📚قناة د.محسن المطيري
3.39K subscribers
377 photos
3 videos
13 files
72 links
📚تفسير وتدبر
رابط الاستفسارات
https://t.me/+ETfsx-cxTHhhOTk0

🎥قناة أ.د محسن المطيري في اليوتيوب
https://www.youtube.com/@user-ux2wn1jt9n/videos
Download Telegram
من فضائل الجمعة المهجورة ما ذكره ابن القيم في الصلاة قبل قدوم الخطيب وتخصيص يوم الجمعة بعدم النهي عن الصلاة وقت الزوال: (..أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي ومن وافقه، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية... قال ﷺ: «إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة» وإنما كان اعتماده على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام. وفي الحديث الصحيح: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام= إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى». رواه البخاري
زاد المعاد: (٤٦٣/١)
قال شيخ الإسلام في شرح حديث (أُبيّ: قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال ما شئت قلت؛ الربع؟…)
وقول السائل: أجعل لك من صلاتي؟ يعني من دعائي؛ فإن الصلاة في اللغة هي الدعاء قال تعالى: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} . وقال ﷺ: (اللهم صل على آل أبي أوفى} {وقالت: امرأة: صل علي يا رسول الله وعلى زوجي فقال صلى الله عليك وعلى زوجك} .
فيكون مقصود السائل أي يا رسول الله إن لي دعاء أدعو به أستجلب به الخير وأستدفع به الشر فكم أجعل لك من الدعاء قال: " ما شئت " فلما انتهى إلى قوله: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال {إذا تكفى همك ويغفر ذنبك} .
الفتاوى: ٣٤٩/١
قال ابن القيم في قوله تعالى: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ):
(وفي التعبير عن الأعمال بـ "السر" لطيفة، وهي أن الأعمال نتائج السرائر الباطنة، فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحا، فتبدو سريرته على وجهه نورا وإشراقا وحسنا، ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعا لسريرته - لا اعتبار بصورته - فتبدو سريرته على وجهه سوادا وظلمة وشينا. وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته، فيوم القيامة تبدو عليه سريرته، ويكون الحكم والظهور لها، وفي الحديث: "أنقوا هذه السرائر؛ فإنه ما أسر امرؤ سريرة إلا ألبسه الله رداء سريرته").
لا يمكن فهم بعض الألفاظ القرآنية إلا باستحضار بعض أبواب البلاغة، في قوله تعالى: (لَا یَسۡمَعُونَ فِیهَا لَغۡوࣰا وَلَا تَأۡثِیمًا)
فلا يعني هذا أن في الجنة كلاما باطلا وآثما، وإنما سر المسألة فيما يسمى عند البلاغيين: بنفي الشيء مقيدا والمراد نفيه مطلقا، أو نفي الشيء بنفي لازمه، مبالغة في النفي وتأكيدا لعدم الوجود، ومنه قولهم: فلان لا يرجى خيره، أي: أنه لا خير فيه بأي وجه من الوجوه.
وهو نوع من الكناية، ومنه قوله تعالى: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين)، فإن الكفار لا شفاعة لهم يوم القيامة، ولكن ذلك من نفي الشيء بنفي لازمه مبالغة وتأكيدا لنفيه.
والشاهد الشعري لهذا الباب قول عمرو بن أحمر:
لا تفزِع الأرنب أهوالها ...
ولا ترى الضب بها ينجحر
وأراد أنه لا يوجد في الصحراء أرنب ولا ضب مطلقا لكنه قيده مبالغة في النفي.
وصف الغفلة من أوصاف الذم فلماذا وصف الله به العفائف في قوله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ یَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡغَـٰفِلَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ لُعِنُوا۟ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ﴾
قال الزمخشري: (الْغافِلاتِ السليمات الصدور، النقيات القلوب، اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر، لأنهنّ لم يجربن الأمور ولم يرزن الأحوال، فلا يفطنّ لما تفطن له المجربات العرافات. قال:
ولقد لهوت بطفلة ميّالة ...
بلهاء تطلعني على أسرارها)
وقال الآلوسي: (الغافِلاتِ)
(عما يرمين به بمعنى أنه لم يخطر لهن ببال أصلا لكونهن مطبوعات على الخير مخلوقات من عنصر الطهارة ففي هذا الوصف من الدلالة على كمال النزاهة ما ليس في المحصنات)
مما يستحق التأمل في القرآن تلك التشبيهات الواردة في القرآن ففيها من دقائق المعنى ما لا يتحقق في الجمل الكثيرة.
قال تعالى: (یَوۡمَ یَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ)، فما أوجه الشبه والبلاغة في ذلك التشبيه؟
أولا: إفادة الطيش الذي يلحق الناس يوم القيامة كطيش الفراش في تخبطه وحركاته المضطربة.
ثانيا: تصوير انتشارهم في الأرض كانتشار الفراش.
ثالثا: أرأيتم ركوب الفراش بعضه على بعض فهكذا يكون حال الناس عند القارعة، يصور القرآن ذلك في استعارة بديعة بموج البحر يركب بعضها بعضا (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ).
رابعا: كثرة الناس يبينه القرآن في تشبيهه بكثرة الفراش، وهي كثرة لا تغني عنهم من الخوف شيئا.
خامسا: التذلل والإقبال على منادي القيامة من كل حدب وصوب وقد لحقهم الخوف والفزع.
سادسا: التطاير إلى النار للاحتراق صورة معلومة لدى الفراش، وهكذا يكون حال الناس يوم القيامة.
فتأمل بلاغة التشبيه في القرآن، وعمق معانيه، ودلالته على المعاني الكثيرة.
اصطلاح: المعروف والأشهر من كلام العرب قاعدة لغوية تفسيرية متينة، يكررها الطبري كثيرا في تفسيره.
وهي دليل على رسوخ وتضلع بلغة العرب التي هي ركن ركين في فهم كلام الله تعالى، ومن المقترحات البحثية: جمع ودراسة هذه المسائل عند الطبري، وفي آية الأشهر الحرم وعظم تحريمها ذكر الطبري قولين في عود الضمير في قوله: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) هل هو عائد على الأشهر الأربعة الحرم، أو جميع الأشهر (إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرࣰا فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ یَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَاۤ أَرۡبَعَةٌ حُرُمࣱۚ) ثم رجح إنها تعود إلى الأشهر الأربعة معتمدا هذه القاعدة، فقال: (وذلك أن العرب تقول فيما بين الثلاثة إلى العشرة، إذا كَنَتْ عنه: "فعلنا ذلك لثلاث ليال خلون، ولأربعة أيام بقين" وإذا أخبرت عما فوق العشرة إلى العشرين قالت: "فعلنا ذلك لثلاث عشرة خلت، ولأربع عشرة مضت"…لأن ذلك لو كان كناية عن "الاثنى عشر شهرًا"، لكان: فلا تظلموا فيها أنفُسكم…وتوجيهُ كلام الله إلى الأفصح الأعرف، أولى من توجيهه إلى الأنكر).
الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية من أنفس تراجم شيخ الإسلام على اختصاره، ذكر جوانب من تعبده وتميزه العلمي وشيئا من مواقفه بقلم رائق ووصف ماتع للغاية.
يقول أبو حفص البزار في تأسفه على قصر أيامه مع شيخ الإسلام: (وكان رضي الله عنه كثيرا ما يرفع طرفه إلى السماء لا يكاد يفتر من ذلك كأنه يرى شيئا يثبته بنظره فكان هذا دأبه مدة إقامتي بحضرته، فسبحان الله ما أقصر ما كانت ياليتها كانت طالت ولا والله ما مر على عمري إلى الآن زمان كان أحب الي من ذلك الحين ولا رأيتني في وقت أحسن حالا مني حينئذ وما كان الا ببركة الشيخ رضي الله عنه).
الأعلام العلية: ٥٦١
حضور البلاغة في تفسير الطبري ظاهر للمتتبع، لكنه لا يصرح بالاصطلاحات البلاغية التي استقرت عند المتأخرين.
وقد تتبعت الإشارة إلى المجاز في مجلد واحد فأحصيت قرابة خمسة عشر موضعا، لكنه يعبر بالاستعمال والأسلوب العربي ونحوه، ولم يصرح بالمجاز أو الاستعارة ونحوها في هذه المواضع.
وقد نسب له الدكتور يوسف العليوي في بحثه الماتع عن المجاز القول بالمجاز، ولم أقف في تفسيره على هذا التصريح إلا في موضعين، وإنما يعبر عنه بالاستعمال العربي مع كون الاصطلاح سبقه به عدد من أئمة اللغة منهم ابن قتيبة، والذي ينقل عنه الطبري كثيرا في تفسيره.
وسأذكر مثالين: في قوله تعالى: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) قال الطبري: (والدرجات جمع"درجة"، وهي المرتبة. وأصل ذلك مراقي السلم ودرَجه، ثم تستعمل في ارتفاع المنازل والمراتب).
وهو إشارة للاستعارة التصريحية
ومثله قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)
قال الطبري: (وأما قوله: (بين يدي رحمته) فإنه يقول: قدام رحمته وأمامها. والعرب كذلك تقول لكل شيء حدث قدام شيء وأمامه:"جاء بين يديه"، لأن ذلك من كلامهم جرى في أخبارهم عن بني آدم، وكثر استعماله فيهم، حتى قالوا ذلك في غير ابن آدم وما لا يَدَ له).
وهو إشارة أيضا إلى المجاز المرسل.
وهذا التتبع مجال رحب للباحثين، ورسالة الأساليب العربية عند الطبري للباحث: فواز شاويش طرقت هذا الباب لكن مجال البحث أوسع منها، والأمثلة كثيرة في جميع أبواب البلاغة.
وإتماما للفائدة فإن مما يبين الأسلوب البلاغي لدى الطبري ذكر الشاهد القرآني أو البلاغي، مع بيانه للأسلوب البلاغي.
لشيخ الإسلام ابن تيمية عناية ظاهرة بمقاصد السور الكبرى، وسأنقل بعض كلامه في بعض السور: فقد عرض مقاصد سورة البقرة عرضا بديعا في سبع صفحات تحت عنوان: ما اشتملت عليه من تقرير أصول العلم، وختمها بقوله: (فتدبر تناسب القرآن وارتباط بعضه ببعض) (٤٦/١٣)
وقال سورتي الأنعام والأعراف: (وقد جمع سبحانه في هذه السورة وفي الأنعام وفي غيرهما ذنوب المشركين في نوعين: أحدهما: أمر بما لم يأمر الله به كالشرك ونهي عما لم ينه الله عنه كتحريم الطيبات. فالأول: شرع من الدين ما لم يأذن به الله. والثاني: تحريم لما لم يحرمه الله) (٨٦/١).
وقال في سورة مريم: (فهذه السورة " سورة المواهب " وهي ما وهبه الله لأنبيائه من الذرية الطيبة والعمل الصالح والعلم النافع). (٢٣١/١٥)
وقال في سورتي مريم وطه: (سورة طه " مضمونها تخفيف أمر القرآن وما أنزل الله تعالى من كتبه فهي " سورة كتبه " - كما أن مريم " سورة عباده ورسله) (٢٣٧/١٥).
وقال في سورة الأنبياء: (سورة الأنبياء " سورة الذكر وسورة الأنبياء الذين عليهم نزل الذكر).(٢٦٥/١٥).
وقال في سورة القلم: (سورة (ن) هي سورة " الخلُق " الذي هو جماع الدين الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى فيها: {وإنك لعلى خلق عظيم}) (٦١/١٦).
وكثيرا ما يكرر مقاصد سورتي الإخلاص: الكافرون والإخلاص في عدد من كتبه.
قال ابن عاشور في قوله تعالى في وصف اليهود: ﴿لَأنْتُمْ أشَدُّ رَهْبَةً في صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأنَّهم قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾
(ووجه وصف الرهبة بأنها في (صدورهم) الإشارة إلى أنها رهبة جد خفية، أي أنهم يتظاهرون بالاستعداد لحرب المسلمين ويتطاولون بالشجاعة ليرهبهم المسلمون وما هم بتلك المثابة فأطلع الله رسوله ﷺ على دخيلتهم فليس قوله (في صدورهم) وصفا كاشفا).
يقول ابن القيم: (وكان أبو بكر رضي الله عنه أعلمنا به يعني النبي - صلى الله عليه وسلم.
فجمع الله له بين سعة العلم والرحمة.
وهكذا الرجل، كلما اتسع علمه اتسعت رحمته.
وقد وسع ربنا كل شيء رحمة وعلما، فوسعت رحمته كل شيء، وأحاط بكل شيء علما، فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، بل هو أرحم بالعبد من نفسه، كما هو أعلم بمصلحة العبد من نفسه. والعبد لجهله بمصالح نفسه وظلمه لها يسعى فيما يضرها ويؤلمها، وينقص حظها من كرامته وثوابه، ويبعدها من قربه، وهو يظن أنه ينفعها ويكرمها.
وهذا غاية الجهل والظلم)
عن ابن مسعود قال : (سَارِعُوا إِلَى الْجُمَعِ ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْرُزُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ، فَيَكُونُوا مِنَ الْقُرْبِ عَلَى قَدْرِ تَسَارُعِهِمْ إِلَى الْجُمُعَةِ).
قال شيخ الإسلام وصحح الأثر وذكر له عدة طرق: (وَهَذَا الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ أَمْرٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا نَبِيٌّ، أَوْ مَنْ أَخَذَهُ عَنْ نَبِيٍّ ، فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ…وفي قوله: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) قَالَ بَعْضُهُمْ: السَّابِقُونَ فِي الدُّنْيَا إلَى الْجُمُعَاتِ هُمْ السَّابِقُونَ فِي يَوْمِ الْمَزِيدِ فِي الْآخِرَةِ)
الفتاوى: (٤٠٥/٦).
اجأروا وألظوا إلى الله بالفرج للمضطهدين في ساعة الجمعة:
قال ابن القيم: (وهذه الساعة ــ وهي آخر ساعة بعد العصر ــ يعظمها جميع الملل. وعند أهل الكتاب هي ساعة الإجابة، وهذا مما لا غرض لهم في تبديله وتحريفه، وقد اعترف به مؤمنوهم). زاد المعاد: (٤٨٩/١).
في رسالة ابن مري الحنبلي إلى تلاميذ شيخ الإسلام بحفظ كتبه بعد وفاته قال: (ووالله إن شاء الله ليقيمن الله سبحانه لنصر هذا الكلام ونشره وتدوينه وتفهمه، واستخراج مقاصده واستحسان عجائبه وغرائبه، رجالا هم إلى الآن في أصلاب آبائهم. وهذه هي سنة الله الجارية في عباده وبلاده…
ومن المعلوم أن البخاري مع جلالة قدره أخرج طريدا، ثم مات بعد ذلك غريبا، وعوضه الله سبحانه عن ذلك بما لا خطر في باله، ولا مر في خياله، من عكوف الهمم على كتابه، وشدة احتفالها به).
علق الشيخ بكر أبو زيد فقال: (وقد تحقق ذلك ــ بحمد الله ــ فبر قسم ابن مري، فجمعت كتب شيخ الإسلام، واشتغل بها وبتحقيقها العلماء، كما جمعت مسائل الإمام أحمد مع نهيه عن الكتابة عنه. ونظائر ذلك كثيرة وهو من تأييد الله لهذا الدين، وعباده الصادقين).
يقول شيخ الإسلام في بيان تاريخ اليهود وذلتهم مع العرب قبل الإسلام: (فإن اليهود لم يعرف أنها غلبت العرب بل كانوا مغلوبين معهم وكانوا يحالفون العرب فيحالف كل فريق فريقا كما كانت قريظة حلفاء الأوس وكانت النضير حلفاء الخزرج. وأما كون اليهود كانوا ينتصرون على العرب فهذا لا يعرف بل المعروف خلافه والله تعالى قد أخبر بما يدل على ذلك فقال تعالى: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة..)….
لم يكونوا بمجردهم ينتصرون لا على العرب ولا غيرهم وإنما كانوا يقاتلون مع حلفائهم قبل الإسلام والذلة ضربت عليهم من حين بعث المسيح عليه السلام فكذبوه).
الفتاوى: (٣٠٠/١)
استنبط ابن عاشور استنباطات لافتة في ذكر صفات المنافقين التي ذكرها الله في افتتاح سورة البقرة: (وقد أشار قوله تعالى: (وما هم بمؤمنين) إلى الكذب ، وقوله: (يخادعون) إلى المكيدة والجبن ، وقوله: (وما يخادعون إلا أنفسهم) إلى أفن الرأي ، وقوله: (وما يشعرون) إلى البله ، وقوله: (في قلوبهم مرض) إلى سوء السلوك ، وقوله: (فزادهم الله مرضا) إلى دوام ذلك وتزايده مع الزمان ، وقوله: (قالوا إنما نحن مصلحون) إلى إضاعة العمر في غير المقصود ، وقوله: (قالوا إنا معكم) مؤكدا بإن إلى قلة ثقة أصحابهم فيهم ، وقوله: (فما ربحت تجارتهم) إلى أن أمرهم لم يحظ بالقبول عند أصحابهم ، وقوله: (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) إلى اضمحلال الفضيلة منهم).
يقول شيخ الإسلام في منهج عدل مع خصومه في جواب له وهو في سجن القلعة: (هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني فإنه وإن تعدى حدود الله في بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية. فأنا لا أتعدى حدود الله فيه. بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل وأجعله مؤتما بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس حاكما فيما اختلفوا فيه. قال الله تعالى {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه}…
وقال تعالى {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} . وذلك أنك ما جزيت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه).
الفتاوى: (٢٤٥/٣).
مناظرة الواسطية مع خصوم شيخ الإسلام، وما تبعها من كتب ورسائل إلى أخيه وبعض العلماء وهو في سجن القلعة فيها فوائد ونفائس في الثبات، وبيان تسلط خصومه عليه، وما واجهه من الابتلاء، كل تلك التفاصيل تجدها في مجموع الفتاوى في الجزء الثالث: (١٦٠_٢٧٧)، حتى قال في بعض رسائله ناعتا عظيم ظلمهم له: (..ثم النصارى في حبس حسن:يشركون فيه بالله ويتخذون فيه الكنائس فيا ليت حبسنا كان من جنس حبس النصارى ويا ليتنا سوينا بالمشركين وعباد الأوثان بل لأولئك الكرامة ولنا الهوان. فهل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بهذا. وبأي ذنب حبس إخوتي في دين الإسلام غير الكذب والبهتان ومن قال: إن ذلك فعل بالشرع فقد كفر بإجماع المسلمين).
مجموع الفتاوى: (٢٥٤/٣).
وإتماما لبيان ورع شيخ الإسلام في هذا الابتلاء والظلم، فقد كان ورعا في إطلاق الأحكام على أعيانهم دون الحكم المطلق خلافا لما يفعله اليوم أهل الجرأة على علماء الأمة فيقول في سياق حديثه عن أئمة الأشاعرة: (وقد قلت لهم غير مرة: أنا أمهل من يخالفني ثلاث سنين إن جاء بحرف واحد عن أحد من أئمة القرون الثلاثة يخالف ما قلته فأنا أقر بذلك…
هذا مع أني دائما ومن جالسني يعلم ذلك مني:أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة وفاسقا أخرى وعاصيا أخرى وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها: وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية) ثم ذكر عدة أمثلة لمخالفة السلف للنصوص مثل صفة العجب مع الإعذار لهم.
مجموع الفتاوى:(٢٢٩/٣)