بشرَى سارَّة ...
فرَّغ أخٌ فاضلٌ لنا محاضرات شرح اللُّمعِ .
تفضَّلُوا، وانشطُوا في المذاكرة معاشر الطلبة : ))
وهذا رابطُ تفريغ المحاضرات الخمس الأولى
https://archive.org/details/salim_2m_yahoo_201710
فرَّغ أخٌ فاضلٌ لنا محاضرات شرح اللُّمعِ .
تفضَّلُوا، وانشطُوا في المذاكرة معاشر الطلبة : ))
وهذا رابطُ تفريغ المحاضرات الخمس الأولى
https://archive.org/details/salim_2m_yahoo_201710
Internet Archive
شرح كتاب اللمع من المحاضرة الأولى إلى الخامسة : الشافعية : Free Download, Borrow, and Streaming : Internet Archive
تفريغ شرح الشيخ محمد سالم بحيري على اللمع
بناءً على طلبِ كثيرٍ من إخواننا ...
فقد تقرَّر جعلُ الخميس والجمعة أجازة؛ ليتمكَّنَ إخواننا من المراجعة.
وبذلك يتحصَّل لنا في كلِّ أسبوعٍ خمس محاضرات في كلِّ مادّة .
وغدًا الجمعة بإذن الله نُخصِّص منشورًا لتلقي أسئلتكم حول مسائل الدرس في المواد الثلاث
فقد تقرَّر جعلُ الخميس والجمعة أجازة؛ ليتمكَّنَ إخواننا من المراجعة.
وبذلك يتحصَّل لنا في كلِّ أسبوعٍ خمس محاضرات في كلِّ مادّة .
وغدًا الجمعة بإذن الله نُخصِّص منشورًا لتلقي أسئلتكم حول مسائل الدرس في المواد الثلاث
عمرُكَ قليلٌ، وكلامُك مسطُورٌ، وذنوبُك معدُودَةٌ، ويومُ الجَزاءِ قريبٌ، فاعمل لهذا اليومِ؛ يا مسكين ...
ما ضرَّ مَنْ كانَت الفردَوْسُ مَسْكَنَهُ ... ماذا تجَرَّعَ من بُؤسٍ وإقتَارِ
الحمد لله،
هنا فائدتان:
هذا رابطٌ لتفريغِ شرح المحلي على الورقات، ينقص منه الدروس (17،18،19) ..
وبعض أخواتنا الفضليات وإخواننا الأفاضل قد قاموا بتفريغها، ونشروها في التعليقات .
https://archive.org/details/salim_2m_yahoo_201709
===
وهذا رابطٌ للمدخل المختصر للمذهب الشافعيِّ، ولكن خطُّه أفضل مما سبق نشرُه، لأنّ الأول كان مكتوبًا على الآلة الكاتبة، وقد تفضّل برفعه بعض إخواننا الأفاضل.
http://www.mediafire.com/file/oud45qn8fz3fpg7/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B0%D9%87%D8%A8+%D8%B9%D9%86%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%81%D8%B9%D9%8A%D8%A9.pdf
هنا فائدتان:
هذا رابطٌ لتفريغِ شرح المحلي على الورقات، ينقص منه الدروس (17،18،19) ..
وبعض أخواتنا الفضليات وإخواننا الأفاضل قد قاموا بتفريغها، ونشروها في التعليقات .
https://archive.org/details/salim_2m_yahoo_201709
===
وهذا رابطٌ للمدخل المختصر للمذهب الشافعيِّ، ولكن خطُّه أفضل مما سبق نشرُه، لأنّ الأول كان مكتوبًا على الآلة الكاتبة، وقد تفضّل برفعه بعض إخواننا الأفاضل.
http://www.mediafire.com/file/oud45qn8fz3fpg7/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B0%D9%87%D8%A8+%D8%B9%D9%86%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%81%D8%B9%D9%8A%D8%A9.pdf
Internet Archive
تفريغ شرح الشيخ محمد سالم بحيري على الورقات : الشيخ محمد سالم بحيري : Free Download, Borrow, and Streaming : Internet Archive
أصول الفقه
نحن أمَّة قد تكالَب عليها كلُّ عدو، فصليبيٌّ كافرٌ يبذل ليلَهُ ونهارَهُ في إماتتها، ويهوديٌّ غادِر كالسرطان بين جنبيها، وأذنابٌ لهم منافقون قد أمَّرُوهم على الأمَّة لا يُبَالُون بدينٍ ولا مروءةٍ ولا عروبةٍ، وجماهيرُ قد غيَّبوا كثيرًا منهم عن قضيَّة دينِهم.
وإنَّا لنحسب أنَّ الله يعدُّ الأمَّة لأمرٍ جلل، وإنه ليُوشِكُ أن يهيِّئ الله عبادًا له حقًّا، هم هم الذين يقولُ لهم الشجرُ والحجر: يا مسلم؛ يا عبد الله، هذا يهودِيٌّ خلفِي تعالَ فاقتله؛ كما أخبرَ الصَّادِق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ...
وإنَّا لنحسب أنَّ الله يعدُّ الأمَّة لأمرٍ جلل، وإنه ليُوشِكُ أن يهيِّئ الله عبادًا له حقًّا، هم هم الذين يقولُ لهم الشجرُ والحجر: يا مسلم؛ يا عبد الله، هذا يهودِيٌّ خلفِي تعالَ فاقتله؛ كما أخبرَ الصَّادِق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ...
لو كانت لي وصية لأحد لأوصيته بكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .. ولو كانت لي دعوة مستجابة لقلت: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد ...
إنَّ الذنبَ الذي كسرَ الله به خُيَلاء قلبِك فسارعت إلى توبٍة = لَهُو أنفَعُ من طاعةٍ ملَئت قلبَك عُجْبًا ..
يقولُ سلَمة بن دينار رحمه الله: «إنَّ الرَّجُل ليعمَلُ السَّيئة ما عَمِل حسنة قط أنفع له منها، ويعمل الحسنة ما عمل سيئة قط أضر عليه منها» ...
يقولُ سلَمة بن دينار رحمه الله: «إنَّ الرَّجُل ليعمَلُ السَّيئة ما عَمِل حسنة قط أنفع له منها، ويعمل الحسنة ما عمل سيئة قط أضر عليه منها» ...
مصنع «معتمد المذهب»، وقصَّة مع المذهب الشافعي ...
لعلَّ أكثر من يتابِعُ صفحة الفقير = يعرف أني «شافعيٌّ»، أُصَرِّحُ بأني لستُ مُحتاجًا لأن أخرجَ عن المذهب، لا لأنّي أفترضُ صوابيَّة المذهبِ في كلِّ مسألة على وجه المصادرة، بل لأنِّي قد آليتُ على نفسِي ألا أفتِي بمسألة في المذهب، أو أحكِيها عن معتمِده، إلا إذا قامَ عندي مقتضِيها من جهة الدليل، وجوابُ المذهب عن المخالف( أو جواب مستقيم على قاعدتِه).
وهذه الطريقة العسرة في النظر إلى التمذهب = طريقة مسلُوكة عند جماعةٍ من الأصحابِ، ومنهم العلامة علاء الدين الباجيُّ رحمه الله.
فأنا لستُ مُحتاجًا للخروج عن المذهبِ لا لافتراض الصوابيَّة، بل لقيامِ مقتضيها في أمَّهات مسائل المذهبِ.
لم يكن ذلك بتقديرٍ منِّي ولا ترتيب يومَ أن شرعتُ في دراسة المذهب، بل كان من نعمة الله عليَّ أن هيَّأني لملازمة كتاب سيدي محيي الدين النوويِّ؛ «منهاج الطالبين»، وكان فتحًا عليَّ من كلِّ جانبٍ، فلازمتُه حفظًا ودرسًا وتحقيقًا لشروحِه، حتى اكتملَ مما حققته عندي ثلاث شروحٍ، منها شرحان مطَوَّلانِ مخطوطان.
أحدُ هذه الشُّروحِ الثلاثة = عكفتُ عليه، فوضعتُ عليه حاشيتين، إحدهما لنفسِي، والآخرى للنشرِ.
أمَّا التي لنفسِي فكانت حاشية حديثية، فكلُّ حديثٍ يستدلُّ به الشارح رحمه الله أعكف على تتبُّعِه وجمع طرقه وتتبُّع كلام حذَّاق أئمة الصَّناعة المتقدمين فيه، لا لشيءٍ إلا لأقول حين أقولُ: «دليلُ المذهب كذا» = أكونُ متحقِّقًا مما أقولُ.
وأمَّا الحاشية الأخرى فكانت فقهيَّة = فوضعتُ على حاشية الشرح زوائد «التحفة» و«النهاية» و«المغني» و«أسنى المطالب» من قيودِ المُطلقاتِ وتخصيصات العمومات وتحريرات محالّ الخلاف.
أمَّأ الشرحان المُطوَّلانِ = فكان كافيًا لي أن أقفَ مع إشكالتهما على معتمد الشيخين فقط.
ولكن؛ أنا في كلِّ ذلك لي غاية أحبُّ أن أصِل إليها = لماذا اعتمدَ المحققون هذا القولَ، وضعَّفُوا ذاك ؟
وإني لأكرَهُ الأجوبة المُعلَّبة الجاهزة، تلك التي تقولُ: الشيخان أعلَمُ وأفهمُ، وكفى.
نعم؛ هذه حقيقة لا شكِّ فيها، وتصلح كذلك كجواب إجمالي ولكن لا تليق بفقيهٍ بعيد الغور في مذهبِه.
فعزمتُ حينئذٍ على تصوير كلِّ ورقةٍ شافعيَّة تستطيعُ يدي الوصولَ إليها، وجمعتُ من ذلك ما شاءَ الله لي أن أجمَعَ من تصانيف الأصحاب من بعد الشافعيِّ إلى زمان الرملي رحمه الله.
فقط؛ لأجيب عن هذا السؤال في كلِّ مسألة، لماذا كان هذا معتمدًا مفتى به، وذاك مضعفًا، وثالثًا شاذًّا واهيًا.
من سبع سنواتٍ أرسلتُ في تصوير «خادم الرافعيِّ والروضة»، قبل أن يشرعَ فيه طلبة الجامعات، وقبل أن يشتهر في الوسط الشافعيِّ، وكانَ من منَنِ الله عليَّ أن نظرتُ فيه، ونسختُ منه مجلدات.
كان «خادمُ الرافعيِّ والروضة» طبقة عليا لم أرَها من قبل في البحثِ المذهبيِّ، أعلى من مجرَّد معرفة ما اعتمدَهُ المتأخرون واستظهار شروح المنهاج (والأخير واجبٌ صناعي).
يشبِهُ أن أقول لكَ: هذه كانت أوَّل خطوة لي في دخول ما يمكن أن تسمِّيه «مصنع المعتمد»، أي: معتمد المشايخ الأربعة المتأخرين.
نعم؛ كانت أوَّل خطوة، ثمَّ تبيَّن لي أنَّ لـ«خادم الرافعي والروضة» موارِد، فشرعتُ في تتبُّعِها، وعلمتُ أنَّ أوَّل من أظهر هذه الطريقة النفيسة في البحث المذهبيِّ – وإن كنتُ أخالفه فيما عامَّة ما ذهب إليه وأوافق النووي – هو الإسنويِّ رحمه الله في كتابِه العبقريِّ «المهمات»، والذي طبع من سنواتٍ ثمانٍ.
ثمَّ عرفتُ أنَّ «المهمَّات» التي انتقدَ فيها الإسنويُّ شيئًا من ترجيحاتِ قد انتقدت، بل انتقدَها تلميذ الإسنويِّ الذي قرأها عليه كلمة كلمة، إنه ابنُ العماد، فصنَّف «التعقبات على المهمَّات»، ثمَّ امتنَّ الله عليَّ، وظفرتُ به مخطوطًا، وأنا شغوفٌ للنظر، كيف ردَّ ابنُ العِمادِ هذه التعقبات الإسنويَّة على الشيخين.
ولكني كنتُ أتوقِّع أن أجد جوابًا شافيًا عن كل إشكالات الإسنوي، لا سيما التي تتعلق بالتعقب بنص الشافعيِّ رضي الله عنه، ولكن الكتاب على نفاسته = لم أجد فيه تمام مبتغاي.
ثمَّ علمتُ بأنَّ الأذرعيَّ مُشارِكٌ في هذه الطبقة الرفيعة من البحث المذهبي، فسارعتُ لاقتناءِ كتابه العبقريّ «التوسط والفتح بين الرَّوضة والشَّرح» مخطوطًا، فكان أكبر من الإسنويِّ وابن العماد وأكثر منهما توسُّعًا.
وكان من أفضل ما رأيتُ في هذه الطبقة، وبقيت إشكالات كثيرة، بل الأذرعيُّ أحيانًا كثيرًا يزيد إشكالات لمك يتعرَّض لها الإسنويُّ رحمه الله.
فصارَ عندي من أعمدة «مصنع معتمد المتأخرين»: «المهمَّات» للإسنوي، و«التعقبات على المهمِّات» لابن العماد، «التوسط والفتح بين الرَّوضة والشرح» للأذرعيِّ، و«خادم الرافعيِّ والروضة» للزركشيِّ.
أدمنُ النظرَ فيها، وأنسخ بيدي مجلدات من المخطوط منها، وأنا مثلُ رجلٍ يقف في ضوضاء مصنعٍ يرى كيف يصنع هذا الثوب الرائع المسمَّى بـ«معتمد المتأخرين»، ويزيد عجبِي بهؤلاء الأكابر الذين نظروا ونقَّحُوا.
ثمَّ امتنَّ الله عليَّ بصُحبة ر
لعلَّ أكثر من يتابِعُ صفحة الفقير = يعرف أني «شافعيٌّ»، أُصَرِّحُ بأني لستُ مُحتاجًا لأن أخرجَ عن المذهب، لا لأنّي أفترضُ صوابيَّة المذهبِ في كلِّ مسألة على وجه المصادرة، بل لأنِّي قد آليتُ على نفسِي ألا أفتِي بمسألة في المذهب، أو أحكِيها عن معتمِده، إلا إذا قامَ عندي مقتضِيها من جهة الدليل، وجوابُ المذهب عن المخالف( أو جواب مستقيم على قاعدتِه).
وهذه الطريقة العسرة في النظر إلى التمذهب = طريقة مسلُوكة عند جماعةٍ من الأصحابِ، ومنهم العلامة علاء الدين الباجيُّ رحمه الله.
فأنا لستُ مُحتاجًا للخروج عن المذهبِ لا لافتراض الصوابيَّة، بل لقيامِ مقتضيها في أمَّهات مسائل المذهبِ.
لم يكن ذلك بتقديرٍ منِّي ولا ترتيب يومَ أن شرعتُ في دراسة المذهب، بل كان من نعمة الله عليَّ أن هيَّأني لملازمة كتاب سيدي محيي الدين النوويِّ؛ «منهاج الطالبين»، وكان فتحًا عليَّ من كلِّ جانبٍ، فلازمتُه حفظًا ودرسًا وتحقيقًا لشروحِه، حتى اكتملَ مما حققته عندي ثلاث شروحٍ، منها شرحان مطَوَّلانِ مخطوطان.
أحدُ هذه الشُّروحِ الثلاثة = عكفتُ عليه، فوضعتُ عليه حاشيتين، إحدهما لنفسِي، والآخرى للنشرِ.
أمَّا التي لنفسِي فكانت حاشية حديثية، فكلُّ حديثٍ يستدلُّ به الشارح رحمه الله أعكف على تتبُّعِه وجمع طرقه وتتبُّع كلام حذَّاق أئمة الصَّناعة المتقدمين فيه، لا لشيءٍ إلا لأقول حين أقولُ: «دليلُ المذهب كذا» = أكونُ متحقِّقًا مما أقولُ.
وأمَّا الحاشية الأخرى فكانت فقهيَّة = فوضعتُ على حاشية الشرح زوائد «التحفة» و«النهاية» و«المغني» و«أسنى المطالب» من قيودِ المُطلقاتِ وتخصيصات العمومات وتحريرات محالّ الخلاف.
أمَّأ الشرحان المُطوَّلانِ = فكان كافيًا لي أن أقفَ مع إشكالتهما على معتمد الشيخين فقط.
ولكن؛ أنا في كلِّ ذلك لي غاية أحبُّ أن أصِل إليها = لماذا اعتمدَ المحققون هذا القولَ، وضعَّفُوا ذاك ؟
وإني لأكرَهُ الأجوبة المُعلَّبة الجاهزة، تلك التي تقولُ: الشيخان أعلَمُ وأفهمُ، وكفى.
نعم؛ هذه حقيقة لا شكِّ فيها، وتصلح كذلك كجواب إجمالي ولكن لا تليق بفقيهٍ بعيد الغور في مذهبِه.
فعزمتُ حينئذٍ على تصوير كلِّ ورقةٍ شافعيَّة تستطيعُ يدي الوصولَ إليها، وجمعتُ من ذلك ما شاءَ الله لي أن أجمَعَ من تصانيف الأصحاب من بعد الشافعيِّ إلى زمان الرملي رحمه الله.
فقط؛ لأجيب عن هذا السؤال في كلِّ مسألة، لماذا كان هذا معتمدًا مفتى به، وذاك مضعفًا، وثالثًا شاذًّا واهيًا.
من سبع سنواتٍ أرسلتُ في تصوير «خادم الرافعيِّ والروضة»، قبل أن يشرعَ فيه طلبة الجامعات، وقبل أن يشتهر في الوسط الشافعيِّ، وكانَ من منَنِ الله عليَّ أن نظرتُ فيه، ونسختُ منه مجلدات.
كان «خادمُ الرافعيِّ والروضة» طبقة عليا لم أرَها من قبل في البحثِ المذهبيِّ، أعلى من مجرَّد معرفة ما اعتمدَهُ المتأخرون واستظهار شروح المنهاج (والأخير واجبٌ صناعي).
يشبِهُ أن أقول لكَ: هذه كانت أوَّل خطوة لي في دخول ما يمكن أن تسمِّيه «مصنع المعتمد»، أي: معتمد المشايخ الأربعة المتأخرين.
نعم؛ كانت أوَّل خطوة، ثمَّ تبيَّن لي أنَّ لـ«خادم الرافعي والروضة» موارِد، فشرعتُ في تتبُّعِها، وعلمتُ أنَّ أوَّل من أظهر هذه الطريقة النفيسة في البحث المذهبيِّ – وإن كنتُ أخالفه فيما عامَّة ما ذهب إليه وأوافق النووي – هو الإسنويِّ رحمه الله في كتابِه العبقريِّ «المهمات»، والذي طبع من سنواتٍ ثمانٍ.
ثمَّ عرفتُ أنَّ «المهمَّات» التي انتقدَ فيها الإسنويُّ شيئًا من ترجيحاتِ قد انتقدت، بل انتقدَها تلميذ الإسنويِّ الذي قرأها عليه كلمة كلمة، إنه ابنُ العماد، فصنَّف «التعقبات على المهمَّات»، ثمَّ امتنَّ الله عليَّ، وظفرتُ به مخطوطًا، وأنا شغوفٌ للنظر، كيف ردَّ ابنُ العِمادِ هذه التعقبات الإسنويَّة على الشيخين.
ولكني كنتُ أتوقِّع أن أجد جوابًا شافيًا عن كل إشكالات الإسنوي، لا سيما التي تتعلق بالتعقب بنص الشافعيِّ رضي الله عنه، ولكن الكتاب على نفاسته = لم أجد فيه تمام مبتغاي.
ثمَّ علمتُ بأنَّ الأذرعيَّ مُشارِكٌ في هذه الطبقة الرفيعة من البحث المذهبي، فسارعتُ لاقتناءِ كتابه العبقريّ «التوسط والفتح بين الرَّوضة والشَّرح» مخطوطًا، فكان أكبر من الإسنويِّ وابن العماد وأكثر منهما توسُّعًا.
وكان من أفضل ما رأيتُ في هذه الطبقة، وبقيت إشكالات كثيرة، بل الأذرعيُّ أحيانًا كثيرًا يزيد إشكالات لمك يتعرَّض لها الإسنويُّ رحمه الله.
فصارَ عندي من أعمدة «مصنع معتمد المتأخرين»: «المهمَّات» للإسنوي، و«التعقبات على المهمِّات» لابن العماد، «التوسط والفتح بين الرَّوضة والشرح» للأذرعيِّ، و«خادم الرافعيِّ والروضة» للزركشيِّ.
أدمنُ النظرَ فيها، وأنسخ بيدي مجلدات من المخطوط منها، وأنا مثلُ رجلٍ يقف في ضوضاء مصنعٍ يرى كيف يصنع هذا الثوب الرائع المسمَّى بـ«معتمد المتأخرين»، ويزيد عجبِي بهؤلاء الأكابر الذين نظروا ونقَّحُوا.
ثمَّ امتنَّ الله عليَّ بصُحبة ر
جلٍ حاذقٍ في هذا المضمارِ، هو خامسُهم في ترتيب الملازمة، وأولُهم في فتحَ هذا البابَ ولو بنوعِ هدوءٍ (لم يتحلَّ به الإسنويُّ)، وهو العلامة تقيُّ الدين السبكيُّ، فصحبتُ الرَّجلَ في شرحِه النفيس على منهاجِ النوويِّ، والذي كتبَ منه ألفًا وثمانمائة لوحة مخطوطة إلى الطلاق فقط، ومن يعرف شروح المنهاج = يعرف هذا الجهد الجبَّار لهذا الرَّجل.
لازمتُ التقيَّ السبكيَّ، وهو أحدُ أركانِ «مصنع المعتمد»، أقرَأ كلَّ كلمة كتبَها في شرحِه، وأتأمَّل كلَّ تعقُّب أوردَهُ على النوويِّ، وأفلِّي «الأمَّ» وما وقعت عليه يدي من تصانيف الشافعيِّ كي أجدَ جوابًا على ما قالَ، أو أتوقف في نفسي، وكأنَّ الله نعمته على سيدي محيي الدين بالتوفيق، فعامَّة ما تعقِّب فيه أجدُ جوابَه.
يمكن أن تُسمِّي هذه المرحلة الدخول في «مصنع معتمد المتأخرين»، وصُحبة أعمدتِه، بعضُهم أستوعِب كلَّ ما كتبُوا على «المنهاج» وأفهرس تعقباته، كالتقيِّ السبكيِّ والإسنويِّ، لاشتغالي بشرحيهما، وبعضُهم بتتبُّع تنقيحاتهم كابن العماد والأذرعيِّ والزركشيِّ.
كان من نتاجِ هذه المرحلة كما أخبرتُكَ = حاشيتان وشرحانِ، حاشيتان على شرح المحليِّ على المنهاج، وشرحان: شرح التقيِّ السبكيِّ وشرح الإسنويِّ على المنهاج، كلُّ ذلك حبيسُ أدراجي أخرجُه حين أشعر أني حققتُ الكتب الثلاثة على الوجه اللائق بالأئمَّة الثلاثة.
صحيحٌ، يأكَل من وقتي كثيرًا، وأذهب وأجيء، ولكن كلُّ هذا لا يعجلني في إخراجِ شيءٍ أحبُّ أن أخرجَه كما ينبغي أن يكونَ، حتى ملَّ مني بعضُ إخواني وقالُوا: أنت شغوفٌ بالاستقصاءِ، وهذا مرضُ الأعمالِ الأكبر.
ثمَّ قلتُ في نفسِي: لقد دخلتَ الآن «مصنع معتمد المشايخ الأربعة»، هلَّا عرفت كيف يصنَعُ النوويُّ نفسُه «معتمدَهُ».
فشرعتُ في فهرسة مصارد النوويِّ رحمه الله في «مجمُوعِه»، لأظفر بكلِّ ورقةٍ قد استعانَ بها النوويُّ رحمه الله ورضي عنه في صناعة هذا الذي سمَّاه متأخرُو الشافعيَّة «معتمد المذهب»، يعنون به ترجيح الشيخين.
فمن ذلك ما هو مخطوط أصلُ إليه، وقليلٌ منه مخطوط بعيدُ المنَالِ، ومنه مفقودٌ دونه خرط القتاد، وقد امتنَّ الله عليَّ بإخوانٍ صدقٍ في ذلك، لا أجدُ لهم جزاءً إلا أن أديم الدعاء لهم، فكم ساعدُوني بلا مُقابِلٍ دينويٍّ، وكم يسَّرُوا ليَّ كثيرًا من العُسر الذي يلقاهُ طالبُ مخطوطٍ في أقصى الأرضِ، لا يظفر به إلا بعد بضعِ سنين.
فكان في هذه المرحلة أني شرعتُ في الظفر بكلِّ تصلُ إليه يدي من تصانيف العراقيين والخراسانيين.
أتأمَّل؛ كيف يصلُ هذا الحبر العلَّامة محيي الدين النوويِّ إلى هذه الكلمة التي يضعها لنا على طبق من ذهب فيقولُ: «اختلفُوا على ثلاثة أوجهٍ، والثالث هو المعتمد».
فأنظُر فيما نظرَ إليه، وكلَّما نظرتُ علمتُ أنَّ الرَّجل حقيق بالتقديم، لم يُرَ مثلَه، لا في جمعِ نصوص الشافعيِّ رضي الله عنه، ولا في جمع نصوص الأصحاب.
كلُّ هذا أخرجني من سجن «الأجوبة المُعلَّبة» في تقديم الشيخين إلى «معاينة سبب التقديم».
ثم شرعتُ في كتابَة شرحٍ على «المنهاج» خاصٍّ بي، آليتُ فيه على نفسي ألا أكتبَ كلمة في شرحِ عبارة إلا إذا طالعتُ كلَّ كلمة كتبَها الأصحاب في عين المسألة، من لدن الشافعيِّ إلى الرَّملي وأصحابُ الحواشي.
فآخذ المذهب من قبته إلى نهايته، فأنظرُ تصانيف الشافعيِّ، وتصانيف أصحابه، ثم تصانيف الشيخين، ثمَّ تصانيف المنقحين (التقي السبكي والإسنوي والأذرعي والزركشي)، ثمَّ تصانيف المشايخ الأربعة، ثمَّ حواشي المتأخرين.
لا آسَى على وقتٍ، بل أنا شغوفٌ بذلك.
حتى إذا قلتُ: المعتمد كذا = انقدَح في نفسِي دليلُه وردُّ إشكالِه.
وكم أُسأَل عن مسألة أحفظُ نصَّها في «المنهاج»، وأستظهر قيدَها من شروحه، ولا أفتي فيها، بل أدلُّ سائلي على أخٍ شافعيٍّ لي أو أخوين ليفتيه فيها، وأنا أعرف أنه يفتيه بنصِّ المنهاج، ولكني لا أفتي إلا بما انقدَح في نفسِي دليلُه واستقامتُه على قاعدة الشافعيِّ ونصِّه، وهذا توقُّفٌ مني، وليس ردًّا لنصِّه.
لا أُثرِّب على من لم يفعل مثلَ فعلِي، بل أدنى الواجب الصناعيِّ: حفظ المنهاج، واستظهار قيود مطلقاته وتخصيصات عموماتِه.
ولكن هذا سبيلٌ خاصٌّ بي، أسلكُه وأشغف به، ولا أثرِّبُ على من لم يسلكه.
وإن لم أُحصِّل منه شيئًا سوى أن أعرف: لماذا اعتمدَ الأكابر هذا، ولم يعتمِدُوا ذاك = لكفَى.
ومن يتابِعُ هذه الصفحة يعلم أني تكلَّمتُ في مسائل من المذهب، يردُّها بعضُ المعاصرين على النووي، بسطحيَّة، وآليتُ على نفسِي أن أجيب عن الإشكالِ المذهبيِّ فيها، وهو ادعاء معارضة ترجيح النووي لنصِّ الشافعيِّ، وعلى الإشكالِ الدلائليِّ.
ومسائل أخرى كان ترجيح النوويِّ على خلاف المشايخ الأربعة، فكتبتُ فيها باستفاضة، وبيَّنتُ وجه استقامة ترجيح الأربعة على أصولِ المذهبِ.
فأنا أكرَهُ الأجوبة المعلَّبة، إذا يأتي الطالبُ الشافعيُّ المبتدِئ إليَّ أو إلى إخواني الأفاضل فيقولُ: كيف يرجِّح النوويُّ كذا، ونصُّ الشافعيِّ على خلافِه؟ أسهلُ شيءٍ ف
لازمتُ التقيَّ السبكيَّ، وهو أحدُ أركانِ «مصنع المعتمد»، أقرَأ كلَّ كلمة كتبَها في شرحِه، وأتأمَّل كلَّ تعقُّب أوردَهُ على النوويِّ، وأفلِّي «الأمَّ» وما وقعت عليه يدي من تصانيف الشافعيِّ كي أجدَ جوابًا على ما قالَ، أو أتوقف في نفسي، وكأنَّ الله نعمته على سيدي محيي الدين بالتوفيق، فعامَّة ما تعقِّب فيه أجدُ جوابَه.
يمكن أن تُسمِّي هذه المرحلة الدخول في «مصنع معتمد المتأخرين»، وصُحبة أعمدتِه، بعضُهم أستوعِب كلَّ ما كتبُوا على «المنهاج» وأفهرس تعقباته، كالتقيِّ السبكيِّ والإسنويِّ، لاشتغالي بشرحيهما، وبعضُهم بتتبُّع تنقيحاتهم كابن العماد والأذرعيِّ والزركشيِّ.
كان من نتاجِ هذه المرحلة كما أخبرتُكَ = حاشيتان وشرحانِ، حاشيتان على شرح المحليِّ على المنهاج، وشرحان: شرح التقيِّ السبكيِّ وشرح الإسنويِّ على المنهاج، كلُّ ذلك حبيسُ أدراجي أخرجُه حين أشعر أني حققتُ الكتب الثلاثة على الوجه اللائق بالأئمَّة الثلاثة.
صحيحٌ، يأكَل من وقتي كثيرًا، وأذهب وأجيء، ولكن كلُّ هذا لا يعجلني في إخراجِ شيءٍ أحبُّ أن أخرجَه كما ينبغي أن يكونَ، حتى ملَّ مني بعضُ إخواني وقالُوا: أنت شغوفٌ بالاستقصاءِ، وهذا مرضُ الأعمالِ الأكبر.
ثمَّ قلتُ في نفسِي: لقد دخلتَ الآن «مصنع معتمد المشايخ الأربعة»، هلَّا عرفت كيف يصنَعُ النوويُّ نفسُه «معتمدَهُ».
فشرعتُ في فهرسة مصارد النوويِّ رحمه الله في «مجمُوعِه»، لأظفر بكلِّ ورقةٍ قد استعانَ بها النوويُّ رحمه الله ورضي عنه في صناعة هذا الذي سمَّاه متأخرُو الشافعيَّة «معتمد المذهب»، يعنون به ترجيح الشيخين.
فمن ذلك ما هو مخطوط أصلُ إليه، وقليلٌ منه مخطوط بعيدُ المنَالِ، ومنه مفقودٌ دونه خرط القتاد، وقد امتنَّ الله عليَّ بإخوانٍ صدقٍ في ذلك، لا أجدُ لهم جزاءً إلا أن أديم الدعاء لهم، فكم ساعدُوني بلا مُقابِلٍ دينويٍّ، وكم يسَّرُوا ليَّ كثيرًا من العُسر الذي يلقاهُ طالبُ مخطوطٍ في أقصى الأرضِ، لا يظفر به إلا بعد بضعِ سنين.
فكان في هذه المرحلة أني شرعتُ في الظفر بكلِّ تصلُ إليه يدي من تصانيف العراقيين والخراسانيين.
أتأمَّل؛ كيف يصلُ هذا الحبر العلَّامة محيي الدين النوويِّ إلى هذه الكلمة التي يضعها لنا على طبق من ذهب فيقولُ: «اختلفُوا على ثلاثة أوجهٍ، والثالث هو المعتمد».
فأنظُر فيما نظرَ إليه، وكلَّما نظرتُ علمتُ أنَّ الرَّجل حقيق بالتقديم، لم يُرَ مثلَه، لا في جمعِ نصوص الشافعيِّ رضي الله عنه، ولا في جمع نصوص الأصحاب.
كلُّ هذا أخرجني من سجن «الأجوبة المُعلَّبة» في تقديم الشيخين إلى «معاينة سبب التقديم».
ثم شرعتُ في كتابَة شرحٍ على «المنهاج» خاصٍّ بي، آليتُ فيه على نفسي ألا أكتبَ كلمة في شرحِ عبارة إلا إذا طالعتُ كلَّ كلمة كتبَها الأصحاب في عين المسألة، من لدن الشافعيِّ إلى الرَّملي وأصحابُ الحواشي.
فآخذ المذهب من قبته إلى نهايته، فأنظرُ تصانيف الشافعيِّ، وتصانيف أصحابه، ثم تصانيف الشيخين، ثمَّ تصانيف المنقحين (التقي السبكي والإسنوي والأذرعي والزركشي)، ثمَّ تصانيف المشايخ الأربعة، ثمَّ حواشي المتأخرين.
لا آسَى على وقتٍ، بل أنا شغوفٌ بذلك.
حتى إذا قلتُ: المعتمد كذا = انقدَح في نفسِي دليلُه وردُّ إشكالِه.
وكم أُسأَل عن مسألة أحفظُ نصَّها في «المنهاج»، وأستظهر قيدَها من شروحه، ولا أفتي فيها، بل أدلُّ سائلي على أخٍ شافعيٍّ لي أو أخوين ليفتيه فيها، وأنا أعرف أنه يفتيه بنصِّ المنهاج، ولكني لا أفتي إلا بما انقدَح في نفسِي دليلُه واستقامتُه على قاعدة الشافعيِّ ونصِّه، وهذا توقُّفٌ مني، وليس ردًّا لنصِّه.
لا أُثرِّب على من لم يفعل مثلَ فعلِي، بل أدنى الواجب الصناعيِّ: حفظ المنهاج، واستظهار قيود مطلقاته وتخصيصات عموماتِه.
ولكن هذا سبيلٌ خاصٌّ بي، أسلكُه وأشغف به، ولا أثرِّبُ على من لم يسلكه.
وإن لم أُحصِّل منه شيئًا سوى أن أعرف: لماذا اعتمدَ الأكابر هذا، ولم يعتمِدُوا ذاك = لكفَى.
ومن يتابِعُ هذه الصفحة يعلم أني تكلَّمتُ في مسائل من المذهب، يردُّها بعضُ المعاصرين على النووي، بسطحيَّة، وآليتُ على نفسِي أن أجيب عن الإشكالِ المذهبيِّ فيها، وهو ادعاء معارضة ترجيح النووي لنصِّ الشافعيِّ، وعلى الإشكالِ الدلائليِّ.
ومسائل أخرى كان ترجيح النوويِّ على خلاف المشايخ الأربعة، فكتبتُ فيها باستفاضة، وبيَّنتُ وجه استقامة ترجيح الأربعة على أصولِ المذهبِ.
فأنا أكرَهُ الأجوبة المعلَّبة، إذا يأتي الطالبُ الشافعيُّ المبتدِئ إليَّ أو إلى إخواني الأفاضل فيقولُ: كيف يرجِّح النوويُّ كذا، ونصُّ الشافعيِّ على خلافِه؟ أسهلُ شيءٍ ف
لام الأكابر.
وكلُّ هذا تمهيدٌ لجزئيات وكلِّيات، لا بد من إيضاحِها، أرى أنها من أعمدة نجاح ما يمكن أن تسمِّيه «النهضة المذهبيَّة الجديدة»، والتي أسأَلُ الله أن يكتُب لها البقاءَ.
وغدًا؛ بإذن الله نتكلَّمُ فيما بعدَ التمهيد ...
وكلُّ هذا تمهيدٌ لجزئيات وكلِّيات، لا بد من إيضاحِها، أرى أنها من أعمدة نجاح ما يمكن أن تسمِّيه «النهضة المذهبيَّة الجديدة»، والتي أسأَلُ الله أن يكتُب لها البقاءَ.
وغدًا؛ بإذن الله نتكلَّمُ فيما بعدَ التمهيد ...
ي ذلك جوابٌ معلّب: «النوويُّ أفهَمُ منك لنصِّه».
أنا أكرَهُ مثل ذلك، إذ الجوابُ موجودٌ، معلُوم لكلِّ خائض في خضمِّ هذا المذهب العجيب، الذي لا أعلَمُ مذهبًا نشطت فيه الحركة النقديَّة للمعتمد، كما نشطت فيه.
دعني أقول لك شيئًا آخرَ: إنَّ الإسنويَّ لما طبع كان فتنة كبيرة لأناسٍ كثيرين، ظنُّوا أن الإسنويِّ رحمه الله سيغيَّر خريطة المذهب.
هو عملٌ عظيم حقًّا، ولكن «عامَّة» ما غلَّط الإسنويُّ فيه النوويَّ = الصوابُ فيه مع النوويِّ رحمه الله، ولكن الجوابُ الحقيقي البعيد عن الأجوبة المُعلّبة = عسِر التحصيل وإن كان موجودًا.
والعجيبُ أن إشكالات الإسنويِّ رغم ما صنع بعدَهُ من تصانيف (وما كتب على المهمات فقط يقارب مائة مجلَّد) = إلى الآن لم يُجَب عن عامّتِها، بل كان الزركشيُّ مع سعة اطلاعِه وعبقريَّتِه المذهبية والأصوليَّة = يحكي اعتراضهُ منسوبًا أو غير منسوب = ولا يجيبُ عنه، بل قد يؤيِّدُه بمزيدِ قرائن أو نصوصٍ عن الشافعيِّ أو بعض أصحابه.
ثمَّ إذا نظرت في كتب المتأخرين = غاية ما تجد قولُهم: «والمعتمد كذا وإن قالَ الإسنويِّ كذا».
نعم؛ هذا حسنٌ، أين الجوابُ عمَّا قالَ الإسنويُّ؟
لن تجد في عامَّة المسائل، رغم قوَّة إشكالات الإسنويِّ بالنصوصِ.
أعذر هؤلاء الأئمَّة في إهمال الجواب (أو إهمال البحث عن الجوابِ)، وهي مسألة عسرة حقًّا؛ إذ الجوُّ العلميُّ آنذاكَ = كان مستقرًّا على ترجيح الشيخين، فلم تكن المسألة تحدث ضوضاءَ في الميدان المذهبيِّ.
هذا كان له شأنٌ عظيمٌ بعد فضل الله في سبحانه = في أن يجعلني وسطًا بين طرفين: «التهوين من المعتمد» و«تقديس المعتمد».
التهوين من المعتمد = بأنْ تردَّ ترجيحات الشيخين بسطحيَّة دلائليَّة وظاهريَّة عجماء، أو بسطحيَّة مذهبية وتسليط ظواهر العبارات على ترجيحات الشيخين.
الأصلُ أنَّ المعتمد ما اتفق عليه الشيخان؟ ومن بعدهما المشايخ الأربعة؟
نعم بلا شكٍّ، ولكن السؤال : هذا المعتمَدُ يمكِنُ أن يُغَلَّط ؟
نعم يمكِنُ أن يغلَّط، وإن لم تكن هذه الطبقة من البحث المذهبيِّ لكلِّ أحدٍ.
دعني أضرِبُ لكَ مثالًا يوضح لكَ المقصُود، وتأمَّل في تطور البحث المذهبيِّ في هذه المسألة.
ينصُّ الأصحابُ في «باب سجود السهو» على أنَّ تطويل الرُّكنَ القصيرَ في الصَّلاة (كالاعتدال مثلًا) بسكوتٍ أو قرآن أو ذكر لام يشرع فيه = مُبطِلٌ للصَّلاة، دعني أجولُ بكَ في كتب الأصحابِ لترَى كيف صارت صورة الترجيح ومبناهُ حين وصلَ للرَّملي رحمه الله.
فلنأخذ المسألة من سفل إلى فوق، من الرَّملي رحمه الله إلى الشافعيِّ رضي الله عنه.
تأمَّل معي.
لمَّا شرحَ الرَّمليُّ رحمه الله (المتوفى 1004هـ) هذه المسألة في «نهايته» (جـ2/ص72) قرَّرَ ما اعتمدَهُ النوويُّ رحمه الله في غاية الهدوءِ، ولم يُشكِل على ذلك بإشكالٍ مذهبيٍّ، ولا بإشكالٍ دلائليٍّ، اللهمَّ إلا حكايته عن النوويِّ أنه اختار من حيثُ الدليل عدم البطلان، وردَّ كلامَه بكون ما ادعي كونه دليلًا وقائع فعليَّة.
ونحُوه فعلَ الخطيب الشربينيُّ رحمه الله (ت977) «المغني» (جـ1/ص206) وشيخ الإسلام زكريَّا (ت926) في «الأسنى» (جـ1/ص176)، بل لم يشيرا إلى الإشكالِ أصلًا.
أمَّا الهيتميُّ رحمه الله (ت 974هـ) فأجابَ عن الإشكالِ الدلائليِّ لا المذهبيِّ في «الإيعاب» [جـ1/لوحة 247/ نسخة الأزهريَّة) بأجوبةٍ، فلمَّا صنف «التحفة» ألمَحَ إلى ضعفِها، فقالَ رحمه الله: «وقد يتمحَّلُ للمعتمدِ بأنها وقائعُ فعليَّة محتملة».
تأمَّل قولَه: «وقد يتمحَّل»، يشيرُ إلى ضعفِ الجوابِ عن الإشكالِ بالدليلِ على المذهب في هذه المسألة.
تأمَّل؛ ما حدث في هذه الطبقة، لا أحد إلى الآن أجابَ عن الإشكال المذهبيِّ بنصِّ الشافعيِّ في المسألة، أما الإشكال بالدليل = فأهملَهُ شيخ الإسلام زكريا والخطيبُ، وأجابَ عنه الرَّمليُّ بجوابٍ فيه نظر، وألمحَ الهيتميُّ إلى ضعف الجوابِ، ووصفَهُ بالتمحُّلِ.
فلنصعد إلى طبقة علماء ما بين التنقيحين.
أما التقيُّ السبكيُّ رحمه الله في «الابتهاج شرح المنهاج» (جـ1/لوحة 100/ نسخة أحمد الثالث) = فقرَّر المسألة على غير عادته في عدم الإشكالِ، ثمَّ بين الوجه الثاني بعدم الإبطالِ، وأوردَ ما أشكلَ به النوويُّ على الوجه المعتمد وميله إلى الوجه الثاني دليلًا لا مذهبًا، أي: ميل النووي، ولفظُه دالٌّ على أنه لا يختار في المسألة خلاف المعتمد.
أمَّا الإسنويُّ رحمه الله في «كافي المحتاج» (جـ1/لوحة 130-131/ الأزهريَّة)، فحكى إشكالَ النوويِّ الدلائليّ، ولم يتابعه، ولم يتعرَّض للإشكال المذهبيِّ بنصِّ الشافعيِّ.
وكذلك في «المهمات» (جـ3/ص211)، حكى الإشكال الدلائلي لا المذهبي، ولم يقره عليه.
أمَّا الأذرعيُّ رحمه الله فكان عنده جديدٌ على كلِّ ما مضى، فأشكلَ بالدليل وبنصِّ الشافعيِّ، أما الإشكال بالدليل فهذا موجود في كلام النووي قبله، وأمَّا بنصِّ الشافعيِّ فهو خريت غوَّاص، ولكن كلامُه في «قوت المحتاج» (جـ1/لوحة 49/ نسخة الظاهرية) وجيز، وأحسَنُ منه كلامُه في «ا
أنا أكرَهُ مثل ذلك، إذ الجوابُ موجودٌ، معلُوم لكلِّ خائض في خضمِّ هذا المذهب العجيب، الذي لا أعلَمُ مذهبًا نشطت فيه الحركة النقديَّة للمعتمد، كما نشطت فيه.
دعني أقول لك شيئًا آخرَ: إنَّ الإسنويَّ لما طبع كان فتنة كبيرة لأناسٍ كثيرين، ظنُّوا أن الإسنويِّ رحمه الله سيغيَّر خريطة المذهب.
هو عملٌ عظيم حقًّا، ولكن «عامَّة» ما غلَّط الإسنويُّ فيه النوويَّ = الصوابُ فيه مع النوويِّ رحمه الله، ولكن الجوابُ الحقيقي البعيد عن الأجوبة المُعلّبة = عسِر التحصيل وإن كان موجودًا.
والعجيبُ أن إشكالات الإسنويِّ رغم ما صنع بعدَهُ من تصانيف (وما كتب على المهمات فقط يقارب مائة مجلَّد) = إلى الآن لم يُجَب عن عامّتِها، بل كان الزركشيُّ مع سعة اطلاعِه وعبقريَّتِه المذهبية والأصوليَّة = يحكي اعتراضهُ منسوبًا أو غير منسوب = ولا يجيبُ عنه، بل قد يؤيِّدُه بمزيدِ قرائن أو نصوصٍ عن الشافعيِّ أو بعض أصحابه.
ثمَّ إذا نظرت في كتب المتأخرين = غاية ما تجد قولُهم: «والمعتمد كذا وإن قالَ الإسنويِّ كذا».
نعم؛ هذا حسنٌ، أين الجوابُ عمَّا قالَ الإسنويُّ؟
لن تجد في عامَّة المسائل، رغم قوَّة إشكالات الإسنويِّ بالنصوصِ.
أعذر هؤلاء الأئمَّة في إهمال الجواب (أو إهمال البحث عن الجوابِ)، وهي مسألة عسرة حقًّا؛ إذ الجوُّ العلميُّ آنذاكَ = كان مستقرًّا على ترجيح الشيخين، فلم تكن المسألة تحدث ضوضاءَ في الميدان المذهبيِّ.
هذا كان له شأنٌ عظيمٌ بعد فضل الله في سبحانه = في أن يجعلني وسطًا بين طرفين: «التهوين من المعتمد» و«تقديس المعتمد».
التهوين من المعتمد = بأنْ تردَّ ترجيحات الشيخين بسطحيَّة دلائليَّة وظاهريَّة عجماء، أو بسطحيَّة مذهبية وتسليط ظواهر العبارات على ترجيحات الشيخين.
الأصلُ أنَّ المعتمد ما اتفق عليه الشيخان؟ ومن بعدهما المشايخ الأربعة؟
نعم بلا شكٍّ، ولكن السؤال : هذا المعتمَدُ يمكِنُ أن يُغَلَّط ؟
نعم يمكِنُ أن يغلَّط، وإن لم تكن هذه الطبقة من البحث المذهبيِّ لكلِّ أحدٍ.
دعني أضرِبُ لكَ مثالًا يوضح لكَ المقصُود، وتأمَّل في تطور البحث المذهبيِّ في هذه المسألة.
ينصُّ الأصحابُ في «باب سجود السهو» على أنَّ تطويل الرُّكنَ القصيرَ في الصَّلاة (كالاعتدال مثلًا) بسكوتٍ أو قرآن أو ذكر لام يشرع فيه = مُبطِلٌ للصَّلاة، دعني أجولُ بكَ في كتب الأصحابِ لترَى كيف صارت صورة الترجيح ومبناهُ حين وصلَ للرَّملي رحمه الله.
فلنأخذ المسألة من سفل إلى فوق، من الرَّملي رحمه الله إلى الشافعيِّ رضي الله عنه.
تأمَّل معي.
لمَّا شرحَ الرَّمليُّ رحمه الله (المتوفى 1004هـ) هذه المسألة في «نهايته» (جـ2/ص72) قرَّرَ ما اعتمدَهُ النوويُّ رحمه الله في غاية الهدوءِ، ولم يُشكِل على ذلك بإشكالٍ مذهبيٍّ، ولا بإشكالٍ دلائليٍّ، اللهمَّ إلا حكايته عن النوويِّ أنه اختار من حيثُ الدليل عدم البطلان، وردَّ كلامَه بكون ما ادعي كونه دليلًا وقائع فعليَّة.
ونحُوه فعلَ الخطيب الشربينيُّ رحمه الله (ت977) «المغني» (جـ1/ص206) وشيخ الإسلام زكريَّا (ت926) في «الأسنى» (جـ1/ص176)، بل لم يشيرا إلى الإشكالِ أصلًا.
أمَّا الهيتميُّ رحمه الله (ت 974هـ) فأجابَ عن الإشكالِ الدلائليِّ لا المذهبيِّ في «الإيعاب» [جـ1/لوحة 247/ نسخة الأزهريَّة) بأجوبةٍ، فلمَّا صنف «التحفة» ألمَحَ إلى ضعفِها، فقالَ رحمه الله: «وقد يتمحَّلُ للمعتمدِ بأنها وقائعُ فعليَّة محتملة».
تأمَّل قولَه: «وقد يتمحَّل»، يشيرُ إلى ضعفِ الجوابِ عن الإشكالِ بالدليلِ على المذهب في هذه المسألة.
تأمَّل؛ ما حدث في هذه الطبقة، لا أحد إلى الآن أجابَ عن الإشكال المذهبيِّ بنصِّ الشافعيِّ في المسألة، أما الإشكال بالدليل = فأهملَهُ شيخ الإسلام زكريا والخطيبُ، وأجابَ عنه الرَّمليُّ بجوابٍ فيه نظر، وألمحَ الهيتميُّ إلى ضعف الجوابِ، ووصفَهُ بالتمحُّلِ.
فلنصعد إلى طبقة علماء ما بين التنقيحين.
أما التقيُّ السبكيُّ رحمه الله في «الابتهاج شرح المنهاج» (جـ1/لوحة 100/ نسخة أحمد الثالث) = فقرَّر المسألة على غير عادته في عدم الإشكالِ، ثمَّ بين الوجه الثاني بعدم الإبطالِ، وأوردَ ما أشكلَ به النوويُّ على الوجه المعتمد وميله إلى الوجه الثاني دليلًا لا مذهبًا، أي: ميل النووي، ولفظُه دالٌّ على أنه لا يختار في المسألة خلاف المعتمد.
أمَّا الإسنويُّ رحمه الله في «كافي المحتاج» (جـ1/لوحة 130-131/ الأزهريَّة)، فحكى إشكالَ النوويِّ الدلائليّ، ولم يتابعه، ولم يتعرَّض للإشكال المذهبيِّ بنصِّ الشافعيِّ.
وكذلك في «المهمات» (جـ3/ص211)، حكى الإشكال الدلائلي لا المذهبي، ولم يقره عليه.
أمَّا الأذرعيُّ رحمه الله فكان عنده جديدٌ على كلِّ ما مضى، فأشكلَ بالدليل وبنصِّ الشافعيِّ، أما الإشكال بالدليل فهذا موجود في كلام النووي قبله، وأمَّا بنصِّ الشافعيِّ فهو خريت غوَّاص، ولكن كلامُه في «قوت المحتاج» (جـ1/لوحة 49/ نسخة الظاهرية) وجيز، وأحسَنُ منه كلامُه في «ا
لتوسط والفتح بين الرَّوضة والشَّرح» (جـ1/لوحة 153/ الأزهريّة)، فرجَّح أن الصواب عدم البطلان بتطويل الركن القصير، وقالَ: «بل هو الصَّحيح مذهبًا ودليلًا»، وحكى نصَّ الشافعيِّ عن حكاية ابن كجٍّ»، وعبارته في «قوت المحتاج»: «وهو الصحيح المختار».
تأمَّل؛ عندنا في هذه الطبقة شيءٌ زائد، وهو الإشكالُ على المعتمد بنصِّ الشافعيِّ في المسألة، وسوف نورِده بإذن الله.
فلنصعد إلى طبقة الشيخين عليهما رحمة الله.
أمَّا الرافعيُّ رحمه الله فحكي في «الشرح الكبير» (جـ1/ص76) وجهين عند الأصحاب تبعًا لإمام الحرمين، وحكى ترجيحه عن إمام الحرمين، ولم يصرِّح بترجيح أحدِهما، أمَّا في «الشرح الصغير» (جـ1/لوحة 154/ نسخة الظاهرية) فصرَّح بترجيح ما قال إمام الحرمين، وهو البطلان.
وأما النوويُّ رحمه الله فتصانيفه مطبقة على ترجيح ما قالَ إمام الحرمين رحمه الله، بيد أنه يشكل على المسألة جدًّا بالدليل، أي: بحديث حذيفة رضي الله عنه بتطويل الاعتدال في صلاة حذيفة خلفه وكذا حديث أنس بتطويل الجلوس بين السجدتين، ثمَّ يقولُ في «شرح المهذَّب» (جـ4/ص127): «والجواب عنه صعبٌ على مَنْ مَنَعَ الإطالة، فالأقوى جوازها بالذكر، والله أعلم».
تأمَّل جدًّا؛ هنا إنَّ النوويِّ والرافعي عليهما رحمة الله قد حكيا في المسألة الوجهين، واختارَا من حيث المذهب = اعتماد البطلان لإمام الحرمين، ولم يحكيا في المسألة نصًّا عن الشافعيِّ، وليس من عادة النوويِّ رحمه الله إذا وقف على نصٍّ للشافعيِّ أن يحكي المسألة على أوجُهٍ.
فإذا صعدنا إلى طبقة ما قبل الشيخين = وجدنا أصل الترجيح وأحسن من استدلَّ له = إمام الحرمين رحمه الله، فنجد أنه يحكي في المسألة الاوجه دون إشارة إلى نصٍّ الشافعيِّ، وينتهي في «نهاية المطلب» (جـ2/ص268) إلى أن ظاهر المذهب أن تطويل الركن القصير مبطلٌ.
أما القاضي أبو الطيب الطبريُّ رحمه الله فيجزم بخلاف ما ذهبَ إليه إمام الحرمين تمامًا، وهو أنَّ تطويل الرُّكن القصيرِ = غيرُ مُبطِلٍ.
أمَّأ البغويُّ في «تهذيبه» فجزمَ بالبطلان، ولم يحكِ في المسألة شيئًا من الأوجُه.
فإذا صعدنا إلى الشافعيِّ رضي الله عنه = وجدنا للشافعيِّ رضي الله عنه نصًّا عزيزًا، يفيدُ أنَّ تطويل الرُّكن القصير لا يبطلُ الصَّلاة، ولا سجود للسَّهْو فيه.
قالَ الشافعيُّ رحمه الله في «الأمِّ» (جـ2/ص258]: «ولو أطالَ القيامَ يدعُو ساهيًا، وهو لا ينوِي به القنوتَ، كرهتُ ذلك له، ولا إعادَة عليه، ولا سجودَ للسَّهْوِ؛ لأنَّ القراءة من عملِ الصَّلاة في هذا الموضعِ، وهذا الموضعُ موضعُ ذكرٍ غير قراءة، فإنْ زادَ فيه فلا يُوجِب عليه سهوًا، ولذلك لو أطالَ القيامَ ينوِي به القنوتَ كان عليه سجودُ السَّهْوِ؛ لأنَّ القنوتَ عَمَلٌ معدودٌ من عملِ الصَّلاة، فإذا عملَهُ في غيرِ موضعِه أوجبَ عليه سجودَ السَّهْوِ».
قالَ السِّراجُ البلقينيُّ $ في «حاشيته» [1/114]: «المُرادُ بقولِ الشافعيِّ أولًا: (ولو أطالَ القيامَ) يعني: القيامَ الذي بعد الرُّكوعِ، وهو الاعتدالُ، وكذا نقلَهُ في (عيون المسائل) فقالَ الرَّبيعُ عن الشَّافِعِيِّ قال: (إذا رفَعَ رأسَهُ من الرُّكُوعِ وأطالَ القِيامَ بذِكْرِ الله أو ساهيًا لا يَنْوِي به القنوتَ كَرِهْتُهُ، ولا سُجُودَ للسَّهْوِ عليه، ولو قرَأَ في ذلِكَ أو قَنَت كانَ عليه سجدَتا السهو وإن قصر قيامَهُ وقرأ فكذلك، (لو أطالَ القيامَ ينوى به القنوتَ) المرادُ به القيام الذى قبل الركوع، وفِيهِ التَّصرِيحُ بأنَّ نقلَ القُنُوتِ إلى مَوْضِعٍ غير موضِعِه سهوًا يقتَضِى سُجُودَ السَّهْوِ».
هذا نصُّ بديعٌ من الشافعيِّ ينصرُ ما جزمَ به القاضي أبو الطيِّب رحمه الله، وما ظنَّهُ النوويُّ رحمه الله لا يوافِق صحيح المذهب، فاختارَهُ من جهة الدليل لا من جهة المذهب.
تأمَّل؛ تطَوُّر البحث المذهبيِّ في المسألة.
في مرحلة التنقيح الثاني = غاية ما قيل كان من الهيتميِّ، وهو تقرير المشهور، مع استضعاف الأجوبة، وليس فيها إشارة إلى النصِّ، وفي مرحلة ما بين التنقيحين = حكاية إشكال النوويِّ الدلائليّ، غير الأذرعيّ رحمه الله الحاذق الخريت يشكل بالنصِّ والدليل، وفي مرحلة الشيخين = يقرِّرُ الرافعي المعتمد عند الجويني، وأما النوويِّ فيتابعه من ناحية المذهب، ويُشكِل بالدليل، فإذا صعدنا وجدنا نصين نفيسين أحدهما في «عيون المسائل» يحكيه البلقينيُّ، والآخر في «الأمِّ».
لا أتردَّدُ في اعتقادِ أنَّ الصواب مذهبًا في المسألة = عدم البطلانِ بالتطويل، وكلام الشافعيِّ رضي الله عنه صريحٌ في ردِّ تعليل من علَّل بأنه كالإخلال بالموالاة.
سامحني؛ كلُّ هذا كالتمهيد، ولكن أطلتُ عليكَ، ولكن كان لا بدَّ منه؛ لأنِّي أرى ذلك عينُ «المذهبيَّة الرشيدة».
فلا هي مذهبيَّة تعيدُ المحاريب الأربعة.
ولا هي سطحيَّة دلائليَّة ناتجة عن ضعفٍ أصوليٍّ وحديثيٍّ تسلِّطُ أسياف الظواهر على كلام «كبار المجتهدين» و«(كبار) محققي أصحابهم»، فيجلِس أحدُهم متكئًا على أريكتِه ليسلِّطَ أسياف الظواهر على ك
تأمَّل؛ عندنا في هذه الطبقة شيءٌ زائد، وهو الإشكالُ على المعتمد بنصِّ الشافعيِّ في المسألة، وسوف نورِده بإذن الله.
فلنصعد إلى طبقة الشيخين عليهما رحمة الله.
أمَّا الرافعيُّ رحمه الله فحكي في «الشرح الكبير» (جـ1/ص76) وجهين عند الأصحاب تبعًا لإمام الحرمين، وحكى ترجيحه عن إمام الحرمين، ولم يصرِّح بترجيح أحدِهما، أمَّا في «الشرح الصغير» (جـ1/لوحة 154/ نسخة الظاهرية) فصرَّح بترجيح ما قال إمام الحرمين، وهو البطلان.
وأما النوويُّ رحمه الله فتصانيفه مطبقة على ترجيح ما قالَ إمام الحرمين رحمه الله، بيد أنه يشكل على المسألة جدًّا بالدليل، أي: بحديث حذيفة رضي الله عنه بتطويل الاعتدال في صلاة حذيفة خلفه وكذا حديث أنس بتطويل الجلوس بين السجدتين، ثمَّ يقولُ في «شرح المهذَّب» (جـ4/ص127): «والجواب عنه صعبٌ على مَنْ مَنَعَ الإطالة، فالأقوى جوازها بالذكر، والله أعلم».
تأمَّل جدًّا؛ هنا إنَّ النوويِّ والرافعي عليهما رحمة الله قد حكيا في المسألة الوجهين، واختارَا من حيث المذهب = اعتماد البطلان لإمام الحرمين، ولم يحكيا في المسألة نصًّا عن الشافعيِّ، وليس من عادة النوويِّ رحمه الله إذا وقف على نصٍّ للشافعيِّ أن يحكي المسألة على أوجُهٍ.
فإذا صعدنا إلى طبقة ما قبل الشيخين = وجدنا أصل الترجيح وأحسن من استدلَّ له = إمام الحرمين رحمه الله، فنجد أنه يحكي في المسألة الاوجه دون إشارة إلى نصٍّ الشافعيِّ، وينتهي في «نهاية المطلب» (جـ2/ص268) إلى أن ظاهر المذهب أن تطويل الركن القصير مبطلٌ.
أما القاضي أبو الطيب الطبريُّ رحمه الله فيجزم بخلاف ما ذهبَ إليه إمام الحرمين تمامًا، وهو أنَّ تطويل الرُّكن القصيرِ = غيرُ مُبطِلٍ.
أمَّأ البغويُّ في «تهذيبه» فجزمَ بالبطلان، ولم يحكِ في المسألة شيئًا من الأوجُه.
فإذا صعدنا إلى الشافعيِّ رضي الله عنه = وجدنا للشافعيِّ رضي الله عنه نصًّا عزيزًا، يفيدُ أنَّ تطويل الرُّكن القصير لا يبطلُ الصَّلاة، ولا سجود للسَّهْو فيه.
قالَ الشافعيُّ رحمه الله في «الأمِّ» (جـ2/ص258]: «ولو أطالَ القيامَ يدعُو ساهيًا، وهو لا ينوِي به القنوتَ، كرهتُ ذلك له، ولا إعادَة عليه، ولا سجودَ للسَّهْوِ؛ لأنَّ القراءة من عملِ الصَّلاة في هذا الموضعِ، وهذا الموضعُ موضعُ ذكرٍ غير قراءة، فإنْ زادَ فيه فلا يُوجِب عليه سهوًا، ولذلك لو أطالَ القيامَ ينوِي به القنوتَ كان عليه سجودُ السَّهْوِ؛ لأنَّ القنوتَ عَمَلٌ معدودٌ من عملِ الصَّلاة، فإذا عملَهُ في غيرِ موضعِه أوجبَ عليه سجودَ السَّهْوِ».
قالَ السِّراجُ البلقينيُّ $ في «حاشيته» [1/114]: «المُرادُ بقولِ الشافعيِّ أولًا: (ولو أطالَ القيامَ) يعني: القيامَ الذي بعد الرُّكوعِ، وهو الاعتدالُ، وكذا نقلَهُ في (عيون المسائل) فقالَ الرَّبيعُ عن الشَّافِعِيِّ قال: (إذا رفَعَ رأسَهُ من الرُّكُوعِ وأطالَ القِيامَ بذِكْرِ الله أو ساهيًا لا يَنْوِي به القنوتَ كَرِهْتُهُ، ولا سُجُودَ للسَّهْوِ عليه، ولو قرَأَ في ذلِكَ أو قَنَت كانَ عليه سجدَتا السهو وإن قصر قيامَهُ وقرأ فكذلك، (لو أطالَ القيامَ ينوى به القنوتَ) المرادُ به القيام الذى قبل الركوع، وفِيهِ التَّصرِيحُ بأنَّ نقلَ القُنُوتِ إلى مَوْضِعٍ غير موضِعِه سهوًا يقتَضِى سُجُودَ السَّهْوِ».
هذا نصُّ بديعٌ من الشافعيِّ ينصرُ ما جزمَ به القاضي أبو الطيِّب رحمه الله، وما ظنَّهُ النوويُّ رحمه الله لا يوافِق صحيح المذهب، فاختارَهُ من جهة الدليل لا من جهة المذهب.
تأمَّل؛ تطَوُّر البحث المذهبيِّ في المسألة.
في مرحلة التنقيح الثاني = غاية ما قيل كان من الهيتميِّ، وهو تقرير المشهور، مع استضعاف الأجوبة، وليس فيها إشارة إلى النصِّ، وفي مرحلة ما بين التنقيحين = حكاية إشكال النوويِّ الدلائليّ، غير الأذرعيّ رحمه الله الحاذق الخريت يشكل بالنصِّ والدليل، وفي مرحلة الشيخين = يقرِّرُ الرافعي المعتمد عند الجويني، وأما النوويِّ فيتابعه من ناحية المذهب، ويُشكِل بالدليل، فإذا صعدنا وجدنا نصين نفيسين أحدهما في «عيون المسائل» يحكيه البلقينيُّ، والآخر في «الأمِّ».
لا أتردَّدُ في اعتقادِ أنَّ الصواب مذهبًا في المسألة = عدم البطلانِ بالتطويل، وكلام الشافعيِّ رضي الله عنه صريحٌ في ردِّ تعليل من علَّل بأنه كالإخلال بالموالاة.
سامحني؛ كلُّ هذا كالتمهيد، ولكن أطلتُ عليكَ، ولكن كان لا بدَّ منه؛ لأنِّي أرى ذلك عينُ «المذهبيَّة الرشيدة».
فلا هي مذهبيَّة تعيدُ المحاريب الأربعة.
ولا هي سطحيَّة دلائليَّة ناتجة عن ضعفٍ أصوليٍّ وحديثيٍّ تسلِّطُ أسياف الظواهر على كلام «كبار المجتهدين» و«(كبار) محققي أصحابهم»، فيجلِس أحدُهم متكئًا على أريكتِه ليسلِّطَ أسياف الظواهر على ك
قالَ سُفيَانُ الثورِيُّ رَحِمَه الله: «لا نزَالُ نتعَلَّمُ العلمَ ما وجدنا مَنْ يُعَلِّمنا» ...