Multifarious Writings
1.23K subscribers
154 photos
8 videos
29 files
33 links
I jot down stuff when possible
Download Telegram
According to Heidegger, Technology de-worlds the world by destroying the pre-theoretical matrix of intelligibility upon which man can experience things as meaningful entities. Technology means that everything is present-at-hand, torn apart from its world. For Heidegger, the essence of technology is enframing, which is a hermeneutical matrix that reveals the world as a "standing-reserve." The powerfulness of technology lies in its ability to shatter the world of meaning for the sake of domination.

Contrary to what people my think, philosophy is not autonomous discipline that is separate from the laical experience of reality, but rather it permeates reality through cultural institutions and shapes our worldviews. Today, the technological hermeneutical matrix is dominant in the lay experience of reality. The average man sees the world as a standing-reserve without being aware of it.
العصر الحديث هو أبيَن دليل على أن العبودية هي بمثابة تشريف لمعظم البشر؛ كونهم يخضعون لسلطة نبيلة خير لهم من سلطة أنفسهم. وما أقصده على وجه التحديد هو العائد الذاتي على الفرد من كونه عبدا بغض النظر عن الأبعاد الأخرى، أي أن العبودية أصلح للفرد ذاته. حقيقة، من يعرف الحرية على حقيقتها سيدرك أنها أشبه بصدام دائم مع ممانعة قوية يصعب على الفرد العادي تجاوزها، وفي هذه الحالة هناك طريقتان للتصرف: ١- إدراك المحدودية والرضى بالمكانة المناسبة لطبيعة المرء، ٢- الانكار.
كنت أتساءل: ما هو المفتاح الذي يمكن بواسطته دخول صرح فلسفة هايدجر؟ أعتقد أن هناك نقطتي انطلاق يمكن من خلالهما فك أسرار هذا الصرح الشاهق شيئًا فشيئًا، وهما الدازاين Dasein (الوجود هناك) وتفسير هايدجر لحقيقة "الشيء". أمثل طريقة لتعريف الدازاين هو فهم أنه في حد ذاته فهم محدود للوجود، بمعنى أنه ليس ذاتا نقية من الأحكام المسبقة تسعى إلى فهم عالم موجود خارجها، فنقطة بدايته متموضعة وسط العالم، وكل خطوة يقوم بها تنطوي على فهم محدد للوجود. بالتبعية، تتموضع الشروط المسبقة للمعرفة، وقوالب الإدراك التي يغدو بها العالم مفهومها، في "العالم" نفسه وليس في الوعي، ويقصد بالعالم مصفوفة من العلاقات سابقة على الوجود الفيزيائي للأشياء في الوعي، فالزمان، على سبيل المثال، ليس قالبا ذهنيا تنتظم به الظواهر وتغدو مفهومة، وإنما هو أفق كينونة الدازاين نفسه في تفاعله مع العالم، التفاعل الذي هو تأويلي وديناميكي. ولأن وجود الدازاين محدود بطبيعته، فإن كل ما يقوم به من تأويل مقترن بهذه المحدودية. ومن هذا المنظور، يستحيل كشف الوجود في كليته كموضوع للدازاين. بدلا من ذلك، الوجود هو حضور وغياب، ظهور وانحجاب، كشف واخفاء. علاوة على ذلك، أنطولوجيًا، الدازاين مُتجمّد في حالة المحدودية، فهو ليس إله أرسطو الكامل الممتلك لذاته وغايته، وليس جمادا قابلا للفهم من خلال العلل الأرسطية، هذا لأن مصيره هو انتفاء إمكانية تحقق حالة التمامية. أيضا، الدازاين هو وجود نحو الموت، ولا يقصد بالموت هنا الفناء البيولوجي، وإنما هو "النفي" الذي يصاحب الكينونة على الدوام، فالدازين هو كيان متموضع في طريق غير مكتمل، ويمكنه استشعار هذه المحدودية من خلال استحضار حالة انتفاء كينونته الخاصة، وهو ما يكشف العالم على نحو معين، بمعنى أن الموت هو الجزء الجوهري من البنية التأويلية التي ينكشف العالم من خلالها، وهو ما يستحضر في كل نشاط تأويلي أصيل بنسب متفاوتة، فحينما تقول أن هذا الشيء على هذا النحو، بالتبعية، تقول أنه ليس على هذا النحو. وهكذا، ترتبط كل علاقة تأويلية باستحضار العدم. بيّد أن هذا العدم لا ينكشف كليا إلا في طرائق معينة من تأويل الكينونة الذاتية.

أما بخصوص "الشيء"، يرى هايدجر أن التقليد الفلسفي الذي عدّ حقيقة الشيء كامنة في جوهر ثابت قد بُني على تأويل جزئي ومقتطع لكينونته. يتضح هذا الأمر في تحليل هايدجر الفينومينولوجي لاستخدام الأدوات، فعلى سبيل المثال، كينونة المطرقة لا تكمن في حضورها نظريا أمام العقل، وإنما في الخلفية المُشكلّة لإمكاناتها، بمعنى أن المطرقة متموضعة ضمن سياق من الروابط والعلاقات التي تتيح كشف هذه المطرقة على هذا النحو أو ذاك، بالتالي تكمن كينونة الشيء في هذه الخلفية وليس في حضورها المادي. بالتبعية، يمكننا أن نصف تَساؤل هايدجر في كتاب "أصل العمل الفني" بأنه محاولة لتجاوز العقل الأداتي الذي يكشف الأشياء بوصفها "حاضرة في متناولة اليد"، وهو تأويل ينطوي على انتزاع للشيء وتأطيره على نحو معين أمام العقل ليغدو واضحا (التكنولوجيا)، وبالنتيجة، يمكّن الدازاين من الهيمنة، بمعنى أن هذا النوع من المعرفة هو إرادة قوة في المقام الأول. للتقريب: على النقيض من منظورية نيتشه "الذاتية"، تكمن كينونة الشيء في إمكانات يحوزها بنفسه وفقا للطريقة التي يتموضع بها في العالم، وليس في الرؤية الذاتية التي تعكس إرادة القوة.
On Traditionalism

My interest in Traditionalism began two years ago, and I find myself more attuned to Evolian Kshatriyan Spirituality because my approach to Tradition was intrinsically post-nietzschean. My favorite traditionalist work so far is The Yoga of Power and I find myself deeply drawn to the left-hand path. Anyway, that's not exactly the reason why this post was written. I see that the popular interpretation of perennialism turns things upside down, as it assumes that the starting point is the thing one might find at the end of his spiritual path: the unity behind the plurality of religions, an idea well known in many esoteric traditions. Rather than realizing that supposed unity as the result of a spiritual journey, lay traditionalists take it for granted from the start, therefore, creating a sense of false privilege based on the fact of realizing the ultimate truth of spirituality, Something not even available to many high-ranking religious people. Even from a historical point of view, the conflict between the esoteric and the exoteric is something whose true nature cannot be understood by a novice who should be under the authority of a priest or sheikh for decades before he gives his opinion on such a matter. I am not speaking of the invalidity of Tradition per se, but I am of the opinion that if the Traditionalism is true, it will be attained at the highest points of spirituality. On the contrary, what often happens is that lay traditionalists assume that they know the ultimate unity from the beginning, and thus turn a blind eye to the exoteric aspects of religions, believing that they are perfectly capable of dealing with the esoteric simply because they realize some important doctrines on a theoretical level. From what I see I can say that a lay traditionalist is someone who confuses antinomianism, in a bad sense, with spirituality.
أمثَل ما يمكن للرجل فعله في الظّروف المعاصرة، حيث لم لأيّ شيء معنى، أن يقلِّل احتياجاته بقدر الإمكان، اتقاء لويلات العبودية التي تفرض نفسها فرضًا ولا يتلافاها إلّا النابه شديد الفطنة. صحيح أن النظام الاقتصادي المعاصر مُهيّأ لإعدام قدرة المرء الذاتية للاعتماد على الذات، وعلى نفس النحو، تسير الأنظمة السياسية والثقافية تباعًا، إلّا أنّ هناك طرق معينة يمكن من خلالها أن يمتلك المرء ذاته وسط هذا الهراء، وبالتبعية، يتلافى الرداءة التي تفرضها الظروف المحيطة. التهيئة اللازمة أمر سيكولوجي في المقام الأول، وأساسها تغيير نظرة المرء لنفسه ولاحتياجاته، ومن ثم نظرته للعالم من حوله، طرّ الأمور الأخرى تأتي تباعًا بعد هذه التهيئة السيكولوجية، لأنها مشتقة منها ومترتبة عليها بالضرورة. على أن هذا أمر لا يمكن إتمامه إلّا إذا بلغ المرء قدرًا معينًا من الراديكالية بخصوص نظرته للعالم من حوله، لأنه من المستحيل أن يتجاوز المرء شيئًا لا يعدُّه في نفسه عائقًا أو قيدًا يتعين عليه تجاوزه. فإن بلغ المرء هذه المرحلة، فهو آنئذٍ بالضرورة مُهيَّأ لتجاوز الضغوط الاجتماعية والثقافية التي سيصطدم بها في حياته بحكم كوّنه فردًا في مجتمع، إذ أنه سيفقد المُدخلات الذاتية التي تؤثر عليه هذه الضغوط من خلالها. صحيح أن تبني المواقف الراديكالية حمل ثقيل الوطأة، خصوصًا في ظل ظروف تأخذ حاجات المرء إلى صورها القصوى في ظل عالم استهلاكي تتحدد فيه الهرمية الاجتماعية وفق معايير العبودية والقنانَة، إلّا أنّه كما نوّهت، حريّ بمن يتبنى الراديكالية فكريًا أن يكون على نفس القدر من الراديكالية سيكولوجيًا، وبالنتيجة، سلوكيًا.
من عجائب العصر أن بعض مواطني دول القنانة الحديثة يصدّقون أنفسهم حقًا عندما يتحدثون عن شعب فتح الدنيا وسطَّر ملاحمه في التاريخ، أعنى العرب الفاتحين، -باعتبار أنه أجنبي بالنسبة له أصلا!- ويذم خصاله الأرستقراطية النبيلة استنادًا على الأيديولوجيات التقدمية الليبرالية التي تعكس الانحطاط النفسي للعبد الآبق الذي سمّاه مولانا نيتشه بالإنسان الأخير. ما يفعله القن المصري أو السوري أو العراقي الذي يميّز نفسه عن العرب، بالمعنى السلبي للتميز، أنه يعكس انحطاطه النفسي في صورة أيديولوجية، فهو حتمًا يشعر بالضعف والإهانة كوّنه خضع لروح هذه الحضارة بالقوة.

حتى إذا كنت كارهًا للعرب فلن تتخذ من هذه الوسائل المنحطة - أعني المزايدات الأخلاقية- وسيلة لانتقادهم، ولن تتخذ من معايير الليبرالية السفيهة أساسًا تستند عليه. علاوة على ذلك، حتى فيما يخص المجالات العلمية والمعرفية التي يتذرع بها هؤلاء السفلة: لا يوجد مؤرخ فكري معاصر ينكر مكانة العرب في هذا الحقل، وكون الحضارة العربية قد بسطت سلطانها على حضارات قائمة أساسًا، فهذا لا يعد منقصة في حقها، بل على العكس، قدرة هذه الحضارة على توفيق هذه العناصر المتضادة نقطة قوة تحسب لها.


على أي حال، ليس موضوعنا هنا هو تقييم الحضارة العربية، وإنما كشف العقد النفسية التي تصدر من الأقليات والفئات المنحطة في صورة نقد فكري مُدّعى. مشكلتي الأساسية مع النزعة الإقليمية ليس أنها تعادي العرب فقط، لأنني بالتأكيد لن أعد معاداة العرب معيارًا يمكن من خلاله بخس حق نموذج ناجح، وإنما تكمن المشكلة في أن في هذا النقد الذي شاع مؤخرًا كم هائل من العقد النفسية التي تخرج من نوع معين من البشر لا يستحق إلا أبشع أشكال المعاملة الوحشية لئلا يُفسد نفسه ومن حوله بانحطاطه.
من أسمى علامات النبالة، انتفاء الحاجة إلى إظهار القوة بشكل زائد عن الحاجة. هذا لأن النبيل لا يرضى بمنزلة إنسان رد الفعل، ولا يترك كل صغيرة وكبيرة تحركه وتدفعه إلى اتخاذ خطوات ليست نابعة من ذاته. وقد كانت هذه العلامة وثيقة الصلة بفلسفة المُلك في الحضارات القديمة، وبلا أدنى مبالغة، يوجد نظير لفكرة ضرورة الفعل الذاتي للملك في كل حضارة عليا، أي أنها فكرة يجوز تأهيلها إلى منزلة الكونيّة. بشكل عام، لن يكون الحاكم حاكمًا مالم يؤسس قدرًا هائلًا من التحكم الذاتي، لأنه دون ذلك سيكون محكومًا وخاضعًا لألد أعدائه: نفسه. لهذا السبب، قديمًا، كان يُنظر إلى الحاكم الذي يُكثر إظهار القوة والبأس دون داع لذلك على أنه حاكم ضعيف، مهما بلغت سطوته المادية على أرض الواقع. وبالتبعية، كان يُنظر إلى السلام باعتباره تحققًا واقعيًا لسطوة الملك التي لم تعد في حاجة إلى تأكيد نفسها على نحو مادي، أي أن السلام كان دليلا على فائض القوة مع القدرة على كبحها. هذا لا يعني أن النبيل شخص مسالم بطبيعته، وإنما المقصد أن أعلى مراحل النبالة تقترن بقدر هائل من القوة النفسية والجسدية تنفي ضرورة الحاجة إلى إظهار القوة المادية، أو تقللها إلى أقصى درجة ممكنة. علاوة على ذلك، في التقاليد الباطنية المرتبطة بفلسفة المُلك في الشرائع القديمة، يتعين على الحاكم ألا يحكم بشكل شخصي، وألا تكونه نفسه هي الحاكمة في واقع الأمر، بدلاً من ذلك، كان الحكم السليم مرادفا للكينونة المحضة، التي تنطوي على الحيازة الذاتية والتحقق الكلي، أي من الناحية الأنطولوجية، الحاكم المثالي هو مساو لتصوّر أرسطو عن الإله، إلّا أنه يتدخل في العالم وينظم شؤونه ليس بدافع الرغبة الذاتية، باعتبار أن الرغبة دليل على النقص الأنطولوجي الذي يولّد الحركة ويدفع الكائنات إلى السعي نحو تحقيق ذاتها، بينما الملك الأعظم، هو، وفقًا لهذه الرؤية، متحقق كليًا، وبالتالي ليست مسألة الحكم بالنسبة له أمرًا شخصيًا، فالتحقق يعني بالضرورة تجاوز الشخصية والاتحاد بالنفس الإلهية العليا -الأتمان- التي تحمل نفس هوية البراهمان (الكائن الأسمى): هذه هي الصيغة الهندوسية للملك، وعلى نفس النحو، وُضعت باقي الصيغ الملكية باعتبارها مرادفة للترقي الروحي والاتحاد بالعنصر الفائق من النفس. من هذا المنظور، كان أساس المُلك مسألة روحية ونفسية، وكان الصراع الأسمى بالنسبة للملك، الذي يأخذ على عاتقه هذه المسئولية، صراع داخلي في المقام الأول، بينما الواقع الخارجي، هو تجسيد دنيوي مشوه للمعركة الأسمى التي يخوضها الملك على المستوى الذاتي. مِن هنا يفهم السؤال الأساسي: "لماذا كان إظهار القوة بشكل زائد عن الحاجة علامة على انحطاط المُلك؟".
Multifarious Writings
من أسمى علامات النبالة، انتفاء الحاجة إلى إظهار القوة بشكل زائد عن الحاجة. هذا لأن النبيل لا يرضى بمنزلة إنسان رد الفعل، ولا يترك كل صغيرة وكبيرة تحركه وتدفعه إلى اتخاذ خطوات ليست نابعة من ذاته. وقد كانت هذه العلامة وثيقة الصلة بفلسفة المُلك في الحضارات القديمة،…
عدم التدخل على المستوى السياسي كان انعكاسا لمبدأ روحي أعلى وهو "وو وي" Wu wei (بالصينية: 无为)، وهو يعني انعدام الفعل، ولا يُقصد به انعدام الفعل ماديا، وإنما يقصد به حالة من التمامية الأنطولوجية التي تنفي الحاجة إلى الفعل، لأن الفعل يعني بالضرورة الحاجة والنقص. ومن هذا المنظور، النوع الوحيد من الفعل الجائز هو الفعل الذي يتم على المستوى اللاشخصي الفائق، كما ذكرت آنفا. ومن الجدير بالذكر أن المعرفة الحقة في التقاليد القديمة كانت تتطلب بالضرورة تحولا أنطولوجية على المستوى الفردي، بمعنى أن المعرفة ترقي صاحبها في هرمية الموجودات، وأعلى مراحلها، هي التحقق المذكور آنفا. بالطبع، لا توجد حاجة لذكر أن ماهية المعرفة المقصودة مناقض تمامًا لما نعنيه اليوم بالكلمة.


"أكدت تقاليد الشرق الأقصى بوجه خاص الفكرة التي مفادها أنه بترك النطاق البعيد عن المركز، من خلال عدم التدخل بصورة مباشرة، وعبر البقاء في المرتكز الروحي الأساسي (كمحور العجلة الذي يدفع حركتها)، فمن الممكن تحقيق "الفضيلة" التي تختص بها الإمبراطورية الحقة، حيث يحافظ الأفراد على شعورهم بالحرية ويسرى كل شيء بصورة منتظمة. إن هذا لأمر ممكن لأنه بفضل التعويض التبادلي الذي ينتج من المسار المستتر المتبع، فإن الاضطرابات الجزئية أو الإرادات الفردية ستساهم في النهاية في النظام العام. هذه هي الفكرة الأساسية الكامنة وراء أي وحدة حقيقية وأي سلطة صحيحة. على الضد من ذلك، أينما نرى في التاريخ انتصارا للسيادة والوحدة التي تترأس الكثرة فقط على نحو مادي ومباشر وسياسي – التدخل في كل صغيرة وكبيرة، إنهاء استقلال الجماعات الفردية، تسوية كل الحقوق والامتيازات بصورة شمولية، وتغيير وفرض إرادة مشتركة على جماعات اِثنية متباينة – آنئذٍ يستحيل أن تكون هناك سلطة إمبراطورية حقيقية إذ حينذاك لم نعد نتعامل مع نظام عضوي وإنما نظام ميكانيكي: هذا النوع (الميكانيكي) هو ما تمثله الدولة القومية والمركزية الحديثة على أتم وجه. حينما يهوي ملك إلى هذه المنزلة السفلى، أو بكلمات أخرى، حينما يقوم، بالتوازي مع فقدان وظيفته الروحية، بدعم الشمولية والمركزَة السياسية والمادية عبر تخليص نفسه من كل مسئولية تجاه السلطة المقدسة، وإهانة النبالة الإقطاعية، والاستئثار بالقوى التي كانت موزعة بين الأرستقراطيين، فهو كالباحث عن حتفه بظلفه."

https://multifariouswritings.blogspot.com/2022/02/blog-post_26.html?fbclid=IwAR0IVaEzEdvI0BCOxdc22I5WcC-p7V7PNY3qaxc81-G3LIKVepfaxTzwyYM
قرأت نصًا لابن المقفع الليلة الماضية يصف فيه أحد إخوانه، وهو رجل تحققت فيه معايير الرجولة الحقة وفقًا لما قدمه. وأنا على علمٍ بأن الكاتب غالبًا ما يضع معاييره في السماء ويؤكد صعوبة تحقيقها، ولما يراه فيها من ثِقَل ومشقة، يقول دائمًا أن أخذ القليل خير من ترك الجميع: هذا أسلوبه المعتاد. إلّا أن هذا الحد الأدنى الذي يفترض أن يتحقق في المرء ليقال عنه أنه رجل بمعنى الكلمة، يكاد يكون منعدمًا في وقتنا هذا. وليس هذا فحسب، وفقًا لما تمليه المعايير السائدة، التي تضع عبئًا هائلًا على كاهل الأفراد، يكاد يكون الرجل اليوم هو الضد المطلق لنموذج ابن المقفع.
فَإِذَا خَرَجَ النَّاسُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَمَلٌ أَصِيلٌ وَأَنْ يَقُولُوا قَوْلاً بَدِيعًا؛ فَلْيَعْلَمِ الْوَاصِفُونَ الْمُخْبِرُونَ أَنَّ أَحَدَهُمْ - وَإِنْ أَحْسَنَ وَأَبْلَغَ - لَيْسَ زَائِدًا عَلَى أَنْ يَكُونَ كَصَاحِبِ فُصُوصٍ وَجَدَ يَاقُوتًا وَزَبَرْجَدًا وَمَرْجَانًا، فَنَظَمَهُ قَلاَئِدَ وَسُمُوطًا وَأَكَالِيلَ ، وَوَضَعَ كُلَّ فَصٍّ مَوْضِعَهُ، وَجَمَعَ إِلَى كُلِّ لَوْنٍ شِبْهَهُ وَمَا يَزِيدُهُ بِذَلِكَ حُسْنًا، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ صَانِعًا رَفِيقًا. وَكَصَاغَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ صَنَعُوا مِنْهَا مَا يُعْجِبُ النَّاسَ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْآَنِيَةِ. وَكَالنَّحْلِ وَجَدَتْ ثَمَرَاتٍ أَخْرَجَهَا اللهُ طَيِّبَةً، وَسَلَكَتْ سُبُلاً جَعَلَهَا اللهُ ذُلُلاً؛ فَصَارَ ذَلِكَ شِفَاءً وَطَعَامًا وَشَرَابًا مَنْسُوبًا إِلَيْهَا، مَذْكُورًا بِهِ أَمْرُهَا وَصَنْعَتُهَا. فَمَنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ كَلاَمٌ يَسْتَحْسِنُهُ أَوْ يَسْتَحْسِنُ مِنْهُ، فَلاَ يَعْجَبَنَّ إِعْجَابَ الْمُخْتَرِعِ الْمُبْتَدِعِ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا اجْتَنَاهُ كَمَا وَصَفْنَا. وَمَنْ أَخَذَ كَلاَمًا حَسَنًا عَنْ غَيْرِهِ فَتَكَلَّمَ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ وَعَلَى وَجْهِهِ، فَلاَ تَرَيَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضُؤُولَةً؛ فَإِنَّ مَنْ أُعِينَ عَلَى حِفْظِ كَلاَمِ الْمُصِيبِينَ، وَهُدِيَ لِلاقْتِدَاءِ بِالصَّالِحِينَ، وَوُفِّقَ لِلْأَخْذِ عَنِ الْحُكَمَاءِ، فَلاَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَزْدَادَ؛ فَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ، وَلَيْسَ بِنَاقِصِهِ فِي رَأْيِهِ وَلاَ غَامِطِهِ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لاَ يَكُونَ هُوَ اسْتَحْدَثَ ذَلِكَ وَسَبَقَ إِلَيْهِ.

ــــ عبد الله بن المقفع
كان نيتشه محقا في عدم اختزاله للفرق بين السادة والعبيد في الأبعاد الاقتصادية على غرار التأويلات الماركسية التي ترد كل تقسيم طبقي إلى البنى الاقتصادية للمجتمع. وفقا لنيتشه، ينبع الفرق الأساسي من وجهة نظر محددة تجاه الحياة تخص فئة السادة، وهي غير قابلة للمساومة إطلاقا، بل ومن الضروري وجود تفرقة حادة بينها وبين طريقة العبيد في الحياة، من خلال التأكيد على دونيه هذه الأخيرة. وذاك أمر لا يجوز رده إلى عوامل بيولوجية فحسب، فالعبد لم يكن عبدا للون بشرته أو لشكله الذي هو أقرب للحيوانات من البشر، أو نحو ذلك، وإنما السبب الأساسي هو انحطاط نظرته للحياة، النظرة التي تنبع من العجز والضغينة والحقد والكراهية والحسد، وهي ما يتم إسقاطها في صورة مبادئ أخلاقية يستمد العبد قيمته من خلالها. قديما، تعرض كبار علماء العرب للقضايا المرتبطة بالحلم والعفو عند المقدرة، وشروطهما وما تنطويان عليه من مشقة على نفس الإنسان النبيل، فالحلم في أحيان كثيرة قد يكون مساويا للرضا بالذل والمهانة. وقد قالوا: "الشهرة بالملاينة والخير شر من الاشتهار بالغلظة والشر، لأن من عرف بالخير اجترأ عليه الناس، ومن عرف بالشر هابه الناس وتجنبوه." وقال يزيد بن معاوية لأبيه: "هل ذممت عاقبة حلم؟ قال: ما حلمت عن لئيم وإن كان وليا إلا أعقبني ندما، ولا أقدمت على كريم وإن كان عدوا إلا أعقبني أسفا." كان الحلم من أعلى مظاهر المروءة لدى العربي، فبه يتفاضل القوم، لتعلوا أسماء وتسفل أسماء، وتخلد أسماء وتنسى أسماء. إلا أنه في غير موضعه قد يستحيل إلى وسيلة للتسلط أو أداة للمزايدة تعلوا بها أصوات السفلة والسفهاء. كان يقال: من عرف بالحلم كثرت الجراءة عليه. وقال بعض السلف: الحلم ذل كله. هاهنا نجد أنفسنا بصدد قيمة تستحيل إلى مفسدة ما أن تخرج من إطارها المحدد، وهو أمر لا يقتصر على الحليم نفسه، لأنه إن كان حليما بحق، لن يجعل العائد معيارا في هذا الصدد، وإنما المقصود هو المفسدة الكلية الناجمة عن إخراج القيمة من سياقها. كأن الحلم في غير موضعه أشبه بغرس بذرة مقدر لها أن تطلع فوق الأرض بزهرها وريعها في بيئة منافية لظروف تكونها.
من الدوافع الوجيهة للعزلة الانكباب على الأمور الجسيمة التي تستلزم الانقطاع عن العالم والانشغال بها دون غيرها، كوّنها تستأثر باهتمام المنكب عليها فلا تبقي له طاقة للأمور الأخرى. وهناك من يفضّل العزلة لضآلة ما يعود عليه من الاختلاط بالناس، وهذا لا يصحّ وصفه بالانطوائي بتاتًا، لأن أسلوبه هذا ما هو إلّا نتيجة لانتفاء الاجتماع الذي هو أهلٌ له. خلافًا لذلك، المنعزل هو زبالة المجتمعات البشرية. وزِد على ذلك أن العزلة التي حوّلها أراذل الناس إلى مفخرة هي من النوع الذي يُفرض قسرًا، وليست عزلة اختياريّة تنبع من نفس المرء لأسباب وجيهة.