الميسر في تعزيز اليقين
7.06K subscribers
5 photos
1 video
5 files
54 links
قناة ننشر فيها مقالات وخلاصات من جديد إنتاج مشروع الميسر في تعزيز اليقين، وهو مشروع يهدف لإيجاد مادة شمولية ميسرة مؤثرة تناسب كل الفئات في تعزيز اليقين بالإسلام.
وقد بدأ النشر بمعدل مقال شهريا،وسنسرع عند انضمام المزيد من الكتاب المميزين. بإشراف @ttangawi
Download Telegram
(2/2)

🔹دلالة القيم المطلقة على وجود الله عز وجل🔹

فإذا كانت القيم بهذا الرسوخ والثبات، وكانت متجاوزة للرغبات الذاتية وتفاوت الثقافات، فما منشؤها؟ ومن الذي أودعها في الوجود؟

📍لا نستطيع أن نقدّم جوابا صحيحاً عن هذا السؤال المهم دون الإيمان بالله سبحانه خالقاً فطر الإنسان على هذه القيم, وذلك لما يلي:

1⃣ أولاً: تصوّر العالم بلا ربّ خالق تصوّر يختزل الوجود في المادة, والمادة لا شأن لها بالمعاني المطلقة والقيم, فلا معنى للخير والشر أو الحُسن والقُبح أو العدل والظلم في عالم المادة المجردة.

2⃣ ثانياً: أنّنا نجد أنّ تلك المعاني ضرورية في نفوسنا لا خلاف عليها بين عموم الناس، وبما أننا كائنات حادثة فلابد لهذه المعاني من مُحدِث أودع فينا فطرةإدراكها ضرورة على أنّها قيم مطلقة, ومهما التفتنا بحثاً عن مصدر غير الربّ سبحانه, لن نجد إلاّ النقص والحاجة والمحدودية, وفاقد الشيء لا يعطيه, فلا يمكن أن ننسب الإطلاق إلى المحدودية والنقص والتغير والقابلية للنقض والتعديل والاستدراك, فلا تصلح الظروف الاجتماعية ولا ابتكارات البشر في تفسير هذا الإطلاق, فهذه المعاني لا تتغير بتغير الظروف الاجتماعية كما وضحنا, ولا تتعرض للنقد والتعديل والإبطال كما يحصل مع القوانين التي يبتكرها البشر لمعالجة حاجاتهم وظروفهم الاجتماعية.

وإذا كان مودِع هذه القيم في نفوسنا لابد أن يتنزّه عن التقيد بالنسبيات والمحدودية، وذلك باتصافه بالكمال وتنزّهه عن النقص في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله, فليس ثمّة من يتّصف بذلك سوى الله سبحانه. فبلا وجود الربّ الحميد المتعالي عن النقص والتقييد والتغير, تكون هذه القيم مجرد ألفاظ جوفاء لا تعكس أي معنى ذي بال,ونفقد المعيار للحكم على الأمور,ويصبح إسداء الحقوق لأصحابها مساويًا للسلب والنهب والطغيان,وتصير الفضائل مثل الرذائل، وهذا لا يقول به عاقل.


💡 ومن هنا ندرك أنّ هذا الدليل –كشأن أدلة وجود الله سبحانه- يستلزم أيضاً كمال الله تعالى وتسبيحه وتحميده, وبدون ذلك لا يكون الإنسان إلاّ في تخبط وضلال, وصدق الله تعالى: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلاّ الضلال فأنّى تصرفون}.


————————————

🔁 روابط مشاركة المنشور :

تليجرام.
https://t.me/moyassaryaqeen/257
https://t.me/moyassaryaqeen/258


#دليل_القيم_المطلقة
#أدلة_وجود_الله
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
" لا يمكن لعقولنا أن ترضى بأن يقال لها: ما ترونه لا يوجد له سبب، هو هكذا وانتهى الأمر!
فكل شيء وُجِد بعد أن لم يكن موجودا لا بد له من سبب قد أدى إلى وجوده.
وهذا أمر بدهي لا يحتاج إلى إقامة الحجج
على صحته".

📝 دليل الخلق والإيجاد - المُيسّر في تعزيز اليقين.


--------------------------


لقراءة المقال كاملا، والتعرف على الدليل الأول من سلسلة مقالاتنا" دليل الخلق والإيجاد على وجود الله عز وجل" ، إليكم الروابط 👇

◀️ تليجرام.
https://t.me/moyassaryaqeen/218
عيد أضحى مبارك 🌿
أعاده الله علينا وعليكم وعلى أمتنا بالخير والنصر واليمن والبركات.

إخوانكم في مشروع الميسر لتعزيز اليقين 🌷
الدليل السابع من أدلة وجود الله عز وجل
🔹دليل الجمال🔹


🌿 يصعب على العابر من أي حقلٍ أو بستان تجاهل الراحة النفسية التي تشعره بها خضرة المكان وتوازن الألوان المحيطة به… فإذا توقّف ونظر في أوراق الأشجار رأى الجمال الكثير في تناظر كل منها حول خط الوسط وانتظامها، وفي تطابقها على الأغصان، وفي حوافها الهندسية المتقنة، وعروقها الناعمة الدقيقة وخضرتها الرائقة المثالية. كل هذا يحمل جمالاً لا يمكن إنكاره البتة. بل إن التأمل في جذع شجرة خشبي مكسور يظهر جمالاً وإتقاناً عظيمين. كيف تطابقت خطوط الخشب عبر السنين بهذه الدقة والروعة؟ كيف استدارت طبقات الخشب بهذا الشكل الفراغي المتناظر والمتباين بين عدة درجات من نفس اللون البني؟


🌿 ومن ذا الذي لا يأسره جمال السماء الصافية في الليل المظلم وقد امتلأت نجوماً وكواكب لا تحصى… إنه جمال يسطع في كل شيء؛ من الذرة إلى المجرة، وفي زرقة سماء الصيف إلى خضرة الربيع، مرورا بحمرة ورق الخريف، وجمال ندف الثلج.


🤍 نعيش في دنيا قد امتلأت جمالا، وما من مظهر من مظاهر ذلك الجمال إلا ويلفت نظر الإنسان، فإذا تأمله شعر بانجذاب إليه.. كأنه جزء منه قد انفصل عنه، والآن يعود إلى وطنه.. يتمنى كل منا أن يملك ذلك الجمال، أو أن يبقى فيه، فإن عجز عن ذلك احتفظ به في ذاكرته، ثم جعله كالسلاح في وجه الهموم والغموم!


إننا أمام دليل من أدلة وجود الله تعالى، يجمع الاستدلالُ به بين النظر العقلي، ورهافة القلب ورقة الحس…

فما هو الجمال؟ وما دلالة اشتراك البشر في حبه وتقديره؟ وكيف يدل الجمال نفسه على وجود الخالق الذي أبدعه…

———————————

🔹🔹 ما هو الجمال؟

🌿 قد يصعب تعريف الجمال من خلال الكلمات الجامدة، شأنه في ذلك شأن كثير من المعاني الملازمة للبشر.. فبعض المعاني الواضحة القريبة قد تكون الكلمات مبعدة لها عن النفس، أكثر من كونها مقربة.. ولكن يمكننا أن نقول هنا : إن من أهم معالم الجمال أن تتواجد في الشيء صفات الكمال الخاصة به.. أنماط متآلفة من النظام.. ألوان متناغمة.. أشكال متناظرة.. خطوط متعانقة.. وكلما زادت فيه صفات الكمال؛ ازداد جمالا وحسنا، وترك في النّفس البشریّة إحساساً بالإعجاب والبھجة والسّرور والدّھشة .

✍🏻 وفي هذا يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله:
«كلّ شىءٍ جماله وحسنه في أن یحضر كماله اللّائق به الممكن له، فإذا كان جمیع كمالاته الممكنة حاضرةً فھو في غایة الجمال، وإن كان الحاضر بعضھا فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر، فالفرس الحسن هو الذي جمع ما يليق بالفرس من هيئة، وشكلٍ، ولونٍ، وحسن عدْوٍ، وتيسر كر وفرٍّ عليه»، ويضيف الغزالي أن جمال المظهر أنماط متآلفة من النظام، فإن الفوضى قبح، وتناغم الألوان وتناظر الأشكال وتعانق الخطوط وتردد الأصوات وسباحة الأجرام جمال، إذ إن هذه الأمور كلها تثير في النفس بهجة الاستمتاع وتبعث في العقل تقديراً للمرئي.


———————————


🔹🔹الجمال حقيقة واقعية تشترك في تقديرها النفوس.

🌿 من المسائل التي ينبغي أن تكون واضحة عند الحديث عن دليل الجمال: أن الجمال قيمة تقدّرها النفوس لكونها حقيقة واقعية؛ فالأمور الجميلة هي جميلة حقا في الواقع.

ومن يريد أن تتضح له موضوعية قيمة الجمال، فما عليه إلا أن يتأمل أمورا:

▪️ أنّ الجمال ينبعث في النفس على إثر معان موجودة في الخارج، كالانتظام والتناسق والتناظر في الأشكال، ومع ذلك فالإنسان لا يحتاج لتكلّف الوعي بالجمال وفق خطوات معينة، بل إنّه بمجرد رؤية الجميل يداهمه الشعور بالجمال، فهو يندهش لإعجابه بحقيقة واقعية لم يتكلّف صنعها.

▫️جميع البشر يفهمون معنى مشتركا من مصطلحات جمالية كجميل ومبهج وأنيق، ممّا يدل على أنها تستند لشيء يتجاوز التجارب الذاتية الخالصة، وهو الجمال الموضوعي الخارجي.

▪️ أنّ ما يتفق الناس على جماله أكثر بكثير مما يختلفون فيه، واختلافهم أحياناً لا يعني انعدام قيمة تقدير الجمال عندهم، لأنهم لن يترددوا في تقدير جمال الشيء متى تبين لهم جماله.

▫️ الإنسان الذي كان يعيش في بيئة مدنية عمرانية تأسره الحقول الخضراء وتبهره الجبال الشاهقة.. وذلك أنّه يدرك حقيقة موضوعية خارجية لم تصنعها تنشئته وبيئته.

▪️ ولولا أنّ الجمال قيمة موضوعية لما كان هناك فرق بين الزهرة وبين قطعة الفحم، أو الأشكال الهندسية المتناظرة والخطوط العشوائية التي يرسمها طفل.

▫️أنّنا نجادل غيرنا بحرارة لإقناعه بما نعتقده في القيمة الجمالية العالية لمظاهر الطبيعة أو الأعمال الفنيّة، ونتّهم من لا يشاركنا ذلك أنه ضعيف الإحساس بالجمال؛ وذلك لأنّ الجمال حقيقة قائمة في الشيء.


يتبع ⬇️
١
🔹🔹الجمال في كل مكان.

نعم هذه ليست مبالغة.. الجمال مبثوث في كل ما هو حولنا، ولو أحسن الإنسان التأمل فيما حوله لأدرك ذلك، ومظاهر الاتساق والاتزان في الكون أكثر بكثير من أن تحصى أو تعد..

🌿 تأمل تغريدات الطيور في تدرجها وتداخلها.. لقد كشف علماء بارزون مهتمون بدراسة تغريد الطيور عن جمال أخاذ في هذه التغريدات.. إنها في كثير من حالاتها منتظمة.
ومن مظاهر هذا الجمال:
أن الطيور قادرة على إعادة التغريد بالنغمات نفسها، بعد مدة طويلة من تغريدتها الأولى.
وقادرة على تعلم تغريدات من طيور أخرى.
وبعضها قادر على إحداث صوتين مختلفين معا، من خلال مجموعتين من الأغشية.
وبعضها قادر على تقديم تغريدات ثنائية أو رباعية بين طيور عدة.


🌿 ومن مظاهر تجذّر الجمال أنّ وظائف بعض الأشياء تُؤَدى عن طريق جمالها، فهذه الألوان العجيبة في الأزهار تجذب النحل والفراش مع الرائحة الخاصة التي تفوح، فتقوم بنقل اللقاح لتنشأ الثمار، وهكذا الجمال الذي يجذب الحيوانات لبعضها لتؤدي وظيفة التكاثر.


🌿 كما أنّ وجود الجمال وشعور الإنسان به وانجاذبه إليه يساعد على اكتشاف وفهم قوانين الكون! حتّى قرّر بعض علماء العلوم الطبيعية أنّ الجمال مع كونه من دوافع الشغف العلمي يهدي للحقائق العلمية، لكونه جزءاً أصيلاً في بنية الكون في كل مستوياته، حتّى أنّه يلفت انتباه العالم لاكتشاف الحقيقة في المعادلات الرياضية التي يرى المختصون جمالا في صياغتها. ومن أمثلة ما ذكرنا ما قاله مكتشفو شكل الحمض النووي، فقد انجذب الفريق العلمي الذي اكتشف ذلك للشكل الحلزوني وشعروا بأنّ شكلاً بهذا الجمال لا بد أن يوجد لغاية! ثمّ تطابق ما اهتدوا إليه رياضياً مع ما أظهرته الأشعة !
ومن سمات جمال قوانين الكون البساطة والتناسق، ففيها جمال وجاذبية وأناقة وتناغم، ويتجلّى ذلك في ظاهرة التناظر التي تشكّل أهمّ السمات الأساسية للنظرية العلمية، وتواجه الباحث في هذا الكون من أصغر الأشياء في عالم الذرة إلى أبعدها في المجرات، وتثير حين يشهدها في مختلف أجزاء الكون الصغيرة والكبيرة والمتنوعة الدهشة والرهبة والإعجاب، وتدفع العقل لمحاولة فهم العالم البعيد من خلال العالم القريب، فالكون مرآة لبعضه، وهذا من أعظم أدلة وحدة خالقه سبحانه.


🌿 ومع هذه الفوائد للجمال في الأحياء والجمادات، إلاّ أنّ قدر الجمال الموجود في هذا الكون كثيرٌ ومتنوّع إلى درجة أنّ الإنسان يدرك أنّه لم يوجد لفوائد وظيفية أو علمية، بل إنّه وجد ليكون الوجود جميلاً.

🤍 وتأمل -مثلا- السماء الزرقاء المزينة بالنجوم، وجمال البدر في ليلة مقمرة، وتداخل الشفق الأحمر مع زرقة السماء وأشعة الشمس الذهبية في مشهد الغروب الذي يبدو وكأنه لوحة فنية تآسر القلوب وتسر الناظرين . تأمل وجود ملايين الأنواع من الزهور والورود.. تتباين ألوانها وعطورها، وكلها بديعة زاهية.. وكثير من مظاهر الجمال الخلابة في الكون مما ليس له فائدة وظيفيّة، وإنما خلقه الله عز وجل للزينة والجمال وإبهاج النفوس، حاملا رسائله لأولي الأبصار، دالا على خالقه وبديع صنعه واتصافه بالجمال جل جلاله، مذكرا بنعم المولى علينا؛ فمَن وضع فينا تقدير الجمال قد خلق الكون كذلك جميلا في كل ما حولنا، وهذا ما أرشدنا إليه القرآن، قال تعالى: ﴿أَفَلَم يَنظُروا إِلَى السَّماءِ فَوقَهُم كَيفَ بَنَيناها وَزَيَّنّاها وَما لَها مِن فُروجٍ . وَالأَرضَ مَدَدناها وَأَلقَينا فيها رَواسِيَ وَأَنبَتنا فيها مِن كُلِّ زَوجٍ بَهيجٍ . تَبصِرَةً وَذِكرى لِكُلِّ عَبدٍ مُنيبٍ﴾ [ق: ٦-٨]، فتبدأ الآيات بالنظر والتفكر، ثم بتقرير الجمال، لتنتهي بالتبصير والذكرى بالحقيقة الواضحة عن الخالق، والتي تستلزم إسلام النفس له بالعبودية والإنابة إليه.


يتبع ⬇️
٢
🔹🔹الجمال دليلٌ على الخالق الذي أبدع.

🌿 عرفنا مما سبق أنّ الجمال شيء زائد على مجرد إتقان وإحكام الشيء؛ فقد يكون الشيء متقنا ولكنه غير جميل، وقد يؤدي الشيء وظيفته بإتقان وعلى الوجه الأكمل وهو غير جميل، فوجود الجمال دليل إضافي على الخالق سبحانه، وهو يقوم على حقيقتين تقدم بيانهما، وهما:

وجود الجمال في الكون.
ووجود قيمة الجمال في النفس كمعنى مشترك لدى البشر جميعاً، مغروس فيهم من طفولتهم دون حاجة لتعليم.

فالحقيقة الأولى تدلّ على الخالق من جهة أنّه لابد من مبدع لهذا الجمال، فهو لا يأتي من كون يتكوّن من مجرد مادة وطاقة عمياء عشوائية لا تعرف الغايات ولا القيم، ففاقد الشيء لا يعطيه، بل يأتي الجمال عن غاية تكشف عن إرادة وحكمة بل وجمال.

والحقيقة الثانية تدلّ عليه من جهة أنّ وجود معنى الجمال في فطرنا يدل على أنّ هناك من أعطانا هذه الهبة، فهي مجدداً أمرٌ أكبر وأعظم مما يملكه عالم ماديّ عشوائي، ولا يمكن للمعنى أن يأتي ممّا لا معنى فيه، فالجمال قيمة شريفة تلاقي الحاجة في نفوسنا لما هو أكمل، تلك النفوس التي لا تزال في تطلّع للأكمل لا يسكّنه إلاّ الإيمان بالله الحميد الذي له كل الحمد والكمال، وهو أعظم كمالاً وجمالاً من باب أولى من كل ما نشهده في أنفسنا وفي الآفاق.


🌿 إن الجمال تعبير عن معاني الكمال في الذات الإلهية، والجمال أحد أركان الجلال.. والجلال منتهى الحسن والعظمة؛ وهو قائم على ركنين اثنين: الكمال والجمال؛ فالكمال بلوغ الوصف أعلاه، والجمال بلوغ الحسن منتهاه، يقول الله تعالى: ﴿تَبارَكَ اسمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ وَالإِكرامِ﴾ [الرحمن: ٧٨].

🌿 ومن ثم يوجه القرآن النظر إلى جمال السماوات بعد أن وجه النظر الى كمالها ﴿تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ طِباقًا…﴾ [الملك: ١، ٢]، ثم قال: ﴿وَلَقَد زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنيا بِمَصابيحَ﴾ [الملك: ٥]، وما ذلك كله إلا لأن إدراك جمال الوجود، هو أقرب وسيلة وأصدقها لإدراك جمال خالق الوجود؛ فكما دل الخلق على وجوده وقدرته تعالى، فقد دل جمال الخلق على جماله سبحانه وتعالى، فيكون بذلك العلم بالجمال بعض حقيقة الإيمان بالله عز وجل.
✍🏻قال ابن القيم رحمه الله:
«ومن أسمائه الحسنى: الجميل؛ ومن أحق بالجمال ممن خلق كل جمال في الوجود؟ فهو من آثار صنعه؛ فله جمال الذات، وجمال الأوصاف، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء؛ فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها كمال، وأفعاله كلها جميلة… فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات، ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات، فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات».

لماذا تسحرنا الطبيعة الخلابة؟ لماذا يقف الناس طويلاً متأملين سكون البحر؟ لماذا نشعر بفرح غامر حين نتأمل وجه طفل رضيع؟ لماذا تسعدنا الابتسامة؟ ما حاجتنا لهذه القدرات؟ ومن الذي أودعها فينا؟


🌿 إن الإحساس الجمالي في الإنسان حركة عاطفية في الروح، وشعور بالفرح والطمأنينة، وهو ينتشر في عمق النفس متصلاً بدواخلها النفس.

🌿إن قدرتنا على استشعار أنواع مخصوصة من المتعة من ألوان وأشكال وأصوات مخصوصة لمن أدل الأمور على وجود الخالق القدير.. لقد خلقنا الله لا لنعيش ونموت فحسب، فقد أعطانا القدرة على استشعار نعمه الدنيوية علينا لتتوق أنفسنا لجنته ونفهم وصفه لها في كتابه الكريم، وأعطانا الجمال في الوجود واستشعاره والاستمتاع به بما يزيد عن حاجتنا للبقاء؛ لأنّ المطلوب منّا هو أكبر من مجرد البقاء على قيد الحياة، واسأل عن ذلك نسائم العطور التي يكفينا عنها مجرد الهواء، وألوان الزهور التي تكفينا عنها حقول الأطعمة الأساسية، وجمال المشاهد المتنوعة وأصوات تغاريد الطيور، كلها تخبرك كيف تفضل الخالق العظيم بإشباع كل حاسةٍ في الإنسان.
✍🏻 قال ابن القيم رحمه الله:
«أما الجمال الظاهر فزينة خص الله بها بعض الصور عن بعض؛ وهي من زيادة الخلق في قوله تعالى ﴿يَزيدُ فِي الخَلقِ ما يَشاءُ﴾ [فاطر: ١]».

يتبع ⬇️

٣
🔹🔹 القرآن الكريم يحدثنا عن الجمال

🌿 لقد جاءت في القرآن الكريم آيات عدة ترشدنا إلى التأمل في مظاهر الجمال والعناية بها.. تأمل قوله تعالى: ﴿الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ طِباقًا ما تَرى في خَلقِ الرَّحمنِ مِن تَفاوُتٍ فَارجِعِ البَصَرَ هَل تَرى مِن فُطورٍ . ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَينِ يَنقَلِب إِلَيكَ البَصَرُ خاسِئًا وَهُوَ حَسيرٌ﴾ [الملك: ٣-٤]، فالبصر سيرجع بعد رحلته وقد أصابه الإعياء ولم يجد عيبًا، وقد أكد الله تعالى ذلك في قوله: ﴿أَفَلَم يَنظُروا إِلَى السَّماءِ فَوقَهُم كَيفَ بَنَيناها وَزَيَّنّاها وَما لَها مِن فُروجٍ﴾ [ق: ٦]، فالخلل والتناقض منفي عن صنع الله الذي أتقن كل شيء.


🌿والجمال الذي خلقه الله تعالى في الكون يراه العبد كل لحظة، وفي كل مكان؛ فيرى السماء ونجومها وكواكبها ﴿إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنيا بِزينَةٍ الكَواكِبِ﴾ [الصافات: ٦]، ويرى الأرض وما فيها من أنواع الجمال ﴿إِنّا جَعَلنا ما عَلَى الأَرضِ زينَةً لَها﴾ [الكهف: ٧]، ويرى الإنسان جمال صورته ﴿وَصَوَّرَكُم فَأَحسَنَ صُوَرَكُم﴾ [غافر: ٦٤]، ويرى الجمال والزينة فيما سخره الله تعالى له ﴿وَلَكُم فيها جَمالٌ حينَ تُريحونَ وَحينَ تَسرَحونَ﴾ [النحل: ٦].


🌿 وينتظم جمال الخلق كله في قوله تعالى ﴿صُنعَ اللَّهِ الَّذي أَتقَنَ كُلَّ شَيءٍ﴾، [النمل: ٨٨]، وقوله تعالى ﴿الَّذي أَحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧].

وبعد ..
فإن أثر تقدير الجمال وإدراك دلالته عظيمٌ على المؤمن، ولذا نجد أنّ القرآن يلفت أبصارنا إليه ليرفع به مستوى الإنسان، ليكون ذواقا لما في آفاق الأرض والسماء من نواحي الجمال، فينظر إلى الكون على أنه هذه الصفحة التي يتجلى فيها الجمال الإلهي.. فالمؤمن إذن يعلم أن الجمال دليل على قدرة الخالق العظيم… دليل على جماله عز وجل .. دليل على رحمته سبحانه.. يستثير وعي الإنسان ليستدل به على الخالق وصفاته..

🌿ومن الآثار المترتبة على تقدير الجمال وإدراك دلالته:

▪️يمتلك المؤمن -من خلال ذلك- نظرة متسقة للكون والحياة؛ فالجمال بما فيه من إبداع داخل في إيمانه بوجود خالق حكيم عليم.. على كل شيء قدير.

▫️يلاحظ المؤمن آثار كمال الخالق من خلال مخلوقاته؛ فيرجو رحمته، ويتعلق قلبه به سبحانه.

▪️ يتحصل المؤمن على نظرة متفائلة للحياة؛ من خلال إدراكه أن الجمال هو الغالب على هذا الكون، وأنه هو الأصل، وأن غير ذلك استثناء يكون لحكمة بالغة.. بل إنه يعلم أن هذا الاستثناء القليل دليل على غلبة الأصل الجميل، فبضدها تعرف الأشياء.

▫️المؤمن هو الذي يقدر الجمال حقا؛ فإنه يؤمن بواهب هذا الجمال، فيراه قيمة حقيقة أصيلة.. ويجد في ما يعتقده من الإيمان بالله تعالى وصفاته، وما يشهده في مخلوقاته وتشريعاته الحكيمة اتّساقاً وتعزيزاً لهذه القيمة.

▪️ يتفكّر المؤمن بعقله في غاية وجود الجمال وكثرته وعظمته في الخلق، ولا بد له بذلك من شهود حكمة الرب، ثمّ يتفكّر في كثير من صور الجمال -كجمال السماء البعيدة- الذي لا تبدو له فائدة وظيفيّة، وإنما هي آيات ورسائل تهز الوجدان وتأسر الألباب ﴿سَنُريهِم آياتِنا فِي الآفاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ﴾ [فصلت: ٥٣].


--------------------------------



#الإيمان_بالله عز وجل
#دليل_الجمال
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
٤
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الدليل الثامن من أدلة وجود الله عز وجل
🔹 دليل الإرادة الحرة 🔹


1️⃣ وجود الإرادة الحرة حقيقة لا شك فيها


🌿 لنتأمل معا حال أسير مكبل بالقيود، يحاول القيام فلا يستطيع، ويحاول تحرير يديه فيصطدم بالقيود ملتفة حولها.. كلنا يدرك -كما الأسير- أن تلك القيود تمنعه من ممارسة شيء يتسق مع طبيعته كإنسان عاقل، وتحجزه عن أن يكون إنسانا طبيعيا يتحرك كيف شاء.. نعم، إنه يحاول أن ينفذ إرادته، ولكنه مقيد بتلك القيود التي يعلم يقينا أنه لولاها لتحرك وتحرر .. يعلم ذلك يقينا لأنه يدرك أنه إنسان لديه إرادة حرة.

🌿 ونحن البشر نتعامل معا على هذا الأساس:
كل إنسان مسؤول عن تصرفاته لأنه يفعلها بإرادته، ولا يجبره عليها أحد، ولذلك فإننا نكرم المحسن، لعلمنا أنه يحسن بإرادته. وكذلك نعاقب الجاني، ولا نقبل منه ادعاء أن جوارحه تصرفت رغما عنه.. ولولا هذا الأساس الوجودي لاختل نظام الحياة، ولما أُكرم صاحب إحسان، ولا عُوقب مجرم ظالم.

🌿 إن الوعي بهذا الإحساس لا يخفى حتى على ذلك الطفل الصغير المعاند، الذي يقطب جبينه، وينكس رأسه، ويصر على ما يريد فعله !

هذه الأمثلة وغيرها تبين أن الإرادة الحرة هي جزء من وعي الإنسان وشعوره بذاته، لأنها تتعلق بذلك الإحساس الفطري، الذي لا يملك عاقل دفعه عن نفسه ولا يمكن له إنكاره .. ذلك هو شعورك أيها الإنسان بأنك حر في تصرفاتك، مختار لأفعالك، تتحرك إذا شئت، وتتكلم إذا أردت، وتأكل وتشرب تبعا لرغبتك..
تحدد أهدافك وفق رؤيتك، وتسعى إلى غاياتك بدافع من نفسك، وتتخذ قراراتك بما يمليه عليك فكرك.. فأنت حي مسؤول ولست بدمية لا إرادة لها ولا اختيار ولا قرار…

🌟 ومن هنا كانت الإرادة الحرة ضرورة عزيزة على الإنسان لا يسمح لأحد أن يعتدي عليها.. إنها مكون أساسي من مكونات وجدانه وعاطفته.. وكم مدح الناس -قديما وحديثا- الأبطال، وذموا الجبناء، ورفعوا العظماء.. وليس ما بينهم من التفاوت إلا إرادات وهمم ومقاصد واختيارات.

————————————————

🔹🔹 حقيقة الإرادة الحرة.

🌿 الإرادة هي التي تحرك العزم على إيقاع فعل ما، وهذا يشترك فيه كل الأحياء، ويتميز الإنسان عن الحيوان بقدرته على عدم الانسياق لغرائزه دون بصيرة عقلية، لأنه واعٍ بمخرجات الأمور وملابساتها وعالم بمآلاتها، وله تصورات لما يدفعه إلى الفعل ولما يمنعه عنه، فيختار مما يَعرِض له من البدائل أو الاختيارات الأخرى ما يترجّح لديه حسب غاياته ومقدوراته، فمن يضرب يعلم أن الضرب يؤلم، فلا يُنزله إلا على من أراد تأديبه، كذلك من ينطق بالكلمة يدرك تأثيرها على النفس وأثرها فيها ، فيختار الطيب منها إذا شاء، ويجتنب غيرها.

🌿 والإرادة الحرة هي التي يتميز بها حال حضور العقل عن غيابه، ولذا نفرق بين من يمشي واعياً ومن يمشي في نومه.

🌿 ومن أهم الشواهد التي توضح حقيقة وجود إرادة حرة لدى الإنسان: أنه يفرق بين الأفعال التي يملك قرارها، وبين الأفعال التي يضطر إليها ولا يملك قرارها؛ فإنه يعلم يقينا الفرق بين نبضات قلبه وتدفق الدم في عروقه دون إرادته، وبين قيامه وقعوده بإرادته، كما يدرك الفرق بين ما يجري عليه قدرا كخلقه ذكرا أو أنثى دون اختيار منه وبين أن يكون إنسانا صالحا أو فاسدا بموجب أفعاله بقصد منه . ومن هنا كان عقد النية على فعل معين من معايير الحكم على هذا الفعل من حيث المدح والذم، ولذلك قال الرسول ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى…»، لأن أفعال الإنسان الاختيارية تعبّر عما انْطَوت عليه نيته وقصده، ولا يكون هذا في الأفعال الاضطرارية .

————————————————

🔹🔹 لولا الإرادة الحرة!

🌿 أول ما يخسره الإنسان إذا تنكر للإرادة الحرة هو ذاته، لأنه بذلك يخالف فطرته، ويغطي عقله، ويتنكر للغاية من وجوده، مما يضع حياته وحياة البشرية في خطر عظيم، بل ويهبط من منزلته العالية التي نالها بتكريم الله عز وجل له وبالاصطفاء بالتكليف والعقل والإرادة الحرة إلى منزلة الجمادات والحيوانات، فالإرادة الحرة لا يتوقف دورها عند حدود الحركة الاختيارية الاعتيادية من سكوت أو كلام أو جلوس أو قيام، وإنما يتعدى ليبلغ مقام التكليف والقدرة على الطاعة والمعصية واتباع الحق أو الباطل. {أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم}.


يتبع ⬇️
١
🌿 فلو كان الإنسان مجبرا على فعله كالآلة، فلماذا يحاسب؟ وما قيمة وجود ما يضبط أفعال الناس حينئذ؟ بل إن إنزال الثواب والعقاب على الناس حينها يكون من أبطل الباطل، وحينئذ تكون حياة الناس فوضى.. لا أمل في إصلاحها أو تحسينها، والقتل والظلم والنهب متوقعاً ومقبولاً في كل حين.
لكن من ينظر نظرة خاطفة من حوله يعلم أن هذا وهم لا يستطيع البشر تحمل تبعاته، ولذلك فإننا نرى المجتمعات تنضبط ضمن نُظُم، ونرى مديري الشركات يلزمون موظفيهم بالقدوم للعمل في ساعاته، ونرى الناس يمدحون المتفوق ويذمون المهمل، ويستحسنون الإنجاز ويبغضون الكسل، ويثنون على الخلوق ويتجنبون البذيء.. كل ذلك لأن حرية إرادة الإنسان سبب في خروج أفعاله إلى حيز الوجود عن قصد واختيار.

————————————————

2️⃣ الإرادة الحرة دليل على وجود الله عز وجل

🌿 لا يوجد عاقل يسوغ أفعاله الشنيعة بأنها صدرت رغما عنه كما تصدر حركاته الاضطرارية، وإلا كان الإنسان كالحاسوب أو الرجل الآلي .. ومهما أتقنا هذه الآلات المادية الجامدة، فإننا لا يمكن أن نخلق فيها ما هو خارج عن طبيعتها كحرية الإرادة،بل ولا يمكن أن نتصور وجود علاقة بين أجزاء الحاسوب المادية وبين الإرادة الحرة.. فما بالنا لا نعجب للإنسان ومكوناته الجسدية لا تختلف عن سائر الحيوان ولكنه يسمو عليها بهذا المكون الغريب الذي لا علاقة له باللحم ولا بالدم، ولا بالحديد، ولا بغيره من الجماد!

ومالنا ألا نعجب ونتساءل..
ما مصدر الإرادة الحرة !؟

ولنتأمل ونتفكر..
من الذي ميز الإنسان بهذه الخصائص وما الغاية والحكمة من هذا التمييز !؟




✖️ لا يمكن أن يهبها الإنسان لنفسه .

🌿 الإرادة الحرة متجذرة في النفس البشرية لا يمكن للإنسان أن يتجرد منها؛ فهي ليست خيارا "يفعله" إذا شاء، ويعطله متى شاء.. ولما كان الإنسان عاجزا عن ذلك فإنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون هو مصدرا لها، بل يجب أن يكون مصدرها متصفاً بالقدرة، متعاليا عن عجز البشر.

🌿 ولا يمكن أن يكون الإنسان مصدرا للإرادة الحرة؛ لأن إرادةَ إحداث هذه الإرادة في النفس يجب أن تسبقها إرادة قبلها، وهذه الأخرى يجب أن تسبقها إرادة غيرها، وهكذا إلى ما لانهاية.. وهذا التسلسل غير المتناهي مستحيل عقلا! ولا بد أن يبتدئ إنشاء هذه الإرادة من له إرادة تتصف بالكمال، فلا يعتريها نقص ولا يسبقها عدم، ولا يتصوّر أن يتّصف بكمال القدرة والإرادة إلاّ من يتّصف بكمال العلم والحكمة .. كلّ ذلك لا يتّصف به إلاّ الله تعالى، الأوّل الذي لم يلد ولم يولد، فهو القدوس السلام المتنزه عن النقص، الغني الذي لم يفتقر ولا يفتقر لغيره أبداً.



✖️ ولا يمكن أن يكون مصدرها الدماغ وحده.

🌿 فتصوُّر أنّ العقل مجرّد مكونات تشريحيّة ماديّة لا يمكن أن يتّسق مع معنى الإرادة الحرّة، والخلايا العصبية التي تنقل الإشارات الكهربائية والنواقل الكيميائية العصبية، لا تمثّل الوعي بمجرّدها كما سبق في دليل الوعي (اضغط هنا للاطلاع عليه) ، ولا يمكن أن تُتصوّر الإرادة بلا وعي.

🌿 بل إننا إذا تأملنا تحركات الإنسان وراقبنا تلك الخطوات المتسلسلة التي تؤدي إلى اختياره لفعله ازداد عجبنا؛ فهي عملية اختيار معقدة، تدخل فيها عوامل عدة؛ فالإنسان يرجح بين ما تمليه غريزته وما يمليه عقله، وقد يراعي عدم إلحاق الضرر بالآخرين بسبب ما يتخذه من قرارات.. وقد يرجح التزاماً بعوامل خارجية، من عرف سائد أو دين متبع.. وفي هذه الخاصيّة يتجلى نور الإيمان عندما يخالف المؤمن كل إرادة تعارض الشرع، وقد قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾.

يتبع ⬇️
٢
✖️ ولا يمكن أن يكون مصدرها الجينات الوراثية.
وكذلك لا يمكن أن تكون الجينات والوراثة هي مصدر الإرادة؛ لأن اخترال الإرداة الحرة في معلومات وراثية يجعلها غير موجودة حقيقة، وقد أثبتنا في الجزء الأول من المقال وجودها وإدراكنا لهذا بالضرورة، كما أن الإنسان يمكنه اكتساب عادات وتعديل سلوكيات مما يبطل ربط سلوكه وفعله بجينات لا يمكنه الانفكاك عنها، ثم من ركّب الجينات في الإنسان الأول إذاً؟!


✖️ولا يمكن أن يكون مصدرها المادة .
فالمادة جامدة لا حياة فيها ولا وعي ولا إرادة، وفاقد الشيء لا يعطيه، والوعي والإرادة والإدراك وغيرها من مكونات النفس وخصائصها هي معان متجاوزة للمادة التي نعرفها



الإرادة الحرة تدل على الخالق عز وجل وصفاته .

🌿 يلزم ضرورة أنّ هذه الإرادة مصدرها متعالٍ عن كلّ نقص، متّصف بكل كمال، جعل هذه الإرادة في النفوس بمشيئته وعلمه وقدرته وحكمته؛ ليجعل للحياة هدفا ساميا وغاية بالغة أرادها سبحانه، وتتجلى عظمة الباري في إبداع هذه النفس وما حَوت، وصنعة الإتقان فيما ظهر منها وما طوت، وما زالت من الأسرار في العلوم الحديثة وإن حاموا حولها، ﴿فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالقِينَ﴾.

🌿 وإذا علمنا أن الإرادة الحرة عامّة لكل نفس إنسانية، وأنها ليست خاصة بزمان دون آخر، ولا بقوم دون قوم، وأنها لا تخضع للتفسير المادي المجرّد؛ لأنها خارج نطاق المادة الصمّاء التي لا إرادة لها.. فلا يكون المُودِع لهذه الإرادة إلا مُتعاليا عن المادة، مريدا وقادرا؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، والناقص أنّى له أن يهب الكمال لغيره؟

🤍 وبهذا يكون وجودها دليلا على وجود الخالق القادر البديع القدّوس المنزّه عن قصور المادة سبحانه، الذي يريد ويفعل بإرادة وقدرة مطلقتين.


🌿 وكذلك يلزم أن يكون خالق هذه الإرادة عليما بنفس الإنسان، وبما يصلح له في كل زمان ومكان، ومن أعلم ممن برأ النّسمة، وخلق الإنسان ﴿خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾، وهو القائل جلّ مِن قائل: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾..


🌿 وكذلك لا يكون إلا حكيما؛ لأن هذه الإرادة إنما جُعِلت في مكنون النفس لأجل غاية، قال الحكيم العليم: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾،فالله قد خلق الخلق لعبادته، وجعل الدنيا قنطرة عبور واختبار، ومقتضى حكمته وعدله سبحانه أن جعل لهم الاختيار، قال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيْمَ﴾، فيثيب من أطاع برحمته، ويعاقب من عصى بعدله، ويتجاوز تعالى عمّن يشاء بفضله.


🌿 وهذه الصفات: الإرادة والقدرة والعلم والحكمة والخلق هي من لوازم الحياة، فلا يكون المتصف بها إلا حيّا، ولله كمال الحيّاة، فهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وَ ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾..

🌟 فدّلت الإرادة إذاً على وجود فاطرها المتصف بصفات الكمال والجمال والجلال.. وهكذا نجد أنّ إمعان النظر في النفس ومواردها والتفكر فيها؛ كاف في هداية الناس إلى بارئهم الحق، وصدق عزّ وجلّ: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾.


--------------------------------


#الإيمان_بالله عز وجل
#دليل_الإرادة_الحرة
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
٣
🌿 بين هجرة أسماك السلمون وإتقان النحل الدؤوب، مرورا بحيوان القندس المهندس النجيب ولوحات الأسماك الفنية؛ سنجوب معا في مقالنا الجديد، ونتأمل العجائب في سلوكيات المخلوقات؛ لنتعرف على دلالة "الغرائز " على وجود الله جل جلاله، وكيف نهتدي بتأملها لصفاته سبحانه وتعالى .

الدليل التاسع من أدلة وجود الله عز وجل
🔹دليل الغرائز 🔹

لقراءة المقال ⬇️⬇️⬇️

----------------------




🔁 روابط مشاركة المقال :





◀️ تليجرام.
https://t.me/moyassaryaqeen/273
https://t.me/moyassaryaqeen/274
https://t.me/moyassaryaqeen/275



فيس بوك.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2664943460474551&id=2204066486562253&sfnsn=scwspmo


تويتر .
https://twitter.com/moyassaryaqeen/status/1365016127391301639?s=19



#الإيمان_بالله عز وجل
#دليل_الغرائز
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
الدليل التاسع من أدلة وجود الله عز وجل
🔹 دليل الغرائز🔹


🌿 من الذي علم الرضيع أن يلتقم ثدي أمه حال قدومه إلى هذا العالم الغريب؟
• مَن الذي أرشد أسماك السلمون أن تسافر من نهر لآخر في موسم تكاثرها؟
• كيف عرفت ذكور البطريق أن عليها أن تلصق بيوضها بأرجلها شهرين كاملين لئلا يتجمد جنينها حتى الموت؟ ولماذا تتمسك كل الكائنات الحية بالحياة؟
• مَن علم النحل بناء بيوت سداسية بمقياس موحد في العالم كله، وكأنه تعلّم أن السداسي هو ما يعطي أكبر فراغ بأقل كمية من مواد البناء؟ ومن علّمه بناء مخازن الشمع بأسقف مكتومة وبناء بيوت اليرقات بأسقف نفاذة للهواء، ولو عُكسا لماتت اليرقات ولتلف العسل؟
• مَن علم الطائر أبو نقار أن يحفر وكره في النهر مائلا إلى الأعلى؛ ليمنع الضغط الجوي الموجود بالوكر وصول المياه للبيض الموجود في نهايته فيحافظ عليه، وكأنه يعرف قوانين الفيزياء !؟
• هذه البعوضة التي تضع بيضها في مجموعات على شكل قارب يمكنها من الطفو وكأنها على علم بقوانين الطفو والغوص، مَن هداها لهذا ؟
ومَن هدى الطفيليات كالبلهارسيا لحظة خروجها من البيض للعائل الذي لن تعيش إلا فيه، فتذهب إليه وكأنها تعرفه بدقة ؟

🌿 كثيرة هي تلك الميول الموجودة في الكائنات الحية منذ لحظة ولادتها الأولى، وكلما تأملنا أكثر تكشف لنا المزيد من التصرفات والتوجهات التي تبهر العقول، فالأم مستعدة للتضحية براحتها وحياتها في بعض الحالات من أجل وليدها، والعصفور يخرج الطعام من فمه لإطعام صغاره معرضا عن حاجته هو للغذاء، والنحل يصنع من العسل ما يضطره للعمل بدأب واجتهاد رغم عدم حاجته لكل ذلك الإنتاج.

⭐️ تلك النزعات وغيرها من النشاطات الموجهة عرفت علميا باسم الغرائز، ويمكن تعريفها بأنّها ميل في الكائن الحيّ إلى سلوكيات غير مبنية على تجربة سابقة أو تعلّم.
--------------------

🔸مصدر الغرائز في الكائنات الحية 🔸


✖️الغرائز لم تأتِ من التجربة أو التعلم .

🔸 الرضيع الذي لم يجرب شيئا في العالم إلا رحم أمه يميل للقرب من والدته ويهدأ بمجرد أن يشعر بدفئها ورائحتها، والسلاحف البرمائية تدفن بيوضها على الشواطئ ثم تعود إلى المياه، حتى إذا فقس البيض وخرجت الصغار إلى الحياة نجدها تتوجه فورا وبشكل تلقائي إلى بيئتها المائية التي تنتمي إليها دون سابق عهد لها بها ولا سابق تعلم ولا تجربة، مما يدل على أن الغرائز غير مكتسبة من تجارب أو خبرات أو بالتعلم.

🔹ومما يؤكد هذا أن الغرائز توجد في الكائنات التي ليس عندها قدرات عقلانية تساعدها على جمع المعلومات وربطها وتحليلها ومعرفة الصائب منها الذي يحفظ حياتها من الخاطئ الذي يدفعها للهلاك، فوجود الغرائز في هذه الكائنات وتعقيد نظمها ودقة نتاجها دليل على أن مصدرها ليس التعلّم أو التجربة. وخذ مثالا على ذلك: السمكة المنتفخة الصغيرة، فهي تقضي سبعة أيام في عمل دؤوب ترسم لوحة خلابة غاية في الدقة والإتقان في رمال قاع المحيط لتجذب الأنثى إن رأتها من بعيد للتزاوج^[١].

--------------------

إلى ماذا تشير الغرائز ؟
🌿 تشير الغرائز إلى وجود العناية والدقّة والغاية والحكمة.


✖️ ويستحيل إرجاع ذلك إلى مجرد المادة،
• إذ كيف لطبيعة غير عاقلة ولا واعية ولا مريدة أن تنتج هذه الخطط المتقنة المنظمة التي قد تفيد الكائن نفسه وقد تودي بحياته في سبيل إنقاذ غيره؟
• وأنى للصدفة أن ينتج عنها كل هذا الفعل المتقن بلا فاعل مختار مريد متصف بالعلم والقدرة (انظر دليل الإتقان، ودليل الخلق والإيجاد)!

• ومَن الذي جعل في الكائنات غرائز تشبه نظام تشغيل بالغ التعقيد؟ ومن الذي هدى كل كائن لما يناسب طبيعته وحاجته وحاجة من يحيط به من الكائنات؟

• بل إن الإيثار والتضحية بالنفس التي نراها في صور من غرائز الكائنات الحية - كتضحية النحلات بأنفسهن في سبيل حماية ملكتهنّ - تعارض بصورة كلية منطق التفسير المادي القائم على الصراع للبقاء وعدم قيام الكائن الحي بما ينافي حاجة نجاته هو، بل إن هذه التفسيرات المادية المرتبطة بالصراع والبقاء تفقدنا المعاني الراقية وراء كثير من هذه الغرائز، كالرحمة والشفقة وغيرهما.



✖️ ولا يمكن اختزالها في برنامج داخلي في الكائن الحي، بل في بعض صور الغرائز إشارة واضحة إلى الإلهام والتوجيه ممن يعتني بالكائن.

وتأمل فيما يلي :

▫️تأمل
في الغرائز التي تحتاج إلى علم بأمور خارجية مثل اتجاهات الرياح وفصول السنة ودرجات الحرارة والتفرقة بين الأماكن بدقة، والعلم بالظروف المناخية والبيئية اللازمة لمعيشة الكائنات الحية أو الضرورية لوضع بيضها أو خروج صغارها منه، وغير ذلك من أمور تحتاج إلى علوم وقدرات لا تمتلكها هذه الكائنات الحية غير العاقلة مما يشير إلى وجود عناية خارجية وإلهام لها.

يتبع ⬇️
١
• وتأمل في الكائن الحي الذي يهاجر لمسافات طويلة تصل أحيانا لآلاف الأميال، ويبدأ هجرته في وقت ثابت محدد سالكا طريقه الطويل الذي يبدو وكأنه يحفظه ويعرف وجهته، ليصل لمكان بعيد في الكرة الأرضية يحمل ظروفا مناخية مناسبة له بدون أن يجرب أماكن أخرى ويتيه ويتعب في البحث عن المكان المناسب له، وبدون أن يضل عن مكان هجرته، رغم أنه إذا انحرف في رحلته الطويلة بمقدار بسيط جدا عن مساره لوصل لمكان آخر تماما، ثم يبدأ طريق العودة في وقت منضبط ليرجع لنفس مكان هجرته الذي ابتعد عنه بآلاف الأميال.
فمَن الذي هداه إلى الهجرة في هذا الوقت ومن هداه إلى مكان هجرته الذي يناسبه ؟ ومن الذي هداه للطريق الطويل الوعر؟ ومن هداه لوقت العودة للرجوع إلى مكانه الأصلي وعلمه أين هو؟

• ونضيف على ما سبق ما نجده في الكائنات الحية من قدرة على التكيف سلوكيا وتغيير بعض صفاتها وطرق معيشتها إذا تغيرت بعض الظروف الخارجية المحيطة بها، وكل هذه أمور تشير إلى الرعاية والهداية ممن يتصف بالقدرة والعلم والحكمة.


▪️ وتأمل أيضا في تلك الغرائز التي لا علاقة لها بما يحتاجه الكائن الحي نفسه، وإنما بما يحتاجه غيره ومن يعيش معه في بيئته الخارجية من كائنات حية، كإنذار طائر الأوكسبيكر لبعض الحيوانات إذا رأى من يريد افتراسها، فمَن الذي هداه لهذا الفعل؟ ومَن الذي سخره ليحمي غيره من الحيوانات عناية بها وحفظا لها !؟

▫️ وتأمل في بعض الغرائز في كائنات عقيمة لا تورث صفاتها لغيرها كالنحلات الشغالات، ولها أفعالها المذهلة في مملكة النحل فطرة وبداهة، كرعايتها لليرقات وتضحيتها، ثم هي تموت ولا تورث هذه الغرائز لغيرها، وأمهاتها الملكات تعملن وظائف أخرى تماما !

⭐️ فكل ما سبق يشير بالضرورة إلى ارتباط الغرائز عند الكائنات الحية بنوع من الهداية والتوجيه والإلهام لا يكون إلا من فاعل مختار.


ثم على فرض اختزالها في مكونات داخلية مبرمجة - رغم بعد هذا التفسير لما أشرنا له- فمَن الذي أوجدها ؟ ومن الذي ركبها في كل كائن بما يناسبه وما يحتاجه بهذا التعقيد البالغ؟
فهذا الاختزال لا يمكن أن يُكتفى به كتفسير لمصدر الغرائز ونشأتها، فهي مفتقرة لخالق متصف بالعلم والإرادة والقدرة، ركب هذه الغرائز في الكائن الحي بقدرته وعلمه السابق، وهداه برحمته إليها.

—————————————————

🔸🔸 الغرائز مصدرها الله سبحانه وتعالى.

🌿 يتبيّن مما سبق أنّ الغريزة لا يمكن أن توجد إلا بإرادة خالق عليم حكيم فطر الكائنات الحية على هذه الغرائز وهداها لما تسد به حاجاتها وتؤمّن لها بقاءها واستمرارها وتنفع بني جنسها وغيرهم كذلك، فالغريزة أمرٌ وضعه الله تبارك وتعالى في الكائنات لتسوقها إلى سلوكيّات معقدة وذكيّة ومفيدة، لأنه تبارك وتعالى هو الحكيم العليم اللّطيف والودود الذي ما كان ليترك خلقه ضائعين هائمين على وجوههم في العالم يحتاجون فلا يعرفون كيف يسدون حاجتهم، وما كان ليخلقهم عبثا -حاشاه سبحانه-.

🌿وهذا ما قرّره القرآن في قوله تعالى: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}، فبتلك الكلمات الموجزة الجامعة وصف نبي الله موسى عليه السّلام ربّه تبارك وتعالى، فهو الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوقٍ خلقه الجسمي اللائق به، الدال على حسن صنعة من خلقه؛ ثم هدى كل مخلوقٍ إلى ما خلقه له من جلب منافع ودفع مضار كما يناسب بنيته وحاجته وبيئته وما سُخِّر له. ومثل ذلك قوله تبارك وتعالى {الذي أحسن كل شيء خلقه}، فالذي خلق المخلوقات وأعطاها خلقها الحسن ومن ثم هداها لمصالحها وعلَّمها طرق نجاتها وانتفاعها هو الرب على الحقيقة سبحانه وتعالى.

⭐️ وبهذا يتضح لنا كيف تدل الغرائز بالضرورة على وجود الله جل جلاله.

—————————-

🔸🔸 الغرائز تعرفنا على صفات الله جل جلاله .

🌿 إن وجود الغرائز ليس دليلا على وجود الخالق جل جلاله فحسب، بل يدل أيضا على صفات الله عز وجل، فبتأملها يتعرف العبد على مولاه، ويزداد حبا وتعظيما له، ويتعلق قلبه به وحده مكتفيا به جل جلاله .

🌿 فهداية الكائنات لكل ما تحتاجه تدل على الله الهادي العليم بحاجة كل مخلوق وموقعه وقدراته التي وهبت له، وهو الذي بنى فيه خططاً محكمة لسد تلك الحاجات وإعانة غيره على حاجاتهم كذلك، وكل ذلك يسير بنظام متقن يتسق فيه عمل كل مخلوق مع غيره فيعينه ويستعين به، فالنحل حين يصنع العسل ينفع نفسه وبني جنسه ويقدم للبشر منتجه ويلقح الزهور ويساهم في دورة حياتها أيضا. قال تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } [النحل:٦٨ - ٦٩].

يتبع ⬇️
٢
🌿 وتعرفنا الغرائز على الله تبارك وتعالى القيوم على عباده الحفيظ، الذي خلق كل شيء ولم يتركه هملاً سبحانه، بل هو قائم على شؤون خلقه يدبر أمرهم ويكفيهم حاجتهم ويخلق لهم ما به تستقيم حياتهم من وسائل وأدوات، ويلهمهم طريقة التعامل معها واستصلاحها، وها هو القندس البارع الصبور يقدم لنا خير مثال على ذلك، فمَن علمه سوى ربه كيف ينشئ عشه ويبني سدا منيعا يحميه من المياه الجارية وكأنه مهندس بارع يعرف كيفية بناء السدود والمواد التي يحتاجها في البناء؟ ، ومَن هداه سوى الله لمعرفة ما يصمد به السد مع شدة المياه واتجاه الرياح! حتى وأنه يبنيه مستقيما في العادة إلا إذا كان الماء شديدا فيبنيه مقوسا ليواجه سطحه المحدب شدة اندفاع الماء وكأنه على علم بهذه القوانين والحسابات الدقيقة؟ مَن علمه سوى الله كيف يحافظ على مستوى المياه ثابتا بأن يجعل كمية المياه الخارجة من السد تساوي تقريبا الداخلة له مع التيار ؟ {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}.

🌿 وتتجلى صفة الرحمة في مظاهر الرحمة بين الخلائق وما هي إلا جزء من مئة رحمة من رحمات المولى، وتظهر كذلك في عنايته سبحانه بأصغر وأضعف مخلوقاته، من الطير في أعشاشها إلى النمل في جحورها، فالنمل يتمسك بالحياة ويخزن طعام الشتاء في فصل الصيف رغم شدة مشقة ذلك وصعوبته عليه، والطير يحاول منذ قدرته على الحركة إلقاء نفسه من العش ليجرب الطيران الذي يعلم بغريزته أنه ولا شك سيتمكن منه، بل أثبتت التجارب أنّ الطفل الذي يحبس عن الطيران حتى يكبر لا يلبث أن يطير إذا أطلق سراحه دون أن يُعلّم ذلك، وصدق تعالى: {أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير} [الملك:١٩].

• وإذا كانت هذه رحمته وعنايته سبحانه بأقل مخلوقاته شأنا فكيف بالإنسان وقد قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}.وممّا منّ الله به على الإنسان من غرائز هو الميل للأنس بالآخرين، سواء كانوا بشراً مثله أو حيوانات أو غيبيات، وقد كان السلف الصالح يعدون أفضل الثمرات التي حصلوها من التزامهم شرع الله هي الأنس به سبحانه.

• ومن تمام رحمته سبحانه أن تفضل على الإنسان بالقدرة على التحكم بغريزته وتحديد مسار فعله معها أو ضدها، فهو قادر على تدريب نفسه على كبت غضبه، وغض بصره، والزهد بمتع الدنيا التي هو مجبول على التعلق بها وتطلبها، وكل ذلك مما يدعوه الالتزام بشرع الله ليسمو إليه بروحه فوق غرائزه الطبيعية، قال تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} [آل عمران: ١٤]. ورغم أن الله تبارك وتعالى لم يوجد فينا غريزة إلا وأوجد لها منفذا شرعيا صحيحا، إلا أنه أراد لنا أن نسمو فوق العيش لمجرد إشباع الحاجات والانقياد وراء الغرائز، فنعلو فوق الحيوان ونحيا لرضا الرحمن.

🌿وبعض المشاهد تعرفنا على الله القهار القادر على تسخير بعض الكائنات لبعض، القادر على تغيير خصائصها وجبلتها عناية بمخلوق آخر، كالرحمة والشفقة التي نشاهدها في أفعال الكائنات المفترسة تجاه صغارها، أو سكونها وعدم افتراسها لكائنات ضعيفة - كعدم افتراس التمساح لطائر الزقزاق الذي يتغذى على الطعام بين أسنانه- في مشهد يجعلنا نتساءل، كيف سخر الله هذا الطير ولم يخف من التمساح؟ وكيف تركه التمساح ولم يفترسه دونا عن بقية الكائنات؟ ، وما هذا إلا هداية وإلهام من الله القهار مالك كل شيء ومليكه.

🌿ويدلنا اختلاف صور هدايات الحيوانات، مثل اختلاف صور التخفي من العدو من كائن لآخر على قدرة الله وإبداعه في خلقه .. فسبحان الله العظيم .


⭐️وها نحن نصل إلى نهاية رحلتنا في هذا الدليل البديع، وقد وقفنا معه على نواحٍ كثيرة من قدرة وعظمة اللطيف الخبير، عالم الغيب والشهادة الذي لا يغيب عن كمال علمه السر وأخفى، ولا يقصر عن كمال سمعه مناداة ولا نجوى.
فسبحان الذي له الخلق والأمر، يدبره من السماء إلى الأرض، ولا يغيب عن كمال تدبيره مخلوق مهما صغر، الولي الحميد الذي له الأمر وإليه المصير.


[١] https://youtu.be/2MZ7mSgEG9U
------------------------------


#دليل_الغرائز
#أدلة_وجود_الله عز وجل


٣
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وأعاده علينا وعلى أمتنا بالنصر والبركات

أسرة الميسر في تعزيز اليقين
سندخل في مقالنا الجديد داخل النفس البشرية بصورة أعمق.. لنتأمل أكثر في واحدة من دلائل الفطرة التي أودعها الله سبحانه بين جنبينا.. إنّها فطرية تديّن هذه النفس، أو ما يمكن أن نسمّيه أصالة تدينها.


الدليل العاشر من أدلة وجود الله عز وجل
🔹دليل أصالة التدين 🔹


⬇️⬇️⬇️


🔁 روابط مشاركة المقال :





◀️ تليجرام.
https://t.me/moyassaryaqeen/278




فيس بوك.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2730792543889642&id=2204066486562253&sfnsn=scwspmo


تويتر .
https://twitter.com/moyassaryaqeen/status/1401935821394034688




#الإيمان_بالله عز وجل
#دليل_أصالة_التدين
#أدلة_وجود_الله عز وجل
#أدلة_أصول_الإسلام
#المستوى_الأول
الدليل العاشر من أدلة وجود الله عز وجل

🔹 دليل أصالة التدين🔹


• تقدم معنا دلائل عدة تَبيَّن أن الله تعالى أودع الدلائل القاطعة في كل ما نراه حولنا على أنه الخالق العظيم العليم الحكيم، بل أودع دلائل فطرية في نفوسنا يدلنا التأمل فيها على وجوده سبحانه واتصافه بصفات الكمال، كما تقدم معنا في دلائل الوعي، والقيم المطلقة، والجمال، والإرادة الحرة.

👌🏻 ولندخل الآن داخل النفس البشرية بصورة أعمق.. لنتأمل أكثر في واحدة من دلائل الفطرة التي أودعها الله سبحانه بين جنبينا.. إنّها فطرية تديّن هذه النفس، أو ما يمكن أن نسمّيه أصالة تدينها.

----------------------------------------------------

🔹 (١) هل التدين فطرة أصيلة في النفس البشرية🔹



🔸🔸 لنتأمل أولا في داخل النفس البشرية .


حاجة كل نفس بشرية إلى الخضوع لمن هو متصف بالكمال .

🌿 من منّا لا يجد في نفسه رغبة قوية ودافعا فطرياً وحاجة إلى ركن وثيق يلجأ إليه.. يخضع له طوعا، ويعظمه محبة.. يعلق به قلبه في الرخاء، ويلجأ إليه عند الشدائد…

• إنسان تضيق به الحياة.. يغلق الناس أبوابهم في وجهه، فلا يجد قلبه مخرجا عندها إلا أن يلجأ إلى عظيم رحيم كريم قدير.. لا يطرده عن بابه، ولا يتخلى عنه في مصابه، يطلب منه حاجته فيعطيه، ويبثه شكواه فيرحمه.

• وآخر يركب البحر فيداهمه الموج، أو يركب طائرة فتضطرب به شيئا يسيرا.. فلا يملك أن يمنع قلبه من التوجه إلى القوي القريب المجيب، فيطلب منه النجاة والعون.

🌿 لو تأملت في نفسك لوجدت هذا المعنى حاضرا بقوة، ولو تأملت أحوال الناس لوجدت هذا حاضرا كذلك، فالنفس البشرية لا بد لها من شيء تخضع له وتتعلق به..

⭐️ وهذا الشعور برهان قوي على تجذر وأصالة التدين، ووجود شعور الافتقار لعبودية الخالق والفرار إليه في كل نفس بشرية.

--------------

إلحاح الأسئلة الوجودية.

تلك الأسئلة الكبرى التي تولد معنا وتعيش داخلنا: من نحن؟ كيف وُجدنا في هذا الكون ؟ لماذا نحن فيه؟ ما الغاية من خلقنا وخلق هذا الكون العظيم؟ إلى أين سنذهب بعد الموت؟

أسئلة كفيلة بأن تنغص الحياة وتقض المضاجع وتؤرق الأجفان إذا لم تحظ بالجواب الشافي.. أسئلة حيرت الكثيرين قديما وحديثا… أسئلة يشترك فيها جميع البشر وتلح على من يجهل جوابها إلحاحا شديدا؛ مما يدل على فطريتها ووجود جواب عليها، ويدل على أننا لم نُخلق عبثا.

⭐️ إن هذه الأسئلة تدفع الإنسان دفعا للبحث عن الخالق والدين الحق الذي سيُذهب عنه هذا التحيّر بالجواب العقلي الفطري الصحيح الشافي.

--------------

غريزة التطلع.

🌿 إن غريزة التطلع المشتركة بين البشر بمعناها العميق وبما فيها من التوجه والترقب والطموح والتشوق والتمني… من محركات التدين ودلائله، ومن المبادئ التي يقوم عليها الإيمان والعلم، فالتطلّع إلى الكمال والتطلع إلى الغيب.. والتشوق إلى المجهول.. والتوجه نحو الاستطلاع.. والطموح إلى الاكتشاف.. والصبو إلى الحقيقة.. لا بد إن تبعه الإنسان بصدق أن يصل به إلى أسمى المعارف وغاية الغايات، ووجود هذه الغريزة أمر حقيقي، بإنكاره ينكر الإنسان جزءا منه، وإن شئت فقل: ينكر كيانه وذاته.

🌿 إن وجود عنصر نبيل في الإنسان، متطلعٌ للبقاء والوجود يدل على استحالة أن يكون الإنسان خُلق سدى ليعيش لأجل الدنيا ويفنى بعد الموت.

⭐️ ويدل وجود التطلع الغريزي على أصالة التدين وفطريته؛ لأن هذه الغريزة لن يلبي حاجتها مَن يقف عند حدود المحسوسات والماديات ويُغرق نفسه في دنيا الفناء؛ لأنه بهذا يخالف الفطرة الإنسانية التي تتطلع إلى الكمال وتتشوف إلى الخلود والبقاء وترفض النظرة العبثية للدنيا لما تجده من شعور غائي ملح، ولن تستقر وتسكن نفس الإنسان المتطلعة إلا بالتدين وما فيه من عبودية لله عز وجل المتصف بالكمال المطلق، وما فيه من الوعد بالخلود في جنات النعيم.



يتبع ⬇️
(1/4)