عالم برمجةوتقنية الحاسوب C. P. W

في الثالث من أبريل عام 1986، اجتمع حوالي 6000 معلم رياضيات في واشنطن قرب فندقي شيراتون وشورهام لحضور الاجتماع السنوي للمجلس الوطني لمعلمي الرياضيات. غير أن الاجتماع لم يكن هادئًا؛ فقد احتشدت مجموعة من المحتجين أمام الفندقين رافعين لافتات تحمل عبارات مثل «الضغط على الأزرار لا يعني شيئًا ما لم يُدرّب الدماغ أولًا»، و«احذروا: استخدام الآلة الحاسبة مبكرًا قد يضر بتعليم أطفالكم». كما رددوا هتافات مثل «الآلات الحاسبة لاحقًا، لن نتزحزح من مكاننا أبدًا!».

اعترض المحتجون بشدة على قرار المجلس بإدخال الآلة الحاسبة في المناهج الدراسية، الأمر الذي اعتُبر حينها سابقةً مثيرةً للجدل، إذ لم يقتصر الأمر على السماح باستخدامها في الفصول الدراسية فقط، بل تعدى ذلك إلى السماح باستخدامها حتى أثناء حل الواجبات المنزلية، وفي مراحل تعليمية مبكرة وليس فقط في المرحلة الثانوية. وقد وضع المجلس أمام المعلمين مهمة واضحة، تتمثل في تدريب الطلاب في جميع المراحل على استخدام الحاسبة، وتعليمهم متى يكون استخدامها مناسبًا.

بالطبع لم تؤد هذه الاحتجاجات إلى تغيير القرار، لكنها جذبت اهتمام الصحافة بشكل كبير. وقد نقلت صحيفة الواشنطن بوست لقاءً مع قائد الاحتجاج، جون ساكسون، وهو بائع سابق لكتب الرياضيات ومعلّم متقاعد، الذي أوضح موقفه قائلًا:

«أعرف كيف كنت أفكر في صغري؛ لو كان بإمكاني اختصار الطريق لحل واجباتي باستخدام الآلة الحاسبة لفعلت ذلك بالتأكيد، ولما وجدت دافعًا لتعلم الحساب يدويًا! لهذا السبب تحديدًا يجب علينا منع استخدام الحاسبات في المراحل الابتدائية».

وأشارت صحف مسيحية أخرى إلى مخاوف بعض المعلمين من أن يؤدي اعتماد الطلاب المبكر على الحاسبة إلى فقدان مهارات الحساب الأساسية، ووصفوا الأمر بأنه «خطر حقيقي يهدد قدرات الطلاب في الرياضيات». بالمقابل، أكد مؤيدو إدخال الآلات الحاسبة على فوائدها المتعددة، مثل تقديم رد فعل فوري يساعد الطلاب على اكتشاف أخطائهم بسرعة، وإتاحة الفرصة للطلاب الأقل تحصيلًا لتحقيق تقدم أفضل، إضافة إلى تحرير الطلاب من العمليات الحسابية الروتينية وإعطائهم وقتًا أطول للتفكير في الحلول.

في حين أكد معارضو الحاسبات أن «الرياضيات لا يمكن إتقانها بالضغط على الأزرار فقط»، وفضلوا تأجيل استخدامها حتى الصف السادس على الأقل. وعلّقت صحيفة على الجدل آنذاك بعبارة معبرة قالت فيها: «لا أحد يعلم كيف سيكون المستقبل عندما تصبح الحاسبة أمرًا اعتياديًا. تتذكر ديان هارفي، رئيسة المجلس، تعليق إحدى المعلمات التي قالت: "لماذا نقلق كثيرًا بشأن هذه المسألة؟ بالنسبة لي، يجب أن يتعلم الأطفال المشي أولًا قبل أن يبدأوا ركوب سيارات الغولف طوال اليوم!"».

مضت السنوات وتغير الحال؛ أصبحت الحاسبات جزءًا من هواتفنا المحمولة التي لا تفارق أيدينا، وأصبحت الواجبات المدرسية تُحل على الأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والمعلمون يتواصلون عبر Zoom وTeams، بينما تقنيات مثل ChatGPT تحل مسائل الجبر في أجزاء من الثانية. ومع ذلك، لا يزال هناك دائمًا شخصٌ ما يحمل لافتةً معترضًا، مقتنعًا بأن الأمور هذه المرة ستذهب بالتأكيد في الاتجاه الخطأ.

98 views22:18