بسم الله الرَّحمن الرَّحيم...

الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله...

✉️ كثُر السُّؤال في الآونة الأخيرة عن قضيَّة انتشرت وعمَّت بين النَّاس، وهي محاكاة الصُّور البشريَّة عبر الذَّكاء الاصطناعيِّ (ghibli) وما الفتوى الشَّرعيَّة في ذلك؟

تحرير صورة المسألة :

🟢أوَّلًا: استخدام الذَّكاء الاصطناعيِّ لتحويل صور لا روح فيها (كصور للأشجار والأنهار والمظاهر الطَّبيعيَّة) لا حرج فيها شرعًا.


🟢ثانيًا: استخدام الذَّكاء الاصطناعيِّ لمحاكاة صور ذوات الأرواح (الإنسان والحيوان)

حرام على قول جمهور الفقهاء في الحالات الآتية:

1️⃣إذا تمَّت محاكاة الكائن الحيِّ كاملًا (برأسه وجسده بكلِّ ما فيها من التَّفاصيل).

2️⃣إذا تمَّت محاكاة شبه كاملة، بحيث يحذف من الصَّورة تفاصيل يمكن بقاء الحياة مع حذفها كأنْ يحذف العين فقط أو الأذن فقط أو الجزء السُّفليَّ من الجسد فقط.

🤍فلا يجوز في هاتين الحالتين استخدام الذَّكاء الاصطناعيِّ.

📖الدَّليل:

🤩جاء في صحيح البخاريِّ من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: "إنَّ الَّذين يصنعون هذه الصور يعذَّبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم".

وهذا الحديث محمول عند جماهير أهل العلم على صناعة التَّماثيل، وعلى الرُّسوم أيضا.

🤩وجاء أيضا في البخاريِّ ومسلم

 عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عبَّاس إنِّي إنسان إنَّما معيشتي من صنعة يدي وإنِّي أصنع هذه التَّصاوير فقال ابن عبَّاس: لا أحدِّثك إلَّا ما سمعت رسول الله ﷺ يقول، سمعته يقول: من صوَّر صورة فإنَّ الله معذِّبه حتَّى ينفخ فيها الرُّوح وليس بنافخ فيها أبدا.

🟢فربا الرَّجل ربوة شديدة واصفرَّ وجهه فقال: ويحك إن أبيت إلَّا أن تصنع فعليك بهذا الشَّجر؛ كلِّ شيء ليس فيه روح.  

⏺وفي هذا الحديث بيَّن ابن عبَّاس جواز محاكاة الصُّور الَّتي لا روح فيها كالشَّجر ونحوه.

🤩ومن أشدِّ ما ورد في ذلك أيضاً

ما جاء في صحيح البخاريِّ ومسلم أيضا من حديث أبي هريرة، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ومن أظلم ممَّن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبَّة وليخلقوا ذرَّة».  

🟢ثالثًا: إذا تمَّت محاكاة كائن حيٍّ لكن حذف من الصُّورة تفاصيل لا يمكن بقاء الحياة مع حذفها.

⏪مثال: كأنْ يحاكي الوجه فقط دون باقي الجسد أو يحاكي الوجه والجسد لكن يحذف كلَّ التَّفاصيل في الوجه فيزيل العين والأنف والأذن والفم جميعها.

🔺في هذه الحالة وقع نزاع بين أهل العلم، والمفتى به عندنا أنَّه لا حرج في هذه المحاكاة، لأنَّه لم يصوِّر كائنا حيًّا موجودا في الواقع في هذه الحالة فلا مضاهاة هنا والله أعلم.

🟢قال ابن قدامة الحنبليُّ في كتاب (المُغنِي):
وإن قطع منه -أي: من الصورة- ما لا يبقى الحيوان بعد ذهابه -كصدره، أو بطنه، أو جُعل له رأس منفصل عن بدنه- لم يدخل تحت النَّهي؛ لأنَّ الصُّورة لا تبقى بعد ذهابه، فهو كقطع الرَّأس.

🟢وقال ابن حجر الهيتميُّ الشافعيُّ في التُّحفة:
(وخرج بحيوان: تصوير ما لا رأس له، فيحلُّ... وكفقد الرَّأس فقدُ ما لا حياة بدونه.
نعم، يظهر أنَّه لا يضرُّ فقد الأعضاء الباطنة، كالكبد، وغيره؛ لأنَّ الملحظ المحاكاةُ، وهي حاصلة بدون ذلك) انتهى.

وإن كان الأورع عدم المحاكاة في الوجه حتَّى في هذه الصُّورة خروجا من الخلاف.

🤍ونختم بالتَّنبيه على أنَّ هذه المسألة مختلفة تماما عن مسألة التَّصوير الحقيقيِّ بأدوات التَّصوير (الكاميرا، والفيديو) فهذا جائز، لأنَّه ليس محاكاة خلق الله بل هو انعكاس للمشهد الحقيقيِّ باستخدام أداة تتيح الاحتفاظ بهذا الانعكاس وليس هذا موطن النِّقاش في هذه المسألة.

🪶كتبه خادم العلم/ إبراهيم رفيق الطَّويل
- دكتوراه الفقه وأصوله