تصارعت لتبقى في الذاكرة، كانت حربها مع النسيان طاحنة. ولكن كما هو معروف، فإن الحياة تأبى أن تتذكر، فكل من هو تحت التراب مصيره النسيان، والقبر مهما كانت مقاومته للزمن كبيرة، فسيهوي في غياهب النسيان هو أيضا. إن الصراع الخفي بين من هم تحت التراب، وبين من هم فوقه، كان ولا يزال، وسيبقى صراعا خفيا، بطيء بطء توسع المقابر على حساب أملاك الأحياء، ولكن مهما إكتسبت المقابر من قوة في إظهار نفسها، فإن قوة النسيان أشد وأكبر. وستبقى القبور هناك، ظاهرة كانت أو مغمورة، شاهدا على ما يفعله الزمان بنا.
❞ الأمر لم يكن لهواً ، وإنما كان تسلية ❝
يأخذنا سراماغو في رحلة معقدة، حيث أن بطلنا -وهو الوحيد الذي يملك إسما- ينتقل في رحلة بداياتها غير واضحة الملامح أو الأسباب، ولعله الشيء الأكبر الذي يمكن أن يُؤخذ على الرواية، لأن هذا التعقيد الذي كاد أن يطيح بفهمنا للرسالة، كان يصاحبه أيضا عامل "الصدفة". فتحول الأحداث المهمة وتطورها مبني على الصدف. والقصة التي تشكلها الصدف تفقد واقعيتها مهما كانت واقعية. إن الرسالة التي نتوقع من القارئ إستنتاجها، ليست صعبة او معقدة، لكن الأحداث الجارية أمامنا لا تسمح لنا بإقتفاء أثرها. كان دور البطل "الدون جوزيه" في هذه الرواية، إيصال بعض رسائل الكاتب، لكن الدون إتخذ قرارات لم يتجرأ عل فعلها منذ ولادته، و مر بصعاب غاياتها غير مقنعة. لأننا كقراء يجب علينا الإقتناع بغاية البطل للتعاطف معه، وهذا التعاطف بدوره سيدعونا إلى محاولة التعمق في فهم الرسالة المراد إيصالها، لكن لعل سراماغو بهذا التعقيد، وهذه الصدف أبعدنا أكثر عن التعاطف، وعن فهم رؤى البطل.
❞ الشخصيات المشهورة في مجموعته، أينما ذهبت، هنالك دائماً صحيفة أو مجلة تقتفي آثارهم وتتشمم رائحتهم لالتقاط صورة أخرى لهم، لتوجيه سؤال آخر إليهم، أما الناس العاديون فلا أحد يتذكرهم، لا أحد يهتم فعلاً بهم، ولا أحد يحفل بمعرفة ما يفعلون، أو بما يفكرون، أو بما يشعرون، حتى عند محاولة جعلهم يعتقدون عكس ذلك، فإن التصنع يبدو واضحاً ❝
رواية كل الأسماء هي محاولة لنبش الأسماء العادية، الأسماء التي لا يملك أصحابها أي ميزة تذكر في الحياة، هذه الحياة التي تخسر قيمتها وقيمها، أمام هذا الكم الهائل من الأشخاص وأسمائهم. حيث لم يكن لإسمٍ عادي لشخص عادي، أن يحمل ما يحمله الآخرون من تميز وإستثناء، أن يكون له هذا الشأن الكبير في نظره. لنكتشف معه ان هذا الإسم العادي، ليس عاديا، وأن الإسم الذي أُجبر الدون جوزيه -لسبب ما- على إقتفاء أثره، له ما له من تاريخ وأحداث لا ترى بعين المجتمع الغير مجردة من التقاليد والأحكام المسبقة والجاهزة. لكنها حتما ستُرى بعين الناظر إلى الحياة العادية، إلى الأشخاص العاديين الذين يعيشون حياة غير مجبرين فيها على أن يتميزوا، أن يكونوا مذهِلين. إن الحياة بمعناها الأسمى، أن تكون عادية، حيث السعادة ليست شيئاً يُطمح له، بل هي شيء يُعاش، شيء خاص بالحاضر لا بالمستقبل.
لا يوجد أسماء للشخصيات، بإستثناء بطلنا الدون جوزيه، بل تُعرَّف كل شخصية بمكانتها في المجتمع. فنحن لا نعرف إسم المدير ولكننا نعرف أنه المدير، ولا نعرف أسماء زملاء جوزيه في العمل، ولكننا نعرف أنهم إما كَتَبة عاديين، أو أنهم في أحد المراتب بين المدير والكتبة، ولا نعرف إسم السيدة قاطنة الشقة اليمنى من الطابق فوق الأرضي، ولكننا نعلم أنها عجوز كل ما تملكه من مكانة في المجتمع، أنها سيدة الشقة اليمنى من الطابق فوق الأرضي. فهذه هي كل الأسماء، حين تتحول إلى كناية تراتبية تبين من أنت في هذا المجتمع، وسؤال من أنت؟ لا لمعرفة حقاً من أنت، بل لمعرفة ماهو الجزء الذي تشارك به في تكوين هذا المجتمع، وعلى أي أساس سنعاملك. واذا كانت رحلة بطلنا في بحثه عن ما سُمي "بالمرأة المجهولة"، فهي مجهولة لأننا نجهل مكانتها، لأن الإسم إذا عُرف لن يغير شيء، ولكن المكانة إن عرفت ربما ستغير نظرتنا لكل هذا الجهد المبذول في البحث عنها، فهي مجهولة الهوية، مجهولة القيمة. وجهلنا هذا يدفعنا إلى التفكير في ماهية الإنسان في حد ذاته لا في مايعنيه للمجتمع. فدون جوزيه الذي كان يتقصى أخبار المشهورين لأنهم مشاهير، تملكه هذا البحث عن إنسان لمجرد أنه إنسان. عن العادي، الغير عادي في الحقيقة.
هنالك إعتقاد شائع بأن البشر الذين عاشوا على الأرض منذ سيدنا آدم عليه السلام إلى الآن، يتجاوز 100 مليار شخص، كل هذه الشخوص التي مرت منذ فجر التاريخ، "كل الأسماء" الموجودة التي سُمّيت، تصارعت لتبقى في الذاكرة، كانت حربها مع النسيان طاحنة. ولكن كما هو معروف، فإن الحياة تأبى أن تتذكر، فكل من هو تحت التراب مصيره النسيان، والقبر مهما كانت مقاومته للزمن كبيرة، فسيهوي في غياهب النسيان هو أيضا. إن الصراع الخفي بين من هم تحت التراب، وبين من هم فوقه، كان ولا يزال، وسيبقى صراعا خفيا، بطيء بطء توسع المقابر على حساب أملاك الأحياء، ولكن مهما إكتسبت المقابر من قوة في إظهار نفسها، فإن قوة النسيان أشد وأكبر. وستبقى القبور هناك، ظاهرة كانت أو مغمورة، شاهدا على ما يفعله الزمان بنا.
❞ الأمر لم يكن لهواً ، وإنما كان تسلية ❝
يأخذنا سراماغو في رحلة معقدة، حيث أن بطلنا -وهو الوحيد الذي يملك إسما- ينتقل في رحلة بداياتها غير واضحة الملامح أو الأسباب، ولعله الشيء الأكبر الذي يمكن أن يُؤخذ على الرواية، لأن هذا التعقيد الذي كاد أن يطيح بفهمنا للرسالة، كان يصاحبه أيضا عامل "الصدفة". فتحول الأحداث المهمة وتطورها مبني على الصدف. والقصة التي تشكلها الصدف تفقد واقعيتها مهما كانت واقعية. إن الرسالة التي نتوقع من القارئ إستنتاجها، ليست صعبة او معقدة، لكن الأحداث الجارية أمامنا لا تسمح لنا بإقتفاء أثرها. كان دور البطل "الدون جوزيه" في هذه الرواية، إيصال بعض رسائل الكاتب، لكن الدون إتخذ قرارات لم يتجرأ عل فعلها منذ ولادته، و مر بصعاب غاياتها غير مقنعة. لأننا كقراء يجب علينا الإقتناع بغاية البطل للتعاطف معه، وهذا التعاطف بدوره سيدعونا إلى محاولة التعمق في فهم الرسالة المراد إيصالها، لكن لعل سراماغو بهذا التعقيد، وهذه الصدف أبعدنا أكثر عن التعاطف، وعن فهم رؤى البطل.
❞ الشخصيات المشهورة في مجموعته، أينما ذهبت، هنالك دائماً صحيفة أو مجلة تقتفي آثارهم وتتشمم رائحتهم لالتقاط صورة أخرى لهم، لتوجيه سؤال آخر إليهم، أما الناس العاديون فلا أحد يتذكرهم، لا أحد يهتم فعلاً بهم، ولا أحد يحفل بمعرفة ما يفعلون، أو بما يفكرون، أو بما يشعرون، حتى عند محاولة جعلهم يعتقدون عكس ذلك، فإن التصنع يبدو واضحاً ❝
رواية كل الأسماء هي محاولة لنبش الأسماء العادية، الأسماء التي لا يملك أصحابها أي ميزة تذكر في الحياة، هذه الحياة التي تخسر قيمتها وقيمها، أمام هذا الكم الهائل من الأشخاص وأسمائهم. حيث لم يكن لإسمٍ عادي لشخص عادي، أن يحمل ما يحمله الآخرون من تميز وإستثناء، أن يكون له هذا الشأن الكبير في نظره. لنكتشف معه ان هذا الإسم العادي، ليس عاديا، وأن الإسم الذي أُجبر الدون جوزيه -لسبب ما- على إقتفاء أثره، له ما له من تاريخ وأحداث لا ترى بعين المجتمع الغير مجردة من التقاليد والأحكام المسبقة والجاهزة. لكنها حتما ستُرى بعين الناظر إلى الحياة العادية، إلى الأشخاص العاديين الذين يعيشون حياة غير مجبرين فيها على أن يتميزوا، أن يكونوا مذهِلين. إن الحياة بمعناها الأسمى، أن تكون عادية، حيث السعادة ليست شيئاً يُطمح له، بل هي شيء يُعاش، شيء خاص بالحاضر لا بالمستقبل.
لا يوجد أسماء للشخصيات، بإستثناء بطلنا الدون جوزيه، بل تُعرَّف كل شخصية بمكانتها في المجتمع. فنحن لا نعرف إسم المدير ولكننا نعرف أنه المدير، ولا نعرف أسماء زملاء جوزيه في العمل، ولكننا نعرف أنهم إما كَتَبة عاديين، أو أنهم في أحد المراتب بين المدير والكتبة، ولا نعرف إسم السيدة قاطنة الشقة اليمنى من الطابق فوق الأرضي، ولكننا نعلم أنها عجوز كل ما تملكه من مكانة في المجتمع، أنها سيدة الشقة اليمنى من الطابق فوق الأرضي. فهذه هي كل الأسماء، حين تتحول إلى كناية تراتبية تبين من أنت في هذا المجتمع، وسؤال من أنت؟ لا لمعرفة حقاً من أنت، بل لمعرفة ماهو الجزء الذي تشارك به في تكوين هذا المجتمع، وعلى أي أساس سنعاملك. واذا كانت رحلة بطلنا في بحثه عن ما سُمي "بالمرأة المجهولة"، فهي مجهولة لأننا نجهل مكانتها، لأن الإسم إذا عُرف لن يغير شيء، ولكن المكانة إن عرفت ربما ستغير نظرتنا لكل هذا الجهد المبذول في البحث عنها، فهي مجهولة الهوية، مجهولة القيمة. وجهلنا هذا يدفعنا إلى التفكير في ماهية الإنسان في حد ذاته لا في مايعنيه للمجتمع. فدون جوزيه الذي كان يتقصى أخبار المشهورين لأنهم مشاهير، تملكه هذا البحث عن إنسان لمجرد أنه إنسان. عن العادي، الغير عادي في الحقيقة.
أخذ الدون جوزيه على عاتقه مد رابط ما بين الأحياء والأموات، محاولا محو تلك الفكرة العبثية التي لا تزال تفصل بين الموت والحياة، جاء هذا الربط في تلك المرأة المجهولة التي لا بد أنها في أحد جانبي الصراع، ولا يهم في أي جانب كانت، في جانب الموت، او جانب الحياة، فوجودها لا يحتم عليها أن تكون في جهة دون أخرى، كل ما في الأمر أنها موجودة، أو كانت موجودة، لا فرق. هذا هو الجسر الذي مُد لمحو تلك الهوة، جسر يحاول محو الزمان والمكان، فبإنعدامهما ينعدم الصراع، وينعدم معه الغياب، ويظهر الإنسان -حيا كان أو ميتا-
❞ أنت تعرف الإسم الذي أطلقوه عليك، ولكنك لا تعرف الإسم الذي هو لك ❝
#مراجعة
#جوزيه_ساراماغو
❞ أنت تعرف الإسم الذي أطلقوه عليك، ولكنك لا تعرف الإسم الذي هو لك ❝
#مراجعة
#جوزيه_ساراماغو
اقْــــرأْ pinned «مراجعة رواية كل الأسماء | جوزيه ساراماغو هنالك إعتقاد شائع بأن البشر الذين عاشوا على الأرض منذ سيدنا آدم عليه السلام إلى الآن، يتجاوز 100 مليار شخص، كل هذه الشخوص التي مرت منذ فجر التاريخ، "كل الأسماء" الموجودة التي سُمّيت، تصارعت لتبقى في الذاكرة، كانت…»
إن الاستبداد يجعل المال في أيدي الناس عرضةً لسلب المستبد وأعوانه وعماله غصبا، أو بحجة باطلة، وعرضة أيضاً لسلب المعتدين من اللصوص والمحتالين الراتعين في ظل أمان الإدارة الاستبدادية. وحيث المال لا يحصل إلا بالمشقة فلا تختار النفوس الإقدام على المتاعب مع عدم الأمن على الانتفاع بالثمرة.
طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد
#عبد_الرحمن_الكواكبي
طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد
#عبد_الرحمن_الكواكبي
الإنسان يكشفُ عن ذاته في تصنيفه للنّاس والحكم عليهم، وفي الأغلب ينطلق من انفعالاته ورغباته لا من الحقيقة والواقع.
في ذلك يقول سبينوزا:
« إن ما يقوله بُولس عن بُطرس يخبرنا عن بُولس أكثر ممّا يخبرنا عن بُطرس»
| رسالة في اللّاهوت والسياسة
#ترشيحات #باروخ_سبينوزا
في ذلك يقول سبينوزا:
« إن ما يقوله بُولس عن بُطرس يخبرنا عن بُولس أكثر ممّا يخبرنا عن بُطرس»
| رسالة في اللّاهوت والسياسة
#ترشيحات #باروخ_سبينوزا
حول طبائع الإستبداد | عبد الرحمن الكواكبي
إذا أردنا تلخيص هذا الكتاب في جملة واحدة، فسنقول أن الإستبداد هو أصل كل مفسدة، ومع أن هذه الجملة تُخل بما حاول عبد الرحمن جاهداً إيصاله للقارئ، فإنه سيبقى أصل كل فساد وانحطاط وتقهقر مرده إلى إستبداد الحكومات للعباد وإستعبادهم لأجل أهوائها، وغايات لا تخدم إلا مصالحها الخاصة، وبما أن الإنسان البهيمي لا تتمحور حياته إلا على هروب من ألم أو جري وراء لذّة وكل ذلك لا يتأتى إلا بالمال، فإن هذا الأخير يصبح هو هاجس وغاية كل طاغية مستبد، يصبح هو الديانة. ولأجل كسبٍ أكبر وإمتلاك أوسع، يضع المستبد كل جهده في محو كل مايمكن أن يزعزع أركان حكمه ودعائم وحدة نظامه. وهذه الدعائم -التي يقف عليها سقف النظام- هي كل تلك الأذرع والجذور المنتشرة في كل ركن من البلاد، وبدونها لا مستقبل لمستبد مهما عظُم. ولذلك تأخذ هذه الفروع والأذرع حقوق بقدر ماتعطي من أمان لسيدها، ولأن المستبد لا يرضى إلا أن يكون أمنه مطلق، فإن حقوق مساعديه تكون مطلقة، أو تكاد.
انها غريزة البقاء لدى النظام، التي تدفعه إلى تعتيم أعين الناس وعقولهم، فلا يسمح لهم أن يروا إلا ما يرى الحاكم، ولا يفكرون إلا فيما رُسم لهم من حدود للتفكير. لا يمكن للأسراء (كما سماهم عبد الرحمن) ان يمتلكوا ملكة التفكير، التفكير في أي شيء، فإنهم اذا فكروا أصبحوا عثرة في تقدم سيطرة الإستبداد أكثر، مع اننا نخطئ كثيراً اذا وصفنا حركات المستبد "بالتقدم" فهو لا يتحرك الا للوراء، أو للأسفل في أحسن الأحوال، وهو بهذا التقهقر يجر معه الأمة إلى غياهب الجهل. ففي ظل الحكم الاستبدادي لا يوجد ترقي، ولا يوجد علم أو فكر، حتى الدين يصبح أداة في يد الظالم، ولا يُسمح إلا بتكرار الحديث حول العبادات، وهذا ما من شأنه هدم الفكر الإسلامي، وهدم القيم الإنسانية التي أتى الدين ليعلو بها ويرتقي. فيصبح الإنسان (اذا صح تسميته بالإنسان) ممسوح الفكر، فاقد للإرادة، حتى أحلامه لا تتعدى الأكل والشرب والفراش!
كُتب هذا الكتاب مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أي قُبَيل الثورة العربية الكبرى وبداية إنتفاضة الفكر الماركسي وتبلوره على أرض الواقع مع لينين، وقبل الحرب العالمية الأولى وإنهيار الدولة العثمانية، وقبل الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية. وهذه الأحداث -وأحداث أخرى- حدثت على مدى أربعين سنة، بدون احتساب أحداث مابعد خمسينات القرن العشرين الجوهرية وتأثيرها في رسم حدود جديدة للسيطرة، وتحوير الفكر الإستعماري، وتطوير أكبر للإستبداد الذي أصبح عابرا للقارات. فلو عاش عبد الرحمن أربعين سنة أخرى لأدرك أنواع أخرى من الإستبداد، وأشكال أخرى من الإستعباد، فقد أصبحت مكانة كل مستبد رآه عبد الرحمن أو قرأ عنه لا يتجاوز الا ان يكون بيدق في يد مستبدين أكبر منه، ولم يعد المستبد والحكومات الظالمة تحكم لأجلها، بل هي مجرد دمية تُربط بخيوط تتحكم فيها قادة العالم الجديد، ومخلوقات أعلى الهرم هذه، لا تأتي على الأخضر واليابس فقط، بل تأكل حتى التراب.
❞ يا قومُ: ألهمكم الله الرّشد، متى تستقيم قاماتكم وترتفع من الأرض إلى السماء أنظاركم، وتميل إلى التعالي نفوسكم؟ فيشعر أحدكم بوجوده في الوجود، فيعرف معنى الأنانية ليستقلّ بذاته لذاته، ويملك إرادته واختياره ويثق بنفسه وربّه، لا يتكِّل على أحد من خلق الله اتِّكال الناقص في الخلق على الكامل فيه، أو اتِّكال الغاصب على مال الغافل أو الكلِّ على سعي العامل، بل يرى أحدكم نفسه إنساناً كريماً يعتمد على المبادلة والتعاوض فيسلف، ثمَّ يستوفي، ويستوفي على أن يفي، بل ينظر في نفسه أنَّه هو الأمّة وحده، وما أجدر بأحدكم أن يعمل لدنياه بنفسه لنفسه، فلا يتَّكل على غيره، كما يعمل الإنسان ليعبد الله بشخصه لا ينيب عنه غيره؟ فإذا فعلتم ذلك أظهر الله بينكم ثمرة التضامن بلا اشتراط، والتقاضي بلا محاشرة، فتصيرون بنعمة الله إخواناً ❝
إذا أردنا تلخيص هذا الكتاب في جملة واحدة، فسنقول أن الإستبداد هو أصل كل مفسدة، ومع أن هذه الجملة تُخل بما حاول عبد الرحمن جاهداً إيصاله للقارئ، فإنه سيبقى أصل كل فساد وانحطاط وتقهقر مرده إلى إستبداد الحكومات للعباد وإستعبادهم لأجل أهوائها، وغايات لا تخدم إلا مصالحها الخاصة، وبما أن الإنسان البهيمي لا تتمحور حياته إلا على هروب من ألم أو جري وراء لذّة وكل ذلك لا يتأتى إلا بالمال، فإن هذا الأخير يصبح هو هاجس وغاية كل طاغية مستبد، يصبح هو الديانة. ولأجل كسبٍ أكبر وإمتلاك أوسع، يضع المستبد كل جهده في محو كل مايمكن أن يزعزع أركان حكمه ودعائم وحدة نظامه. وهذه الدعائم -التي يقف عليها سقف النظام- هي كل تلك الأذرع والجذور المنتشرة في كل ركن من البلاد، وبدونها لا مستقبل لمستبد مهما عظُم. ولذلك تأخذ هذه الفروع والأذرع حقوق بقدر ماتعطي من أمان لسيدها، ولأن المستبد لا يرضى إلا أن يكون أمنه مطلق، فإن حقوق مساعديه تكون مطلقة، أو تكاد.
انها غريزة البقاء لدى النظام، التي تدفعه إلى تعتيم أعين الناس وعقولهم، فلا يسمح لهم أن يروا إلا ما يرى الحاكم، ولا يفكرون إلا فيما رُسم لهم من حدود للتفكير. لا يمكن للأسراء (كما سماهم عبد الرحمن) ان يمتلكوا ملكة التفكير، التفكير في أي شيء، فإنهم اذا فكروا أصبحوا عثرة في تقدم سيطرة الإستبداد أكثر، مع اننا نخطئ كثيراً اذا وصفنا حركات المستبد "بالتقدم" فهو لا يتحرك الا للوراء، أو للأسفل في أحسن الأحوال، وهو بهذا التقهقر يجر معه الأمة إلى غياهب الجهل. ففي ظل الحكم الاستبدادي لا يوجد ترقي، ولا يوجد علم أو فكر، حتى الدين يصبح أداة في يد الظالم، ولا يُسمح إلا بتكرار الحديث حول العبادات، وهذا ما من شأنه هدم الفكر الإسلامي، وهدم القيم الإنسانية التي أتى الدين ليعلو بها ويرتقي. فيصبح الإنسان (اذا صح تسميته بالإنسان) ممسوح الفكر، فاقد للإرادة، حتى أحلامه لا تتعدى الأكل والشرب والفراش!
كُتب هذا الكتاب مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أي قُبَيل الثورة العربية الكبرى وبداية إنتفاضة الفكر الماركسي وتبلوره على أرض الواقع مع لينين، وقبل الحرب العالمية الأولى وإنهيار الدولة العثمانية، وقبل الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية. وهذه الأحداث -وأحداث أخرى- حدثت على مدى أربعين سنة، بدون احتساب أحداث مابعد خمسينات القرن العشرين الجوهرية وتأثيرها في رسم حدود جديدة للسيطرة، وتحوير الفكر الإستعماري، وتطوير أكبر للإستبداد الذي أصبح عابرا للقارات. فلو عاش عبد الرحمن أربعين سنة أخرى لأدرك أنواع أخرى من الإستبداد، وأشكال أخرى من الإستعباد، فقد أصبحت مكانة كل مستبد رآه عبد الرحمن أو قرأ عنه لا يتجاوز الا ان يكون بيدق في يد مستبدين أكبر منه، ولم يعد المستبد والحكومات الظالمة تحكم لأجلها، بل هي مجرد دمية تُربط بخيوط تتحكم فيها قادة العالم الجديد، ومخلوقات أعلى الهرم هذه، لا تأتي على الأخضر واليابس فقط، بل تأكل حتى التراب.
❞ يا قومُ: ألهمكم الله الرّشد، متى تستقيم قاماتكم وترتفع من الأرض إلى السماء أنظاركم، وتميل إلى التعالي نفوسكم؟ فيشعر أحدكم بوجوده في الوجود، فيعرف معنى الأنانية ليستقلّ بذاته لذاته، ويملك إرادته واختياره ويثق بنفسه وربّه، لا يتكِّل على أحد من خلق الله اتِّكال الناقص في الخلق على الكامل فيه، أو اتِّكال الغاصب على مال الغافل أو الكلِّ على سعي العامل، بل يرى أحدكم نفسه إنساناً كريماً يعتمد على المبادلة والتعاوض فيسلف، ثمَّ يستوفي، ويستوفي على أن يفي، بل ينظر في نفسه أنَّه هو الأمّة وحده، وما أجدر بأحدكم أن يعمل لدنياه بنفسه لنفسه، فلا يتَّكل على غيره، كما يعمل الإنسان ليعبد الله بشخصه لا ينيب عنه غيره؟ فإذا فعلتم ذلك أظهر الله بينكم ثمرة التضامن بلا اشتراط، والتقاضي بلا محاشرة، فتصيرون بنعمة الله إخواناً ❝
إن التمسك بصيغة الحزب الواحد، واعتبار القوى السياسية الأخرى مجرد ديكور، من شأنه أن يعزل النظام، أي نظام، ويجعله عرضة للغرق في الأخطاء والنرجسية، دون أن يكون قادراً على تقويم الأخطاء أو مواجهة الانحرافات، وبالتالي تجديد نفسه المرة تلو الأخرى، وإعادة إرتباطه بالجماهير. إن حالة مثل هذه لابد أن تؤدي إلى افتقاد الموازين الصحيحة في قراءة الواقع ومعرفة حقيقة مطالب الناس ورغباتهم، مما يسهل على القوى الخارجية أو المتضررة إسقاط مثل هذا النظام.
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص15
#عبد_الرحمن_منيف
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص15
#عبد_الرحمن_منيف
إن ثورة العشرين، رغم عفويتها وعدم وجود قيادة موحدة لها، ورغم فارق السلاح ونوعيته بين الطرفين، فقد كانت أول ثورة عربية في المشرق تقوم ضد الإحتلال وقواته، وقد كبدت المحتلين خسائر فادحة، كما غيرت نظرتهم للكيفية التي يحكم بها العراق، إذ بعد رغبة وممارسة الحكم المباشر، اضطر الإحتلال إلى استبدال هذه الصغة بالحكم الوطني. ولابد من الإشارة إلى أن هذه الثورة إتسمت بالشمول وعمّت جميع المناطق، وإرتفعت فوق الإنقسامات الطائفية والمذهبية، وكانت بمجملها تعبيرا عن موقف وطني جامع وشامل، الأمر الذي قدم نموذجاً لما يجب أن تكون عليه الثورات الوطنية، والتي أثرت في محيطها الضيق، في العراق، ثم في المحيط الواسع، العربي، وكانت موضع قدوة وتقدير.
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص47
#عبد_الرحمن_منيف
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص47
#عبد_الرحمن_منيف
إن شخصية فيصل الأول بن الحسين تسترعي الإهتمام، نظراً للحزن الذي يخيم على هذه الشخصية والكآبة التي تلفها حين يكون وحيداً أو حين يكون مع الآخرين، وكأن الملك يعيش دورا لا يستطيع الفكاك منه. أو كأنه خارج من إحدى روايات النصف الأول من القرن التاسع عشر، حيث كان دائم السهوم، لا تزور الابتسامة شفتيه ويظل غارقاً في التفكير والتأمل أغلب الوقت، وكأنه في مواجهة سؤال لم يجد له جواياً طوال حياته!
ورغم أن الكثيرين يصفونه بالبراعة السياسية والقدرة على التفاوض، إلا أن آخرين يرون فيه شخصية رومانسية أقرب إلى الأحلام منه إلى السياسة. وأياً كانت وجهة نظرنا فيه، ومهما اختلفنا معه، فقد استطاع أن يحقق للعراق حضوراً مميزاً على مستوى المنطقة أولاً، ثم على مستوى العالم بعد ذلك.
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص91
#عبد_الرحمن_منيف
ورغم أن الكثيرين يصفونه بالبراعة السياسية والقدرة على التفاوض، إلا أن آخرين يرون فيه شخصية رومانسية أقرب إلى الأحلام منه إلى السياسة. وأياً كانت وجهة نظرنا فيه، ومهما اختلفنا معه، فقد استطاع أن يحقق للعراق حضوراً مميزاً على مستوى المنطقة أولاً، ثم على مستوى العالم بعد ذلك.
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص91
#عبد_الرحمن_منيف
إن يوم الجسر يوم مشهود في تاريخ العراق الحديث، ولا تزال الجماهير، حتى التي لم تحضر ذلك اليوم، تستعيده بكثير من الكبرياء والعنفوان، ويشير إلى مدى قوه الجماهير خاصة حين تمتلك إرادتها وتصمم على مقاومة الغزاة والمحتلين وأذنابهم.
في ذكرى اليوم السابع للشهداء أُقيم احتفال ليس له نظير في تاريخ العراق الحديث، إذ أُقيم الاحتفال في أحد المحافل التاريخية: جامع الحيدر خانة، الذي بناه داود باشا في عشرينات القرن التاسع عشر، وخرج تحفة معمارية رائعة، سواء من حيث التصميم والزخرفة والبناء، أو من حيث الموقع الهام الذي يحتله في شارع الرشيد. ومما زاد في أهمية هذا الاحتفال أن كان الشاعر محمد مهدي الجواهري أحد خطباء الحفل، وألقى قصيدة رثاء (أخي جعفر) مجَّد فيها الشهداء وأشاد بتضحياتهم، خاصة وأن أخاه جعفر كان أحد الشهداء الذين سقطوا على جسر المأمون في مواجهة الشرطة ورصاصهم الغادر.
ومما قاله الجواهري في تلك القصيدة:
أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ
بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ
فَمٌّ ليس كالمَدعي قولةً
وليس كآخَرَ يَسترحِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد
تظَلُّ عن الثأر تستفهِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد
مِن الجُوعِ تَهضِمُ ما تَلهم
أخي " جعفراً " يا رُواء الربيع
إلى عَفِنٍ باردٍ يُسلَم
ويا زَهرةً من رياض الخُلود
تَغوَّلها عاصفٌ مُرزِم
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص187
#عبد_الرحمن_منيف
في ذكرى اليوم السابع للشهداء أُقيم احتفال ليس له نظير في تاريخ العراق الحديث، إذ أُقيم الاحتفال في أحد المحافل التاريخية: جامع الحيدر خانة، الذي بناه داود باشا في عشرينات القرن التاسع عشر، وخرج تحفة معمارية رائعة، سواء من حيث التصميم والزخرفة والبناء، أو من حيث الموقع الهام الذي يحتله في شارع الرشيد. ومما زاد في أهمية هذا الاحتفال أن كان الشاعر محمد مهدي الجواهري أحد خطباء الحفل، وألقى قصيدة رثاء (أخي جعفر) مجَّد فيها الشهداء وأشاد بتضحياتهم، خاصة وأن أخاه جعفر كان أحد الشهداء الذين سقطوا على جسر المأمون في مواجهة الشرطة ورصاصهم الغادر.
ومما قاله الجواهري في تلك القصيدة:
أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ
بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ
فَمٌّ ليس كالمَدعي قولةً
وليس كآخَرَ يَسترحِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد
تظَلُّ عن الثأر تستفهِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد
مِن الجُوعِ تَهضِمُ ما تَلهم
أخي " جعفراً " يا رُواء الربيع
إلى عَفِنٍ باردٍ يُسلَم
ويا زَهرةً من رياض الخُلود
تَغوَّلها عاصفٌ مُرزِم
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص187
#عبد_الرحمن_منيف
إن من يفتقر إلى التاريخ يحاول أن يخترع لنفسه تاريخاً ملفقاً. ومن يبحث عن تاريخ لكي يسند حججه وادعاءاته يمكن أن يفعل أي شيء من أجل الوصول إلى ما يعتبره أثراً أو مستنداً. وكلنا نتذكر كيف أن موشي دايان، بعد أن تتوقف النار قليلًا، يهب إلى الفأس ليبحث عن الآثار من أجل تعزيز حجة إسرائيل أن اليهود مروا من هنا، وهذا هو لدليل!
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص195
#عبد_الرحمن_منيف
في الصورة موشي دايان، محاولاً إثبات ما لا وجود له.
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص195
#عبد_الرحمن_منيف
في الصورة موشي دايان، محاولاً إثبات ما لا وجود له.
إن الرأسمال الحقيقي للعراق، ثم للأمة العربية، ليس هذه الأسلحة التي تتكدس، وليست القصور التي تبنى، وإنما هُم المواطنون الأحرار الواعون، وفي القمة من هؤلاء النخب، وخاصة العلماء وذوو المهارات المميزة، والقادرون على مواجهة أية هزيمة والخروج منها.
لقد كانت ألمانيا واليابان نموذجين نادرين على إعادة خلق الأمم ومواجهة التحديات وتجاوز الأزمات. وجدير بنا، نحن أبناء الأمة العربية من أقصاها إلى أقصاها، ان نصمد في هذه المحنة، وأن نضع سلَّماً جديداً للمهمات والأولويات، وأن نُحَوِّل الهزيمة إلى حافز للنهوض وإعادة البناء.
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص206
#عبد_الرحمن_منيف
لقد كانت ألمانيا واليابان نموذجين نادرين على إعادة خلق الأمم ومواجهة التحديات وتجاوز الأزمات. وجدير بنا، نحن أبناء الأمة العربية من أقصاها إلى أقصاها، ان نصمد في هذه المحنة، وأن نضع سلَّماً جديداً للمهمات والأولويات، وأن نُحَوِّل الهزيمة إلى حافز للنهوض وإعادة البناء.
العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | ص206
#عبد_الرحمن_منيف
حول كتاب العراق: هوامش من التاريخ والمقاومة | #عبد_الرحمن_منيف
كُتب هذا الكتاب من أجل هذه الصورة في الأعلى، صورة بغداد وهي تحترق، جراء الإرهاب الأمريكي الذي حل بها. ولابد لمُنيف -الذي رضع حب هذا البلد مع الحليب- أن يفعل شيئاً إزاء هذه الهمجية، ومنيف لا يستطيع إلا الكتابة، فاستعمل ما يجيد ليصرخ في وجه العالم أجمع، ويقول ما قال الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد:
يا جُرحَ بَغداد .. تَدري أنَّني تَعِبٌ
و أنتَ نَصلٌ بِقلبي جِدُّ مَسنُون
عُدْ بي إليها، وَحَدِّثْ عن مروءَتِها
ولا تُحاولْ على الأوجاع تَطميني
❞ لقد كان العراق -في ظل إستعمار الإنجليز- بعيدا عن الوقوع في المنزلق الطائفي، وفي هذا أحد أهم اسرار قوته، عكس مجتمعات أخرى كانت سهلة الإنجرار إلى المناخ الطائفي، وبالتالي إستهلكها هذا المناخ وجعلها تنسى أو تؤجل معركتها مع العدو الرئيسي ❝
هذا الكتاب يقتصر على فترة محددة من تاريخ العراق الحديث، فترة قصيرة نسبياً لكنها مهمة جداً، فهذا التاريخ الذي وكأنه يعيد نفسه مرة أخرى، وتطفو على السطح المطامع ذاتها مرة أخرى، مع إختلاف الطامع، ولكن حتى ولو إختلف العدو والزمان، فلا يمكن للحر العراقي أن يختلف. فقد حاول مُنيف ربط بدايات الإحتلال الأمريكي، مع بدايات العراق الحديث، والتي تمتد من إنهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى (1918) والثورة المحورية في تاريخه، ثورة العشرين، حتى نهاية النظام الملكي وإنقلاب 14 تموز 1958، هذه الفترة التي لم تسكن فيها حركة الإنجليز بإحتلالهم للعراق إلا في فترات قصيرة، وأغلب الوقت محاولات دائمة وشرسة من أحرار العراق -على إختلاف مذاهبهم وأعراقهم- لتحرير بلادهم وتخليصها من بني جلدتهم الخونة أولاً، ثم المحتل الغريب أولاً. فالأعداء لا ترتيب لهم، كلهم في المرتبة الأولى.
ولكن:
يَبقىٰ العراقُ عَظيمَ الزَّهوِ، باسِلَهُ
كل هذي الجِراحِ السُّودِ تَـلْتَـئِمُ
وَ سَوفَ يَبقىٰ العراقيون أجمَعُهُم
شُم الجِباهِ إلىٰ أن تُبعَثَ الرّمَمُ !
كُتب هذا الكتاب من أجل هذه الصورة في الأعلى، صورة بغداد وهي تحترق، جراء الإرهاب الأمريكي الذي حل بها. ولابد لمُنيف -الذي رضع حب هذا البلد مع الحليب- أن يفعل شيئاً إزاء هذه الهمجية، ومنيف لا يستطيع إلا الكتابة، فاستعمل ما يجيد ليصرخ في وجه العالم أجمع، ويقول ما قال الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد:
يا جُرحَ بَغداد .. تَدري أنَّني تَعِبٌ
و أنتَ نَصلٌ بِقلبي جِدُّ مَسنُون
عُدْ بي إليها، وَحَدِّثْ عن مروءَتِها
ولا تُحاولْ على الأوجاع تَطميني
❞ لقد كان العراق -في ظل إستعمار الإنجليز- بعيدا عن الوقوع في المنزلق الطائفي، وفي هذا أحد أهم اسرار قوته، عكس مجتمعات أخرى كانت سهلة الإنجرار إلى المناخ الطائفي، وبالتالي إستهلكها هذا المناخ وجعلها تنسى أو تؤجل معركتها مع العدو الرئيسي ❝
هذا الكتاب يقتصر على فترة محددة من تاريخ العراق الحديث، فترة قصيرة نسبياً لكنها مهمة جداً، فهذا التاريخ الذي وكأنه يعيد نفسه مرة أخرى، وتطفو على السطح المطامع ذاتها مرة أخرى، مع إختلاف الطامع، ولكن حتى ولو إختلف العدو والزمان، فلا يمكن للحر العراقي أن يختلف. فقد حاول مُنيف ربط بدايات الإحتلال الأمريكي، مع بدايات العراق الحديث، والتي تمتد من إنهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى (1918) والثورة المحورية في تاريخه، ثورة العشرين، حتى نهاية النظام الملكي وإنقلاب 14 تموز 1958، هذه الفترة التي لم تسكن فيها حركة الإنجليز بإحتلالهم للعراق إلا في فترات قصيرة، وأغلب الوقت محاولات دائمة وشرسة من أحرار العراق -على إختلاف مذاهبهم وأعراقهم- لتحرير بلادهم وتخليصها من بني جلدتهم الخونة أولاً، ثم المحتل الغريب أولاً. فالأعداء لا ترتيب لهم، كلهم في المرتبة الأولى.
ولكن:
يَبقىٰ العراقُ عَظيمَ الزَّهوِ، باسِلَهُ
كل هذي الجِراحِ السُّودِ تَـلْتَـئِمُ
وَ سَوفَ يَبقىٰ العراقيون أجمَعُهُم
شُم الجِباهِ إلىٰ أن تُبعَثَ الرّمَمُ !